×
☰ فهرست و مشخصات
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الثانية و الثلاثون ص 3

الجزء الخامس‏
الروضة الثانية و الثلاثون‏

3
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلوة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب ص 5

 [] و كان من دعائه عليه السّلام بعد الفراغ من صلوة الليل لنفسه في الاعتراف بالذّنب‏
اللّهمّ يا ذا الملك المتابّد بالخلود و السّلطان الممتنع بغير جنود و لا اعوان و العزّ الباقي على مرّ الدّهور و خوالى الأعوام و مواضى الأزمان و الأيّام عزّ سلطانك عزّا لا حدّ له باوّليّة و لا منته له بآخريّة و استعلى ملكك علوّا سقطت الأشياء دون بلوغ امده و لا يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت النّاعتين ضلّت فيك الصّفات و تفسّخت دونك النّعوت و حارت في كبريائك لطائف الأوهام كذلك أنت اللّه الأوّل في اوّليّتك و على ذلك أنت دائم لا تزول و انا العبد الضّعيف عملا الجسيم املا خرجت من يدي أسباب الوصلات الّا ما وصله رحمتك و تقطّعت عنّى عصم الامال إلّا ما انا معتصم به من عفوك قلّ عندي ما اعتدّ به من طاعتك و كثر علىّ ما أبوء به من معصيتك و لن يضيق عليك عفو عن عبدك و ان اساء فاعف عنّى اللّهمّ و قد أشرف على خفايا الأعمال علمك و انكشف كلّ مستوردون خبرك و لا تنطوى عنك دقائق الأمور و لا تعزب عنك غيّبات السّرائر و قد استحوذ علىّ عدوّك الّذى استنظرك‏

5
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلوة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب ص 5

لغوايتى فانظرته و استمهلك إلى يوم الدّين لإضلالى فامهلته فاوقعنى و قد هربت إليك من صغائر ذنوب موبقة و كبائر اعمال مردية حتّى اذا قارفت معصيتك و استوجبت بسوء سعيى سخطتك فتل عنّى عذار غدره و تلقّانى بكلمة كفره و تولّى البراءة منّى و ادبر مولّيا عنّى فاصحرنى لغضبك فريدا و اخرجنى إلى فناء نقمتك طريدا لا شفيع يشفع لي إليك و لا خفير يؤمننى عليك و لا حصن يحجبنى عنك و لا ملاذ ألجأ إليه منك فهذا مقام العائذ بك و محلّ المعترف لك فلا يضيقنّ عنّى فضلك و لا يقصرنّ دوني عفوك و لا اكن اخيب عبادك التّائبين و لا اقنط وفودك الآملين و اغفر لي انّك خير الغافرين اللّهمّ إنّك امرتنى فتركت و نهيتنى فركبت و سوّل لي الخطاء خاطر السّوء فقرطت و لا استشهد على صيامى نهارا و لا استجير بتهجدى ليلا و لا تثنى علىّ باحيائها سنّة حاشا فروضك الّتى من ضيّعها هلك و لست اتوسّل إليك بفضل نافلة مع كثير ما اغفلت من وظائف فروضك و تعدّيت عن مقامات حدودك إلى حرمات انتهكتها و كبائر ذنوب اجترحتها كانت عافيتك لي من فضائحها سترا و هذا مقام‏

6
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلوة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب ص 5

من استحيا لنفسه منك و سخط عليها و رضى عنك فتلقّاك بنفس خاشعة و رقبة خاضعة و ظهر مثقل من الخطايا واقفا بين الرّغبة اليك و الرّهبة منك و أنت أولى من رجاه و أحقّ من خشيه و اتّقاه فاعطنى يا ربّ ما رجوت و امنّى ما حذرت و عد علىّ بعائدة رحمتك انّك أكرم المسئولين اللّهمّ و إذ سترتنى بعفوك و تغمّدتنى بفضلك في دار الفناء بحضرة الأكفاء فاجرنى من فضيحات دار البقاء عند مواقف الأشهاد من الملائكة المقرّبين و الرّسل المكرّمين و الشّهداء و الصّالحين من جار كنت اكاتمه سيّئاتى و من ذي رحم كنت احتشم منه في سريراتى لم اثق بهم ربّ في السّتر علىّ و وثقت بك ربّ في المغفرة لي و أنت أولى من وثق به و أعطى من رغب إليه و ارئف من استرحم فارحمنى اللّهمّ و أنت حدرتنى ماء مهينا من صلب متضائق العظام حرج المسالك إلى رحم ضيّقة سترتها بالحجب تصرّفنى حالا عن حال حتّى انتهيت بي إلى تمام الصّورة و اثبتّ فيّ الجوارح كما نعتّ في كتابك نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ثمّ عظاما ثمّ كسوت العظام لحما ثمّ انشاتنى خلقا اخر كما شئت حتّى إذا احتجت‏

7
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلوة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب ص 5

الى رزقك و لم استغن عن غياث فضلك جعلت لي قوتا من فضل طعام و شراب أجريته لأمتك الّتى اسكنتنى جوفها و اودعتنى قرار رحمها و لو تكلنى يا ربّ في تلك الحالات إلى حولى او تضطرّنى إلى قوّتى لكان الحول عنّى معتزلا و لكانت القوّة منّى بعيدة فغذوتنى بفضلك غذاء البرّ اللّطيف تفعل ذلك بي تطوّلا علىّ إلى غايتى هذه لا اعدم برّك و لا يبطئ بي حسن صنيعك و لا تتأكّد مع ذلك ثقتى فاتفرّغ لما هو احظى لي عندك قد ملك الشّيطان عنانى في سوء الظّن و ضعف اليقين فانا اشكو سوء مجاورته لي و طاعة نفسي له و استعصمك من ملكته و أتضرّع إليك في ان تسهّل إلى رزقي سبيلا فلك الحمد على ابتدائك بالنّعم الجسام و الهامك الشّكر على الإحسان و الانعام فصلّ على محمّد و آله و سهّل علىّ رزقي و ان تقنّعنى بتقديرك لي و ان ترضينى بحصّتى فيما قسمت لي و ان تجعل ما ذهب من جسمى و عمري فى سبيل طاعتك انّك خير الرّازقين اللّهمّ انّى أعوذ بك من نار تغلّظت بها على من عصاك و توعّدت بها من صدف عن رضاك و من نار نورها ظلمة و هيّنها اليم و بعيدها قريب و من نار يأكل‏

8
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلوة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب ص 5

بعضها بعض و يصول بعضها على بعض و من نار تذر العظام رميما و تسقى أهلها حميما و من نار لا تبقى على من تضرّع إليها و لا ترحم من استعطفها و لا تقدر على التّخفيف عمّن خشع لها و استسلم إليها تلقى سكّانها باحرّ ما لديها من اليم النّكال و شديد الوبال و أعوذ بك من عقاربها الفاغرة افواهها و حيّاتها الصّالقة بانيابها و شرابها الّذى يقطّع امعاء و افئدة سكّانها و ينزع قلوبهم و استهديك لما باعد منها و اخّر عنها اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و أجرنى منها بفضل رحمتك و اقلنى عثراتى بحسن اقالتك و لا تخذلنى يا خير المجيرين انّك تقى الكريهة و تعطى الحسنة و تفعل ما تريد و أنت على كلّ شي‏ء قدير اللّهمّ صلّ على محمّد و آله إذا ذكر الأبرار و صلّ على محمّد و آله ما اختلف اللّيل و النّهار صلوة لا ينقطع مددها و لا يحصى عددها صلوة تشحن الهواء و تملأ الأرض و السّماء صلّى اللّه عليه حتّى يرضى و صلّى اللّه عليه و آله بعد الرّضا صلوة لا حدّ لها و لا منته يا ارحم الرّاحمين.

9
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 10

[مقدمة الشارح‏]
 (بسم الله الرّحمن الرحيم و به نستعين «1») الحمد للّه غافر الذّنب لمن اعترف له بذنبه، قابل التوب ممّن تاب إليه قبل الحسرة على التفريط في جنبه، و الصلاة و السّلام على نبيّه الّذي أرسله رحمة للعالمين، كرما منه وجودا، المنزّل عليه «و من اللّيل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا» «2»، و على آله الذين جعلهم «بصائر للنّاس و هدى و رحمة لقوم يوقنون» «3»، و الذين «كانوا قليلا من اللّيل ما يهجعون و بالأسحار هم يستغفرون» «4».
و بعد: فهذه الروضة الثّانية و الثلاثون من رياض السالكين، تتضمّن شرح الدعاء الثاني و الثلاثين، من صحيفة سيّد العابدين، صلّى اللّه عليه و على آبائه و أبنائه الطاهرين، إملاء راجي فضل ربّه السنيّ، عليّ بن أحمد الحسينيّ الحسنيّ، كان اللّه تعالى لهما وليّا، و جعل لهما لسان صدق عليّا.
__________________________________________________
 (1) «ألف» و به ثقتي.
 (2) سورة الاسراء: الآية 79.
 (3) سورة الجاثية: الآية 20.
 (4) سورة الذاريات: الآيات 17 و 18.

10
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين‏
و كان من دعائه عليه السّلام- بعد الفراغ من صلاة الليل- لنفسه في الاعتراف بذنبه.
صلاة الليل: تطلق في الأحاديث تارة على الركعات الثماني، و أخرى على الإحدى عشرة بإضافة الشفع و الوتر، و أخرى على الثلاث عشرة بإضافة ركعتي الفجر. و على هذا فيحتمل قراءة الدعاء بعد الثماني، و بعد الإحدى عشرة، و بعد الثلاث عشرة. فلو نذر قراءته، أو قراءة غيره بعد صلاة الليل، برئت ذمّته بعد كلّ منها ما لم يقصد معيّنا.
و قد أورده شيخنا البهائيّ- رحمه اللّه- بعد ركعتي الفجر في المفتاح، تبعا لشيخ الطائفة في المصباح «1»، فقال: و ينبغي أن تدعو بعد فراغك من صلاة الليل، أعني الثلاث عشرة ركعة، بما كان يدعو به سيّد العابدين عليه السّلام، و هو من أدعية الصحيفة، و أورد الدعاء «2».
و ذكره الكفعميّ بعد صلاة الوتر «3»
__________________________________________________
 (1) مصباح المتهجّد: ص 165.
 (2) مفتاح الفلاح: ص 269.
 (3) مصباح الكفعميّ: ص 55.

11
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

قال صلوات اللّه و سلامه عليه:
اللّهمّ يا ذا الملك المتأبّد بالخلود و السّلطان، الممتنع بلا جنود و لا أعوان، و العزّ الباقي على مرّ الدّهور و خوالي الأعوام، و مواضي الأزمان و الأيّام.

و قد أجمع علماؤنا- رضوان اللّه- عليهم على أنّ اوّل وقت صلاة الليل انتصاف الليل، و أنّها كلّما قربت من الفجر الثاني كانت أفضل. فإن طلع الفجر، و قد تلبّس بأربع منها أتمّها مخفّفة بالحمد أداء. و المشهور تجويز تقديمها على الانتصاف لذي العذر، و قضاؤها أفضل من تقديمها.
و اعترف بذنبه اعترافا: أقرّ به، و قد تقدّم الكلام على توجيه اعتراف المعصومين عليهم السّلام بالذنوب مستوفى، فليرجع إليه.
 [ 920] «الميم»: في «اللّهمّ» عوض من «يا» و لذلك لا يجتمعان إلّا شاذّا، قياسا و استعمالا، كأنّهم لما أرادوا أن يكون نداؤه تعالى متميّزا عن نداء عباده بأسمائهم حذفوا حرف النداء، و عوّضوا منه الميم، و شدّدت لأنّها عوض من حرفين، و قد مرّ الكلام عليها مستوفى.
 «و ذا الملك»: صاحبه. لكن ذو تقتضي تعظيم ما أضيفت إليه و الموصوف بها، بخلاف صاحب فيهما.
قال الخليل رحمة اللّه: وزن ذو «فعل» بالسكون «1».
و الصحيح: أنّ وزنه «فعل» بفتح الفاء و العين، بدليل مؤنّثه و هو ذات، و أصلها ذوات، كنواة لقولهم في مثنّاها ذواتا، فحذفت العين في ذات لكثرة الاستعمال، و لو كانت ساكنة العين لكانت «ذيه» كطيه. و اللام محذوفة في جميع متصرفات «ذو» إلّا في ذوات و ذواتا، و لامه ياء «2»، لأنّ عينه واو، بدليل ذواتا
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 1 ص 298.
 (2) «ألف» تا.

12
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و ذوات، و باب طويت أكثر من باب القوّة، و الحمل على الأغلب أولى.
و الملك:- بالضمّ- يطلق على الولاية العامّة على الخلق- و يعبّر عنه بالسلطنة- و على المملكة. و مملكته تعالى عبارة عن الموجودات كلّها، و هو صاحبها و مالكها.
قال الغزاليّ: الموجودات كلّها مملكة واحدة له تعالى، و هو صاحبها و مالكها.
و إنّما كانت الموجودات كلّها مملكة واحدة، لأنّها مرتبطة بعضها ببعض، فإنّها و إنّ كانت كثيرة من وجه فلها وحدة. و مثالها بدن الإنسان، فإنّه مملكة لحقيقة الإنسان، و هي أعضاء كثيرة مختلفة، و لكنّها كالمتعاونة على تحقيق غرض مدبّر واحد. فكذلك العالم كلّه كشخص واحد، و أجزاء العالم كأعضائه، و هي متعاونة على مقصود واحد، و هو إتمام غاية الخير الممكن وجوده على ما اقتضاه الجود الإلهي، و لأجل انتظامها على ترتيب منسّق، و ارتباطها رابطة واحدة كانت مملكة واحدة، و اللّه تعالى صاحبها و مالكها «1». انته.
و المتأبّد: اسم فاعل من تأبّد الشي‏ء تأبّدا: بقي على الأبد، و هو استمرار الوجود في أزمنة مقدّرة، غير متناهية في المستقبل. و في رواية «المتأبد»- بفتح الباء- كأنّه اسم مفعول من تأبّده تأبّدا، بمعنى أبّده تأبيدا.
قال الفارابيّ: من وجوه باب تفعّل ما يكون داخلا على التفعيل، كالتقسّم بمعنى التقسيم، و التقطع بمعنى التقطيع، قال اللّه تعالى «فتقطّعوا أمرهم بينهم» «2».
و في الصحاح: تقسّمهم الدّهر فتقسّموا: أي فرّقهم فتفرّقوا، و التقسيم التفريق «3». انته.
و ما وقع في بعض الحواشي من أنّه بالفتح، اسم مكان، أي موضع الأبد و الأبديّة، و موضوع الدوام و السرمديّة، فلا يخفى ما فيه.
و الخلود: دوام البقاء. يقال: خلد الشي‏ء خلودا- من باب قعد-.
__________________________________________________
 (1) لا يوجد لدينا كتابه.
 (2) ديوان الأدب: ج 2: ص 466.
 (3) الصحاح: ج 5 ص 2011.

13
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
قال الزمخشريّ: الخلد: الثبات الدائم، و البقاء اللازم الذي لا ينقطع. قال اللّه تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ، أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «1» انته.
و هذا المعنى هو المراد هنا. و قيل: هو في الأصل الثبات المديد دام أو لم يدم، و قد تقدّم الكلام على ذلك مستوفى.
و الباء للملابسة، أي ملتبسا بالخلود، و تسمّى باء الحال، فتكون ظرفا مستقرا، و يحتمل أن تكون متعلّقة بالمتأبّد، فتكون ظرفا لغوا.
قال صاحب اللباب: لا مانع عندي من جعل الباء لغوا في نحو: اشتريت الفرس بسرجه، فتعلّق الباء فيه ب «اشتريت»، كما في كتبت بالقلم، فإنّ وجوه التعلّق مختلفة «2». انته.
فإن قلت: ما المراد بالملك المتأبّد بالخلود؟ أمعنى السلطنة أم معنى المملكة؟
قلت: كلّ من المعنيين محتمل. فإن حملناه على معنى السلطنة، فوجه اتّصافها بالخلود أنّ سلطنته تعالى بعلمه و قدرته على الممكنات عند أصحاب العصمة عليهم السّلام سواء أوجد الممكنات أم لا، فهي لم تزل و لا تزال. و إن حملناه على معنى المملكة، فخلودها باعتبار أنّه تعالى لمّا لم يكن زمانا و لا زمانيّا، و لا مكانا و لا مكانيا، و لا امتداد فيه، كانت نسبته إلى ملكه- و هو الموجودات العينيّة قبل إنشائها، و حال إنشائها، و بعد فنائها- نسبة واحدة، لا تقدّم و لا تأخّر فيها، بل كلّها حاضرة عنده، لا باعتبار أنّها كانت في الأزل، أو تكون معه فيما لا يزال، لبطلان ذلك، بل باعتبار أنّه لا يجري فيه زمان و أحكامه، و أنّ نسبته إلى الأزل و الأبد و الوسط واحدة. فالعقل الصحيح إذا تجرّد عن شبهات الأوهام، و لواحق الزمان، و لاحظ أنّه لا امتداد في قدس وجود الحق يحكم حكما جازما بأنه تعالى لا يخلو من الملك قبل إنشائه و بعد فنائه. هكذا قرّره بعض المحقّقين من أصحابنا المتأخرين، في‏
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشّاف: ج 1 ص 110.
 (2) لا يوجد لدينا كتابه.

14
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
بيان قول أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في خطبته الطالوتيّة «و لا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه، و لا يكون خلوا منه بعد ذهابه» «1».
و لبعض أرباب العرفان من أصحابنا تقرير آخر في بيان ذلك، فإنّه قال: بيان ذلك و تحقيقه: أنّ المخلوقات- و إن لم تكن موجودة في الأزل لأنفسها، و بقياس بعضها إلى بعض على أن يكون الأزل ظرفا لوجوداتها كذلك، إلّا أنّها- موجودة في الأزل للّه سبحانه، وجودا جميعا وحدانيّا غير متغيّر، بمعنى أنّ وجوداتها اللايزاليّة الحادثة ثابتة للّه سبحانه في الأزل كذلك. و هذا كما أنّ الموجودات الذهنيّة موجودة في الخارج إذا قيّدت بقيامها بالذهن، و إذا أطلقت من هذا القيد فلا وجود لها إلّا في الذهن. فالأزل يسع القديم و الحادث، و الأزمنة، و ما فيها و ما خرج عنها، و ليس الأزل كالزمان و أجزائه محصورا مضيّقا، يغيب بعضه عن بعض، و يتقدّم جزء و يتأخّر آخر، فإنّ الحصر و الضيق و الغيبة من خواص الزمان و المكان، و ما يتعلّق بهما.
و الأزل: عبارة عن اللازمان السابق على الزمان سبقا غير زماني، و ليس بين اللّه سبحانه و بين العالم بعد مقدّر، لأنّه إن كان موجودا يكون من العالم، و إلّا لم يكن شيئا. و لا ينسب أحدهما إلى الآخر من حيث الزمان بقبليّة و لا بعديّة و لا معيّة، لانتفاء الزمان عن الحق، و عن ابتداء العالم. فسقط السؤال بمتى عن العالم، كما هو ساقط عن وجود الحق، لأنّ متى سؤال عن الزمان، و لا زمان قبل العالم. فليس إلّا وجود بحت خالص ليس من العدم- و هو وجود الحق- و وجود من العدم،- و هو وجود العالم-، فالعالم حادث في غير زمان.
و إنّما يتعسّر فهم ذلك على الأكثرين، لتوهّمهم الأزل جزءا من الزمان بتقدّم سائر الأجزاء، و إن لم يسمّوه بالزمان، فإنّهم أثبتوا له معناه، و توهّموا أنّ اللّه سبحانه‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 8 ص 31 ح 5.

15
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
فيه، و لا موجود فيه سواه، ثمّ أخذ يوجد الأشياء شيئا فشيئا في أجزاء اخر منه.
و هذا توهّم باطل، و أمر محال، فإنّ اللّه عزّ و جلّ ليس في زمان، و لا في مكان، بل هو محيط بهما، و بما فيهما، و ما معهما، و ما تقدّمهما. قال: و تحقيق المقام يقتضي بسطا من الكلام لا تسعه العقول المشوبة بالأوهام، و نحن نشير إلى لمعة منه لمن كان من أهله، فنقول:
ليعلم أنّ نسبة ذاته سبحانه إلى مخلوقاته تمتنع أن تختلف بالمعيّة و اللامعيّة، و إلّا فتكون بالفعل مع بعض، و بالقوّة مع آخرين، فتتركّب ذاته سبحانه من جهتي فعل و قوّة، و تتغيّر صفاته حسب تغيّر المتجدّدات المتعاقبات، تعالى عن ذلك. بل نسبة ذاته التي هي فعليّة صرفة، و غناء محض من حيث الوجوه إلى الجميع- و إن كان من الحوادث الزمانيّة- نسبة واحدة، و معيّة قيّوميّة ثابتة، غير زمانيّة، و لا متغيّرة أصلا، و الكلّ بغنائه بقدر استعداداتها مستغنيات، كلّ في وقته و محلّه، و على حسب طاقته، و إنّما فقرها و فقدها و نقصها بالقياس إلى ذواتها، و قوابل ذواتها، و ليس هناك إمكان و قوّة البتّة. فالمكان و المكانيّات بأسرها بالنسبة إلى اللّه سبحانه كنقطة واحدة في معيّة الوجود «و السّموات مطويّات بيمينه» «1»، و الزمان و الزمانيّات بآزالها و آبادها كآن واحد عنده في ذلك، جفّ القلم بما هو كائن، ما من نسمة كائنة إلّا هي كائنة، و الموجودات كلّها، شهادياتها و غيبياتها، كموجود واحد في الفيضان عنه، «ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحد» «2» و إنّما التقدّم و التأخّر، و التجدّد و التصرّم، و الحضور و الغيبة، في هذه كلّها بقياس بعضها إلى بعض، و في مدارك المحبوسين في مطمورة الزمان، المسجونين في سجن المكان و لا غير، و إن كان هذا ممّا تستغربه الأوهام، و يشمئزّ منه قاصر الأفهام.
__________________________________________________
 (1) سورة الزمر: الآية 67.
 (2) سورة لقمان: الآية 28.

16
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و أمّا قوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» «1» فهو كما قاله بعض أهل العلم:
إنّها شئون يبديها، لا شئون يبتديها. و لعلّ من لم يفهم بعض هذه المعاني يضطرب فيصول، و يرجع فيقول: كيف يكون وجود الحادث في الأزل؟ أم كيف يكون المتغيّر في نفسه ثابتا عند ربّه؟ أم كيف يكون الأمر المتكثّر المتفرّق وحدانيّا جميعا؟ «2»، أم كيف يكون الأمر الممتدّ- أعني الزمان- واقعا في غير الممتدّ- أعني اللازمان- مع التقابل الظاهر بين هذه الأمور؟
فلنمثّل له بمثال حبّسيّ يكسر سورة استبعاده، فإنّ مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجة الحس و المحسوس، فليأخذ شيئا ممتدّا كحبل أو خشب مختلف الأجزاء في اللون، ثمّ ليمرّره في محاذاة نملة أو نحوها ممّا تضيق حدقته عن الإحاطة بجميع ذلك الامتداد، فإنّ تلك الألوان المختلفة متعاقبة في الحضور لديها، تظهر لها شيئا فشيئا، واحدا بعد آخر، لضيق نظرها، و متساوية في الحضور لديه، يراها كلّها دفعة، لقوّة إحاطة نظره، و سعة حدقته «وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» «3». انته كلامه.
و وقع في بعض النسخ «المتأبّد» بالنصب على أنّه نعت للمضاف، قال بعضهم: و على هذا فينبغي أن يكون قوله: «الممتنع» بالنصب، و ليس بلازم، بل جرّه على أنّه صفة للسلطان المجرور بالعطف، على المملكة.
 [ 921] و في القاموس: السلطان: قدرة الملك «4».
و الممتنع: القوي في نفسه. من امتنع إذا منع نفسه و حمى جانبه.
و الجنود: جمع جند، و هو العسكر و الأنصار.
و الأعوان: جمع عون- بالفتح- و هو الظهير و المعين على الأمر.
__________________________________________________
 (1) سورة الرحمن: الآية 29.
 (2) «ألف» جميعا.
 (3) سورة يوسف: الآية 76.
 (4) القاموس المحيط: ج 2 ص 365.

17
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و في محكم اللغة: الظهير الواحد و المثنّى و الجمع و المؤنث فيه سواء، و قد حكي في تكسيره: أعوان «1».
و في الأساس: هؤلاء عونك، و أعوانك، و هذه عونك «2».
 «و لا» من قوله: «و لا أعوان» لدفع توهّم المعيّة، و يسمّونها زائدة.
قال ابن هشام: و ليست بزائدة البتّة، أ لا ترى أنّه إذا قيل: ما جاءني زيد و عمرو، احتمل أن يكون المراد نفي مجي‏ء كلّ منهما على كلّ حال، و أن يراد نفي اجتماعهما في وقت المجي‏ء. فإذا جي‏ء ب «لا» صار الكلام نصّا في المعنى الأوّل «3».
و وصف سلطانه تعالى بالامتناع بلا جنود و لا أعوان، تنزيه له عن الاستعانة بالغير، إذ كان ذلك من لوازم الضعف و العجز و النقصان. و إنّما يحتاج إلى الجنود و الأعوان ذو العجز و النقصان، في ملكه الذي لا يستطيع أن يمتنع بنفسه، دون الاستعانة بغيره. و هو سبحانه المنزّه عن الضعف و العجز، و الغنيّ المطلق في كلّ شي‏ء، عن كلّ شي‏ء، و الغرض تنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين، و خواصّ المحدثين.
 [ 922] و العزّ: خلاف الذلّ و الغلبة و الرفعة و الامتناع. و رجل عزيز: منيع لا يغلب و لا يقهر.
و بقي الشي‏ء- من باب رضي- بقاء- بالمدّ-: فهو باق لم ينفد، و لم يغن.
و «على» بمعنى مع نحو: «و إنّ ربّك لذو مغفرة للنّاس على ظلمهم» أي: مع ظلمهم.
و مرّ يمرّ مرورا: ذهب أي الباقي مع ذهاب الدهور و انقضائها، و هي جمع دهر،
__________________________________________________
 (1) محكم اللغة: ج 2 ص 264 و فيه: [الظهر].
 (2) أساس البلاغة: ص 440.
 (3) مغني اللبيب: ص 322.

18
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
بمعنى الزمان الطويل. و جمعه باعتبار أجزائه التي كلّ واحد منها زمان.
قال الفارسيّ: الدهر: زمان من ليل و نهار، و ليس بينهما فرق، إلّا أنّ في الدهر أزمنة كثيرة.
و قال ابن السيّد: الدهر مدّة الأشياء الساكنة، و الزمن مدّة الأشياء المتحركة «1».
و يقال: الزمن مدّة الأشياء المحسوسة، و الدهر مدّة الأشياء المعقولة.
و خوالي الأعوام: مواضيها، جمع خالية، من خلى بمعنى مضى. و منه قوله تعالى:
 «بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ» «2»، و إضافتها إلى الأعوام من إضافة الصفة إلى الموصوف.
و الأعوام: السنون، جمع عام. و فرّق بعضهم بين العام و السنة، و قد تقدّم ذكره.
و الأزمان: جمع زمن، كسبب و أسباب، و هو اسم لقليل الوقت و كثيرة، كالزمان.
و قال الحكماء: هو مقدار حركة الفلك الأعظم. و هو ينقسم إلى الأعوام و الشهور و الأسابيع و الأيّام و الساعات و الدقائق.
و الأيّام: جمع يوم، أصله: أيوام، كعون و أعوان، قلبت الواو ياء، و أدغمت فيها الياء. و هو جزء من الزمان، أوّله طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
و بقاء عزّه تعالى: عبارة عن بقاء قدرته و غلبته على الممكنات، و ذلك عين ذاته سبحانه، فاستحال أن يسبقه عدم، أو يلحقه انقطاع، بل هو باق أزلا و أبدا، و إن مرّت الدهور و الأعوام، و مضت الأزمان و الأيّام، إذ لا غاية له من الزّمان ينتهي إليها و لا مدّة مضروبة منه يقف عليها، كما يكون للزمانيّات من زمانها، لأنّ الدهور
__________________________________________________
 (1) لا يوجد لدينا كتابه.
 (2) سورة الحاقّة: الآية 24.

19
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و الأزمان، و الأعوام و الأيّام من جملة مخلوقاته. و وجوده تعالى و إن كان مساوقا لوجود الزمان، بمعنى أنّه معه في الوجود، إذ كان تعالى هو موجده و خالقه، إلّا أن مساوقة الزمان لا تقتضي الكون في الزّمان كالعالم فإنّه مع الخردلة، و ليس في الخردلة، و إذا كان تعالى ليس في الزمان، لم تكن له غاية منه يقف عندها، فثبت أنّه تعالى باق دائم على مرّ الدهور و الأزمان.
و لمّا كان البقاء لغة أعمّ من الدوام، الذي هو استمرار الوجود بلا انقطاع، قيّد عليه السّلام الباقي بقوله: «على مرّ الدهور» الى آخره نصّا على أنّ المراد بالباقي في صفته تعالى هو بمعنى الدائم، و لذلك قال بعضهم: وصفه تعالى بالباقي معناه أنّه الذي لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال إلى آخر. انته.
و تضمّن مع ذلك الإشارة إلى تنزيهه تعالى عمّا يلحق الزمانيّات من التغيّر و البلى، كما قال جدّه سيّد الأوصياء عليه السّلام: لا تبليه الليالي و الأيّام، و لا يغيّره الضياء و الظلام «1»، و ذلك لأنّه تعالى ليس بزمانيّ يدخل تحت تصريف «2» الزمان حتى يبليه أو يغيّره، بخلاف غيره من الممكنات الزمانيّة، الّتي مرّ الدهور و الأزمان من الأسباب المعدّة لتغيّرها و بلاها، كما قال الشاعر:
إنّ الجديدين إذا ما استوليا             على جديد أدنياه للبلى «3»
 و قال الآخر:
أفنى الشباب الذي أبليت جدّته             كرّ الجديدين من آت و منطلق «4»
 و قال الآخر:
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة: ص 274 ص الخطب 186.
 (2) «ألف» تصرّف.
 (3) «ألف» اوتياه.
 (4) لم نعثر عليه.

20
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

عزّ سلطانك عزّا لا حدّ له بأوّليّة، و لا منته له بآخريّة، و استعلى‏
من عاش أخلقت الأيّام جدّته             و خانه ثقتاه السّمع و البصر «1»
 و نسبة ذلك إلى الزمان، و إسناده إليه إنّما هو جري على ما في أوهام العرب، و إن كان الفاعل هو اللّه تعالى و إنّما للزمان الإعداد.
و قد ينسبون ذلك إلى الشمس، كما قال:
منع البقاء تقلّب الشّمس             و طلوعها من حيث لا تمسي «2»
 و قد ينسب إلى القمرين كما وقع في خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام «و الشمس و القمر دائبان، يبليان كلّ جديد، و يقرّبان كلّ بعيد» «3».
و ذلك لكون حركاتهما من الأسباب المعدّة لحدوث الحوادث في هذا العالم و تغيّراته، و اللّه أعلم.
 (تبصرة) قال جدّنا العلامة أستاذ البشر السيّد غياث الدين منصور- قدّس اللّه سرّه- في تذكرته: الواجب بالذات ممتنع العدم دائما، لأنّه واجب الوجود دائما. و كلّ واجب الوجود دائما ممتنع العدم دائما، لأنّ كلّ ما كان واجب الوجود لذاته في وقت فهو واجب الوجود في جميع الأوقات أزلا و أبدا ما دام الذات، لأن الواجب بالذات ما يكون مجرّد ذاته كافيا في كونه واجب الوجود، و كلّ ما كان مجرّد ذاته كافيا في كونه واجبا وجب وجوده في كلّ وقت، إذ لو وجد في وقت دون وقت آخر لزم الترجيح بلا مرجّح، أو الوقوع بسبب. انته.
 [ 923] العزّ: الرفعة و الغلبة و الامتناع.
__________________________________________________
 (1) لم نعثر عليه.
 (2) شرح شذور الذهب: ص 98، الشاهد: 41.
 (3) نهج البلاغة: ص 123، الخطب 90.

21
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

 ملكك علوّا سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، و لا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت النّاعتين.
و الحدّ: مصدر حدّ الشي‏ء حدّا، إذا ميّزه بغاية ينتهي إليها.
و المراد بالأوّليّة و الآخريّة: الابتداء و الانتهاء، فإنّ ياء النسبة إذا لحقت آخر الاسم، و بعدها تاء التأنيث أفادت معنى المصدر، نحو الانسانيّة.
الباء: للملابسة في الموضعين، أي: لا حدّ له ملتبسا بأوّليّة، و لا منته له ملتبسا بآخريّة.
و المعنى: أنّه لا أوّل له، هو مبدأه، و لا آخر له يقف عنده، و ينتهي إليه، بل هو دائم سرمديّ، لأنّه ممتنع العدم دائما كما عرفت. و كلّ ما امتنع عدمه كان سرمديّا ضرورة، أي لا أوّل له و لا آخر.
و عزّ سلطانه- جلّ شأنه- عبارة عن تمام قدرته الباهرة، و كمال غلبته القاهرة، و ذلك عين ذاته المقدّسة، و لذلك وصفه بالسرمديّة.
 [ 924] و استعلى الشي‏ء علا، أي ارتفع. فالاستفعال هنا بمعنى الفعل.
و علّوا: مصدر جار على غير الفعل، فهو نائب عن «استعلاء»، نحو: «و اللّه أنبتكم من الأرض نباتا» «1» و «تبتّل إليه تبتيلا» «2».
و استعلاء ملكه تعالى: عبارة عن عظمته، باعتبار كمال اقتداره، و تمام استيلائه على مخلوقاته.
و لمّا كانت ذاته المقدّسة هي مبدء كلّ موجود حسّيّ و عقليّ، و علّته التامّة المطلقة التي لا يتصوّر فيها نقصان بوجه، و كان أعلى مراتب الكمال العقليّ هو مرتبة العليّة كان المراد بعلوّه تعالى العلوّ العقليّ المطلق، بمعنى أنّه لا رتبة فوق رتبته.
فكانت مرتبة ملكه و اقتداره، الذي هو عين ذاته المقدّسة، أعلى المراتب العقليّة مطلقا، و لها الفوق المطلق في الوجود العاري عن الإضافة إلى شي‏ء، و عن إمكان أن‏
__________________________________________________
 (1) سورة نوح: الآية 17.
 (2) سورة المزمّل: الآية 8.

22
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
يكون في مرتبته أو فوقها شي‏ء، و ذلك معنى استعلاء ملكه علوّا سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، لتفرّده في العلوّ المطلق، و فواته لكلّ شي‏ء غيره أن يلحقه فيه. فهو في أوج الكمال الأعلى و كلّ شي‏ء سواه في حضيض النقصان الذاتيّ، بذلّ الحاجة و خضوع الافتقار.
و سقط الشي‏ء سقوطا- من باب قعد-: وقع من أعلى إلى أسفل.
و «دون»: نقيض فوق، و هو تقصير عن الغاية. و قد سبق الكلام عليه مستوفىّ.
و الأمد: الغاية. و سقوط الأشياء دون بلوغ أمده، أي: قبل الوصول إلى غاية علوّ ملكه، عبارة عن عجزها و قصورها عن إدراك ما لقدرته من التمام و الكمال الذي لا نهاية له، حتى لو ارتفعت لتدرك منقطع علوّ قدرته لسقطت دونه، و وقعت قبل الوصول إليه. و هذا من باب نفي الشي‏ء بنفي لازمه، أي: لا أمد له و لا منقطع، فلا بلوغ و لا إدراك، كقوله: «و لا ترى الضبّ بها ينجحر» «1» أي: لا ضبّ و لا انجحار. و قد مرّ نظير ذلك في الروضة الأولى، و بسطنا الكلام على بيانه هناك، فليرجع إليه.
 [ 925] قوله عليه السّلام «و لا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين» أدنى: أفعل تفضيل من دنى يدنو دنوّا، بمعنى: قرب.
و استأثر بالشي‏ء استبدّ به، و خصّ به نفسه.
و الأقصى: الأبعد.
و نعته نعتا- من باب نفع-: وصفه.
قال في محكم اللغة: نعته: وصفه، و رجل ناعت: واصف، من قوم نعّاة، قال:
أنعتها إنّي من نعّاتها. و النّعت: ما نعت به، و الجمع نعوت، لا يكسر على غير ذلك «2».
__________________________________________________
 (1) شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 1 ص 115.
 (2) محكم اللغة: ج 2 ص 39.

23
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و في النهاية لابن الأثير: النعت وصف الشي‏ء بما هو فيه من حسن. و لا يقال:
في القبيح إلّا أن يتكلّف متكلّف فيقول: نعت سوء، و الوصف يقال: في الحسن و القبيح «1». انته.
و الإشارة بذلك إلى عزّ سلطانه، و علوّ ملكه- جلّ شأنه- و ما فيه من معنى البعد، مع قرب العهد بالمشار إليه، للإيذان ببعده في مراتب العلوّ، و كونه في الغاية القصوى من العظمة و الجلال، تنزيلا لبعد درجته، و رفعة محلّه منزلة بعد المسافة.
و المعنى: أنّ غاية نعت جميع الناعتين- لأنّ الجمع المحلّى باللام يفيد الاستغراق- لا تدرك أدنى ما خصّ به نفسه تعالى من عزّ السلطان، و علوّ الملك، لأنّ الناعتين إن بالغوا في النعت، و انتهوا به إلى أقصى غاياته، لم ينعتوه بما هو نعته، و لم يصفوه بما هو حقّه، و لم ينالوا حقيقة وصفه على الوجه اللائق به، لأنّ لسان النعت و التعبير إنّما يخبر عمّا في الضمير، و كلّ ما هو في الضمير مخلوق مثله، كما دلّ عليه قول الباقر عليه السّلام «كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدّق معانيه مصنوع مثلكم، مردود اليكم» «2».
فإن قلت: قوله عليه السّلام «أدنى ما استأثرت به من ذلك» يقتضي أنّ عزّ سلطانه، و علوّ ملكه، ينقسم إلى أدنى و أعلى، فيلزم أن يتطرّق إليه الزيادة و النقصان، و لا شي‏ء من كمال الواجب الأوّل سبحانه كذلك، لتنزّهه عن النقصان و التفاوت بوجه ما.
قلت: هو إمّا على حذف مضاف، أي أدنى نعت ما استأثرت به، و إمّا على أنّ الدنوّ و العلوّ و التفضيل فيهما إنّما هو بالإضافة إلى نظر الناظرين، و معقولهم بحسب متعلّقات القدرة و آثارها، و إلّا فعزّ السلطان، و علوّ الملك، اللذان هما عبارة عن تمام الاقتدار، و كمال القدرة لا تفاوت فيه رأسا، و على ذلك جرى قوله تعالى:
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 5 ص 79.
 (2) شرح مسألة العلم: ص 43.

24
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

ضلّت فيك الصّفات، و تفسّخت دونك النّعوت، و حارت في «و هو الذي يبدؤا الخلق ثمّ يعيده و هو أهون عليه» «1»، أي بالإضافة إلى نظركم و قياسكم من أنّ الإعادة أهون من الإبداء، و إلّا فهما عليه سواء، لا تفاوت في قدرته القاهرة عليهما حتّى يقع التفضيل على حدّه. و مثله قوله تعالى: «لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ» «2» أي بالإضافة إلى عقول البشر، و إذعانها بأنّها خلق عظيم، لا يقادر «3» قدره، و خلق الناس بالقياس إليه شي‏ء قليل مهين، و إلّا فالخلقان عند قدرته عزّ و جلّ على حدّ سواء.
إذا عرفت ذلك، فالمراد ب «أدنى ما استأثرت به من ذلك» قدرته المتعلّقة بأدنى مقدوراته عند بديهة العقل، كالبعوضة مثلا، فإنّ في خلقها من العجائب و الغرائب و الإعجاز ما تقصر عن معرفة الطريق إليه أرباب الألباب، و تتحيّر في كيفيّته حكمة الحكماء، و تتناهى دون علم ذلك عقول العقلاء، و ترجع خاسئة حسيرة، معترفة بالعجز عن الاطلاع على كنه صنعه في إنشائها، مقرّة بالقصور عن نعت حقيقة إيجادها و تكوينها. و إلى هذا المعنى يشير قول أمير المؤمنين عليه السّلام، في خطبة له:
 «سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك، و ما أصغر عظيمة في جنب قدرتك، و ما أهول ما نرى من ملكوتك، و ما أحقر ذلك فيما غاب عنّا من سلطانك «4».
أي بالقياس إلى ما تعتبره العقول من مقدوراته تعالى، و ما يمكن في كمال قدرته من الممكنات الغير المتناهية. و اللّه أعلم.
 [ 926] ضلّ الرجل يضلّ- من باب ضرب- ضلالا و ضلالة: عدل عن الطريق، فلم يهتد إليه. و الضلال في الدين: العدول عن الحق. و لم يعطف الجملة على ما قبلها لما بينهما من كمال الاتّصال لكونها مؤكّدة للاولى، و يحتمل الاستيناف البيانيّ.
و تفسّخت الفأرة في الماء: تقطعت. و تفسّخ الفصيل تحت الحمل الثقيل:
__________________________________________________
 (1) سورة الروم: الآية 27.
 (2) سورة غافر: الآية 57.
 (3) «ألف»: بقادر.
 (4) نهج البلاغة: ص 158- 159، الخطبة: 109.

25
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

كبريائك لطائف الأوهام، كذلك أنت اللّه، الأوّل في أوّليّتك، و على ذلك أنت دائم لا تزول.
ضعف و عجز.
و المعنى: أنّ الصفات لم تهتد إلى طريق ما يجب له، و يليق بشأنه تعالى، من مراتب الكمال، لأنّ ذلك موقوف على تعقلها كما هي، و هو بعيد عن مدارك العقل الواهي.
و كذلك النعوت تقطعت أو ضعفت و عجزت قبل الوصول إلى ما يستحقه- جلّ شأنه- من المدح و الثناء. فهي و إن بولغ فيها بالتعظيم و التكريم، كان له- عزّ شأنه- وراء ذلك أطوار من استحقاق المدحة و الثناء تقف دونها بمراحل، كما قال سيّد المرسلين عليه الصلاة و السّلام:
لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك «1».
و حار في أمره يحار حيرة- من باب تعب-: لم يدر وجه الصواب.
و الكبرياء: الشرف و العظمة، و التجبّر كالكبر، و صاحبها متكبّر. و هي صفة مدح للّه تعالى، و ذمّ لغيره. و ذلك أنّ حقيقة الكبر هيئة نفسانيّة، تنشأ من تصوّر الإنسان في نفسه أمرين أحدهما: كونه أكمل من غيره، و الثاني: كونه أعلى رتبة ممّن سواه.
و لمّا كان هذان الاعتباران إنّما يصدقان حقيقة على اللّه سبحانه، لعلمه بكمال ذاته المقدّسة، و شرفه و علوّه على مخلوقاته كان الكبر و الكبرياء له صفة مدح، و لغيره صفة ذمّ. و لذلك ورد في الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يقول اللّه عزّ و جلّ:
 «الكبرياء ردائي، و العظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم» «2».
و الأوهام: جمع وهم. و هو قوّة جسمانيّة، محلّها آخر التجويف الأوسط من الدماغ، من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلّقة بالمحسوسات، كشجاعة زيد،
__________________________________________________
 (1) سنن أبي داود: ج 1 ص 232 ح 879.
 (2) المحجّة البيضاء: ج 6 ص 213.

26
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و سخاوة عمرو. و هذه القوّة هي التي تحكم في الشاة بأنّ الذّئب مهروب عنه، و أنّ الولد معطوف عليه. و هي قوّة حاكمة على القوى الجسمانيّة كلّها، مستخدمة إيّاها استخدام العقل القويّ العقليّة بأسرها.
و إضافة اللطائف إلى الأوهام، إمّا من باب إضافة النوع إلى الجنس مثل:
أكابر الناس، أي ما لطف و دقّ من الأوهام، أو من باب إضافة الفعل إلى الفاعل، أي ما لطف و دقّ من ملاحظة الأوهام و مداركها. و على كلّ تقدير، فالغرض تنزيه ساحة كبريائه تعالى عن مدارك الأوهام، إذ كانت الأوهام إنّما تتعلّق بالمعاني الجزئية، المتعلّقة بالمحسوسات ذات الصور و الأحياز و المحالّ الجسمانيّة. فالوهم و إن تلطّف في إرسال طرفه إلى قبلة وجوب الوجود، و تعمّق في تقليب حدقته نحو حرم ذي الكبرياء و الجود، فلن يرجع إلّا حيرانا خاسئا حسيرا، إذ كان غايته أن يرجع بمعنى جزئيّ يتعلّق بمحسوس لا بدّ له في إدراكه من بعث المتخيّلة على تشبيحه بمثال من الصّور الجسمانية ليثبته، حتى أنّ الوهم إنّما يدرك نفسه في مثال من صورة و حجم و مقدار. فأنّى له إدراك ما ليس داخل العالم و لا خارجه، و لا في جهة، و ليس بجسم، و لا عرض و هو لا يثبت موجودا بهذه الصفة، و لا يتصوّره بل ينكره، لأنّ من شأنه إنكار ما لا يتصوره، و من هنا كان أكثر الناس يرى ربّه في جهة و يشير إليه، متحيّزا ذا مقدار و صورة، و لذلك وردت الكتب الإلهيّة، و النواميس الشرعيّة مشحونة بصفات التجسّم كالعين و اليد و الإصبع. و الاستواء على العرش و نحو ذلك خطابا للخلق بما تدركه أوهامهم، و توطينا لهم، و إيناسا، حتّى أنّ الشارع لو أخذ في مبدء الأمر، يبيّن لهم أنّ الصانع ليس بجسم و لا عرض، و لا هو في مكان و لا زمان إلى غير ذلك من صفاته جلّ شأنه لاشتدّ نفار أكثرهم عن قبوله، و عظم إنكارهم له، لما علمت من أنّ الوهم في طبيعته لا يثبت هذا القسم من الموجودات بل ينكره.
و الخطابات الشرعيّة و إن وردت بصفات التجسيم، إلّا أنّ الألفاظ الموهمة

27
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
لذلك لمّا كانت قابلة للتأويل محتملة له، كانت وافية بالمقاصد، إذ العاميّ المغمور في ظلمات الجهل يحمله على ظاهره، و يحصل بذلك تقيّده عن تشتّت اعتقاده، و ذو البصيرة المترقّي عن تلك الدرجة يحمله على ما يحتمله عقله من التأويل، و كذلك حال من هو أعلى منه، و الناس في ذلك على مراتب، فكان إيرادها حسنا و حكمة.
قال بعض أصحابنا المحقّقين: و يمكن أن يراد بالأوهام النفس و قواها، لأنّ النّفس في معرفة الصانع- جلّ شأنه- كالوهم، في أنّ ما أحاطت به ليس هو الصانع سبحانه.
و يمكن أن يقال: إنّ التنزيه عن إدراك الأوهام يستلزم التنزيه عن إدراك سائر القوى الباطنة، لأنّ الوهم أعمّ إدراكا منها، لأنّه يدرك كلّ ما يدركه غيره من القوى الباطنة من غير عكس.
و الأولى: أن يكون المراد بالوهم الإدراك المتعلّق بالقوّة العقليّة المتعلّقة بالمعقولات، و القوّة الوهميّة المتعلّقة بالمحسوسات جميعا، و قد شاع ذلك في الاستعمال، و دلّ عليه مضامين الأخبار دون الأخير فقط، و قد أوضحنا ذلك في الروضة الأولى، فليرجع إليه.
 [ 927] قوله عليه السّلام «كذلك أنت الأوّل في أوّليّتك» إلى آخره كلام مستأنف للثناء عليه سبحانه بثبوت ما ذكر من المادح له جلّ شأنه، أزلا و أبدا، لأنّ صفة القديم لا تكون إلّا قديمة، لأنّ القديم لا يحدث له شي‏ء، و لا يزول عنه شي‏ء، كما عرف ذلك في محلّه، و ذلك إشارة إلى جميع ما ذكره عليه السّلام من الصفات و النعوت، و ما فيه من معنى البعد، للإشعار ببعد مرتبته في الشرف و العلوّ.
و الجار و المجرور في محلّ رفع على أنّه خبر، و «أنت» مبتدأ، و التقديم لإفادة القصر.
و «اللّه الأوّل» بيان على جهة المدح، كالبيت الحرام من قوله تعالى: «جَعَل‏

28
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ» «1».
و «في أوّليّتك» حال، أي على نحو هذه الصفة أنت كائنا في أوّليتك قبل وجود الممكنات، و ليس ذلك طارئا عليك، و حادثا لك بعد أن لم يكن.
و الأوّليّة: عدم المسبوقيّة بالغير مع السابقيّة على الكلّ. و التشبيه ب «كذلك» من باب تشبيه الشي‏ء بنفسه في حالين، لأنّ الغرض بيان ثبوت ذلك له سبحانه أزلا، كثبوته له حالا.
و قوله عليه السّلام «و على ذلك أنت» بيان لثبوته له أبدا، فأنت مبتدأ، و على ذلك خبر.
و «دائم» عطف بيان أو بدل كأحد من «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» «2».
و جملة «لا تزول» نعت لدائم، يقتضي توكيده، كنفخة واحدة، لدفع توهّم كون المراد بالدوام طول البقاء لاشتهار ذلك عرفا، نحو قولهم: أدام اللّه عزّك.
فإن قلت: قد ورد في كثير من الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام نفي الأوّلية و الآخرية عنه تعالى، كقول أمير المؤمنين عليه السّلام: سبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ، و لا غاية منته «3»، و كقول سيّد العابدين عليه السّلام فيما تقدّم من هذا الدعاء «عزّ سلطانك عزّا لا حدّ له بأوّليّة»، فكيف أثبت له الأوّليّة هنا؟
قلت: المراد بالأوّليّة و الآخرية المنفيّتين «4» عنه- عزّ شأنه- هما الزمانيّتان، المعبّر عنهما بالابتداء و الانتهاء، و المراد بالأوّليّة و الآخريّة اللتين تثبتان له كونه قبل وجود الممكنات، و بقاؤه بعد فنائها، أو أنّ أوّليّته عبارة عن قدمه، و آخريّته عن استحالة عدمه، فلا منافاة في إثباتهما له، و نفيهما عنه تعالى.
و من العجيب ما وقع لبعض المعاصرين في إعراب هذه الجملة من الدعاء
__________________________________________________
 (1) سورة المائدة: الآية 97.
 (2) سورة الإخلاص: الآية 1.
 (3) الكافي: ج 1 ص 134- 135، ح 1.
 (4) «ألف» المنفّتيين.

29
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و أنا العبد الضّعيف عملا، الجسيم أملا، خرجت من يدي أسباب الوصلات، إلّا ما وصله رحمتك، و تقطّعت عني عصم الآمال، إلّا ما أنا معتصم به من عفوك.
و تفسيرها، و عبارته:
قوله عليه السّلام: «و كذلك» خبر مبتدأ محذوف، و التقدير: ذلك كذلك، ليكون تأكيدا لجميع الجمل السابقة و «أنت» مبتدأ، و «اللّه» الخبر، و «الأوّل» نعت، أو خبر ثان و «في أوّليّتك» حال منه، أي ليست الأوّليّة بالإضافة إلى شي‏ء كأوّليّة غيرك، بل أوّليّتك ذاتيّة، أي: منسوبة إلى ذلك «و على ذلك» حال من المبتدأ و هو «أنت» و «دائم» الخبر، و «لا تزول» خبر ثان انته بنصّه.
فلينظر إلى هذا الإعراب في المعنى و الإعراب، و اللّه يقول الحقّ، و هو يهدي السبيل.
 [ 928] «الواو» للاستئناف، لا عاطفة، كما توهّمه بعضهم.
و «عملا، و أملا» تمييزان رافعان إجمال نسبة، محوّلان عن الفاعل، و الأصل:
الضعيف عمله، الجسيم أمله فحول الإسناد إلى الضمير، و نصبا على التمييز مبالغة و توكيدا، لأنّ ذكر الشي‏ء مبهما، ثمّ مفسرا أوقع من ذكره من أوّل الأمر مفسّرا.
و العمل لغة: فعل الجارحة، كما أنّ العلم فعل القلب، و شرعا: هو الفعل الإنساني سواء كان بالقلب أو بالقالب. و لذلك روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه فسّر قوله تعالى: «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»* «1» بقوله: أيّكم أحسن عقلا، و أورع عن «2» محارم اللّه، و أسرع في طاعة اللّه تعالى «3».
و ضعف العمل قد يكون من جهة الكميّة كقلّة الحسنات، و قد يكون من جهة الكيفيّة كعدم خلوصه من الشوائب، و ضعفه من هذه الجهة أشدّ ضررا من ضعفه‏
__________________________________________________
 (1) سورة هود: الآية 7.
 (2) في نسخة «ألف» لم تكن واضحة ما أثبتناه هو الظاهر.
 (3) تفسير الكشاف: ج 2 ص 380.

30
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
من الجهة الأولى، كما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»* قال: ليس يعني أكثركم عملا، و لكن أصوبكم عملا، و إنّما الإصابة خشية اللّه، و النيّة الصادقة «1».
و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أتمّكم عقلا و أشدّكم للّه خوفا، و أورع عن محارم اللّه، و أسرع في طاعة اللّه، و إن كان أقلّكم تطوّعا «2».
و جسم جسامة مثل ضخم ضخامة: عظم، فهو جسيم. و أصله في الجسم و هو الجسد، ثمّ استعمل في المعاني مجازا.
قال في الأساس: و من المجاز أمر جسيم، و هو من أجسام الأمور و جسيمات الخطوب «3».
و الأمل: الطمع و الرجاء. و عرّف بأنّه ارتياح النفس لانتظار ما هو محبوب عندها، و المراد به هنا الأمل لرحمة اللّه تعالى و عفوه و رضوانه. و في هاتين الفقرتين إشارة إلى أمور:
أحدها: الإقرار بالتقصير في العمل، و هو من أشرف مقامات العبودية، لشرف مبدأه و ثمرته.
أمّا مبدأه: فهو استشعار عظمة اللّه سبحانه و عزّ جلاله، فإنّ من أشعر قلبه عظمة ربّه، و جلال كبريائه علم أن ليس أحد- و إن اشتدّ في طلب مرضاة اللّه حرصه، و طال في العمل اجتهاده- يبالغ حقيقة ما اللّه سبحانه أهله من الطاعة له، حتّى أنّ الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام- مع إتيانهم بما هو المطلوب من الإنسان على نهاية ما يتصور من القدرة و الإمكان- اعترفوا بالتقصير، و نظروا إلى أعمالهم بعين التحقير. و في الصحيح أنّ الكاظم عليه السّلام قال لبعض ولده: يا بنيّ عليك‏
__________________________________________________
 (1) تفسير نور الثقلين: ج 2 ص 340.
 (2) مجمع البيان: ج 9- 10 ص 322.
 (3) أساس البلاغة: ص 94.

31
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
بالجدّ، لا تخرجنّ نفسك من حدّ التقصير في عبادة اللّه- عزّ و جلّ- و طاعته، فإنّ اللّه لا يعبد حقّ عبادته «1».
و أمّا ثمرته: فنفي العجب الذي هو من المهلكات، كما قال عليه السّلام: ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، و هوى متّبع، و إعجاب المرء بنفسه «2»، و إثبات الذّل و الانكسار، فإنّ من عرف تقصير نفسه، و ضعف عمله، كان في مقام الذلّ و الحاجة و الانكسار، و لا عبوديّة أشرف منها.
الثاني: استضعاف العمل تفاديا عن الاتكال عليه، و الإخلاد إليه في النّجاة و الفوز بنيل الدرجات، بل الرّجاء لفضل اللّه و رحمته، و الوثوق بكرمه و منّته، هو التسبب الأقوى، و الذريعة العظمى، كما جاء في الصحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: قال اللّه تبارك و تعالى: «لا يتّكل العاملون لي على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فإنّهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي، كانوا مقصّرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي، فيما يطلبون عندي من كرامتي، و النعيم في جنّاتي، و رفيع الدرجات العلى في جواري، و لكن برحمتي فليثقوا، و فضلي فليرجوا، و إلى حسن الظنّ بي فليطمئنّوا، فإنّ رحمتي عند ذلك تدركهم، و منّي يبلغهم رضواني، و مغفرتي تلبسهم عفوي، فإنّي أنا اللّه الرحمن الرحيم و بذلك تسمّيت» «3».
الثالث: كون ضعف العمل لا يوجب ضعف الأمل، بل ينبغي لمن ضعف عمله أن يعظم في اللّه سبحانه أمله، و هذا أمر يشهد بإثباته العقل، إذ كان العبد عند إنارة العناية الإلهيّة بصيرته، يعلم استناد جميع الموجودات كليّتها و جزئيّتها إلى مدبّر حكيم و ربّ رءوف رحيم، فيظهر له من ذلك أنّ إيجاده له و أخذ العهد عليه‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 72 ح 1.
 (2) المحجّة البيضاء: ج 6 ص 272.
 (3) الأمالي للشيخ الطوسي: ج 1 ص 215.

32
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
بالطاعة و العبادة، ليس إلّا لينجذب إلى موطنه الأصليّ، و مبدئه الأوّل بالتوحيد المحقّق، و الحمد المطلق، عن نار اجّجت، و جحيم سعّرت، فلا ييأس من روح اللّه تعالى عند وقوع تقصير منه في أسباب ذلك الانجذاب، بل يكون برجائه أوثق، و قلبه بشمول العناية له أعلق، فإنّه لا ييأس من روح اللّه الّا الذين عميت أبصار بصائرهم عن أسرار اللّه، فهم في طغيانهم يعمهون، و أولئك هم الخاسرون، كما قال سبحانه «و من يقنط من رحمة ربّه إلّا الضالّون» «1».
 (تنبيه) اعلم: أنّ الأمر المحبوب الذي تتوقّعه النفس، و تنتظره في المستقبل لا بدّ و أن يكون لسبب، فإن كان توقّعه لأجل حصول أكثر أسبابه فاسم الرجاء و الأمل صادق عليه، و إن كان سببه غير معلوم الوجود و الانتفاء فاسم التمنّي أصدق على توقّعه، و إن كان سببه معلوم الانتفاء فاسم الغرور و الحمق أصدق على انتظاره.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ أرباب العرفان قد علموا أنّ الدنيا مزرعة الآخرة، فالنفس هي الأرض، و بذرها حبّ المعارف الإلهيّة، و سائر أنواع الطاعات جارية مجرى إصلاح هذه الأرض، من تقليبها و تنقيتها و إعدادها للزراعة، و سياقة الماء إليها. و النفس المستغرقة بحبّ الدنيا و الميل إليها كالأرض السبخة التي لا تقبل الزرع و الإنبات، لمخالطة الأجزاء الملحيّة، و يوم القيامة يوم الحصاد، فلا حصاد إلّا من زرع، و لا زرع «2» إلّا من بذر، و كما لا ينفع الزرع في أرض سبخة كذلك لا ينفع عمل مع خبث النفس، و سوء الأخلاق المنافية للإيمان، فينبغي أن يقاس عمل العبد و رجاؤه لرضوان اللّه بأمل صاحب الزرع و رجائه، و الناس في ذلك على ثلاث درجات، سابق، و لاحق، و مقصّر:
__________________________________________________
 (1) سورة الحجر: الآية 56.
 (2) «ألف»: يزرع.

33
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
فالأوّل: من طيّب أرضا، و بذرها في وقت الزراعة بذرا غير متعفن و لا متآكل، ثمّ أمدّه بالماء العذب و سائر ما يحتاج إليه في أوقاته، ثمّ نقّاه و صانه عمّا يمنع نباته و يفسده من النباتات الخبيثة، ثمّ انتظر من فضل اللّه تعالى منع الآفات المفسدة له إلى تمام زرعه، و بلوغ غايته، فذلك أمله و رجاؤه في محلّه، إذ كان في مظنة أن يفوز مقصوده «1» من ذلك الزرع. و هكذا حال العبد إذا بذر المعارف الإلهيّة في أرض نفسه في وقته، و أبّانه، و هو مقتبل العمر، و مبدء التكليف، و دام على سقيه بالطاعات، و اجتهد في طهارة نفسه عن شوائب الأخلاق الرديّة التي تمنع نماء العلم و زيادة الإيمان، و توقّع من فضل اللّه تعالى و كرمه أن يثبته على ذلك إلى زمان وصوله، و حصاد عمله، فذلك التوقّع هو الأمل المحمود و الرجاء الممدوح، و هو درجة السابقين.
و الثاني: من بذر في أرض طيّبة كذلك، إلّا أنّه بذر في اخريات الناس، و لم يبادر إليه في أوّل وقته، أو قصّر في بعض أسبابه، ثم أخذ ينتظر ثمرة ذلك الزرع، و يرجو اللّه في سلامته له، فهو من جملة المؤمّلين و الراجين أيضا، و كذلك العبد إذا ألقى بذر الإيمان في نفسه، لكنّه قصّر في بعض أسبابه، إمّا ببطنه في البذر أو في السقي، إلى غير ذلك ممّا يوجب ضعفه، ثمّ أخذ ينتظر وقت الحصاد، و يتوقّع من فضل اللّه تعالى أن يبارك له فيه، و يعتمد على أنّه هو الرزّاق ذو القوّة المتين، فيصدق عليه أنّه ذو أمل و رجاء أيضا، إذ أكثر أسباب المطلوب التي من جهته حاصلة، و هذه درجة اللاحقين.
و الثالث: من لم يحصل على بذر، أو بذر في أرض سبخة، أو ذات شاغل عن الإنبات، ثمّ أخذ يتوقّع الحصاد، فتوقعه هو الحمق و الغرور، و مثله حال العبد إذا لم يزرع من قواعد الإيمان في نفسه شيئا أصلا، أو زرع و لم يلتفت إلى سقيه بماء
__________________________________________________
 (1) «ألف»: بمقصوده.

34
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الطاعة، و لا صيانته عن موجبات فساده، من شوك الأخلاق الرديّة، بل انهمك في طلب آفات الدنيا، ثمّ جعل ينتظر الفضل من اللّه، و يتوقّع نيل الحسنى لديه، فذلك الانتظار و التوقّع غرور و حمق، و ليس بأمل في الحقيقة، و هذه درجة المقصّرين.
فتبيّن: أنّ اسم الأمل و الرجاء إنّما يصدق على توقّع ما حصل جميع أسبابه، أو أكثرها، الداخلة تحت اختيار العبد، و لم يبق إلّا ما لا يدخل تحت اختياره، و هو فضل اللّه، بصرف القواطع و المفسدات.
فاحذر أن يغرّك الشيطان، و يثبّطك عن العمل، و يريك الحمق و الغرور في صورة الرجاء و الأمل، فإنّ من هذه حاله، لا يأمن أن يكون من أهل الحسرة و الندامة، في يوم القيامة يقول «يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي. فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ» «1»، و في المعنى ما قيل:
إذا أنت لم تزرع و عاينت حاصدا             ندمت على التفريط في زمن البذر
 و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الأحمق من اتبع نفسه هواها، و تمنّى على اللّه «2».
و عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن قوم يعملون بالمعاصي و يقولون: نرجو، فقال: هؤلاء قوم يترجّحون في الأماني، كذبوا، ليسوا براجين، من رجاء شيئا طلبه، و من خاف من شي‏ء هرب منه «3».
و في رواية أولئك قوم ترجّحت بهم الأماني، من رجا شيئا عمل له، و من خاف من شي‏ء هرب منه «4».
و إلى الأقسام الثلاثة المذكورة أشار أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله: ساع سريع‏
__________________________________________________
 (1) سورة الفجر: الآية 24- 26.
 (2) إحياء علوم الدين: ج 4 ص 143.
 (3) الكافي: ج 2 ص 68 ح 5.
 (4) الكافي: ج 2 ص 68 ح 6.

35
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
نجا، و طالب بطي‏ء رجا، و مقصّر في النار «1».
و إنّما خصّ عليه السّلام القسم الثاني بالرجاء، إذ كان كما علمت، عمدته.
ضعف عمله، و قلّة الأسباب من جهته.
و إليها الإشارة أيضا بقوله تعالى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ «2».
قوله عليه السّلام: «خرجت من يدي أسباب الوصلات» جملة مستأنفة.
و الأسباب: جمع سبب، و هو كلّ شي‏ء يتوصّل به إلى أمر من الأمور، و أصله الحبل.
و الوصلات: جمع وصلة- بالضمّ- على وزن غرفة، يقال: بينهما وصلة، أي:
اتصال. و الوصلة أيضا ما يتوصّل به إلى الشي‏ء، يقال: هذا وصلة إلى كذا.
و في القاموس: الوصلة- بالضمّ- الاتصال، و كلّ ما اتصل بشي‏ء فما بينهما وصلة، و الجمع كصرد «3».
قال بعض المترجمين: الموجود في نسخ الصحيفة الشريفة ضبط الوصلات- بالضمّتين-. و الظاهر من عبارة القاموس المذكورة فتح الصّاد. انته.
و هذا جهل منه بعلم الصّرف، فقد نصّ علماء العربيّة، أنّ الاسم الثلاثي المؤنث إذا كان مضموم الفاء، ساكن العين، غير معتلّها، و لا مدغمها، و لم تكن لامه ياء، جاز في عينه الفتح للخفّة، و الضمّ للاتباع، و السكون في لغة تميم، سواء في ذلك صحيح الفاء و معتلها، كغرفة و ظلمة و وصلة و وكنة، قال امرؤ القيس:
و قد اعتدى و الطير في وكناتها «4»


__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة: ص 58، الخطب 16.
 (2) سورة فاطر: الآية 32.
 (3) القاموس المحيط: ج 4 ص 64.
 (4) شرح المعلّقات السبعة للزوزني: ص 39- 40.

36
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
قال الشارح أبو عبد اللّه الزوزني: الوكنات: مواقع الطير، واحدتها وكنة- بالضمّ- ثمّ تجمع الوكنة على الوكنات- بضمّ الفاء و العين-، و على الوكنات- بضمّ الفاء و فتح العين-، و على الوكنات- بضمّ الفاء و سكون العين، و تكسّر على الوكن، و هكذا حكم فعلة نحو ظلمة و ظلمات و ظلم «1». انته بنصّه.
و مثله في الصحاح للجوهريّ «2».
و الاستثناء من قوله عليه السّلام: «إلّا ما وصله رحمتك» يجوز أن يكون متّصلا و هو الظاهر، فالموصول في محلّ نصب على الاستثناء، أي: إلّا السبب الذي وصله رحمتك، فإنّه لم يخرج من يدي. و يجوز أن يكون منقطعا على أنّ «ما» مبتدأ، حذف خبره، فتكون الجملة في محلّ نصب على الاستثناء أي لكنّ ما وصله رحمتك لم يخرج من يدي.
نبّه على ذلك ابن مالك في شواهد التوضيح حيث قال: حقّ المستثنى ب «إلّا» من كلام تامّ موجب أن ينصب، و لا يعرف أكثر المتأخّرين فيه إلّا النّصب، و قد أغفلوا و روده مرفوعا بالابتداء، ثابت الخبر و محذوفه فمن الأوّل قول أبي قتادة: أحرموا كلّهم إلّا أبو قتادة لم يحرم، فإلّا بمعنى لكنّ، و أبو قتادة مبتدأ، و لم يحرم خبره. و من الثاني: قوله عليه السّلام: «كلّ أمّتي معا في إلّا المجاهرون» أي المجاهرون بالمعاصي لا يعافون «3». انته.
و في نسخة ابن إدريس «إلّا وصلة رحمتك» بالنّصب على أنّه مستثنى متّصل، و المراد: أنّه قد فاتتني الأسباب التي يتوصّل بها إلى السعادات الاخرويّة إلّا السبب الذي هو رحمتك، فإنّه لا يفوت من أحد.
 [ 929] قوله عليه السّلام: «و تقطعت عني عصم الآمال» العصم: جمع عصمة. قال‏
__________________________________________________
 (1) شرح المعلّقات السبعة المزوزني: ص 39- 40.
 (2) الصّحاح: ج 6 ص 2215.
 (3) لم نعثر عليه.

37
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

قلّ عندي ما أعتدّ به من طاعتك، و كثر عليّ ما أبوء به من معصيتك، و لن يضيق عليك عفو عن عبدك و إن أساء، فاعف عنّي.
الفارابيّ في ديوان الأدب: العصمة: الحبل، قال اللّه تعالى «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ «1».
و في الكشّاف: العصمة: ما يعتصم به من عقد و سبب «2». انته.
و أصله من العَصْم، و هو المنع، يقال: عصمه اللّه، أي: منعه و وقاه، و اعتصم باللّه: امتنع. و إنّما سمّي الحبل و نحوه عصمة، لأنّ المتمسّك به يعتصم به من السقوط و نحوه.
و قوله: «إلّا ما أنا معتصم به من عفوك» أي: من رجاء عفوك.
و الكلام في الفقرتين استعارة، و الغرض التبرّي من جميع الوسائل التي يتوصّل بها إلى اللّه سبحانه من الطاعات و الأعمال الصالحة، و التمسّك بمحض رجاء رحمة اللّه تعالى و عفوه، إيذانا بعدم اتّكاله و اعتماده عليه السّلام على شي‏ء من ذلك سوى رحمة ربّه، و رجاء عفوه عملا بمقتضى الحديث القدسيّ المقدّم ذكره. و اللّه أعلم بمقاصد أوليائه.
 [ 930] قد يكون المراد بالقلّة ضدّ الكثرة، و قد يكون المراد بها العدم، فإنّهم كثيرا ما يعبّرون بالقلّة عن العدم، و منه حديث «كان صلّى اللّه عليه و آله يقلّ اللغو» «3»، أي لا يلغو أصلا، و عليه حمل قوله تعالى: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ «4»، أي لا إيمان لهم أصلا، و هو المراد هنا، لدلالة ما قبله و ما بعده عليه.
و اعتددت بالشي‏ء- على افتعلت-: أدخلته في العدّ و الحساب، فهو معتدّ به، محسوب غير ساقط.
__________________________________________________
 (1) ديوان الأدب: ج 1 ص 201.
 (2) تفسير الكشاف: ج 4 ص 518.
 (3) النهاية لابن الأثير: ج 4 ص 104.
 (4) سورة البقرة: الآية 88.

38
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و إنّما قال: «كثر عليّ» و لم يقل: «عندي» كما قال في الفقرة الأولى، لأنّ ما يؤبه «1» من المعصية أمر يكرهه و يستثقله، فجاء ب «على» إيذانا بأنّه قد علاه و بهظه ثقله.
قال ابن جنّي: تستعمل «على» في الأفعال الشّاقّة المستثقلة، من حيث كانت كلفا و مشاقّ تخفض الإنسان و تضعه و تعلوه و تتقرّعه «2»، تقول: قد سرنا عشرا، و بقيت علينا ليلتان، و كذلك يقال في الاعتداد على الإنسان بذنوبه، و قبح أفعاله «3». انته.
و باء بذنبه يبوء بوءا: أي احتمله، و قيل: اعترف به، و قيل: ثقل به، و قيل:
رجع به.
و قال الفارابيّ في ديوان الأدب: باء بإثمه: أي احتمله، و باءوا بغضب: أي رجعوا، و باء بحقه: أي أقرّ.
فإن قلت: كيف فصل قوله: «قلّ عندي ما أعتدّ به من طاعتك» و لم يعطفه على ما قبله؟
قلت: يحتمل أن يكون فصله للاستئناف على وجه التعليل، كأنّه سئل: كيف خرجت من يدك أسباب الوصلات، و تقطعت عنك عصم الآمال؟ فقال: لأنّه قلّ عندي ما أعتدّ به من طاعتك، و كثر عليّ ما أبوء به من معصيتك، و يحتمل أن يكون فصله لأنّه بصدد تعداد أحواله.
قوله عليه السّلام: «و لن يضيق عليك عفو عن عبدك». الواو: عاطفة، أو للاستئناف، و لا يتوهّم أنّها للحال، فإنّ الجملة الحاليّة لا تصدّر بدليل استقبال.
و «لن» لنفي المستقبل ك «لا» غير أنّ النّفي بها أبلغ من النفي ب «لا»، فهي لتأكيد
__________________________________________________
 (1) «ألف»: ما ينويه.
 (2) «ألف»: تتفرّغه.
 (3) لسان العرب: ج 15 ص 88 نقلا عن ابن جنّي مع تقديم و تأخير.

39
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
النفي كما ذكره الزمخشري «1» و ابن الخبّاز «2». حتّى قال بعضهم: إنّ منعه مكابرة.
و ادّعى الزمخشريّ أيضا: أنّها لتأبيد النفي «3»، كقوله تعالى: لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً «4» وَ لَنْ تَفْعَلُوا «5»، و وافقه على ذلك ابن عطيّة.
و ضاق عليه الأمر: شقّ عليه، كأنّه لم يجد فيه مقرّا تطمئنّ إليه نفسه كمن لا يسعه مكانه. و منه قولهم: ضاقت عليه الحيلة، فهو استعارة بالكناية قصد فيه إلى تشبيه العفو بالمكان في عدم الاتّساع، و جعل إثبات الضيق تنبيها على ذلك، و لك جعله استعارة تبعيّة و تمثيليّة كما تقدّم بيانه في نظيره.
و قوله «عن عبدك و إن أساء»، أصله عنّي و إن أسأت، لكنّه وضع الظاهر موضع المضمر للاستعطاف، فإنّ في ذكر عبدك من استحقاق الرحمة، و ترقب الشفقة و العطف ما ليس في لفظ عنّي، كقوله: «إلهي عبدك العاصي أتاك».
قال السيّد الشريف: هو على ترك الحكاية عن النفس إلى المظهر، ليكون أدخل في الاستعطاف، فإنّ لفظ «العبد» فيه أدخل من الضمير، خصوصا إذا أضيف إلى المخاطب. انته.
و في لفظ «عبدك» في عبارة الدعاء مع ما ذكر إيماء إلى أنّه سبحانه لا يضيق عليه عفو عمّن اتّصف بعبوديّته تعالى، كائنا من كان، هو أو غيره، إظهارا لسعة عفوه جلّ شأنه.
قوله عليه السّلام: «و إن أساء» و إنّ هذه هي المسمّاة بالوصليّة، و هي إن الشرطيّة. و ما تقدّم من الكلام كالعوض عن جزائها، لدلالته عليه.
و الواو للعطف على جملة شرط حاليّة محذوفة، و الأصل: إن لم يسي‏ء و إن أساء، كما تقول: آتيك إن لم تهجرني و إن هجرتني.
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشّاف: ج 1 ص 102 و ج 3 ص 171.
 (2) همع الهوامع: ج 2 ص 4.
 (3) لم نعثر عليه.
 (4) سورة الحج: الآية 73.
 (5) سورة البقرة: الآية 24.

40
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و يجوز في الجملة الشرطيّة أن تقع حالا إذا شرط فيه الشي‏ء و نقيضه، نحو:
لأضربنّه إن ذهب و إن مكث، و ذلك لانسلاخ معنى الشرط، من جهة أنّ الشي‏ء الواحد لا يكون مشروطا بالشي‏ء و نقيضه، فتعيّن كون الشرط غير مراد. و الذي سوّغ حذف الشرطيّة الأولى أن الثانية أبدا منافية لثبوت الحكم، و الأولى مناسبة لثبوته، و إذا ثبت الحكم على تقدير وجود المنافي، دلّ ذلك على ثبوته على تقدير المناسب من باب الأولى، و دلّ هذا على ذلك المقدّر، و متى أسقطت الواو من مثل هذه العبارة فسد المعنى.
و لذلك قال بعض المحقّقين: كلمة «إن» في هذا المقام ليست لقصد التعليق و الاستقبال، فلا يلاحظ لها جواب قد حذف تعويلا على دلالة ما قبلها عليه ملاحظة قصديّة إلّا عند القصد إلى بيان الإعراب على القواعد الصناعيّة، بل هي لبيان تحقّق ما يفيده الكلام السابق من الحكم على كلّ حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه، و أشدّها منافاة، ليظهر بثبوته معه ثبوته مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولويّة، لأنّ الشي‏ء إذا تحقّق مع المنافي القويّ، فلأن يتحقّق مع غيره أولى. و لهذا لا يذكر معه شي‏ء من سائر الأحوال، و يكتفى عنه بذكر الواو العاطفة على نظيرتها المقابلة لها، المتناولة لجميع الأحوال المغايرة لها، و هذا معنى قولهم: إنّها لاستقصاء «1» الأحوال على وجه الإجمال.
و على هذا السرّ يدور ما في «لو» و «إن» الوصليّتين من المبالغة و التأكيد.
و مآل الكلام: لن يضيق عليك عفو عن عبدك، حال عدم إساته، و حال إساءته.
و قيل: الواو حاليّة، و ليس بواضح.
و قيل: اعتراضيّة، و ليس بسديد. و الحقّ ما ذكرناه، و قد تقدّم الكلام على ذلك‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: استقصاء.

41
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
في أوائل الروضة الثانية فليرجع إليه.
فإن قلت: عفو اللّه سبحانه: هو محو السيّئة، و التجاوز عنها، و ترك العقوبة عليها، فلا يتحقّق معنى العفو مع عدم الإساءة، فكيف تكون الإساءة منافية للعفو، و عدمها مناسبا لثبوته حتّى يصحّ أنّه إذا ثبت الحكم على تقدير وجود المنافي، دلّ ذلك على ثبوته، على تقدير المناسب من باب الأولى؟! قلت: ليس المراد بالإساءة في قوله عليه السّلام: «و إن أساء» الإساءة مطلقا، بل التي يقارنها العفو، و يكون العبد ملتبسا «1» بها وقت حصول العفو عنه، و هي الإساءة مع الإصرار، و عدم التوبة كما تفيده الحاليّة، لأن الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال. و هذا معنى المقارنة:
و لا شكّ أن الاساءة مع الإصرار و عدم التوبة منافية للعفو، لاستحقاق العبد العقوبة معها، لا العفو، و في هذا دليل على جواز العفو مع عدم التّوبة.
و أمّا الإساءة قبل التوبة فالعفو عنها لا يكون مقارنا لها و ليس العبد ملتبسا «2» بها وقت حصول العفو عنه، فصحّ أنّ العفو عنه لم يكن في حال إساءته. و بهذا تبيّن ما ذكرناه من أنّ مآل التقدير من قولنا: إن لم يسي‏ء و إن أساء، حال عدم إساءته، و حال إساءته.
و نظير عبارة الدعاء قوله تعالى: «وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى‏ ظُلْمِهِمْ «3».
قال القاضي: التقييد بقوله: «على ظلمهم» دليل جواز العفو قبل التوبة، فإنّ التائب ليس على ظلمه «4».
و قال السيّد المرتضى: في هذا دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة، لأنّه تعالى دلّنا على أنّه يغفر لهم مع كونهم ظالمين، و يجري مجرى قول القائل: أنا أودّ
__________________________________________________
 (1) «ألف»: متلبسا.
 (2) «ألف» متلبّسا.
 (3) سورة الرعد: الآية 6.
 (4) أنوار التنزيل و أسرار التأويل للبيضاويّ: ج 1 ص 514.

42
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
فلانا على غدره، و أصله على هجره «1».
و قال صاحب الكشف: الأسلوب يدلّ على أنّه تعالى بليغ المغفرة للناس مع استحقاقهم لخلافها، لتلبّسهم بما العقاب أولى بهم عنده «2». انته.
و الدلالة المذكورة إنّما جاءت من كون قوله: «على ظلمهم» حالا مقارنة لعاملها، و هو المغفرة. كما أنّ قوله: «و إن أساء» في الدعاء حال مقارنة لعاملها، و هو العفو.
و من هنا فسّرت إحدى العبارتين بالأخرى، فقال العماديّ في تفسيره: أي على ظلمهم أنفسهم بالذنوب و المعاصي، و محلّها النصب على الحاليّة، أي ظالمين، و العامل فيه المغفرة، و المعنى: و انّ ربّك لغفور للناس لا يعجّل لهم العقوبة و إن كانوا ظالمين «3».
و قال الإمام المرزوقيّ في شرح الحماسة عند الكلام على قوله:
سأشكر عمرا إن تراخت منيّتي             أيادي لم تمنن، و إن هي جلّت‏
 يعني أنّ آلائه و نعمه صافية من المنّ و الأذى على جلالتها و فخامتها «4». انته.
فترى هذين الإمامين كيف فسّر كلّ منهما إحدى العبارتين بالأخرى، و ما ذلك إلّا للوجه الذي ذكرناه.
فإن قلت: قد قررت أنّ المراد بقوله عليه السّلام: «عن عبدك و إن أساء» نفسه على ترك الحكاية إلى المظهر، فكيف يجوز أن يكون المراد بالإساءة من قوله «و إن أساء» الإساءة مع الإصرار، و عدم التوبة.
قلت: لمّا اعترف عليه السّلام في الجملة السابقة بعدم ما يعتدّ به من الطاعة
__________________________________________________
 (1) لم نعثر عليه.
 (2) لا يوجد لدينا الكتاب المذكور.
 (3) تفسير أبي السعود: ج 5 ص 7.
 (4) لا يوجد لدينا الكتاب المذكور.

43
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

اللّهمّ و قد أشرف على خفايا الأعمال علمك، و انكشف كلّ مستور دون خبرك، و لا تنطوي عنك دقائق الأمور، و لا تعزب عنك غيّبات السّرائر.
لديه، و كثرة ما يبوء به من المعصية لديه، و كانت التوبة طاعة معتدّا بها، داخلة فيما اعترف بعدمه لديه، تعيّن أنّ المراد بالإساءة من قوله: و إن أساء» الإساءة المذكورة، و كان ذلك منه عليه السّلام من باب عدم الالتفات إلى طاعته و توبته، و الانقطاع إلى محض عفو اللّه و رحمته. و اللّه أعلم بمقاصد أوليائه.
قوله عليه السّلام «فاعف عنّي» «الفاء»: فصيحة- أي إذا كان لن يضيق عليك عفو عن عبدك، و إن أساء فاعف عنيّ- و عدل عن الغيبة إلى التكلّم و لم يقل: فاعف عنه، إيثارا لما هو أدلّ على المقصود من طلب العفو لنفسه، و تنبيها على أنّه هو المراد بذلك العبد المسي‏ء في قوله: «عن عبدك و إن أساء». و اللّه أعلم.
 [ 931] أشرف على الشي‏ء إشرافا: إطلع عليه من فوق.
و الخفايا: جمع خفيّة، كهدايا جمع هديّة، من خفي الشي‏ء يخفى- من باب علم- خفا- بالفتح و المد-: أي استتر فلم يظهر، فهو خاف و خفيّ.
و كشفت الشي‏ء كشفا- من باب ضرب- فانكشف: أظهرته فظهر. و أصله رفع شي‏ء عمّا يواريه و يستره، كرفع الثوب و الغطاء.
و دون: بمعنى عند، أي عند خبرك، و منه الحديث «من قتل دون ماله» «1» أي:
عنده، و في رواية ابن أبي الحديد: «عند خبرك».
و الخبر- بالضمّ-: العلم، و منه: صدق الخبر الخبر.
 [ 932] و طويت عنه الحديث: كتمته و أخفيته، و أصله من طيّ الثوب، و هو ضدّ نشره.
__________________________________________________
 (1) الجامع الصغيرة: ج 2 ص 178 و مجمع البحرين: ج 6 ص 248.

44
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و دقائق الأمور: غوامضها، من دقّ الشي‏ء فهو دقيق إذا لم يتّضح. أو جمع دقيقة، خلاف الجليلة، و منه ما دقّ و ما جلّ.
و الأمور: جمع أمر، بمعنى الشأن و الحال.
و عزب الشي‏ء- من باب قتل، و ضرب-: غاب و خفي، و منه: «لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ» «1»، أي: لا يغيب.
و الغيّبات: جمع غيّبة، مؤنث غيّب، على وزن فيعل- بكسر العين- بمعنى الغائب، كطيّبات و طيّبة.
و الغيب- بالتخفيف- بمعنى الغائب مخفّف منه، بحذف الياء الثانية أو الأولى، لاجتماع ياءين و كسرة.
قال الزمخشريّ و غيره من المفسرين في قوله تعالى: «يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»: هو بمعنى الغائب، امّا تسميته بالمصدر مبالغة، و إمّا أن يكون فيعلا فخفّف كما قيل «2». قيل:
و ميت و هين، و أصلها قيل: ميّت و هيّن بالتشديد.
و قول العماديّ: «لكن لم يستعمل فيه الأصل كما استعمل في نظائره» «3» مردود بعبارة الدعاء، و كفى بها شاهدا.
و في رواية «غائبات السرائر»، و رواية ابن أبي الحديد «خبايا السرائر».
و أمّا «غنبات»- بالنون قبل الباء الموحدة- على ما يوجد في هوامش كثير من النسخ، معزّوا إلى نسخة ابن إدريس، و أنّه كذا بخطه و ضبطه، فلا أعرف له معنى يناسب المقام. و أغرب من فسّره فقال: الغنب- بالفتح-: الغنيمة الكثيرة.
و السرائر: جمع سريرة، و هي السرّ.
__________________________________________________
 (1) سبأ: الآية 3.
 (2) تفسير الكشاف: ج 1 ص 39.
 (3) تفسير أبي السعود: ج 1 ص 30.

45
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و قد استحوذ عليّ عدوّك الّذي استنظرك لغوايتي فأنظرته، و استمهلك إلى يوم الدّين لإضلالي فأمهلته، فأوقعني و قد هربت إليك من صغائر ذنوب موبقة، و كبائر أعمال مردية.
و في الكشّاف: السرائر ما أسرّ في القلوب من العقائد و النيّات و غيرها و ما أخفي من الأعمال «1».
و إضافة الغيّبات إلى السرائر بيانيّة، أي الغائبات من السرائر، و هي التي لا يحيط بها إلّا علم اللطيف الخبير.
و مدار هذه الفقرات على الثناء عليه سبحانه بنفوذ علمه في كلّ خفيّ و مستتر، و عدم خفاء شي‏ء عليه من دقائق الأحوال و غوامضها، و مكنونات الأسرار و غوايبها، بحيث لا يشذّ شي‏ء منها عن إحاطة علمه. إذ كان الخفاء و الستر و الغيب إنّما تطلق بالقياس إلى مخفيّ عنه، و مستور و غائب عنه، و هي القلوب المحجوبة بحجب الطبيعة و أستار الهيئة البدنيّة، و الأرواح المستولي عليها نقصان الإمكان، الحاكم عليها بجهل ما خفي عليها، و استتر و غاب عنها، و كلّ ذلك لما ينزّه قدس الحضرة الإلهيّة عنه.
و كرّر عليه السّلام بيان إحاطة علمه تعالى بذلك، دفعا للأحكام الفاسدة الوهميّة، كما توهّم بعض القاصرين أنّه لا علم له سبحانه بالأشياء قبل وجودها، و بعضهم أنّه لا علم له بالجزئيات، تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
 [ 933] استحوذ عليه الشيطان: غلبه، و استماله إلى ما يريد منه.
قال الجوهريّ: و هذا جاء بالواو على أصله، كما جاء استروح، و استصوب.
و قال أبو زيد: هذا الباب كلّه يجوز أن يتكلّم به على الأصل. تقول العرب:
استصاب و استصوب، و استجاب و استجوب، و هو قياس مطّرد عندهم. و قوله تعالى: أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ، أي: ألم نغلب على أموركم، و نستولي على مودّتكم «2».
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشاف: ج 4 ص 736.
 (2) الصحاح: ج 2 ص 563.

46
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
انته.
و في اطراد ذلك خلاف. و الصحيح الذي عليه الجمهور المنع من القياس مطلقا. و فصّل ابن مالك، فقال في التسهيل: و ربّما صحّح الإفعال و الاستفعال و فروعهما، و لا يقاس على ذلك مطلقا خلافا لأبي زيد، بل إذا أهمل الثلاثي كاستنوق «1». انته. و هو قول ثالث في المسألة.
و نصّ سيبويه: على أنّ استحوذ من الشواذّ التي لم يسمع إعلالها «2».
و قال في شرح التسهيل: إنّه من المصحّح فقط «3».
و العدوّ: ضد الوليّ. قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ» «4».
و المراد بعداوته تعالى: مخالفة أمره عنادا، و الخروج عن طاعته مكابرة، أو عداوة خواصّه و مقرّبيه.
و في إضافته إلى ضمير المخاطب هنا تحريض على قمعه و إذلاله، و تنبيه على السبب، كما تقول: عدوّك بالباب، و عدوّك يمكر بك. و منه: «أهل الإسلام في الجنّة، و أهل الكفر في النار».
و قوله: «الذي استنظرك» إلى آخره وصف للتوضيح، أعني دفع الاحتمال.
و استنظرته: طلبت إنظاره، أي: تأخيره و إمهاله.
فأنظرني: أي أمهلني، و الاسم منه النظرة على وزن كلمة، و منه «فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ» «5»، أي فتأخير و إمهال.
و الغواية- بالفتح-: اسم من غوى- من باب ضرب- أي ضلّ و انهمك في الجهل.
__________________________________________________
 (1) لا يوجد لدينا كتابه.
 (2) كتاب سيبويه: ج 2، ص 437.
 (3) لا يوجد لدينا كتابه.
 (4) سورة الممتحنة: الآية 1.
 (5) سورة البقرة: الآية 280.

47
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و في الصحاح: غوى- بالفتح- يغوي غيّا و غواية «1»، فهي على هذا مصدر.
و جعل صاحب القاموس: الغيّ مصدر غوى- من باب ضرب-، و الغواية مصدر غوي من باب علم، و عبارته: غوى يغوي غيّا، و غوي غواية، و لا يكسر «2». انته.
و على كلّ تقدير فالغواية- بالفتح- بمعنى الضّلال لا الإضلال، فالمعنى:
استنظرك ليكون داعيا لضلالي.
و استمهلته: طلبت إمهاله، فأمهلني.
و «اليوم» في العرف: عبارة عمّا بين طلوع الشمس و غروبها من الزمان، و في الشرع: عمّا بين طلوع الفجر الثاني و غروب الشمس.
و المراد هاهنا مطلق الوقت.
و الدين: الجزاء، خيرا كان أو شرا. و إضافة اليوم إليه لأدنى ملابسة كإضافة سائر الظروف الزمانيّة إلى ما وقع فيها من الحوادث، كيوم الأحزاب، و ليلة القدر، و عام الفتح. و تخصيصه هنا من بين سائر ما يقع فيه كالقيامة و الجمع و الحساب لكونه أدخل في الدلالة على أنّه إن أمهله فلن يهمله. و ما ذكر من القيامة و غيرها من مبادي الجزاء و مقدماته.
و الفقرة الثانية تأكيد للأولى، و مضمونها تلميح إلى قوله تعالى في سورة الأعراف حكاية عن إبليس: قالَ أَنْظِرْنِي إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قالَ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ «3». و في سورة الحجر قالَ: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى‏ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ. قالَ: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «4»، و في سورة ص قالَ: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ: فَإِنَّكَ‏
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 6 ص 2450.
 (2) القاموس المحيط: ج 4 ص 372.
 (3) سورة الأعراف: الآية 14- 16.
 (4) سورة الحجر: الآية 36- 40.

48
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى‏ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ. قالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «1».
و إنّما أورد سبحانه هذه الحكاية على أساليب متعدّدة مع أنّ استنظار اللعين إنّما صدر عنه مرّة واحدة لا غير، و كذا جوابه لم يقع إلّا دفعة، قصدا للتفنّن الذي هو من مقتضيات البلاغة، على أنّ كلّ أسلوب من أساليب النّظم الكريم لا بدّ أن يكون له مقام يقتضيه مغاير لمقام غيره.
 (تنبيهات) الأوّل: صريح عبارة الدعاء أنّ إنظار اللعين و إمهاله كان إجابة لدعائه، و هو الذي دلّت عليه الآثار، و عليه أكثر المفسّرين:
قال العلامة الطبرسيّ: و أمّا الوجه في مسألة إبليس الإنظار مع علمه بأنّه ملعون مطرود فعلمه بأنّ اللّه سبحانه يظاهر على عباده النعم، و يعمّهم بالفضل و الكرم، فلم يصرفه ارتكابه المعصية عن مسألته و الطمع في الإجابة، فأجابه اللّه «2». انته.
و من هنا قال سفيان بن عيينه: لا يمنعنّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإنّ اللّه تعالى أجاب شر الخلق إبليس، إذ قال: أنظرني «3».
و ذهب جماعة: إلى أنّ إجابة دعاء الكافر لا تجوز، لأنّها كرامة، فقوله تعالى:
فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ بيان ما سبق به التقدير لا الإجابة.
قال العماديّ في تفسيره: ورود الجواب بالجملة الاسميّة مع التعرض لشمول ما سأله الآخرين على وجه يؤذن بكون السائل تبعا لهم في ذلك، دليل على أنّه إخبار
__________________________________________________
 (1) سورة ص: الآية 79- 83.
 (2) مجمع البيان: ج 3- 4 ص 403.
 (3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6 ص 197.

49
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
بالإنظار المقدّر لهم أزلا لا إنشاء لإنظار خاصّ به وقع إجابة لدعائه، أي إنك من جملة الذين أخرت آجالهم، أزلا حسبما تقتضيه الحكمة التكوينيّة «1». انته.
و أجيب: بأنّ الإجابة لا يلزم أن تكون كرامة، بل هي كالنعمة في احتمالها أن تكون ثوابا و تعظيما، و أن تكون استصلاحا و تفضّلا في الدنيا.
الثاني: ظاهر قوله عليه السّلام «استمهلك إلى يوم الدين لإضلالي فأمهلته» أنّ الإمهال وقع حسب السؤال إلى يوم الدين، فيكون المراد بيوم الوقت المعلوم في الآيتين هو يوم الدين، و هو يؤيّد قول صاحب الكشّاف: إنّ يوم الدين، و يوم يبعثون و يوم الوقت المعلوم في معنى واحد، و لكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريق البلاغة «2». انته.
و قال بعضهم: يجوز أن يكون المراد بالأيّام الثلاثة يوم القيامة. و الاختلاف في العبارات لاختلاف الاعتبارات. فالتعبير بيوم البعث، لأنّ غرض اللعين به يتحقّق، إذ به يحصل العلم بانقطاع التكليف، و اليأس من التضليل. و بيوم الوقت المعلوم، لاستئثاره تعالى بعلمه، أو للعلم بأنّه يصعق فيه من في السماوات و الأرض.
و بيوم الدين، للإيذان بتأخير عقابه و جزائه إليه.
و لا يلزم من ذلك أن لا يموت، فلعلّ كلّا من هلاك الخلق جميعا و بعثتهم و جزائهم في يوم واحد يموت اللعين في أوّله، و يبعث في أواسطه، و يعاقب في بقيّته.
و عن الصادق عليه السّلام: «يوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصّور نفخة واحدة، فيموت إبليس ما بين النفخة الأولى و الثانية» «3».
و ذهب بعض المعتزلة: إلى أنّ المراد بيوم الوقت المعلوم وقت موته و هلاكه في علم اللّه لا يوم القيامة، و كل مكلّف من الجنّ و الأنس منظر إلى وقت معلوم عند اللّه.
__________________________________________________
 (1) تفسير أبي السعود: ج 3 ص 217.
 (2) تفسير الكشّاف: ج 2 ص 578.
 (3) تفسير نور الثقلين: ج 3 ص 14.

50
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و الدليل على ذلك: أنّ إبليس مكلّف، و المكلّف لا يجوز أن يعلم أجله لما فيه من الإغراء بالقبيح، لأنّه إذا علم أجله أقدم على المعصية بقلب فارغ حتّى إذا قرب أجله تاب فتقبل توبته.
و أجيب: بأنّ من علم اللّه تعالى من حاله أنّه يموت على الطهارة و العصمة كالأنبياء، أو على الكفر و المعصية كإبليس، فإنّ إعلامه بوقت أجله لا يكون إغراء على القبيح، لأنّه لا يتفاوت حاله بسبب ذلك التعريف و الإعلام.
الثالث: قالت الأشاعرة: في إنظار إبليس و إمهاله دلالة على أنّه لا يجب على اللّه سبحانه رعاية مصالح العبد في دينه و لا في دنياه، و إلّا لم يمهل إبليس حين استمهله مع علمه بالمفاسد و الغوائل المترتبة على ذلك. و ممّا يؤيّد ذلك أنّه بعث الأنبياء دعاء للخلق إلى الحق، و علم من حال إبليس أنّه لا يدعو إلّا إلى الكفر و الضلال. ثمّ أنّه أمات الأنبياء و أبقى إبليس، و من كان يريد مصالح العباد امتنع منه أن يفعل ذلك.
و هذه الشبهة هي الشبهة السابعة من شبهات إبليس اللعين التي ذكرناها في الروضة السابعة عشرة، و قد تقدّم الجواب عنها هناك.
و أجابت المعتزلة عن ذلك: بأنّ اللّه تعالى خلق آدم و ذريّته قادرين على دفع إبليس عن أنفسهم، فهم الذين اختاروا الكفر و الفساد. أقصى ما في الباب أن يقال: إنّ الاحتراز عن القبيح حال عدم إبليس أسهل منه حال وجوده، إلّا أنّ على هذا التقدير تصير وسوسته سببا لزيادة المشقّة في أداء الطاعات فيزداد المكلّف بتكلّفها ثوابا، كما قال عليه السّلام «أفضل الأعمال أحمزها» «1»، أي أشقّها.
و ذلك لا يمنع الحكيم من فعله، كما أنّ إنزال المشاقّ و الآلام، و إنزال المتشابهات صار سببا لزيادة الشبهات، و مع ذلك لم يمتنع فعلها من اللّه تعالى.
__________________________________________________
 (1) مفتاح الفلاح: ص 32.
                       

51
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و هذا قريب من قول أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في خطبة له «فأعطاه اللّه النظرة استحقاقا للسخطة، و استتماما للبليّة، و إنجازا للعدّة، فقال: إنّك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم» «1».
 [ 934] قوله عليه السّلام: «فأوقعني و قد هربت» إلى آخره. الفاء: عاطفة للجملة على استحوذ.
و وقع وقوعا: سقط، و أوقعه غيره إيقاعا: أسقطه.
و في الأساس: وقع الشي‏ء على الأرض وقوعا، و أوقعته إيقاعا «2».
و في ديوان الأدب: أوقعه فوقع «3» و جملة قوله «و قد هربت» حاليّة، و أي أوقعني و الحال إنّي قد هربت، أي: حال هربي إليك.
و الهرب إليه تعالى من الذنوب: عبارة عن الإقبال عليه تعالى، و الإعراض عنها، و العزم على اجتنابها.
فالمراد بايقاع الشيطان له حال هربه، إمّا معناه الحقيقي و هو الإسقاط على الأرض، فيكون الكلام استعارة تمثيليّة، شبّه صورة تعويق الشيطان له عن النجاة من الذنوب و المعاصي- بالإقبال على اللّه تعالى، و الإعراض عنها- بصورة تعويق من أسقط هاربا من مخوف، و أوقعه على الأرض من «4» النجاة ممّا يخافه بالهرب منه.
فالمشبّه به هيئة منتزعة من الهارب، و طرحه على الأرض و تعويقه عن النجاة ممّا هرب منه. و المشبّه منتزعة من نفسه، و فسخ الشيطان لعزيمته من الفرار إلى اللّه تعالى من الذنوب، بتسويله و تعويقه عن اجتناب الذنوب و الخلاص منها. فلا تكون كلمة «أوقعني» استعارة بل هي باقية على معناها الحقيقي، كما قرروه في قولهم‏
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة: ص 42 الحطب 1.
 (2) أساس البلاغة: ص 686.
 (3) ديوان الأدب: ج 3 ص 268.
 (4) «ألف»: على الأرض و تعويقه عن النجاة.

52
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

حتّى إذا قارفت معصيتك، و استوجبت بسوء سعيي سخطتك، أراك تقدّم رجلا و تؤخّر أخرى.
و إمّا معناه المجازيّ، فيكون مستعارا لجعله إيّاه متلبّسا بما يكرهه، و الجامع التلبّس، و هي استعارة تصريحيّة، لذكر المستعار منه دون المستعار له. و حذف المتلبّس به إمّا للتعيم و الاختصار، أي: فألقاني في كلّ معصية، أو لمجرد الاختصار، أي فألقاني في حبائله و مصائده، بقرينة قوله: «استحوذ عليّ».
و أمّا ما وقع لبعض المترجمين من أنّ صاحب القاموس لم يذكر «أوقع» متعدّيا، و لكن قال: أوقع بهم: بالغ في قتالهم، و لعلّه ضمّن أوقعني معنى حاربني، فيكون معنى أوقعني بالغ في حربي، فهو خبط لا يلتفت إليه.
و قول بعضهم: إنّ جملة قوله: «و قد هربت إليك» استئنافيّة، بمعزل عن اسلوب نظم الكلام، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق.
و الموبقة: المهلكة، من الوبوق: و هو الهلاك. يقال: و بق يبق- من باب وعد و- ورث- و وبق يوبق- من باب وجل، و بوقا و موبقا: أي: هلك.
و يتعدّى بالهمزة فيقال: أوبقته، و هو يرتكب الموبقات، أي: المعاصي، لأنّهن مهلكات.
 [ 935] و المردية: المهلكة. يقال: ردي «1»- من باب تعب- أي هلك، و أراده غيره.
و اللّه أعلم.
 «حتى» هنا ابتدائية دخلت على الجملة الشرطيّة، و هي مع ذلك غاية لما قبلها. و هو استحواذ الشيطان عليه، و إيقاعه له أي قد استحوذ عليّ فأوقعني إلى أن قارفت معصيتك، هذا قول الجمهور، و قد سبق الكلام عليه مستوفى في الروضة الثانية عشرة.
و قارف الذنب: خالطه و قاربه.
__________________________________________________
 (1) «ألف» ردي، يردى.

53
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

قتل عنّي عذار غدره، و تلقّاني بكلمة كفره، و تولّى البراءة منّي، و أدبر مولّيا عنّي، فأصحرني لغضبك فريدا، و أخرجني إلى فناء نقمتك طريدا، لا شفيع يشفع لي إليك، و لا خفير يؤمنني عليك، و لا حصن يحجبني عنك، و لا ملاذ ألجأ إليه منك.
و قال الزمخشريّ في القائق: قارف الذنب و اقترفه، إذا التبس به، و يقال لقشر كلّ شي‏ء قرفه، لأنّه ملتبس به «1». انته.
و استوجب الشي‏ء: استحقّه.
و السوء- بالضمّ-: القبيح.
و السعي: يكون بمعنى العدو و المضيّ، و يكون بمعنى التصرّف و العمل، و هو المراد هنا. و يعدّي بالمعنى الأوّل ب «إلى»، و بالمعني الثاني باللام.
و في محكم اللغة: السعي: الكسب. و كلّ عمل من خير أو شر سعي «2».
و قال الفيّوميّ في المصباح: أصل السعي التصرّف في كلّ عمل، و عليه قوله تعالى: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏. وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى‏ «3».
و السخط: الغضب. و هو من الإنسان تغيير يحصل عند غليان دم القلب لشهوة الانتقام، و من اللّه تعالى سبحانه إرادة الانتقام و إنزال العقوبة المستحقّة.
و فتله يفتله فتلا- من باب ضرب لواه، يقال: فتل عنّي وجهه، أي لواه و صرفه.
و في الصحاح: فتله عن وجهه فانفتل. أي صرفه فانصرف، و هو قلب لفت «4».
و العذار: العارض، و هو صفحة الخدّ. و منه عذر الغلام إذا نبت شعر عذاره، يعني صفحة خدّه، و سمّي السير الذي على خدّ الدابة من اللجام عذارا، باسم موضعه.
__________________________________________________
 (1) الفائق في غريب الحديث: ج 3 ص 175.
 (2) محكم اللغة: ج 2 ص 159.
 (3) المصباح المنير: ص 377.
 (4) الصحّاح: ج 5 ص 1788.

54
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و الغدر: نقض العهد، و هو ضدّ الوفاء. و قد يطلق على الخديعة، و هي كلّ فعل يقصد به فاعله خلاف ما يقتضيه ظاهره. و منه الحديث «إن بين يدي السّاعة سنين غدّارة، يكثر فيها المطر، و يقلّ فيها النبات» «1».
قال الزمخشريّ في الفائق: أي: تطمعهم في الخصب بالمطر ثمّ تخلف، فجعل ذلك غدرا منها و خديعة «2». و هذا المعنى هو المراد هنا، لأنّ معنى فتل عنّي عذار غدره صرف عنّي وجه غدره، أي: أعرض عن الغدر و تركه لحصول مطلوبه من الإغواء و الإضلال عند مقارفة المعصية، و استيجاب السخطة، فلم يكن يحتاج إليه بعد ذلك. و هذا المعنى لا يناسبه إلّا الغدر بمعنى الخديعة، لا الغدر بمعنى نقض العهد، كما لا يخفى.
و لو كان المراد بالغدر نقض العهد لكان مقتضى المقام أن يقول: أظهر لي غدره. و لمّا كان الغدر بمعنى نقض العهد مستلزما للخديعة- بإظهار فاعله خلاف ما سيفعله في أوّل الأمر- أطلق عليها لفظ الغدر من باب إطلاق اسم الملزوم على اللازم.
قال شيخنا البهائيّ في المفتاح: المراد أنّ الشيطان بعد حصول مراده، من إيقاعه لي في المعصية بالحيلة و الغدر، صرف عنّي عنان غدره، حيث حصل منّي مراده «. انته.
فحمل الغدر على معنى الحيلة، و هي الخديعة، و إنّما فسّر العذار بالعنان، لأنّه حمله على ما يقع على خدّ الفرس من اللجام، و هو صحيح، فإنّ من صرف عذار دابّته، فقد صرف عنانها.
و الكلام على كلّ تقدير استعارة بالكناية مع الترشيح، شبّه الغدر بالشخص أو
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 345 مع اختلاف يسير في العبارة.
 (2) الفائق في غريب الحديث: ج 3 ص 55.
 (3) مفتاح الفلاح: ص 278.

55
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الدابة، بجامع قبول التصرف و الانقياد، و أثبت له عذارا، و رشّح ذلك بالفتل لملائمته للعذار. يقال: فتل عذاره، و لوى عذاره، إذا أعرض و صدّ.
قال الزمخشريّ في الأساس: لوى عذاره عنه إذا عصاه «1».
 [ 936] قوله عليه السّلام «و تلقّاني بكلمة كفره» تلقّاه: أي استقبله.
و «الباء» للملابسة، أي ملتبسا بكلمة كفره.
قال شيخنا البهائيّ: هو إشارة إلى ما حكاه سبحانه عنه بقوله تعالى: «إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ، فَلَمَّا كَفَرَ، قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ» «2». انته.
و الأولى أن يكون إشارة إلى قوله تعالى حكاية عنه «إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ» «3»، أي بإشراككم إيّاي مع اللّه في الطاعة، بمعنى تبرّأت منه و استنكرته.
قال صاحب الكشّاف: معنى كفره بإشراكهم: تبرّؤه منه، و استنكاره له، كقوله: «إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ» «4».
و في حديث أهل البيت عليهم السّلام: الكفر في هذه الآية البراءة «5».
و قوله: «و تولّى البراءة منّي» تولّى الأمر: إذا تقلّده: و قام به.
و البراءة: قطع العلقة، يقال: برئ منه براءة- من باب تعب- أي: قطع علقته منه.
و قوله: «و أدبر مولّيا»، أي: ذهب و رجع عنّي.
و مولّيا: حال مؤكدة لعاملها، و هي التي يستفاد معناها بدونها، و نحوه قوله تعالى: وَلَّى مُدْبِراً* «6».
و مدار هذه الفقرات على إنكار الشيطان ما كان يحثّ عليه، و يزيّنه للإنسان،
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 412.
 (2) مفتاح الفلاح: ص 278.
 (3) سورة إبراهيم: الآية 22.
 (4) تفسير الكشّاف: ج 2 ص 551.
 (5) الكافي: ج 2 ص 390 ح 1.
 (6) سورة النمل: الآية 10.

56
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
من سيّئات الجرائم، و قبائح المعاصي عند استحقاقه للعقوبة، و استيجابه للعذاب.
و نظير ذلك قول أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته الغرّاء: «أوصيكم بتقوى اللَّه الّذي أعذر بما أنذر، و احتجّ بما نهج، و حذّركم عدوّا نفذ في الصدور خفيّا، و نفث في الأذان نجيّا، فأضلّ و أردى، و وعد فمنّى، و زيّن سيئات الجرائم، و هوّن موبقات العظائم، حتّى إذا استدرج قرينته، و استغلق رهينته أنكر ما زيّن، و استعظم ما هوّن، و حذّر ما أمّن» «1».
قال ابن أبي الحديد: القرينة هاهنا الإنسان الذي قارنه الشيطان، و يقال:
غلق الرهن إذا لم يفتكه الراهن في الوقت المشروط، فاستحقّه المرتهن، قال: و هذا الكلام مأخوذ من قوله تعالى: وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ، وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «2».
 (تنبيه) في قوله عليه السّلام: «و استوجبت بسوء سعيي سخطتك» دلالة على أنّ الإنسان هو الذي يختار بسعيه الشقاوة، و ليس من الشيطان إلّا التسويل و التزيين، و هو مدلول الآية المذكورة. و لذلك قال: المحقّقون: الشيطان الأصلي هو النفس، و ذلك أنّ الإنسان إذا أحسّ بشي‏ء أو أدركه، ترتّب عليه شعوره بكونه ملائما له، أو منافرا له. و يتبع هذا الشعور الميل الجازم إلى الفعل أو إلى الترك. و كلّ هذه‏
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة: ص 112 الخطب 83.
 (2) شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد: ج 6 ص 268- 269.

57
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الأشياء من شأن النفس، و لا مدخل للشيطان في شي‏ء من هذه المقامات، إلّا بأن يذكّره شيئا مثل: أنّ الإنسان كان غافلا عن صورة امرأة فيلقي الشيطان حديثها في خاطره.
قال العلّامة الطبرسيّ: في الآية المذكورة دلالة على أنّ الشيطان لا يقدر على أكثر من الدعاء و الإغواء، و أنّه ليس عليه عقاب معاصيهم، و إنّما عليه عقاب الدعوة فحسب «1».
قوله عليه السّلام: «فأصحرني لغضبك فريدا»، «الفاء» عاطفة، و تفيد هنا ثلاثة أمور: الترتيب، و التعقيب و السببيّة.
و أصحر الرجل للصحراء إصحارا برز لهما، و هو غير متعدّ، لكنّه وقع هنا متعدّيا، كما وقع في حديث أمّ سلمة رضوان اللّه عليها لعائشة: سكّن اللّه عقيراك فلا تصحريها «2».
قال الزمخشريّ في الفائق: أصحر: أي خرج إلى الصحراء، و أصحر به غيره، و قد جاء هنا معدّى على حذف الجار و إيصال الفعل «3». انته.
و قال ابن الأثير في النهاية في حديث عليّ عليه السّلام «فأصحر لعدوّك، و امض على بصيرتك» أي كن من أمره على أمر واضح منكشف، من أصحر الرجل إذا خرج إلى الصحراء، و منه حديث الدعاء «فأصحرني لغضبك فريدا»، و حديث أمّ سلمة لعائشة «فلا تصحريها» أي لا تبرزيها إلى الصحراء، هكذا جاء في هذا الحديث، متعدّيا على حذف الجار و إيصال الفعل، فإنّه غير متعدّ «4». انته.
و ظاهر كلامه، أنّه في حديث الدعاء بالباء الموحّدة لا بنون الوقاية، لكن اتّفقت نسخ الصحيفة الشريفة على النون.
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 311.
 (2) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 12.
 (3) الفائق في غريب الحديث: ج 2 ص 169.
 (4) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 12- 13.

58
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
قال شيخنا البهائي قدّس سرّه: و المراد هنا: جعلني تائها في بيداء الضلال، متصدّيا لحلول غضبك عليّ «1». انته.
قلت: و هو استعارة بالكناية، شبّه نفسه بشخص أخرج إلى الصحراء في عدم تمكّنه من الاستتار بشي‏ء يقيه، و جعل إثبات الإصحار له تنبيها على ذلك، و يمكن حمله على الاستعارة التمثيليّة و التبعيّة أيضا، كما لا يخفى.
و قوله: «فريدا» حال من ضمير المتكلّم، أي مؤاخذا و معاقبا بما قارفته دون غيري. و فيه دلالة على أنّ الشيطان لا يؤاخذ بمعاصي العبد، كما تقدّم.
قوله عليه السّلام: «و أخرجني إلى فناء نقمتك طريدا».
الفناء- بالكسر و المدّ- السعة أمام الدار، و قيل: ما امتدّ من جوانبها، و منه فناء الكعبة.
و النقمة: مثل كلمة، و تخفّف مثلها: اسم من «نقمت منه»،- من باب ضرب- و انتقمت: أي عاقبت.
و الطرد: الإبعاد، طرده طردا- من باب قتل- فهو طريد و مطرود. و نصبه على الحال، و الظاهر أنّها مبنيّة، و تحتمل التأكيد.
 [ 937] قوله عليه السّلام: «لا شفيع يشفع لي إليك» جملة حالية، أو مستأنفة استئنافا نحويّا، و لا لنفي الجنس.
و روي فيما بعدها في الفقرات الأربع الرفع- على جواز الإلغاء عند التكرار، و على الإعمال كليس-، و الفتح على الأصل من جعلها في المواضع كلّها لنفي الجنس فيكون مبنيّا.
و جملة «يشفع لي» خبر «لا».
و الخفير: فعيل، من خفرت الرجل- من باب ضرب- أي حميته و أجرته من‏
__________________________________________________
 (1) مفتاح الفلاح: ص 278.

59
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

فهذا مقام العائذ بك، و محلّ المعترف لك، فلا يضيقنّ عنّي طالب، و الاسم الخفارة- بالضمّ و الكسر-.
و آمنت الخائف- بالمدّ- سلّمته ممّا يخاف، و الأسير أعطيته الأمان. و تعدّيته ب «على» لتضمينه معنى النصرة، أي: يؤمنني، ناصرا لي عليك، و نظيره تعدية الإجارة بها في قوله تعالى: وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ «1»، أي: يمنع ما يشاء، و لا يمنع أحد بالنصر عليه.
و الحصن- بالكسر-: المكان الذي لا يقدر عليه لارتفاعه.
و في القاموس: كلّ موضع حصين لا يوصل إلى جوفه «2».
و حجبه حجبا- من باب قتل-: منعه. و منه قيل للستر: حجاب، لأنّه يمنع من المشاهدة.
و الملاذ: الملجأ. من لاذ به، يلوذ، لواذا، مثلثة، أي التجأ إليه، و اعتصم به.
يقال: لجأ إلى الحصن و غيره لجأ- مهموزتين من بابي نفع و تعب-، و التجأ إليه، أي استند إليه و اعتصم به.
و مفاد هذه الفقرات تأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه، و بيان عجزه، على معنى أنّ اللّه تعالى إن أراد عذابه لم يكن له شفيع يدرأ عنه العذاب، و لا مجير يجيره منه، و لا يصحّ أن يكون له حصن يمنعه عنه، و لا ملاذ يعتصم به منه، و هو معنى قوله تعالى: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً «3». و اللَّه أعلم.
 [ 938] «الفاء» للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها. و القول بأنّها للاستئناف و هم.
و عاذ به يعوذ عوذا و عياذا، و معاذا: اعتصم.
و اعترف بالشي‏ء اعترافا: أقرّ به على نفسه. و حذف المعترف به للتعميم‏
__________________________________________________
 (1) سورة المؤمنون: الآية 88.
 (2) القاموس المحيط: ج 4 ص 214.
 (3) سورة الجنّ: الآية 22.

60
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

فضلك، و لا يقصرنّ دوني عفوك، و لا أكن أخيب عبادك التّائبين، و لا أقنط وفودك الآملين، و اغفر لي، إنّك خير الغافرين.
و الاختصار.
و «الفاء» من قوله: «فلا يضيقنّ» فصيحة، و لا دعائيّة، و أصلها النهي.
و ضاق الشي‏ء: خلاف اتّسع.
و الفضل: الإحسان.
و قصر السّهم عن الهدف قصورا- من باب قعد-: لم يبلغه.
و دون: نقيض فوق، و هي تقصير عن الغاية.
 [ 939] و قوله: «و لا أكن» فيه استعمال «لا» في فعل المتكلّم، و هو و إن كان نادرا لكنّه ثابت في الفصيح، كقوله:
لا أعرفن ربربا حورا مدامعها

 و قول آخر:
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد

 و هي في هذا تحتمل النهي «1» و الدعاء، نصّ عليه ابن هشام في المغني «2».
و الكلام في هذه الفقرات من باب توجيه النهي إلى المسبّب و المراد النهي عن السبب، بأبلغ وجه، على أسلوب الكناية.
و الأصل: لا تمنعني واسع فضلك فيضيق عنّي، و لا عفوك فيقصر دوني، و لا تردّني و تجبهني فأكون أخيب عبادك التائبين، و لا تحرمني رفدك فأكون أقنط وفودك الآملين، فعدل عن ذلك إلى توجيه الدعاء إلى الفضل في عدم الضيق، و إلى العفو في عدم القصور، و إلى نفسه في عدم كونه الأخيب و الأقنط على طريقة: «فلا يكن في صدرك حرج» و قولهم: لا أرينّك هاهنا، أي: لا تشكّ فيكون في صدرك‏
__________________________________________________
 (1) مغني اللبيب: ص 324.
 (2) مغني اللبيب: ص 326.

61
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
حرج، و لا تكن هاهنا فأراك، فعدل عن ذلك إلى توجيه النهي إلى الحرج عن أن يكون في صدره، و إلى نفسه عن أن يراه.
قال النيسابوريّ: توجيه النهي إلى الحرج كقولهم: لا أرينّك هاهنا، و المراد نهيه عن كونه بحضرته فإنّ ذلك سبب رؤيته «1».
قال الزمخشريّ: فإن قلت: النهي في قوله «فلا يكن» متوجّه إلى الحرج فما وجهه.
قلت: هو من قولهم: لا أرينّك هاهنا «2».
قال صاحب الكشف: ظاهره أنّ المتكلّم ينهى نفسه، و المراد نهي المخاطب بأبلغ وجه على اسلوب الكناية «3».
و قال التفتازانيّ: يعني ليس الحرج ممّا يؤمر و ينهى بالكون في الصدر، أو اللاكون. كيف و قد فسّروا النهي بطلب الكف عن الفعل أو الترك!! فجعله من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم. فالمنهي عدم كون المخاطب في حرج، و قد عبّر عنه بعدم كون الحرج في صدره، كما عبر في «لا أرينّك» هاهنا عن عدم كون المخاطب في هذا المكان بعدم رؤية المتكلّم إياه. و مثله في الأمر قوله تعالى: وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً «4» عبّر عن أمير المؤمنين بأن يغلظوا على الكفّار بأمر الكفّار أن يجدوا في المؤمنين غلظة، لأنّ هذا لازمه «5» انته.
و قال ابن هشام في المغني: قولهم «لا أرينّك»، هاهنا ممّا أقيم فيه المسبب مقام السبب، و الأصل: لا تكن هاهنا فأراك. و مثله في الأمر «و ليجدوا فيكم غلظة»، أي و اغلظوا عليهم ليجدوا ذلك. و إنّما عدل إلى الأمر بالوجدان تنبيها على أنّه‏
__________________________________________________
 (1) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 2 ص 119.
 (2) تفسير الكشاف: ج 2 ص 86.
 (3) الكشف: لا يوجد لدينا الكتاب المذكور.
 (4) سورة التوبة: الآية 123.
 (5) لم نعثر عليه.

62
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
المقصود لذاته، و أمّا الإغلاظ فلم يقصد لذاته بل ليجدوه «1». انته.
و إنّما لم يكن الإغلاظ مقصودا لذاته، لأنّه ليس من الأخلاق الحسنة، فلا يكون مأمورا به إلّا لعارض كإرهاب العدوّ. و اللّه أعلم.
قوله عليه السّلام: «أخيب عبادك التائبين، و لا أقنط وفودك الآملين» خاب يخيب خيبة: لم يظفر بما طلب.
و قنط يقنط- من بابي ضرب و تعب-، قنوطا: يئس.
و الوفود: جمع وفد، و هو جمع وافد، كصحب و صاحب. يقال: وفد عليه يفد وفودا، أي ورد و قدم.
و قال ابن الأثير: الوفد: القوم يجتمعون و يردون البلاد، واحدهم وافد، و كذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة و استرفاد و انتجاع و غير ذلك «2». انته.
و أفعل التفضيل هنا مقصود به أصل الفعل لا الزيادة، إذ ليس في عباده التائبين خائب، و لا في وفوده الآملين قانط. فهو كقولهم: نصيب أشعر الحبشة، أي: شاعرهم، إذ لا شاعر فيهم غيره، و قولهم: الناقص و الأشجّ أعدلا بني مروان، أي عادلاهم، لأنّه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل. فأفعل هنا بمعنى اسم الفاعل في انفراده بالوصف من غير مشاركة فيه.
قوله عليه السّلام: «و اغفر لي إنّك خير الغافرين» غفر اللّه له: ستر خطيئته و صفح عن عقوبته.
و جملة «إنّك خير الغافرين» تعليل، و مزيد استدعاء للإجابة، أي: خير الساترين على عباده، و المتجاوزين لهم عن ذنوبهم لأنّ غفرانك غير متوقف على جلب منفعة، أو دفع مضرّة، بل لمحض الفضل و الكرم.
__________________________________________________
 (1) المغني: ص 324.
 (2) النهاية: لابن الأثير: ج 5 ص 209.

63
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

اللّهمّ إنّك أمرتني فتركت، و نهيتني فركبت، و سوّل لي الخطاء خاطر السّوء ففرّطت.
 [ 940] تأكيد الجملة لغرض كمال قوّة اعترافه بمضمونها. و لم يتعرض لمتعلّق الأمر و الترك و لا النهي و الركوب، إمّا لظهور أنّ المراد: أمرتني بالخير و الإحسان فتركت ما أمرتني به، و نهيتني عن الفحشاء و المنكر، فركبت ما نهيتني عنه، بدليل «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى‏، وَ يَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ» «1».
و إمّا لأنّ المراد: وجد منك الأمر و النهي، فوجد منّي الترك و الركوب، كقولهم: أمرته فعصاني.
قال الزمخشريّ: المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه، و لا منويّ، لأنّ من يتكلّم بهذا الكلام فإنّه لا ينوي لأمره ما مأمورا به و كأنّه يقول: كان منّي أمر، فلم تكن منه طاعة، كما أنّ من يقول: فلان يعطي و يمنع، و يأمر و ينهى، غير قاصد إلى مفعول «2». انته. و هذا الوجه أولى.
و ركب الأمر، و ارتكبه: باشره، و منه ركب ذنبا، و لا يستعمل إلّا في ما فيه صعوبة أو قبح.
و التسويل: تحسين الشي‏ء و تزيينه و تحبيبه إلى الإنسان ليفعله أو يقوله.
و في القاموس: سوّلت له نفسه كذا: زيّنت، و سوّل له الشيطان: أغواه «3».
و الخطاء: بفتحتين، ضدّ الصواب. و يحتمل أن يراد به هنا الإثم، و الذنب لغة في الخطأ- بالكسر و السكون- و قد قرئ قوله تعالى: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً بالوجهين «4».
قال المفسّرون: الخطأ- بالكسر و السكون- الإثم، يقال: خطأ خطأ كأثم إثما،
__________________________________________________
 (1) سورة النحل: الآية 90.
 (2) لم نعثر عليه.
 (3) القاموس المحيط: ج 3 ص 399.
 (4) سورة الإسراء: الآية 31.

64
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و لا أستشهد على صيامي نهارا، و لا أستجير بتهجّدي ليلا، و لا وزنا و معنى.
و قرئ بفتحتين بمعناه، كالمثل و المثل، و الحذر و الحذر.
و قيل: ضدّ الصواب.
و الخاطر: ما يرد على القلب، و يمرّ بالبال، و هو أقسام:
رحمانيّ: و هو ما كان باعثا على ما فيه صلاح و قربة، و يسمّى إلهاما.
و نفسانيّ: و هو ما فيه حظّ للنفس، و يسمّى هاجسا.
و شيطانيّ: و هو ما يدعو إلى مخالفة الحق، و يسمّى وسواسا.
و قد تقدّم الكلام على ذلك بأبسط من هذا.
و لمّا كان ينقسم إلى حسن و قبيح قيّده عليه السّلام بالإضافة إلى السوء، و هو في النسخة المقابلة على نسخة الشهيد بخطّه بفتح السين، و في غيرها بالضمّ، و قرئ قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ* «1» بالوجهين.
قيل: هما لغتان من «ساء، يسوء» إذا قبح. غير أنّ المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمّه، و المضموم جرى مجرى الشرّ، و كلاهما في الأصل مصدر. و قيل: هو بالفتح مصدر، و بالضم اسم منه.
و قيل: المفتوح: الرداءة و الفساد، و المضموم: الشرّ و الضرر.
و فرّط في الأمر تفريطا: قصّر فيه و ضيّعه و عدم التعرّض للمفرّط فيه، لأنّ المراد وجد منّي التفريط، كما يقال: فلان يعطي و يمنع.
و تقديم المفعول، أعني الخطاء على الفاعل، و هو خاطر السوء، للاهتمام به من حيث إنّه نصب عينيه، و إنّ التفات خاطره إليه أشدّ. و اللّه أعلم.
 [ 941] الواو عاطفة. و جعلها للاستئناف كما زعم بعضهم لا داعي إليه، لعدم انقطاع الجملة ممّا قبلها.
__________________________________________________
 (1) سورة الفتح: الآية 6.

65
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

تثني عليّ بإحيائها سنّة حاشا فروضك التي من ضيّعها هلك.
و أستشهد به: طلبت منه أن يشهد.
و النهار: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، و هو مرادف لليوم.
و استجارة: طلبت منه أن يجيره، أي يؤمنه، و يمنعه.
و الليل: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق.
و التهجّد: تفعّل من الهجود، قال أبو عبيدة و ابن الأعرابي و الفارابيّ و الجوهريّ:
هجد و تهجّد. أي نام ليلا، و هجد و تهجّد. أي: سهر، و هو من الأضداد، و منه قيل:
لصلاة الليل التهجّد «1».
و قال الأزهريّ و جماعة: الهجود في الأصل هو النوم بالليل، و لكن تاء التفعّل فيه لأجل التجنّب. و منه تأثّم و تحرّج إذا ألقى الإثم و الحرج عن نفسه، فكأنّ المتهجّد يدفع الهجود عن نفسه «2».
و في الأساس: تهجّد الرجل: ترك الهجود للصلاة «3».
و قال المبرّد: التهجّد: السهر للصلاة، أو لذكر اللّه «4».
و عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ «5» أي فصلّ بالقرآن «6».
و قال عليّ بن إبراهيم: التّهجّد: صلاة الليل «7».
و أكثر المفسّرين على أنّ التهجّد لا يكون إلّا بعد النوم «8»، و قال بعضهم:
ما تنّفلت به في كلّ اللّيل يسمّى تهجّدا «9».
قال بعض المحشّين: قوله عليه السّلام «نهارا» إمّا مفعول أستشهد، و إمّا متعلّق بصيامي، و المفعول مقدّر، و التقدير: و لا صمت نهارا صياما مبرورا، فأستشهد
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 2 ص 555.
 (2) التهذيب للأزهريّ: ج 6 ص 36 نقلا بالمعنى.
 (3) أساس البلاغة: ص 694.
 (4) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 433.
 (5) سورة الأسراء: الآية 79.
 (6) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 434.
 (7) تفسير عليّ بن إبراهيم: ج 2 ص 25.
 (8) تفسير روح المعاني: ج 15 ص 138.
 (9) تفسير روح المعاني: ج 15 ص 138.

66
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
النهار، أو اللّه، أو الملائكة على ذلك. و كذلك قوله «ليلا» متعلّق ب «تهجّدي»، أي: و لا تهجّدت ليلا تهجّدا مقبولا فأستجير به «1». انته.
و قال آخرون: كلّ من النهار و الليل مفعول به، لا ظرف، و التقدير: لا أستشهد نهارا على صيامي، و لا أستجير ليلا بتهجّدي، أي لا أطلب من نهار أن يشهد لي على صيامي فيه، و لا أطلب من اللّيل «2» أن يجيرني بسبب تهجّدي فيه.
أقول: و العبارة تحتمل معنى آخر لم يتعرّض له أحد، و لعلّه أنسب ممّا ذكر «3»، و هو أن يكون المراد بقوله عليه السّلام «لا أستشهد و لا أستجير» لا يكون منّي استشهاد و لا استجارة، تنزيلا للمتعدّي منزلة اللازم، من غير اعتبار تعلّقه بمستشهد و مستجار عامّ أو خاصّ، على حدّ قولهم: من يسمع يخل، أي يكن منه خيلة، أي ظنّ.
و نهارا و ليلا منصوبان على الظرفية للصيام و التهجّد، و المعنى لا يكون منّي استشهاد على صيامي في نهار، و لا يكون منّي استجارة بسبب تهجّدي في ليل.
و غرضه نفي الصيام و التهجّد مطلقا، من باب نفي الشي‏ء بنفي لازمه، أي: لا صيام لي في نهار فأستشهد عليه، و لا تهجّد لي بليل فأستجير بسببه، كقوله: و لا ترى الضبّ بها ينجحر «4»، أي لا ضبّ و لا انجحار.
فإن قلت: الصيام لا يكون إلّا نهارا، و التهجّد لا يكون إلّا ليلا، فما فائدة حملهما على الظرفيّة؟
قلت: فائدته الدلالة على البعضيّة من حيث الأفراد بما فيهما من التنكير الدال على البعضيّة، فإنّ قولك: ركبت نهارا و سرت ليلا يفيد بعضيّة زمان سيرك من الأيّام و الليالي، ألا ترى: أنّ المحقّقين من المفسّرين قالوا في قوله تعالى: «سُبْحانَ‏
__________________________________________________
 (1) تفسير روح المعاني: ج 15 ص 138.
 (2) «ألف» من ليل.
 (3) «ألف»: ممّا يذكر.
 (4) شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 1 ص 115.

67
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا» «1»، إنّ قوله: «ليلا» مع أنّ الإسراء إنّما يكون ليلا:
لإفادة قلّة زمان الإسراء بما فيه من التنكير الدال على البعضيّة من حيث الأجزاء، دلالته على البعضيّة من حيث الأفراد «2».
فإنّ قولك سرت ليلا، كما يفيد بعضيّة زمان سيرك من الليالي يفيد بعضيّته من فرد واحد منها، بخلاف ما إذا قلت: سرت الليل، فإنّه يفيد استيعاب السير له جميعا فيكون معيارا للسير لا ظرفا له، و اللّه أعلم.
قوله عليه السّلام «و لا تثني عليّ بإحيائها سنّة» أثنيت على زيد: ذكرته بالجميل أو أتيت بما يشعر بتعظيمه مطلقا، و الاسم الثناء- بالفتح و المدّ-.
و أمّا ما ذكره ابن القطاع و غيره من أنّ الثناء يستعمل في الجميل و القبيح، فقال الإمام البطليوسيّ: هو مردود، بأنّ المستعمل فيهما إنّما هو النثاء بتقديم النون على الثاء المثلّثة، و أمّا الثناء بتقديم الثاء على النون فاستعماله في القبيح إنّما هو على ضرب من التأويل كالمشاكلة و الاستعارة التهكّميّة.
و الضمير في إحيائها راجع إلى السنّة، و جاز إعادة الضمير إلى المتأخّر لتقدّمه في الرتبة، إذ هو فاعل. و الأصل فيه أن يتّصل بفعله.
و السنّة في الأصل: الطريقة و السيرة، و في الشرع: ما رغب فيه الشارع و لم يوجبه.
قال بعضهم: السنّة و المندوب و التطوّع و النفل و المرغّب فيه و المستحب كلّها بمعنى واحد، و هو ما كان فعله راجحا على تركه، و لا إثم في تركه، سواء دلّ عليه كتاب أو سنّة.
و قد يراد بها ما أمر به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و نهى عنه، و ندب إليه قولا و فعلا ممّا لم يأت به الكتاب العزيز، و لهذا يقال في أدلّة الشرع: الكتاب و السنّة، أي القرآن و الحديث.
و قد يراد بها مطلق الطريقة النبويّة، و الشريعة المحمديّة، الشاملة لما ورد به‏
__________________________________________________
 (1) سورة الإسراء: الآية 1.
 (2) روح المعاني: ج 15 ص 4- 5 نقلا بالمعنى.

68
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الكتاب و الحديث، فرضا كان أو مستحبا، و عليه قول أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه: السنّة: سنّتان، سنّة في فريضة، الأخذ بها هدى، و تركها ضلالة، و سنّة في غير فريضة، الأخذ بها فضيلة، و تركها إلى غير خطيئة «1».
و المراد بإحيائها إقامتها و الاعتناء بها، و المواظبة عليها، و المحافظة على حدودها.
و «الباء»: للسببيّة، أي بسبب إحيائها.
و تقديمه على الفاعل للعناية و الاهتمام. و قول بعضهم: يمكن أن يكون الضمير من «إحيائها» عائد إلى اللّيل، و المعنى لا تثني على سنّة بإحياء ليل، لا يخفى بعده:
و إسناد الثناء إلى السنّة مجاز عقليّ، من باب إسناد الشي‏ء إلى سببه، أو استعارة بالكناية، بجعل السنّة استعارة عن الفاعل الحقيقيّ بواسطة المبالغة في التشبيه، و جعل نسبة الثناء إليها قرينة للاستعارة، و هو مذهب صاحب المفتاح «2».
قوله عليه السّلام «حاشا فروضك التي من ضيّعها هلك».
 «حاشا» هنا استثنائيّة، فذهب سيبويه و أكثر البصريّين إلى أنّها حرف دائما بمنزلة «إلّا»، و أنكروا النصب بعدها «3».
و ذهب المبرّد و الزجاج و الأخفش و آخرون إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا جارّا، و قليلا فعلا متعدّيا جامدا، لتضمّنه معنى «إلّا». فتنصب ما بعدها. و فاعلها ضمير مستتر وجوبا، و سمع: اللّهمّ اغفر لي و لمن يسمع، حاشا الشيطان و أبا الأصبغ «4».
و الرواية في الدعاء واردة بالوجهين، فالجرّ على أنّها حرف، و النصب على أنّها فعل بمعنى جانب. و فاعلها مستتر عائد إمّا إلى مصدر متصيّد من الكلام الذي قبلها، و المعنى جانب اعترافي بعدم قيامي بالطاعات المذكورة- فروضك، أو إلى اسم فاعل مفهوم منه، أي جانب المعترف منّي فروضك.
و هذان قولان في مرجع الضمير، الأوّل للكوفيّين، و الثاني لسيبويه، و ذهب‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 1 ص 71 ح 12.
 (2) مفتاح العلوم: 166.
 (4) مغني اللبيب: ص 165.
 (3) مغني اللبيب: ص 165.

69
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الفرّاء إلى أنّها فعل لا فاعل له «1»، كقلّما، لما أشربته من معنى «إلّا».
و إنّما استثنى عليه السّلام بحاشا، لما فيها من معنى التنزيه، تنزيها لفروضه تعالى من تضييعها.
و لذلك قال ابن الحاجب: إنّما يستثنى ب «حاشا» حيث يتعلّق الاستثناء بما فيه تنزيه، كقولك: ضربت القوم حاشا زيد، و لا يحسن: صلّى الناس حاشا زيد، لفوات معنى التنزيه «2».
و الاستثناء هنا متّصل، لأنّه من مضمون الكلام السابق، و هو الاعتراف بالتفريط في الطاعات و العبادات، أو من السنّة الشاملة للفرض و الندب، و إن كان العطف محتويا على ثلاثة أشياء، كقوله عليه السّلام «ألا إنّ كلّ دم و مال و مأثرة كانت في الجاهليّة، فهي تحت قدميّ هاتين إلّا سدانة الكعبة، و سقاية الحاج «3».
قال الزمخشريّ: هذا استثناء عن المأثرة، و إن احتوى العطف على ثلاثة أشياء، و نظيره قولك: جاءني بنو ضبّه و بنو الحرث و بنو عبس إلّا قيس بن زهير، و ذلك لأنّ المعنى يدعوه إلى متعلّقه «4». انته.
يعني أنّ قيسا من بني عبس، فلا يتعلّق إلّا به. إذا عرفت ذلك، فقول بعضهم:
الاستثناء بحاشا هنا منقطع، ليس كما ينبغي.
و الفروض: جمع فرض، و هو لغة: التقدير، و شرعا: ما أمر اللّه تعالى عباده ليفعلوه، كالصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ، و جمعه باعتبار أفراده.
و تضييع الفروض عبارة عن تركها و عدم القيام بها. يقال: ضيّعه تضييعا، و أضاعه إضاعة، قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ «5».
__________________________________________________
 (1) همع الهوامع للسيوطي: ص 233.
 (2) تحفة الغريب بهامش المنصف من الكلام: ج 1 ص 252.
 (3) مسند أحمد: ج 2 ص 103 و الفائق في غريب الحديث: ج 1 ص 22.
 (4) الفائق في غريب الحديث: ج 1 ص 22.
 (5) سورة مريم: الآية 59.

70
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و لست أتوسّل إليك بفضل نافلة مع كثير ما أغفلت من وظائف فروضك، و تعدّيت عن مقامات حدودك إلى حرمات انتهكتها، و كبائر ذنوب اجترحتها، كانت عافيتك لي من فضائحها سترا.
و المراد بالهلاك هنا استيجاب العذاب و استحقاق السخط من اللّه تعالى نعوذ باللّه من ذلك.
و مدار هذه الفقرات على اعترافه عليه السّلام بعدم قيامه بالطاعات سوى الفرائض باعتبار عدم الاعتداد به، و إلى هذا المعنى أشار صاحب البردة بقوله:
و ما تزوّدت قبل الموت نافلة             و لم أصلّ سوى فرض، و لم أصم «1».

و من العجيب ما قاله بعضهم هنا: إنّ الاستثناء في قوله عليه السّلام «حاشا فروضك» نظير قوله:
و لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم             بهنّ فلول من قراع الكتائب «2»
 فيكون المعنى خصوصا فروضك.
و لو كان الاستثناء على حقيقته لكان المعنى ما أحييت من السنن إلّا الفروض، و مقام الاعتراف بالتقصير، غير مناسب لذلك. انته.
و مثل هذا الكلام لا يصدر إلّا عن ذهن مئوف، نسأل اللّه العافية.
 [ 942] توسّل إلى ربّه بعمل: تقرّب إليه به، و يقال: وسل، يسل أيضا- من باب وعد-، و منه اشتقاق الوسيلة، و هي ما يتقرّب به إلى الشي‏ء.
و الفضل: الزيادة، و هو خلاف النقص. يقال: فضل فضلا- من باب قتل- أي زاد، و «خذ الفضل» أي الزيادة و يطلق على الكمال و الشرف و الدرجة الرفيعة، كالفضيلة و النافلة: من النفل، و هو لغة: الزيادة، و شرعا: اسم لما شرّع زيادة في العبادات على المفروضات. و يسمّى مندوبا، و مستحبّا و تطوّعا، و تنويها للتفخيم، أي نافلة يعتدّ بها.
__________________________________________________
 (1) تخميس قصيدة البردة: ص 19.
 (2) مغني اللبيب: ص 155.

71
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و «مع» في الأصل: ظرف، و هي اسم لمكان الاجتماع، أو وقته، تقول: زيد مع عمرو، و جئت مع العصر. و هل هو معرب أو مبنيّ؟ خلاف. و قد يراد بها مجرد الاجتماع من غير ملاحظة الزمان و المكان، و هي هنا كذلك. و لمّا كان أصلها الظرفيّة فلا بدّ لها من متعلّق، و متعلّقها هنا قوله: «أتوسّل».
و أغفلت الشي‏ء إغفالا: تركته من غير نسيان، و المفعول محذوف، أي أغفلته.
و «من»: بيانية.
و الوظائف: جمع وظيفة، و هي ما يقدّر من عمل و رزق و نحو ذلك. و تطلق على الشرط كما في القاموس «1»، و لعلّه المراد هنا بقرينة استثناء الفروض سابقا، فيكون المراد بها شرائط الفروض للقبول دون الأجزاء كمحض الإخلاص، و حضور القلب و غير ذلك، ففي الصحيح «إنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه» «2».
و فيه عن أبي جعفر عليه السّلام: إنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها، فما يرفع له إلّا ما أقبل عليه بقلبه، و إنّما أمرنا بالنافلة ليتمّ لهم بها ما نقّصوا من الفريضة «3».
أو المراد بها الآداب الموظفة التي يكون بها المفروض على أكمل الوجوه كما ورد في الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: للصلاة أربعة آلاف حد «4»، و في رواية أخرى للصلاة أربعة آلاف باب «5».
و على كلّ تقدير فغرضه من ذلك أن لا يخرج نفسه من حدّ التقصير في فرض و لا ندب.
و تعدّيت الشي‏ء: تجاوزته إلى غيره. و إنّما عدّاه ب «عن» لتضمينه معنى الإعراض و الصدّ.
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 3 ص 205.
 (2) الكافي: ج 3 ص 363 ح 4.
 (3) الكافي: ج 3 ص 363 ح 2.
 (4) الكافي: ج 3 ص 272 ح 6.
 (5) الكافي: ج 3 ص 272 ح 6.

72
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و في القاموس «1» و المحكم: عدّى عن الأمر جازه إلى غيره فلا حاجة إلى التضمين «2».
و المقامات: جمع مقامة، و هي- بالفتح-: القيام و موضعه، و- بالضمّ- الإقامة و موضعها، و الرواية في الدعاء بالوجهين.
و الحدّ في الأصل: المنع و الفصل بين الشيئين، و حدّ الدار ما يمنع غيرها أن يدخل فيها.
فحدود اللّه: ما منع من مخالفتها بعد أن قدّرها بتقادير مخصوصة، و صفات مضبوطة، قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «3» أي أحكامه و فرائضه، و عن الحسن: حرماته «4»، و بالجملة ما أمر به و نهى عن مخالفته.
و إضافة المقامات إليها، إمّا بمعنى المصدر من قام بالأمر، و أقامه: إذا حفظه و لم يضيّعه، أو بمعنى الموضع، أي مواضع قيامها أو إقامتها، و المراد بها المواضع التي نيطت بها حدوده و أحكامه تعالى، من الأفعال و التروك.
و قوله عليه السّلام: «إلى حرمات انتهكتها» متعلّق ب «تعدّيت»، يقال:
تعدّيت هذا الأمر إلى غيره: أي جاوزته إليه.
و الحرمات: جمع حرمة- بالضمّ و بالضمّتين- و هي ما لا يحلّ انتهاكه.
و حرمات اللّه: قيل: فروضه، و قيل: ما وجب القيام به، و حرم التفريط فيه، و قيل: ما حرّمه، و أمر باجتنابه. من حرم الشي‏ء- بالضمّ- إذا امتنع فعله. و هي في الأصل اسم من الاحترام، كالفرقة من الافتراق.
و انتهك الحرمة: تناولها بما لا يحلّ، و أصله من النهك، و هو المبالغة في كلّ شي‏ء،
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 4 ص 360.
 (2) محكم اللغة: ج 2 ص 228.
 (3) سورة البقرة: الآية 229.
 (4) الجامع لأحكام القرآن: ج 3 ص 138.

73
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و هذا مقام من استحيى لنفسه منك، و سخط عليها، و رضي عنك، فتلقّاك بنفس خاشعة، و رقبة خاضعة، و ظهر مثل من الخطايا، فكأنّ المنتهك للحرمة بالغ في خرق محارم الشرع، و إتيانها.
 [ 943] و اجترح الذنب: اكتسبه، أخذا من الجوارح، أي أعضاء الإنسان التي يكتسب بها، لأنّه يعمل بجوارحه.
و قوله: «كانت عافيتك لي من فضائحها» جملة في محلّ الخفض، نعت للحرمات و الكبائر.
و العافية: المعافاة، مصدر جاء على فاعله، من عافاه اللّه، أي سلّمه من المكروه، كالخاتمة بمعنى الختم و الكاذبة بمعنى الكذب.
و الفضائح: جمع فضيحة، و هي اسم من فضحه، كمنعه، أي كشف مساوئه و عيوبه.
و الظرف من قوله: «لي» متعلّق بالعافية.
و «من فضائحها»: يحتمل تعلّقه بها أيضا، و هو الظاهر، و يحتمل أن يكون متعلّقا بقوله: «سترا»، و هو و إن كان اسما لما يستتر به إلّا أنّه يصحّ التعلّق به، لتأوّله ب «ساتر» المشبّه للفعل، و نظير ذلك قول الشاعر:
و إنّ لساني شهدة يشتفى بها             و هو على من صبّه اللّه علقم «1»
 قال ابن هشام: أصله: علقم على من صبّه اللّه عليه، فعلى المحذوفة متعلّقة ب «صبّ»، و المذكورة متعلّقة ب «علق» لتأوله ب «صعب، أو شاقّ، أو شديد» «2» و اللّه أعلم.
 [ 944] الاستحياء: استفعال من الحياء، و هو تغيّر النفس، و انقباضها ممّا تعاب به، أو تذمّ عليه، يقال: استحييته، و استحييت منه، فيعدّي بنفسه، و يحرف الجرّ. و فيه لغتان:
إحداهما بيائين، و هي لغة أهل الحجاز، و بها جاء القرآن، و عليها عبارة الدعاء.
__________________________________________________
 (1) مغني اللبيب: ص 567.
 (2) مغني اللبيب: ص 567- 568.

74
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

واقفا بين الرّغبة إليك و الرّهبة منك، و أنت أولى من رجاه، و أحقّ من خشيه و اتّقاه، فأعطني يا ربّ ما رجوت، و آمِنّي ما حذرت، و عد عليّ بعائدة رحمتك، إنّك أكرم المسئولين.
و الثانية: بياء واحدة، و هي لغة تميم، و منها قوله:
ألا تستحي منا الملوك و تتّقي‏

 و المراد بالاستحياء منه تعالى ترك ما يكرهه، و يستقبحه، و يؤاخذ عليه، فاستحياؤه لنفسه منه سبحانه عبارة عن زجره لها، و كفّها عن ارتكاب ما لا يرضاه.
و سخط عليه سخطا- من باب تعب-: غضب، و السخط- بالضمّ- اسم منه.
و الرضا عن اللّه سبحانه عبارة عن الابتهاج بقضائه، و أحكامه و إحسانه و إنعامه، و حمله عن تعجيل المؤاخذة و الانتقام، و فتح باب التوبة و العفو عن الآثام.
و تلقّيت الرجل: استقبلته.
و التلقّي هنا استعارة تبعيّة لتوجّهه بكليته إليه تعالى، و الإنابة إلى باب كرمه و عفوه.
و الباء من قوله: «بنفس» للملابسة، أي: ملتبسا بنفس خاشعة.
قال الرضيّ: و لا تكون بهذا المعنى إلّا مستقرّا «1».
و قال الشمنيّ: الظاهر أنّه لا منع من كونها لغوا «2».
و خشع خشوعا: ذلّ و استكان و سكن، فهو خاشع، و خشع في صلاته و دعائه:
أقبل بقلبه على ذلك، و هو مأخوذ من خشعت الأرض إذا سكنت و اطمأنّت.
و عن مجاهد: الخشوع: الخوف الدائم في القلب «3».
و خضع خضوعا: تطأمن و تواضع.
و في القاموس: الخشوع، الخضوع، أو قريب من الخضوع، أو هو في البدن‏
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 327.
 (2) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 327.
 (3) لم نعثر عليه بل وجدناه عن الحسن في تفسير التبيان: ج 3 ص 94 مع اختلاف يسير.

75
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و الخشوع في الصوت و البصر «1».
و قال الفيّوميّ: الخضوع قريب من الخشوع، إلّا أنّ الخشوع أكثر ما يستعمل في الصّوت، و الخضوع في الأعناق «2».
 [ 945] و أثقله الشي‏ء، بالألف، إثقالا: أجهده. شبّه الخطايا في ثقلها عليه، و صعوبة احتمالها بالأحمال التي تثقل الحامل و تقدحه «3»، و تنقض ظهره، فرشّحها بذكر الظهر و الأثقال، و لك جعله من باب التمثيل.
و نصب «واقفا» على الحال.
و «بين» هنا ظرف مستعار لما بين الحدثين مكانا.
قال الرضيّ: «بين» إن أضيف إلى الأمكنة أو جثث غيرها فهو للمكان نحو بين الدار و بين زيد و عمرو، و إن أضيف إلى الأزمنة فهو للزمان نحو بين يوم الجمعة و يوم الأحد، و كذا إن أضيف إلى الأحداث نحو: بين قيام زيد و قعوده، إلّا أن يراد به مجازا لمكان نحو قولك: زيد بين الخوف و الرجاء، استعيرت لما بين الحدثين مكانا، فلهذا وقع «بين» خبرا عن الجثّة «4». انته.
و رغب إليه في كذا: طلبه منه، و سأله إيّاه، و قيل: أمّله و رجاه.
و رهبته و رهبت منه: خفته، أي واقفا بين الرغبة إليك في رحمتك و عفوك، و الرهبة من عقابك و سخطك، و المراد بالوقوف بينهما تساويهما عنده، و اتّصافه بهما على حد سواء قال بعضهم: اجتماع الرغبة و الرهبة و الخوف و الرجاء على تضادّ هما في حالة واحدة من قبل توارد أسبابهما عليه، و هو كما يجتمع الإخبات و الطمأنينة مع الوجل الذي هو ضدّ هما، كما قال اللّه عزّ و جلّ «وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» «5».
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 3 ص 18.
 (2) المصباح المنير: ص 236.
 (3) «ألف»: تفدحه.
 (4) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 113- 114.
 (5) سورة الحجّ: الآية 34 و 35.

76
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و قال بعض العارفين: الرّجاء و الخوف كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطائر، فتمّ طيرانه، و إذا نقص أحدهما كان جاذبا له، فيسقط على رأسه، و إذا ذهب هلك الطائر «1».
و قال أبو عثمان المغربيّ: من حمل نفسه على الرجاء تعطل، و من حمل نفسه على الخوف قنط، و لكن ينبغي أن يخاف العبد راجيا، و يرجو خائفا «2».
و في الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبي يقول: ليس من عبد مؤمن إلّا و في قلبه نوران: نور خيفة، و نور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، و لو وزن هذا لم يزد على هذا «3».
قال بعض الأصحاب: و ذلك لأنّ المؤمن لا يخلو من قصور أسباب الخوف و الرجاء، و تجويز وقوع مقتضى كلّ واحد منهما بدلا من الآخر بحيث لا يرجّح أحدهما على الآخر، إذ لو رجّح الرجاء لزم الأمن في غير موضعه أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ «4»، و لو رجّح الخوف لزم اليأس الموجب للهلاك «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» «5»، و منه ظهر أنّ الخوف غير القنوط، و أنّه و الرجاء ينبغي أن يكونا متساويين مطلقا «6».
 [ 946] قوله عليه السّلام «و أنت أولى من رجاه». أولى: أفعل تفضيل، و أصله من الولي، بمعنى القرب و الدنوّ، فهو في الأصل بمعنى أقرب، ثمّ استعمل بمعنى أحقّ مطلقا، يقال: زيد أولى بهذا من عمرو، أي أحقّ و أحرى و أجدر.
و كان سبحانه و تعالى أولى من رجاه لمعرفته بسعة رحمته و فضله و لطفه و رأفته و إحسانه على عباده، و إجراء نعمه عليهم، ظاهرة و باطنة، جليّة و خفيّة، ضروريّة و غير ضروريّة، حين كونهم أجنّة في بطون امّهاتهم، بلا سبق استحقاق، و لا تقدّم‏
__________________________________________________
 (1) آداب النفس: ج 2 ص 9.
 (2) آداب النفس: ج 2 ص 9.
 (3) الكافي: ج 2 ص 67 ح 1 و ص 71 ح 13.
 (4) سورة الأعراف: الآية 99.
 (5) سورة يوسف: الآية 87.
 (6) شرح الكافي للمولى محمّد صالح المازندراني: ج 8 ص 206.

77
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

اللّهمّ و إذ سترتني بعفوك، و تغمّدتني بفضلك في دار الفناء بحضرة الأكفاء، فأجرني من فضيحات دار البقاء عند مواقف الأشهاد، استيجاب، و للعلم بغنائه عن طاعتهم و عبادتهم، و تعذيبهم مع عجزهم و مسكنتهم و ضعفهم و فقرهم بين يديه، فمن كان بهذه الصفات كان أولى من رجاه راج، و أمّله محتاج.
و إنّما كان أحقّ من خشيه و اتّقاه لمعرفته بجلاله و عظمته و كبريائه و غنائه عن خلقه، و شدّة غضبه و قهره، و كمال قدرته على الخلق، و عدم مبالاته بتعذيبهم و إهلاكهم متى أراد، فهو سبحانه أحقّ من خشيه الخاشون، و اتّقاه المتّقون.
و الفاء من قوله: «فأعطني» سببيّة، أي إذا كنت بهذه الصفة فأعطني.
 [ 947] و حذرته أحذره حذرا- من باب تعب-: خفته.
و عاد عليه بمعروفه يعود عودا- من باب قال-: أفضل. و العائدة: المعروف و الصلة و المنفعة.
و الجملة من قوله عليه السّلام: «إنّك أكرم المسئولين» تعليل للدعاء، و مزيد استدعاء للإجابة. و اللّه أعلم () [ 948] «إذ»: للتعليل، كقوله تعالى: وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ «1».
و هل هي حرف بمنزلة لام العلّة، أو ظرف، و التعليل مستفاد من قوّة الكلام، لا من اللّفظ؟ قولان: الأوّل: منسوب إلى سيبويه «2».
و استشكل الثاني: بأنّ «إذ» لما مضى من الزمان، و قوله: «فأجرني» في عبارة الدعاء، و قوله: «فأووا» في الآية مستقبل، و الماضيّ و الاستقبال متنافيان.
__________________________________________________
 (1) سورة الكهف: الآية 16.
 (2) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 399.

78
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و الصّالحين، من جار كنت أكاتمه سيّئاتي، و من ذي رحم كنت أحتشم منه في سريراتي، لم أثق بهم ربّ في السّتر عليّ، و وثقت بك ربّ في المغفرة لي، و أنت أولى من وثق به، و أعطى من رغب إليه، و أرأف من استرحم فأرحمني.
و حمل الرضيّ ذلك على إجراء الظرف مجرى كلمة الشرط، قال: و أمّا قوله تعالى: «وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ» و قوله: «وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ» و قوله: «فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» فلإجراء الظرف مجرى حكمة الشّرط، كما ذكره سيبويه في نحو: زيد حين لقيته فأنا أكرمه، و هو في «إذا» مطرد، قال: و يجوز أن يكون من باب «و الرجز فاهجر» أي:
ممّا أضمر فيه أمّا، و إنّما جاز إعمال المستقبل- الذي هو «فسيقولون، و أووا و أقيموا»- في الظروف الماضية- التي هي «إذ لم يهتدوا، و إذ اعتزلتموهم و إذ لم تفعلوا»- و إن كان وقوع المستقبل في الزمن الماضي محالا لما ذكرنا في نحو: أمّا زيد فمنطلق، من أنّ الغرض المعنويّ هو قصد الملازمة حتّى كأن هذه الأفعال المستقبلة وقعت في الأزمنة الماضية، و صارت لازمة لها، كلّ ذلك لقصد المبالغة «1». انته.
و قال أبو البقاء في إعراب قوله تعالى: «فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ»: قيل:
إذ بمعنى إن الشرطيّة، و قيل: على بابها، ماضية، و المعنى إنّكم تركتم ذلك فيما مضى فتداركوه بإقامة الصّلاة «2». انته.
و الباء من قوله: «بعفوك» تحتمل الاستعانة و السببيّة و الملابسة.
و تغمّده اللّه برحمته: غمره بها، و تغمّدت فلانا: سترت ما كان منه و غطيته، كذا في الصحاح «3».
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 399- 400.
 (2) تفسير التبيان في اعراب القرآن: ذيل الآية 14 من سورة المجادلة.
 (3) الصحاح: ج 2 ص 517.

79
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
فإن حملته على الأوّل فالباء للاستعانة، و إن حملته على الثاني فهي للسببيّة.
و في الأساس: تغمّده اللّه برحمته: ستره «1».
و قال ابن الأثير في النهاية: فيه إلّا أن يتغمّدني اللّه برحمته، أي يلبسنيها، و يسترني بها، مأخوذ من غمد السيف، و هو غلافه، يقال: غمدت السيف و اغمدته «2».
و دار الفناء: عبارة عن الدنيا، سمّيت بذلك لأن كلّ ما فيها صائر إلى الفناء، و هو العدم بعد الوجود.
و الباء من قوله: «بحضرة الأكفاء» ظرفيّة.
و الأكفاء: جمع كفؤ، مثل قفل، و هو المثل و النظير و المساوي.
و الحضرة: بمعنى الحضور، يقال: كلّمته بحضرة فلان، أي بحضوره.
 [ 949] و الفاء من قوله: «فأجرني» إن جعلت إذ للتعليل فهي عاطفة على محذوف، أي لأجل سترك في دار الفناء بحضرة الأكفاء استرني فأجرني، كما تقدّم في حكاية سيبويه: كما أنّه لا يعلم فتجاوز اللّه عنه.
و إن جعلت ظرفا أجري مجرى كلمة الشرط، فهي رابطة لشبه الجواب بشبه الشرط.
و قول بعضهم: إنّها للسببيّة، خبط.
و أجاره إجارة: آمنه ممّا يخاف.
و الفضيحة: اسم من فضحه، كمنعه، إذا كشف مساوئه، و أظهر عيوبه، و إضافة الفضيحات إلى دار البقاء بمعنى «في» كشهيد الدار.
و «عند» تحتمل الظرفيّة الزمانيّة و المكانيّة.
و المواقف: جمع موقف، و هو إما اسم مكان الوقوف أو مصدر ميميّ.
و الأشهاد: جمع شهيد، كشريف و أشراف، و هو فعيل بمعنى فاعل، من شهدت على الشي‏ء، أي اطلعت عليه و عاينته، أو من شهدت المجلس، أي حضرته، فأنا شاهد و شهيد
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 455.
 (2) النهاية لابن أبي الأثير: ج 3 ص 383.

80
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

من الملائكة المقرّبين، و الرّسل المكرّمين، و الشّهداء و «من الملائكة» بيان للأشهاد.
و المقرّبون: إمّا صفة لمجرّد المدح، على أنّ المراد بالملائكة مطلقهم، لأنّهم جميعهم مقرّبون، إذ كانوا أسبق السابقين في كلّ العبادات وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ «1»، و لأنّهم أعلم خلق اللّه تعالى به، و أكثرهم طاعة له، و خوفا منه، و خشية له، و من كان بهذه الصفات كان مقرّبا عند اللّه.
و إمّا للتوضيح على أنّ المراد بالملائكة نوع خاص.
قال بعض العلماء: الملائكة على أنواع كثيرة، و مراتب متفاوتة، أولاها الملائكة المقرّبون، كما قال تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ «2»، و هم الذّوات المقدّسة عن الجسميّة و الجهة، و عن حاجتها إلى القيام بها و عن تدبيرها. و اللّه أعلم.
و كرّمه تكريما، و أكرمه إكراما: عظّمه، و خصّه بفضيلة دون غيره.
و الشهداء: جمع شهيد، و هو من قتله الكفّار في الحرب، فعيل بمعنى مفعول، لأنّ اللّه تعالى شهد له بالجنّة، أو شهدت الملائكة نقل روحه إلى الجنّة، أو بمعنى فاعل، لأنّه يشهد ملكوت اللّه و ملكه، أو لأنّه ممّن يشهد يوم القيامة على الأمم الخالية، و قيل: غير ذلك. و قد تقدّم.
و الصالحين: جمع صالح.
قال الزجّاج في قوله تعالى في صفة يحيى عليه السّلام «وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ»، الصّالح: هو الذي يؤدّي إلى اللّه ما افترض عليه، و يؤدّي إلى النّاس حقوقهم «3».
و قال صاحب مطالع الأنوار: الرجل الصالح هو المقيم بما يلزمه من حقوق اللّه‏
__________________________________________________
 (1) سورة الواقعة: الآية 10 و 11.
 (2) سورة النساء: الآية 172.
 (3) تهذيب الأسماء و اللغات للنوويّ: الجزء الأول من القسم الثاني ص 179 نقلا عن المعاني القرآن للزّجاج.

81
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
سبحانه و حقوق الناس «1».
 [ 950] قوله عليه السّلام: «من جار كنت اكاتمه سيّئاتي».
قال بعضهم: هو و ما بعده بيان للأكفاء، و كونه للصالحين، غير مناسب، لمقام عموم الصالحين و ما قبله. و تعلّقه بفضيحات بمعنى: أجرني من فضيحاتي من الجارّ و ما بعده محتمل على بعد. انته.
و قول بعضهم: إنّ «من» للتعليل أبعد، و الظاهر تعلّقها ب «فضيحات» لاستلزامها معنى الاستحياء و الاحتشام، كما قالوا: وا فضيحتي منك، لمّا دخله معنى وا حيائي منك.
و من قواعدهم أنهم يعطون الشي‏ء حكم ما أشبهه في معناه كقوله:
. سود المحاجر لا يقرأن بالسّور. «2».
قال السهيليّ: عدّى يقرأن بالباء، لما دخله معنى يتبرّكن «3».
و في نسخة «و كم من جار كنت أكاتمه سيّئاتي» و كتمت زيدا الحديث كتما- من باب قتل- و كتمانا- بالكسر-: أخفيته عنه، يتعدّى إلى مفعولين. و فاعل هنا للتكثير لا للمشاركة، أي كثّرت كتمي لسيّئاتي عنده.
قال الرضيّ: بمعنى فعّل أي يكون للتكثير، كفعّل، نحو ضاعفت الشي‏ء، أي:
كثّرت أضعافه كضعّفه، و ناعمه اللّه كنعّمه، أي كثّر نعمته بفتح النون «4». انته.
و ذي رحم، أي ذي قرابة، سمّيت القرابة رحما، باسم الرحم التي هي موضع تكوين الولد من الأم.
و احتشمت منه احتشاما: استحييت.
__________________________________________________
 (1) تهذيب الأسماء و اللغات للنوويّ: بعد الجزء الأول من القسم الثاني ص 179 نقلا من صاحب مطالع الأنوار.
 (2) مغني اللبيب: ص 45.
 (3) لم نعثر عليه.
 (4) شرح الشافية: ج 1 ص 99.

82
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
قال الزمخشريّ في الأساس: أنا أحتشمك و أحتشم منك: استحي «1».
و السرائر: جمع سريرة، بمعنى السرّ، و هو ما يكتمه الإنسان و يخفيه، يقال: أفشى سرّه و سريرته و أسراره و سرائره.
 [ 951] و وثقت به أثق ثقة: اعتمدت على وفائه.
و ستر عليه: أخفى مساوئه و عيبوبه.
و الضمير من «بهم» عائد إلى المعنى، لأنّ المراد بالجارّ و ذي الرحم الجنس، و لو أعيد إلى الملفوظ به لثنّاه.
و توسيط النداء في الفقرتين و التعرّض لعنوان الربوبيّة للمبالغة في التضرع و الاستعطاف.
و ما أحسن قوله عليه السّلام: «في المغفرة لي»، إذ كان أصل الغفر الستر، و حدّ المغفرة ستر الخطيئة برفع العقوبة.
 [ 952] قوله عليه السّلام: «و أنت أولى من وثق به»، أي أحقّ من اعتمد على وفائه، إذ كان الوفاء من كلّ أحد لمن اعتمد عليه من صفات الكمال بقضيّة العقل و الكمال للواجب تعالى أولى و أحقّ و أقدم و أتمّ من غيره.
و قوله: «و أعطى من رغب إليه»، أي أكثر من سئل و رجي العطاء.
و فيه شاهد لجواز بناء أفعل التفضيل من «أفعل» مع كونه ذا زيادة، و هو قياس عند سيبويه «2».
قال الرضيّ: و يؤيّده كثرة الاستعمال كقولهم: هو أعطاهم للدينار، و أولادهم للمعروف، و أنت أكرم لي من فلان، و هو عند غير سيبويه سماعيّ مع كثرته «3».
و الرأفة: أشدّ الرحمة. و قيل: هي مبالغة في رحمة «4» خاصّة، هي دفع المكروه،
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 127.
 (2) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 213.
 (3) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 213- 214.
 (4) «ألف»: رحمته.

83
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

اللّهمّ و أنت حدرتني ماء مهينا من صلب متضائق العظام، حرج المسالك إلى رحم ضيّقة، سترتها بالحجب، تصرّفني حالا عن حال حتّى انتهيت بي إلى تمام الصّورة، و أثبتّ فيّ الجوارح، كما نعتّ في كتابك، نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ثمّ عظاما، ثمّ كسوت العظام لحما، ثمّ أنشأتني خلقا آخر كما شئت.
و إزالة الضرر، و الرحمة اسم جامع. و قيل: الرحمة أكثر من الرأفة، و الرأفة أقوى منها في الكيفيّة، لأنّها عبارة عن إيصال النعم صافية عن ألم و الرحمة إيصال النعم مطلقا، و كان سبحانه أرأف من استرحم، لأنّ رأفته بلا غاية، و رحمته بلا نهاية.
و الفاء من قوله: «فارحمني» للسببيّة، أي إذا كنت كذلك فارحمني.
حدرت الشي‏ء حدرا و حدورا- من باب قعد-: أنزلته إلى موضع منحدر، أي منخفض.
و في الصحاح: حدرت السفينة أحدرها حدرا أرسلتها إلى أسفل، و لا يقال:
أحدرتها «1».
و «ماء» نصب على الحال.
و المهين: فعيل من مهن الشي‏ء- بالضمّ- مهانة: أي حقر و ضعف، و فيه تلميح إلى قوله تعالى في السجدة: ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ «2» و في المرسلات «أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ» «3».
قال الطبرسيّ: أي ضعيف، عن قتادة. و قيل: حقير مهان، إشارة إلى أنّه من شي‏ء حقير، لا قيمة له، و إنما يصير ذا قيمة بالعلم و العمل «4». انته.
و الصلب- بالضمّ-: عظم يبتدئ من حدّ عظم الرأس المؤخّر، و ينتهي إلى عظم العصعص.
قال صاحب الكامل: و عظم الصلب ينقسم إلى أربعة أجزاء: أحدها: العنق،
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 2 ص 625.
 (2) سورة السجدة: الآية 8.
 (3) سورة المرسلات: الآية 20.
 (4) مجمع البيان: ج 7- 8 ص 327.

84
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و هو الرقبة، و الثاني: الظهر، و الثالث: الحقو، و يقال له: القطن، و الرابع، العجز، و هو العظم العريض.
أمّا العنق فمركّب من سبع فقرات، و أمّا الظهر فمركب من اثنتي عشرة فقرة، و أمّا الحقو فمركّب من خمس فقرات، و أمّا العجز فمركّب من جزأين: أحدهما يسمّى خاصة عظم العجز، و هو عظم عريض يتصل بالفقرة الآخرة من فقار الحقو، و الثاني: يقال له العصعص، و هو مؤلّف من ثلاثة عظام شبيهة بالغضروف «1».
انته ملخّصا.
و سمّي الصلب صلبا، لصلابته.
قال الرئيس في القانون: إنّ الصلب خلق ليكون مبنى لجميع عظام البدن، مثل الخشبة التي تهيّأ في نجر السفينة أوّلا، ثمّ يركز فيها، و يربط بها سائر الخشب ثانيا، و لذلك خلق الصلب صلبا «2» انته.
و التضائق: تفاعل من الضيق، و هو خلاف السعة.
قال الجوهريّ: تضائق القوم إذا لم يتّسعوا في خلق أو مكان «3».
و المراد بتضائق العظام من الصلب اتّصال فقراته كلّ منها بالأخرى اتصالا مفصليّا، و دخول كلّ واحدة منها في حفرة معمولة في الأخرى كما شرح في علم التشريح، فكأنّ العظام ضائق بعضها بعضا لتلاصقها و انتظامها، حتّى كأنّها عظم واحد.
و حرج المكان حرجا- من باب تعب-: ضاق، فهو حرج، ككتف.
و المسالك: جمع مسلك، و هو الطريق. من سلكت الطريق سلوكا- من باب قعد-: ذهبت فيه.
__________________________________________________
 (1) كامل الصناعة: ص 55- 57.
 (2) القانون في الطبّ: ج 1 ص 28.
 (3) الصحاح: ج 4 ص 1511.

85
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و المراد بحرج مسالكه: ضيق تجاويف فقراته و ثقبها، فإنّ الفقرة عظم، مستدير، مجوّف، في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع.
 [ 953] و إسناد الحدر إلى اللّه تعالى من باب إسناد الفعل إلى سببه الأوّل، إذ كان تعالى هو الأوّل في وجوده، و وجود سائر أسبابه.
و كون الماء من الصلب، إمّا باعتبار أنّ مبدء ماء الرجل من صلبه، لأنّ مادّته من النخاع الآتي من الدماغ، و ينحدر في فقرات الصلب إلى العصعص، كما ذهب إليه جمّ غفير، و إمّا باعتبار كون الدماغ أعظم الأعضاء معونة في توليد المني، و ممرّه على الصلب.
قال الرئيس في القانون: أبقراط يقول ما معناه: إنّ جمهور مادة المني هو من الدماغ، و إنّه ينزل في العرقين اللذين خلف الأذنين، و لذلك يقطع فصدهما النسل، و يورث العقر، و يكون دمه لبنيّا، و وصلا بالنخاع لئلا يبعدا عن الدماغ و ما يشبهه مسافة طويلة، فيتغيّر مزاج ذلك الدم، بل يصبّان إلى النخاع، ثمّ إلى الكلية، ثمّ إلى العروق التي تأتي الأنثيين «1». انته.
فيكون الصلب ممرّا للمني لا مبدءا له، و تخصيصه بالذكر، على هذا، لكونه عمود البدن، كما تقدّم. و اللّه أعلم.
قوله عليه السّلام: «إلى رحم ضيّقة» متعلّق بحدرتني.
و الرحم: على وزن كتف- و يخفّف بسكون الحاء، فتح الراء و مع كسرها أيضا في لغة بني كلاب، و في لغة لهم بكسر الحاء إتباعا لكسرة الراء-: آلة التوليد للإناث، و هي مؤنثة. و قد تذكّر إذا استعملت بمعنى القرابة، و هو الأكثر.
و وصفها بالضيق لأنّ مقدارها على ما قاله جماعة من أرباب التشريح أقلّ ما يكون ستّ أصابع، و أكثر ما يكون أحد عشر إصبعا.
__________________________________________________
 (1) القانون في الطبّ: ج 2 ص 534.

86
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
قال الشيخ في القانون: طولها المعتدل في النساء ما بين ستّ أصابع إلى أحد عشر إصبعا، و ما بين ذلك، و قد يقصر و يطول باستعمال الجماع و تركه «1». انته.
و الحجب: جمع حجاب، ككتب و كتاب، و هو الجسم الساتر، و المراد بها الأغشية المحيطة بها، و ما يليها من الأعضاء من كلّ الجهات، فإنّها حجب ساترة لها.
و الجملة في محلّ خفض نعت ثان للرحم.
 [ 954] قوله عليه السّلام: «تصرّفني حالا عن حال».
صرّفت الشي‏ء تصريفا: قلّبته من حالة إلى حالة.
و الجملة في محلّ نصب على الحال.
و الحال: التغيير، و صفة الشي‏ء تذكّر و تؤنّث، فيقال: حال حسنة، و هو الأفصح، و قد يؤنّث لفظها، فيقال: حالة.
و في القاموس: الحال كنية الإنسان، و ما هو عليه كالحالة «2».
و «حالا» نصب على المصدر النوعيّ لقيامه مقامه، و الأصل تصريف حال عن حال، فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه، كما قال بعضهم في نحو: بعته يدا بيد، و قبّلته فما بفم هو على حذف مضاف، أي بيع يد بيد، و تقبيل فم بفم.
قال ابن هشام: و هذا تقدير حسن سهل «3».
و يجوز أن يحمل على أنّه حال من مصدر الفعل المفهوم منه، و التقدير: تصرفني حال كون التصريف حالا عن حال، كما ذهب إليه سيبويه في نحو: «وَ كُلا مِنْها رَغَداً» «4» على أنّ الحال بمعنى التغيير «5» أو حال نائبة مناب جاعلا كما ذهب إليه الفارسي في نحو: كلّمته فاه إلى فيّ، من أنّ فاه حال نائبة مناب جاعل ثمّ حذف، و صار العامل كلّمته «6».
__________________________________________________
 (1) القانون في الطبّ: ج 2 ص 556.
 (2) القاموس المحيط: ج 3 ص 364.
 (3) لم نعثر عليه.
 (4) سورة البقرة: الآية 35.
 (5) لم نعثر عليه.
 (6) لا يوجد لدينا الكتاب المذكور.

87
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و «عن» من قوله عليه السّلام: «عن حال» بمعنى بعد، أي بعد حال، كقوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ «1»، أي حالة بعد حالة «2».
و قال شارح اللباب: و الأولى أن نقول: إنّ «عن» باقية على معناها من المجاوزة، و يكون المعنى: طبقا متجاوزا في الشدّة عن طبق آخر دونه «3».
و المراد بقوله عليه السّلام: «حالا عن حال» و قوله تعالى: طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ، التكثير و التكرير، لا حالان و طبقان فقط، كما يدلّ عليه تمام عبارة الدعاء.
و قال الرضيّ: قوله: «عن طبق» صفة طبقا، و ليس المقصود طبقين فقط، بل المراد أطباق كلّ واحد منها أعظم من الآخر، فهو مثل التثنية في لبيّك و كرّتين، في أنّ المراد التكثير و التكرير، فاقتصر على أقلّ مراتب التكرير، و هو الاثنان تخفيفا.
و كذا قولهم: ورث السيادة كابرا عن كابر، أي متجاوزا في الفضل عن كابر آخر، و قال بعضهم: أي بعد كابر، و الأولى إبقاء الحروف على معناها ما أمكن «4».
انته.
و قد فسّر قوله تعالى: طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ بمعنى قوله عليه السّلام: «حالا عن حال» قال الطبرسيّ: قيل: معناه حالا بعد حال، نطفة ثمّ علقة، ثمّ مضغة، ثمّ عظما، ثمّ خلقا آخر. و قيل: شدّة بعد شدّة، حياة ثمّ موتا ثمّ بعثا، ثمّ جزاء، و قيل:
أمرا بعد أمر، رخاء بعد شدّة، و شدّة بعد رخاء، و فقرا بعد غنى، و غنى بعد فقر، و صحّة بعد سقم، و سقما بعد صحّة، و قيل: غير ذلك. و اللّه أعلم «5».
قوله عليه السّلام: «حتّى انتهيت بي إلى تمام الصورة» متعلّق ب «تصرفني».
و «حتّى» لانتهاء الغاية ك «إلى»، لكنّ «حتّى» موضوعة لإفادة تقضّي الفعل قبلها شيئا فشيئا، و «إلى» ليست كذلك.
__________________________________________________
 (1) سورة الانشقاق: الآية 19.
 (2) مغني اللبيب: ص 197.
 (3) المنصف من الكلام: ج 1 ص 295.
 (4) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 342. ما 13- 14.
 (5) مجمع البيان: ج 9- 10 ص 462.

88
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و الباء من قوله «بي» للتعدية، و تسمّى باء النقل أيضا. و هي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا.
و الصورة: هيئة حاصلة للشي‏ء عند إيقاع التأليف بين أجزائه، و يقال: صورة الشي‏ء ما به يحصل الشي‏ء بالفعل.
و «أل» في «الصورة» للعهد، أي تمام الصورة المعه‏دة للإنسان.
و أثبت الشي‏ء اثباتا: جعله ثابتا، مستقرا في مكانه.
و الجوارح: الأعضاء، جمع جارحة.
و الواو من قوله عليه السّلام: «و أثبت في الجوارح» عاطفة، من باب عطف الشي‏ء على لاحقه نحو: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ «1»، لأنّ الانتهاء إلى تمام الصورة لا يكون إلّا بعد إثبات الجوارح، و كأنّ تخصيصها بالذكر لمزيد الانتفاع بها، و شدّة الافتقار إليها، فهو من قبيل ذكر الشي‏ء اهتماما بشأنه.
قوله عليه السّلام «كما نعتّ في كتابك» الظرف في محلّ النصب على أنّه نعت لقوله عليه السّلام: «حالا عن حال»، أو نعت لمصدر محذوف، أي تصريفا مماثلا لنعتك. فما مصدريّة، أو كافّة كما في «ربّما» فإنّها تكفّ الحرف عن العمل، و تصحّح دخولها على الجملة، و تكون للتشبيه بين مضموني الجملتين، كما ذهب إليه الزمخشريّ و ابن عطيّة و غيرهما «2».
قال ابن هشام: و فيه إخراج الكاف عمّا ثبت لها من عمل الجرّ لغير مقتض «3»، و هو في محلّه.
 [ 955] قوله عليه السّلام: «نطفة ثمّ علقة»، قال شيخنا البهائيّ قدّس سرّه: نصب النطفة و المعطوفات عليها إمّا على حكاية ما وقع في القرآن المجيد، أو على إضمار
__________________________________________________
 (1) سورة الشورى: الآية 2.
 (2) مغنى اللبيب: ص 234.
 (3) مغني اللبيب: ص 234.

89
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
عامل كخلقتني و نحوه «1». انتهی.
و على الأوّل: فهي و ما عطف عليها في محل نصب على المفعوليّة إمّا بنعتّ لمرادفته قلت، و إمّا بقول محذوف وقع حالا، أي قائلا. و الحال كثيرا مّا تحذف إذا كانت قولا أغنى عنه المقول نحو: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ «2»، أي: قائلين ذلك.
و النطفة- بالضمّ-: المني، قيل: من النطف الذي هو الصبّ، يقال: نطفت الماء، أي صببته، و نطف الماء: إذا سال سيلا تامّا، و قيل: من نطف الماء إذا قطر قليلا قليلا.
قال في النهاية: سمّي المني نطفة لقلّته «3».
قال الشيخ الرئيس في القانون، المني: هو فضلة الهضم الرابع الذي يكون عند توزّع الغذاء في الأعضاء راشحا عن العروق و قد استوفى الهضم، الثالث. و هو من جملة الرطوبة الغريزيّة القريبة العهد بالانعقاد «4».
و العلقة: القطعة الجامدة من الدم.
قال الأزهريّ: العلقة الدم الجامد الغليظ، و منه قيل: لهذه الدابة التي تكون في الماء علقة، لأنّها حمراء، و كلّ دم غليظ علق «5».
و قال الماورديّ في تفسيره: العلقة قطعة من دم رطب سمّيت بذلك لأنّها تعلّق لرطوبتها بما تمرّ عليه، فإذا جفّت لم تكن علقة «6».
__________________________________________________
 (1) مفتاح الفلاح: ص 279.
 (2) سورة الرعد: الآية 23- 24.
 (3) النهاية لابن الأثير: ج 5 ص 75.
 (4) القانون في الطبّ: ج 2 ص 533.
 (5) تهذيب اللغة: ج 1 ص 243.
 (6) تفسير الماورديّ: لم يطبع كما في «أدب الدنيا و الدين» للماورديّ في مقدمة الكتاب، ص 5.

90
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و قال صاحب المحكم: العلق: الدم ما كان، و قيل: هو الجامد قبل أن ييبس، و قيل: هو ما اشتدّت حمرته، و القطعة منه علقة «1». انته.
و المراد بها هنا المني المستحيل دما غليظا منجمدا.
و المضغة- بالضمّ-: في الأصل مقدار ما يمضغ، و المراد بها هنا قطعة من اللحم مستحيلة من العلقة.
و العظم: جسم جامد صلب بسيط، كائن من تصلّب الأخلاط. و المراد بالبسيط ما ساوى بعضه كلّه في الاسم و الحدّ و الصفة، و يسمّى متشابه الأجزاء.
و اللحم: كذلك، إلا أنّه جسم جامد رخوه «2» و المشهور في الرواية إفراد العظم أوّلا، ثمّ جمعه، و هي قراءة زيد عن يعقوب في الآية الشريفة، و روي بالإفراد فيهما و هي قراءة ابن عامر و أبي بكر، و بالجمع فيهما و هي قراءة الحرميين و أبي عمر و حفص و حمزة و الكسائيّ، و روى القطعيّ عن أبي زيد الجمع أوّلا ثمّ الإفراد، عكس الأوّل.
و وجه الجمع اختلاف العظام في الهيئة و الصلابة، و الإفراد اكتفاء بالجنس.
 (تنبيه) قوله عليه السّلام «كما نعتّ في كتابك نطفة ثمّ علقة» إشارة إلى قوله تعالى في سورة المؤمنون: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ «3».
قال ابن عباس و عكرمة و قتادة و مقاتل: المراد بالإنسان آدم عليه السّلام، لأنّه‏
__________________________________________________
 (1) محكم اللغة: ج 1 ص 123.
 (2) «ألف»: رخو.
 (3) سورة المؤمنون: 12- 13- 14.

91
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
استلّ من الطين «1».
و الضمير في «جعلناه» عائد إلى الإنسان الذي هو ولده، إمّا على حذف مضاف، أي نسله، أو على طريقة الاستخدام.
و قال الآخرون: الإنسان هاهنا هو ولد آدم، أي الجنس و الطين آدم.
و السلالة: هي الأجزاء الكليّة المبتوتة في أعضائه التي تجتمع منيا في أوعيته.
قال النيسابوريّ: و يحتمل أن يقال: كل نسل آدم حاله كذلك، لأنّ غذاه ينتهي إلى النبات المتولّد من صفو الأرض و الماء المسمّى بالسلالة، ثمّ إنّ تلك السلالة تصير منيا «2».
و في تفسير القميّ قال: السلالة الصفوة من الطعام، و الشراب الذي يصير نطفة، و النطفة أصلها من السلالة، و السلالة هي من صفو الطعام و الشراب، و الطعام من أصل الطين فهذا معنى قوله: «مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ» «3». انته.
و على هذا فكلتا لفظتي «من» للابتداء.
و قال الزمخشريّ: الأولى للابتداء، و الثانية للبيان «4».
و هو مبنيّ على التفسير الأوّل فقط.
و قال العماديّ: المراد بالإنسان: الجنس، أي خلقنا جنس الإنسان في ضمن خلق آدم عليه السّلام خلقا إجماليّا «5». فإنّ كلّ فرد من أفراد البشر له حظّ من خلقه عليه السّلام، إذ لم تكن فطرته الشريفة مقصورة على نفسه، بل كانت انموذجا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس، انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان: ج 7- 8 ص 101 مع اختلاف يسير في العبارة.
 (2) غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 3 في ذيل الآية 12 من سورة المؤمنون.
 (3) تفسير القميّ: ج 2 ص 89.
 (4) تفسير الكشاف: ج 3 ص 178.
 (5) تفسير أبي السعود: ج 6 ص 126.

92
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الكلّ، فكان خلقه عليه السّلام من الطين خلقا للكلّ منه «1»، و قوله تعالى «ثُمَّ جَعَلْناهُ» أي: الجنس باعتبار أفراده المغايرة لآدم عليه السّلام «2». انته.
و هو تحقيق نفيس.
و قوله: «نطفة» أي بأن خلقناه منها، أو ثمّ جعلنا السلالة نطفة، و التذكير بتأويل الجوهر، أو المسلوك أو الماء.
و قوله: «في قرار» أي في مستقرّ، و هو الرحم، عبّر عنها بالقرار الذي هو المصدر مبالغة.
و قوله تعالى: «مَكِينٍ» و صف لها بصفة ما استقرّ فيها، مثل طريق سالك، أو لمكانتها في نفسها، فإنّها مكنت بحيث هي.
و قوله تعالى: «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً» أي دما جامدا، قابلا للتمدّد و التخلّق بالزوجة و التماسك بحيث أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء.
و قوله: «فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً» أي قطعة لحم، بأن أحلناها جسما صلبا قابلا للتفصيل و التخطيط و التّصوير و الحفظ.
و قوله: «فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً» أي صلّبناها حتّى اشتدّت، و قبلت الربط، و التوثيق و الإحكام و الضبط.
و قوله: «فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً»، أي من بقية النطفة أو ممّا أنبتنا عليها بقدرتنا ممّا يصل إليها من الدم الغاذي، أي كسونا كلّ عظم من تلك العظام ما يليق به من اللحم، على مقدار لائق به، و هيئة مناسبة له.
و قوله تعالى: «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ»، أي خلقا آخر مباينا للأوّل، بنفخ الروح، حيث جعله حيوانا، و كان جمادا.
و في الآية دقائق:
__________________________________________________
 (1) تفسير أبي السعود: ج 6 ص 93.
 (2) تفسير أبي السعود: ج 6 ص 126.

93
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الأولى: عبّر في الأوّل بخلقنا لصدقه على الاختراع و الإيجاد، لعدم سبق المادّة الأصليّة، و في الثاني بجعلنا، لصدقه على تحويل المادة. ثمّ عبّر في الثالثة و ما بعدها كالأوّل، لأنّه أيضا إيجاد ما لم يسبق.
الثانية: أشار بقوله: «سُلالَةٍ»- و هي الخلاصة المختارة من الكيفيّات الأصليّة بعد الامتزاج- إلى أنّ المواليد كلّها أصول للإنسان و أنّه المقصود بالذات، الجامع لأصولها.
الثالثة: قوله: «فَكَسَوْنَا» فيه إشارة إلى أنّ اللحم ليس من أصل الخلقة الملازمة للصورة، بل كالثياب المتّخذة للزينة و الجمال، و أنّ الاعتماد على الأعضاء و النفس خاصّة.
الرابعة: قوله: «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ» سمّاه بعد نفخ الروح إنشاء، لأنّه حينئذ قد تحقّق بالصورة الجامعة.
الخامسة: قوله: «خَلْقاً آخَرَ» و لم يقل: إنسانا، و لا آدميّا، و لا بشرا لأنّ النظر فيه حينئذ لما سيفاض عليه من خلع الأسرار الإلهيّة فقدان خروجه من السجن، و إلباس المواهب فقد يتخلّق بالأخلاق الملكيّة فيكون خلقا ملكيّا قدسيّا، أو بالبهيميّة فيكون كذلك، أو بالحجريّة، إلى غير ذلك، فلذلك أبهم الأمر، و أحاله على مشيّته و اختياره، كما صرّح به عليه السّلام بقوله: «كما شئت».
السادسة: عطف جعل النطفة على الطينة بثمّ، لبعد الزمان بينهما لتوليد الأغذية أوّلا، ثمّ التنمية، ثمّ فصل النطفة، ثمّ وضعها في القرار.
و عطف جعل العلقة على النطفة، كذلك لبعد الزمان أيضا لأنّ اكتناف النطفة حتّى تأخذ في التخلّق أمر دقيق، يستدعي زمنا، ثمّ إحاطة الأغشية بها، ثمّ تسليط الحرارة، ثمّ انفتاح فوهات العروق للتغذية النباتيّة.
و عطف الباقي بالفاء التّي لا تقتضي المهلة، لسهولة الانتقال في هذه المراتب، إذ تحوّل العلقة إلى المضغة ليس إلّا بالتصلّب، و هي إلى العظام بزيادته، و اكتساء

94
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
العظام اللحم موقوف على الغذاء، و هو متيسّر، فجاء بالفاء نظرا إلى تيسّر الانتقال و سهولته، و إن كان صيرورة العلقة مضغة، و المضغة عظاما يستدعي زمنا.
ثمّ أشار إلى المرتبة السابعة التي هي «النشأة خلقا جديدا» عاطفا لها بالعاطف الأوّل- أعني ثمّ- لأنّها نفخ الأرواح الصادر على جهة الاختراع. فمهلة الزمان هنا مهلة صعوبة و تهويل على سوى الحكيم الأوّل، و حكمته التزام النفوس الإقرار بعظمته القاهرة و قدرته الباهرة، فتنقاد خاضعة، بخلاف العطف الأوّل، فإنّه مع ما ذكر يستدعي طول الزمان.
و الحاصل أنّ ثمّ هنا لترتّب الإنشاء و تراخيه في الإعجاب و ظهور القدرة، لا لترتّب الزمان و تراخيه، بخلافه في الأوّل.
و إنّما وقع العطف كلّه بثمّ في عبارة الدعاء، لأنّ الفاء في الآية الشريفة بمعنى ثمّ، لحصول المهلة و التراخي في معطوفها، نظرا إلى حصوله بتمامه، فإنّه يستدعي مدّة، و إن تفاوتت مدّة التراخي في السرعة و البطء.
و قد نصّ على ذلك ابن هشام في المغني، فقال: الفاءات في «فخلقنا العلقة» و في «فخلقنا المضغة» و في «فكسونا» بمعنى ثمّ لتراخي معطوفاتها «1».
و في جمع الجوامع و شرحه: تقع الفاء موقع ثمّ في إفادته الترتيب بمهلة كقوله تعالى ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً فالفاء في الثلاثة بمعنى ثمّ «2». انته.
و لا ينافي ذلك ما قرّرناه من أنّ اختلاف العواطف في الآية الشريفة للتنبيه على تفاوت الاستحالات، فإنّ التفاوت فيها بالنظر إلى السرعة و البطء و السهولة و عدمها، لا لحصول التراخي و عدمه مطلقا.
__________________________________________________
 (1) مغني اللبيب: ص 214- 215.
 (2) همع الهوامع شرح جمع الجوامع: ج 2 ص 131.

95
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

حتّى إذا احتجت إلى رزقك و لم أستغن عن غياث فضلك جعلت لي قوتا من فضل طعام و شراب أجريته لأمتك الّتي أسكنتني جوفها، و أودعتني قرار رحمها.
قال البدر الدمامينيّ في تحفة الغريب: الذي يظهر من كلام الجماعة أنّ استعمال الفاء فيما تراخى زمان وقوعه عن الأوّل، سواء استقصر في العرف أو لا إنّما هو بطريق المجاز «1». انته.
و للرضيّ رحمه اللّه في ذلك تقرير آخر، فإنّه قال: اعلم أنّ إفادة الفاء للترتيب بلا مهلة لا ينافيها كون الثاني المترتب يحصل بتمامه في زمان طويل، إذا كان أوّل أجزائه متعقّبا لما تقدّم، كقوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً، فإنّ اخضرار الأرض يبتدئ بعد نزول المطر، لكن يتمّ في مدّة و مهلة فجي‏ء بالفاء. و قال: فتصبح، نظرا إلى أنّه لا فصل بين نزول المطر، و ابتداء الاخضرار، و لو قيل: مثلا ثمّ تصبح الأرض مخضرّة، نظرا إلى تمام الاخضرار، جاز.
و كذا قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، نظرا إلى تمام صيرورتها علقة، ثمّ قال: فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً نظرا إلى ابتداء كلّ طور. ثمّ قال: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، إمّا نظرا إلى تمام الطور الأخير، و إمّا استبعادا لمرتبة هذا الطور الذي فيه كمال الإنسانيّة من الأطوار المتقدّمة «2». انته. كلامه.
و ما قرّرناه أوّلا أولى كما لا يخفى. و اللّه أعلم.
 [ 956] حتّى: حرف ابتداء داخل على الجملة بأسرها، و لا عمل له عند الجمهور.
و «إذا»: ظرفيّة كما مرّ مرارا.
__________________________________________________
 (1) تحفة الغريب بهامش كتاب المنصف من الكلام: ج 1 ص 317.
 (2) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 367.

96
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و الغياث- بالكسر-: اسم من أغاثه اللّه برحمته: إذا كشف شدّته.
و الفضل هنا بمعنى الإفضال و الإحسان.
 [ 957] و القوت- بالضمّ:- ما يقوّم به بدن الإنسان من الغذاء.
و فضل فضلا- من باب قتل-: زاد، و «خذ الفضل»، أي الزيادة، أي زيادة طعام و شراب.
و أجريت له نفقة: جعلتها جارية، أي دارّة متّصلة.
و الأمة: المملوكة، و هي محذوفة اللام، و لامها واو، و الأصل أموة، و لهذا تردّ في التصغير فيقال: أميّة، و الأصل أميوه.
و الجوف من كلّ شي‏ء: باطنه و داخله، و جوف الإنسان بطنه.
و أودعت زيدا مالا: جعلته عنده، ليكون وديعة.
و القرار ما قرّ فيه الشي‏ء، أي ثبت و سكر، كالمقرّ.
و في القاموس: مقرّ الرحم: آخرها، و مستقرّ الحمل منه «1»، و الإشارة بذلك إلى ما هيّأه اللّه تعالى للجنين من الغذاء و القوت في بطن أمّه.
قال أبقراط: غذاء الجنين من غذاء أمّه، و إنّما يغتذي بسرّته «2».
و قال شارح الأسباب: الجنين في بطن أمّه يغتذي بدم الطمث، و بعد الخروج باللبن، و هو دم الطمث بعينه. و هذا الدم فضل من فضول بدن الأمّ يغتذي بأجود ما فيه «3».
و قال الشيخ الرئيس في القانون: و اعلم: أنّ دم الطمث في الحامل ينقسم ثلاثة أقسام، قسم ينصرف في الغذاء، و قسم يصعد إلى الثدي، و قسم هو فضل، يتوقف إلى أن يأتي وقت النفاس «4».
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 2 ص 115.
 (2) لم نعثر عليه.
 (3) لا يوجد لدينا كتابه.
 (4) القانون في الطبّ: ج 2 ص 559.

97
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و لو تكلني يا ربّ في تلك الحالات إلى حولي، أو تضطرّني إلى قوّتي، لكان الحول عنّي معتزلا، و لكانت القوّة منّي بعيدة.
فغذوتني بفضلك غذاء البرّ اللطيف، تفعل ذلك بي تطوّلا عليّ و قال البصير الأنطاكيّ: و مبدأ «1» غذاء الجنين من الدم في اليوم الخامس و الستين من وقوع المني في الرحم، و ذلك في ذكر معتدل فتكون «2» منه الدمويّات كاللّحم. و اللّه أعلم.
 [ 958] و كلت الأمر إليه و كلا من باب وعد- و وكولا: فوضته إليه، و تركته يقوم به.
و الحول هنا: بمعنى الاحتيال و هو تقليب الفكر حتّى يهتدي إلى المقصود، و القدرة على التصرّف في الأمور.
و اضطرّه إلى كذا: بمعنى ألجأه إليه، و ليس له منه بدّ.
و اعتزل عنه، و اعتزله: تنحّى عنه جانبا، من عزلت الشي‏ء عن غيره- من باب ضرب-: نحّيته عنه.
و بعد القوّة: عبارة عن عدم تأنيّها له، و قدرته عليها، فجعلها بمنزلة من بعد مكانه عنه.
و مفاد هذا الفصل من الدعاء الاذعان له تعالى، و الاعتراف بلطفه به، و اعتنائه بأمره، إذ قام له بما يحتاج إليه في تلك الحالات و الأطوار، التي لا يتمكّن فيها من حول و لا قوّة، و لا يقتدر فيها على جلب منفعة و دفع مضرّة، فسبحانه من خالق حكيم لطيف.
 [ 959] غذوت الصبيّ أغذوه: أطعمته الغذاء، و هو ما يغتذى به من طعام و شراب.
و «الفاء» للترتيب الذكريّ، و مفادها كون ما بعدها كلاما مرتّبا على‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: يبدأ
 (2) «ألف»: فتتكوّن.

98
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

إلى غايتي هذه، لا أعدم برّك، و لا يبطئ بي حسن صنيعك، و لا تتأكّد مع ذلك ثقتي، فأتفرّغ لما هو أحظى لي عندك، قد ملك الشّيطان عناني في سوء الظّن، و ضعف اليقين، فأنا أشكو سوء مجاورته لي، و طاعة نفسي له، و أستعصمك من ملكته.
ما «1» قبلها، إلّا «2» أنّ مضمون ما بعدها عقيب مضمون ما قبلها في الزمان.
و غذاء منصوب على المصدر النوعي كقوله تعالى: فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ «3».
و قال العلامة سنان الچلبيّ: الظاهر أنّه منصوب على المصدر، لا على نزع الخافض، إذ لا ضرورة يصار بها إلى التشبيه «4».
 [ 960] و البرّ- بالفتح-: هو العطوف على العباد ببرّه و لطفه.
و اللطيف: هو الذي اجتمع له الرفق في الفعل، و العلم بدقائق المصالح، و إيصالها إلى من قدّرها له. و هو فعيل، من لطف به- من باب طلب- إذا رفق به، و أمّا لطف- بالضمّ- فبمعنى صغر و دقّ.
و جملة قوله عليه السّلام: «تفعل ذلك بي تطوّلا» مستأنفة مبيّنة «5» لوجه جعل القوّة له في تلك الحالة، و غذاؤه إيّاه غذاء البر اللطيف.
و التطوّل: الإفضال و الإحسان، بلا غرض سابق و لا حق.
و نصبه يحتمل المصدريّة و الحاليّة و المفعول لأجله، أي فعل تطوّل، أو متطوّلا، أو للتطوّل.
و الظرف من قوله عليه السّلام: «إلى عنايتي هذه» لغو متعلّق ب «تفعل» أو
__________________________________________________
 (1) «ألف»: عليها.
 (2) «ألف»: لا.
 (3) سورة القمر: الآية 42.
 (4) لم نعثر عليه.
 (5) «ألف» مبنيّة.

99
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
ب «تطوّلا»، أو مستقرّ صفة للتطوّل. و يحتمل أن يكون لغوا متعلّقا بقوله: «لا أعدم» قدّم للاهتمام و العناية، من حيث إنّه بصدد بيان استمرار برّه تعالى به، و اتّصال إفضاله عليه.
و على الأوّل فجملة «لا أعدم برّك» مؤكّدة لفعله به، أو لتطوّله تعالى عليه إلى غايته تلك.
و الأحسن أن تكون مستأنفة على وجه التعليل للحكم باستمرار الفعل، أو التطوّل إلى غايته تلك، أي لأنّي لا أعدم برّك و لا يبطئ بي حسن صنيعك، و نظيره قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا «1».
قال صاحب الكشّاف: يجوز أن تكون جملة «لا يألونكم» صفة للبطانه، كأنّه قيل: بطانة غير آليكم خبالا، و أحسن منه و أبلغ أن تكون مستأنفة على وجه التعليل للنهي عن اتّخاذهم بطانة «2».
قال السعد التفتازانيّ: و ذلك لما في الاستيناف من الفائدة، أي: لا تتّخذوا منهم بطانة، لأنّهم لا يألونكم خبالا «3». انته.
و إن جعلت الظرف مقدّما على متعلّقة فالجملة مستأنفة استئنافا نحويّا، أي منقطعة عمّا قبلها.
و ما أفهمه كلام بعضهم- من احتمال كون الجملتين من قوله: «لا أعدم برك، و لا يبطئ بي حسن صنيعك» دعائيّتين- عن مساق الكلام بمعزل.
و عدمت الشّي‏ء، أعدمه- من باب تعب- فقدته، و الاسم العدم، مثل قفل، و يتعدّى إلى الثّاني بهمزة، فيقال: لا أعدمني اللّه فضله.
و البرّ- بالكسر- الخير و الصلة، و الاتّساع في الإحسان.
و أبطأ الرجل: تأخّر مجيئه.
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 118.
 (2) الكشاف: ج 1 ص 406.
 (3) لم نعثر عليه.

100
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و الظرف من قوله «بي» متعلّق ب «صنيعك» لا ب «يبطئ» كما توهّمه غير واحد، لفساد المعنى، لأنّه لا يقال أبطأ به إلّا بمعنى أخّره، كما ورد في الحديث «من أبطأ به عمله لم ينفعه نسبه» «1»، أي: من أخّره عمله السيّئ لم ينفعه في الآخرة شرف نسبه.
و ليس معنى العبارة «و لا يؤخّر بي حسن صنيعك» بل «لا يتأخّر حسن صنيعك بي».
و المنع من تقديم معمول المصدر عليه إنّما هو في غير الظرف و شبهه، كما تقدّم بيانه.
و إن حملت الباء على معنى عند من أثبت ذلك، فهي متعلّقة ب «يبطئ» غير أنّ البصريّين لم يثبتوه.
و الصنيع: الإحسان كما في القاموس «2».
و في رواية «صنعك» و هو بمعناه، يقال: ما أحسن صنع اللّه- بالضمّ- و صنيع اللّه عندك.
و أكّدته تأكيدا فتأكّد، قوّيته فتقوّى، أي و لا تتقوّى مع عدم عدمي برّك، و تأخّر صنيعك بي.
ثقتي بك، أي اعتمادي على وفائك، من وثق به ثقة، أي اعتمد على وفائه.
و «الفاء» من قوله: «فأتفرّغ» للسببيّة، و الفعل بعدها منصوب ب «أن» مضمرة لسبقها بنفي محض، كقوله تعالى: لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا «3».
و تفرّغ للشي‏ء: تخلّى عمّا يشغله عنه.
و حظى عند الناس يحظى- من باب تعب- حظة، و زان عدة و حظوة- بضم‏
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 1 ص 134.
 (2) القاموس المحيط: ج 3، ص 52.
 (3) سورة فاطر: الآية 36.

101
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الحاء و كسرها- إذا أحبّوه و رفعوا منزلته فهو حظيّ، على فعيل، و المرأة حظيّة إذا كانت عند زوجها كذلك.
و يتعدّى بالهمزة، فيقال: أحظيته، إذا جعلته حظيّا.
و أحظى من عبارة الدعاء أفعل تفضيل من ذلك، لا من حظى المجرّد. و قد تقدّم في صدر هذه الروضة أنّ بناءه من ذي الزيادة قياس عند سيبويه، كقولهم:
أنت أكرم لي من فلان أي لما هو أشدّ إحظاء لي عندك.
 [ 961] و جملة قوله عليه السّلام «قد ملك الشيطان عناني» مستأنفة استينافيا بيانيّا، كأنّه سئل: كيف لا تتأكّد مع ذلك ثقتك؟ فقال: قد ملك الشيطان عناني.
و ملك عنانه: عبارة عن استيلائه عليه و تمكّنه منه، و هي استعارة تمثيليّة أو مكنيّة مرشّحا.
و «في» من قوله: «في سوء الظنّ» للظرفيّة المجازيّة متعلّقة بملك، جعل سوء الظن و ضعف اليقين كالمحلّ لملك الشيطان عنانه.
 [ 962] و «الفاء» من قوله: «فأنا أشكو» للسببيّة.
و المجاورة: مصدر جاوره إذا لاصقه في السكن. و مجاورة الشيطان له كناية عن قربه منه دائما، كما نطق به الخبر النبويّ: إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» «1»، و في خبر آخر «لو لا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السّماوات» «2». و قرب من كان كذلك ظاهر.
و الطاعة: اسم من أطاعه إطاعة، أي انقاد له.
قالوا: و لا تكون الطاعة إلّا عن أمر، كما أنّ الجواب لا يكون إلّا عن قول.
و أستعصمك: أي أسألك العصمة، و هي الحفظ و الوقاية، من عصمه اللّه من‏
__________________________________________________
 (1) سفينة البحار: ج 1 ص 698. و سنن الدارميّ: ج 2 ص 320. و عوالي اللئالي: ج 4 ص 113.
 (2) التفسير الكبير لفخر الرازيّ: ج 1 ص 83.

102
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و أتضرّع إليك في أن تسهّل إلى رزقي سبيلا، فلك الحمد على ابتلائك بالنّعم الجسام، و إلهامك الشكر على الإحسان و الإنعام.
المكروه يعصمه- من باب ضرب-، أي حفظه و وقاه.
و الملكة- محرّكة الملك-: مصدر ملكت الشي‏ء».
قال في القاموس: ملكه يملكه ملكا- مثلّثة- و ملكة- محرّكة- احتواه قادرا على الاستبداد به «1». انته.
و قد يفسّر الملك بأنّه اتّصال بين الإنسان و بين شي‏ء يكون مبيحا لتصرّفه فيه، و مانعا عن تصرّف غيره فيه، و هو هنا مجاز عن استيلائه و استحواذه عليه. و اللّه أعلم.
قال شيخنا البهائيّ قدّس سرّه: المراد بهذا الفصل من الدعاء و معناه أنّه كان ينبغي أن يكون وثوقي بك و اعتمادي عليك في إيصال رزقي، و كفاية مهمّاتي مؤكّدا حتّى لا أصرف غالب أوقاتي في السعي في ذلك، بل أكون فارغا مشتغلا بما يوجب زيادة حظّي من عبادتك و الانقطاع إليك، و العكوف على بابك «2». انته.
و من كلام بعض العارفين: من أراد أن يذوق شيئا من أحوال أهل العرفان فليكن كما كان في بطن أمّه مدبّرا غير مدبّر، و مرزوقا من حيث لا يعلم. و اللّه أعلم ().
تضرّع إلى اللّه ابتهل، أي اجتهد و بالغ في الدعاء.
و في القاموس: تضرّع إلى اللّه: ابتهل و تذلّل، أو تعرّض بطلب الحاجة «3».
 [ 963] و سهّل اللّه الشي‏ء- بالتشديد- جعله سهلا، غير صعب.
و السبيل هنا، يحتمل أن يكون بمعنى الطريق، و يحتمل أن يكون بمعنى السبب‏
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 3 ص 320.
 (2) مفتاح الفلاح: ص 275.
 (3) القاموس المحيط: ج 3 ص 56.

103
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

فصلّ على محمّد و آله، و سهّل عليّ رزقي، و أن تقنعني بتقديرك لي و أن ترضيني بحصّتي فيما قسمت لي، و أن تجعل ما ذهب من جسمي و عمري في سبيل طاعتك، إنّك خير الرّازقين.
و الوصلة، و منه قوله تعالى: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا «1».
قال الجوهريّ: أي سببا و وصلة «2».
و الذي ذكره المفسّرون: أنّه بمعنى الطريق.
و «الفاء» من قوله: «فلك الحمد» للترتيب الذكريّ، نحو: فَنِعْمَ الْماهِدُونَ «3».
و النعم: جمع نعمة، و هي ما قصد به الإحسان و النفع.
و في مجمل اللغة: النعمة: اليد البيضاء الصالحة «4».
و نعمة اللّه: ما أعطاه العبد ممّا لا يمكن غيره أن يعطيه كالسمع و البصر.
و جسم الشي‏ء جسامة، كضخم ضخامة: عظم فهو جسيم، و هي جسيمة، و الجمع جسام.
 [ 964] و الإلهام: أن يلقي اللّه في نفس العبد بطريق الفيض أمرا يبعثه على الفعل أو الترك. قالوا: و هو نوع من الوحي يخصّ اللّه به من يشاء من عباده.
و الإحسان: فعل ما يحسن فعله من الخير.
و الإنعام: إيصال النّعمة.
و تسهيل الرزق: تيسيره.
و قوله عليه السّلام: «و أن تقنعني» معطوف على قوله سابقا: «أن تسهّل إلى رزقي سبيلا». و في رواية: «و اقنعني بتقديرك» و هو معطوف على ما قبله و هو قوله:
__________________________________________________
 (1) سورة الفرقان: الآية 27.
 (2) الصحاح: ج 5 ص 1724.
 (3) سورة الذاريات: الآية 48.
 (4) محكم اللغة: ج 9 ص 78.

104
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
 «و سهّل عليّ رزقي».
و قنع بالشي‏ء يقنع قنعا و قناعة- من باب تعب-، رضي به، و يتعدّى بالهمزة، فيقال: أقنعني، و قد يعدّى بالتضعيف كما وردت به الرواية الأولى في الدعاء.
قال الزمخشريّ في الأساس: قنع بالشي‏ء، و أقتنع، و تقنّع «1». انته.
فقوله: «و تقنّع» مطاوع قنّعه بالتضعيف. و يحتمل أن يكون التضعيف في عبارة الدعاء للتكثير و التأكيد.
و تقدير الشي‏ء: جعله بمقدار خاصّ، و المراد هنا تقدير رزقه المخصوص بمقدار خاصّ.
 [ 965] و الحصّة- بالكسر- النصيب.
و قسم اللّه له الرزق: عيّنه و فرزه من غيره حسب ما تقتضيه مشيئته و حكمته تعالى، كما قال تعالى نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ «2».
و «أن تجعل»: أي تصيّر، من الجعل بمعنى التصيير المتعدّي إلى مفعولين نحو:
جعلت الفضّة خاتما، و أوّل المفعولين: «ما ذهب» و الثاني: الظرف، و التقدير:
كائنا في سبيل طاعتك، فإنّ خبر صار في الحقيقة هو الكون المقدّر العامل في الظرف.
و الغرض سؤاله تعالى أن تصير جملة ما ذهب من جسمه و عمره معدودا في سبيل طاعته، بتبديل ما ذهب فيه منهما من غير الطاعة طاعة، من باب تبديل السيّئات حسنات، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ «3».
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 524.
 (2) سورة الزخرف: الآية 32.
 (3) سورة الفرقان: الآية 70.

105
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

اللّهُمَّ إنّي أعوذ بك من نار تغلّظت بها على من عصاك و توعّدت بها من صدف عن رضاك، و من نار نورها ظلمة، و هيّنها أليم، و بعيدها قريب.
و جملة قوله عليه السّلام: «إنّك خير الرازقين» تعليل لما تقدّم من السؤال، و تحريك لسلسلة الإجابة.
و كونه تعالى خير الرازقين، لأنّه خالق الأرزاق و معطيها بلا عوض، و لأنّه يعطي المزيد من يشكره على رزقه.
قال العلامة الطبرسيّ في قوله وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «1»: في هذا دلالة على أنّ العباد قد يرزق بعضهم بعضا، لأنّه لو لم يكن كذلك لم يصحّ أن يقال له سبحانه: أنت خير الرازقين، كما لا يجوز أن يقال: أنت خير الالهة، لما لم يكن غيره إلها «2»، و اللّه أعلم.
 [ 966] غلظ الشي‏ء- بالضمّ- غلظا- كعنب-: خلاف رقّ، و غلظ على خصمه و تغلّظ عليه: تشدّد. و منه يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ* «3».
و توعّده: تهدّده.
و صدف عنه يصدف- من باب ضرب- صدوفا: أعرض.
و الباء في الموضعين مثلها في كتبت بالقلم، و قطعت بالسكين.
قال الزمخشريّ في الكشّاف: و النار جوهر لطيف مضي‏ء، حارّ محرق، و النور ضوؤها و ضوء كلّ نيّر، و هو نقيض الظلمة. و اشتقاقها من نار ينور، إذا نفر، لأنّ فيها حركة و اضطرابا، و النّور مشتق منها «4»، و الظلمة عبارة عن عدم النور و انطماسه «5». انته.
قال صاحب الكشف: أورد عليه أنّ الإضاءة لا تعتبر في حقيقتها، و ليست‏
__________________________________________________
 (1) سورة المائدة: الآية 114.
 (2) مجمع البيان: ج 3- 4 ص 265.
 (3) سورة التوبة: الآية 73.
 (4) تفسير الكشاف: ج 1 ص 73.
 (5) تفسير الكشاف: ج 1 ص 74.

106
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
شاملة لما ثبت في الكتب الحكمية أنّ النار الأصليّة حيث الأثير شفّافة، لا لون لها، و كذلك أورد بعضهم في الإحراق.
و الجواب أنّ البحث فيما وضع له اللفظ بحسب اللغة، و لا شك في اعتبار هذا المجموع فيه. و أمّا النار التي عند الأثير فمن يسلّم وجودها؟ و إن سلّم، فأنّى لأجلاف العرب العلم بها، إن قلنا: إنّ الأسماء اصطلاحيّة، و إن قلنا: إنّها توقيفيّة فلا شكّ أنّها لإعلام من يقصد بالخطاب، و أنّ العرب توارثها صاغرا عن كابر إلى أن انته إلى ذلك الموحى إليه و الملهم. و حيث لم يعلمهم بأنّ اللفظ موضوع لذلك أيضا، أو للقدر المشترك، دلّ على أنّه بمعزل عن نظره في هذا الإطلاق، و إن كان عالما به كما هو.
و أمّا الإحراق فلا شكّ أنّه من أخصّ أوصافها، التي إذا زال عنها لم يميّز بينها و بين ذي ضوء آخر. اللّهمّ إلّا أن يسبق العلم بأنّ عدم الإحراق لمانع، كنار الخليل صلوات اللّه عليه.
و قوله: «و النّور ضوؤها فيه توسّع. و التحقيق أنّ الضّوء فرع النور، يطلق على الشعاع المنبسط، و النور يطلق على ما للشي‏ء في نفسه كالنور القائم بنفس الشمس، و لهذا يقع على الذوات الجوهريّة، بخلاف الضوء.
و قوله: «و الظلمة عبارة عن عدم النور» هو المطابق للّغة و عليه المحقّقون، و زيادة عمّا من شأنه النور غير مسموعة «1». انته.
قال السعد التفتازانيّ: إذا أجري عدم النور على إطلاقه كان بين النور و الظلمة تقابل الإيجاب و السلب، و إن زيد عمّا من شأنه فبينهما تقابل الملكة و العدم، و عند بعض المتكلّمين هي عرض ينافي النور، فبينهما تقابل التضادّ «2». انته.
و هي على هذا وجوديّة، و على الأوّلين عدميّة. و على التقادير يصحّ أنّ النور
__________________________________________________
 (1) لا يوجد لدينا كتاب الكشف.
 (2) لم نعثر عليه.

107
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
نقيض للظلمة، أي: مناف لها.
إذا عرفت ذلك فقوله عليه السّلام: «و من نار نورها ظلمة» وصف لتلك النار بما يميّزها عن نيران الدنيا، و يبيّن هولها و فظاعة أمرها، إذ كان النور لا ينفكّ عن شي‏ء من النيران المعه‏دة، و كون نورها ظلمة ممّا يهول النفوس، و يروع القلوب.
و المعنى: أنّه لا نور لها، بل هي سوداء مظلمة، و إنّما عبّر عن ذلك بقوله: «نورها ظلمة»، لما تقرّر في النفوس من أنّ النار لا تكون إلّا ذات نور، فحكم بأنّ نور هذه النار ظلمة، لعدم استنارتها و إشراقها، بمعنى أنّ الظلمة فيها بمنزلة النور. و لم يقل:
لا نور لها لئلا يتوهّم أنّها شفّافة لا ضوء لها، كما يقوله الحكماء في كرة الأثير.
و قد ورد في الحديث ما يطابق معنى هذه الصفة لنار الآخرة.
روى الترمذيّ و غيره أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: اوقد على النار ألف سنة حتّى احمرّت، ثمّ أوقد عليها ألف سنة حتّى ابيضّت، ثمّ أوقد عليها ألف سنة حتّى اسودّت، فهي سوداء مظلمة «1».
زاد في رواية: كسواد الليل «2».
و في رواية فهي أشدّ سوادا من القار «3». أي «4» الزفت.
و في حديث آخر: أنّ جهنّم سوداء مظلمة، لا ضوء لها و لا للهبها «5».
و كان سلمان الفارسي- رضي اللّه عليه- يقول: نار الآخرة سوداء مظلمة لا يضي‏ء لهبها و لا حرّها «6».
__________________________________________________
 (1) سنن الترمذيّ: ج 4 ص 710 ح 2591.
 (2) الترغيب و الترهيب: ج 4 ص 464 ح 28.
 (3) الترغيب و الترهيب: ج 4 ص 464.
 (4) «ألف» يعنى.
 (5) الترغيب و الترهيب: ج 4 ص 458 ح 15 مع اختلاف يسير في العبارة.
 (6) الترغيب و الترهيب: ج 4 ص 465 ح 30 الا انه. «عن أنس».

108
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
 [ 967] قوله عليه السّلام «و هيّنها أليم» هان الشي‏ء هونا: لان و سهل، فهو هيّن.
و الأليم: الموجع. قال العلّامة الطبرسيّ: هو فعيل بمعنى مفعل، كالسميع بمعنى المسمع، و النذير: بمعنى المنذر، و البديع: بمعنى المبدع «1».
و قال الجوهريّ: الأليم المؤلم، مثل السميع بمعنى المسمع «2».
و في القاموس: الأليم المؤلم، و من العذاب الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ.
انته «3».
و ما قاله بعضهم من أنّ فعيلا بمعنى المفعل ليس يثبت لا التفات إليه بعد نصّ أساطين أهل اللغة عليه. و المعنى ظاهر.
و عن ابن عبّاس لو أنّ قطرة من الزقّوم قطرت في الأرض، لأمرّت على أهل الأرض معيشتهم، فكيف بمن هو طعامه، ليس له طعام غيره «4».
قوله عليه السّلام: «و بعيدها قريب» يحتمل وجوها من التفسير:
أحدها: أن يكون المراد بالبعيد ما يستبعد وقوعه، و يستعظم شأنه، و بالقريب خلافه.
قال ابن الأثير في النهاية: يقال: هذا أمر بعيد، أي لا يقع مثله لعظمه «5».
فيكون المعنى: أنّ ما تستبعده العقول من أمرها قريب الوقوع فيها، لا بعد فيه، فاعتبار البعد و القرب بالنسبة إلى الإمكان.
و به فسر الزمخشريّ و غيره قوله تعالى في سورة المعارج: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً، قال في الكشّاف: المراد بالبعيد البعيد من الإمكان، و بالقريب القريب‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان: ج 1- 2 ص 48.
 (2) الصحاح: ج 5 ص 1863.
 (3) القاموس المحيط: ج 4 ص 75.
 (4) سنن ابن ماجة: ج 2 ص 1446 مع اختلاف يسير في العبارة.
 (5) النهاية لابن الأثير: ج 1 ص 140.

109
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و من نار يأكل بعضها بعضا، و يصول بعضها على بعض، و من نار تذر العظام رميما، و تسقى أهلها حميما.
منه «1».
الثاني: أنّ البعيد منها مكانا لا يمنعه بعده من إصابة حرّها و عذابها، بل هو قريب بالنسبة إليها، كما روي: لو أنّ رجلا كان بالمشرق، و جهنّم بالمغرب، ثمّ كشف عن غطاء منها لغلت جمجمته «2».
و في رواية: لو كان أحدكم بالمشرق، و كانت النار بالمغرب ثمّ كشف عنها لخرج دماغ أحدكم من منخريه من شدّة حرّها «3».
الثالث: أن يكون تلميحا إلى قوله تعالى في العنكبوت: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ «4»، أي محيطة بهم الآن، تنزيلا لشي‏ء سيقع قريبا منزلة الواقع.
و قيل: هو على حقيقته من معنى الحال، فإنّ مبادئ إحاطة النار بهم من الكفر و المعاصي المتشكّلة في هذه النشأة بصورة الأعمال و الأخلاق، هي بعينها جهنّم الّتي ستظهر في النشأة الأخرويّة بصورة النار و عقاربها و حيّاتها، كما نصّ عليه كثير من أرباب العرفان.
و كون بعيدها قريبا على هذين القولين ظاهر، لا خفاء به. و اللّه أعلم بمقاصد أوليائه.
الأكل حقيقة: بلغ الطعام بعد مضغه، ثمّ استعير للإحراق في النار.
قال الزمخشري في الأساس: و من المجاز أكلت النار الحطب. و اتكلت النار اشتدّ التهابها، كأنّما يأكل بعضها بعضا «5». انته.
__________________________________________________
 (1) الكشّاف: ج 4 ص 609.
 (2) سفينة البحار: ج 2 ص 619.
 (3) سفينة البحار: ج 2 ص 619.
 (4) سورة العنكبوت: الآية 54.
 (5) أساس البلاغة: ص 19.

110
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و في الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: اشتكت النار إلى ربّها، فقالت: ربّ، أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين، نفسا في الشتاء، و نفسا في الصيف، فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها، و شدّة ما تجدون من الحرّ من سمومها «1».
و صال على قرنه يصول صولا حمل عليه و سطا به، و في خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام: «أ علمتم أنّ مالكا إذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبه» «2».
قال ابن أبي الحديد: و حطم بعضها بعضا: كسره أو أكله «3».
 [ 968] و تذر العظام رميما، أي تتركها رميما من «و ذرت الشي‏ء أذره وذرا، أي تركته». قالوا: و أماتت العرب ما ضيه و مصدره، فإذا أريد الماضي قيل: ترك، و لا يستعمل منه اسم الفاعل.
و رمّ العظم يرمّ- من باب ضرب-، إذا بلى، فهو رميم.
قال الجوهريّ: و إنّما قال تعالى: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ، لأنّ فعيلا و فعولا قد يستوي فيهما المذكّر و المؤنّث و الجمع، مثل رسول و عدوّ و صديق «4».
و قال الزمخشريّ في الكشّاف: الرميم اسم لما بلي من العظام غير صفة، كالرمّة و الرفات، فلا يقال: لم يؤنّث، و قد وقع خبرا لمؤنّث، و لا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول «5».
و الحميم: الماء الحار الشديد الحرارة، و قد تكرّر ذكره في القرآن المجيد.
و إسناد السقي إلى النار مجاز عقليّ، لأنّها سبب لشربهم له. و اللّه أعلم.
__________________________________________________
 (1) سنن ابن ماجة: ج 2 ص 1444 ح 4319.
 (2) نهج البلاغة: ص 267، الخطب 183.
 (3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 10 ص 124.
 (4) الصحاح: ج 5 ص 1937.
 (5) الكشّاف: ج 4 ص 31.

111
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و من نار لا تبقي على من تضرّع إليها، و لا ترحم من استعطفها، و لا تقدر على التّخفيف عمّن خشع لها و استسلم إليها، تلقى سكّانها بأحرّ ما لديها من أليم النّكال، و شديد الوبال.
قال ابن الأثير في النهاية: في حديث الدعاء «لا تبقي من تضرّع إليها»، يعني النار، يقال: أبقيت عليه، أبقى، إبقاء: إذا رحمته، و اشفقت عليه. و الاسم البقيا «1».
و قال الجوهريّ: أبقيت على فلان إذا أرعيت عليه، و رحمته، يقال: لا أبقى اللّه عليك إن أبقيت عليّ و الاسم منه البقيا، قال:
و ما بقيا عليّ تركتماني             و لكن خفتما صرد النبال «2»
 و استعطفه: سأله أن يعطف عليه، أي يشفق عليه، و يرقّ له.
 [ 969] و قدر على الشي‏ء يقدر- من باب ضرب-: قوي عليه و تمكّن منه.
و خشع له يخشع خشوعا: ذلّ و خضع.
و استسلم: أذعن له و انقاد.
و التخفيف: أعمّ من أن يكون كمّا و كيفا. فما وقع في بعض التفاسير في قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ* «3»، أنّ الجملة «لا يخفّف» مستأنفة لبيان كثرة عذابهم من حيث الكيف، إثر كثرته من حيث الكمّ، ليس بمتعيّن.
و الجملة من قوله: «تلقى سكّانها» مستأنفة استئنافا بيانيّا، كأنّه سئل: كيف لا تبقي على من تضرّع إليها، فقال: تلقى سكّانها بأحرّ ما لديها.
و النكال- بالفتح- العقوبة التي ينكل الناس عن فعل ما جعلت له جزاء من نكل عن الأمر، إذا أحجم و امتنع.
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن أبي الأثير: ج 1 ص 147.
 (2) الصحاح: ج 6 ص 2283.
 (3) سورة البقرة: الآية 162.

112
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و أعوذ بك من عقاربها الفاغرة أفواهها، و حيّاتها الصّالقة بأنيابها، و قال الزمخشريّ في الأساس: نكل عن العدوّ نكولا، و نكلته عن كذا: فطمته، و نكّلت به تنكيلا، جعلت غيره ينكل أن يفعل مثل فعله، و هو النكال «1».
و الوبال: سوء العاقبة. قال الفيّوميّ: الوبال- بالفتح- من وبل المرتع- بالضمّ- وبالا و وبالة. بمعنى وخم، سواء كان المرعى رطبا، أو يابسا. و لمّا كان عاقبة المرعى الوخيم إلى شرّ، قيل في سوء العاقبة: وبال «2».
و في الأساس: أخذ وبيل: شديد. و منه الوبال لسوء العاقبة «3».
و في القاموس: الوبال: الشدّة، و الثقل «4».
و في الحديث: إنّ النار تأكل أهلها حتّى إذا اطلعت على أفئدتهم، انتهت، ثمّ تعود كما كانت ثمّ تستقبل العبد أيضا، فتطلع على فؤاده، فهي كذلك أبدا «5»، نعوذ باللّه من النار.
 (تنبيه) تكرير ذكر النار مع أنّ المراد بها نار واحدة، للإيذان بأنّ كلّ واحدة من الصفات المذكورة صفة هائلة خطيرة، جديرة بأن يفرد لها موصوف مستقلّ، و لا تجعل كلّها لموصوف واحد. و اللّه أعلم.
 [ 970] العقارب: جمع عقرب، و هي دويبة من ذوات السموم تكون للذكر و الأنثى بلفظ واحد، و قد يقال للأنثى: عقربة و عقرباء- ممدودا-، غير مصروف.
و فغر فوه فغرا- من باب نفع-: انفتح، و فغر فاه: فتحه، يتعدّى و لا يتعدّى.
و الرواية في الدعاء بضمّ أفواهها و فتحها على الوجهين.
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 655.
 (2) المصباح المنير: ص 889.
 (3) أساس البلاغة: ص 664.
 (4) القاموس المحيط: ج 4 ص 63.
 (5) الاختصاص: 357.

113
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

و شرابها الّذي يقطّع أمعاء و أفئدة سكّانها، و ينزع قلوبهم، و أستهديك لما باعد منها، و أخّر عنها.
و الحيّات: جمع حيّة، و هو اسم يطلق على الذكر و الأنثى فإن أردت التمييز، قلت: هذا حيّة ذكر، و هذه حيّة أنثى.
قال المبرّد في الكامل: و إنّما دخله الهاء، لأنّه واحد من جنس كبطة و دجاجة.
على أنّه قد روي عن بعض العرب، رأيت حيّا على حيّة، أي ذكرا على أنثى «1».
و صلق صلقا- من باب ضرب-: صوّت صوتا شديدا، كأصلق إصلاقا و صلق الفحل بنابه، و اصطلق: صوّت.
قال الجوهريّ: و أصلق لغة في صلق، و منه قول العجّاج يصف الحمار: أصلق ناباه صياح العصفور، و الفحل يصطلق بنابه، و ذلك صريفه. انته «2».
قال الزمخشري في الفائق: الصريف: ان يشدّ نابا على ناب فيصوتا. و هو في الفحولة من إيعاد، و في الإناث من إعياء، و ربّما كان من نشاد «3». انته.
فمعنى قوله عليه السّلام «الصالقة بأنيابها» أي الصارفة بها. و هو أولى من تفسيره بالضاربة، من قولهم: صلقه بالعصا، أي: ضربه بها، لأنّ في الصّريف من التحويل ما ليس في الضرب.
و قد تواترت الأخبار بعقارب النار و حيّاتها، نعوذ باللّه منها.
فروي: إنّ جهنّم واديا يدعى أثاما، فيه حيّات و عقارب في كلّ فقارة من ذنب ذلك العقرب من السمّ أربعون قلّة، كلّ عقرب منهنّ قدر البغلة الموكفة «4»، يلدغ الرجل فينسى حرّ جهنّم من حرارة لدغتها «5».
و في رواية: إنّ في جهنّم نهرا يسمّى موبقا يسيل نارا على حافتيه حيّات مثل‏
__________________________________________________
 (1) لا يوجد لدينا الكتاب المذكور.
 (2) الصحاح: ج 4 ص 1509.
 (3) الفائق في غريب الحديث: ج 2 ص 295.
 (4) الموكفة: الضخمة السمينة غزيرة اللحم.
 (5) الترغيب و الترهيب: ج 4 ص 469 مع اختلاف يسير.

114
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
البغال الدهم. فإذا ثارت إليهم لتأخذهم استغاثوا منها بالاقتحام في النار «1».
و في رواية: إنّ لجهنّم ساحلا كساحل البحر، فيه هو أمّ حيّات كالبخت، و عقارب كالبغال الدهم، نعوذ باللّه منها «2».
 [ 971] و الأمعاء: جمع معي- بالكسر، و قصره أشهر من المدّ، و ألفه ياء، لأنّ مثنّاه معيان، و تذكيره أكثر من التأنيث، فيقال: هو المعا و هو المصران، و جمع الممدود أمعية، كحمار و أحمرة.
و الأفئدة: جمع فؤاد، و هو القلب، و قيل: هو ما يتعلّق بالمري‏ء من كبد و رئة و قلب.
و نزعته من موضعه نزعا، من باب ضرب: قلعته.
و قوله عليه السّلام: «يقطّع أمعاء و أفئدة سكّانها»، و من باب إضافة المفردين إلى اسم ظاهر بجعل الأوّل مضافا في النيّة، دون اللفظ، و الثاني في اللفظ و النية معا، نحو: غلام و ثوب زيد، و هو كثير في كلامهم، نثرا و نظما، و شاهده من الحديث قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «تحيّضي في علم اللّه ستة أو سبعة أيّام» و من كلام العرب نثرا قول بعضهم: قطع اللّه يد و رجل من قالها. و قولهم: خذ ربع و نصف ما حصل، و من الشعر قوله:
يا من رأى عارضا أسرّ به             بين ذراعي و جبهة الأسد «3»
 فذهب المبرّد و أكثر المتأخّرين إلى أنّ ذلك كلّه على حذف المضاف إليه من الأوّل لفظا، لانيّة، لدلالة الثاني عليه «4»: و لذلك قال بعضهم: إنّ هذه المسألة لها شبه بباب التنازع، فإنّ المضافين يتنازعان المضاف إليه، فأعمل الثاني لقربه، و حذف معمول الأوّل، لأنّه فضلة.
__________________________________________________
 (1) الدر المنثور: ج 4 ص 228.
 (2) سفينة البحار: ج 2 ص 620.
 (3) مغني اللبيب: ص 498 رقم الشاهد: 707.
 (4) شرح الكافية في النحو: ج 1 ص 292.

115
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
و اشترط الفراء فيها اصطحاب المضافين، كالأمعاء و الأفئدة في عبارة الدعاء، و الستة و السبعة في الحديث، و اليد و الرجل، و الربع و النصف، و الذراع و الجبهة، بخلاف غلام و ثوب، فلا يقال: اشتريت غلام و ثوب زيد.
و ذهب سيبويه إلى أنّ ذلك من باب الفصل بين المضاف و المضاف إليه، و الأصل في نحو: خذ ربع و نصف ما حصل، خذ ربع ما حصل و نصفه، ثمّ أقحم و نصفه بين المضاف و المضاف إليه، فصار: ربع و نصفه ما حصل، ثمّ حذفت الهاء إصلاحا للّفظ، فصار: ربع و نصف ما حصل.
قال الرضيّ: و مذهب المبرّد أقرب، لما يلزم سيبويه من الفصل بين المضاف و المضاف إليه في السّعة «1».
و مضمون هذه العبارة من الدعاء نطق به القرآن المجيد في مواضع، منها قوله تعالى في سورة محمّد صلّى اللّه عليه و آله: وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ «2»، و قوله سبحانه في سورة الحجّ: «يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ. يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ «3»، أي يذاب بذلك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء و الأحشاء.
روي: أنّه يصبّ على رءوسهم الحميم فينفذ إلى أجوافهم فيسلت ما فيها «4».
و في الحديث في قوله تعالى: «وَ يُسْقى‏ مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ»، قال: يقرّب إلى فيه، فإذا دنا من وجهه شوى وجهه، و وقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتّى تخرج من دبره «5»، و الأخبار في هذا المعنى كثيرة.
قوله عليه السّلام «و أستهديك لما باعد منها، و أخّر عنها».
استهداه: طلب أن يهديه، و الغرض سؤال التوفيق للطاعة الموجبة للنجاة من النار.
و باعد بمعنى أبعد، و فيه تلميح إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 1 ص 293.
 (2) سورة محمّد: الآية 15.
 (3) سورة الحجّ: الآية 19- 20.
 (4) مجمع البيان: ج 7- 8 ص 78.
 (5) سنن الترمذي: ج 4 ص 705.

116
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ» «1»، قيل: المراد بالحسنى التوفيق للطاعة و بالإبعاد عنها: الإبعاد من عذابها، لا عن نفسها، إذ لا بدّ لكلّ أحد من ورودها بنصّ قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى‏ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا «2».
و استشكل بأنّ المؤمنين كيف يردون النار؟
و أجيب بما روي عن جابر بن عبد اللّه أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك، فقال: إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، قال بعضهم لبعض، أ ليس وعدنا ربّنا أن نرد النّار؟ فيقال لهم: قد وردتموها و هي خامدة «3».
و عنه أيضا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: الورود الدخول، لا يبقى برّ و لا فاجر إلّا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا و سلاما، كما كانت على إبراهيم عليه السّلام، حتّى أنّ للنار ضجيجا من بردها «4».
و في رواية: أنّ النار تقول للمؤمن يوم القيامة: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي «5».
فان قيل: ما الفائدة في إيراد المؤمنين النار، إذا لم يتعذّبوا بها؟
قيل: فيه وجوه:
منها: أن يزدادوا سرورا إذا رأوا الخلاص منها.
و منها: افتضاح الكافرين إذا اطلع المؤمنون عليهم.
و منها: أنّ المؤمنين يوبّخون الكفّار، و يسخرون منهم، كما سخروا منهم في الدنيا.
و منها: أن يزيد التذاذهم بالجنّة و نعيمها، فبضدها يتبيّن الأشياء.
__________________________________________________
 (1) سورة الأنبياء: الآية 101.
 (2) سورة مريم: الآية 71- 72.
 (3) تفسير الكشّاف: ج 3 ص 35.
 (4) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 526.
 (5) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 526.

117
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و أجرني منها بفضل رحمتك، و أقلني عثراتي بحسن إقالتك، و لا تخذلني، يا خير المجيرين، إنّك تقي الكريهة، و تعطي الحسنة، و تفعل ما تريد، و أنت على كلّ شي‏ء قدير.
و قيل: المراد بالإبعاد عنها، أنّهم لا يدخلون النار، و لا يقربونها البتّة، لأنّ من جعل بعيدا عن شي‏ء ابتداء، يحسن أن يقال: إنّه أبعد عنه.
و هؤلاء لم يفسروا الورود في قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها بالدخول، و احتجّوا بقول ابن عباس: قد يرد الشي‏ء الشّي‏ء و لم يدخله، كقوله تعالى: وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ «1»، و معلوم أنّ موسى عليه السّلام لم يدخل الماء، و لكنّه قرب منه، فالمراد بالورود جثّوهم حولها.
و عن ابن مسعود «2» و الحسن «3» و قتادة «4» هو الجواز على الصراط، لأنّ الصراط ممدود عليها.
و قيل: هو مسّ الحمّى في الدنيا، لقوله عليه السّلام: الحمّى من قيح جهنّم.
و في رواية: الحمّى حظ كلّ مؤمن من النار «5». و اللّه أعلم.
قوله عليه السّلام «و أخّر عنها» أخّرته ضدّ قدّمته، فتأخّر، هذا هو الأصل، لكنّه إذا عدّي ب «عن»، فالمراد التنحية و الإبعاد، يقال: أخّر عنّي جهلك، أي نحّه و أبعده. و قد يستعمل بمعنى التخليف، تقول: ما أخّرك عن صلاة الجماعة، أي ما خلّفك و أقعدك حتّى لم تحضرها.
و هذه الفقرة تأكيد للّتي قبلها. و اللّه أعلم.
 [ 972] أجرني: أي أعذني و آمنّي منها، يقال: أجاره ممّا يخاف، أي أعاذه و آمنه.
و الفضل: الزيادة، أي بمزيد رحمتك.
__________________________________________________
 (1) سورة القصص: الآية 23.
 (2) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 2 ص 517.
 (3) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 2 ص 517.
 (4) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 2 ص 517.
 (5) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 2 ص 517.

118
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله إذ ذكر الأبرار، و صلّ على محمّد و آله ما اختلف الليل و النّهار، صلاة لا ينقطع مددها، و لا يحصى و أقال اللّه عثرته: رفعه من سقوطه. و منه: الإقالة في البيع، لأنّها رفع للعقد.
و العثرات: جمع عثرة، و هي في الأصل المرّة من عثر الرجل يعثر من باب قتل، أي كبا و سقط. و المراد بها هنا الخطيئة و الزلّة، لأنّها سقوط في الإثم.
و خذله خذلا- من باب قتل-: ترك نصرته و إعانته، و الاسم الخذلان- بالكسر-:
 [ 973] و وقاه اللّه السوء يقيه وقاية- بالكسر-: حفظه منه.
و الكريهة: النازلة و الشدّة. يقال: لقيت منه كرايه الدهر، أي نوازله و شدائده.
الحسنة: ضدّ السيّئة.
و تفعل ما تريد: أي كلّ ما تريده، لا يمنعك مانع، و لا تعجز عن شي‏ء.
و الجمل المتعاطفة المبدوء أوّلها بحرف التأكيد كلّها تعليل للدعاء، و مزيد استدعاء للإجابة بطريق التحقيق. و الجملة الأخيرة تذييل مقرّر لما قبله، من وقايته الكريهة، و إعطائه الحسنة، و فعله ما يريد. فإنّ كمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته تعالى على ذلك.
 [ 974] «إذا» ظرف زمن مستقبل، متضمّنه معنى الشرط. و جوابها هنا محذوف وجوبا للاستغناء عنه بما دلّ عليه متقدّما، و هو قوله: «صلّ على محمّد و آله». و التقدير:
إذا ذكر الأبرار فصلّ على محمّد و آله.
و إنّما لم يجعل المتقدّم جوابا، لأنّ للشرط صدر الكلام، فلم يجز تقديم جوابه عليه، هذا مذهب البصريّين.
و ذهب الكوفيّون إلى أنّ المتقدّم هو الجواب، و إنّما لم يصدّر بالفاء لتقدّمه.
و ذهب ابن عصفور إلى أنّ «إذا» الشرطية تفيد التكرار ككلّما. فإذا قلت: «إذا جاءك زيد فأكرمه» أفادت: أنّ كلّما جاءك زيد فأكرمه، و قال: هذا هو

119
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

عددها، صلاة تشحن الهواء، و تملأ الأرض و السّماء، صلّى اللّه عليه حتّى يرضى، و صلّى اللّه عليه و آله بعد الرّضا، صلاة لاحدّ لها و لا منته، يا أرحم الراحمين.
الصّحيح.
و على هذا فمعنى عبارة الدعاء: صلّ على محمّد و آله كلّما ذكر الأبرار، و هو حسن.
فإن قلت: لأيّ معنى قيّد الصّلاة عليهم بزمان ذكر الأبرار؟
قلت: لأمرين: أحدهما: أنّه زمان فيض و رحمة، كما ورد في الحديث، عند ذكر الصّالحين تنزل الرّحمة.
الثاني: إظهار عظمتهم و كرامتهم لديه سبحانه، إذ كانوا سادات الأبرار و رؤساءهم.
قوله عليه السّلام «ما اختلف الليل و النهار» «ما» مصدريّة ظرفيّة، أي مدّة اختلاف الليل و النهار.
و اختلافهما: إمّا بمعنى تعاقبهما مجيئا و ذهابا، و كون كلّ منهما خلفا للآخر كقوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً «1»، أي ذوي خلفة يخلف كلّ منهما الآخر، بأن يقوم مقامه، و هي اسم للحالة من خلفه، أي: قام مقامه، كالركبة و الجلسة- بالكسر فيهما- من «ركب و جلس».
أو بمعنى اختلافهما في أنفسهما، بازدياد كلّ منهما بانتقاص الآخر، و انتقاصه بازدياده، باختلاف حال الشمس إلينا قربا و بعدا بحسب الأزمنة، أو باختلاف البلدان. فإنّ البلد كلما ازداد عرضا عن خط الاستواء، و هو الموضع المحاذي لمنطقة الفلك الأعظم المسمّاة معدّل النهار، ازداد نهاره في الصيف طولا، و في الشتاء
__________________________________________________
 (1) سورة الفرقان: الآية 62.

120
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
قصرا، و بالعكس في الليل. و قد يرتقي طول النهار بحسب تزايد ارتفاع القطب إلى حيث يصير اليوم بليلته نهارا كلّه و بإزائه الليل، ثمّ إلى أكثر من ذلك إلى حيث يزيد الليل الأطول على يوم بليلته، و إلى حيث يكون نصف السنة نهارا، و نصفها الآخر ليلا، و ذلك إذا صار قطب الفلك الأعظم محاذ لسمت الرأس.
و لا عمارة هناك، لشدّة البرد اللازم من قبل انخفاض الشمس، أو اختلافهما في الأمكنة، فإنّ كروية الأرض تقتضي «1» أن يكون بعض الأوقات في بعض الأماكن ليلا، و في مقابله نهارا، و في بعضها صباحا، و في بعضها ظهرا أو عصرا، أو غير ذلك. و اللّه أعلم.
 [ 975] قوله عليه السّلام «لا ينقطع مددها» إلى آخره.
مدد الشي‏ء: ما يمدّ به و يزاد «2» و يكثر.
و الغرض طلب استمرار الصلاة عليهم.
و العدد: الكميّة المتألفة من الوحدات، و قيل: صورة تنطبع في نفس العاد «3» من تكرار الواحد.
أي لا يضبط عددها، أو لا يطاق عدّها و ضبطها. من أحصيت الشي‏ء إذا أطقته، فيكون العدد بمعنى المصدر. و الغرض طلب كثرة الصلاة عليهم.
و شحنت البيت و غيره شحنا- من باب نفع-: ملأته.
و الهواء بالمدّ: الجوّ، و هو ما بين السماء و الأرض. و المراد بكونها تشحن الهواء أو تملأ الأرض و السماء التمثيل لكثرة عددها، أي لو قدّرت أجساما لبلغت من كثرتها أن تملأ ذلك، و يحتمل أن يكون على معنى التعظيم و التفخيم لشأنها، أو لشأن أجرها و ثوابها، و الأوّل أظهر.
 [ 976] قوله عليه السّلام «صلّى اللّه عليه حتّى يرضى» جملة منقطعة ممّا قبلها لفظا،
__________________________________________________
 (1) «ألف» يقتضى.
 (2) «ألف» يزداد.
 (3) «ألف» المعاد.

121
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الثلاثين ص 11

..........
مستأنفة استئنافا نحويّا.
و «حتّى» للغاية، أي إلى أن يقول: «رضيت»، و لمّا كان الغاية تستلزم الانتهاء، لأنّ كلّ شي‏ء إذا بلغ غايته انته و وقف عندها، لم يرض عليه السّلام بذلك بل سأل أن تكون الصلاة عليه بعد الرضا أيضا، فقال: و صلّى اللّه عليه و آله بعد الرضا»، لتكون الصلاة عليه جارية مستمرّة أبدا، لا تقف عند حدّ، و لا تنتهي عند غاية، ثمّ بيّن ذلك بقوله: «صلاة لا حدّ لها، و لا منته».
و الحدّ: النهاية. و المنته: مصدر ميميّ من انته الأمر، أي بلغ النهاية. و لمّا كانت الصلاة من اللّه تعالى الرّحمة ذيّل طلبها بقوله: يا أرحم الراحمين، و الأولى أن تكون كلمة استعطاف ختم بها الدعاء مبالغة في طلب الإجابة لجميع ما تضمّنه الدعاء من المسائل كما يشير إليه التعرّض للوصف بغاية الرحمة. و اللّه أعلم. [] هذا آخر الروضة الثانية و الثلاثين من رياض السالكين، و قد وفّق اللّه سبحانه لإتمامها و اجتناء زهرها من كمامها، عشية يوم السبت لإحدى عشرة خلت من شعبان أحد شهور سنة أربع و مائة و ألف، أحسن اللّه ختامها بدار السرور برهان ينور، و للّه الحمد.

122
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الثالثة و الثلاثون ص 123

الروضة الثالثة و الثلاثون‏

123
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام في الاستخارة ص 124

و كان من دعائه عليه السّلام في الاستخارة
اللّهمّ إنّى استخيرك بعلمك فصلّ على محمّد و آله و اقض لي بالخيرة و الهمنا معرفة الاختبار و اجعل ذلك ذريعة إلى الرّضا بما قضيت لنا و التّسليم لما حكمت فازح عنّا ريب الارتياب و ايّدنا بيقين المخلصين و لا تسمنا عجز المعرفة عمّا تخيّرت فنغمط قدرك و نكره موضع رضاك و نجنح إلى الّتى هي أبعد من حسن العاقبة و أقرب الى ضدّ العافية حبب إلينا ما نكره من قضائك و سهّل علينا ما نستصعب من حكمك و الهمنا الانقياد لما أوردت علينا من مشيّتك حتّى لا نحبّ تأخير ما عجّلت و لا تعجيل ما اخّرت و لا نكره ما أحببت و لا نتخيّر ما كرهت و اختم لنا بالّتى هي أحمد عاقبة و أكرم مصيرا انّك تفيد الكريمة و تعطى الجسيمة و تفعل ما تريد و أنت على كلّ شي‏ء قدير

124
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 125

[مقدمة الشارح‏]
 [] (الروضة الثالثة و الثلاثون) بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و إيّاه نستعين الحمد للّه الذي يخلق ما يشاء و يختار، ما كان لهم الخيرة، سبحان اللّه و تعالى عمّا يشركون. و هو اللّه لا إله إلّا هو، له الحمد في الأولى و الآخرة، و له الحكم، و إليه ترجعون. و الصلاة و السّلام على نبيّه المختار، من أشرف نجار، الصادع بقوله الصادق، «ما حار من استخار، و لا ندم من استشار» «1» و على آله شموس الولاية، و نجوم الهداية، السادة الأطهار، و القادة الأبرار.
و بعد: فهذه الروضة الثالثة و الثلاثون من رياض السالكين، في شرح الدعاء الثالث و الثلاثين من صحيفة سيد العابدين عليه السّلام، إملاء راجي فضل ربّه السني، علي بن أحمد الحسيني الحسني خار اللّه لهما، و بلّغهما أملهما.
__________________________________________________
 (1) الأمالي للشيخ الطوسي: ج 1 ص 135.

125
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين‏
و كان من دعائه عليه السّلام في الاستخارة.
استخرت اللّه استخارة: طلبت منه الخيرة، و هي اسم من الاختيار، كالفدية من الافتداء.
و في الأساس: استخرت اللّه في ذلك، فخار لي: أي طلبت منه خير الأمرين، فاختاره لي «1».
و أصل الاستخارة: الاستخيار، على وزن استفعال. نقلت حركة عينه إلى فائه الساكنة قبلها، و قلبت العين ألفا، ثمّ حذفت لالتقاء الساكنين، و عوّض عنها تاء التأنيث. و هذا مطّرد في مصدر «استفعل» معتلّ العين، كاستقام استقامة، و استعاذ استعاذة «2».
فالاستخارة: استفعال من الخير.
و قال محمّد بن إدريس العجليّ قدّس اللّه روحه في كتابه المترجم بالسرائر:
الاستخارة في كلام العرب: الدعاء. و هو من استخارة الوحش، و ذلك أن يأخذ القانص ولد الظبية فيعرك أذنه فيبغم، فإذا سمعت أمّه بغامه لم تملك أن تأتيه،
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 179.
 (2) «الف»: استفاد استفادة.

126
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
فترمي بنفسها عليه فيأخذها القانص. قال حميد بن ثور الهلالي، و ذكر ظبية و ولدها، و دعاؤه لها لمّا أخذه القانص، فقال:
رأت مستخيرا فاستزال فؤادها             بمحنته يبدو لها و يغيب‏
 أراد رأت داعيا. فكان معنى استخرت اللّه: استدعيته إرشادي «1». انته كلامه.
و هو عجيب، فإنّ استخارة الوحش- بالمعنى الذي ذكره- استفعال من الخوار- بالضمّ- و هو صوت البقر و الغنم و الظباء. و هو معتلّ، واويّ، لأنّ العين منه واو.
و الاستخارة بمعنى الدعاء للإرشاد إلى خير الأمرين معتلّ يأتي، فكيف يكون هذا من ذاك؟ «2» على أنّ الذي نصّ عليه أئمة اللغة كالزمخشريّ و الجوهريّ أنّ المنقول من استخارة الوحش، إنّما هو الاستخارة بمعنى الاستعطاف، لا بمعنى الدعاء.
قال الزمخشريّ في الأساس: استخار الرجل صاحبه: استعطفه فخار عليه.
و أصله من أن يثغو الغزال و الجؤذر إلى أمّه: يستخيرها، أي يطلب خوارها. ثمّ كثر حتّى استعمل في كلّ استعطاف و استرحام «3».
قال الجوهريّ: الاستخارة: الاستعطاف. يقال: هو من الخوار و الصوت.
و أصله: أنّ الصائد يأتي ولد الظبية في كناسة فيعرك أذنه فيخور- أي يصيح- يستعطف بذلك أمه كي يصيدها. قال الهذلي:
لعلّك أمّا أمّ عمرو تبدلت             سواك خليلا شاتمي تستخيرها «4»
 انته.
و بالجملة فجعل الاستخارة بمعنى طلب الخيرة منقولا من استخارة الوحش إمّا غلط منشأه اشتباه اللفظين عليه، أو تعسف لا داعي إليه. و اللّه أعلم.
__________________________________________________
 (1) السرائر: ص 69.
 (2) «ألف»: ذلك.
 (3) أساس البلاغة: ص 177.
 (4) الصحاح: ج 2 ص 651.

127
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
 (مقدّمة) لا ريب في استحباب الاستخارة عند العامّة و الخاصّة، و الأخبار بذلك مستفيضة من الطريقين:
أمّا من طريق العامّة. فروى البخاريّ في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه قال:
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كالسورة من القرآن. يقول: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ ليقل: اللّهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، و أستقدرك بقدرك ...» «1» إلى آخر الدعاء و سيأتي.
و روى الترمذي بإسناده إلى أبي بكر: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد الأمر، قال: اللّهمّ خرلي، و اختر لي «2».
و عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربّك فيه سبع مرّات، ثمّ انظر إلى الذي سبق إلى قلبك، فإنّ الخير فيه «3».
و روى الحاكم بسنده في صحيح المستدرك عنه صلّى اللّه عليه و آله قال: «من سعادة ابن آدم استخارته اللّه، و «4» من شقوته تركه استخارة اللّه» «5».
و أمّا من طريق الخاصّة: فالروايات فيها أكثر من أن تحصى. فمن ذلك ما رواه‏
__________________________________________________
 (1) صحيح البخاري: ج 8 ص 101.
 (2) لم نعثر عليه في سنن الترمذي و لكنه موجود في تفسير الجامع لاحكام القرآن (للقرطبي) ج 13، ص 307.
 (3) الجامع لاحكام القرآن: ج 13 ص 307.
 (4) «الف»: و أما من.
 (5) المستدرك للحاكم: ج 1، ص 518.

128
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلّ ركعتين، و استخر اللّه. فو اللّه ما استخار اللّه مسلم إلّا خار له البتّة «1».
و روى البرقيّ في محاسنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال اللّه عزّ و جلّ:
من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني «2».
و عنه عليه السّلام: أنّه قال: ما أبالي إذا استخرت على أيّ طرفيّ وقعت. و كان أبي يعلّمني الاستخارة كما يعلّمني السّورة من القرآن «3».
و عنه عليه السّلام: من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلي لم يؤجر «4».
و روى الطوسيّ في أماليه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: لمّا و لّاني النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على اليمن، قال لي و هو يوصيني: يا عليّ ما حار «5» من استخار، و لا ندم من استشار «6».
إلى غير ذلك من الأخبار البالغة جملتها حدّ التواتر.
إذا عرفت ذلك فهنا مسائل:
 (الأولى:) ذكر الشيخ المفيد قدّس سرّه في الرسالة العزيّة: أنّه لا ينبغي للإنسان أن يستخير اللّه تعالى في شي‏ء ممّا نهاه عنه، و لا في أداء فرض. و إنّما الاستخارة في المباح، و ترك نفل إلى نفل لا يمكنه الجمع بينهما كالحج و الجهاد تطوعا، أو لزيارة مشهد دون آخر، أو صلة أخ دون آخر «7».
 (الثانية:) من آداب المستخير أن يطهّر ظاهره من الحدث و الخبث، و باطنه من الشك و الريب، و ان يصلّي ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد ما شاء و يقنت في الثانية، و أن يتأدّب في صلاته كما يتأدب السائل المسكين، و أن يقبل على اللّه بقلبه في‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 3، ص 470.
 (2) المحاسن: ص 598.
 (3) بحار الأنوار: ج 91، ص 223.
 (4) المحاسن: ص 598.
 (5) «الف» خار.
 (6) الأمالي للشيخ الطوسي: ج 1، ص 135.
 (7) بحار الأنوار: ج 91، ص 229، نقلا عنه في رسالته.

129
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
صلاته و دعائه إلى وقت فراغه، و أن لا يكلّم أحدا في أثناء الاستخارة. فعن الصادق عليه السّلام: كان أبي إذا أراد الاستخارة في الأمر، توضأ و صلّى ركعتين، و إن كانت الخادمة لتكلّمه، فيقول: سبحان اللّه، و لا يتكلّم حتّى يفرغ «1».
و قال الجواد عليه السّلام لعليّ بن أسباط: و لا تكلّم أحدا بين اضعاف الاستخارة حتّى تتمّ مائة مرّة «2».
و إذا خرجت الاستخارة مخالفة لمراده فلا يقابلها بالكراهة، بل بالشّكر على أن جعله اللّه تعالى أهلا لأن يستشيره.
 (الثالثة:) للاستخارة أنواع وردت بها الأخبار عنهم (عليهم السّلام):
 (منها:) الاستخارة بالدعاء. و فيها روايات:
 (منها:) ما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق مرفوعا عن جابر بن عبد اللّه قال:
 «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يعلّمنا الاستخارة كما يعلّمنا السّورة من القرآن. يقول: إذا همّ أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ ليقل:
اللّهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، و أستقدرك بقدرتك و أسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر و لا أقدر، و تعلم و لا أعلم، و أنت علّام الغيوب. اللّهمّ إن كنت تعلم هذا الأمر، و تسمّيه خيرا لي في ديني و معاشي و عاقبة أمري فاقدره لي، و يسّره لي، و بارك لي فيه. و إن كنت تعلم أنّه شرّ لي في ديني و معاشي و عاقبة أمري فاصرفه عنّي، و اصرفني عنه، و أقدر لي «3» الخير حيثما كان، و رضّني به» «4».
و هذه الرواية هي التي ذكرها البخاري في صحيحة مع تفاوت يسير في الفاظ الدعاء «5».
قال النووي: «و إذا استخار مضى بعد هذا لما شرح له صدره» «6».
__________________________________________________
 (1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 206 ح 8.
 (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 215 ح 8.
 (3) «الف»: إليّ.
 (4) مكارم الأخلاق: ص 323.
 (5) صحيح البخاري: ج 8، ص 101.
 (6) لا يوجد لدينا كتابه.

130
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
 (و منها) ما رواه الطبرسي- أيضا- في الكتاب المذكور، قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يصلّي ركعتين و يقول في دبرهما: أستخير اللّه مائة مرّة، ثمّ يقول: اللّهمّ إنّي قد هممت بأمر قد علمته، فإن كنت تعلم أنّه خير في ديني و دنياي و آخرتي فيسّره لي. و إن كنت تعلم أنّه شرّ لي في ديني و دنياي و آخرتي، فاصرفه عنّي كرهت نفسي ذلك أم أحبّت. فإنّك تعلم، و لا أعلم، و أنت علام الغيوب ثمّ يعزم» «1».
 (و منها:) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «كان عليّ بن الحسين عليه السّلام إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق تطهّر ثمّ صلّى ركعتي الاستخارة، فقرأ فيهما بسورة الرّحمن و الحشر و المعوذتين و قل هو اللّه أحد، ثمّ قال: اللّهمّ إن كان كذا و كذا خيرا لي في ديني و دنياي و آخرتي، و عاجل أمري و آجله فيسّره لي على أحسن الوجوه و أجملها. و إن كان كذا و كذا شرّا لي في ديني و دنياي و آخرتي و عاجل أمري و آجله، فاصرفه عنّي على أحسن الوجوه. ربّ أعزم على رشدي، و إن كرهت ذلك و أبته نفسي» «2».
و في رواية: أخرى: «و إن كرهت أو أحبّت ذلك نفسي. بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، حسبي اللّه و نعم الوكيل ثمّ يمضي و يعزم» «3».
 (و منها:) ما ذكره في مكارم الأخلاق: أنّ رجلا جاء إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال له: جعلت فداك، إنّي ربما ركبت الحاجة، فأندم عليها، فقال له: «أين أنت عن الاستخارة؟ فقال: إذا صلّيت صلاة الفجر، فقل بعد أن ترفع يديك، حذاء وجهك: اللّهمّ إنّك تعلم و لا أعلم، و أنت علام الغيوب، فصلّ على محمّد
__________________________________________________
 (1) مكارم الأخلاق: ص 320.
 (2) الكافي: ج 3 ص 470.
 (3) مكارم الأخلاق: ص 322- 323.

131
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
و آله، و خرلي في جميع ما عزمت به من أموري خيار بركة و عافية» «1».
 (و منها:) ما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه: أنّ محمّد بن خالد القسريّ، سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاستخارة، فقال: «استخر اللّه في آخر ركعة من صلاة اللّيل، و أنت ساجد، قال: كيف أقول؟ قال: تقول: أستخير اللّه برحمته، أستخير اللّه برحمته» «2».
 (و منها:) ما رواه ثقة الاسلام في الكافي، و شيخ الطائفة في التهذيب، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ربما أردت الأمر تفرّق منّي فريقان، أحدهما يأمرني و الآخر ينهاني. فقال لي: «إذا كنت كذلك فصلّ ركعتين، و استخر اللّه مائة و مرّة و مرّة، ثمّ انظر أحزم الأمرين لك فافعله فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللّه. و لتكن استخارتك في عافية، فإنّه ربما خير للرّجل في قطع يده، و موت ولده، و ذهاب ماله» «3».
 (و منها:) ما رواه ثقة الإسلام، و رئيس المحدّثين في الفقيه عن مرازم، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أراد أحدكم شيئا فليصلّ ركعتين، ثمّ ليحمد اللّه و ليثن عليه، و ليصلّ على محمّد و على أهل بيته، و يقول: اللّهمّ إن كان هذا الأمر خيرا لي في ديني و دنياي فيسّره لي و أقدره. و إن كان غير ذلك فاصرفه عنّي» فسألته: أيّ شي‏ء أقرأ فيهما؟ فقال: «اقرأ فيهما ما شئت، إن شئت قرأت فيهما قل هو اللّه أحد، و قل يا أيّها الكافرون» «4».
و في رواية الفقيه: «و قل هو اللّه أحد تعدل ثلث القرآن» «5».
__________________________________________________
 (1) مكارم الأخلاق: ص 320.
 (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 563.
 (3) الكافي: ج 3 ص 472. و تهذيب الاحكام: ج 3 ص 181 ح 5.
 (4) الكافي: ج 3 ص 472.
 (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 562.

132
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
 (و منها:) ما روي عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا عرضت لأحدكم حاجة فليستشر ربّه. فإن أشار عليه أتبع، و إن لم يشر عليه توقّف. فقيل له: كيف يفعل؟ قال: «يسجد عقيب المكتوبة، و يقول: اللّهمّ خرلي ثمّ ينظر ما الهم فيفعل.
فهو الذي أشار عليه ربّه عزّ و جلّ» «1».
 (و منها:) ما رواه البرقي بإسناده عن هارون بن خارجة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام، يقول: «إذا أراد أحدكم أمرا فلا يشاورنّ فيه أحدا حتّى يبدأ فيشاور اللّه»، قلت: و ما مشاورة اللّه؟ قال: «يبدأ فيستخير اللّه فيه أوّلا، ثمّ يشاور فيه. فإنّه إذا بدأ باللّه تبارك و تعالى أجرى اللّه الخيرة له على لسان من يشاء من الخلق» «2».
 (و منها:) ما رواه رئيس المحدّثين في الفقيه عن حماد بن عثمان، عن الصادق عليه السّلام قال: في الاستخارة، أن يستخير اللّه الرجل في آخر سجدة من ركعتي الفجر مائة مرّة و مرّة، و يحمد اللّه و يصلّي على النّبيّ و آله، ثمّ يستخير اللّه خمسين مرّة، ثمّ يحمد اللّه و يصلّي على النّبيّ و آله و يتمّ المائة و مرّة» «3».
 (و منها:) ما رأيته في كتاب عندنا منسوب إلى الرّضا عليه السّلام: «إذا أردت أمرا فصلّ ركعتين، و استخر اللّه مائة مرّة و مرّة و قل في دعائك: لا اله إلّا اللّه العليّ العظيم، لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، ربّ بحق محمّد و عليّ، خر لي في أمر كذا و كذا للدنيا و الآخرة خيرة من عندك، مالك فيه رضا و لي فيه صلاح، في خير و عافية، يا ذا المنّ و الطّول» «4».
 (و منها:) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن ابن فضّال، قال: سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن عليه السّلام، لابن أسباط، فقال: ما ترى له- و ابن‏
__________________________________________________
 (1) لأمالي للشيخ الطوسي: ج 1 ص 281.
 (2) المحاسن: ص 598.
 (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 563 ح 1553.
 (4) بحار الأنوار: ج 91 ص 261 ح 13.

133
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
أسباط حاضر، و نحن جميعا- يركب البرّ أو البحر إلى مصر، و أخبره بخبر طريق البرّ؟ فقال: «فأت المسجد في غير وقت صلاة الفريضة، فصلّ ركعتين، و استخر اللّه مائة مرّة، ثمّ انظر، أيّ شي‏ء يقع في قلبك فاعمل به. و قال له الحسن: البرّ أحبّ إليّ، قال: «و إليّ» «1».
 (و منها:) الاستخارة بالمصحف. و هي أنواع:
 (منها:) ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب بسنده إلى اليسع القميّ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أريد الشي‏ء فأستخير اللّه، فلا يوفّق فيه الرّأي، أفعله أو أدعه؟ فقال: «انظر إذا قمت إلى الصّلاة- فإنّ الشيطان أبعد ما يكون من الإنسان إذا قام إلى الصّلاة- أيّ شي‏ء يقع في قلبك فخذ به. و افتح المصحف، فانظر إلى أوّل ما ترى فيه فخذ به إن شاء اللّه» «2».
 (و منها:) ما ذكره الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق: «يصلّي صلاة جعفر فإذا فرغ دعى بدعائها ثمّ ينوي فرج آل محمّد، بدءا و عودا، ثمّ يقول: اللّهمّ إن كان في قضائك و قدرك أن تفرّج عن وليّك و حجّتك في خلقك في عامنا هذا، أو شهرنا هذا، فأخرج لنا رأس آية من كتابك، نستدلّ بها على ذلك. ثمّ يعدّ سبع و رقات، و يعدّ عشرة أسطر من ظهر الورقة السّابعة، و ينظر ما يأتيه في الحادي عشر من السّطور، ثمّ يعيد الفعل ثانيا لنفسه، فإنّه تتبيّن حاجته إن شاء اللّه» «3».
 (و منها:) ما نقل من خطّ العلامة الحسن بن المطهّر الحلّي (طاب ثراه) روي عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا أردت الاستخارة من الكتاب العزيز، فقل بعد البسملة: اللّهمّ إن كان في قضائك و قدرك أن تمنّ على شيعة آل محمّد بفرج وليّك و حجّتك على خلقك، فأخرج إلينا آية من كتابك، نستدل بها على ذلك.
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 3 ص 471- ح 4.
 (2) تهذيب الاحكام: ج 3، ص 310، ح 6.
 (3) مكارم الأخلاق: ص 324.

134
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
ثمّ تفتح المصحف، و تعدّ ستّ و رقات، و من السّابعة ستّة أسطر، و تنظر ما فيه» «1».
 (و منها:) ما ذكره السيّد الجليل علي بن طاووس في كتاب الاستخارات. إنّ المتفئل بالمصحف يقرأ الحمد و آية الكرسي، و قوله تعالى: «وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ» «2» الآية. ثمّ يقول: اللّهمّ إن كان في قضائك و قدرك أن تمنّ على أمّة نبيّك بظهور وليّك و ابن بنت نبيّك، فعجّل ذلك و سهّله و يسّره و كمّله، و أخرج لي آية أستدلّ بها على أمر فأئتمر، أو نهي فأنتهي، و ما أريد الفأل فيه في عافية. ثمّ افتح المصحف و عدّ سبع قوائم، ثمّ عدّ ما في الصفحة اليمنى من الورقة السّابعة، و ما في اليسرى من الورقة الثامنة من لفظ الجلالة، ثمّ عدّ قوائم بعدد الجلالات، ثمّ عدّ من الصّفحة اليمنى من القائمة التي ينتهي إليها العدد أسطرا بعدد لفظ الجلالة، و تفأل بآخر سطر من ذلك يتبيّن لك الفأل إن شاء اللّه تعالى» «3».
 (و منها:) ما نقل و اشتهر عن السيد المذكور أيضا: من أراد الاستخارة بالقرآن المجيد، فليقرأ آية الكرسي إلى «هم فيها خالدون» و آية «وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ» إلى «مُبِينٍ»، ثمّ يصلّي على النبي عشرا، ثمّ يدعو بهذا الدعاء «اللّهمّ إنّي توكّلت عليك، و تفألت بكتابك، فأرني ما هو المكتوم في سرّك، المخزون في غيبك، يا ذا الجلال و الإكرام. اللّهمّ أنت الحقّ، و أنزلت الحقّ بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله.
اللّهمّ أرني الحقّ حقّا حتّى أتبعه، و أرني الباطل باطلا حتّى أجتنبه، برحمتك يا أرحم الراحمين. ثمّ تفتح المصحف و تعدّ الجلالات من الصفحة اليمنى، و تعدّ بعدد الجلالات أوراقا من الصفحة اليسرى، ثمّ تعدّ الأسطر بعدد الأوراق من الصفحة اليسرى، فما يأتي بعد ذلك فهو بمنزلة الوحي.
__________________________________________________
 (1) بحار الأنوار: ج 91 ص 245.
 (2) سورة الأنعام: الآية 59.
 (3) بحار الأنوار: ج 91 ص 242 ح 4.

135
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
 (و منها)، الاستخارة بالرقاع. و في كيفيّتها روايات:
 (منها:) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن محمّد، رفعه عنهم عليهم السّلام: أنّه قال لبعض أصحابه، و قد سأله عن الأمر يمضي فيه، و لا يجد أحدا يشاوره، فكيف يصنع؟ قال: شاور ربّك. قال فقال له: كيف؟ قال: انو الحاجة في نفسك، ثمّ اكتب رقعتين، في واحدة «لا»، و في واحدة «نعم»، و اجعلهما في بندقتين من طين، ثمّ صلّ ركعتين، و اجعلهما تحت ذيلك، و قل: يا اللّه إنّي أشاورك في أمري هذا، و أنت خير مستشار و مشير، فأشر عليّ بما فيه صلاح و حسن عاقبة. ثمّ أدخل يدك فإن كان فيها «نعم»، فافعل. و إن كان فيها «لا»، لا تفعل. هكذا تشاور ربّك «1».
 (و منها:) ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام: يكتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، اللّهمّ إنّي أستخيرك خيار من فوّض إليك أمره، و أسلم إليك نفسه، و خلالك وجهه، و توكّل عليك فيما تأمره به. اللّهمّ انصرني و لا تنصر عليّ، و اهدني إلى الخيرات، و لا تضلّني. اللّهمّ إن كان الخير لي، أو لفلان، في كذا فخر لي أوله، إنّك على كلّ شي‏ء قدير. و يكتب في رقعة «افعل» و في أخرى «لا»، و يجعلان في بندقتين، و يلقيان في الماء، فأيّهما شقّت الماء و ظهرت على الماء، «2» عمل عليها و أهملت الأخرى «3».
 (و منها:) ما ذكره الطبرسي في المكارم عن عبد الرحمن بن سبابة قال: خرجت سنة إلى مكّة، و متاعي بزّ قد كسد عليّ، قال: فأشار عليّ أصحابنا إلى أن أبعثه إلى مصر، أو إلى اليمن، و اختلفت عليّ آراؤهم. فدخلت على العبد الصّالح، بعد النفر بيوم و نحن بمكّة فأخبرته بما أشار به أصحابنا، و قلت له: جعلت فداك، فما
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 3 ص 473.
 (2) «الف»: عملت.
 (3) بحار الأنوار: ج 91 ص 238 ح 4 مع اختلاف يسير في بعض الالفاظ.

136
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
ترى حتّى أنتهي إلى ما تأمرني به؟ فقال لي: ساهم بين مصر و اليمن، ثمّ فوّض في ذلك أمرك إلى اللّه، فأيّ بلدة خرج سهمها من الأسهم فابعثّ متاعك إليها، قلت: جعلت فداك، و كيف أساهم؟ قال: اكتب في رقعة «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، اللّهمّ أنت اللّه الذي لا إله إلّا أنت، عالم الغيب و الشهادة، أنت العالم، و أنا المعلّم «1»، فانظرني في أيّ الأمرين خير لي، حتّى أتوكّل عليك «2»، و أعمل به»، ثمّ اكتب «مصر إن شاء اللّه»، ثم اكتب رقعة أخرى مثل ما في الرقعة الأولى شيئا فشيئا، ثم اكتب «اليمن»، ثم اكتب رقعة أخرى مثل ما في الرقعتين شيئا شيئا، ثمّ اكتب «يحبس «3» المتاع و لا يبعث إلى بلد منهما»، ثم اجمع الرقاع و ادفعهن إلى بعض أصحابك فليسترها عنك «4»، ثمّ ادخل يدك، فخذ رقعة من الثلاث، فأيّها وقعت في يدك، فتوكل على اللّه، و اعمل بما فيها إن شاء اللّه «5».
قال المؤلّف: عملت بهذه الاستخارة عند التردّد في سلوك طريقين مخوفين «6» و التوقف عن السفر، فخرجت رقعة بسلوك واحد من الطريقين، فسلكته، و لم أر إلّا خيرا.
 (و منها:) الاستخارة المشهورة التي مدار عمل الأصحاب عليها، و هي ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن غير واحد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد البصري، عن القاسم بن عبد الرحمن الهاشمي، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع، فاكتب في ثلاث منها «بسم اللّه الرحمن الرحيم، خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة، افعل» و في ثلاث منها «بسم اللّه الرحمن الرحيم، خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة، لا تفعل»،
__________________________________________________
 (1) هكذا في الأصل، و الظاهر: «و أنا المتعلم».
 (2) و في المصدر: اتوكل عليك فيه و هذا أنسب.
 (3) «ألف» بحبس.
 (4) «الف»: منك.
 (5) مكارم الأخلاق: ص 255.
 (6) «الف»: طريقتين مخوفتين.

137
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
ثم ضعها تحت مصلاك، ثم صل ركعتين، فإذا فرغت فاسجد سجدة، و قل فيها مائة مرة: «أستخير اللّه برحمته، خيرة في عافية» ثم استو جالسا، و قل: «اللّهمّ خرلي، و اختر لي في جميع أموري في يسر منك و عافية، ثم اضرب بيدك إلى الرّقاع فشوشها و اخرج واحدة، فإن خرج ثلاث متواليات «افعل»، فافعل الأمر الذي تريده، و إن خرج ثلاث متواليات «لا تفعل»، فلا تفعله، و إن خرجت واحدة «افعل»، و الأخرى «لا تفعل»، فاخرج من الرقاع إلى خمس، فانظر أكثرها فاعمل به، و دع السادسة، لا تحتاج إليها «1».
و ذكر هذه الرواية شيخ الطائفة في التهذيب أيضا لكن عن ثقة الاسلام، بالسند المذكور «2».
و أنكر ابن إدريس الاستخارة بالرقاع مطلقا، فقال في السرائر: أما الرقاع و البنادق و القرعة فمن أضعف أخبار الآحاد و شواذّ الأخبار، لأنّ من رواتها فطحيّة مطعونون، مثل زرعة و رفاعة، و غيرهما، فلا يلتفت إلى ما اختصّا بروايته، و لا يعرج عليه. و المحصّلون من أصحابنا ما اختاروا في كتب الفقه إلّا ما اخترناه من الاستخارة بالدعاء، و لا يذكرون البنادق و الرقاع و القرعة إلّا في كتب العبادات، دون كتب الفقه، و شيخنا أبو جعفر الطوسيّ لم يذكر في نهايته و مبسوطه و اقتصاده إلّا ما ذكرناه و اخترناه و لم يتعرّض للبنادق، و كذلك المفيد في رسالته إلى ولده لم يتعرّض للرقاع و البنادق، بل أورد روايات كثيرة، فيها صلوات و أدعية، و لم يتعرّض لشي‏ء من الرقاع «3» انته.
و تعقّبه العلّامة الحلّي في كتاب المختلف، فقال: هذا الكلام في غاية الرداءة، و أيّ فارق بين ذكره في كتب الفقه، و كتب العبادات؟ فإنّ كتب العبادات هي‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 3 ص 471.
 (2) تهذيب الاحكام: ج 3 ص 181.
 (3) السرائر: ص 69 مع اختلاف جدا يسير في العبارة.

138
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
المختصّة به. و مع ذلك فقد ذكره المفيد في المقنعة، و هي كتاب فقه و فتوى، و ذكره الشيخ في التهذيب، و هو أصول الفقه، و أيّ محصّل أعظم من هذين؟ و هل استفيد الفقه إلّا منهما؟
و أمّا نسبة الرواية إلى زرعة و رفاعة فخطأ، فإنّ المنقول فيه روايتان:
إحداهما: رواها هارون بن خارجة عن الصادق عليه السّلام. و الثانية: رواها محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمّد رفعه عنهم عليهم السّلام.
و ليس في طريق الروايتين زرعة و لا رفاعة. و أمّا نسبة زرعة و رفاعة إلى الفطحيّة فخطأ، أمّا زرعة فإنّه واقفي، و كان ثقة، و أمّا رفاعة، فإنّه ثقة صحيح المذهب. و هذا كلّه يدلّ على قلّة معرفته بالروايات و الرجال، و كيف يجوز ممّن حاله هذا أن يقدم على ردّ الروايات و الفتاوى، و يستبعد ما نصّ عليه الأئمة عليهم السّلام. و هلا استبعد القرعة، و هي مشروعة إجماعا في حقّ الأحكام الشرعيّة، و القضاء بين الناس، و شرعها دائم في حقّ جميع المكلفين. و أمر الاستخارة سهل يستخرج منه الإنسان معرفة ما فيه الخيرة في بعض أفعاله المباحة المشتبهة عليه منافعها و مضارّها الدنيويّة «1». انته كلامه.
و قال الشيخ الشهيد محمّد بن مكي في كتاب الذكرى ما نصّه: إنكار ابن إدريس الاستخارة بالرّقاع، لا مأخذ له، لاشتهارها بين الأصحاب، و عدم رادّ لها سواه، و من أخذ أخذه كالشيخ نجم الدين في المعتبر، حيث قال: هي في حيّز الشذوذ فلا عبرة بها. و كيف تكون شاذّة و قد دوّنها المحدّثون في كتبهم، و المصنّفون في مصنّفاتهم، و قد صنّف السيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة، و المآثر الباهرة رضي الدين أبو الحسن علي بن طاووس الحسني رحمة اللّه كتابا ضخما في الاستخارات و اعتمد فيه على رواية الرقاع، و ذكر من آثارها عجائب و غرائب أراه‏
__________________________________________________
 (1) مختلف الشيعة: ص 128.

139
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
اللّه تعالى إيّاها، و قال: إذا توالى الأمر في الرقاع فهو خير محض، و إن توالى النهي، فذلك النهي شرّ محض، و إن تفرّقت كان الخير و الشرّ موزّعا بحسب تفرّقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها «1». انته كلامه، رفع مقامه.
 (و منها:) الاستخارة بالسبحة، و كيفيّتها على وجوه:
الأوّل: ما ذكره صاحب كتاب السعادات مرويّا عن الصادق عليه السّلام:
تقرأ الحمد مرّة، و الإخلاص ثلاثا، و تصلّى على محمّد و آله خمس عشرة مرّة، ثم تقول: «اللّهمّ إنّي أسألك بحق الحسين و جدّه، و أبيه و أمه و أخيه و الأئمة من ذريّته، أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تجعل لي الخيرة في هذه السبحة، و أن تريني ما هو الأصلح لي في الدين و الدّنيا، اللّهمّ إن كان الأصلح لي في ديني و دنياي و عاجل أمري و آجله فعل ما أنا عازم عليه فأمرني، و إلّا فانهني، إنك على كلّ شي‏ء قدير». ثم تقبض قبضة من السبحة و تعدّها، و تقول: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه» إلى آخر القبضة، فإن كانت الأخيرة «سبحان اللّه» فهو مخير بين الفعل و الترك، و إن كان الحمد للّه فهو أمر، و إن كان لا إله إلّا اللّه فهو نهي «2».
الثاني: ما ذكره الشهيد قدّس سرّه في كتاب الذكرى قال: و لم تكن هذه مشهورة في العصور الماضية، قبل زمان السيد الكبير العابد رضيّ الدين محمّد بن محمّد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدّس الغرويّ رضي اللّه عنه، و قد رويناها عنه. و جميع مرويّاته، عن عدّة من مشايخنا، عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين ابن المطهّر، عن والده رضي اللّه عنهما، عن السيد رضيّ الدين، عن صاحب الأمر عليه الصلاة و السّلام: يقرأ الفاتحة عشرا، و أقله ثلاث، و دونه مرّة، ثمّ يقرأ القدر عشرا، ثمّ يقول هذا الدعاء ثلاثا: «اللّهمّ إنّي أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور،
__________________________________________________
 (1) ذكرى الشيعة: ص 252.
 (2) بحار الأنوار: ج 91 ص 250- 251، ح 5 نقلا من كتاب السعادات.

140
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

و أستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمور و المحذور، اللّهمّ إن كان الأمر الفلاني ممّا قد نيطت «1» بالبركات أعجازه «2» و بواديه «3» و حفّت بالكرامة أيامه و لياليه، فخر لي اللّهمّ فيه خيرة تردّ شموسه ذلولا و تقعض «4» أيامه سرورا، اللّهمّ إمّا أمر فأئتمر، و إمّا نهي فأنتهي، اللّهمّ إنّي استخيرك برحمتك خيرة في عافية». ثم يقبض على قطعة من السبحة، و يضمر حاجته، فإن كان عدد تلك القطعة زوجا، فهو «افعل»، و ان كان فردا «لا تفعل»، او بالعكس «5».
و ذكر ابن طاووس قدّس سرّه هذه الاستخارة في كتاب الاستخارات، فقال:
وجدته بخط أخي الصالح الرضي الآوي محمّد بن محمّد بن محمّد الحسيني «ضاعف اللّه سيادته، و شرّف خاتمته» ما هذه لفظه عن الصادق عليه السّلام: من أراد أن يستخير اللّه تعالى، فليقرأ الحمد عشر مرّات، و إنّا أنزلناه عشر مرّات، ثم يقول و ذكر الدعاء، إلّا أنّه قال عقيب قوله «و المحذور»: «اللّهمّ إن كان أمري هذا قد نيطت بالبركات اعجازه و بواديه»، و عقيب قوله: «أيّامه سرورا» «يا اللّه إمّا أمر فائتمر، و إمّا نهي فانتهي، اللّهمّ خرلي برحمتك خيرة في عافية» ثلاث مرّات، ثمّ يأخذ كفّا من الحصى أو سبّحة «6».
الثالث: ما رواه الشيخ المرحوم يوسف بن حسين ابن أبي «طاب ثراه»، عن الشيخ الشهيد محمّد بن مكي عطر اللّه مرقده، تقرأ «إنّا أنزلناه» عشر مرات، ثم تدعو بهذا الدعاء «اللّهمّ إنّي أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور، و أستشيرك لحسن ظنّي بك في‏
__________________________________________________
 (1) نيطت: أي تعلقت، و ناط الشي‏ء: تعلق.
 (2) اعجازه: أي آخره.
 (3) بوادية: أي أوّله.
 (4) قعضت العوذ عطفته، كما تعطف عروش الكرم و الهودج.
 (5) ذكرى الشيعة: ص 252.
 (6) بحار الأنوار: ج 91 ص 247 ح 1.

141
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
المأمول و المحذور، اللّهم إن كان الأمر الذي عزمت عليه ممّا نيطت البركة بأعجازه و بواديه، و حفّت بالكرامة أيامه و لياليه، فاسألك بمحمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي و محمّد و جعفر و موسى و علي و محمّد و علي و الحسن و الحجّة القائم عليه السّلام، أن تصلّي على محمّد و عليهم أجمعين، و ان تخير لي فيه خيرة ترد شموسه ذلولا، و تقعض «1» ايامه سرورا، اللهمّ إن كان أمرا فاجعله في قبضة الفرد، و إن كان نهيا فاجعله في قبضة الزوج» ثم تقبض على السبحة و تعمل على ما يخرج «2».
 (تتمّة) الأدعية المأثورة للاستخارة كثيرة جدّا.
فمنها، و هو من أدعية السرّ: يا محمّد من هم بأمرين فأحب أن اختار له ارضاهما إليّ فالزمه إيّاه، فليقل حين يريد ذلك: «اللّهمّ اختر لي بعلمك، و وفقني بعلمك لرضاك و محبّتك، اللّهمّ اختر لي بقدرتك، و جنّبني بعزتك مقتك و سخطك، اللّهمّ فاختر لي بما «3» أريد من هذين الأمرين- و يسمّيهما- أحبّهما إليك، و أرضاهما لك، و أقر بهما منك، اللّهمّ إنّي أسألك بالقدرة الّتي زويت بها علم الأشياء عن جميع خلقك، أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و اغلب بالي و هواي و سريرتي و علانيتي بأخذك، و اسفع بناصيتي إلى ما تراه لك رضا ولي صلاحا فيما أستخيرك، حتّى تلزمني من ذلك أمرا أرضى فيه بحكمك، و اتّكل فيه على قضائك، و اكتفي فيه بقدرتك، و لا تقلبني، و هواي لهواك مخالف، و لا ما أريد لما تريد مجانب، اغلب بقدرتك- التي تقضي بها ما أحببت على ما أحببت- بهواك هواي، و يسّرني لليسرى التي ترضى بها عن صاحبها، و لا تخذلني بعد تفويضي إليك أمري برحمتك التي‏
__________________________________________________
 (1) «الف»: تقعص.
 (2) بحار الأنوار: ج 91 ص 251 ح 6.
 (3) «الف» ما.

142
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
وسعت كلّ شي‏ء اللّهمّ أوقع خيرتك في قلبي، و افتح قلبي للزومها، يا كريم آمين» فإنّه إذا قال ذلك أخذت له منافعه في العاجل و الآجل «1».
 (و منها:) ما روي عن الرضا عليه السّلام، و هو من أدعية الوسائل إلى المسائل «اللّهمّ إنّ خيرتك فيما أستخيرك فيه، تنيل الرغائب و تجزل المواهب و تغنم المطالب، و تطيب المكاسب، و تهدى إلى أجمل المذاهب، و تسوق إلى أحمد العواقب، و تقي مخوف النوائب. اللّهمّ إنّي أستخيرك فيما عزم رأيي عليه، و قادني عقلي إليه، فسهّل- اللّهمّ- منه ما توعّر، و يسّر منه ما تعسّر، و اكفني فيه المهمّ و ادفع عنّي كلّ ملمّ، و اجعل- ربّ- عواقبه غنما، و مخوفه سلما، و بعده قربا، و جدبه خصبا، و أرسل- اللّهمّ- إجابتي، و أنجح طلبتي، و اقض حاجتي، و اقطع عوائقها، و امنع بوائقها، و أعطني- اللّهمّ- لواء الظفر بالخيرة فيما استخرتك، و وفور النّعم فيما دعوتك، و عوائد الإفضال فيما رجوتك، و اقرنه اللّهمّ- ربّ- بالنجاح، و حطه بالصّلاح، و أرني أسباب الخيرة واضحة، و أعلام غنمها لائحة، و اشدد خناق تعسّرها، و أنعش صريع تيسرها، و بيّن- اللّهمّ- ملتبسها، و اطلق محتبسها، و مكّن اسّها حتى تكون خيرة مقبلة بالغنم، مزيلة للغرم، و عاجلة النفع، باقية الصنع، إنّك ولي المزيد، مبتدئ بالجود» «2».
 (و منها:) ما رواه معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه السّلام، أنّه قال: ما استخار اللّه عبد سبعين مرّة بهذه الاستخارة إلّا رماه اللّه بالخيرة. يقول: «يا أبصر الناظرين، و يا اسمع السامعين، و يا أسرع الحاسبين، و يا أرحم الراحمين، و يا أحكم الحاكمين، صلّ على محمّد و أهل بيته، و خرلي في كذا و كذا» «3».
 (و منها:) ما روي عن أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه و هو: اللّهمّ إنّي‏
__________________________________________________
 (1) بحار الأنوار: ج 91 ص 268 مع اختلاف يسير في بعض الالفاظ.
 (2) بحار الأنوار: ج 91 ص 280- 281.
 (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 214 ح 3.

143
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
أستخيرك خيرة من فوّض إليك أمره، و أسلم إليك نفسه، و استسلم إليك في أمره، و خلالك وجهه، و توكّل عليك فيما نزل به، اللّهمّ خرلي، و لا تخر عليّ، و كن لي و لا تكن عليّ، و انصرني و لا تنصر عليّ، و أعني و لا تعن عليّ، و أمكني و لا تمكن منّي، و اهدني إلى الخير و لا تضلّني، و أرضني بقضائك، و بارك لي في قدرتك، إنّك تفعل ما تشاء و تحكم ما تريد، و أنت على كلّ شي‏ء قدير. اللّهمّ إن كان لي الخيرة في أمري هذا في ديني و دنياي و عاقبة أمري فسهّله لي، و إن كان غير ذلك فاصرفه عنّي، يا أرحم الراحمين، إنّك على كل شي‏ء قدير، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل «1».
 (و منها:) ما روي عن القائم عليه السّلام يدعى به للاستخارة و الحاجة و هو: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الذي عزمت به على السماوات و الأرض فقلت لهما «ائتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين» و باسمك الذي عزمت به على عصا موسى، فإذا هي تلقف ما يأفكون. و أسألك باسمك الذي صرفت به قلوب السحرة إليك، حتّى قالوا: آمنّا بربّ العالمين. و أسألك بالقدرة التي تبلي بها كلّ جديد، و تجدّد بها كلّ بال، و أسألك بكلّ حقّ هو لك، و بكلّ حقّ جعلته عليك، إن كان هذا الأمر خيرا لي، في ديني و دنياي و آخرتي، أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و تسلّم عليهم تسليما، و تهيّئه لي، و تسهّله عليّ، و تلطف لي فيه، برحمتك يا أرحم الراحمين، و إن كان شرّا لي في ديني و دنياي و آخرتي، أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و تسلّم عليهم تسليما، و أن تصرفه عنّي بما شئت، و كيف شئت، و ترضيني بقضائك، و تبارك لي في قدرك، حتى لا أحبّ تعجيل شي‏ء أخّرته، و لا تأخير شي‏ء عجلته، فإنّه لا حول و لا قوّة إلّا بك، يا عليّ يا عظيم، يا ذا الجلال و الاكرام» «2».
__________________________________________________
 (1) بحار الأنوار: ج 91 ص 284.
 (2) بحار الأنوار: ج 91 ص 276.

144
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

قال صلوات اللّه و سلامه عليه:
اللّهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، فصلّ على محمّد و آله و اقض لي بالخيرة، و ألهمنا معرفة الاختيار، و اجعل ذلك ذريعة إلى الرضا بما قضيت لنا، و التسليم لما حكمت.

و لنكتف منها بهذا المقدار، فإنّ فيه الكفاية إن شاء اللّه تعالى، و نشرع الآن في شرح الدعاء.
 [] أستخيرك أي أطلب منك أنّ تختار لي أصلح الأمرين أو الأمور.
و الباء من قوله: «بعلمك»، إمّا للسببيّة، أي بسبب علمك بخيري و شرّي، أو للملابسة، أي ملتبسا بعلمك بخيري و شرّي، أو للاستعانة، أي مستعينا بعلمك فإنّي لا أعلم فيم خيري، أو للقسم الاستعطافي، أي بحقّ علمك.
و اقض لي بالخيرة أي احكم لي بالخيرة، من القضاء بمعنى الحكم، أو أوجب لي الخيرة من قضى بمعنى أوجب.
قال الأزهريّ: القضاء لغة على وجوه، مرجعها إلى انقطاع الشي‏ء و تمامه، و كلّ ما احكم عليه «1» أو أتمّ او حتم أو ادّي: إذا وجب أو انفذ أو أمضى فقد قضي «2».
و الخيرة بسكون الياء و فتحها، يقال: هما لغتان بمعنى واحد. و قيل: الأولى اسم من الاختيار، كالفدية اسم من الافتداء. و الثانية اسم من تخيّرت الشي‏ء، كالطيرة أسم من تطيّر. و قيل: هي بفتح الياء بمعنى الخيار. و الخيار هو الاختيار.
 [ 978] و ألهمه اللّه الأمر: ألقاه في روعه و قلبه، و لقّنه إيّاه.
و الاختيار: فعل ما هو خير و أخذه.
و الذريعة: الوسيلة.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: علمه.
 (2) تهذيب اللغة: ج 9 ص 211 نقلا بالمعنى.

145
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

فأزح عنّا ريب الارتياب، و أيّدنا بيقين المخلصين، و لا تسمنا عجز المعرفة عمّا تخيّرت فنغمط قدرك، و نكره موضع رضاك، و نجنح إلى التي هي أبعد من حسن العاقبة، و أقرب إلى ضدّ العافية.
و الإشارة بذلك إلى الإلهام، أو إلى معرفة الاختيار. و المراد معرفة اختياره تعالى لما يختاره له، أي وجه الحكمة و المصلحة فيه، ليكون سببا للرضا بقضائه تعالى، و التسليم لحكمه. لأنّه إذا عرف خيريّة ما اختاره اللّه تعالى، تلقّاه بالقبول و الرضا، و أخلص التسليم لما حكم و قضى.
و غرضه عليه السّلام بذلك تأييد إيقانه، و ازدياد قلبه اطمئنانا إلى اطمئنانه، كما قال إبراهيم عليه السّلام «بلى و لكنْ ليطمئنّ قلبي» «1» و إلّا فالعلم بأنّه تعالى عدل حكيم، لا يفعل شيئا إلّا على ما تقتضيه الحكمة، و تستدعيه المصلحة كاف في الرضا و التسليم. على أنّ للرضا مبدأ و منته، فمبدأه سكون القلب إلى أحكام اللّه تعالى، و منتهاه فرح القلب و سروره بنزول الأحكام في الحلو و المرّ. فسؤاله عليه السّلام معرفة الاختيار لحصول المنته، و إن كان الأوّل حاصلا، و هو من باب سؤال حقّ اليقين بعد علم اليقين. و اللّه أعلم.
 [ 979] الفاء: عاطفة سببيّة.
و زاح الشي‏ء يزيح زيحا: بعد و ذهب، و أزاحه غيره.
و في الأساس: أزاح اللّه العلل، و أزحت علته فيما يحتاج إليه، و زاحت علّته و انزاحت، و هذا ممّا تنزاح به الشكوك عن القلوب «2».
و الريب: قلق النفس و اضطرابها.
و الارتياب: الشكّ، مصدر ارتاب في الأمر، إذا شكّ فيه. أي أذهب عنّا القلق و الاضطراب الذي يوجبه الشكّ، أو ما يقلق النفس، و يشخص بالقلب من‏
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 260.
 (2) أساس البلاغة: ص 280.

146
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
الشكّ و الارتياب، كقولهم: ريب المنون و ريب الزمان.
قال الزمخشري في الكشّاف: الريب مصدر رابني إذا حصل فيه «1» الريبة، و حقيقة الريبة قلق النفس و اضطرابها. و منه ما روى الحسن بن علي عليهما السّلام، قال: سمعت رسول اللّه، صلّى اللّه عليه و آله، يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنّ الشك ريبة، و الصدق طمأنينة» أي فانّ كون الأمر مشكوكا فيه ممّا تقلق له النفس، و لا تستقرّ، و كونه صحيحا صادقا ممّا تطمئنّ له و تسكن. و منه ريب الزمان، و هو ما يقلق النفوس، و يشخص بالقلوب من نوائبه «2». انته.
و يحتمل أن يكون المراد بالريب التهمة. فإنها من معانيه، كما نصّ عليه الفيروزآبادي في القاموس «3».
و على كلّ حال فالمراد بالارتياب و الشكّ خلاف اليقين بأن يتوهّم أو يظنّ أنّ أفعاله تعالى قد تجري على خلاف العدل، أو أنّ حكمته سبحانه قد يفوتها شي‏ء من المصالح، فيريبه ذلك و يقلقه و لا تطمئنّ نفسه إذا وقع الأمر على خلاف هواه، أو يحمله ذلك على تهمته- تعالى عن ذلك علوّا كبيرا- بأنّه فعل به غير الأصلح، أو اختار له شرّ الأمرين.
روى البرقي في محاسنه عمّن ذكره، عن بعض أصحابه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: من أكرم الخلق على اللّه؟ قال: أكثرهم ذكرا للّه، و أعملهم بطاعته. قلت: فمن أبغض الخلق إلى اللّه؟ قال: من يتّهم اللّه، قلت: و أحد يتّهم اللّه؟ قال: نعم، من استخار فجاءته الخيرة بما يكره فسخط، فذلك يتهم اللّه «4».
و من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام: التوحيد أن لا تتوهّمه، و العدل أن لا تتّهمه «5».
__________________________________________________
 (1) «الف»: منك.
 (2) تفسير الكشاف: ج 1 ص 34.
 (3) القاموس المحيط: ج 1 ص 77.
 (4) المحاسن للبرقي: ص 598.
 (5) نهج البلاغة: ص 558 الحكم 470.

147
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
و المراد بإزاحة ريب الارتياب إزاحة الارتياب مطلقا، من باب نفي الشي‏ء بنفي لازمه، كقوله:
من أناس ليس في أخلاقهم، عاجل الفحش و لا سوء الجزع. أي لا فحش و لا جزع أصلا.
فإن قلت: قد قررت أنّ سؤاله عليه السّلام إلهام معرفة الاختيار و جعله ذريعة إلى الرضا و التسليم لتأييد الإيقان، و ازدياد الاطمئنان، و قضيّته عدم حصول الشكّ و الارتياب رأسا، فكيف يكون قوله: «فأزح عنّا ريب الارتياب» متسبّبا عن ذلك السؤال، و إزاحة الشي‏ء و إذهابه إنّما يكون بعد حصوله و تحقّقه.
قلت: ليس المراد بالإزاحة و الإذهاب هنا، إزالة ريب الارتياب بعد كونه و حصوله، و إن كان ذلك معناه في أصل الوضع. بل هو من قبيل قوله تعالى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» «1» و معناه حسم أسباب الرجس، و عدم الإعداد له رأسا لا إزالته بعد حصوله. و لذلك قال الزمخشري: بيّن تعالى بهذه الآية أنّه إنّما يريد أن لا يقارف أهل البيت رسول اللّه، المآثم، و أن يتصوّنوا عنها بالتقوى «2».
و في الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: الرّجس في هذه الآية هو الشكّ «3».
و في رواية: عنه عليه السّلام: و اللّه لا نشكّ في ربّنا أبدا «4».
و التعبير عن حسم الأسباب و عدم الإعداد بالإزاحة و الإذهاب، من باب سبحان من صغّر البعوض و كبّر الفيل، أي أنشأهما كذلك، و قولك للحفّار: ضيّق فمّ الركيّة و وسّع أسفلها، أي احفرها كذلك.
__________________________________________________
 (1) سورة الأحزاب: الآية 33.
 (2) تفسير الكشّاف: ج 3 ص 538.
 (3) تفسير البرهان: ج 3 ص 310 ح 5.
 (4) تفسير البرهان: ج 3 ص 309 ح 2.

148
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
قال الزمخشري: و ليس ثمّ نقل من كبر إلى صغر، و لا من صغر إلى كبر، و لا من ضيق إلى سعة، و لا من سعة إلى ضيق، و إنّما أردت الإنشاء على تلك الصفات.
و السبب في صحّته أنّ الصغر و الكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما على الآخر. و كذلك الضيق و السعة، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين، و هو متمكّن منهما على السواء، فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر، فجعل صرفه منه كنقله منه «1». انته.
و استعمال هذا المجاز وقع في القرآن المجيد في غير موضع:
منه قوله تعالى: «وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ» «2» الآية.
قال العلّامة العمادي: محوها جعلها محوة الضوء، مطموسة. لكن لا بعد أن لم تكن كذلك، بل إبداعها كذلك، كما في قولهم: سبحان من صغّر البعوض و كبّر الفيل «3».
و منه قوله تعالى: «رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ» «4».
قال الزمخشري: أراد بالإماتتين: خلقهم أمواتا أوّلا، و إماتتهم عند انقضاء آجالهم. و صحّ تسمية خلقهم أمواتا إماتة، كما صحّ أن تقول: سبحان من صغّر البعوضة و كبّر جسم الفيل «5». انته. و اللّه أعلم.
قوله عليه السّلام: «و أيدنا بيقين المخلصين».
التأييد من اللّه سبحانه: تقوية أمر الإنسان من داخل بالبصيرة، و من خارج بقوّة البطش. و الأوّل قال تعالى: «إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ» «6».
و اليقين: العلم مع زوال الشكّ و عدم طريانه.
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشاف: ج 4 ص 154.
 (2) سورة الأسراء: الآية 12.
 (3) تفسير أبي السعود: ج 5 ص 159.
 (4) سورة غافر: الآية 11.
 (5) تفسير الكشاف: ج 4 ص 154.
 (6) سورة المائدة: الآية 109.

149
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
و المخلصين على صيغة الفاعل: هم الذين أخلصوا الدين و العبادة اللّه، فلم يشركوا به، و لم يعصوه.
و قيل: هم الذين يخفون حسناتهم كما يخفون سيّئاتهم.
و لمّا كان لليقين مراتب مرتّبة في الفضل، أوّلها علم اليقين، و ثانيها حقّ اليقين، و ثالثها عين اليقين، و كان الأوّل حاصلا بالبرهان، و الثاني و الثالث حاصلين بالكشف و المجاهدات و الرياضات النفسانيّة، و الهدايات الخاصّة بالأولياء المخلصين، سأل عليه السّلام التأييد بيقينهم.
 [ 980] قوله عليه السّلام: «و لا تسمنا عجز المعرفة عمّا تخيّرت». سمت فلانا الأمر سوما: كلّفته إيّاه.
و في كتاب العين: السوم: أن تجشّم إنسانا مشقّة أو خطة شرّ «1».
و قال الراغب: السوم: الذهاب في ابتغاء الشي‏ء، فهو لفظ لمعنى مركّب من الذهاب و الابتغاء، فأجري مجرى الذهاب في قولهم: سامت الإبل، فهي سائمة، و مجرى الابتغاء، في قولهم: سمت كذا، قال تعالى: «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ»*.
و قيل: سيم فلان الخسف، و منه: السوم في البيع «2». انته.
و سؤال عدم السوم و التكليف بعجز المعرفة من قبيل «اللّهمّ لا تسلّط علينا من لا يرحمنا» أي لا تخلّ بيننا و بين من لا يرحمنا، فيسلّط علينا، فكأنّه قال: لا تخل بيننا و بين أنفسنا بمنعك التوفيق و اللطف عنا، فتعجز معرفتنا عمّا تخيّرت. و هذا فزع منه عليه السّلام إلى ألطاف اللّه تعالى جريا على سنن الأنبياء و الأوصياء و الصالحين في قصد نيل الخيرات، و النجاة من الشرور على جناب اللّه عزّ و جلّ، و سلب القوى و القدر عن أنفسهم، و مبالغة في استدعاء لطفه تعالى في صرف الجهل‏
__________________________________________________
 (1) كتاب العين: ج 7 ص 320. و فيه: «و خطة من الشر».
 (2) المفردات: ص 250.

150
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
بما يختاره له بإظهار أن لا قدرة له بمعرفته و العلم به ما لم يعرفه.
و في رواية «و لا تسمّنا» بكسر السين، من وسمه يسمه وسما، من باب وعد، و الاسم السمة، و هي العلّامة و الأثر.
و قال الجوهري: و سمه وسما وسمة إذا أثّر فيه بسمة و كيّ «1».
قال الزمخشري في الأساس: و من المجاز وسمه بالهجاء و هو موسوم بالخير و الشر «2». انته.
و الأصل: و لا تسمنا بعجز المعرفة، فحذف الجار و أوصل الفعل، كما قالوا:
أمرتك الخير، و الأصل أمرتك بالخير و مثله كثير في كلامهم.
قوله عليه السّلام: «فنغمط قدرك، و نكره موضع رضاك». «الفاء»: عاطفة سببيّة.
و غمطه يغمطه غمطا، من باب- ضرب و قتل و سمع- ازدراه و احتقره، و النعمة كفرها فلم يشكرها.
القدر- بالسكون-: إمّا بمعنى القدر- بالتحريك- أي التقدير، و منه ليلة القدر.
قال في الكشّاف: معنى ليلة القدر: ليلة تقدير الأمور و قضائها من قوله: «فيها يفرق كلّ أمر حكيم» «3» انته.
و إمّا بمعنى الخطر و عظم الشأن، و منه: «و ما قدروا اللّه حقّ قدره» «4»، أي ما عظّموه حقّ عظمته، و قيل «في ليلة القدر» سمّيت بذلك لخطرها و شرفها على سائر الليالي.
و المعنى على الأوّل: فنحتقر تقديرك المشتمل على المصلحة، أو نكفره و لا نشكره.
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 5 ص 2051.
 (2) أساس البلاغة: ص 675.
 (3) تفسير الكشاف: ج 4 ص 780.
 (4) سورة الأنعام: الآية 91.

151
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
و على الثاني: فنحتقر عظم شأنك بالكراهة لما تخيّرت.
 [ 981] و موضع رضاه تعالى: كناية عمّا اختاره و قدّره و قضاه سبحانه لتعلّق مشيئته و رضاه به، فكأنّه موضع و محلّ لرضاه سبحانه. و هذا يسمّيه أرباب البديع الإرداف، و هو أن يريد المتكلّم معنى فلا يعبّر عنه بلفظه «1» الموضوع له، بل بلفظ هو ردفه و تابعه كقول الشاعر:
كأنّ ظباه المشرفيّة من كرى             فما تبتغي إلّا مقرّ المحاجر
 أراد بمقر المحاجر الرءوس. و المحاجر: جمع محجر، كمسجد، و هو ما حول العين.
قوله عليه السّلام: «و نجنح إلى التي هي أبعد من حسن العاقبة» إلى آخره.
جنح إلى الشي‏ء يجنح- بفتحتين- و جنح جنوحا، من باب- قعد- لغة: مال إليه، من قولهم: جنحت السفينة، أي مالت إلى أحد جانبيها.
أي يميل إلى الحالة التي هي أبعد الحالات من حسن العاقبة، أو إلى الخصلة أو الطريقة. و في حذف الموصوف و إبهامه فخامة يعرفها أهل البلاغة لعموم الاعتبار، و ذهاب الوهم كلّ مذهب.
قال الزمخشري: أيّما قدرت من الموصوفات في هذا المقام لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة التي تجده مع الحذف لما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه «2». انته.
قال صاحب الكشف: و ذلك لما في الإبهام من الدلالة على أنّه جرى الوادي فطم على الركى «3». انته.
و حسن العاقبة: أي حسن الخاتمة، و عاقبة كلّ شي‏ء و عقباه، خاتمته.
و ضدّ الشي‏ء: ما لا يجتمع معه، كالسواد الذي هو ضدّ البياض.
__________________________________________________
 (1) «الف»: بلفظ.
 (2) يحتمل في الناس لا يوجد فيه.
 (3) لم نتحقّقه.

152
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

حبّب إلينا ما نكره من قضائك، و سهّل علينا ما نستصعب من حكمك، و ألهمنا الانقياد لما أوردت علينا من مشيّتك، حتّى لا نحبّ تأخير ما عجّلت، و لا تعجيل ما أخرت، و لا نكره ما أحببت، و لا نتخيّر ما كرهت.
و ما أبلغ قوله عليه السّلام: «و أقرب إلى ضدّ العافية» فإنّ العافية متناولة لدفع جميع المكروهات في الظاهر و الباطن، و الدين و الدنيا و الآخرة، فيكون ضدّها متناولا لجلب جميع المكروهات، فيما ذكر و في هاتين الفقرتين من البديع الطباق، بين «أبعد، و أقرب»، و جناس التصحيف في «العاقبة و العافية». و اللّه أعلم.
فصل عليه السّلام الجملة الأولى عمّا قبلها: لكمال الاتّصال، لكونها و ما بعدها كالبدل من الكلام السابق، إذ كانت أوفى بتأدية المراد، الذي هو سؤال عدم الكراهة لما اختاره سبحانه، و ما يترتّب عليها من استصعاب حكمه و عدم التسليم لمشيئته تعالى، فإنّ هذا المعنى تضمّنه الكلام السابق، لكن لا يدلّ عليه دلالة هذه الجمل، فإنّ دلالتها عليه بالمطابقة، و ذلك بالالتزام، فكانت أوفى بتأدية المراد منه.
 [ 982] و حبّبت إليه الشي‏ء: جعلته محبوبا لديه. و تحبيبه تعالى للطاعات و نحوها إلى عباده يكون بإضافة «1» وجوه الألطاف و التوفيق. فلا دلالة في ذلك على مسألة خلق الأعمال، كما تزعمه الأشاعرة.
و استصعبت الأمر: وجدته صعبا.
و تسهيله ما يستصعب من حكمه يكون بعنايته المهيئة للذهن و النفس قبول ذلك بسهولة.
 [ 983] و إلهامه الانقياد لمشيّته: «2» يكون بتأييد خاصّ باطني، يقوّي به عقله على قهر نفسه الأمّارة بالسوء، فتنقاد و تذعن لذلك، و مرجع ذلك كلّه إلى الألطاف الداعية إليه.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: بافاضته.
 (2) «الف»: لمشيئته.

153
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
و المراد بالكراهة و الاستصعاب المذكورين: كراهة الطباع و استصعابها لا على وجه السخط، فقد يكون الشي‏ء مكروها صعبا عند الإنسان في طبعه، و من حيث تنفر نفسه عنه، و يشقّ عليها، و إن كان يريده. لأنّ اللّه تعالى أمر به، كالصوم في الصيف، و الإحرام في الشتاء. فسؤاله عليه السّلام تحبيب ذلك، و تسهيله: جعله ملائما للطبع، مقبولا عند النفس، غير شاقّ عليها، لتزول الكراهة و الاستصعاب، بمقتضى الطبع.
و «حتى» مرادفة ل «كي» التعليليّة، أي «كي لا نحبّ تأخير ما عجّلت» إلى آخره، و ذلك أنّ علمه تعالى فعليّ، يعلم الأسباب و ما يترتّب عليها. و الحوادث و ما نشأت هي منها، فهو محيط بالمبادئ و الغايات، و لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض و السماوات، فما يعجّله و ما يؤخّره، و ما يحبّه و ما يكرهه لا يكون إلّا عن مصلحة و حكمة، فهو لا يختار للعبد إلّا ما فيه خيره و صلاحه.
و أمّا علم البشر فهو انفعاليّ، فربّما عكس التصورات فظنّ المبادئ غايات، و بالعكس، و المصالح مفاسد، و بالضد. فيجب على العبد أن يتصوّر قصور نفسه، و كمال علم ربّه تعالى، فيتحقّق و يتيقّن انّ كلّ ما اختاره له هو عين مصلحته، فيلزم نفسه قبوله، و التسليم له، و إن كرهه طبعه، و نفرت عنه نفسه، فزع إليه- سبحانه- بالدعاء في جعل إرادته موافقة لإرادته سبحانه، كما فعل سيّد العابدين عليه السّلام، ليخلص من المخالفة طبعا و اعتقادا، و قد بيّن سبحانه و تعالى هذا المعنى أوضح بيان بقوله: وَ عَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «1».
و المحبّة من العبد: ميل نفسه إلى ما تتصوّر كونه موافقا و ملائما لها.
و من اللّه تعالى: إرادة هي مبدأ فعل ما، و تعود إلى علمه باشتمال الفعل على‏
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 216.

154
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

و اختم لنا بالتي هي أحمد عاقبة، و أكرم مصيرا، إنّك تفيد الكريمة، و تعطي الجسيمة، و تفعل ما تريد، و أنت على كلّ شي‏ء قدير.
المصلحة الداعية إلى إيجاده.
و الكراهيّة في العبد: ميل نفسه عمّا تتصوّر كونه مضرّا و مؤلما لها.
و من اللّه تعالى: خلاف الإرادة، و تعود إلى علمه، باشتمال الفعل على المفسدة الصارفة عن إيجاده.
قال بعضهم: و لمّا كانت حقيقة المحبّة و الكراهة، إنّما هو ميل النفس الإنسانيّة و نفورها، كان إطلاقهما في حقّه تعالى على علمه المخصوص مجازا، من باب إطلاق اسم اللازم على الملزوم. و اللّه أعلم.
 [ 984] ختم القرآن، و كلّ عمل يختمه ختما، من باب- ضرب- إذا أتمّه و فرغ منه، أي اختم لنا أمرنا بالحالة الّتي هي أحمد الحالات عافية.
و حذف المفعول لتعيّنه، و لأنّ الغرض سؤاله المختوم به.
و أحمد هنا أفعل تفضيل من حمد، مبنيّا للمفعول على غير القياس، أي أكثر محموديّة.
و بيان ذلك: إنّ شرط نصب التمييز الواقع بعد اسم التفضيل أن يكون سببيّا، و ذلك بأن يجعل مكان اسم التفضيل فعل من لفظه و معناه، و يرفع التمييز به مع صحّة المعنى فنقول في «زيد أكثر مالا»، زيد كثر مالا بالبناء للفاعل، و في «زيد أحمد عاقبة»، زيد حمدت عاقبته بالبناء للمفعول، فلو جعلت الفعل هنا مبنيّا للفاعل لم يصحّ المعنى، لأنّ العاقبة إنّما تكون محمودة لا حامدة. و أمّا أكرم مصيرا فهو للفاعل على القياس من كرم الشي‏ء إذا انتفت عنه النقائص، و اتّصف بالمحامد.
و المصير: المرجع و المآل. مصدر ميمي من صار الأمر إلى كذا، أي رجع و آل إليه.
و أفدته مالا: أعطيته.

155
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الثلاثين ص 126

..........
و الكريمة: النفيسة الجيّدة من كلّ شي‏ء، و منه حديث الزكاة «و اتّق كرائم أموالهم» «1» أي نفائسها، من كرم الشي‏ء كرما، أي نفس و عزّ. و كلّ شي‏ء يعز و يشرف في بابه يوصف بالكرم.
و الجسيمة: العظيمة. من جسم الشي‏ء جسامة، أي عظم، فهو جسيم، و هي جسيمة.
و الجمل تعليل للدعاء و مزيد لاستدعاء الإجابة. فإنّ من يفيد الكريمة، و يعطي الجسيمة، و يفعل ما يريد، و هو على كلّ شي‏ء قدير، أولى و أجدر بإيصال كلّ المنافع، و أقرب من دعاه الداعون، و رجاه الراجون، و أمّل ما لديه الراغبون و اللّه سبحانه و تعالى أعلم. [] هذا آخر الروضة الثالثة و الثلاثين من رياض السالكين، وفق اللّه لإتمامها لثلاث بقين من شعبان، سنة أربع و مائة و ألف.
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 4 ص 167.

156
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الرابعة و الثلاثون ص 157

الروضة الرابعة و الثلاثون‏

157
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام إذا ابتلى أو رأى مبتلى بفضيحة بذنب ص 158

..........
و كان من دعائه عليه السّلام إذا ابتلى أو رأى مبتلى بفضيحة بذنب‏
اللّهمّ لك الحمد على سترك بعد علمك و معافاتك بعد خبرك فكلّنا قد اقترب العائبة فلم تشهره و ارتكب الفاحشة فلم تفضحه و تستّر بالمساوى فلم تدلل عليه كم نهى لك قد اتيناه و امر قد وقفتنا عليه فتعدّيناه و سيّئة اكتسبناها و خطيئة ارتكبناها كنت المطّلع عليها دون النّاظرين و القادر على اعلانها فوق القادرين كانت عافيتك لنا حجابا دون أبصارهم و ردما دون اسماعهم فاجعل ما سترت من العورة و اخفيت من الدّخيلة واعظا لنا و زاجرا عن سوء الخلق و اقتراف الخطيئة و سعيا إلى التّوبة الماحية و الطّريق المحمودة و قرّب الوقت فيه و لا تسمنا الغفلة عنك إنّا إليك راغبون و من الذّنوب تائبون و صلّ على خيرتك اللّهمّ من خلقك محمّد و عترته الصّفوة من بربّتك الطّاهرين و اجعلنا لهم سامعين و مطيعين كما أمرت‏

158
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 159

[مقدمة الشارح‏]
 [] (الروضة الرابعة و الثلاثون) بسم اللّه الرحمن الرحيم و إيّاه نستعين الحمد للَّه ساتر الفضائح و القبائح، و غافر الجرائر و الجرائح، و الصلاة و السّلام على نبيّه المنعوت بأشرف المدائح، و أهل بيته المخصوصين بأكرم المنائح.
و بعد: فهذه الروضة الرابعة و الثلاثون من رياض السالكين، في شرح صحيفة سيّد العابدين صلوات اللّه عليه و على آبائه و أبنائه الطاهرين، إملاء راجي فضل ربّه السنيّ علي الصدر الحسينيّ الحسنيّ، أحسن اللّه إليه، و أسبل ستر غفرانه عليه.

159
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين‏
و كان من دعائه عليه السّلام إذا ابتلي أو رأى مبتلى بفضيحة بذنب.
قال الراغب: بلى الثوب بلى و بلاء، أي: خلق. و بلوته: اختبرته كأنّي أخلقته من كثرة اختباري له «1».
و ابتلاء اللّه لعباده تارة بالمسارّ ليشكروا، و تارة بالمضارّ ليصبروا، فصارت المنحة و المحنة جميعا بلاء.
فالمحنة مقتضية للصبر، و المنحة مقتضية للشكر، قال تعالى: «وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً» «2».
و إذا قيل: ابتلى فلان بكذا تضمّن أمرين:
أحدهما: تعرّف حاله و الوقوف على ما يجهل من أمره.
و الثاني: ظهور جودته و رداءته.
و ربما قصد به الأمران، و ربما قصد به أحدهما. فإذا قيل: بلاه اللّه بكذا و ابتلاه، فليس المراد إلّا ظهور جودته و رداءته، دون التعرّف لحاله و الوقوف على ما يجهل منه، إذ كان اللّه تعالى علام الغيوب. و على هذا قوله تعالى «وَ إِذِ ابْتَلى‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 61.
 (2) سورة الأنبياء: الآية 35.

160
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

قال صلوات اللّه و سلامه عليه.
اللّهمّ لك الحمد على سترك بعد علمك، و معافاتك بعد خبرك، فكلّنا قد اقترف العائبة فلم تشهره، و ارتكب الفاحشة فلم تفضحه، و تستّر بالمساوي‏ء فلم تدلل عليه.

 «إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» «1».
و الفضيحة: اسم من فضحه فضحا، من باب منع، إذا كشف مساوية، و بيّنها للنّاس.
و الباء من قوله: «بذنب» للاستعانة أو للسببيّة، متعلّق بفضيحة، فعلى الأوّل يكون الذنب بمنزلة الآلة للفضيحة، لأنّ باء الاستعانة هي الداخلة على آلة الفعل نحو كتبت بالقلم، و على الثاني يكون سببا للفضيحة.
 [ 985] افتتح الدعاء بالنداء بوصف الالوهيّة الجامعة لجميع الكمالات، إظهارا لغاية التضرّع، و مبالغة في ابتداء الإجابة.
و تعريف «الحمد» للتعميم. و تقديم الخبر للتخصيص، أي لك الحمد كلّه، لا لأحد غيرك.
و سترت الشي‏ء سترا- من باب قتل-: غطيته. و الستر بالكسر: ما يستتر به، و جمعه ستور.
و لم يتعرّض للمستور، لأنّ غرضه الحمد على حصول أصل الستر منه تعالى، من غير اعتبار تعلّقه بمستور عامّ أو خاصّ.
و لمّا كان المعنى لك الحمد على حصول الستر منك، و كانت اللام فيه للحقيقة، كان قوله عليه السّلام: «على سترك» مفيدا لعموم أفراد الستر، دفعا للتحكّم اللازم من حمله على فرد دون آخر، على ما حقّقه السعدّ التفتازاني في شرح التلخيص «2».
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 124.
 (2) شرح المختصر للتفتازاني: ص 7.

161
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
و قال الشريف العلّامة: الأظهر أن يقال: المفيد لعموم الأفراد هو المقام، أو الفعل بمعونة المقام «1».
و «بعد» ظرف زمان متراخ عن زمان سابق، فإذا قلت: جاء زيد بعد عمرو، كان معناه انّ زمان مجيئه كان متراخيا عن زمان مجيئه عمرو. لكن ليس المراد بها هنا مجرّد هذا المعنى، لأنّ الستر من كلّ أحد لا يتحقّق معناه إلّا بعد العلم بالمستور و الاطلاع عليه، و لهذا لا يقال للجاهل بالشي‏ء: ستره، بل الغرض استعظام ستره تعالى، إذ كان هو الخصم و المنتقم الذي يقتضي علمه المؤاخذة و الانتقام. فستره بعد علمه ليس إلّا لمزيد الكرم، و نهاية الإحسان. و قس على ذلك.
قوله عليه السّلام: «و معافاتك بعد خبرك» و المعافاة: مصدر، عافاه اللّه، أي أعفاه إذا وهب له العافية.
قال في الأساس: العافية دفاع اللّه عن العبد، عافاه اللّه من المكروه معافاة، و عافية: و هب له العافية من العلل و البلايا كأعفاه «2».
و قال الرضي في شرح الشافية، في باب ما جاء من فاعل بمعنى فعل: عافاك اللّه. أي جعلك ذا عافية «3» انته.
فما وقع في بعض التراجم من أنّ معنى المعافاة هنا أن يعافيك اللّه من النّاس، و يعافيهم منك، بمعزل عن المقام.
و الخبر- بالضم-: العلم، لكن إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة فهو أخصّ من مطلق العلم.
و قال الراغب: العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخبر «4». و قيل: المعرفة ببواطن‏
__________________________________________________
 (1) لا يوجد لدينا كتابه.
 (2) لم نعثر عليه في أساس البلاغة للزمخشري بل وجدناه في القاموس المحيط: ج 4 ص 364.
 (3) شرح الشافية: ج 1 ص 99.
 (4) المفردات: ص 141.

162
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
الأمور، و قوله تعالى: «وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»* «1» أي عالم بأخبار أعمالكم.
و قيل: «2» عالم ببواطن أموركم.
قوله عليه السّلام: «فكلّنا قد اقترف العائبة فلم تشهره».
الفاء: للترتيب الذكري، و هو عطف مفصّل على مجمل.
و اقتراف الإثم: اكتسابه و فعله.
قال الراغب: أصل القرف و الاقتراف قشر اللحاء عن الشجرة و الجلدة عن الجرح «3».
و استعير الاقتراف للاكتساب حسنا كان أو سوءا، و في الإساءة أكثر استعمالا، و لهذا يقال: الاعتراف يزيل الاقتراف.
و العائبة: العيب، مصدر جاء على فاعله، كالعافية و العاقبة.
و الشهرة- بالضم-: ظهور الشي‏ء في شنعة «4»، شهره: كمنعه.
 [ 986] و ارتكب الذنب: اجترحه.
و الفاحشة: ما عظم قبحه من الأفعال و الأقوال، كالفحش و الفحشاء.
و فضحه يفضحه، من باب- منع-: أظهر معائبه و بيّنها للناس.
و تستّر استتر: أي تغطّى و اختفى.
و الباء: للملابسة، أي ملتبسا بالمساوي، كقوله تعالى: «وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ» «5».
و من العجب ما وقع في بعض التراجم من حملها على الاستعانة تارة، و جعل المساوي هي المستتر «6» بها، فقال: معناه جعل المساوي لباسا له، و ستر بها نفسه،
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 153.
 (2) «الف»: أي عالم.
 (3) المفردات: ص 401.
 (4) «الف»: و شهره.
 (5) سورة المائدة: الآية 61.
 (6) «الف»: المستتر بها.

163
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

كم نهي لك قد أتيناه، و أمر قد وقفتنا عليه فتعدّيناه، و سيّئة اكتسبناها، و خطيئة ارتكبناها، كنت المطّلع عليها دون النّاظرين، و القادر على إعلانها فوق القادرين، كانت عافيتك لنا حجابا دون أبصارهم، و ردما دون أسماعهم.
فصار مغمورا بالذنوب. و على الزيادة أخرى، فقال: معناه أنّه أخفى الذنوب، و لم يرد أن يطلع عليها أحد، و كلّ ذلك خبط ظاهر.
و المساوي: النقائص و المعائب.
قال أبو الفضل الميداني في مجمع الأمثال: قال اللحياني: لا واحد للمساوي.
و مثلها المحاسن و المقاليد «1»، و كذا في فقه اللغة للثعالبيّ «2».
و دللت على الشي‏ء و إليه، من باب- قتل- دلالة: أو صلت إلى معرفته، و كشفت أمره.
و فكّ الإدغام في المضاعف المجزوم لغة الحجاز، و الإدغام لغة أهل نجد، و كلّ فصيح، غير أنّ الأولى هي التي جاء بها التنزيل، قال تعالى: «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ» «3».
 [ 987] «كم» في محلّ رفع على الابتداء، و هي هنا خبريّة بمعنى كثير، و المراد بها التكثير. و «نهي» مميّز لها مجرور بإضافتها إليه.
و ذهب الفراء: إلى أنّ جرّه ب «من» مقدّرة، و عمل الجار المقدر، و إن كان في غير هذا الموضع نادرا، إلّا أنّه لما كثر دخول من على مميّزكم الخبريّة نحو: «و كم من‏
__________________________________________________
 (1) مجمع الأمثال للميداني: ج 1 ص 238 رقم 1259.
 (2) فقه اللغة: ص 332 و 333.
 (3) سورة النور: الآية 35.

164
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
قرية» و «كم من آية» ساغ عمله مقدّرا، لأنّ الشي‏ء إذا عرف في موضع جاز تركه، لقوّة الدلالة عليه «1».
و هذا القول نقله ابن مالك في شرح الكافية عن الخليل «2».
و في نسخة «كم نهيا لك» بالنصب، و هي إمّا على لغة من ينصب مميّز «كم» الخبريّة.
قال ابن هاشم في المغني: و زعم قوم انّ لغة تميم الجواز نصب تمييز «كم» الخبريّة إذا كان مفردا «3».
و قال الرضيّ: و بعض العرب ينصب مميّز «كم» الخبريّة مفردا كان أو جمعا بلا فصل، اعتمادا في التمييز بينها و بين الاستفهاميّة على قرينة الحال «4».
و إمّا على أنّ كم استفهامية لأنّ مميّزها لا يكون إلّا منصوبا. لكن ليس المراد بها حقيقة الاستفهام، بل معنى التكثير أيضا، فهي في تقدير الخبريّة، كأنّه أظهر الذهول عن كميّة العدد لكثرته، فهو يسأل عنه، أي ذلك كثير لا أعرف عدده، فأخبرني عن عدده.
و هذا المعنى أبلغ من معنى الخبريّة في توبيخ النفس بارتكاب العصيان، و الاعتراف للّه سبحانه بكثرة المعاصي، لما فيه من التهويل.
و محلّ «كم» على كل تقدير الرفع على الابتداء، و خبرها قوله: «قد أتيناه، فهي على كونها خبريّة بمنزلة قولك: كثير من النهي قد أتيناه، و على كونها استفهاميّة بمنزلة أ عشرون نهيا قد أتيناه.
و لك جعل «كم» في محلّ النصب على المفعوليّة، و الناصب مضمر على شريطة التفسير، و يقدّر بعد «كم»، لئلا تقع غير صدر الكلام، أي كم نهي لك او كم‏
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 96- 97.
 (2) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 96.
 (3) المغني: ص 245.
 (4) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 97.

165
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
نهيا لك قد أتينا قد اتيناه.
و الأوّل أولى، لسلامته عن الحذف و التقدير.
و في قوله: «لك» تعظيم للنهي و إتيانه ببيان اختصاصه به تعالى.
و النهي: قيل: قول يستدعي به ترك الفعل ممّن هو دونه. و قيل: هو طلب امتناع الفعل. و قيل: طلب الكف عن فعل.
و قال الراغب: النهي: الزجر عن الشي‏ء، و هو من حيث المعنى لا فرق بين أن يكون بالقول أو بغيره. و ما كان بالقول لا فرق بين أن يكون بلفظة افعل نحو:
اجتنب هذا، أو بلفظة نحو: لا تفعل، و من حيث اللفظ هو قولهم: لا تفعل كذا، فإذا قيل: لا تفعل كذا فهو نهي من حيث اللفظ و المعنى جميعا نحو «وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ»* و قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى‏، وَ يَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ» أي يحثّ على فعل الخير و يزجر عن الشرّ، و ذلك بعضه بالعقل الذي ركّبه فينا، و بعضه بالشرع الذي شرّعه لنا «1». انته.
و أتيناه: أي: تعاطيناه و استعمال الإتيان هنا كاستعمال المجي‏ء في قوله تعالى: «لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» «2».
و إيثار صيغة المتكلّم مع الغير هنا، و في سائر الأفعال الآتية، للإشعار باشتراك سائر الموحّدين، له في ذلك.
و الأمر: قيل: طلب وجود الفعل على جهة الاستعلاء. و قيل: استدعاء الفعل بالقول ممّن هو دونه و قيل: طلب فعل غير كفّ.
و قال الراغب: هو التقدّم بالشي‏ء، سواء كان ذلك بقولهم: افعل و ليفعل، أو كان ذلك بلفظ خبر نحو: «وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ»، أو كان بإشارة، أو غير ذلك، أ لا ترى أنّه قد سمّى ما رأى إبراهيم عليه السّلام في المقام من ذبح ابنه أمرا،
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 507.
 (2) سورة مريم: الآية 27.

166
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
حيث قال «يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ» «1».
و وقفتنا عليه، أي: أمرتنا بالوقوف عنده، لا نتعدّاه، و لا نتجاوزه كما يدلّ عليه قوله عليه السّلام: «فتعدّيناه». و يجوز أن يكون بمعنى اطلعتنا عليه و بيّنته لنا، من وقفته على «2» عيبه إذا اطلعته عليه.
و في نسخة «أوقفتنا» بالألف، و هي لغة في وقفتنا. و أنكرها بعضهم، و الصحيح ثبوتها، كما نصّ عليه صاحب القاموس «3».
و تعدّيناه: أي تجاوزناه إلى غيره.
و السيّئة: الفعلة القبيحة، و هي ضدّ الحسنة.
و اكتسابها: تحمّلها.
و الخطيئة: الذنب. و قيل: الكبيرة. و قيل: الفرق بين السيئة و الخطيئة أنّ الأولى: تطلق على ما يقصد بالذات، و الثانية: تغلب على ما يقصد بالعرض، لأنّها من الخطأ، كمن رمى صيدا فأصاب إنسانا، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره.
و ارتكب الذنب: فعله.
 [ 988] و جملة قوله عليه السّلام: «كنت المطلع عليها» في محلّ نصب على الحاليّة.
و الضمير من «عليها» إمّا عائد إلى جملة ما ذكره من النهي و الأمر و السيّئة و الخطيئة، و هي أشياء يعود الضمير عليها مؤنثا. و إمّا إلى السيّئة و الخطيئة، و إنّما أفرد الضمير و المذكور شيئان، لأنّ المراد سيّئات و خطيئات كثيرة، كما يدلّ عليه «كم» و «دون» الناظرين، أي متجاوزا للناظرين، لم يطلع عليها منهم غيرك، على ما عرفت فيما سبق من أنّ «دون» بمعنى أدنى مكان ثمّ اتّسع فيه، فاستعمل في كلّ‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 24- 25.
 (2) «الف» علم.
 (3) القاموس المحيط: ج 3 ص 205.

167
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
تجاوز حدّ إلى حدّ، و تخطي أمر إلى أمر.
و علن الأمر علونا، من باب- قعد-: ظهر و انتشر، فهو عالن، و علن علنا- من باب تعب لغة- فهو علن، و الاسم: العلانية- مخفّف- «1» و يعدّى بالألف، فيقال:
أعلنته إعلانا.
و فوق: ظرف مكان نقيض تحت. و قد استعير للاستعلاء الحكمي، و معناه الزيادة و الفضل، يقال: هذا فوق ذاك، أي أفضل منه و أزيد.
أي و كنت القادر على إظهارها زائدا على القادرين.
 [ 989] قوله عليه السّلام: «كانت عافيتك لنا حجابا» إلى آخره، جملة مستأنفة.
و العافية: هنا بمعنى المعافاة، أي كانت معافاتك لنا حجابا دون أبصارهم.
و الحجاب: الستر، من حجبه حجبا- من باب قتل- أي منعه، لأنّ الستر يمنع المشاهدة. و الأصل فيه جسم حائل بين جسمين، ثمّ استعمل في المعاني فقيل:
المعصية حجاب بين العبد و بين ربّه، و منه عبارة الدعاء.
و «دون» هنا بمعنى قدّام، كقول الأعشى يصف زجاجة الكأس:
تريك القذى من دونها و هي دونه «2»

 أي تريك القذى قدّامها، و هي قدّامه، لرقّتها و صفائها. و الحجاب إذا كان قدّام البصر كان مانعا له من المشاهدة.
و الردم: السدّ.
قال الجوهري: ردمت الثلمة أردمها- بالكسر- ردما سددتها، و الردم أيضا الاسم، و هو السدّ «3».
و قال الزمخشري في قوله تعالى: «فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً» أي‏
__________________________________________________
 (1) «الف»: فحفّف.
 (2) لسان العرب: ج 13 ص 165.
 (3) الصحاح: ج 5 ص 1930.

168
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

فاجعل ما سترت من العورة، و أخفيت من الدّخيلة، واعظا لنا، و زاجرا عن سوء الخلق، و اقتراف الخطيئة، و سعيا إلى التّوبة، و الماحية، و الطّريق المحمودة، و قرّب الوقت فيه، و لا تسمنا الغفلة عنك، إنّا إليك راغبون، و من الذّنوب تائبون.
حاجزا حصينا موثّقا و الردم: أكبر من السدّ و أوثق، من قولهم: ثوب مردوم، أي:
رقاع فوق رقاع «1». انته.
و لمّا كان الحجاب بمعنى الستر قد لا يمنع السمع من السماع آثر لفظ الردم في جانب الإسماع، لأنّه حاجز حصين، و برزخ متين. و اللّه أعلم.
 [ 990] العورة: كلّ ما يستحيي منه إذا ظهر، و أصلها من العار و ذلك ما يلحق في ظهورها من العار، أي المذمّة.
و في المصباح: كل شي‏ء يستره الإنسان أنفة أو حياء، فهو عورة «2».
و الدخيلة هنا بمعنى الدخل- بالتحريك- و هو العيب و الغش و الفساد.
و قال الزمخشري في الفائق: و حقيقته ان يدخل في الأمر ما ليس منه «3».
و وعظه يعظه وعظا و عظة و موعظة: أمره بالطاعة، و وصّاه بها، فهو واعظ. و منه قوله تعالى: «إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ» «4»، أي أوصيكم و آمركم. و قيل: الوعظ: زجر مقترن بتخويف.
و قال الخليل: هو التذكير بالخير بما يرقّ له القلب «5».
و الزجر: الطرد و المنع، زجره زجرا- من باب قتل- فهو زاجر، و منه قوله تعالى:
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشاف: ج 2 ص 747.
 (2) المصباح المنير: ص 598.
 (3) الفائق في غريب الحديث: ص 420.
 (4) سورة سبأ: الآية 46.
 (5) كتاب العين: ج 2 ص 228.

169
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
 «وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ» «1»، أي طرد و منع عن ارتكاب المآثم.
و الخلق: كيفيّة نفسانيّة تصدر عنها الأفعال بسهولة. فإن كان الصادر عنها الأفعال الجميلة عقلا و شرعا سمّيت الكيفيّة خلقا حسنا، و إن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة، سمّيت الكيفيّة التي هي المصدر، خلقا سيئا.
و المعنى: اجعل ذلك سببا لاتّعاظنا و انزجارنا عن سوء الخلق بأن يعتبر به فيكفّ نفسه، و ينزجر عن القبيح.
و لمّا كان الفعل قد ينسب إلى سببه سمّاه واعظا و زاجرا، و منه قولهم: كفى بالشيب واعظا «2»، و كفى بالإسلام ناهيا «3»، و عليه ما ورد في الحديث «و على رأس الصّراط واعظ اللّه في قلب كلّ مسلم» قال ابن الأثير: يعني حجّته التي تنهاه عن الدخول فيما منعه اللّه منه و حرّمه عليه، و البصائر التي جعلها فيه «4».
 [ 991] و اقتراف الخطيئة: أي ارتكاب المعصية.
و السعي: المشي السريع: و هو دون العدو، و يستعمل للجدّ في الأمر خيرا كان أو شرّا، قال تعالى: «وَ سَعى‏ فِي خَرابِها» «5».
قال الراغب: و أكثر ما يستعمل السعي في الأفعال المحمودة «6».
أي: و اجعل ذلك سببا للسعي إلى التوبة، أي: الجدّ فيها. و هو من باب إطلاق المسبّب على السبب.
و الماحية: المزيلة للذنب من المحو، و هو إزالة الأثر. و من كلامهم: التوبة تمحو الحوبة.
و الطريق: السبيل الذي يطرق بالأرجل، أي يضرب، يذكّر و يؤنّث، ثم استعير
__________________________________________________
 (1) سورة القمر: الآية 4.
 (2) كنوز الحقائق بهامش الجامع الصغير: ج 2 ص 37.
 (3) الجامع الصغير: ج 2 ص 115.
 (4) النهاية لابن الأثير: ج 5 ص 206.
 (5) سورة البقرة: الآية 114.
 (6) المفردات: ص 233.

170
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
لكلّ مسلك يسلكه الإنسان في فعل، محمودا كان أو مذموما.
 [ 992] و القرب: خلاف البعد، و يستعمل في الزمان و المكان.
و الوقت مقدار من الزمان مفروض لأمر ما، و لهذا لا يكاد يستعمل إلّا مقيّدا، نحو قولهم: وقت كذا.
و الضمير من «فيه» عائد إلى السعي. و «في» للظرفية المجازيّة، جعل السعي ظرفا للوقت مجازا كما يقال: اصرف وقتك في الطاعة.
و سمته الذل، أي أوليته إيّاه.
و في الأساس: سمت المرأة المعانقة، أي أردتها منها، و عرضتها عليها «1».
و معنى سومه تعالى الغفلة: التخلية بين العبد و بين الأسباب المؤدّية إلى الغفلة، و جعله غافلا بالخذلان، لا إرادته إيّاها منه.
و معنى الغفلة عنه سبحانه، الغفلة عن جنابه و ذكره و الانهماك في الحسّيات المؤدّية إلى البعد عن الحقّ.
و في الفقرة تلميح إلى قوله تعالى: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا «2».
و الرغبة إلى اللّه تعالى: الابتهال إليه، و هو الاجتهاد في الدعاء و إخلاصه. و قيل:
هي التضرّع إليه، و المسألة منه. و فسّر قوله تعالى: وَ إِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ «3» بالرغبة في المسألة، أي ارفع حوائجك إلى ربّك، و لا ترفعها إلى غيره و قوله تعالى: إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا راغِبُونَ «4» أي راجون العفو، طالبون الخير.
و «إلى» لانتهاء الرغبة أو لتضمّنها معنى الرجوع.
و تقديم الظرف في الفقرة الأولى للتخصيص، و في الثانية للسجع، و التأكيد:
للإنباء عن صدق الرغبة، و وفور النشاد. و الجملتان تعليل لاستدعاء الإجابة. و اللّه أعلم.
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 315.
 (2) سورة الكهف: الآية 28.
 (3) سورة الشرح: الآية 8.
 (4) سورة القلم: الآية 32.

171
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

و صلّ على خيرتك- اللّهمّ- من خلقك محمّد و عترته الصّفوة من بريّتك الطّاهرين، و اجعلنا لهم سامعين و مطيعين كما أمرت.
 [ 993] الخيرة: بالكسر و السكون و «1» كعنبة اسم من الاختيار، أي الاصطفاء، يقال: محمّد خيرة اللّه، و خيرته، بالوجهين. و قد وردت بهما الرواية في الدعاء.
و عترة الرجل: نسله.
قال الأزهريّ: و روى تغلب عن ابن الأنباري: أن العترة ولد الرجل و ذريّته و عقبه من صلبه «2»، و لا تعرف العرب من العترة غير ذلك. و قيل: رهطه الأدنون «3»، و يقال: أقرباؤه.
و قال الزمخشري: في الفائق: العترة: العشيرة، سمّيت بالعترة- و هي المرزنجوشة- لأنّها لا تنبت إلّا شعبا متفرّقة «4».
و في العين: عترة الرجل: أقرباؤه من ولده و ولد ولده و بني عمّه «5».
قال ابن الأثير في النهاية: عترة الرجل أخصّ أقاربه، و عترة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنو عبد المطلب. و قيل: أهل بيته الأقربون و هم أولاده، و عليّ و أولاده عليهم السّلام. و قيل: عترته: الأقربون و الأبعدون منهم. و المعروف المشهور أنّ عترته أهل بيته الذين حرّمت عليهم الزكاة «6». انته.
و صفوة الشي‏ء مثلّثة- ما صفا منه، و خلص من الشوب و الكدر كصفوه.
و البريّة: الخلق فعلية بمعنى مفعولة، من برء اللّه الخلق يبرؤهم، أي خلقهم «7».
قال الجوهريّ: و قد تركت العرب همزته. قال الفرّاء: و إن أخذت البريّة من‏
__________________________________________________
 (1) الواو وردت في «ألف» و الحجرية.
 (2) تهذيب اللغة: ج 2 ص 264.
 (3) تهذيب اللغة: ج 2 ص 264 نقلا عن أبي عبيدة.
 (4) الفائق في غريب الحديث: ج 1 ص 170.
 (5) كتاب العين: ج 2 ص 66.
 (6) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 177.
 (7) النهاية لابن الأثير: ج 1 ص 122- 123.

172
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
البراء- و هو التراب- فأصله غير الهمز، تقول: منه براه اللّه يبروه بروا، أي خلقه «1».
و «الطاهرين» أي: النقيّين من دنس المولد و العمل، البريئين من صغائر الذنوب و كبائرها، كما قال تعالى «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2».
 [ 994] و اجعلنا سامعين أي: مجيبين لأمرهم، قابلين لحكمهم. و أصل السماع الإصغاء، لكنّهم استعملوه في الإجابة، و قبول الأمر كثيرا، كما تقول سمع فلان ما قلت له، و منه قولهم: سمع القاضي البيّنة، أي قبلها.
و مطيعين: أي منقادين، من أطاعه إطاعة، أي انقاد له.
و قوله عليه السّلام: «كما أمرت»، الظرف في محلّ نصب على أنّه نعت لمصدر محذوف. و «ما» مصدريّة، أي إطاعة مثل الإطاعة التي أمرت بها. و نظيره فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ «3»، و هو إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «4».
قال الصادق عليه السّلام: إيّانا عنى خاصّة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا «5».
و في حديث جابر بن عبد اللّه لمّا نزلت هذه الآية، قلت: يا رسول اللّه، عرفنا اللّه و رسوله، فمن أولوا الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ فقال: هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين من بعدي أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثم الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة بالباقر، و ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثم علي بن‏
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 6 ص 2280 نقلا عنه.
 (2) سورة الأحزاب: الآية 33.
 (3) سورة هود: الآية 112.
 (4) سورة النساء: 59.
 (5) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 497.

173
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الرابع و الثلاثين ص 160

..........
موسى، ثم محمّد بن علي، ثم عليّ بن محمّد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّ محمّد، و كني حجّة اللّه في أرضه، و بقيّته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح اللّه على يديه مشارق الأرض و مغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان. قال جابر، فقلت له: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهل لشيعته الانتفاع في غيبته؟ قال: أي و الذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و إن تجلاها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سرّ اللّه، و مخزون علم اللّه، فأكتمه إلّا عن أهله «1». و اللّه أعلم. [] هذا آخر الروضة الرابعة و الثلاثين من رياض السالكين، وفق اللّه سبحانه لإتمامها عشيّة يوم الخميس لست مضين من شوال، سنة أربع و مائة و ألف، و للّه الحمد.
__________________________________________________
 (1) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 499.

174
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الخامسة و الثلاثون ص 175

الروضة الخامسة و الثلاثون‏

175
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام في الرضا إذا نظر إلى أصحاب الدنيا ص 177

و كان من دعائه عليه السّلام في الرّضا إذا نظر إلى أصحاب الدّنيا
الحمد للّه رضى بحكم اللّه شهدت انّ اللّه قسم معايش عباده بالعدل و أخذ على جميع خلقه بالفضل اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و لا تفتنّى بما اعطيتهم و لا تفتنهم بما منعتنى فأحسد خلقك و أغمط حكمك اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و طيّب بقضاءك نفسي و وسّع بمواقع حكمك صدري و هب لي الثّقة لأقرّ معها بأنّ قضاءك لم يجر الّا بالخيرة و اجعل شكرى لك على ما زويت عنّى أوفر من شكرى إيّاك على ما خوّلتنى و اعصمنى من ان اظنّ بذي عدم خساسة او اظنّ بصاحب ثروة فضلا فانّ الشّريف من شرّفته طاعتك و العزيز من أعزّته عبادتك فصلّ على محمّد و اله و متّعنا بثروة لا تنفد و أيّدنا بعزّ لا يفقدوا سرحنا في ملك الأبد إنّك الواحد الأحد الصّمد الّذى لم تلد و لم تولد و لم يكن له كفوا أحد.

177
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 178

[مقدمة الشارح‏]
 [] (الرّوضة الخامسة و الثلاثون) بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين «1» الحمد للّه الّذي جعل الدار الآخرة هي العليا، و شرّف الراغبين فيها على أصحاب الدنيا، و الصلاة و السلام على نبيّه الهادي إلى رضائه، و على أهل بيته الراضين بحكمه و قضائه.
و بعد: فهذه الروضة الخامسة و الثلاثون من رياض السالكين، في شرح الدعاء الخامس و الثلاثين من صحيفة سيد العابدين، صلوات اللّه عليه و على آبائه و أبنائه الأئمة الراشدين، إملاء راجي فضل ربّه السنيّ علي صدر الدين الحسيني الحسني وفّقه اللّه لمراضيه، و جعل غابره خيرا من ماضيه.
__________________________________________________
 (1) «الف» و به ثقتي.

178
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين‏
و كان من دعائه عليه السّلام في الرّضا إذا نظر إلى أصحاب الدنيا.
الرضا لغة: خلاف السخط. قال الجوهري: هو- مقصورا- مصدر محض.
و الاسم الرضاء بالمدّ عن الأخفش «1».
و عرفا: سرور القلب بجريان القضاء و يقال: رضيت الشي‏ء، و رضيت به، إذا اخترته، كارتضيته، و قد يقال: رضيت بالشي‏ء إذا قنعت «2» به.
قال النووي في شرح مسلم: رضي باللّه ربّا. أي قنع به و لم يطلب معه غيره، بأن يسلك غير ما شرعه «3».
و إرادة هذا المعنى هنا صحيحة.
و النظر: تقليب البصر، أو البصيرة، لرؤية الشي‏ء و إدراكه. و يقال: نظرت إليه إذا رأيته، و هو المراد هنا.
و الأصحاب: جمع صاحب، و هو الملازم لشي‏ء إنسانا كان أو غيره. و لا فرق بين أن يكون مصاحبه بالبدن، و هو الأصل و الأكثر، أو العناية و الهمّة، و لا يقال في‏
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 6 ص 2357.
 (2) «الف»: اقتنعت به.
 (3) شرح مسلم للنووي: ج 2 ص 2 مع اختلاف يسير في العبارة.

179
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

قال صلوات اللّه عليه:
الحمد للّه رضا بحكم اللّه، شهدت أنّ اللّه قسم معايش عباده بالعدل، و أخذ على جميع خلقه بالفضل
.
العرف إلّا لمن كثرت ملازمته، و يقال لمالك المال: هو صاحبه، و كذلك من يملك التصرّف فيه. و منه عبارة المتن.
و الدنيا: نقيض الآخرة، و هي تأنيث الأدنى، سمّيت بها هذه الدار لدنوّها.
و الأصل الدار الدنيا، فحذفت «1» موصوفها، و أجريت مجرى الأسماء، فانسلخت عن معنى الوصفيّة. و المراد أصحاب متاع الدنيا، فهي مجاز مرسل من باب تسمية الشي‏ء باسم محلّه، نحو «فليدع ناديه» «2» «وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ» «3». و اللّه أعلم.
 [ 995] «رضا» إمّا مفعول مطلق، أي حمد رضا، أو حال، أي راضيا، أو مفعول لأجله، أي للرضا: و أيّا ما كان فالعامل الحمد المذكور، لأنّه مصدر، و هو يعمل عمل فعله.
و ما وقع لبعضهم، أنّ العامل محذوف لئلا يلزم عمل المصدر المعرّف مبنيّ على مذهب بعضهم، و فيه أربعة مذاهب:
مذهب الخليل و سيبويه جوازه مطلقا من غير قبح «4» سواء عاقبت آلة التعريف فيه الضمير أم لا «5».
و الحكم: القضاء، و أصله المنع، يقال: حكم بكذا، إذا منع من خلافه.
و وضع الظاهر موضع المضمر و لم يقل: بحكمه لتعظيم الحكم، و قصد تقوية داعية الرضا.
__________________________________________________
 (1) هكذا في النسخ، و الصحيح فحذفت.
 (2) سورة العلق: الآية 17.
 (3) سورة يوسف: الآية 82.
 (4) «الف»: قبيح.
 (5) كتاب سيبويه: ج 1 ص 137.

180
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
و شهدت: أي علمت. و أصله من الشهود، بمعنى الحضور مع المشاهدة بالبصر، ثمّ أطلق على المشاهدة بالبصيرة أيضا، و هي العلم، و منه أشهد أن لا إله إلّا اللّه.
و القسم: إفراز النصيب، يقال: قسمت كذا قسما- من باب ضرب- و منه قسمة الغنيمة، و هو تفريقها على أربابها، بإفراز نصيب كلّ منها.
و المعايش: جمع معيشة، و هي ما يعيش به الإنسان من المطاعم و الملابس، و غيرهما ممّا يتعلّق به البقاء. و اشتقاقها من العيش، و هو الحياة المختصّة بالحيوان، فهو أخصّ من مطلق الحياة، لأنّ الحياة تطلق على الحيوان، و على الباري تعالى بخلاف العيش، فالميم في المعيشة زائدة.
و وزن المعايش مفاعل فلا تهمز و به قرأ السبعة و قرأ الأعرج، و أبو جعفر المدني بالهمز تشبيها لها بالشمائل.
و قال الفيومي في المصباح: و قيل: هي من معش، فالميم أصليّة، و وزن معيشة و معائش فعيلة و فعائل «1». انته. و هو غريب.
و العدل: التقسيط على سواء. فتارة يراد به السواء، باعتبار المقدار، و منه قوله سبحانه: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ «2» أي في مقدار المحبّة، إشارة إلى ما عليه جبلّة الإنسان من الميل، فالإنسان لا يقدر أن يسوّي بينهنّ في المحبّة، و تارة باعتبار الحكمة و الانتظام، و منه ما روي: بالعدل قامت السماوات و الأرض «3» تنبيها على أنّه لو كان شي‏ء ممّا قامتا به، زائدا عمّا هو عليه، أو ناقصا عنه على غير ما اقتضته الحكمة لم يكن العالم منتظما. فانتظامه بتقدير ذلك على ما يليق بقوامه و قيامه. و هذا المعنى هو المراد هنا، أي بعدل اقتضته الحكمة البالغة. و لذلك متى وصف اللّه سبحانه بالعدل فإنّما يراد أن أفعاله واقعة على نهاية الحكمة و الانتظام.
__________________________________________________
 (1) المصباح المنير: ص 602.
 (2) سورة النساء: الآية 129.
 (3) عوالى اللئالي: ج 4 ص 103.

181
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
و في الدعاء إشارة إلى قوله سبحانه: «نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» «1» فانّ العدل لا يكون قسمة إلّا عدلا، و لا يتجاوز إلى إفراط و تفريط. و في الحديث القدسي «و إنَّ من عبادي «2» لا يصلحه إلّا الفقر، و لو أغنيته لأفسده ذلك، و إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الغنى، و لو افقرته لأفسده ذلك» «3». فإغناء من لا يصلحه إلّا الفقر إفراط، و إفقار من لا يصلحه إلّا الغنى تفريط، و العدل هو ما به إصلاح كل منهما، فثبت اتّصاف قسمته تعالى بالعدل.
قوله عليه السّلام: «و أخذ على جميع خلقه بالفضل».
 «أخذ» هنا من الأخذ بمعنى السيرة، يقال: لو كنت منّا لأخذت بأخذنا، أي:
سوت بسيرتنا، و منه الحديث «لا تقوم السّاعة حتى تأخذ أمّتي بأخذ القرون» «4».
قال الكرماني: هو- بكسر الهمزة و فتحها-: السيرة «5».
أي تسير أمّتي بسيرتهم. فقوله: «بالفضل» متعلّق بأخذ. و قوله: «على جميع خلقه» متعلّق بالفضل، كقوله تعالى: وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ* «6».
و لا يمنع من تعلّقه به ما اشتهر من أنّ معمول المصدر لا يتقدّم عليه. لأنّ ذلك حيث يتقدّر بأن المصدر بأن و الفعل، لأنّه حينئذ من باب تقديم الصلة على الموصول، و هو ممتنع، كقولك: أعجبني عن الشرّ بعدك، أي: أن تبعد، فالظرف متعلّق بعامل مقدّر يفسّره المتأخّر، و التقدير: أعجبني بعدك عن الشرّ بعدك و أما إذا لم يقدّر المصدر بأن و الفعل فيجوز تقديم معموله عليه إذا كان ظرفا و شبهه، لانتفاء المانع نحو
__________________________________________________
 (1) الزخرف: الآية 32.
 (2) في المصدر: من لا يصلحه.
 (3) الكافي: ج 2 ص 352 ج 8 مع اختلاف يسير في العبارة.
 (4) صحيح البخاري: ج 9 ص 126 كتاب الاعتصام باب 14.
 (5) البخاري بشرح الكرماني: ج 25 ص 62.
 (6) النور: الآية 10.

182
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
 «وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ» «1». و منه قول كعب في قصيدته المشهورة.
ضخم مقلّدها فعم «2» مقيّدها             في خلقها عن بنات الفحل تفضيل‏
 قال ابن هشام في شرحه لهذه القصيدة: «عن» بمعنى «على»، و هي متعلّقة بتفضيل و إن كان مصدرا لأنّه ليس منحلا ل (أن و الفعل). و من ظنّ أن المصدر لا يتقدّمه معموله مطلقا فهو و أهم انته.
و الفضل هنا بمعنى الإفضال و الطول، و هو كلّ إحسان لا يلزم المحسن أن يفعله، بل يكون إبتداء منه.
و المعنى: أنّه تعالى سار في جميع خلقه بالفضل عليهم و الإحسان إليهم. و ذلك أنّه مبتدئ بما لا يلزمه، و الابتداء بما لا يلزم هو الفضل، فأفعاله كلّها عدل، و عدله كلّه فضل.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه وقع لجماعة ممّن كتب على الصحيفة الشريفة هنا تفسيرات عجيبة.
منها: تفسير بعضهم أخذ بمعنى تناول، من قولهم: أخذ بيده إذا أعانه و أمدّه.
قال: و مفعول أخذ محذوف بقرينة جميع خلقه. و تعلّق على بأخذ لتضمين معنى الاستيلاء و الغلبة، يعني أخذ بيد جميع المخلوقات بفضله في حالة استيلائه و غلبته على جميع مخلوقاته. انته بالمعنى.
و منها: تفسير بعضهم أخذ بمعنى ألزم، أي ألزمهم الفضل، يعني أن يتفضّل بعضهم على بعض.
و منها: قول بعضهم الأخذ يكون بمعنى السيرة فيتعدى ب «على». و على و بالفضل، متعلّقان بأخذ. انته.
فاعجب لقوم هذا مبلغهم من العلم كيف سوّلت لهم أنفسهم التصدّي لكلام‏
__________________________________________________
 (1) سورة النور: الآية 2.
 (2) «ألف». نعم.

183
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

184
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و طيّب بقضائك نفسي، و وسّع أحدكم لأخيه زيادة في ولد أو رزق أو عمر أو غير ذلك، فلا يكونن ذلك له فتنة، تفضي به إلى الحسد.
و قوله: «لا تفتنهم بما منعتني» أي لا توقعهم في بليّة بسبب ما حرمتني من الدنيا، بأن يروني حقيرا مهانا، أو يطغوا أو يتكبّروا فيأثموا.
قوله: «فأحسد خلقك» «الفاء»: للسببيّة، و الفعل بعدها منصوب بأن مضمرة لسبقها بالطلب. و حدّ الحسد أن تغتاظ ممّا رزقه غيرك، و تتمنّى أنّه زال عنه، و صار إليك، و قد تقدّم الكلام عليه مبسوطا.
قوله: «و أغمط حكمك».
غمطه يغمطه غمطا- من باب ضرب و سمع-: استحقره، و العافية لم يشكرها، و النعمة بطرها و حقّرها. أي و أحتقر قضاءك بما منحتني، و لا أشكر حكمك فيما أعطيتني، إذ كان دون ما أعطيتهم، أو لا أرضى بحكمك و قضائك فيما أعطيتني و منعتني فأتسخّطه و أحتقره.
و في الكتب القديمة يقول اللّه عزّ و جلّ: الحاسد عدوّ نعمتي، متسخّط لفعلي، غير راض بقسمتي «1».
و نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
ألا قل لمن راح لي حاسدا             أ تدري على من أسأت الأدب؟
أسأت على اللّه سبحانه             لأنّك لم ترض لي ما وهب‏
 [ 997] أصل الطيب: ما تستلذّه الحواس و النفس. و طابت نفسه بالشي‏ء إذا قبلته و رضيته، و لم تكرهه. أي رضّ بقضائك نفسي و اجعلها قابلة له، راضية به.
و اتّسع صدره للأمر إذا سهل عليه تحمّله و لم يشقّ عليه. و عكسه ضاق صدره‏
__________________________________________________
 (1) عيون الاخبار: المجلد الثاني، ج 4 ص 10 مع اختلاف يسير في بعض الفاظ الحديث.

185
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

بمواقع حكمك صدري، و هب لي الثقة، لأقرّ معها بأنّ قضاءك لم يجر إلّا بالخيرة.
بالشي‏ء إذا شقّ عليه.
و مواقع الحكم: ما وقع به الحكم، و تعلّق به، أي اجعل صدري واسعا غير حرج و لا ضيق بما يوقعه حكمك من الأمور التي يشقّ على النفس تحمّلها و الغرض سؤال مقام الرضا الذي هو سرور النفس مهر «1» القضاء.
 [ 998] و وثق به وثوقا و ثقة: سكن إليه و اعتمد عليه، أي وهب لي السكون إلى تقديرك، و الاعتماد عليه في أنّه لا يكون إلّا عن حكمة بالغة.
و الإقرار: إثبات الشي‏ء، إمّا بالقلب، أو باللسان، أو بهما. لكن المراد به هنا ما كان بالقلب، سواء أضافه اللسان أم لا.
و «مع» اسم يقتضي الصحبة، أي مصاحبا لها. و الضمير عائد إلى الثقة.
و المعنى: لأعترف بحصول الثقة لي بأنّ قضاءك و حكمك في أعيان الموجودات- على ما هي عليه من الأحوال الجارية في الأزل إلى الأبد- لم يقع إلّا بالاختيار لما هو الخير و الأصلح.
و الخيرة- بسكون الياء و فتحها- اسم من الاختيار، و هو أخذ ما يراه الخير، أو فعله. تقول: خيّرته بين الأمرين فاختار أحدهما. و استعمال الجري في وقوع القضاء، لسرعة مروره.
و «الباء» من قوله: «بالخيرة» للملابسة، و الظرف في محلّ نصب على الحال، أي: ملتبسا بالخيرة.
و الاستثناء مفرّغ، و التقدير: لم يجر في حال من الأحوال إلّا حال التباسه بالخيرة. و الغرض سؤال إعداده عليه السّلام للاطمئنان بقضاء اللّه تعالى و أنّه‏
__________________________________________________
 (1) «الف»: بمر.

186
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

و اجعل شكري لك على ما زويت عنّي أوفر من شكري إيّاك على ما خوّلتني.
لا يكون إلّا عن حكمة و مصلحة، فتطيب نفسه، و ينشرح صدره لجريانه و نفاذه فيه بما هو عليه، و لا يتسخّط عدم ثروته، و فقده ما أوتي غيره من متاع الدنيا و حطامها.
و اللّه أعلم.
الشكر: الاعتراف بالنعمة، و قيل هو الثناء على المحسن بذكر إحسانه. و يتعدّى تارة باللام فيقال: شكرت له، و أخرى بنفسه فيقال: شكرته.
و زويت عنه الشي‏ء: صرفته و قبضته عنه، و منه الحديث «أعطاني ربّي اثنين، و زوى عنّي واحدا» «1».
و وفر الشي‏ء يفر و فورا- من باب وعد-: ثمّ و كمل. و قيل زاد و كثر.
و خوّله اللّه مالا: أعطاه، و منه قوله تعالى: وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ «2»، أي أعطيناكم.
قال الراغب: و التخويل في الأصل إعطاء الخول «3». و هو كالخدم و الحشم، وزنا و معنى.
و إنّما سأل عليه السّلام جعل شكره له على ما قبضه عنه أتمّ و أكمل من شكره له على ما أعطاه، لأنّ قبض ما قبضه عنه هو عين صلاحه حتّى لو لم يقبضه عنه لأضرّ به و أفسده كما ورد في الحديث «و إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر، فلو أغنيته لأفسده ذلك» «4»، و دفع الضرر أهمّ من جلب النفع. فيجب أن يكون الشكر على الأهمّ أكمل و أتمّ. و اللّه أعلم.
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 2 ص 320.
 (2) سورة الأنعام: الآية 94.
 (3) المفردات: ص 163.
 (4) الكافي: ج 2 ص 352 ح 8.

187
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

[ 999] و اعصمني من أن أظنّ بذي عدم خساسة، أو أظنّ بصاحب ثروة فضلا، فإنّ الشّريف من شرّفته طاعتك، و العزيز من أعزّته عبادتك.
عصمه اللّه من المكروه يعصمه- من باب ضرب-: حفظه و وقاه.
و الظنّ: خلاف اليقين، و قد يستعمل في معنى اليقين، كقوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ «1»، و هو هنا محتمل للمعنيين، أي احفظني من أن أتوهّم بذي عدم خساسة، أو أعتقد به ذلك.
و العدم- بفتحتين-: الفقر فضمّ عينه مع الإسكان لغة فيه، كالحزن و الحزن، و الرشد و الرّشد. و أصله الفقدان، يقال: عدمته عدما- من باب تعب-: أي فقدته، ثم غلب على فقدان المال.
و الخساسة: الحقارة.
قال الفيّومي: خسّ الشي‏ء يخسّ- من بابي ضرب و تعب- خساسة: حقر فهو خسيس «2».
و قيل: الخساسة حالة يكون عليها الخسيس و هو الدني‏ء.
و الثروة: كثرة المال، يقال: أثرى إثراء، أي استغنى، و الاسم الثراء بالفتح و المدّ.
و الفضل هنا: بمعنى الفضيلة، و هو خلاف النقيصة. و لمّا كان أكثر الناس يحتقرون الفقير، و يستخسّون بطباعهم، و يعظمون صاحب المال، و يفضّلونه بغضا للفقر، و حبّا للغنى، و كان ذلك من ذميم الأخلاق المهلكة، سأل عليه السّلام ربّه أن يعصمه من ذلك.
و كان بعض الأكابر يقول: المفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، و من رؤيا الكظة، و من مرآة اللقوة، و من سحاب تموز، لا يسال عنه إن تخلّف، و لا يسلّم‏
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 46.
 (2) المصباح المنير: ص 231.

188
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
عليه إن قدم، إذا غاب شتموه، و إن حضر طنزوا به، و إن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، و قراءته تقطع الصلاة، أثقل من الأمانة، و أبغض من المبرم الملحف، و الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، و من الذنب للمصرّ، و من الحكم للمقرّ، و هو عندهم أرفع من السماء، و أعذب من الماء، و أحلى من الشهد، و أزكى من الورد، خطأه صواب، و سيّئته حسنة، و قوله مقبول، و حديثه معسول، يغشى مجلسه، و لا تملّ صحبته. و كان ينشد لعروة الصعاليك:
ذريني للغنى أسعى فإنّي             رأيت الناس شرّهم الفقير
و أهونهم و أحقرهم عليهم             و إن أمسى له حسب و خير «1»
و يكرهه النديّ و تزدريه             حليلته و ينهره الصغير
و يلقى ذو الغنى و له جلال             يكاد فؤاد صاحبه يطير
قليل ذنبه و الذنب جمّ             و لكنّ الغنى ربّ غفور «2»
 و النثر و النظم في هذا المعنى كثير.
و في الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: من استذلّ مؤمنا، أو احتقره لقلّة ذات يده و لفقره شهره اللّه يوم القيامة على رءوس الخلائق «3».
و عن أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه: من أتى غنيا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه «4».
و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.
قوله عليه السّلام: «فإنّ الشريف من شرّفته طاعتك» «الفاء»: للسببيّة.
و الشرف: علوّ للمنزلة. شرف كعظم فهو شريف. و قيل: الشرف كمال يتعلّق‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: ذخير.
 (2) عيون الأخبار: المجلد الأوّل: الجزء الثالث ص 241- 242 مع اختلاف يسير في بعض الالفاظ.
 (3) الكافي: ج 2 ص 353 ح 9.
 (4) نهج البلاغة: ص 508 الحكم 228.

189
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
بالذات و الحقيقة، و لهذا يقال: فلان شريف الذات.
و الطاعة: اسم من أطاعه، أي انقاد له، لكن كثر استعمال الطاعة في امتثال الأمر، و لذلك عرّفوها بموافقة الأمر.
و العزّة: الرفعة و الامتناع. و رجل عزيز: منيع لا يغلب و لا يقهر.
و قد يراد بالعزيز: الكريم، من عزّ عليّ يعزّ عزّا و عزّة و عزازة: أي كرم، فهو عزيز. و أعززته: أكرمته و عظمته فهو عزيز أيضا. و هذا المعنى أنسب بعبارة الدعاء من الأوّل.
و العبادة في أصل اللغة الخضوع و الانقياد، و في الاصطلاح فعل المكلّف على خلاف نفسه تعظيما لربّه. و قيل: هو فعل اختياري مباين للشهوات البدنيّة، يصدر عن نيّة يراد بها التقرب إلى اللّه تعالى، طاعة للشريعة.
و قال صاحب الكشف: العبادة قد تطلق على أعمال الجوارح بقصد القربة، و منه قوله صلّى اللّه عليه و آله: لفقيه واحد أشدّ على الشّيطان من ألف عابد. و هي على هذا غير الإيمان بمعنى التصديق و النيّة و الإخلاص، بل مشروطة به.
و قد تطلق على التحقّق بالعبديّة بارتسام ما أمر السيد جلّ و علا، أو نهى، و على هذا تتناول الأعمال و العقائد القلبيّة أيضا، فدخل فيها الإيمان و هو عبادة في نفسه، و شرط لسائر العبادات. انته.
و قصر اسم إنّ على خبرها في الفقرتين للمبالغة في شرف من شرّفته طاعة اللّه تعالى، و عزّة من أعزّته عبادته، كأنّه لا شريف و لا عزيز غيره، على ما قالوه في نحو:
 «الأمير زيد، و الشجاع عمرو» من أنّ اللام إن حمل في المقام الخطابي على الاستغراق كان بمنزلة كلّ أمير زيد، و كلّ شجاع عمرو، و إن حمل على الجنس أفاد أنّ زيدا و جنس الأمير، و عمرا و جنس الشجاع متّحدان في الخارج. و كيف كان فالقصر الادّعائي حاصل.

190
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

فصلّ على محمّد و آله، و متّعنا بثروة لا تنفد، و أيّدنا بعزّ لا يفقد، و أسرحنا في ملك الأبد، إنّك الواحد الأحد الصّمد الّذي لم تلد و لم تولد، و لم يكن لك كفوا أحد.
 [ 1000] «الفاء» فصيحة لصلاحيّة تقدير إذا الشرطيّة قبلها، أي إذا كان الأمر هكذا فصلّ على محمّد و آله.
و متّعنا: أي أعطنا ثروة لا تنفد ننتفع بها. يقال: متّعته بكذا تمتيعا، و أمتعته به إمتاعا: أعطيته إيّاه لينتفع به. و منه المتاع، و هو كلّ ما ينتفع به من طعام و أثاث.
و نفذ الشي‏ء ينفذ من باب تعب نفاذا: فنى و انقطع.
و الأيد: القوّة الشديدة. و أيّدته تأييدا: قوّيته، و منه قوله تعالى: «أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ» «1».
و الفقد: عدم الشي‏ء بعد وجوده، فهو أخصّ من العدم، لأنّ العدم يقال فيه و فيما لا يوجد.
و سرحت الإبل سرحا و سروحا- من باب نفع-: رعت بنفسها، و سرحتها سرحا أيضا: أرسلتها للرعي، و هو من الأفعال اللازمة و المتعدّية. و سرّحتها- بالتثقيل- مبالغة و تكثيرا. و أمّا أسرحتها بالهمز فلم. أقف عليه في شي‏ء من كتب اللغة، فما وقع في نسخة ابن إدريس من ضبط قوله عليه السّلام: «و أسرحنا» بقطع الألف ينبغي تحريره.
و المراد بالسرح هنا التخلية، و عدم المنع كما تسرح الماشية في المرعى، و هو استعارة تبعيّة أو مكنيّة.
و الملك: السلطنة و العزّ و العظمة.
و الأبد: الدهر الطويل الذي ليس بمحدود. و قيل: هو استمرار الوجود في أزمنة
__________________________________________________
 (1) سورة المائدة: الآية 110.

191
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
مقدّرة غير متناهية في جانب المستقبل.
و إضافة الملك إلى الأبد، إمّا بمعنى «في» كمكر الليل، و إمّا بمعنى لام الاختصاص كدار المقامة، و هو الصواب.
قال الرضيّ: و لا يلزم في الإضافة بمعنى اللام أن يجوز التصريح بها بل يكفي إفادة الاختصاص الذي هو مدلول اللام، فقولك طور سينا و يوم الأحد، بمعنى اللام، و لا يصحّ إظهار اللام في مثله، فالأولى أن تقول نحو: مكر الليل و ضرب اليوم بمعنى اللام «1».
و في الفقرة تلميح إلى قوله تعالى: «وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً» «2».
قال العلّامة الطبرسي: أي إذا رميت ببصرك، ثم يعني الجنة، رأيت نعيما خطيرا، و ملكا كبيرا لا يزول و لا يفنى، عن الصادق عليه السّلام و قيل: هو الملك الدائم الأبدي في نفاذ «3» الأمر و حصول الأماني «4». انته ملخّصا.
و ما وقع لبعض المترجمين من أنّ المراد بملك الأبد الجنّة بقرينة المقام. لأنّ النار أيضا أبديّة، لكن المسلمون لا يأبدون فيها، لا يخفى سخافته.
 [ 1001] قوله عليه السّلام: «إنّك الواحد الأحد» إلى آخره تعليل للدعاء، و مزيد استدعاء للإجابة و تأكيد الجملة للإذعان بمضمونها.
و الواحد: اسم فاعل من وحد يحد وحدا من باب وعد. أي انفرد، فالواحد بمعنى المنفرد.
و الأحد: أصله وحد، صفة مشبّهة منه كحسن، أبدلت الواو همزة شذوذا.
قال بعض المحققين: الواحد: الفرد الذي لم يزل وحده، و لم يكن معه آخر،
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 1 ص 274.
 (2) سورة الإنسان: الآية 20.
 (3) «ألف»: نفاد.
 (4) مجمع البيان: ج 9- 10، ص 411.

192
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
و الأحد: الفرد الذي لا يتجزّى، و لا يقبل الانقسام فالواحد: هو المنفرد بالذات في عدم المثل، و الأحد: هو المتفرّد بالمعنى، و قيل: المراد بالواحد: نفي التركيب و الأجزاء الخارجيّة و الذهنيّة عنه تعالى، و بالأحد: نفي الشريك عنه في ذاته و صفاته و قيل:
الواحديّة: لنفي المشاركة في الصفات، و الأحديّة: لتفرّد الذات، و لمّا لم ينفكّ عن شأنه تعالى أحدهما عن الآخر.
قيل: الواحد: الأحد في حكم اسم واحد، و قد يفرّق بينهما في الاستعمال من وجوه:
أحدها: إنّ الواحد: يستعمل وصفا مطلقا، و الأحد: يختصّ بوصف اللّه تعالى نحو: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» «1».
الثاني: إنّ الواحد: أعمّ موردا، لأنّه يطلق على من يعقل و غيره، و الأحد لا يطلق إلّا على من يعقل.
الثالث: إنّ الواحد يجوز أن يجعل له ثان، لأنّه لا يستوعب جنسه، بخلاف الأحد، ألا ترى أنّك لو قلت: فلان لا يقاومه واحد جاز أن يقاومه اثنان فأكثر، و لو قلت: لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان و لا أكثر فهو أبلغ.
الرابع: انّ الواحد يدخل الحساب و الضرب و العدد و العدد و القسمة، و الأحد يمتنع دخوله في ذلك.
الخامس: انّ الواحد يؤنّث بالتاء، و الأحد يستوي فيه المذكّر و المؤنّث، قال اللّه تعالى: «لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ» «2»، و لا يجوز كواحد من النساء بل كواحدة.
السادس: انّ الواحد لا يصلح للإفراد و الجمع، بخلاف الأحد، فإنّه يصلح لهما، و لهذا وصف بالجمع في قوله تعالى: «مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» «3».
__________________________________________________
 (1) سورة الإخلاص: الآية 1.
 (2) سورة الأحزاب: الآية 32.
 (3) سورة الحاقة: الآية 47.

193
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
السابع: انّ الواحد لا جمع له من لفظه، فلا يقال: واحدون، و الأحد له جمع من لفظه، و هو أحدون و آحاد.
و الصمد: السيد المصمود إليه في الحوائج، أي المقصود إليه من صمد إليه، أي قصد، فهو فعل بمعنى مفعول. و قد أسلفنا الكلام عليه في الروضة الثانية و العشرين مبسوطا فأغنى عن الإعادة.
قوله عليه السّلام «لم تلد» أي لم يصدر عنه ولد، لأنّه لا يجانسه شي‏ء يمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد، كما نطق به قوله تعالى: «أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ» «1»، و لأنّه لا يفتقر إلى ما يعينه و يخلفه، لاستحالة الحاجة و الفناء عليه سبحانه.
و فيه تنصيص على إبطال زعم المفترين في حقّ الملائكة و المسيح و عزير، و لذلك ورد النفي على صيغة الماضي.
و لم تولد: أي لم يصدر عن شي‏ء لاستحالة نسبة العدم إليه سابقا و لا حقا، و عدم افتقاره إلى شي‏ء.
و لم يكن له كفوا أحد، أي لم يكن أحد يكافئك و يماثلك من صاحبة و غيرها.
و الكفو- بضم الكاف و سكون الفاء، و بضمتين-: النظير و المماثل.
و المقصود أنّه تعالى لم يماثله أحد في ذاته و صفاته الذاتيّة و الفعليّة، و هو تنزيه مطلق له عن المشابهة بالخلق بنحو من الأنحاء كما قال: و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ» «2».
و الغرض نفي إمكان وجود الكفو له، لا بيان عدمه مع إمكانه.
و قال بعض المفسّرين: الآيات الثلاث إشارة إلى نفي من يماثله، و هو إمّا لا حق، و أبطله بقوله: «لم يلد»، و إمّا سابق و أبطله بقوله: «و لم يولد» و إمّا مقارن في الوجود، و زيّفه بقوله: «و لم يكن له كفوا أحد». و يجوز أن يكون الأوّلان إشارة
__________________________________________________
 (1) سورة الأنعام: الآية 101.
 (2) سورة الشورى: الآية 11.

194
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

إلى نفي من يماثله بطريق التولّد أو التوالد، و الثالث تعميما بعد التخصيص.
و يحتمل أن يراد بالأخيرة نفي الصاحبة، لأنّ المصاهرة تستدعي الكفاءة شرعا و عقلا، فيكون ردّا على من حكى اللّه عنهم في قوله: «وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً» «1» تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
و الأكثر على أنّ أحد اسم كان، و كفوا خبرها، و «له» صلة كفوا، فهو ظرف لغو، و أورد أنّ تقديم الظرف إذا كان لغوا غير مستحسن كما نصّ عليه سيبويه في كتابه «2».
و أجيب: بأنّه إنّما قدّم اللغو فيه لأنّه معقد الفائدة، إذ ليس الغرض نفي الكفو مطلقا، بل نفي الكفو له تعالى، فقدّم اهتماما بما هو المقصود معنى، و رعاية للفواصل لفظا.
و قال مكّي في إعرابه: و قيل: «له» هو الخبر، و هو قياس قول سيبويه، لأنّه يقبح عنده إلغاء الظرف إذا تقدّم. و خالفه المبرّد، و أجازه على غير قبح، و استشهد بالآية، و لا شاهد للمبرّد في الآية، لأنّه يمكن أن يكون «كفوا» حالا من أحد مقدّما عليه، لأنّ نعت النكرة إذا تقدّم عليها نصب على الحال «3». انته.
و جوّز أبو البقاء: أن يكون «له» حال من كفوا، و أن يكون متعلّقا ب «يكن»، و الخبر هو كفوا «4».
و اعلم أنّه عليه السّلام إنّما آثر الخطاب في العائد إلى الموصول على الغيبة، فقال:
 «لم تلد، و لم تولد، و لم يكن لك كفوا أحد»- مع أنّ الأكثر في الموصول أو موصوفه إذا كان خبرا أن يكون العائد إليه غائبا نحو: أنت الرجل الذي قال كذا- حملا على المعنى، و تلذّذا بالخطاب، و لأنّ الإقرار و الإذعان و الشهادة بوحدانيّته و أحديّته‏
__________________________________________________
 (1) سورة الصافات: الآية 158.
 (2) كتاب سيبويه: ج 1 ص 139- 140.
 (3) مشكل اعراب القرآن: ج 2 ص 510.
 (4) إملاء ما منّ به الرحمن: ج 2 ص 297.

195
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الخامس و الثلاثين ص 179

..........
و صمديّته و تنزيهه عن المماثل مطلقا في الحضور أتمّ منه في الغيبة، فأجرى جملة الكلام على و تيرة واحدة في الخطاب، على أنّ رواية ابن إدريس على الغيبة. و اللّه أعلم. [] هذا آخر الروضة الخامسة و الثلاثين من رياض السالكين، وفّق اللّه عزّ شأنه لإتمامها راد الضحى من يوم الخميس، لثلاث عشرة خلون من شوّال عام أربع و مائة و ألف، بدار السرور برهانپور على يد مؤلّفه و للّه الحمد.

196
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة السادسة و الثلاثون ص 197

الروضة السادسة و الثلاثون‏

197
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام إذا نظر إلى السحاب و البرق و سمع صوت الرعد ص 199

و كان من دعائه عليه السّلام إذا نظر إلى السّحاب و البرق و سمع صوت الرّعد
اللّهمّ إنّ هذين آيتان من آياتك و هذين عونان من اعوانك يبتدران طاعتك برحمة نافعة او نقمة ضارّة فلا تمطرنا بهما مطر السّوء و لا تلبسنا بهما لباس البلاء اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و انزل علينا نفع هذه السّحائب و بركتها و اصرف عنّا أذاها و مضرّتها و لا تصبنا فيها بافة و لا ترسل على معايشنا عاهة اللّهمّ و ان كنت بعثتها نقمة و ارسلتها سخطة فانّا نستجيرك من غضبك و نبتهل إليك في سؤال عفوك فمل بالغضب إلى المشركين و ادر رحى نقمتك على الملحدين اللّهمّ اذهب محل بلادنا بسقياك و أخرج وحر صدورنا برزقك و لا تشغلنا عنك بغيرك و لا تقطع عن كافّتنا مادّة برّك فانّ الغنىّ من اغنيت و انّ السّالم من وقيت ما عند أحد دونك دفاع و لا بأحد من سطوتك امتناع تحكم بما شئت على من شئت و تقضى بما أردت فيمن أردت فلك الحمد على ما وقيتنا من البلاء و لك الشّكر على ما خوّلتنا من النّعماء حمدا يخلّف حمد الحامدين وراءه حمدا يملأ ارضه و سماءه انّك المنّان بجسيم المنن الوهّاب لعظيم النّعم القابل يسير الحمد الشّاكر قليل الشّكر المحسن المجمل ذو الطّول لا اله الّا أنت إليك المصير

199
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

 [مقدمة الشارح‏]
 [] (الروضة السادسة و الثلاثون) بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين «1» الحمد للّه الذي يري عباده البرق خوفا و طمعا، و يسبّح الرّعد بحمده و الملائكة من خيفته معا، و الصلاة و السّلام على نبيّه الذي يستسقى بوجهه الغمام و أهل بيته سحب الرحمة الواكفة على الأنام.
و بعد، فهذه الروضة السادسة و الثلاثون من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين، سلام اللّه عليه و على آبائه و أبنائه الطاهرين، إملاء راجي فضل ربّه السني عليّ صدر الدين الحسينيّ الحسنيّ، نظر اللّه بعين رحمته إليه، و أسبل سحاب جوده و كرمه عليه.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: و به ثقتي.

200
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

شرح الدعاء السادس و الثلاثين‏
و كان من دعائه عليه السّلام إذا نظر إلى السحاب و البرق، و سمع صوت الرعد.
السحاب بالفتح: الغيم، كان فيه ماء أو لم يكن. و لهذا يقال: سحاب جهام، أي لا ماء فيه. و أصله من السحب، و هو الجرّ كسحب الذيل و الإنسان على وجهه، سمّي بذلك لجر الريح له لانجراره في مرّة. الواحدة سحابة، و الجمع سحب- بضمتين-.
و البرق: لمعان السحاب، و الرعد: صوته. و إضافة الصوت إليه من إضافة العام إلى الخاصّ، و في الحديث: إنّ البرق سوط من نار بيد ملك من ملائكة اللّه يزجر به السحاب «1» و الرعد: اسم ذلك الملك الموكّل بالسحاب، و قد ذكرنا ذلك مبسوطا في الروضة الثالثة، مع ما قاله الطبيعيون في ذلك، فليرجع إليه «2».
__________________________________________________
 (1) الكشكول للشيخ البهائي: ص 165 مع اختلاف يسير في العبارة.
 (2) ج 2 ص 51.

201
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

 [ 1002] قال صلوات اللّه و سلامه عليه:
اللّهمّ إنّ هذين آيتان من آياتك، و هذين عونان من أعوانك يبتدران طاعتك برحمة نافعة، أو نقمة ضارّة فلا تمطرنا بهما مطر السّوء، و لا تلبسنا بهما لباس البلاء.
تأكيد الجملة، لرواجه عند المخاطب، و بيان أنّ الحكم عن اعتقاد ثابت، و صميم قلب، و صدق رغبة فيه. و الظاهر أنّ المشار إليهما بهذين البرق و الرعد، و يحتمل أن يكون السحاب و البرق، أو السحاب و الرعد.
و الآية: العلامة الظاهرة.
قال الراغب: و حقيقته كلّ شي‏ء ظاهر، هو ملازم لشي‏ء لا يظهر مظهره. فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنّه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته، إذ كان حكمهما سواء. و ذلك ظاهر في المحسوسات و المعقولات، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج، ثمّ وجد العلم، علم أنّه وجد الطريق. و كذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنّه لا بدّ له من صانع.
و اشتقاقها إمّا من أيّ، و هي التي تبيّن أيّا من أيّ «1».
أو من قولهم: آوى إليه، أي رجع، لأنّها يرجع إليها لمعرفة ذي العلامة، و قد تقدّم الكلام على بنائها، و نقل الخلاف فيه في شرح الأسناد.
و معنى «آيتان من آياتك» أي علامتان من علاماتك الدالّة على وحدانيّتك و قدرتك، كما قال تعالى: «وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً» «2».
و العون: المعين و الظهير على الأمر، و اشتهر اختصاصه بمن يخدم السلطان، و ينفذه السلطان في أوامره و نواهيه. و هذا المعنى هو المراد هنا، أي خادمان من خدمك نافذان في أمرك. و هو مجاز مرسل، من باب إطلاق اسم اللازم على الملزوم،
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 33.
 (2) سورة الروم: الآية 24.

202
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

..........
لأنّ الخدمة و تنفيذ الأمر لازمان للإعانة و المظاهرة.
و ما قيل: من أنّ المراد أنّهما عونان للخلق، و إضافة الأعوان إليه تعالى من باب إضافة الشي‏ء إلى فاعله، و المعنى أنّهما من جملة الأشياء التي جعلتها أعوانا لخلقك، لا يخفى عدم مناسبته لسياق الكلام.
و يبتدران طاعتك، أي: يتسارعان إليها.
قال الفارابي «1» و الجوهري «2»: ابتدر القوم السلاح تسارعوا إلى أخذه.
و في القاموس: بادره مبادرة و بدارا و ابتدره، و بدر غيره إليه: عاجله «3».
و الجملة في محل رفع على الوصفيّة، أو خبر ثان. و إيثار تصديرها بالمضارع، لإفادة الاستمرار.
قال الرضيّ: جرت العادة منهم إذا قصدوا معنى الاستمرار بأن يعبّروا عنه بلفظ المضارع، لمشابهته للاسم الذي أصل وضعه الإطلاق، كقولك زيد يؤمن باللّه و يسخو بموجوده، أي هذه عادته «4».
و «الباء» من قوله: «برحمة» إمّا متعلّقة ب «يبتدران» لتضمينه معنى يأتيان، أي يبتدران طاعتك آتيين برحمة على ما عرفت فيما تقدّم في بيان التضمين، من أنّه استعمال الفعل في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر، بمعونة القرينة اللفظية. فقولنا: أحمد إليك فلانا، معناه: أحمده منهيّا إليك حمده، و يقلّب كفّيه على كذا، أي نادما عليه. أو بالأمر المدلول عليه بالطاعة على حذف مضاف، أي طاعة أمرك بنعمة أو نقمة، فحذف المضاف إليه لدلالة المضاف عليه، لأنّ الطاعة هنا بمعنى امتثال الأمر لا مطلق الانقياد، و إذا كان بهذا المعنى كان متعلّقها الأمر دون الذات، كقوله تعالى: «فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي» «5».
__________________________________________________
 (1) ديوان الأدب: ج 2 ص 400.
 (2) الصحاح: ج 2 ص 587.
 (3) القاموس المحيط: ج 1 ص 369.
 (4) شرح الكافية في النحو: ج 1 ص 279.
 (5) سورة طه: الآية 90.

203
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

..........
و المراد بالرحمة هنا: المطر و الخصب التابع له، سمّي ذلك رحمة لتسبّبه عن الرحمة التي هي من اللّه الإحسان.
و النفع: الخير، و هو ما يتوصّل به الإنسان إلى مطلوبه، يقال: نفعني الشي‏ء نفعا و هو نافع.
و قال الراغب: النفع ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات، و ما يتوصل به إلى الخير فهو خير «1».
و نعت الرحمة به: للمدح.
و النقمة على وزن كلمة، و تخفّف مثلها العقوبة، و هي اسم من الانتقام، يقال: انتقمت منه، أي عاقبته.
و ضرّه يضرّه ضرّا- من باب قتل-: إذا أوقع «2» به مكروها فهو ضارّ. و نعت النقمة به: للذم.
و المراد بالنقمة: إمّا الصواعق التي يرسلها اللّه سبحانه على من يشاء كما قال في محكم كتابه: «وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ» «3»، أو مطلق الضرر الواقع بسبب السحاب و البرق و الرعد من السيول المغرقة، و الصواعق المحرقة، و هدم البيوت، و فساد الزرع عند إيناعه، و إسقاط الثمار عند نضاجها، إلى غير ذلك من المفاسد المترتّبة على بعض الأمطار.
و قد فسّر قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً» «4» بالخوف من الصواعق، و الطمع في الغيث، بالخوف و الطمع كلاهما من المطر، لكن الخائف منه غير الطامع فيه كالمسافر الذي يخاف تعويقه له عن المسير، و كالخرّار «5» و الجزّار
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 502.
 (2) «ألف»: وقع.
 (3) سورة الرعد: الآية 13.
 (4) سورة الرعد: الآية 12.
 (5) «ألف»: كالخرار.

204
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

..........
و بعض أهل البلاد الذين لا ينتفعون بالمطر بل يضرّهم كأهل مصر، و يطمع فيه من له فيه نفع.
و تقديم الرحمة على النقمة في الدعاء إشعار بسبق الرحمة على الغضب، على ما ورد في الحديث القدسي «سبقت رحمتي غضبي» «1».
و تقديم الخوف على الطمع في الآية، لأنّ الخوف عتيد حاصل في الحال، و المطموع فيه مترقّب، و هو الرزق و الخصب المتوقّع من إنزال الغيث. و اللّه أعلم.
 [ 1003] قوله عليه السّلام: «فلا تمطرنا بهما مطر السوء»، «الفاء» فصيحة، أي إذا كان الأمر كذلك فلا تمطرنا.
قال أبو عبيدة: مطر في الرحمة، و أمطر في العذاب «2».
و قال الراغب: مطر في الخير، و أمطر في العذاب «3».
و قال الفيروزآبادي في القاموس: أمطرهم اللّه، لا يقال إلّا في العذاب «4».
و «الباء» من قوله: «بهما» هي الداخلة على آلة الفعل نحو: كتبت بالقلم، و تسمّى باء الاستعانة، و أدرجها ابن مالك في باء السببيّة «5»، تفاديا من إطلاق الاستعانة في الأفعال المنسوبة إلى اللّه سبحانه.
و السّوء- بالفتح- مصدر ساءه يسوءه: إذا فعل به ما يكره، ثمّ أطلق على كلّ ضرر و شرّ و فساد. و أضيف إليه المطر ذمّا كما يقال: رجل سوء، و هو من باب إضافة الموصوف إلى صفته، فوصف في الأصل بالمصدر للمبالغة، ثمّ أضيف إلى صفته.
و اتّفق القرّاء على فتح السين في قوله تعالى: «أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ» «6».
و انتصاب مطر، إمّا على أنّه مصدر مؤكّد بحذف الزوائد، كما قيل في «أنبتها اللَّه‏
__________________________________________________
 (1) صحيح البخاري: كتاب التوحيد: ج 9 ص 165.
 (2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ج 1 ص 245.
 (3) المفردات: ص 470.
 (4) القاموس المحيط: ج 2 ص 135.
 (5) شرح ابن عقيل: ج 2 ص 19.
 (6) سورة الفرقان: الآية 40.

205
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و أنزل علينا نفع هذه السّحاب و بركتها، و اصرف عنّا أذاها و مضرّتها، و لا تصبنا فيها بآفة، و لا ترسل على معايشنا عاهة.
نباتا حسنا» «1»، أي إمطار السّوء أو على أنّه مفعول ثان، و المعنى فلا تعطنا و لا تولنا مطر السوء.
قال أبو البقاء: و يجوز أن يكون نعتا لمحذوف، أي: إمطارا مثل أمطار السوء «2».
قوله عليه السّلام: «و لا تلبسنا بهما لباس البلاء» اللباس بالكسر: ما يلبس.
و البلاء: المحنة و الشدّة و الإصابة بالمكروه و الغم، لأنّه يبلي الجسم.
و الكلام استعارة مرشحّة، شبّه ما يغشى الإنسان عند البلاء من بعض الحوادث باللباس، لاشتماله على اللابس، فاستعار له اللباس، ثمّ فرّع عليها ما يلائم اللباس من الإلباس و هو الترشيح.
 [ 1004] أنزل علينا: أي أعطنا و أولنا «3». و هو مجاز مرسل، من باب إطلاق السبب على المسبّب، لأنّ إعطاء النفع متسبّب عن إنزال غيث السحاب.
قال الراغب: النزول في الأصل هو انحطاط من علوّ «4».
و أنزل اللّه نعمه على الخلق: أعطاها إيّاهم، و ذلك إمّا بإنزال الشي‏ء نفسه كإنزال القرآن. و إمّا بإنزال أسبابه، كإنزال اللباس و الرزق، قال اللّه تعالى: «قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً» «5» «يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً» «6».
و السحاب يؤنّث باعتبار المعنى، لأنّ واحدته سحابة، و يذكّر باعتبار اللفظ.
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 37.
 (2) تفسير التبيان في اعراب القرآن لأبي البقاء: ذيل آية 40 من سورة الفرقان.
 (3) «ألف» أدلنا.
 (4) المفردات: ص 488.
 (5) سورة الاعراف: الآية 26.
 (6) سورة غافر: الآية 13.

206
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

اللّهمّ و إن كنت بعثتها نقمة، و أرسلتها سخطة، فإنّا نستجيرك من و البركة: ثبوت الخير الآلهي في الشي‏ء، مأخوذ من برك البعير إذا ألقى بركه، أي صدره على الأرض. و تطلق على كلّ نماء و زيادة غير محسوسين، لكون الخير الآلهي يصدر من حيث لا يحسّ، و على وجه لا يحصى و لا يحصر.
 [ 1005] و صرف اللّه عنه السوء صرفا- من باب ضرب-: ردّه عنه.
و الأزدى: قيل: المكروه اليسير، و قيل: ما يلحق الحيوان من ضرر في نفسه أو ماله.
و المضرّة: الضرر. و أصبته بمكروه: أوقعته به.
و الآفة: عرض يفسد ما أصابه، و هي في تقدير فعلة بفتح العين.
و الظرف من قوله: «فيها» في محلّ نصب على الحال من آفة، لتقدّمه عليها. و هو في الأصل صفة لها، فلمّا قدّم عليها نصب على الحال، كقوله تعالى: «وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ» «1».
و ما قيل: من تعلّقه ب «تصبنا» فغير صواب.
و لا ترسل: أي لا تسلّط، و لذلك عدّاه ب «على» و إلّا فالأصل في الإرسال أن يتعدّى ب «إلى».
و العاهة: كالآفة وزنا و معنى. يقال: عيه الزرع من باب تعب، إذا أصابته العاهة، فهو معيه، و معوه في لغة باب الواو.
 [ 1006] تصدير الجملة بحرف الشكّ للإيذان باستواء الخوف و الطمع عنده من بعث هذه السحاب، من غير ترجيح لأحدهما على الآخر.
و إنّما قال: «و إن كنت بعثتها» و لم يقل: و إن بعثتها، للإشعار بتقدّم بعثها في علمه تعالى.
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 179.

207
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

غضبك، و نبتهل إليك في سؤال عفوك، فمل بالغضب إلى المشركين، و أدر رحى نقمتك على الملحدين.
و بعثتها و أرسلتها: أي وجّهتها.
و السّخطة: فعلة من السخط- بالضمّ- و السخط- بفتحتين و هو الغضب الشديد المقتضي للعقوبة، و هو من اللّه سبحانه إيقاع العقوبة.
و انتصاب نقمة و سخطة إمّا على المصدريّة أي بعث نقمة و إرسال سخطة، أو على المفعول لأجله أي للنقمة و للسخطة، أو على الحاليّة على حذف مضاف، أي بعثتها ذات نقمة، و أرسلتها ذات سخطة، أو حال كونها نقمة و سخطة، كأنّها في نفسها نقمة و سخطة.
و استجاره: طلب منه أن يجيره، أي: يؤمّنه ممّا يخاف و يحفظه منه.
 [ 1007] و الابتهال: التضرّع في الدعاء.
و الميل: الانحراف. يقال: مال عنه. أي انحرف، و أماله و مال به. أي حرفه، كما يقال: أذهبه و ذهب به. و المعنى احرف الغضب، و اصرفه عنّا إلى المشركين.
و المشرك: اسم فاعل من أشرك باللّه، أي أثبت له شريكا في الألوهيّة.
قال الراغب: أكثر الفقهاء يحملون المشركين على الكافرين جميعا فيدخل فيهم أهل الكتاب، لقوله تعالى: «قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى‏ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ» «1».
و قيل: هم من عدا أهل الكتاب لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ وَ النَّصارى‏ وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا» «2» فأفرد المشركين عن اليهود و النصارى.
و أدر رحى نقمتك: أي شدّد عليهم انتقامك، من قولهم: دارت رحى الحرب، أي اشتدّ القتال. و رحى الحرب حومتها و شدّتها، استعارة من الرحى التي هي‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 260.
 (2) سورة الحج: الآية 17.

208
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

اللّهمّ أذهب محل بلادنا بسقياك، و أخرج و حر صدورنا برزقك، و لا تشغلنا عنك بغيرك، و لا تقطع عن كافّتنا مادّة برّك، فإنّ الغنيّ من أغنيت، و إنّ السّالم من وقيت.
الطاحونة بجامع الإفناء و الإذهاب. و لذلك يقال: طحنتهم الحرب، أي أفنتهم و أهلكتهم، كما تطحن الرحى البرّ. و قد تقدّم بيان هذه الاستعارة في شرح الإسناد.
و يحتمل أن يكون المراد: أنزل بهم نقمتك، من قولهم: دارت عليه رحى الموت، إذا نزل به.
و الملحد: اسم فاعل من ألحد أي مال عن الحقّ. و يطلق على الشرك، و عبادة غير اللّه تعالى، و هو المراد هنا.
 [ 1008] أذهب اللّه البأس: أزاله، كذهب به.
و قال الزمخشريّ: أذهبه: جعله ذاهبا، و ذهب به: مرّ به مع نفسه «1».
و قد تقدّم الكلام على ذلك مبسوطا.
و المحل: الجدب و القحط، و انقطاع المطر.
و السقيا- بالضمّ- على فعلى: اسم من سقاه اللّه الغيث أنزله له. و منه حديث الدعاء «سقيا رحمة و لا سقيا عذاب» «2»، أي اسقنا غيثا نافعا بلا ضرر و لا إفساد.
و الوخر- بفتحتين و بالسّكون- و قال الجوهري: هو بالتحريك مصدر، و بالتسكين اسم «3».
قال ابن الأثير في النهاية: فيه الصوم يذهب و حر الصدر، هو بالتحريك وساوسه و غشه. و قيل: الحقد و الغيط. و قيل: العداوة. و قيل: أشدّ الغضب «4».
و قال الزمخشري في الفائق: هو الغلّ، يقال: وحر صدره و وغر. و أصله من‏
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة، ص 211.
 (2) المصباح المنير: ص 381.
 (3) الصحاح: ج 2 ص 844.
 (4) النهاية لابن الأثير: ج 5 ص 160.

209
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

..........
الوحرة، و هي دويبة تلزق بالأرض، و نظيره تسميتهم الحقد بالضبّ «1».
و لا تشغلنا عنك: أي عن ذكرك و دعائك و عبادتك بسؤال غيرك، أو تأميله، أو بالاهتمام بأمر الرزق و الفكر فيه، و ذلك بحسم أسباب الشغل عنه تعالى بغيره، و من جملتها محل البلاد، و وحر الصدور.
 [ 1009] و كافّتنا: أي: جميعنا. و فيه شاهد على استعمال كافّة غير منصوب على الحال، خلافا لمن زعم أنّه لا يستعمل إلّا كذلك. و قد استوفينا الكلام على ذلك في الروضة السادسة و العشرين «2»، فليرجع إليه.
و المادّة: الزيادة المتّصلة.
و البرّ- بالكسر- الخير و التوسّع في الإحسان.
قوله عليه السّلام: «فإنّ الغنيّ من أغنيت»، «الفاء» للسببيّة، أو للترتيب الذكري، كأنّه تفصيل لما أفهمه الكلام السابق إجمالا من سؤال الغنى و السلامة من الحاجة و الفقر.
قال بعضهم: يقال: الغنى على ثلاثة وجوه:
أحدها: عدم الحاجة مطلقا، و ليس ذلك إلّا اللّه تعالى و هو المذكور في قوله تعالى: «وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» «3».
و الثاني: قلّة الحاجات، و القناعة و هو المشار إليه بقوله تعالى: «وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏» «4»، أي فأغنى قلبك بالقناعة، و هو المذكور في قوله عليه السّلام: «الغنى غنى النفس» «5».
و الثالث: كثرة المقتنيات بحسب ضروب الناس. و منه قوله تعالى: «وَ مَنْ كانَ‏
__________________________________________________
 (1) الفائق في غريب الحديث: ج 4 ص 47.
 (2) ج 4 ص 163.
 (3) فاطر: الآية 15.
 (4) الضحى: الآية 8.
 (5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 402 ح 5868.

210
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

ما عند أحد دونك دفاع، و لا بأحد عن سطوتك امتناع، تحكم بما شئت على من شئت و تقضي بما أردت فيمن أردت.
 «غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ» «1».
و السلامة: الخلوص من الآفات.
و وقيته وقاية: حفظته ممّا يؤذيه و يضرّه، قال تعالى: «فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ» «2».
و قصر اسم إنّ على خبرها في الفقرتين للمبالغة في غناء من أغناه اللّه تعالى، و سلامة من وقاه و حفظه، كأنّه لا غنيّ و لا سالم غيره، حسب ما تقدّم بيانه في الروضة السابقة و غيرها.
و مفعولا «أغنيت و وقيت» محذوفان، أي أغنيته و وقيته، و قد اطرد حذف المفعول إذا كان ضميرا عائدا إلى الموصول، و قد مرّ نظير ذلك غير مرّة.
 [ 1010] الجملة الأولى مستأنفة للتعليل، كأنّه سئل: لما ذا كان السالم من وقيت؟
فقال: لأنّه ما عند أحد دونك دفاع.
و «عند» هنا للحضور المعنوي نحو: «قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ» «3».
و «دون» بمعنى التجاوز، ظرف مستقرّ وقع حالا من أحد. و العامل متعلّق الظرف أعني عند أي ما استقرّ أو ما يكون عند أحد دفاع حال كونه متجاوزا إيّاك.
و «دون» هنا مثلها في قول الشاعر:
يا نفس مالك دون اللّه من واق‏

 أي إذا تجاوزت وقاية اللّه، و لم تبال بها لم يقك غيره.
و يحتمل أن تكون بمعنى «غير» عند من أثبته، أي ما عند أحد غيرك دفاع.
__________________________________________________
 (1) سورة النساء: الآية 6.
 (2) سورة الانسان: الآية 11.
 (3) سورة النمل: الآية 40.

211
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

..........
و الدفاع: الحماية، مصدر دافع عنه دفاعا و مدافعة أي حماه.
قال الجوهريّ: دافع عنه و دفع بمعنى، تقول منه دافع اللّه عنك السوء دفاعا «1».
و قيل في قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا» «2» صيغة المفاعلة إمّا للمبالغة أو للدلالة على تكرر الدفع. فإنّها قد تجرّد عن وقوع الفعل للتكرّر من الجانبين، فيبقى تكرّره كما في الممارسة، أي يبالغ في دفع السوء و الضرر عنهم.
و «الباء» من قوله: «بأحد» مثلها في قوله تعالى: «وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» «3». فقيل: هي للملابسة و المصاحبة.
قال العمادي: أي: أيّ شي‏ء يلابسكم و يصاحبكم من نعمة فمن اللّه «4».
و قيل: للظرفيّة. قال بعض المعربين «بكم» بمعنى فيكم، كما تقول: به عيب.
و على الأول: فالتقدير في عبارة الدعاء و لا يلتبس بأحد عن سطوتك امتناع.
و على الثاني: و لا يكون في أحد عن سطوتك امتناع. و ارتفاع دفاع و امتناع على الفاعليّة بالظرف في الأوّل، و بالجار و المجرور في الثاني لاعتماد هما على النفي، نحو:
ما عندك أحد و لا في الدار أحد. هذا اختيار ابن مالك و ابن هشام في الشذور «5».
و وجهه أنّ الأصل عدم التقديم و التأخير. و نقل ابن هشام الخضراوي وجوب ذلك عن الأكثرين «6».
و رجّح بعضهم الارتفاع على الابتدائيّة، و الجار و المجرور «7» و الظرف خبران، مع جواز الفاعليّة، و على القول بارتفاعهما على الفاعليّة، فهل عامل الفاعل الفعل المقدّر، أو الظرف و الجار و المجرور لنيابتهما عن الفعل، و قربهما منه لاعتمادهما؟ فيه خلاف:
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 3 ص 1208.
 (2) سورة الحج: الآية 38.
 (3) سورة النحل: الآية 53.
 (4) تفسير أبي المسعود: ج 5 ص 120.
 (5) شذور الذهب لابن هشام: ص 410.
 (6) مغني اللبيب: ص 579.
 (7) «ألف»: و الظرف و الجار.

212
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

..........
قال ابن هشام: و المختار الثاني، لامتناع تقديم الحال في نحو: زيد في الدار جالسا، و لو كان العامل الفعل لم يمتنع «1».
وسطا به يسطو سطوا و سطوة: قهره و أذلّه، و صال عليه.
و امتنع زيد عمّن يريده بسوء امتناعا: حمى نفسه بقوّته، أو بعشيرته. و أصل المنع: تحجير الشي‏ء، و لهذا يقال في ضدّ العطاء.
قوله عليه السّلام: «تحكم بما شئت على من شئت» جملة مستأنفة للتعليل أيضا، كالجملة المتقدّمة لقصر السلامة على من وقاه اللّه تعالى. و ترك عطفها تنبيها على كونها علّة بالاستقلال، و يجوز أن تكون تعليلا للكلام السابق عليها، كما أنّ الجملة الأولى تعليل لسابقها. و نظير ذلك قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ» «2».
قال الزمخشريّ: الأحسن و الأبلغ أن تكون هذه الجمل مستأنفات كلّها على وجه التعليل للنهي عن اتّخاذهم بطانة من دون المسلمين «3».
قال السعد التفتازانيّ: ليس معنى قوله: مستأنفات كلّها أنّ الكلّ علّة واحدة بالاجتماع، بل بمعنى أنّ كلّا منها علّة للنهي بالاستقلال، و ترك تعاطفها تنبيها على الاستقلال، كما في قوله تعالى: «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا»* «ذلِكَ بِما عَصَوْا»* أو على أنّها مستأنفات على طريق الترتيب بأن يكون اللاحق علّة للسابق إلى أن تكون الأولى علّة للنهي، و يتمّ التعليل بالمجموع، أي: لا تتخذوهم «4» بطانة، لأنهم لا يألونكم خبالا لأنّهم يودّون شدّة ضرركم، بدليل أنّه قد تبدو البغضاء من أفواههم، و إن كانوا يخفون الكثير «5». انته.
__________________________________________________
 (1) مغني اللبيب: ص 579.
 (2) سورة آل عمران: الآية 118.
 (3) الكشاف: ج 1 ص 406.
 (4) «ألف»: لا تتخذونهم.
 (5) التفتازاني.

213
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

فلك الحمد على ما وقيتنا من البلاء، و لك الشّكر على ما خوّلتنا من النّعماء، حمدا يخلّف حمد الحامدين وراءه، حمدا يملأ أرضه و سماءه.
و المشيئة و الإرادة: بمعنى واحد بحسب اللغة، و عند أكثر المتكلّمين. و فرّق بعضهم بينهما، بأنّ المشيئة من اللّه تقتضي وجود الشي‏ء، و لذلك قيل: ما شاء اللّه كان، و ما لم يشأ لم يكن، و الإرادة منه تعالى لا تقتضي وجود المراد لا محالة، ألا ترى أنّه قال: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» «1»، و قال: «وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ» «2»، و معلوم أنّه قد يحصل العسر و الظلم فيما بين الناس.
و قال بعض المحققين: مشيئة اللّه عبارة عن تجلّيه بالعناية السابقة لإيجاد المعدوم، أو إعدام الموجود، و إرادته عبارة عن تجلّيه لإيجاد المعدوم، فهي لا تتعلّق أبدا إلّا بالمعدوم، فتكون صفة تخصص أمرا بالحصول و وجوده، كما قال تعالى:
 «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» «3». و المشيئة أعمّ من الإرادة من وجه، قال: و من تتبّع مواضع استعمالات المشيئة و الإرادة في القرآن يعلم ذلك، و إن كان بحسب اللغة يستعمل أحدهما مكان الآخر انته.
و على هذا فمفاد الفقرة الثانية أخصّ من مفاد الأولى.
و المعنى: إنّك تحكم بما شئت على من شئت، حسب ما تشاء، و تقضي بما أردت على من أردت حسب ما تريد، من غير أن يوجبه عليك موجب، أو يمنعك منه مانع.
و اللّه أعلم.
 [ 1011] «الفاء»: سببيّة. و تقديم الحمد على الوقاية من البلاء على الشكر على تخويل النعماء، لما تقرّر من أنّ دفع الضرر أهم من جلب النفع، و التخلية مقدّمة على التحلية، و إيثار الشكر في النعماء ظاهر، لأنّه لا يقال إلّا في مقابلة نعمة.
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 185.
 (2) سورة غافر: الآية 31.
 (3) سورة يس: الآية 82.

214
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

إنّك المنّان بجسيم المنن، الوهّاب لعظيم النّعم، القابل يسير الحمد، الشّاكر قليل الشّكر، المحسن المجمل ذو الطّول، لا إله إلّا أنت، إليك المصير.
 [ 1012] و خلّفت الشي‏ء تخليفا: تركته خلفي، أي ورائي و هو نقيض قدّام.
و وراء: نصب على الظرفيّة، لا على أنّه مفعول ثان ليخلّف كما توهّمه بعضهم.
و جملة «يخلّف»- في محلّ نصب- نعت ل «حمدا» المنصوب على المفعوليّة المطلقة.
و الكلام تمثيل لرجحان حمده على سائر الحمد، و تصوير لإنافته و فضله على كلّ حمد كمّا، و كيفا بما هو علم في الرجحان و الفضل من شرف السابق المجاوز لأمثاله و أقرانه، المخلّف لهم وراء ظهره عليهم جميعا، و مداره على تصوير المعقول بصورة المحسوس و إبراز الغائب عن الحس في صورة الشاهد حتّى كأنّه محسوس مشاهد.
و مثله قوله عليه السّلام «يملأ أرضه و سماءه» فإنّه تمثيل و تصوير أيضا، لكثرة الحمد بكثرة ما يملأ الأرض و السماء.
و الضمير في كلّ من أرضه و سمائه إمّا عائد إلى اللّه تعالى فيكون من باب الالتفات، أو إلى الحمد، و الإضافة لأدنى ملابسة لوقوعه فيهما «1» كما قال تعالى:
 «وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» «2». و اللَّه أعلم [ 1013] المنّان: صيغة مبالغة من المنّة، و هي النعمة الثقيلة، يقال: «منّ عليه» إذا أثقله بالنعمة الثقيلة، و على ذلك قوله تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» «3»، و ذلك في الحقيقة لا يكون إلّا اللّه تعالى.
و الجسيم في الأصل: العظيم الجسم، و هو ما له طول و عرض و عمق، ثمّ استعمل في المعاني أيضا.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: بينهما.
 (2) سورة الروم: الآية 18.
 (3) سورة آل عمران: الآية 164.

215
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

..........
قال في الأساس: و من المجاز أمر جسيم، و هو من أجسام الأمور، و جسيمات الخطوب «1».
و المنن: جمع منّة، مثل سدرة و سدر.
و الوهّاب: من أبنية المبالغة أيضا، و هو من الهبة، و هي أن تجعل ملكك لغيرك من غير عوض.
و العظيم في أصل الوضع: من عظم الرجل إذا كبر عظمه، ثمّ استعمل لكلّ كبير، محسوسا كان أو معقولا، عينا كان أو معنى.
و النعم: جمع نعمة بالكسر، و هي في الأصل للحالة الحسنة كالركبة و الجلسة، ثمّ أطلقت فيما قصد به الإحسان و النفع.
و قبلت الهدية- من باب تعب- قبولا، أي أخذتها. قالوا: و القبول يقتضي الرضا و الإثابة، و لذلك لا يقال إلّا في أخذ الشي‏ء على وجه يقتضي ثوابا، كالهديّة.
و قبول اللّه تعالى للعمل عبارة عن أن يكون العمل بحيث يرضاه و يثيب عليه.
شبّه الفعل من العبد بالهديّة، و رضا «2» اللّه تعالى به و إثابته عليه بالقبول.
و اليسير: فعيل من يسر الشي‏ء- من باب قرب-: بمعنى قلّ فهو يسير، أي:
قليل.
و الشاكر و الشكور في وصفه تعالى: قيل: هو المجازي على الشكر. و قيل:
المثيب الكثير على القليل. و قيل: المثني على من شكره و أطاعه.
 [ 1014] و المحسن: من الإحسان، و يقال على وجهين:
أحدهما: الإنعام على الغير، و منه قوله تعالى: «وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ» «3».
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 94.
 (2) «ألف»: رضاه.
 (3) سورة يوسف: الآية 100.

216
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السادس و الثلاثين ص 201

..........
الثاني: إحسان في نفسه، و ذلك إذا علم علما حسنا، أو عمل عملا حسنا، و منه قوله تعالى: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ» «1».
و المجمل: من أجمل الصنيعة، أي أجزلها و وفّرها، كأنّه أعطاها جملا.
و في القاموس: أجمل الصنيعة: حسّنها، و كثّرها «2». انته.
فيكون على الأوّل: من الجمال، و هو الحسن، و على الثاني من الجملة.
و الطّول- بالفتح-: الفضل و المنّ. و عن ابن عباس في قوله تعالى: «ذِي الطَّوْلِ» أي ذي النعم على عباده، و عن مجاهد، أي ذي الغنى و السعة. و عن الحسن و قتادة، أي ذي التفضّل على المؤمنين «3». و قيل: أي ذي الفضل بترك العقاب المستحقّ.
و لمّا وصفه تعالى بالصفات التي لا تليق إلّا بالإله وحده بالألوهيّة، فقال:
لا إله إلّا أنت، أي أنت الموصوف بهذه الصفات دون غيرك، و لا يستحقّها سواك.
ثمّ أتبعه بقوله: «إليك المصير» أي إليك المرجع فحسب، لا إلى غيرك، لا استقلالا و لا اشتراكا.
و المعنى: إنّ الامور تئول إلى حيث لا يملك أحد النفع و الضرّر، و الأمر و النهي غيرك. و اللّه أعلم. [] تمّ ضحى يوم الجمعة واحد و عشرين شوّال.
__________________________________________________
 (1) سورة السجدة: الآية 7.
 (2) القاموس المحيط: ج 3 ص 351.
 (3) مجمع البيان: ج 7- 8 ص 513.

217
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة السابعة و الثلاثون ص 219

الروضة السابعة و الثلاثون‏

219
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر ص 221

و كان من دعائه عليه السّلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر
اللهمّ إنّ أحدا لا يبلغ من شكرك غاية إلّا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكرا و لا يبلغ مبلغا من طاعتك و ان اجتهد إلّا كان مقصّرا دون استحقاقك بفضلك فاشكر عبادك عاجز عن شكرك و اعبدهم مقصّر عن طاعتك لا يجب لأحد ان تغفر له باستحقاقه و لا ان ترضى عنه باستيجابه فمن غفرت له فبطولك و من رضيت عنه فبفضلك تشكر يسير ما شكرته و تثيب على قليل ما تطاع فيه حتّى كأنّ شكر عبادك الّذي أوجبت عليه ثوابهم و اعظمت عنه جزاءهم أمر ملكوا استطاعة الامتناع منه دونك فكافيتهم او لم يكن سببه بيدك فجازيتهم بل ملكت يا إلهي امرهم قبل أن يملكوا عبادتك و اعددت ثوابهم قبل ان يفيضوا في طاعتك و ذلك انّ سنّتك الافضال و عادتك الاحسان و سبيلك العفو فكلّ البريّة معترفة بأنّك غير ظالم لمن عاقبت و شاهدة بأنّك متفضّل على من عافيت و كلّ مقرّ على نفسه بالتّقصير عمّا استوجبت فلو لا انّ الشّيطان يختدعهم عن طاعتك ما عصاك عاص و لو لا أنّه صوّر لهم الباطل في مثال الحقّ ما ضلّ عن طريقك‏

221
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر ص 221

ضآلّ فسبحانك ما أبين كرمك في معاملة من اطاعك او عصاك تشكر للمطيع ما أنت تولّيته له و تملى للعاصى فيما تملك معاجلته فيه أعطيت كلّا منهما ما لم يجب له و تفضّلت على كلّ منهما بما يقصر عمله عنه و لو كافات المطيع على ما أنت توليّته لأوشك ان يفقد ثوابك و ان تزول عنه نعمتك و لكنّك بكرمك جازيته على المدّة القصيرة الفانية بالمدّة الطّويلة الخالدة و على الغاية القريبة الزّائلة بالغاية المديدة الباقية ثمّ لم تسمه القصاص فيما أكل من رزقك الّذي يقوى به على طاعتك و لم تحمله على المناقشات في الالات الّتي تسبّب باستعمالها إلى مغفرتك و لو فعلت ذلك به لذهب بجميع ما كدح له و جملة ما سعى فيه جزاء للصّغرى من اياديك و مننك و لبقى رهينا بين يديك بسائر نعمك فمتى كان يستحقّ شيئا من ثوابك لا متى هذا يا إلهي حال من اطاعك و سبيل من تعبّد لك فامّا العاصي أمرك و المواقع نهيك فلم تعاجله بنقمتك لكى يستبدل بحاله في معصيتك حال الانابة إلى طاعتك و لقد كان يستحقّ في اوّل ما همّ بعصيانك كلّ ما اعددت لجميع خلقك‏

222
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر ص 221

من عقوبتك فجميع ما أخرت عنه من العذاب و أبطأت به عليه من سطوات النقمة و العقاب ترك من حقّك و رضى بدون واجبك فمن أكرم منك يا إلهي و من اشقى ممّن هلك عليك لا من فتباركت ان توصف الّا بالإحسان و كرمت أن يخاف منك الّا العدل لا يخشى جورك على من عصاك و لا يخاف اغفالك ثواب من ارضاك فصلّ على محمّد و آله و هب لي املى و زدني من هداك ما أصل به الى التّوفيق في عملي انّك منّان كريم‏

223
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 224

 [مقدمة الشارح‏]
 [] (الروضة السابعة و الثلاثون) بسم اللّه الرحمن الرحيم و ايّاه نستعين الحمد للّه الذي اعترف بالتقصير عن أداء شكره الشاكرون، و اغترف بالتبصير من بحار ذكره الذاكرون، و الصلاة و السّلام على نبيّه الذي مهد نهج الحمد و سبيله، و على أهل بيته الذين و ردوا سلسل الشكر و سلسبيله.
و بعد: فهذه الروضة السابعة و الثلاثون من رياض السالكين، تتضمّن شرح الدعاء السابع و الثلاثين من صحيفة سيّد العابدين صلوات اللّه و سلامه عليه و على آبائه و أبنائه الأئمة الراشدين، إملاء راجي فضل ربّه السنيّ علي صدر الدين الحسينيّ الحسنيّ، وفّقه اللّه لشكره و حمده، و تجاوز بمنّه عن خطأه و عمده.

224
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

شرح الدعاء السابع و الثلاثين‏
و كان من دعائه عليه السّلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر.
اعترف بالشي‏ء اعترافا: أقرّ به على نفسه و التقصير يقال على وجهين.
أحدهما: بمعنى العجز عن الشي‏ء، يقال فيه: قصر عنه قصورا- من باب قعد- و قصر عنه تقصيرا: أي عجز عنه و لم يبلغه.
و الثاني: التواني في الأمر، يقال: قصّر فلان في حاجتي تقصيرا إذا توانى فيها.
و هو بالمعنى الأوّل يتعدّي ب «عن» و بالمعنى الثاني يتعدّى ب «في»، و المراد هنا المعنى الأول لتعديته ب «عن».
و التأدية: مصدر أدّى الحقّ إذا أوصله وافيا، و الاسم الأداء.
قال الراغب: الأداء دفع ما يحقّ دفعه و توفيته، كأداء الجزية و أداء «1» الأمانة.
 (مقدّمة) الشكر: قيل: هو الثناء على المحسن بذكر إحسانه.
و قيل: هو تصوّر المنعم عليه النعمة و إظهارها.
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 14 مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.

225
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و قيل: هو عبارة عن معروف يقابل النعمة، سواء كان باللسان أو بالأركان أو بالجنان. فالشكر باللسان: هو الثناء على المنعم بالجميل، و الشكر بالأركان: هو مكافاته بقدر استحقاقه، و الشكر بالجنان: هو تصوّر النعمة.
و قيل: الشكر باللسان: هو الاعتراف على وجه الاستكانة بجلالة النعمة و الشكر بالأركان: الاتّصاف بالوفاق، و الخدمة، و الشكر بالجنان: هو الاعتكاف على بساط الشهود بإدامة الحرمة.
و قال الأكثرون: الشكر قسمان لغوي و عرفي.
فاللغويّ: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب الإنعام سواء كان ذكرا باللسان، أو اعتقادا و محبّة بالجنان، أو عملا و خدمة بالأركان.
و العرفيّ: هو صرف العبد جميع ما أنعم اللّه عليه من السمع و البصر و غيرهما إلى ما خلقه اللّه لأجله. فبين الشكر اللغوي و الشكر العرفي عموم و خصوص مطلقا.
و قال المحقق النصير الطوسيّ: اعلم أنّ الشكر مقابلة «1» النعمة بالقول و الفعل و النيّة. و له أركان ثلاثة:
الأوّل: معرفة المنعم و صفاته اللائقة به، و معرفة النعمة من حيث إنّها نعمة، و لا تتمّ تلك المعرفة إلّا بأن تعرف أنّ النعم كلّها جليّها و خفيّها من اللّه سبحانه، أنّه المنعم الحقيقي، و أنّ الأوساط كلّها منقادة لحكمه مسخّرة لأمره.
الثاني: الحالة التي هي ثمرة تلك المعرفة، و هي الخضوع و التواضع، و السرور بالنعم، لا من حيث إنّها موافقة لغرض النفس، فإنّ في ذلك متابعة لهواها، و قصر الهمّة على رضاها، بل من حيث إنّها هديّة دالة على عناية المنعم بك، و علامة ذلك أن لا تفرح من نعم الدنيا إلّا بما يوجب القرب منه.
الثالث: العمل الذي هو ثمرة تلك الحال، فإنّ تلك الحال إذا حصلت في‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: مقابله.

226
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه تعالى، و هذا العمل يتعلّق بالقلب و اللسان و الجوارح.
أمّا عمل القلب فالقصد إلى تعظيم المنعم و تمجيده و تحميده و التفكّر في صنائعه و أفعاله و آثار لطفه، و العزم على إيصال الخير و الإحسان إلى عامّة الخلق.
و أمّا عمل اللسان فإظهار ما قصدته و نويته من التمجيد و التعظيم بتهليله و تحميده و تسبيحه و الثناء عليه. و إرشاد الخلق بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى غير ذلك.
و أمّا عمل الجوارح فاستعمال نعمه الظاهرة و الباطنة في طاعته و عبادته، و عدم استعمالها في معصيته و مخالفة أمره، كإعمال العين في النظر إلى عجيب مصنوعاته و آياته، و النظر في كتابه، و استعمال السمع في استماع دلائله و براهينه، و الإنصات لقراءة كتابه، و قس على ذلك سائر الجوارح.
و من هنا ظهر أنّ الشكر من أشرف معارج السالكين و أعلى مدارج العارفين، و لا يبلغ حقيقته إلّا من ترك الدنيا وراء ظهره، و هم قليلون. و لذلك عزّ من قائل:
 «وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» «1» انته.
و قال بعض العارفين: كما أنّ لكل من اللسان و الجنان و الأركان في الشكر تعلّقا بك، فكلّ منها تعلّق بغيرك. و لا يتمّ شكر اللّه به ما لم توفّر على غيرك حقّه منه. أمّا بالجنان: فان تنوي الخير و تعتقد الشفقة على كافّة الخلق. و أمّا باللسان:
فان تحسن القول لهم. و أمّا بالأركان: فبالتوقّي ممّا يرجع عليهم بسوء حتّى أن شكر العين أن تستر كلّ عيب تراه فيهم، و شكر السمع أن تستر كلّ قبيح تسمعه منهم، و حتى إذا لقيت معارفك فلا تسائلهم على العادة في التلطّف و التحفّي في‏
__________________________________________________
 (1) شرح الكافي للمولى محمّد صالح المازندراني: ج 8 ص 276- 277، نقلا عن المحقّق الطوسي «قدّس سرّه».

227
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

قال عليه السّلام:
اللّهمّ إنّ أحدا لا يبلغ من شكرك غاية إلّا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكرا، و لا يبلغ مبلغا من طاعتك، و إن اجتهد إلّا كان مقصّرا دون استحقاقك بفضلك، فأشكر عبادك عاجز عن شكرك، و أعبدهم مقصّر عن طاعتك.

مسألة الحال شوقا و اهتماما، و لكن على استخراج الشكر منهم و التأدّي بهم إلى أن يحمدوا اللّه، و تحمده معهم، كما جاء في الحديث أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل:
 «كيف أصبحت؟ فقال: بخير. فأعاد السؤال، حتى قال في الثالثة: بخير أحمد اللّه و أشكره. فقال عليه السّلام: هذا الذي أردت و حمد اللّه معه» «1».
و بالجملة فأداء شكر اللّه أمر تعجز عنه العباد، و لو بعد السعي و الاجتهاد.
 [ 1015] و التأكيد ب «إنّ» لتهيئة النكرة لأن تصلح أن يخبر عنها مع ما فيه من أنّ الحكم عن اعتقاد و صميم قلب، و من أنّه ممّا يجب أن يبالغ في تأكيده و تحقيقه، و من كونه رائجا مقبولا عند المخاطب، إلى غير ذلك من كمال العناية و الاهتمام و وفور نشاط المتكلّم و صدق رغبته، و إظهار كمال التضرّع و الابتهال.
و «أحدا» هنا اسم لمن يصلح أن يخاطب، يستوي فيه المذكّر و المؤنّث و المثنى و المجموع. و قيل «2»: ليس هو بمعنى واحد، و لذلك ذهب الفارسيّ و جماعة أنّ همزته أصليّة، لا بدل من الواو «3».
و قال الرضيّ: كأنّه لمّا لم ير في نحو: «ما جاءني أحد» معنى الوحدة، ارتكب كون الهمزة أصلا، و الأولى أن يقال: همزته في كلّ موضع بدل من الواو، و معنى ما جاءني أحد، ما جاءني واحد، فكيف ما فوقه «4». انته.
__________________________________________________
 (1) المحجة البيضاء: ج 7 ص 148.
 (2) «ألف»: قيل: و ليس هو.
 (3) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 146.
 (4) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 146.

228
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و هو هنا يعمّ جنس الإنس بحيث لم يبق منهم أحد، لأنّ النكرة الواقعة في موضع ورد فيه النفي بأن ينسحب عليها حكم النفي تكون للعموم و الاستغراق. و هي هنا كذلك في المعنى، لأنّ المعنى لا يبلغ أحد غاية، و ذلك لاختصاص أحد بالنفي.
و قال ابن هشام في المغني: قولهم: «إنّ أحدا لا يقول ذلك» إنّما أوقع أحدا في الإثبات، لأنّه نفس الضمير المستتر في يقول و الضمير في سياق النفي، فكان أحد كذلك «1» انته.
 (فائدة) قال الراغب: أحد يستعمل على ضربين: أحدهما في النفي فقط، و الثاني في الإثبات.
أمّا الأوّل: فلاستغراق جنس الناطقين، و يتناول القليل و الكثير على طريق الاجتماع و الافتراق، نحو: ما في الدار أحد، أي لا واحد و لا اثنان فصاعدا، لا مجتمعين و لا مفترقين. و لهذا المعنى لم يصحّ استعماله في الإثبات، لأنّ نفي المتضادين يصحّ، و لا يصحّ إثباتهما، فلو قيل: في الدار أحد، لكان فيه إثبات واحد منفرد، مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين و مفترقين، و ذلك ظاهر الإحالة. و لتناول ذلك ما فوق الواحد يصحّ أن يقال: ما من أحد فاضلين، كقوله تعالى: «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» «2».
و أمّا الثاني: و هو المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يستعمل في العدد مع العشرات نحو: أحد عشر، و أحد و عشرين.
و الثاني: أن يستعمل مضافا و مضافا إليه بمعنى الأوّل كقوله تعالى: «أَمَّا
__________________________________________________
 (1) مغني اللبيب: ص 888.
 (2) سورة الحاقة: الآية 47.

229
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

 

..........
أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً»، و قولهم: يوم الأحد، أي يوم الأوّل، لقولهم يوم الاثنين.
و الثالث: أن يستعمل مطلقا وصفا، و ليس ذلك إلّا في وصف اللّه تعالى نحو:
 «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». و أصله وحد، و لكنّ وحدا يستعمل في غيره تعالى، كقول النابغة:
على مستأنس وحد «1»

 انته.
و بلغت الغاية بلوغا- من باب قعد-: انتهيت إليها. و يطلق البلوغ على الانتهاء إلى أقصى الأمد و منتهاه مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدّرة. و غاية كلّ شي‏ء: مداه و منتهاه.
قوله عليه السّلام: «إلّا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكرا» استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، محلّه النصب على الحاليّة من فاعل يبلغ، أي: لا يبلغ أحد غاية من شكرك في حال من الأحوال، إلا حال كونه حاصلا عليه من إحسانك ما يلزمه شكرا، و نظيره قوله تعالى: «وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً» «2». و مفاد ما قبل إلّا و ما بعدها هنا مفاد الشرط و الجزاء من لزوم الثاني للأوّل، إذ المقصود لزوم تعقّب مضمون إلّا لمضمون ما قبلها.
و حاصل المعنى: أنّه كلّما بلغ من الشكر غاية حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكرا.
و ما وقع لبعض القاصرين- من أنّ الاستثناء في «إلّا حصل» منقطع كما في «ما زاد إلّا ما نقص»، لكنّ مستثنى هذا مفرد، و مستثنى ذلك جملة، و إن كان المستثنى في ذلك عند التأويل مفردا. و المعنى: لا يعرض له عارض عند بلوغ غاية من غايات الشكر إلّا حصول نعمة من نعمك عليه، يلزمه شكرها فهو خبط صريح،
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 12 مع اختلاف يسير في العبارة.
 (2) سورة الفرقان: الآية 33.

 

230
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
ناشئ عن جهل قبيح.
و «من» في قوله: «من شكرك» و «من إحسانك» مبيّنة لما بعدها، و هي و مخفوضها في موضع نصب على الحال منه.
قال الرضي: و إنّما جاز تقديم «من» المبيّنة على المبهم في نحو قولك: أنا من خطّه في روضة، لأنّ المبهم مقدّم تقديرا، كأنّك قلت: أنا في شي‏ء من خطه في روضة، فالمبيّن فيه محذوف «1». و ما بعد «من» عطف بيان له حذف المعطوف عليه و أقيم المعطوف مقامه كما يحذف المستثنى منه و يقام المستثنى مقامه «2». انته.
و عدّى حصل ب «على»، و المعروف تعديته باللام، لأنّه هنا بمعنى ثبت عليه، كأنّ ما يلزمه شكرا استعلى عليه، و لزمه لزوم الراكب لمركوبه.
و ألزمته المال و العمل إلزاما: أوجبته و أثبتّه عليه.
 [ 1016] و المبلغ: إمّا اسم مكان من البلوغ، أو مصدر ميمي.
و في الصحاح: شي‏ء بالغ: أي جيّد، و قد بلغ في الجودة مبلغا «3».
و دون: نقيض فوق، و هو تقصير عن «4» الغاية.
و استحقّ فلان الأمر استحقاقا: استوجبه.
و «الباء» من قوله: «بفضلك» للسببيّة. و الفضل هنا إمّا بمعنى الإحسان.
قال الراغب: كلّ عطيّة لا تلزم من يعطي يقال لها: فضل، نحو قوله تعالى:
 «وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» «5».
و إمّا بمعنى الكمال و الفضيلة.
 [ 1017] قوله عليه السّلام: «فأشكر عبادك». «الفاء»: فصيحة، أي إذا كان الأمر هكذا فأشكر عبادك عاجز عن شكرك، أي غير قادر عليه، و أعبدهم مقصّر عن‏
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 322.
 (2) شرح الكافية في النحو: ج 1 ص 343.
 (3) الصحاح: ج 4 ص 1316.
 (4) «ألف»: على.
 (5) المفردات: ص 382.

231
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
طاعتك، أي: عاجز عنها، من قصّر عن الشي‏ء تقصيرا إذا عجز عنه.
و الطاعة هنا: إمّا بمعنى موافقة الإرادة، أو بمعنى العبادة،- كقولهم: تقبّل اللّه طاعتك- إطلاقا للعامّ على الخاصّ، كما قد تطلق العبادة على الطاعة في عكس ذلك.
و مدار هذا الفصل من الدعاء على أمرين:
أحدهما: بيان العجز عن شكره تعالى.
و الثاني: بيان العجز عن ما يستحقّه سبحانه من الطاعة و العبادة أمّا الأوّل:
فبيّنه عليه السّلام بلزوم التسلسل، و هو ترتيب أمور غير متناهية، لأنّه إذا أحدث شكرا على نعمة، أحدث اللّه عليه نعمة أخرى يجب عليه شكرها، فيحتاج أن يشكرها كشكره الأولى. و كذلك الحال في الثالثة و الرابعة، و هذا يؤدّي إلى ما لا يتناهى، و هو غير مقدور للعبد.
و لزوم هذا الجزاء لشرطه بحكم وعد اللّه تعالى في قوله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «1»، أي: آذن إيذانا بليغا، و أخبر إخبارا مؤكدا، لا تبقى معه شائبة شبهة، لما في صيغة التفعّل من معنى التكلّف المحمول في حقّه تعالى على غايته التي هي الكمال.
و أجري مجرى فعل القسم في الجزم بالجزاء نحو: علم اللّه، و شهد اللّه، و لذلك أدخلت اللام الموطئة في الشرط، و النون المؤكّدة في الجزاء فقيل: لئن شكرتم لأزيدنكم، أي لئن شكرتم نعمتى لأزيدنكم نعمة إلى نعمة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أيما عبد انعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه، و حمد اللّه عليها بلسانه لم ينفد كلامه حتى يامر اللّه له بالزيادة، و هو قوله «لئن شكرتم لأزيدنّكم» «2».
__________________________________________________
 (1) سورة إبراهيم: الآية 7.
 (2) تفسير عليّ بن إبراهيم القميّ: ج 1 ص 368.

232
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و روى ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عنه قال: من أعطي الشكر أعطي الزيادة، يقول اللّه عزّ و جلّ «لئن شكرتم لأزيدنّكم» «1».
و لذلك أجمع العقلاء على أن تمام الشكر للّه تعالى لا يبلغه العباد حتى أنّ الأنبياء عنه قاصرون، و الأولياء مقصّرون، و للّه درّ القائل:
متى تشكر النعمى التي قد صنعتها             إذا كنت تولى نعمة حين تشكر
 و يحتمل أن يكون المراد بقوله عليه السّلام: «إلّا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكرا» هو التوفيق للشكر، فإنّه من أعظم الإحسان، و أجلّ النعم، ألا ترى إلى مناجاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنت يا ربّ أسبغت عليّ النعم السوابغ، فشكرتك عليها، فكيف لي بشكر شكرك، فقال اللّه تعالى: تعلمت العلم الذي لا يفوته علم بحسبك أن تعلم أن ذلك من عندي «2».
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى موسى عليه السّلام، يا موسى اشكرني حق شكري، فقال: يا ربّ، و كيف أشكرك حق شكرك، و ليس من شكر أشكرك به، إلّا و أنت أنعمت به عليّ؟ قال: يا موسى، الآن شكرتني، حين علمت أنّ ذلك منّي «3»:
و في رواية قال موسى عليه السّلام: إلهي أمرتني بالشكر على نعمك، و شكري إيّاك نعمة من نعمك «4».
و من هذا أخذ الشاعر فقال:
إذا كان شكري نعمة اللّه نعمة             عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلّا بفضله             و إن طالت الأيام و اتصل العمر «5»

__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 95 ح 8.
 (2) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج 1 ص 300.
 (3) الكافي: ج 2 ص 98 ح 27.
 (4) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص 140.
 (5) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص 140.

233
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و لهذا قيل: كلّ نعمة يمكن شكرها إلّا نعمة اللّه تعالى، فإنّ غاية شكرها الاعتراف بالعجز عنها، و ذلك أنّ شكر نعمته نعمة منه، فيجب على العبد شكرها، ثم يجب عليه الشكر على الشكر، و هكذا إلى ما لا ينته و ما لا نهاية له فنهايته في بدايته. فينبغي أن يسند العبد من الابتداء على العجز ظهره، و يبني على الاعتراف بالتقصير أمره، فيكون معرفة التقصير عن الشكر شكرا، و إلّا فأنّى يبلغ شكر العباد نعم الربّ الجواد! و أين يقع الحالي من الأزلي، و الذي لا يبقى من الذي لا يفنى! بل الجزء الذي لا يتجزى من الشي‏ء الذي لا يتناهى.
و أين التماد «1» البرض من فيض أبحر «2»، و أين نزيل الأرض عند الكواكب.
و في مناجاة بعضهم: إلهي أنت تعلم عجزي عن مواقع شكرك فاشكر نفسك عنّي.
و قد فسّر العلماء قوله صلّى اللّه عليه و آله لربّه تعالى و تقدّس: «قلت فكّ رهاني و ثقّل ميزاني» «3» فإنّ المراد فكّ رهانه بالشكر، فإنّ النفوس مرتهنة بالنعمة، و إنّما يفكّها الشكر، و لا يبلغ العباد كنه الشكر للّه عزّ و جلّ، ففزع صلّى اللّه عليه و آله إلى ربّه أن يتولى فكّ رهانه بجوده و إحسانه:
إلهي لقد أحسنت عودا و بدأة             إليّ فأوزعني إلهي لأشكرا
و لو أنّ لي في كلّ منبت شعرة             لسانا يقول الشكر فيك لقصّرا
إلهي كم أسديت لي منك نعمة             و فضلا فلم ينهض بإنعامك الشكر
فمن كان ذا عذر لديك و حجة             فعذري و إقراري بأن ليس لي عذر
 أمّا الثاني:- و هو بيان العجز عمّا يستحقّه سبحانه من الطاعة و العبادة- فبيّنه بذكر سبب استحقاقه للعبادة و الطاعة، و هو فضله الذي لا نهاية له حيث قال:
__________________________________________________
 (1) «ألف»: الثمار.
 (2) «ألف»: بحر.
 (3) الدر المنثور: ج 3 ص 72. ذيل الآية 10 من سورة الأعراف.

234
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
 «دون استحقاقك بفضلك» و الفضل كما تقدّم، إمّا بمعنى الإحسان أو بمعنى الكمال و الفضيلة.
أما على الأوّل، فيجب أن تكون عبادة العباد و طاعتهم بقدر إحسان المعبود و فضله عليهم، و هذا أمر ليس في طاقة أحد من البشر، لأنّه سبحانه يستحقّ بكلّ نعمة طاعة و شكرا، و نعمه غير محصورة كما قال: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «1» أي لا تقدرون على تعدادها، لكثرتها، بل لعدم تناهيها. فأين يقع القليل من الكثير، و الذي يتناهى من الذي لا يتناهى!! قال الحكيم: إذا أخذت اللقمة الواحدة لتضعها في فمك فانظر إلى ما قبلها و إلى ما بعدها، أمّا ما قبلها فكالخبز و الطحن و الزرع، و غير ذلك من الآلات المعينة، و الأسباب و الفاعليّة، و القابلية، حتى تنتهي إلى الأفلاك و العناصر. و أمّا ما بعدها فكالقوى المعينة على الجذب و الإمساك، و الهضم و الدفع، و كالأعضاء الحاملة لتلك القوى، و كسائر الامور النافعة في ذلك خارجة عن البدن، أو داخلة فيه، فإنّها لا تكاد تنحصر. و إذا كانت نعم اللّه تعالى في تناول لقمة واحدة تبلغ هذا المبلغ، فكيف فيما جاوز ذلك!! فتبيّن أنّ العبد- و إن اشتدّ على الطاعة حرصه، و طال في العبادة اجتهاده- لم يكن بالغا ما يستحقّه اللّه سبحانه منهما بفضله و نعمته عليه. فكيف بمن تطغيه النعمة، و تبطره الدّعة حتى يستعين بنعمته على معصيته، و يتكبّر بإحسانه على خليقته! و لذلك ختم سبحانه الآية المذكورة في سورة إبراهيم عليه السّلام بقوله إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ «2» و في سورة النحل بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «3» فسجّل في الأوّل بالظلم و الكفران و في الثاني باستحقاق النقمة لو لا الرحمة و الغفران، فكأنّه‏
__________________________________________________
 (1) سورة إبراهيم: الآية 34، و سورة النحل: الآية 18.
 (2) سورة إبراهيم: الآية 34.
 (3) سورة النحل: الآية 18.
                       

235
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
قال: إن كنت ظلوما كفورا، فلم أزل رحيما غفورا، لا أقابل منك التقصير إلّا بالإحسان و التوفير، و لا أجازي منك الجفاء إلّا باللطف و الوفاء، تلك شيمتك في الأخذ، و هذه شيمتي في العطاء.
و أمّا على الثاني- و هو حمل الفضل على معنى الكمال و الفضيلة- فبيانه: أنّ كمال العبادة و مطابقتها للأمر المطاع بحسب العلم بكمال المعبود، و علوّ شأنه و عظمته. و لمّا كانت ذات الحقّ سبحانه و عظمتها و كما لها أمرا أعظم من أن يطلع عليه بالكنه ملك مقرّب أو نبيّ مرسل، لا جرم كانت عبادة العباد من الملائكة و البشر بحسب معارفهم القاصرة عن كنه حقيقته، لا بحسب كماله على هو كما عليه. فكلّ من كان علمه و معرفته أتمّ و أكمل كانت عبادة من دونه مستحقرة في جنب عبادته، حتى لو زادت معرفته به و أمكن اطلاعه على كنه حقيقته لزادت عبادته، و كانت أتمّ و أكمل.
فإذن كلّ طاعة و عبادة قاصرة عمّا يستحقّه كماله المطلق و كلّ طائع و عابد حاجز و مقصّر عنه و إن خبّ و أعنق. و إلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليه السّلام، بقوله في صفة الملائكة: لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك لحقّروا أعمالهم، و لأزروا على أنفسهم، و عرفوا أنهم لم يعبدوك حقّ عبادتك، و لم يطيعوك حقّ طاعتك «1».
و كلا المعنيين يشمله قوله تعالى، و هو أصدق القائلين: «و ما قدروا اللّه حقّ قدره» «2».
فإن قلت: كيف يحمل الفضل على معنى الكمال في عبارة الدعاء، و قد نصّ بعضهم على أن الفضل إنّما يستعمل للكمال في حقّ غير اللّه تعالى؟
قلت: لا نسلّم ذلك، فقد تقدّم في دعاء التحميد، و هو الدعاء الأوّل قوله‏
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة: ص 159 الخطبة 109.
 (2) سورة الانعام: الآية 91.

236
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

لا يجب لأحد أن تغفر له باستحقاقه، و لا أن ترضى عنه باستيجابه، فمن غفرت له فبطولك، و من رضيت عنه فبفضلك.
عليه السّلام «حمدا يفضل سائر الحمد كفضل ربّنا على خلقه» و كفى به شاهدا.
و قد ورد في بعض الأدعية أيضا وصفه تعالى بالفاضل. و اللّه أعلم.
 [ 1018] الجملة الأولى مستأنفة استئنافا بيانيّا، كأنّه قيل: كيف تراهم مع العجز عن الشكر. و التقصير عن الطاعة في استحقاق المغفرة و استيجاب الرضا؟ فقال:
 «لا يجب لأحد أن تغفر له باستحقاقه» إلى آخره.
و تأخير الرضا عن المغفرة رعاية لاسلوب الترقّي إلى الأعلى لأنّ الرضا فوق المغفرة، فقد «1» يغفر السيد ذنب عبده، و ليس براض عنه، و على ذلك ما ورد في الدعاء: اغفر لي خطيئتي و ارض عنّي، فإن لم ترض عنّي فاعف عني، و قد يعفو السيّد عن عبده و ليس براض عنه.
و ما حكي أنّ رجلا غضب على عبده، فاستشفع إليه بشفيع فشفّعه، فجعل العبد يبكي و يتضرّع، فقال له الشفيع: ما هذا البكاء و قد عفى عنك؟ فقال السيد:
إنّه يطلب الرضا، و ليس ذلك إليه، فإنّما يبكي لأجله.
و إنّما نفى عليه السّلام وجوب المغفرة و الرضا لأحد عن استحقاق و استيجاب، لأنّ المغفرة و الرضا تفضّل و إحسان منه تعالى إن شاء فعل، و إن شاء لم يفعل. فلا يجب عليه سبحانه أن يغفر لأحد أو يرضى عنه لاستحقاقه و استيجابه، و إن تاب و أناب، لأنّ الغفران مع التوبة عندنا على وجه التفضّل أيضا، لا على وجه الوجوب، خلافا للمعتزلة.
 [ 1019] و «الفاء» من قوله: «فمن غفرت له» للترتيب الذكري، أو فصيحة.
و الطول و الفضل بمعنى، يقال: طال عليه طولا- من باب قال- أي أفضل عليه، و أحسن إليه.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: و قد.

237
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

تشكر يسير ما شكرته، و تثيب على قليل ما تطاع فيه، حتّى كأنّ شكر عبادك الّذي أوجبت عليه ثوابهم، و أعظمت عنه جزاءهم، أمر ملكوا استطاعة الامتناع منه دونك فكافيتهم، أو لم يكن سببه بيدك فجازيتهم.
 [ 1020] وصفه تعالى بالشكر، قيل: المراد به مجازاته على اليسير من الطاعة بالكثير من الثواب، لأنّه يعطي بالعمل في أيّام معدودة نعما في الآخرة غير محدودة. و من جازى الحسنة بأضعافها صحّ أن يقال: إنّه شكر تلك الحسنة.
و قيل: المراد به قبول اليسير من الطاعة و الثناء على فعلها و فاعلها، و قد وصف سبحانه تعالى نفسه بالشكور في غير موضع من القرآن المجيد، فقال في سورة فاطر:
 «إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ» «1»، و قال فيها: «إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ «2»، و قال في سورة الشورى: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ «3».
قال العلّامة الطبرسيّ: أي شكور للطاعات، يعامل عباده معاملة الشاكر في توفية الحقّ حتّى كأنّه ممّن وصل إليه النفع فشكره «4».
و قال في سورة التغابن: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ» «5».
قال القاضي: أي يعطي الجزيل بالقليل «6».
و قد تواترت النسخ المشهورة من الصحيفة الشريفة بضبط «شكرته» بفتح الشين المعجمة، و الكاف، و تاء الخطاب على البناء للفاعل.
فالمعنى تشكر يسير ما قبلته من العمل، و أثنيت عليه، أي تجازي بالكثير عليه.
و ما قيل: إنّ المعنى: تشكر يسير الشكر، فليس بظاهر، إلّا أن يضبط «شكرته»
__________________________________________________
 (1) سورة فاطر: الآية 30 و 34.
 (2) سورة فاطر: الآية 30 و 34.
 (3) سورة الشورى: الآية 23.
 (4) مجمع البيان: ج 9- 10 ص 29.
 (5) سورة التغابن: الآية 17.
 (6) أنوار التنزيل و أسرار التأويل: ج 2 ص 482.

238
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
بالبناء، للمفعول، و لم نقف عليه في شي‏ء من النسخ.
و قول بعضهم: المراد أنّه يشكر يسير ما شكره- أي شكرناه به، لأنّ شكرنا بأمره، و لأنّ أسبابه و التوفيق له منه فكأنّه هو الشاكر لنفسه- لا يخفى ما فيه من التعسّف.
و في النسخة الشهيد رحمة اللّه: «تشكر يسير ما تشكر به» بالبناء للمفعول في الثاني، و هو أظهر في المعنى، و أنسب لما بعده.
و أثابه إثابة: أعطاه ثواب عمله، أي جزاءه و منه قوله تعالى: فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ «1». و أكثر ما تستعمل في المحبوب، و قد تستعمل في المكروه على الاستعارة، كاستعمال البشارة فيه، و منه قوله تعالى: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ «2».
و قوله: «فيه» ظرفيّة مجازيّة، أي تعطي الثواب على قليل العمل الذي تطاع فيه، جعل العمل كأنّه ظرف و محلّه الطاعة «3».
و «حتّى» حرف ابتداء، و الجملة بعدها مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب، خلافا للزجّاج زعم أنّها في محلّ جر ب «حتّى» «4»، و يردّه أنّ الحروف الجارّة لا تدخل عاملة إلّا على مفرد، و مؤوّل به، و فائدة حتّى هنا التعظيم.
قال الرضيّ: فائدة حتى الابتدائيّة، إمّا التحقير، كقوله:
فوا عجبا حتّى كليب تسبّني‏

 أو التعظيم، كقوله:
فما زالت القتلى تمجّ دماءها             بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل «5».

قلت: و وجهه إنّها غاية لما قبلها، إمّا في نقص أو «6» زيادة فجاء من النقص التحقير، و من الزيادة التعظيم.
و عليه و عنه متعلّقان بالمصدرين بعدهما كقول كعب:
__________________________________________________
 (1) سورة المائدة: الآية 85.
 (2) سورة آل عمران: الآية 153.
 (3) «ألف» و محلّ للطاعة.
 (4) مغني اللبيب: ص 176.
 (5) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 327.
 (6) «ألف»: او في.

239
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
في خلقها عن بنات الفحل تفضيل‏

 و وجب الحقّ يجب وجوبا: لزم و ثبت، و أوجبته إيجابا: أثبتّه و ألزمته، أي جعلته لازما «1» ثابتا.
 [ 1021] و أعظم اللّه له الأجر إعظاما: جعله عظيما.
و الأمر: لفظ عامّ يطلق على الأفعال و الأقوال كلّها، و منه قوله تعالى: «إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» «2».
و ملكت الشي‏ء ملكه- من باب ضرب- ملكا و ملكا، بالفتح و الكسر، تمكّنت من التصرّف فيه من غير مانع، و الجملة- في محلّ الرفع- نعت لأمر.
و الاستطاعة: استفعالة من الطوع، و هو الانقياد، فهي في الأصل بمعنى طلب انقياد الشي‏ء و تأتيه، ثمّ استعملت في القدرة التامّة التي يتمكّن بها الإنسان ممّا يريده. و عرّفت بأنّها عرض يخلقه اللّه في الإنسان، يفعل به الأفعال الاختيارية.
و امتنع من الشي‏ء و عنه امتناعا: كفّ عنه.
و دون: بمعنى التجاوز كما مرّ مرارا، فهي ظرف مستقر وقع حالا من ضمير العباد في ملكوا، أي ملكوا استطاعة الامتناع منه حال كونهم متجاوزين لك، أي مستبدّين بها من غير أن يكون لك مدخل في حصولها لهم.
و «الفاء» من قوله: «فكافيتهم» سببيّة عاطفة على محذوف تقديره «ففعلوه فكافيتهم»، كقوله تعالى: «اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ» «3» أي ضرب فانفجرت، و تسمّى فصيحة، لإفصاحها عن المحذوف و قس على ذلك قوله:
 «فجازيتهم».
و المكافاة: المجازاة، و أصله الهمز. و كلمة «أو» للإيذان بتساوي الأمرين في‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: و ثابتا.
 (2) هود: الآية 123.
 (3) البقرة: الآية 60.

240
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
الاستقلال بوجه التشبيه، و بصحّة التشبيه بكلّ واحد منهما و بهما معا، كقوله تعالى:
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ «1».
و جملة «لم يكن»- في محلّ رفع- وصف لموصوف محذوف، و التقدير: أو أمر لم يكن سببه بيدك، يقال: الأمر بيد فلان، أي في تصرّفه.
و حاصل معنى هذا الفصل من الدعاء أنّ إحسانه تعالى إلى عباده في مقابلة شكرهم له، و إنعامه عليهم بإزاء طاعتهم و عبادتهم إيّاه، إنّما هو تفضّل منه تعالى، إذ كان إيقاع الشكر و الطاعة و العبادة منهم بإقداره لهم على ذلك و توفيقه إيّاهم له، لأنّ كلّ فاعل سواه إنّما يستحقّ القدرة على الفعل من جوده تعالى، لا لذاته استقلالا و تفرّدا به، على ما علم في مظانّه. و مع ذلك فقد جعل سبحانه ثوابهم على شكره، و جزاءهم على طاعته ثوابا واجبا و أجرا مستحقّا، فأشبه شكرهم و طاعتهم أمرا استقلّوا لذواتهم بالقدرة على إيجاده، و كانوا يستطيعون أن لا يوجدوه، و أن يمتنعوا منه، أو أمرا استبدّوا بتسبيب سببه في إيقاعه، فاستوجبوا بذلك الثواب، و استحقّوا به الجزاء. و ليس الأمر كذلك، بل هو سبحانه الذي أقدرهم على ذلك، و وفّقهم له، و قادهم بزمام اللطف و العناية إليه. فلو أرادوا أن يمتنعوا منه، و أن لا يفعلوه بدون ما ركّبه فيهم من الأسباب ما استطاعوا، و كان أسباب صدوره منهم و حصوله عنهم بقدره و إعداده عزّ و جلّ، فإنّى لهم الاستقلال و الاستبداد في نسبته إليهم؟! و من هنا قال موسى عليه السّلام: «إلهي أمرتني بالشكر على نعمك، و شكري إيّاك نعمة من نعمك» «2». و عليه قوله تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «3».
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 19.
 (2) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص 140.
 (3) سورة الحجرات: الآية 17.

241
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

بل ملكت يا إلهي أمرهم قبل أن يملكوا عبادتك، و أعددت و إنّما قال عليه السّلام: «أمرا ملكوا استطاعة الامتناع منه دونك» و لم يقل:
ملكوا استطاعة إيجاده دونك، للمبالغة في تحقّق عجزهم، لأنّ من لا يملك استطاعة الامتناع من الشي‏ء فهو عن استطاعة فعله و إيجاده أعجز. و هذا لا ينافي الاختيار كما سنبيّنه.
و أمّا قول بعضهم: معنى قوله عليه السّلام: «أمر ملكوا استطاعة الامتناع منه دونك». أنّ لهم أن يتركوا شكرك لاستغنائهم و علمهم بكرمك فلا ينتقص من ثوابهم شي‏ء، أو معناه أنت المالك للثواب، و لك أن تثيبهم من غير شكر، لكن لكثرة صدور هذا التفضّل منك صاروا كأنّهم مالكين لتحصيل الثواب من غير شكر، و قادرين على ذلك، فهو تخييل عجيب، و توهّم غريب، و كأنّه أراد بهذا التأويل الذي لا يدلّ عليه منطوق الكلام و لا مفهومه، التفادي عمّا يوهمه ظاهر العبارة من نفي اختيار العبد.
و يكفي في التفصّي عن ذلك أنّ مراده عليه السّلام عدم استطاعتهم على كفّ أنفسهم عنه بدون ما أوجده سبحانه فيهم من الحياة و الآلة و العقل و الهمّة إلى غير ذلك من الأسباب التي هي منه سبحانه. و في ذلك مندوحة عن هذا التأويل البارد. و اللّه يقول الحقّ، و هو يهدي السبيل. و إلى إبطال الشبه المذكورة أشار عليه السّلام بقوله: «1». [ 1022] «بل» حرف إضراب، و معناها هنا إبطال ما قبلها من كون شكرهم أمرا ملكوا استطاعة الامتناع منه دونه تعالى، أو لم يكن سببه بيده سبحانه، أي ليس الأمر كذلك، بل كنت مالكا أمرهم قبل تمكّنهم من عبادتك و إيجادهم لها.
و توسيط النداء لمزيد الخضوع و الابتهال. و الغرض أنّهم لم يقدروا على عبادتك، و لا استطاعوا فعلها إلّا بإقدارك لهم عليها، و توفيقك إيّاهم لها، و لو شئت ما فعلوها،
__________________________________________________
 (1) أي: الدعاء المذكور في أعلى الصفحة.

242
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

ثوابهم قبل أن يفيضوا في طاعتك، و ذلك أنّ سنّتك الإفضال، و عادتك الإحسان، و سبيلك العفو.
إذ كلّ موجود سواه فهو في تصريف قدرته و مشيئته قبل وجوده و بعده، لأنّهما مستند وجوده.
و أعددت الشي‏ء إعدادا: هيّأته.
و أفاض في الأمر إفاضة: دخل فيه.
و مضمون هذه الفقرة تقرير لما قبلها، لأنّ إعداده سبحانه ثوابهم قبل إفاضتهم في طاعته قاض، بأنّ قضاءه قد جرى بتوفيقهم للدخول في الطاعة قبل دخولهم فيها، و بأنّ لطفه قد أخذ بعنان مشيئتهم إليها، و أقام جواد إرادتهم عليها، و إلّا لم يكن لإعداد الثواب فائدة.
 [ 1023] و الواو من قوله: «و ذلك» استئنافيّة. و الإشارة إلى ما ذكر من شكره تعالى ليسير الشكر، و الإثابة على قليل الطاعة على وجه الإيجاب، مع أنّ وقوعهما من الشاكر و المطيع إنّما هو بإقداره و لطفه و توفيقه سبحانه. و ما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان بكون ذلك في الغاية القصوى من العظم و الجلالة.
و هو مبتدأ خبره قوله: «أنّ سنتك الإفضال» أي لأنّ سنتك أو بأن سنتك الإفضال، و التقدير: و ذلك واقع لأجل أنّ سنّتك الإفضال، أو بسبب أنّ سنّتك الإفضال. و حذف الجارّ مطرد مع «أنّ و أن» المصدريّتين.
و السنّة: الطريقة التي يسلكها الحيّ في أفعاله، و السيرة التي يكون عليها.
و الإفضال: مصدر أفضل عليه، إذا أعطاه ما لا يلزمه أن يعطيه.
و العادة: اسم لتكرير الفعل من عاد يعود.
و الإحسان: مصدر أحسن، أي فعل الحسن، فإن كان الفعل متعدّيا إلى الغير، قيل: أحسن إليه، و إن كان لازما بالفاعل، قيل: أحسن.
و السبيل: الطريق الذي فيه سهولة، و يستعار لسيرة الحيّ التي يكون عليها في أفعاله.

243
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

فكلّ البريّة معترفة بأنّك غير ظالم لمن عاقبت، و شاهدة بأنّك متفضّل على من عافيت، و كلّ مقرّ على نفسه بالتّقصير عمّا استوجبت، فلو لا أنّ الشّيطان يختدعهم عن طاعتك ما عصاك عاص، و لو لا أنّه صوّر لهم الباطل في مثال الحقّ ما ضلّ عن طريقك ضالّ.
و العفو: ترك المؤاخذة بالتقصير و الذنب.
و مدار هذه الفقرات أنّ إفاضته تعالى شآبيب كرمه، وجوده على عباده غير موقوف على الاستحقاق و الاستيجاب، بل هي شأنه و ديدنه.
و فيه ردّ على من زعم أنّ الثواب مترتّب على العمل ترتّب الشبع على الأكل.
و اللّه أعلم.
 [ 1024] «الفاء»: سببيّة، أي فبسبب «1» كون سنّتك الإفضال، و عادتك الإحسان، و سبيلك العفو، كلّ البريّة معترفة بأنّك غير ظالم، إلى آخره، لجزم العقل بأنّ من شأنه ذلك لا يريد ظلما، فضلا عن أن يوقعه.
و «كلّ» هنا لاستغراق أفراد المضاف إليه. و هو مبتدأ خبره قوله: «معترفة».
و تأنيثه باعتبار المعنى، أو لاكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه، لصحّة الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف، كما يقال: سقطت بعض أصابعه.
و في نسخة ابن إدريس «و كلّ معترف و شاهد» و هو أحسن.
و عافاه اللّه: و هب له العافية من المكروه دنيويّا كان أو أخرويّا. و بين عاقبت و عافيت من البديع جناس التصحيف.
فإن قلت: كيف يصحّ هذا الاستغراق و كثير من الناس لا يعترف بوجوده فضلا عن عدله وجوده؟
قلت: يجوز أن يكون الاستغراق عرفيّا، فالمراد بالبريّة الموحّدون منهم، و أن يكون‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: فسبب.

244
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
حقيقيّا، و المراد بالاعتراف أعمّ من أن يكون صريحا أو لزوما و اضطرارا. أمّا الأوّل:
فهو الاعتراف من المؤمنين. و أمّا الثاني: فهو الشامل لكلّ أحد مؤمنا كان أو كافرا، و ذلك أنّ العقول متّفقة على وجود الصانع سبحانه، و الانقطاع إليه عند تضائق حلق البلاء عليه، كما أشار إليه سبحانه بقوله: وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ «1»، و هذا أمر مجبول عليه كلّ أحد، و لا تجد أحدا إلّا و فزعه و انقطاعه إلى خالقه من كون في نفسه و طبعه.
و قد نبّه بعضهم على هذا المعنى فقال: التوكّل على الخالق و الانقطاع إليه من طباع الخلق للعجز المعجون بجبلّتهم، و الحاجة المركّبة في طبيعتهم. و ممّا يدلّك على ذلك أنّك لو فاتحت الأمة البلهاء، و المرأة الورهاء، و الشيخ المنجد، و الشابّ الغرير «2»، و البدويّ القحّ، و الفارسيّ الأعجم، و الهنديّ الأبكم، و الروميّ الطمطمانيّ، و الكيّس الزكيّ، و الغمر الغبيّ، لوجدت في أثناء حديثهم، و أعراض كلامهم، تسليما إلى غيرهم، و تفويضا إلى سواهم، و انقطاعا عن إصابتهم باستطاعتهم، و لو ذانا بما يجدون المراد بتسهيله عليهم و لا شكّ أنّ هذا أصل في الجوهر، و أوّل في الكون.
و من الظاهر البيّن أنّ ذلك يستلزم ضرورة الاعتراف بكون هذا المنقطع عليه و المفزوع إليه قادرا غير عاجز، و قويّا غير ضعيف، و غنيّا غير فقير، و عالما غير جاهل، و مالكا غير مملوك، و ربّا غير مربوب، فلزم بحكم العقل الإذعان له بأنّ إفاضته سجال خيره على غيره لا عن حاجة به إليه، و لا غرض يعود نفعه عليه، بل هو إفضال منه و إحسان، و من شأنه ذلك، فلا داعي له إلى الظلم لمن عاقب، سوى العدل، و لا غرض له بمعافاة من عافى سوى الفضل، فصحّ الاستغراق الحقيقي في كلامه عليه السّلام. و نظير قوله تعالى في محكم كتابه: «وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ*
__________________________________________________
 (1) سورة الإسراء: الآية 67.
 (2) «ألف»: العزيز.

245
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و الأرض كلّ له قانتون» «1» و قوله: «يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» «2».
و لك حمل الاعتراف على كونه يوم القيامة، كما حمل بعض المفسّرين قوله تعالى:
كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ* على ذلك. و اللّه أعلم.
قوله عليه السّلام: «و كلّ مقرّ على نفسه بالتقصير عمّا استوجبت» أي من الطاعة و العبادة، إقرارا مستمرّا بلسان المقال أو الحال، فإنّهم و إن بالغوا و اجتهدوا كانوا مقصّرين، غير بالغين كنه عبادته سبحانه و حقيقتها، إذ لا قدر لها في جنب نعمه عليهم سابقا و لاحقا، بل هي بمعزل عمّا يجب لعظمته و جلاله و كبريائه، و إذا كانت الملائكة المقرّبون، و الأنبياء و المرسلون يقولون: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك، فما الظنّ بسواهم؟! و إلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله في بعض خطبه: و تا اللّه لو أنماثت قلوبكم انمياثا، و سالت عيونكم من رغبة إليه، أو رهبة منه دما، ثمّ عمّرتم في الدنيا ما الدّنيا باقية ما جزت أعمالكم عنكم و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم أنعمه عليكم العظام، و هداه إيّاكم للإيمان «3».
 [ 1025] قوله عليه السّلام: «فلو لا أنّ الشيطان يختدعهم» إلى آخره.
لو لا: حرف الامتناع «4» وجود الشي‏ء لوجود غيره، و الممتنع هو الجواب، و الوجود هو وجود الاسم الواقع بعدها.
و «أنّ» و معمولها في عبارة الدعاء في محلّ رفع على الابتداء عند الجمهور.
فقيل: الخبر كون مطلق محذوف وجوبا، و التقدير: لو لا اختداع الشيطان لهم كائن أو ثابت.
و قال سيبويه: لا حاجة إلى الخبر لاشتمال صلة «أنّ» على المسند و المسند
__________________________________________________
 (1) سورة الروم: الآية 26.
 (2) سورة الرحمن: الآية 29.
 (3) نهج البلاغة: ص 90 الخطب 52.
 (4) «ألف»: امتناع.

246
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
إليه «1». و ذهب المبرّد و الزجاج و الكوفيون إلى أنّ الرفع على الفاعليّة ب «ثبت» محذوفا «2»، أي لو لا ثبت أنّ الشيطان يختدعهم.
و ما وقع لبعضهم: من أنّ «أنّ و ما بعدها» في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء، و جملة يختدعهم الخبر- و حيث لم يكن التعليق على نفس الشيطان، بل على اختداعه لم يستغن عن الخبر، و لم يجب حذفه- خبط صريح ناشي‏ء عن فهم قريح. فإنّ المؤوّل بالمصدر المرفوع بالابتداء هو اسم أنّ و خبرها معا، أعني الشيطان و جملة يختدعهم، و التأويل لو لا اختداع الشيطان. فكيف تكون جملة يختدعهم خبرا؟ و هل يصدر مثل هذا الكلام إلّا عن ذهن مئوف؟ نسأل اللّه العافية.
و خدعه خدعا- من باب نفع- و اختدعه اختداعا فانخدع: أراد به المكروه من حيث لا يعلم. و قيل: أوهمه خلاف ما يريد به من المكروه ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب.
و قال الراغب: الخدع و الخداع إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه «3».
و تعديته ب «عن» لتضمّينه معنى الصدّ أو المنع، أي يختدعهم صادّا لهم، أو مانعا عن طاعتك.
و قوله عليه السّلام: «ما عصاك عاص» هو جواب لو لا.
قال ابن هشام: و زعم ابن الطراوة أنّ جواب لو لا أبدا هو خبر المبتدأ، و يرده أنّه لا رابط بينهما «4».
قوله عليه السّلام: «و لو لا أنّه صوّر لهم الباطل» إلى آخره صوّرت الشي‏ء تصويرا: جعلته ذا صورة. و صورة الشي‏ء ما به الشي‏ء بالفعل.
__________________________________________________
 (1) شرح التصريح على التوضيح: ج 2 ص 259.
 (2) شرح التصريح على التوضيح: ج 2 ص 259.
 (3) المفردات: ص 143.
 (4) مغني اللبيب: ص 360.

247
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و الباطل: نقيض الحقّ. و عرّف بأنّه الذي لا يكون صحيحا بأصله.
و المثال بمعنى الصورة.
و الحقّ لغة: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، و عرفا: الحكم المطابق للواقع، يطلق على الأقوال و الاعتقادات و الملل باعتبار اشتمالها على ذلك، و يقابله الباطل.
و الضلال: العدول عن الطريق المستقيم.
و طريقه تعالى: سبيله الذي نهج لعباده من الإيمان به و توحيده و طاعته و عبادته و سائر ما دعا إليه، و أمر به.
و قيل: سبيله تعالى كلّ عمل خالص، و سلك به طريق التقرّب إلى اللّه، بأداء الفرائض و النوافل، و أنواع التطوّعات. و إضافته إليه تعالى لأنّه المبيّن له، أو لأنّه الموصل إليه سبحانه.
 (تبصرة) قال بعض العلماء: أنّ أصل الضلال و العمى و الجهل من الشيطان. و هو أوّل من سلك سبيل الغيّ و الضلال، و طرده الحقّ عن عالم رحمته، و وقع عليه اسم إبليس، و هو جوهر نطقيّ شرّير متولّد من طبقة ناريّة دخانيّة، لها نفس ملكوتيّة، ظهرت بجهة ظلمانيّة، رديّة، شأنه الإغواء، و سبيله الإضلال، كما قال تعالى حكاية عن اللعين: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «1» و قوله: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ «2»، و ذلك لأنّ له سلطنة بحسب الطبع على الأجسام الدخانيّة و البخاريّة و نفوسها الجزئيّة، و الطبائع الوهمانيّة، و تطيعها تلك النفوس و القوى الوهمانيّة لمناسبة النقص و الشرارة، و كونه مجبولا على الإغواء أو الإفساد و الاستكبار و ادعاؤه العلوّ، كما في قوله سبحانه: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ‏
__________________________________________________
 (1) سورة ص: الآيتان 82 و 83.
 (2) سورة الأعراف: الآية 16.

248
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

فسبحانك ما أبين كرمك في معاملة من أطاعك أو عصاك، تشكر للمطيع ما أنت تولّيته له، و تملي للعاصي فيما تملك معاجلته فيه، أعطيت كلّا منهما ما لم يجب له، و تفضّلت على كلّ منهما بما يقصر عمله عنه.
الْعالِينَ «1» إنّما هو بمقتضى طبعه الغالب عليه الناريّة الموجبة للإهلاك و العلوّ.
و وجه تأثيره في نفوس الآدميّين:
أمّا من جانب المؤثّر، فللطافته و سرعة نفوذه في عروقهم، و لطائف أعضائهم، و أخلاطهم التي هي محالّ الشعور و الاعتقاد، و اقتداره على إضلالهم بالوسوسة و الإضلال.
و أمّا من جانب القابل، فلقصور القوى الإدراكيّة لأكثر النّاس و ضعفها عن المعارضة و المجاهدة مع جنوده و أعوانه من القوى الشهويّة و الغضبيّة و غيرهما، لا سيّما الوهميّة إلّا من عصمه اللّه تعالى من عباده المخلصين الذين أيّدهم اللّه بالعقل، و هداهم إلى الصراط المستقيم، «أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «2».
 [ 1026] «الفاء» للترتيب الذكري.
و سبحانك للتعجب من عموم كرمه تعالى و عظمه. و إفادة هذا اللفظ للتعجّب مرّ بيانه في الروضة الثالثة عشرة.
و «ما أبين» صيغة التعجّب. و «ما» فيها اسم في محلّ رفع على الابتداء.
و اختلفوا هل هي نكرة تامّة بمعنى شي‏ء، و ابتدئ بها لتضمّنها معنى التعجّب، و ما بعدها خبرها فموضعه رفع؟ أو هي موصولة بمعنى الذي، و ما بعدها صلتها فلا محلّ لها من الإعراب، و الخبر محذوف وجوبا و التقدير: الذي أبان كرمك شي‏ء عظيم،
__________________________________________________
 (1) سورة ص: الآية 75.
 (2) سورة المجادلة: الآية 22.

249
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و بان الأمر يبين و تبين و استبان: اتّضح و انكشف، و الاسم البيان.
و الكرم هنا عبارة عن التفضّل و السبق بالإنعام، و إيثار الصفح عن الجاني، و الإحسان إلى المسي‏ء.
و المعاملة: مفاعلة من العمل، و هو الفعل عن قصد.
و «أو» من قوله: «أو عصاك» للإيذان بتساوي المعاملتين في بيان الكرم المتعجّب منه، و أنّ كلّ واحدة منهما مستقلّة بظهوره، فإن تعجّب منه في كلّ منهما كان في محلّه، و إن تعجب منه فيهما جميعا فكذلك.
قوله عليه السّلام: «تشكر للمطيع ما أنت تولّيته»، جملة مستأنفة استئنافا بيانيّا، كأنّه سئل: كيف بان كرمي في معاملة من أطاعني أو عصاني؟ فقال:
تشكر للمطيع ... إلى آخره، أي تجازي المطيع بالكثير على العمل الذي أنت تولّيته، أي قمت به لأجله، يقال: و ليت الأمر، و توليّته، أي قمت به «وَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ» «1» أي وليه و قام به.
و الغرض أنّه تعالى هو الذي أقدر المطيع على الطاعة له، و وفّقه بلطف عنايته لها، ثمّ شكره عليها، و هذا منته الكرم و غاية الجود.
و الإملاء: التأخير و الإمهال، يقال: أمليت له: إذا أنظرته، و أمهلته، و منه قوله تعالى: وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ* «2» أي أمهلهم.
و عاجله بذنبه إذا أخذه به، و لم يمهله.
أي تمهل العاصي، و لا تأخذه بذنبه سريعا، و أنت قادر على معاجلته، و عدم إمهاله إحسانا إليه، و رفقا به.
 [ 1027] قوله عليه السّلام «أعطيت كلا منهما» إلى آخره. فصل الجملة عمّا قبلها، لما بينهما من كمال الاتّصال لكونها أوفى بتأدية المراد، فتكون بدل اشتمال. و يجوز
__________________________________________________
 (1) سورة النور: الآية 11.
 (2) سورة الأعراف: الآية 183.

250
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

و لو كافأت المطيع على ما أنت تولّيته، لأوشك أن يفقد ثوابك، و أن تزول عنه نعمتك، و لكنّك بكرمك جازيته على المدّة القصيرة الفانية، بالمدّة الطويلة الخالدة، و على الغاية القريبة الزائلة، بالغاية المديدة الباقية.
أن تكون استئنافا ثانيا- كالأولى- على وجه التعليل لبيان كرمه في معاملة من أطاعه أو عصاه.
و لا يخفى ما في التعبير عن الشكر و الإملاء بصيغة المضارع المؤذنة بالاستمرار، و عن الإعطاء و التفضّل بصيغة الماضي الدالّة على الوقوع و الانقضاء من اللطف، فإنّه يؤذن بأنّ الشكر و الإملاء مستمرّان، و أنّ التفضّل و الإعطاء قد جرى بهما قلم القضاء، فلا مثنويّة «1» في ذلك و هكذا فليكن حسن البيان.
 [ 1028] المكافأة: مفاعلة من الكفو و هو المثل و المساوي، فأصل كافأته: ساويته. ثم اتّسع فيه فاستعمل بمعنى المجازاة.
قال الزمخشريّ في الأساس: كافأته ساويته، و هو مكافئ له. و كافأته بصنعه:
جازيته جزاء مكافئا لما صنع، أي مساويا له «2».
و لمّا كان ما تولّاه سبحانه لا يقتضي مكافأة بالثواب عليه، لأنّ الإنسان لا يستحقّ بعمل غيره ثوابا، كان معنى المكافأة عليه عدم الإثابة به، لأنّ معنى المكافأة: المساواة بمقابلة الفعل بالفعل، و عدمه بعدمه.
فمعنى قوله عليه السّلام «لو كافأت المطيع على ما أنت تولّيته»: لو لم تثبه على ما أنت تولّيته، بل كافأته عليه بعدم الإثابة عليه لعدم قيامه به، و صدوره عنه لأوشك أن يفقد «3» ثوابك.
__________________________________________________
 (1) هكذا في النسخ، و الصحيح ظاهرا المثوبة.
 (2) أساس البلاغة: ص 546.
 (3) «ألف»: يفتقد.

251
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و ما وقع لأكثر الأصحاب في ترجمة هذه العبارة- بأنّ المعنى لو جازيت المطيع على مجرّد علمه دون ما أنت توليّته، أو فيما أنت توليته- بمعزل عن مدلولها، و إن كان معنى صحيحا في نفسه.
و اللام من قوله: «لأوشك» لام جواب «لو» لا جواب قسم مقدّر، خلافا لابن جنّي «1». و أوشك. فعل ماض من أفعال المقاربة الدالّة على قرب ثبوت خبرها لاسمها، فمعنى أو شك قرب و دنى، فإذا قلت أو شك زيد أن يقوم، كان معناه قرب و دنا قيامه. و قال بعضهم: معناها مقاربة الاسم للخبر. فمعنى أوشك زيد أن يقوم: قارب زيد القيام أو قرب زيد من القيام. و إذا بني أوشك على اسم قبله- كعبارة الدعاء- جاز فيه الوجهان:
أحدهما: إسناده إلى ضميره. فيكون اسما له، و جعل أن و الفعل في موضع نصب على أنّه خبر له.
و الثاني: تفريغه عن الضمير و إسناده إلى أن و الفعل، فيكون أن و الفعل اسما مؤوّلا مكتفى به عن الخبر. و محلّه الرفع على الفاعليّة.
و يكون أوشك على الأوّل فعلا ناقصا، و على الثاني فعلا تامّا. و تقدير عبارة الدعاء على الأوّل: لأوشك المطيع أن يفقد ثوابك، و على الثاني لأوشك فقدان المطيع ثوابك، أي: لقرب و دنا فقدانه لثوابك.
و استشكل الأوّل بأنّ أن و الفعل في تأويل المصدر، فيلزم الإخبار بالحدث عن الذات. و أجيب بأنّه من باب زيد صوم و عدل، أو على تقدير مضاف، كأنّه قيل:
لأوشك أمر المطيع أن يفقد. و الأولى ما ذهب إليه سيبويه على ما نقله عنه ابن مالك من أنّ أن و الفعل ليس خبرا، بل هو مفعول به منصوب على نزع الخافض، و الفعل تامّ بمعنى قرب «2».
__________________________________________________
 (1) راجع مغني اللبيب: ص 310.
 (2) راجع كتاب سيبويه: ج 1 ص 555.

252
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و التقدير في عبارة الدعاء: لقرب المطيع من أن يفقد «1» ثوابك، ثمّ حذف الجار توسّعا. أو يجعل الفعل بمعنى قارب فلا حذف، و المعنى قارب المطيع فقدان ثوابك.
و في عبارته عليه السّلام شاهد على أمرين:
أحدهما: ورود أوشك بصيغة الماضي، و فيه ردّ على الأصمعي و أبي علي حيث أنكرا ذلك، كما حكاه عنهما ابن مالك و غيره. و شاهده أيضا من الشعر قول الشاعر:
و لو سئل الناس التراب لأوشكوا             إذا قيل هاتوا أن يملّوا و يمنعوا «2»
 الثاني: كون أو شك للمقاربة، بمعنى كاد، و هو مذهب أكثر المتأخّرين، و جماعة من المتقدّمين، و فيه ردّ على الشلوبين و تلامذته حيث ذهبوا إلى أنّه للترجّي بمعنى عسى «3»، فإنّ الترجّي لا يلائم عبارة الدعاء.
 [ 1029] قوله عليه السّلام «و لكنّك بكرمك جازيته» إلى آخره الواو للعطف عند الجمهور.
و قال الرضيّ: يجوز كونها عاطفة للجملة على الجملة «4».
و جعلها اعتراضيّة أظهر من حيث المعنى. و دخولها على «لكن» مشدّدة و مخفّفة جائز و لا واجب.
و معنى «لكنّ» الاستدراك، و فسّر بأن ينسب لما بعدها حكم مخالف لما «5» قبلها، و لذلك قالوا: يجب توسطها بين متغايرين معنى، أي في النفي و الإثبات كعبارة الدعاء، فإنّ معنى قوله عليه السّلام: «و لكنّك بكرمك جازيته» و لكنّك لم تكافئ المطيع على ما تولّيته بل جازيته إلى آخره.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: يفتقد.
 (2) شرح ابن عقيل: ج 1 ص 338.
 (3) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 369.
 (4) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 369.
 (5) «ألف»: لحكم ما قبلها.

253
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و قال جماعة منهم صاحب البسيط: هي بعد لو و جوابها للتوكيد لا للاستدراك، إذ فائدتها تأكيد ما أفادته لو من الامتناع «1». و الأوّل هو المشهور.
و الباء من قوله: «بكرمك» للسببيّة متعلّقة بالفعل بعدها و تقديمها مع مجرورها لإفادة الاختصاص، أي بسبب كرمك لا لأمر آخر، و يجوز أن تكون للملابسة، فتكون مع مجرورها ظرفا مستقرا متعلّقة بحال محذوفة، و التقدير: و لكنّك ملتبسا بكرمك جازيته.
و المدّة: البرهة و الطائفة من الزمان تقع على القليل و الكثير.
و القصر: خلاف الطول، و هما من الأسماء المتضائفة التي تعتبر بغيرها.
و فنى الشي‏ء يفنى فناء- من باب رضي-: عدم بعد الوجود.
و خلد يخلد خلودا- من باب قعد-: طال بقاؤه.
قال الراغب: كلّ ما يتباطأ عنه التغير و الفساد تصفه العرب بالخلود، لقولهم للأيّام: خوالد، و ذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها، ثم استعير للبقاء دائما، و الخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة من غير اعتراض الكون و الفساد عليها «2». انته.
و غاية الشي‏ء: مداه و منتهاه. و الكلام على حذف مضاف، أي على ذي الغاية القريبة الزائلة بذي الغاية المديدة الباقية، إذ الغاية لا يتعلّق بها جزاء، و إنّما يتعلّق بالمغيّى «3».
و المراد بالجزاء على المدّة القصيرة بالمدّة الطويلة، الجزاء على العمل فيها بالثواب عليه في المدّة الطويلة، فهو من باب إطلاق اسم المظروف على الظرف، و هو شائع في الاستعمال.
و أمّا قوله عليه السّلام: «و على القريبة بالغاية المديدة» فلا يتعيّن أن يراد بالغاية
__________________________________________________
 (1) لا يوجد لدينا كتابه.
 (2) المفردات: ص 154 مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.
 (3) «ألف»: بالغاية.

254
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

ثمّ لم تسمه القصاص فيما أكل من رزقك الّذي يقوى به على طاعتك، و لم تحمله على المناقشات في الآلات التي تسبّب الزمان أيضا إطلاقا لاسم الجزء على الكلّ بل العمل نفسه و الثواب نفسه، فكأنّه قال: و جازيته على العمل ذي الغاية القريبة الفانية بالثواب ذي الغاية المديدة الباقية. ثمّ من المتعيّن كون المراد بالغاية في المجازى به مدّته، و إنّما عبّر عنها بالغاية على سبيل المشاكلة، لوقوعها في صحبة ذي الغاية، و إلّا فلا غاية له، بدليل وصفها بالبقاء. لأنّ المراد به البقاء الأخروي، و هو التأبيد لا إلى منته و لا غاية، و لو لا ذلك لاستحال الكلام.
و المديدة: الطويلة، و منه في الحديث: «تزوّجت امرأة مديدة» «1» أي طويلة.
 (تبصرة) روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: إنّما خلد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا اللّه أبدا، و إنّما خلد أهل الجنّة في الجنة لأنّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبدا، فبالنيّات خلد هؤلاء و هؤلاء، ثمّ تلا قوله تعالى: « «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‏ شاكِلَتِهِ» قال على نيّته «2». و اللّه أعلم.
 [ 1030] «ثمّ» هنا للترتيب في الذكر، و التدرّج في درج الارتقاء، و ذكر ما هو الأولى ثم الأولى من غير اعتبار التراخي و المهلة بين تلك الدرج، و لأنّ الثاني بعد الأوّل في الزمان. فإنّ عدم سومه القصاص على ما أكل من رزقه، و عدم حمله على المناقشات في الآلات متقدّم على المجازاة المذكورة، كما هو ظاهر. لكن لمّا كان الغرض ترتيب تفضّله تعالى بذكر الأخص فالأخص و الأعجب فالأعجب جاء ب «ثم»
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 4 ص 309.
 (2) الكافي. ج 2 ص 85 ح 5.

255
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

باستعمالها إلى مغفرتك، و لو فعلت ذلك به لذهب بجميع ما كدح له، و جملة ما سعى فيه، جزاء للصغرى من أياديك و مننك، و لبقي رهينا بين يديك بسائر نعمك، فمتى كان يستحقّ شيئا من ثوابك، لا متى هذا يا إلهي حال من أطاعك، و سبيل من تعبّد لك.
تنبيها على ذلك، و نظير ذلك قوله تعالى: «خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها» «1».
قال الزمخشريّ: هما آيتان من جملة الآيات التي عدّدها دالّا على وحدانيّته و قدرته تشعيب هذا الخلق- الفائت للحصر- من نفس آدم، و خلق حوّاء من قصيراه، إلّا أنّ أحداهما جعلها اللّه عادة مستمرة، و الأخرى لم تجر بها العادة، و لم يخلق أنثى غير حوّاء من قصيرى رجل، فكانت أدخل في كونها آية، و أجلب لعجب السامع، فعطفها ب «ثمّ» على الآية الأولى للدلالة على مباينتها لها فضلا و مزيّة، و تراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية، فهو من التراخي في الحال و المنزلة لا من التراخي في الوجود «2». انته.
و لم تسمه القصاص: أي لم ترده منه. قال في الأساس: و من المجاز سمت المرأة المعانقة: أردتها منها و عرضتها عليها «3».
و القصاص: مصدر قاصّه مقاصّة و قصاصا- من باب قاتل-.
قال الزمخشريّ: قاصصته بما كان لي قبله: أي حبست عنه مثل ذلك، مأخوذ من مقاصّة وليّ القتيل القاتل «4».
فمعنى عبارة الدعاء: لم تحبس عليه من الجزاء مثل ما أكل من رزقك.
و قوى بالشي‏ء- من باب رضي- و تقوّى به: استعان به، و الرواية في الدعاء
__________________________________________________
 (1) سورة الزمر: الآية 6.
 (2) تفسير الكشّاف: ج 4 ص 113- 114.
 (3) أساس البلاغة: 315.
 (4) أساس البلاغة: 510- 511.

256
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
واردة بالوجهين.
و حملته على الأمر: ألزمته به، كأنّك جعلته راكبا عليه.
و المناقشة: الاستقصاء في الحساب.
قال في الفائق: ناقشه الحساب إذا عاسره فيه و استقصى، فلم يترك قليلا و لا كثيرا، و أصل المناقشة من نقش الشوكة و هو استخراجها كلّها و منه: انتقشت منه جميع حقّي «1». انته.
و الآلات جمع آلة، و هي الأداة التي يعمل بها.
و قال في القاموس: هي ما اعتملت به من أداة تكون واحدا و جمعا، أو هي جمع بلا واحدة، و جمعها آلات «2». انته.
و عرفت بأنّها ما يؤثّر الفاعل في منفعله القريب بواسطته.
و تسبّبت إلى الشي‏ء: توصلت إليه بسبب، و تسبّبت بكذا إلى كذا: جعلته سببا إلى الوصول إليه.
و المعنى: أنّك لم تلزمه المناقشة، و لم تستقص في محاسبته على الآلات التي توصّل بسبب استعمالها إلى فوزه بمغفرتك مع أنّ الآلات من مخلوقاتك، لا مدخل لعمله فيها، و لولاها لم «3» يمكنه التوصّل إلى مغفرتك.
و المراد بالآلات جميع القوى الظاهرة و الباطنة و الجوارح و الأمور و الأشياء المتعلّقة بنفسه و بدنه و الخارجة عنه. و بالجملة جميع ما له مدخل في القيام بالعمل من جوهر و عرض.
 [ 1031] و الكدح: العمل و السعي و الكسب و الكدّ، يقال: كدح لكذا و فيه يكدح- باب منع- أي عمل له و سعى و كسب و كدّ و جهد.
__________________________________________________
 (1) الفائق في غريب الحديث: ج 4 ص 16.
 (2) القاموس المحيط: ج 3 ص 331.
 (3) «ألف» لا.

257
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و «جزاء»- بالنصب- يحتمل المصدريّة و الحاليّة و المفعول لأجله.
و الصغرى: مؤنّث الأصغر من الصغر باعتبار القدر و المنزلة.
و «من» بيانيّة.
و الأيادي: جمع يد، بمعنى النعمة و الإحسان، مستعارة من الجارحة.
و المنن: جمع منّة، و هي النعمة الثقيلة.
و الرهن: ما يوضع ثقة للدين. و أصله الحبس، و لذلك كان معناه شرعا: حبس الشي‏ء بحق يمكن أخذه منه كالدين، يقال: رهنت الشي‏ء رهنا، فهو رهين و مرهون، ثم استعمل في كلّ شي‏ء لزمه أمر لا يمكنه انفكاكه منه.
قال جار اللّه في قوله تعالى: «كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ»: أي مرهون. كأنّ نفس العبد رهن عند اللّه بالعمل الصالح الذي هو مطالب به- كما يرهن الرجل عبده بدين عليه- فإن عمل صالحا فكّها و خلّصها و إلّا أوبقها «1». انته.
و لمّا كانت النفوس بهذا المعنى مرهونة بنعمة من نعم اللّه تعالى لا يفكّها إلّا الشكر بالطاعة و العمل الصالح، و ليس له من ذلك إلّا ما لو لا مسامحته سبحانه له، و عدم استقصائه عليه لذهب بجميع عمله و طاعته في مقابلة أصغر نعمه و مننه، لا جرم يبقى رهينا بسائر نعمه تعالى مطالبا بها لا انفكاك له منها، و لذلك فزع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ربّه في فكاك رهانه حيث قال: «فكّ رهاني، و ثقّل ميزاني» «2».
ففزع صلّى اللّه عليه و آله إليه سبحانه أن يكون هو الذي يتولّى فكاك رهانه لعلمه عليه السّلام بعجزه عنه، فما الظنّ بغيره.
و قوله: «بين يديك» أي بحضرتك بحيث لا يمكنه فكاك نفسه بوجه، و بين‏
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشاف: ج 4 ص 411.
 (2) الدر المنثور: ج 3 ص 72. ذيل الآية 10 من سورة الأعراف.

258
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
اليدين مستعار ممّا بين الجهتين المسامتتين ليدي الإنسان، و هو من باب التمثيل، و قد سبق الكلام على ذلك مبسوطا فأغنى عن الإعادة.
 [ 1032] قوله عليه السّلام: «فمتى كان يستحقّ من ثوابك شيئا لا متى». «الفاء» فصيحة، أي إذا كان الأمر هكذا متى كان يستحقّ.
و «متى» ظرف يكون استفهاما عن زمان فعل فيه أو يفعل.
و ليس الاستفهام هنا على حقيقته، بل الغرض منه استبعاد كونه مستحقّا للثواب حينئذ و نفيه كقوله تعالى: «أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى‏» «1» في استبعاد الاتّعاظ.
و «لا» من قوله: «لا متى» نافية، و مفادها إمّا النفي صريحا لما أفهمه الكلام السابق من نفي الاستحقاق لزوما، فإنّ الاستفهام عن زمان الشي‏ء يستلزم الجهل بزمانه، و الجهل به يستلزم استبعاد وقوعه، لأنّ ما هو قريب الوقوع ينبغي أن يكون معلوما، فلا داعي إلى الاستفهام عنه، و استبعاد وقوع الشي‏ء يستلزم نفيه. و إمّا الاحتراز عمّا قد يتوهّم أو يسبق إلى الذهن من أنّ الاستفهام على صرافته، فجاء بالنفي نصّا على المقصود.
و التقدير على الوجهين، لا لم يكن يستحق من ثوابك شيئا و إنّما حذف المنفيّ رأسا، لأنّ «لا» من الحروف التي تؤدي معنى الجملة و تحذف معها في الغالب، و نظيره قول بعضهم في قوله تعالى: «لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» «2». إن «لا» نافية، و منفيها إنكار البعث المعه‏د من الكافرين، كأنّهم أنكروا البعث، فقيل: لا، أي ليس الأمر كذلك، ثم استؤنف القسم فقيل: أقسم بيوم القيامة كقولك: لا و اللّه إنّ البعث حقّ.
و قوله: «متى» استفهام إنكار مستأنف، أي متى كان يستحقّ؟ و مفاده تقرير النفي السابق و تأكيده، و هو الذي يسمّى الإنكار الإبطالي، لأنّه يقتضي أنّ ما بعده‏
__________________________________________________
 (1) سورة الدخان: الآية 13.
 (2) سورة القيامة: الآية 1 و 2.

259
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

فأمّا العاصي أمرك، و المواقع نهيك فلم تعاجله بنقمتك، لكي منفيّ، غير واقع، و إنّ مدعيه كاذب، و التقدير: متى كان يستحق، أي لم يكن يستحقّ. و إنّما آثر تقرير النفي ب «متى» ليكون بوجه برهانيّ و هو الاستدلال بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم.
و بيانه: أنّ استحقاق شي‏ء من الثواب يستلزم زمانا ضرورة. و هو معدوم، إذ لو كان موجودا لكان معلوما غير مجهول، فلم يحتج إلى الاستفهام عنه. فإذا لم يكن له زمان وجب أن لا يكون له وجود أصلا، إذ لا بدّ لكلّ حادث من زمان يقع فيه. و هذا معنى قولهم: الإنكار بمتى و أين بمعنى أنّه ليس، لأنّ زمانه و مكانه ليس، فهو إنكار على وجه برهاني، و إنّما حذف الجملة بعد متى، لدلالة ما قبله عليه، و قد مرّ نظير هذه العبارة في الدعاء الأوّل و ذكرنا فيه وجوها أخر، غير أنّه كان قد بقي في النفس منه شي‏ء فاستوفيناه هنا بحمد اللّه تعالى.
 [ 1033] قوله عليه السّلام: «هذا يا إلهي حال من أطاعك»، الإشارة إلى ما فصّله عليه السّلام من تفضّله تعالى على المطيع و مسامحته له، و عدم استحقاقه- لو لا ذلك- شيئا من ثوابه سبحانه.
و سبيل من تعبّد لك: أي سيرته و حالته و طريقته، و منه قوله تعالى: «قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي» «1».
و تعبّد الرجل: بالغ في العبادة و اجتهد فيها.
و في الصحاح: التعبّد: التنسّك «2»، و هو التطوع بقربة، و اللّه أعلم.
 «الفاء: للعطف و الترتيب الذكري. و «أمّا»: حرف متضمّن لمعنى الشرط و فعله، و لذلك يجاب بالفاء. و فائدته تاكيد ما صدّر به، و تفصيل ما في نفس المتكلّم من الأقسام، نحو: هؤلاء فضلاء، أمّا زيد ففقيه، و أمّا عمرو فمتكلّم، و أمّا بكر
__________________________________________________
 (1) سورة يوسف: الآية 108.
 (2) الصحاح: ج 2 ص 503.

260
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

يستبدل بحاله في معصيتك حال الإنابة إلى طاعتك، و لقد كان يستحقّ في أوّل ما همّ بعصيانك كلّ ما أعددت لجميع خلقك من عقوبتك فجميع ما أخرت عنه من العذاب، و أبطأت به عليه من سطوات النّقمة و العقاب ترك من حقّك، و رضى بدون واجبك، فمن أكرم منك يا إلهي، و من أشقى ممّن هلك عليك لا من.
فمحدّث. ثمّ قد تذكر الأقسام جميعا كالمثال، و قد يقتصر على واحد منها استغناء بكلام يذكر بعدها أو قبلها في موضع القسيم.
فالأوّل: كقوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» «1»، فاستغني بقوله: و الراسخون في العلم عن ذكر قسيم فأمّا الذين في قلوبهم زيغ، فكأنّه قيل: و أمّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به.
و الثاني: كعبارة الدعاء، فإنّ ذكر حال المطيع قبل أمّا أغنى عن ذكر قسيم ما بعدها، و قد يستغنى بذكر أحد القسيمين عن الآخر كقوله تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ» «2»، أي و أمّا الذين كفروا باللَّه فلهم كذا و كذا.
و عصيان الأمر: ترك الانتقاد له.
و واقع الذنب: ارتكبه و خالطه.
و قال في المجمل: واقع الأمور مواقعة و وقاعا: داناها «3»
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 7.
 (2) سورة النساء: الآية 175.
 (3) لم نعثر عليه في المجمل بل وجدناه في محكم اللغة: ج 2 ص 198 و لعلّه من سهو النسّاخ.

261
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و عاجله في النقمة: أي انتقم منه و عاقبه من غير إمهال.
و اللام من قوله: «لكي» تعليليّة، و «كي» مصدريّة، بمنزلة أن المصدريّة معنى و عملا لصحّة حلول أن محلّها، و قول الكوفيّين: «إنّها حرف تعليل مصدريّ» يدفعه أنّها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل.
و الاستبدال جعل الشي‏ء مكان آخر.
قال الراغب: و هو أعمّ من العوض، فإنّ العوض هو أنّ يصير لك الثاني بإعطاء الأوّل، و التبديل يقال: للتغيير و إن لم تأت ببدله «1».
و «الباء» من قوله: «بحاله» للمقابلة، و مدخولها أبدا هو الذاهب الزائل دون الآتي الحاصل كقوله تعالى: «أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى‏ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ» «2»، و المعنى: لكي يأخذ و يختار لنفسه بدلا من حاله في معصيتك حال الإنابة إلى طاعتك.
و أناب إلى اللّه إنابة و منابا: رجع. و في الحديث «لو علم اللّه ان عبدا ينيب إليه آخر الدهر لمدّ في عمره إلى ذلك الوقت».
 [ 1034] قوله عليه السّلام: «و لقد كان يستحقّ» جملة مستأنفة سيقت «3» لتقرير مضمون ما قبلها من إمهاله تعالى لعبده العاصي، و عدم معاجلته له بالانتقام. و اللام جواب لقسم محذوف أي و باللّه لقد كان يستحقّ، و تصدير الجملة بالقسم لزيادة تحقيق مضمونها.
و أوّل الشي‏ء: ابتداؤه.
قال الزجّاج: معنى الأوّل في اللغة ابتداء الشي‏ء، ثمّ يجوز أن يكون له ثان، و يجوز أن لا يكون، كما تقول: هذا أوّل ما كسبته، جائز أن يكون بعده كسب،
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 39.
 (2) سورة البقرة: الآية 61.
 (3) «ألف»: سبقت.

262
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
و جائز أن لا يكون، و مرادك هذا ابتداء كسبي «1». انته.
و على هذا قوله عليه السّلام «في أوّل ما همّ»، أي في ابتداء همّه، جائز أن يكون بعده همّ، و أن لا يكون.
و همّ بالشي‏ء همّا- من باب قتل-: إذا أراده و لم يفعله، و ما مصدريّة، هي و صلتها في محلّ جرّ على الإضافة.
 «و كلّ ما اعددت»، أي جميع ماهيّاته، ف «ما» إمّا نكرة موصوفة، أو موصولة.
و الجملة بعدها إمّا صفة أو صلة.
و يقع في بعض النسخ من الصحيفة الشريفة هنا كتابة كلّ متّصلة ب «ما» و هو غلط من النسّاخ، و القاعدة المقرّرة أنّ (ما) إنّما توصل بكلّ إذا لم يعمل فيها ما قبلها نحو: «كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً» «2»، فإنّها تكون حينئذ ظرفا منصوبا بما بعدها، فإن عمل فيها ما قبلها فصلت عنها نحو: « «وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» «3»، و منه عبارة الدعاء، ف «ما» حينئذ اسم مضاف إليه.
و «من» في قوله: «من عقوبتك» لبيان «ما» المضاف إليها كلّ.
 [ 1035] و «الفاء» من قوله: «فجميع ما أخرت» سببيّة.
و البطء أصله تأخّر الانبعاث في السير، ثمّ استعمل في مطلق التأخّر، يقال:
ما أبطأك عنّا؟ أي: ما أخّرك؟ و في نسخة «بطؤت به عليه» و هي من باب قرب لغة في أبطأ.
قال في الأساس: يقال: ما أبطأ بك عنا؟ و ما بطؤبك؟ و ما بطأ؟ «4»- بالتثقيل-.
و في القاموس: بطأ عليه بالأمر تبطيئا، و أبطأ به: أخّره «5». انته.
__________________________________________________
 (1) تهذيب الأسماء و اللغات، القسم الثاني: ج 1 ص 14.
 (2) سورة آل عمران: الآية 37.
 (3) سورة إبراهيم: الآية 34.
 (4) أساس البلاغة: ص 42.
 (5) القاموس المحيط: ج 1 ص 8.

263
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

فتباركت أن توصف إلّا بالإحسان و كرمت أن يخاف منك إلّا العدل، لا يخشى جورك على من عصاك، و لا يخاف إغفالك ثواب من وسطا عليه و به سطوا و سطوة: قهره و أذلّه و هو البطش و الأخذ بعنف و شدّة.
و النقمة: الانتقام و هو بمعنى العقوبة.
و تركت المنزل تركا- من باب قتل-: رحلت عنه، و الرجل فارقته ثم استعير للإسقاط في المعاني، فقيل: ترك حقّه، إذا أسقطه.
و الرضي: خلاف السخط، يقال: رضيت بالشي‏ء، و رضيته إذا اخترته و لم أكرهه.
و «دون» هنا بمعنى غير، أي بغير ما يجب لك، أو بمعنى القاصر، أو الأقلّ، أي بما هو قاصر عن واجبك، أو بأقلّ ما هو واجب لك، فإنّ تأخير العذاب و عدم المعاجلة به ضرب من دون ما يجب له سبحانه، نظرا إلى عظيم سلطانه و كبريائه و اقتداره جلّت قدرته.
 [ 1036] و قوله: «فمن أكرم منك» «الفاء» فيه سببيّة، و الاستفهام للتعظيم أو الإنكار لأن يكون أحد أكرم منه.
و «لا» نافية، و من بعدها للإنكار أيضا، تقريرا لما قبلها، و بيانا لاستحالة كون أحد أكرم منه، على قياس ما حرّرناه في قوله: «لا متى» و قس عليه قوله:
 «و من أشقى ممّن هلك عليك لا من»، إلّا أنّ حمل الاستفهام هنا أوّلا على التهويل و التخويف، و ثانيا على الإنكار، أنسب بشهادة الذوق.
و وجه تعدية الهلاك ب «على» قد تقدّم بيانه في الروضة الأولى بما لا مزيد عليه، فليرجع إليه.
 «الفاء»: مبيّنة. و البركة: النماء و الزيادة حسّيّة كانت أو عقليّة، و كثرة الخير و دوامه، فقوله: «تباركت» إمّا بمعنى تزايدت و تعاليت، نظرا إلى البركة بمعنى الزيادة، أو بمعنى كثر خيرك، نظرا إلى معنى كثرة الخير و دوامه.

264
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

أرضاك. فصلّ على محمّد و آل محمّد، و هب لي أملي، و زدني من هداك ما أصل به إلى التّوفيق في عملي، إنّك منّان كريم.
فالأوّل: باعتبار كمال الذات في نفسها، و الثاني: باعتبار كمال الفعل، و عبارة الدعاء تناسب المعنيين.
و صيغة التفاعل للمبالغة.
و قوله: «أن توصف» أي عن أن توصف، و حذف الجار مع أن و أنّ المخفّفة و المثقّلة مطرد إذا أمن اللبس.
و الاستثناء مفرّغ، و التقدير: تباركت أن توصف بشي‏ء إلّا بالاحسان و جاء التفريغ مع الإيجاب لتأويله بالنفي، أي لم يجز عليك، أو لم ترض لعلوّ ذاتك أو لكثرة خيرك أن توصف إلّا بالاحسان.
قال الرضيّ: و يجوز التفريغ في موجب مؤوّل بالنفي كما في قوله تعالى: «فَأَبى‏ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً»* «1».
 [ 1037] و كرمت: أي تنزّهت و تقدّست. يقال: كرم زيد عن السوء يكرم- بالضم فيهما- و تكرم و تكارم. أي تنزّه. و هو من الكرم، بمعنى انتفاء النقائص، و الاتصاف بجميع المحامد، أو من الكرم بمعنى شرف الذات، و علوّ المقدار.
و المراد بالعدل المساواة في المكافاة، إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ، و بالإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، و الشر باقلّ منه، و لذلك قيل: العدل مساواة، و الإحسان زيادة. و سنّة العدل الإيفاء و الاستيفاء بحسب الاستحقاق، و سنّة الإحسان الزيادة على الواجب في الإيفاء، و الإغماض دون الواجب في الاستيفاء بحسب الاستحقاق.
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ‏
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 1 ص 235.

265
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
وَ الْإِحْسانِ»، العدل: الإنصاف، و الإحسان: التفضّل «1».
هذا و لمّا كان مع العدل الاستقصاء إذ ليس هو إلّا توفية الحقوق و استيفاءها بقدر الاستحقاق، و كان العبد ما عليه أكثر ممّا له بل كان ما له بالنسبة إلى ما عليه كالجزء الذي لا يتجزّى من الشي‏ء الذي لا يتناهى، لا جرم وجب بحكم العقل الخوف من عدله سبحانه. و أمّا الجور و الظلم فمستحيل عليه و ممتنع منه، و لهذا صحّ أن لا يخاف منه إلّا العدل.
و في دعاء أمير المؤمنين عليه السّلام «اللّهمّ احملني على عفوك و لا تحملني على عدلك» «2». و من كلامه صلوات اللّه عليه: «احذروا يوما لا يخاف من الحاكم فيه إلّا العدل» «3».
قوله عليه السّلام: لا يخشى جورك على من عصاك: جملة مستأنفة استئنافا بيانيا، كأنّه سئل: كيف يخشى منّي الّا العدل، فقال: لأنّه لا يخشى جورك على من عصاك ... إلى آخره.
و الجور: نقيض العدل. و أصله من جار عن الطريق إذا مال عنه، ثم جعل أصلا في العدول عن كلّ حقّ.
و أغفلت الشي‏ء إغفالا: تركته إهمالا من غير نسيان.
و إرضاؤه تعالى: عبارة عن امتثال أوامره، و اجتناب مناهيه.
 [ 1038] و الأمل: الرجاء. و المراد به هنا المأمول، من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول مجازا.
و الزيادة: أن يضمّ إلى ما عليه الشي‏ء شي‏ء آخر. يقال: زدته فازداد، أي أعطني من هدايتك قدرا زائدا على ما أنا عليه منها «4»، كما قال تعالى: «وَ الَّذِينَ‏
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة: ص 509 الحكم: 231.
 (2) نهج البلاغة: ص 350 الخطب 227.
 (3) لم نعثر عليه.
 (4) «ألف»: منه.

266
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً» «1». و في نسخة «زوّدني» من الزاد، و هو ما يعدّ للسفر من الطعام، أي اجعل لي من هداك زادا، و هو إمّا استعارة تبعيّة أو مكنيّة، و لك جعلها تمثيليّة كما مرّ بيانه غير مرّة.
و الهدى: مصدر كالسرى، قالوا: و اضطرب كلام سيبويه فيه فتارة يقول: هو عوض من المصدر، لأنّ فعلا- بضمّ الفاء و فتح العين- لا يكون مصدرا، و أخرى يقول: هو مصدر هدى و قال أيضا: قلّما يكون ما ضمّ أوّله من المصادر إلّا منقوصا، لأنّ فعلا لا يكاد يرى مصدرا من غير بنات الواو و الياء، فدلّ على أنّه مصدر كالبكى و السرى.
و فسّر الهدى بالدلالة مطلقا. و قيل: بل بشرط كونها موصلة للمطلوب، بدليل وقوعه في مقابلة الضلالة في قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏»* «2» و قوله تعالى: «لَعَلى‏ هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» «3». و لا شكّ أنّ عدم الوصول معتبر في مفهوم الضلالة، فلو لم يعتبر الوصول في مفهوم الهدى لم يتقابل الجواز الجمع بينهما.
و أجيب: بأنّ المذكور في مقابلة الضلالة هو الهدى اللازم بمعنى الاهتداء إمّا مجازا أو اشتراكا و في الصحاح: هدى و اهتدى بمعنى «4». و كلامنا في المتعدّي، و يقابله الإضلال. و لا استدلال به، إذ ربّما يفسّر بالدلالة على ما لا يوصل لا بجعله ضالا، أي غير واصل. و على كل تقدير فالمراد بالهدى في عبارة الدعاء هو الموصل إلى المطلوب، فإنّ الهدى على مراتب.
قال الراغب: هداية اللّه تعالى للإنسان في الدنيا على مراتب بعضها مترتّب على بعض، لا تحصل المرتبة الثانية إلّا بعد الأولى، و لا الثانية إلّا بعد الثالثة.
فالأولى: إعطاؤه العبد القوى التي بها يهتدي إلى مصالحه، إمّا تسخيرا و إمّا
__________________________________________________
 (1) سورة محمّد: الآية 17.
 (2) سورة البقرة: الآية 16.
 (3) سورة سبأ: الآية 24.
 (4) الصحاح: ج 6 ص 2533.

267
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
طوعا، كالحواسّ الخمس، و القوّة المفكّرة، و على ذلك قوله تعالى: «أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏» «1» «وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى‏» «2».
الثانية: الهداية بالدعاء، و بعثة الأنبياء و إياها عنى بقوله سبحانه: «وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» «3».
الثالثة: هداية يوليها من اهتدى من صالحي عباده و يمدّهم بها آنا فآنا، و حالا فحالا بحسب اكتسابهم للخيرات و استزادتهم من العلم و العمل الصالح، و إيّاها عنى بقوله «وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً» «4» وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» «5». و بتحرّي هذه المراتب الثلاثة يتوصل إلى الهداية إلى الجنة المذكورة في قوله تعالى «وَ قالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ» «6» انته.
و لا شكّ أنّ المرتبة الثالثة هي المقصودة في الدعاء بدليل طلب الزيادة بقوله:
 «و زدني من هداك».
و التوفيق: جعل اللّه فعل عبده و عمله موافقا لما يحبّه و يرضاه.
و المنّان: المعطي للمنّة كثيرا، و هي النعمة الثقيلة. و قيل: الكثير المنّ، و هو الإحسان من غير طلب جزاء و لا مثوبة. و منه قوله تعالى: «فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً» «7». فالمنّ إشارة إلى الإطلاق بلا عوض.
و الكريم و الجواد: المفضل، و الكرم يستعمل على وجوه:
أحدها: إيثار الصفح عن الجاني، و الإحسان إلى المسي‏ء، و السبق بالإنعام.
الثاني: انتفاء النقائص، و الاتّصاف بجميع المحامد.
__________________________________________________
 (1) سورة طه: الآية 50.
 (2) سورة الأعلى: الآية 3.
 (3) سورة السجدة: الآية 24.
 (4) سورة محمّد: الآية 17.
 (5) سورة العنكبوت: الآية 69.
 (6) المفردات: ص 538 نقلا بالمضمون.
 (7) سورة محمّد: الآية 4.

268
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء السابع و الثلاثين ص 225

..........
الثالث: الجاه و السؤدد اللذان يكونان عن بذل المعروف، و التحلّي بالمحمود من أخلاق و صفات.
الرابع: طيب الذات، و شرف النفس، و علوّ القدر نسبا «1» و حسبا.
و على أيّ وجه من هذه الوجوه فسّر الكريم في وصفه تعالى جاز.
و الجملة تعليل للدعاء، و مزيد استدعاء للإجابة، و تصديرها بحرف التأكيد لغرض كمال قوّة يقينه بمضمونها. و اللّه أعلم. [] هذا آخر الروضة السابعة و الثلاثين من رياض السالكين وفّق اللّه لإتمامها، و اجتلاء بدر تمامها ضحى يوم الأربعاء لسبع عشرة خلون من ذي القعدة الحرام، أحد شهور أربع و مائة و ألف على يد مؤلّفها كان اللّه له، آمين.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: حسبا و نسبا.

269
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الثامنة و الثلاثون ص 271

الروضة الثّامنة و الثلاثون‏

271
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام في الاعتذار من تبعات العباد و من التقصير فى حقوقهم و في فكاك رقبته من النار. ص 273

و كان من دعائه عليه السّلام في الاعتذار من تبعات العباد و من التقصير فى حقوقهم و في فكاك رقبته من النّار.
اللّهمّ إنّى اعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم انصره و من معروف اسدى إلىّ فلم اشكره و من مسى‏ء اعتذر إلىّ فلم اعذره و من ذي فاقة سألني فلم اوثره و من حقّ ذي حقّ لزمنى لمؤمن فلم أوفّره و من عيب مؤمن ظهر لى فلم استره و من كلّ اثم عرض لي فلم اهجره اعتذر إليك يا إلهي منهنّ و من نظائرهنّ اعتذار ندامة يكون واعظا لما بين يديّ من اشباههنّ فصلّ على محمّد و آله و اجعل ندامتي على ما وقعت فيه من الزّلات و عزمى على ترك ما يعرض لي من السّيّئات توبة توجب لي محبّتك يا محبّ التّوّابين‏

273
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 274

 [مقدمة الشارح‏]
  (بسم اللّه الرحمن الرحيم و ايّاه نستعين) الحمد للّه قابل عذر من اعتذر إليه، و غافر تبعات من اعتمد عليه، و الصلاة و السلام على أكرم خلقه لديه، و على أهل بيته الذين شرّفهم بالمسئول بين يديه.
و بعد: فهذه الروضة الثامنة و الثلاثون من رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد العابدين، صلّى اللّه عليه و على آبائه و أنبائه الائمة الهادين، إملاء راجي فضل ربّه السنيّ عليّ صدر الدين الحسيني الحسني، و فّقه اللّه لجميل التوبة و الاعتذار، و من عليه بفكاك رقبته من النار.

274
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين‏
و كان من دعائه عليه السّلام: «في الاعتذار من تبعات العباد، و من التقصير في حقوقهم، و في فكاك رقبته من النّار».
الاعتذار: مصدر اعتذرت إليه إذا أتيت بعذر.
قال الراغب: العذر هو تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه. و ذلك ثلاثة أضرب، أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا، أو يقول: فعلت و لا أعود، و نحو ذلك. و هذا الثالث هو التوبة. فكلّ توبة عذر، و ليس كلّ عذر توبة «1» انته.
و المراد بالاعتذار هنا هو الضرب الثالث أعني التوبة، و منه قوله تعالى: «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» «2» أي لا يؤذن لهم في الاعتذار فهم لا يعتذرون. أراد أنّه لا يكون لهم إذن في التوبة. و اعتذار أي توبة متعقبة للإذن من غير أن يجعل الاعتذار متسبّبا عن الإذن كما لو نصب. و إنّما لا يؤذن لهم لأنّه ليس وقت توبة فإنّ التوبة محلّها الدنيا.
و ظنّ بعضهم إنّ الاعتذار لا يكون إلا بمعنى الضرب الثاني أي فعلت لأجل‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 327.
 (2) سورة المرسلات: 35 و 36.

275
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
كذا فجعل المعلّل به النسيان و الجهل و إن لم يصرّح به في الدعاء. و هو خطأ، فإنّ قوله عليه السّلام: في أثناء الدعاء أعتذر إليك يا إلهي منهنّ و من نظائر هنّ اعتذار ندامة صريح في معنى التوبة.
و التبعات: جمع تبعة على وزن كلمة ما يطلبه الإنسان من ظلامة و غيرها.
و في الأساس: لي قبل فلان تبعة و تباعة و هي الظلامة «1».
و العباد: جمع عبد و هو يطلق على وجهين.
أحدهما: المملوك بحكم الشرع و هو الإنسان الذي يصحّ بيعه و ابتياعه.
و الثاني: المملوك بالإيجاد. و ليس ذلك إلّا للّه تعالى، و هو بهذا المعنى يطلق على الإنسان حرّا كان أو رقّا، و الناس كلّهم عباد اللّه.
و هذا المعنى هو المراد هنا. و متى أطلق لفظ العباد فالمراد بهم جميع الناس، و لذلك جعل بعضهم «عباد» للّه، و العبيد و الأعبد و غيرهما من الجموع للّه و للمخلوقين.
و قصّر في الأمر تقصيرا: توانى فيه و لم يهتمّ به و لا احتفل له.
و فكاك رقبته: أي خلاصها. من فكّ الرهن أي خلّصه و الأسير أطلقه، و كلّ شي‏ء أطلقته فقد فككته. و الاسم الفكاك بالفتح كالخلاص، و الكسر لغة حكاها ابن السكيت و أنكرها الأصمعيّ «2».
و قوله تعالى: «فَكُّ رَقَبَةٍ» «3» قيل: المراد بها إعتاق نسمة.
و قيل: بل هو فكّ الإنسان رقبته من عذاب اللّه بالتوبة و العمل الصالح.
و الرّقبة: اسم للعضو المخصوص، ثمّ يعبّر بها عن الجملة و قد مرّ بيان ذلك و اللّه أعلم.
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 59.
 (2) المصباح المنير: ص 656.
 (3) سورة البلد: الآية 13.

276
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

[ 1039] قال صلوات اللّه و سلامه عليه:
اللّهمّ إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره، و من معروف أسدي إليّ فلم أشكره، و من مسي‏ء اعتذر إليّ فلم أعذره، و من ذي فاقة سألني فلم أوثره، و من حقّ ذي حقّ لزمني لمؤمن فلم أوفّره، و من عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره، و من كلّ إثم عرض لي فلم أهجره
.
الكلام في هذه الفقرات كلّها على حذف مضاف، و في كلّ فقرة قرينة دالّة عليه معيّنة له كما سنبيّنه.
فقوله عليه السّلام: «أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره» أي:
أتوب إليك من خذلان مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره، أي خذلاني له بدليل قوله:
 «فلم أنصره». لأنّ عدم النصر هو الخذلان. و هذا التقدير متحتّم إذ لا معنى للاعتذار من ذات المظلوم و لا من حيث اتّصافه بالمظلوميّة هنا. أمّا الأوّل فظاهر، و أمّا الثاني فلانّه لم يظلمه بل ظلمه غيره، و لا وجه للاعتذار من ظلم الغير. و بعين ذلك ما تقرّر من أنّ الكلام إذا وقع فيه تقييد بوجه ما كان هو الغرض و المقصود من الكلام. و لا شكّ أنّ قوله: «فلم أنصره» تقييد للمظلوم. فكان هو الغرض الذي قصد الاعتذار منه.
فان قلت: هلا حملت «من» على معنى التعليل ليكون المعنى أعتذر إليك من أجل مظلوم، و لا حاجة حينئذ إلى تقدير المضاف؟
قلت: يعيّن كونها ابتدائيّة أمران:
أحدهما: إنّ «من» المتعلّقة بالاعتذار في جميع الموارد لا تكون إلّا ابتدائيّة، لأنّ الاعتذار ناشئ من مدخولها. و يؤكّده هنا أنّ المراد بالاعتذار التوبة. و «من» في قولك: «ثبت إلى اللّه من كذا» ابتدائيّة قطعا لا تعليليّة.
الثاني: مقابلتها ب «إلى» قال الرضيّ: و تعرف «من» الابتدائيّة بأن تحسن في‏

277
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

مقابلتها إلى «1» نحو تبرّأت من فلان إلى فلان، على أنّه قال: «من» التعليليّة نحو «لم آتك من سوء أدبك» كأنّها ابتدائيّة لأنّ ترك الإتيان حصل من سوء الأدب «2»، انته.
و تعدية الاعتذار ب «إلى» لأنّه بمعنى التوبة.
و الحضرة: الحضور. يقال: كلّمته بحضرة فلان أي بحضوره و مشهده. و قد يراد بها فناء الشي‏ء و قربه.
و «الفاء» من قوله: «فلم أنصره» و نظائره لمجرّد التعقيب و جعل ما بعدها تابعا لما قبلها، واقعا عقيبه.
و إنّما اعتذر عليه السّلام من عدم نصره للمظلوم بحضرته لأنّ نصرة المؤمن حق واجب على المؤمن يؤاخذ بتركه كما تظافرت به النصوص عنهم عليهم السّلام.
فعن صاحب الدّعاء عليه السّلام: و أمّا حقّ أخيك فان تعلم إنّه يدك و عزتك و قوتك، فلا تتخّذه سلاحا على معصية اللّه، و لا عدّة للظلم لخلق اللّه، و لا تدع نصرته على عدوّه و النصيحة له «3».
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: حقّ المؤمن على المؤمن المودّة له في صدره، و المواساة له في ماله، و الخلف له في أهله، و النصرة له على من ظلمه «4».
و عنه عليه السّلام: ما من مؤمن ينصر أخاه و هو يقدر على نصرته إلّا نصره اللّه في الآخرة. و ما من مؤمن يخذل أخاه و هو قادر على نصرته إلّا خذله اللّه في الدنيا و الآخرة «5».
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة.
 [ 1040] قوله عليه السّلام «و من معروف أسدي الّتي فلم أشكره». أي من كفران‏
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 321.
 (2) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 323.
 (3) وسائل الشيعة: ج 11 ص 135.
 (4) الكافي: ج 2 ص 171 ح 7.
 (5) وسائل الشيعة: ج 8 ص 607 ح 4.

278
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
معروف بقرينة قوله: «فلم أشكره» لأنّ عدم شكر المعروف هو كفرانه.
و المعروف: الخير و الإحسان.
و في مجمل اللّغة: المعروف: الجود «1».
و قيل: هو ما تبذله و تعطيه.
و أسديت إليه معروفا: اتخذته عنده.
و في النهاية لابن الأثير: فيه «من اسدى إليكم معروفا فكافئوه» أسدى و أولى و أعطى بمعنى، يقال أسديت إليه معروفا أسدى إسداء «2» انته.
و في نسخة «من معروف أزل إلي» و هو بمعنى أسدى.
قال في القاموس: أزلّ إليه نعمة: أسداها. و الزلّة: الصنيعة و تضمّ «3».
و في المصباح: الزلّة: العطيّة. يقال: أزللت إليه إزلالا إذا أعطيته أو أسديت إليه صنيعا. و في الحديث (من أزلت إليه نعمة فليشكرها) أي: من صنعت عنده نعمة «4».
و قال الزمخشريّ في الفائق: الزليل: نوع من انتقال الجسم من مكان إلى مكان. فاستعير لانتقال النعمة من المنعم إلى المنعم عليه، فقيل: زلّت منه إلى فلان نعمة، و أزلّها إليه «5» انته.
و وقع لبعض أعاظم السادة هنا زلّة أحببناه التنبيه عليها فانّه قال في تعليقته:
يقال فلان أزلّ إليّ نعمة او معروفا أي أسداها. و أزلّ إليّ شيئا من حقّي أي أعطاني، إيّاه. و منه الزلّة بالفتح: و هي ما يؤخذ من مائدة و يحمل إلى صديق قال‏
__________________________________________________
 (1) لم نعثر عليه في مجمل اللغة بل وجدناه في لسان العرب: ج 9 ص 239.
 (2) النهاية لابن الأثير: ج 2 ص 356.
 (3) القاموس المحيط: ج 3 ص 389.
 (4) المصباح المنير: ص 347.
 (5) الفائق في غريب الحديث: ج 2 ص 119.

279
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
صاحب القاموس: عراقيّة أو عاميّة و الحقّ: إنّها حجازيّة و عربيّة صراح، إذ أصل ذلك من الزليل، ثمّ نقل عن ابن الأثير ما نقلناه عن الزمخشريّ في الفائق من معنى الزليل. و منه أخذ ابن الأثير «1».
و هذا الكلام من السيّد المشار إليه خطأ محض من وجهين.
أحدهما: دعواه إنّها حجازيّة و ذلك إنّما يثبت بأحد أمرين، إمّا سماعه من أهل الحجاز استعمال هذا اللّفظ لهذا المعنى استعمالا فاشيا.
و إمّا استناده إلى نصّ هو أضبط لما يحكيه، و أوثق لما يرويه من صاحب القاموس و كلّ من الأمرين دونه خرط القتاد، على أنّ صاحب القاموس لم يتفرّد بالقول بأنها عراقيّة «2» بل سبقه إلى ذلك اللّيث كما حكاه الفيومي في المصباح:
و نصّه قال الليث: الزلّة: عراقيّة اسم لما يحمل من المائدة لقريب أو صديق «3» انته.
فإذا ثبت عن هذين الإمامين أنّ هذه اللفظة لم تسمع لهذا المعنى إلّا من أهل العراق.
كيف يجوز لأحد أن يردّ عليهما و يدّعي إنّها حجازيّة من غير استناد إلى نصّ قاطع أو استعمال شائع؟
أ لا ترى إلى الإمام أبي عليّ المرزوقيّ، و هو النحرير الذي لا يدفع فضله حيث أراد أن يردّ على الأصمعيّ دعواه في لفظة أنّها مولّدة لم يعتمد في الردّ إلّا على النصّ ممّن هو أرسخ قدما و أوسع علما في العربيّة منه. و ذلك قوله في شرح الفصيح: قال الأصمعيّ: إنّ قولهم كلبة صارف بمعنى مشتهية للنكاح ليس من كلام العرب و إنّما ولّده أهل الأمصار. و ليس كما قال فقد حكى هذه اللفظة أبو زيد و ابن الأعرابيّ و الناس «4»، انته.
__________________________________________________
 (1) شرح الصحيفة الكاملة السجاديّة للسيّد الداماء: ص 313.
 (2) القاموس: ج 3 ص 389.
 (3) المصباح المنير: ص 347.
 (4) حكاه الازهري في تهذيب اللغة: ج 2 ص 163.

280
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
الثاني: إنّ قوله «و عربيّة صراح» إذ أصل ذلك من الزليل إثبات اللّغة بالقياس. و الذي استقرّ عليه آراء المحقّقين من العلماء أنّ اللغة لا تثبت قياسا و لا يجري القياس فيها.
قال إمام الحرمين في البرهان: الذي نرتضيه أنّ إثبات اللغات قياسا باطل، لعلمنا أنّ العرب لا تلتزم طرد الاشتقاق. و أقرب مثال أنّ الخمر إنّما هي من المخامرة أو التخمير فلو ساغ الاستمساك بالاشتقاق لكان كلّما يخمر العقل أو يخامره خمرا و ليس الأمر كذلك «1».
و قال الغزاليّ: إطباقهم على أنّ البنج لا يسمّى خمرا- مع كونه مخمّرا- بنفي القياس. فإن سمّوه فليسمّوا الدار قارورة لمشاركتها القارورة في هذا المعنى «2»، انته.
فبطل استناده في دعوى كونها عربيّة إلى صحّة اشتقاقها من الزليل. على أنّ أئمة اللغة نصّوا على كلمات كثيرة أنّها مولّدة ليست بعربيّة، مع نصّهم على أنّ القياس لا يدفعها و لا يأبى عربيّتها.
فمن ذلك قول الموفّق البغداديّ في ذيل الفصيح: الفطرة- بالضمّ- لغة مولّدة، و كلام العرب صدقة الفطرة- بالكسر-. مع أنّ القياس لا يدفعه كالغرفة و القبضة «3»- بالضمّ فيهما- لمقدار ما يؤخذ من الشي‏ء.
و منه قول النوويّ في تجريد التنبيه: التفرّج لفظة مولّدة لعلّها من انفراج الضم و هو انكشافه «4».
و قول الثعالبيّ في فقه اللّغة: يقال للرجل الذي إذا لا يبقي و لا يذر قحطيّ و هو من كلام الحاضرة دون البادية «5».
__________________________________________________
 (1) لا يوجد لدينا كتابه.
 (2) لا يوجد لدينا كتابة.
 (3) «ألف»: النغفة.
 (4) لا يوجد لدينا كتابه.
 (5) فقه اللغة: ص 141.

281
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
قال الأزهري: أظنّه ينسب إلى القحط كأنّه نجا من القحط» «1».
و قال الزبيديّ في الاستدراك على كتاب العين:- الأطبّاء يسمّون بالتغيير الذي يحصل للعليل دفعة في الأمراض الحادّة بحرانا يقولون هذا يوم بحران بالإضافة و يوم باحوريّ على غير قياس. فكأنّه منسوب إلى باحور و باحوراء و هو شدّة الحرّ في تموز و جميع ذلك مولّد «2». انته.
فترى هؤلاء الائمة لم يحكموا على الألفاظ المذكورة بكونها عربيّة مع صحّة إمكان كونها مأخوذة من أصل عربيّ صحيح، لأنّ مفردات اللغة لا تثبت إلّا بالنقل لا بصحّة الاشتقاق. فكيف جاز لسيّدنا المشار إليه دعوى كون الزلّة بالمعنى المذكور حجازيّة عربيّة صراحا؟ إذ أصلها من الزليل لو لا عدم الوقوف على الطريق إلى معرفة اللغة العربيّة فاللّه يرحمه و يتجاوز عنه، و لقد خرجنا بهذا الكلام عمّا بصدده، و ليس الغرض من ذلك تتبّع عثرة، أو إشاعة زلّة. و لكنّي رأيت بعض من اشتهر بالفضل تبعه على ذلك، فأحببت التنبيه على خطأه، لئلا يغترّ غيره بكلامه، و اللّه يقول الحقّ، و هو يهدى السبيل.
هذا و لمّا كان شكر المعروف واجبا- سواء كان المسدي له خالقا أو مخلوقا- اعتذر عليه السّلام من معروف أسدي إليه فلم يشكره.
و من الأحاديث المشهورة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: اشكر لمن أنعم عليك و أنعم على من شكرك «3».
و عنه عليه السّلام: من أزل إليه معروف فليشكره [1].
__________________________________________________
 (1) تهذيب اللغة: ج 4 ص 29.
 (2) تاج العروس: ج 3 ص 30.
 (3) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص 140.
__________________________________________________
 [1] لم نعثر عليه بألفاظه، بل وجدنا ما يقرب منه في المصباح المنير: ص 347 و إليك نصّه: «من أزلّت إليه نعمة فليشكرها».

282
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
و روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن عمّار الذهبي قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السّلام يقول: إنّ اللّه يحبّ كل قلب حزين، و يحب كلّ عبد شكور يقول اللّه تبارك و تعالى لعبد من عبيده يوم القيامة أشكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك يا رب فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره، ثمّ قال: أشكركم للّه أشكركم للناس «1».
و عنه عليه السّلام في حديث الحقوق: و أما حق ذي المعروف عليك فان تشكره، و تذكر معروفه، و تكسبه المقالة الحسنة، و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين اللّه تعالى. فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّا و علانية ثم إن قدرت على مكافاته يوما كافيته «2».
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
من أتي إليه معروف فليكاف به، فإن عجز، فليثن عليه. فان لم يفعل، فقد كفر النعمة «3».
و عنه عليه السّلام: لعن اللّه قاطعي سبيل المعروف قيل: و ما قاطعو سبيل «4» المعروف؟ قال: الرجل يصنع إليه المعروف، فيكفره، فيمتنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره «5».
و عنه عليه السّلام: ما أقلّ من شكر المعروف «6».
و الروايات في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، و ما أحسن قول بعضهم في شكر المعروف و كفره:
لعمرك ما المعروف في غير أهله             و في أهله إلّا كبعض الودائع‏
فمستودع قد ضاع ما كان عنده             و مستودع ما عنده غير ضائع‏

__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 99 ح 30.
 (2) وسائل الشيعة: ج 11 ص 136.
 (3) الكافي: ج 4 ص 33 ح 3. و فيه.
 (4) «ألف»: سبل.
 (5) «ألف»: سبل ص 33 ح 1. و فيه: «سبل المعروف».
 (6) «ألف»: سبل ص 33 ح 2.

283
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
و ما الناس في شكر الصنائع عندهم             و في كفرها إلّا كبعض المزارع‏
فمزرعة طابت فأسرع زرعها             و مزرعة أكدت على كلّ زارع‏
 قوله عليه السّلام: «و من مسي‏ء اعتذر إليّ فلم أعذره» أي: من لوم مسي‏ء اعتذر اليّ فلم أعذره، أي لم أقبل عذره و لم أرفع عنه اللوم.
يقال: عذرته عذرا- من باب ضرب- أي: رفعت عنه اللّوم. فهو معذور أي غير ملوم. و الاسم العذر- بالضم- و تضمّ الذال الإتباع و تسكّن.
و في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام: يا علي، من لم يقبل العذر من متنصل- صادقا كان أو كاذبا- لم تنله شفاعتي «1».
و في رواية: من اعتذر إليه أخوه بمعذرة، فلم يقبلها، كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مكس «2». و هو ما يأخذه أعوان السلطان ظالما عند البيع و الشراء.
و في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لابنه محمّد ابن الحنفيّة رضي اللّه عنه: اقبل من متنصل عذره، فتنالك الشفاعة «3».
و في النهاية لابن الأثير: و في الحديث «من تنصّل إليه أخوه، فلم يقبل» أي أن انتفى من ذنبه و اعتذر إليه» «4».
و قال الزمخشريّ في الفائق و الأساس: نصل علينا فلان: إذا خرج عليك من طريق أو ظهر من حجاب. و منه تنصّل من ذنبه «5».
و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من لم يقبل من متنصل- صادقا أو كاذبا- لم يرد عليّ الحوض «6»، انته.
 [ 1041] قوله عليه السّلام: «و من ذي فاقة سألني فلم أوثره» أي و من منع ذي فاقة
__________________________________________________
 (1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 353.
 (2) كنز العمال: ج 3 ص 378.
 (3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 391.
 (4) النهاية لابن الأثير: ج 5 ص 67.
 (5) الفائق في غريب الحديث: ج 3 ص 436.
 (6) أساس البلاغة: ص 636.

284
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
سألني فلم أوثره.
و الفاقة: الحاجة. يقال: افتاق افتياقا إذا احتاج، و هو ذو فاقة.
و آثرت السّائل إيثارا: أعطيته ما سأل و قدّمته على نفسي و منه قوله تعالى:
 «يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» «1» أي يقدّمون من هاجر إليهم على أنفسهم في كلّ شي‏ء من أسباب المعاش.
روى ثقة الإسلام بسنده إلى أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت:
أخبرني عن حق المؤمن على المؤمن. فقال: يا أبان. دعه لا ترده، قلت: بلى جعلت فداك. فلم أزل اردّد عليه، فقال: يا أبان، تقاسمه شطر ما لك ثمّ نظر إليّ فرأى ما دخلني فقال: يا أبان، أ ما تعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟
قلت: بلى جعلت فداك فقال: إذا قاسمته فلم تؤثره بعد إنّما أنت و هو سواء إنّما تؤثره إذا أعطيته من النصف الآخر «2».
و بسنده عن عليّ بن سويد السائي، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال:
قلت له أوصني، فقال: آمرك بتقوى اللّه، ثمّ سكت، فشكوت إليه قلّة ذات يدي و قلت: و اللّه لقد عريت حتى بلغ من عريتي أن أبا فلان نزع ثوبين كانا عليه و كسانيهما فقال: صم و تصدّق. قلت: أتصدّق ممّا وصلني به أخواني. قال تصدّق بما رزقك اللّه و لو آثرت على نفسك «3».
قوله عليه السّلام: «و من حق ذي حق لزمني فلم أوفره» أي: و من إهمال حقّ ذي حقّ، أو منع حق ذي حق لزمني فلم أو فرّه عليه أي لم أوفه إيّاه.
يقال: و فرّت على فلان حقه توفيرا: أي وفيته إيّاه.
قال الفيّوميّ في المصباح: وفّرت عليه حقه توفيرا، أعطيته الجميع فاستوفره،
__________________________________________________
 (1) سورة الحشر: الآية 9.
 (2) الكافي: ج 2 ص 171- 172 ح 8.
 (3) الكافي: ج 4 ص 18 ح 2.

285
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
أي استوفاه «1».
و في المغرب: وفّرت على فلان حقّه فاستوفره: أي وفيته إيّاه فاستوفاه «2».
و وقع لصاحب القاموس: في هذه الكلمة و هم عجيب، و غلط غريب، فإنّه رأى الجوهريّ قال: و وفّر عليه حقّه توفيرا و استوفره: أي استوفاه «3»، فتوهّم أنّ قوله: أي استوفاه تفسير لوفّر و استوفر معا.
فقال في القاموس: استوفر عليه حقّه استوفاه كوفّره «4».
و هو غلط بلا شك أوقعه فيه سوء فهمه لعبارة الجوهريّ. و لم يقصد الجوهريّ بقوله: «أي استوفاه» إلّا تفسير استوفره فقط. و تبع في ذلك خاله أبا إبراهيم الفارابيّ في ديوان الأدب، فإنّه قال في باب التفعيل من كتاب المثال. وفّر عليه حقه «5» و لم يفسّره، ثمّ قال في باب الاستفعال: و استوفر أي استوفى «6»، فجمع الجوهريّ بين العبارتين. و هو كثيرا ما ينقل عنه عبارته بنصّها كما يظهر لمن تتبّع الكتابين.
و اعلم أنّ النسخ من الصحيفة الشريفة اختلفت في هذه الفقرة من الدعاء فوقع في بعضها «و من حق لزمني فلم أوفره» بدون إضافته إلى ذي حقّ، و في بعضها و من حق ذي حق لزمني فلم أوفّره بإضافة حقّ إلى ذي حقّ، و في بعضها: و من حقّ ذي حق لزمني لمؤمن بزيادة لمؤمن.
فقال بعضهم: لمّا كان الحقّ يطلق على الأمر الثابت المتحقّق في نفس الأمر، و على ما يستحقّه ذو حقّ، أي يستوجبه شرعا أو عقلا كان قوله: «ذي حقّ» احترازا عن المعنى الأوّل. لأنّ المعنى الثاني هو المراد. فقوله: حق ذي حقّ بمنزلة حقّ من‏
__________________________________________________
 (1) المصباح المنير: ص 919.
 (2) المغرب: ج 2 ص 256.
 (3) الصحاح: ج 2 ص 847.
 (4) القاموس المحيط: ج 2 ص 155.
 (5) ديوان الأدب للفارابي: ج 3 ص 273.
 (6) ديوان الأدب للفارابي: ج 3 ص 282.

286
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
حقوق الناس انته.
و الحقّ أن إضافة حق إلى ذي حق ليس للاحتراز عن الحقّ بمعنى الثابت المتحقّق في نفس الأمر لأنّ قوله: لزمني فلم أوفّره معيّن أنّ المراد المستحقّ للغير فلا احتمال لمعنى آخر، و إنّما الإضافة على النسخة التي وقعت فيها لقصد تعظيم شأن المضاف ببيان أنّ له صاحبا مطالبا له، فإنّ تعظيم الذنب حال الاعتراف و الاعتذار أدعى لقبول التوبة. و يؤكّد هذا المعنى الوصف بذي دون صاحب، لاقتضائها تعظيم الموصوف بها و ما أضيفت إليه، بخلاف صاحب. و تضمّن الإضافة تعظيم المضاف أو المضاف إليه أو غيرهما أو غير ذلك من النكت المنصوص عليها في علم المعاني لا يختص بالإضافة إلى المعرفة، كما نبه عليه العلّامة نجم الدين الكرمانيّ في شرح التبيان.
أمّا النسخة الثالثة التي وقعت فيها زيادة لمؤمن فقيل «لمؤمن» متعلّق بمحذوف، و هو حال من حقّ المضاف لذي حقّ، أي من حقّ ذي حقّ لزمني حال كونه «لمؤمن». و لا يجوز أن يكون بدلا من ذي حقّ لمكان اللام انته.
و هذا غلط صريح: فإنّ الحال يجب أن يكون عين صاحبها، لأنّها خبر في المعنى.
فكما يجب أن يكون الخبر عين المبتدأ، فكذلك الحال، ألا ترى أنّ الراكب من «جاء زيدا راكبا» هو زيد بعينه، كما أنّ الرّاكب من زيد راكب كذلك. و ليس الكائن لمؤمن هو حقّ ذي حقّ كائنا من كان بعينه فكيف يصحّ جعله حالا منه.
و الصواب: أنّ قوله: لمؤمن ظرف لغو متعلّق بلزمني. و الجملة مفسّرة، لحقّ ذي حقّ، و لا محلّ لها من الإعراب، كما هو رأي الجمهور، خلافا للشلوبين. و نظير ذلك قوله تعالى: «إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» «1». فقوله: « «خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ» و ما بعده تفسير لمثل آدم باعتبار الخروج عن‏
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 59.

287
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
مستمرّ العادة، و هو التولّد بين الأبوين، لا باعتبار ما يعطيه ظاهر اللّفظ من كونه قدّر جسدا من طين ثمّ كوّن «1».
فان قلت: ما فائدة تقييد الحق بكونه لمؤمن؟ فإنّ توفير الحقّ على صاحبه واجب- سواء كان مؤمنا أو كافرا-.
كما ورد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أدّوا الأمانات إلى أهلها و لو كانوا مجوسا «2».
إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في هذا المعنى.
قلت: ليس المراد بالحقّ- إذا قيّد بالمؤمن- إلّا أحد الحقوق التي توجبها أخوّة الإيمان.
و هو الذي أشار إليه أبو عبد اللّه عليه السّلام: بقوله: ما عبد اللّه بشي‏ء أفضل من أداء حقّ المؤمن «3».
و قد عقد له في الكافي بابا و ترجمه بباب حقّ المؤمن على أخيه و أداء حقّه «4».
فممّا رواه في هذا الباب بإسناده عن معلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال: له سبع حقوق واجبات، ما منهن حق إلّا و هو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته، و لم يكن للّه فيه نصيب. قلت له: جعلت فداك، و ما هي؟ قال: يا معلى إني عليك شفيق، أخاف أن تضيّع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل قال قلت: لا قوّة إلّا باللّه، قال: أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، و تكره له ما تكره لنفسك.
و الحقّ الثاني، أن تجتنب سخطه، و تتبع مرضاته، و تطيع أمره. و الحقّ الثالث، أن تعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك. و الحقّ الرابع، أن تكون عينه و دليله‏
__________________________________________________
 (1) مغني اللبيب: ص 522.
 (2) وسائل الشيعة: ج 13 ص 223.
 (3) الكافي: ج 2 ص 170 ح 4.
 (4) الكافي: ج 2 ص 169.

288
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
و مرآته. و الحقّ الخامس، أن لا تشبع و يجوع، و لا تروى و يظمأ، و لا تلبس و يعرى.
و الحق السادس، أن يكون لك خادم و ليس لأخيك خادم. فواجب عليك أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه، و يصنع طعامه، و يمهّد فراشه. و الحقّ السابع، أن تبرّ قسمه، و تجيب دعوته، و تعود مريضه، و تشهد جنازته، و إذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها، و لا تلجئه إلى أن يسألكها، و لكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك «1».
و عن أبي جعفر عليه السّلام: من حقّ المؤمن على أخيه أن يشبع جوعته، و يواري عورته، و يفرّج عنه كربته، و يقضي دينه، و إذا مات خلفه في أهله و ولده «2».
و عن معلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حق المؤمن، فقال: سبعون حقا، لا أخبرك إلّا بسبعة فإني عليك مشفق، أخشى أن لا تحتمل.
فقلت: بلى إن شاء اللّه تعالى، فقال: لا تشبع و يجوع، و لا تكتسي و يعرى، و تكون دليله و قميصه الذي يلبسه، و لسانه الذي يتكلم به، و تحبّ له ما تحبّ لنفسك، و إن كانت لك جارية بعثتها لتمهد فراشه، و تسعى في حوائجه بالليل و النهار. فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا، و ولايتنا بولاية اللّه «3».
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: ما أعظم حقّ المسلم على أخيه المسلم «4».
و عنه عليه السّلام: من حق المؤمن على المؤمن: المودّة له في صدره، و المواساة له في ماله، و الخلف له، في أهله، و النصرة على من ظلمه، و إن كان نافلة، في المسلمين و كان غائبا أخذ له بنصيبه، و إذا مات الزيارة إلى قبره، و أن لا يظلمه، و أن لا يغشه، و أن لا يخونه، و أن لا يخذله، و أن لا يكذبه، و أن لا يقول له أف، و إن قال له أف‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 169 ح 2.
 (2) الكافي: ج 2 ص 169 ح 1.
 (3) الكافي: ج 2 ص 174 ح 14.
 (4) وسائل الشيعة: ج 8 ص 545 ح 8.

289
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
فليس بينهما ولاية، و إذا قال له: أنت عدوّي فقد كفر أحدهما، و إذا: اتّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء «1».
و روى الشيخ زين الملّة و الدين- قدّس اللّه سرّه- في رسالة الغيبة، بسند له متّصل عن أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه أنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: للمؤمن على أخيه ثلاثون حقا، لا براءة له منها إلّا باداء أو بالعفو يغفر زلّته، و يرحم غربته، و يستر عورته، و يقيل عثرته، و يقبل معذرته، و يردّ غيبته، و يديم نصيحته، و يحفظ خلّته، و يرعى ذمّته، و يعود مرضته، و يشهد ميته، و يجيب دعوته، و يقبل هديته، و يكافي صلته، و يشكر نعمته، و يحسن نصرته، و يحفظ حليلته، و يقضي حاجته، و يشفع مسألته، و يسمت عطسته، و يرشد ضالّته، و يردّ سلامه، و يطيب كلامه، و يبرّ أنعامه، و يصدّق أقسامه، و يواليه، و لا يعاديه، و ينصره ظالما و مظلوما، فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه. و أمّا نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقّه، و لا يسلمه، و لا يخذله، و يجب له من الخير ما يحبّ لنفسه، و يكره له من الشرّ ما يكره لنفسه. ثمّ قال عليّ عليه السّلام: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له عليه «2».
و الرّوايات عنهم عليهم السّلام في هذا المعنى كثيرة، و في هذا المقدار كفاية إن شاء اللّه تعالى. و اللّه المستعان.
 [ 1042] قوله عليه السّلام: «و من عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره» أي و من إظهار عيب مؤمن.
قال الراغب: العيب و العاب: الأمر الذي يصير به الشي‏ء عيبة أي مقرا
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 171 ح 7.
 (2) كشف الريبة في أحكام الغيبة: ص 115.

290
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
للنقص «1».
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حدّثني أبي، عن آبائه عن عليّ عليه السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: أدنى الكفر أن يسمع الرجل عن أخيه الكلمة، فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها، أولئك لاخلاق لهم «2».
و عنه عليه السّلام: حدّثني أبي، عن آبائه، عن عليّ عليه السّلام قال: من قال في مؤمن ما رأت عيناه و سمعت أذناه ممّا يشينه، و يهدم مروّته فهو من الذين قال اللّه عزّ و جلّ إنّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدّنيا و الآخرة «3».
قوله عليه السّلام: «و من كلّ إثم عرض لي فلم أهجره» أي: و من ارتكاب كلّ إثم.
و عرض له الأمر عرضا: أمكنه أن يفعله كأنّه أبدى له عرضه و هجرت الشي‏ء هجرا: تركته و رفضته.
و قال الراغب: الهجر: مفارقة الإنسان غيره إمّا بالبدن أو باللسان أو بالقلب «4».
و قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» «5» حثّ على المفارقة بالوجوه كلّها. و يوجد في بعض النسخ: «و من شيخ مؤمن عاشرته فلم اوقّره» أي و من احتقار شيخ مؤمن. و الشيخ:
يقال لمن طعن في السّن.
و في القاموس: الشيخ و الشيخون: من استبانت فيه السنّ أو من خمسين أو من إحدى و خمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين «6».
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 351.
 (2) كشف الريبة عن احكام الغيبة: ص 130.
 (3) كشف الريبة عن احكام الغيبة: ص 130.
 (4) المفردات: ص 536.
 (5) المدثر: الآية 5.
 (6) القاموس المحيط: ج 1 ص 263.

291
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

أعتذر إليك يا إلهي منهنّ، و من نظائر هنّ اعتذار ندامة، يكون واعظا لما بين يديّ من أشباههنّ، فصلّ على محمّد و آله، و اجعل و قال الراغب: و قد يعبّر به فيما بيننا عمّن يكثر علمه، لما كان من شأن الشيخ أن يكثر تجاربه و معارفه، يقال شيخ بيّن الشيخوخة و التشيخ «1».
و عاشرته معاشرة: خالطته.
و وقّرته توقيرا: عظمته. و هو من الوقار بمعنى العظمة و السّكون و الحلم.
و في الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: إن من إجلال اللّه تعالى إجلال الشيخ الكبير «2».
و عنه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من عرف فضل كبير لسنّه، فوقّره آمنه اللّه من فزع يوم القيامة «3».
و عنه عليه السّلام: من إجلال اللّه إجلال المؤمن ذي شيبة، و من أكرم مؤمنا فبكرامة اللّه بدأ، و من استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل اللّه إليه من يستخفّ به قبل موته «4».
و عنه عليه السّلام: ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا، و يرحم صغيرنا «5».
و عنه عليه السّلام: ثلاثة لا يجهل حقهم إلّا منافق معروف بالنفاق ذو الشيبة في الإسلام، و حامل القرآن، و الإمام العادل «6».
 [ 1043] جملة: «أعتذر» في محلّ رفع على البدليّة من الجملة الواقعة خبرا لأن في قوله:
 «اللّهمّ إنّي أعتذر إليك».
و الضمير في «منهنّ» و نظائرهنّ عائد إلى السّيئات المذكورة.
و النظائر: جمع نظيرة مؤنّث نظير، و هو المثل مأخوذ من المناظرة. كأنّ كلّ واحد
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 270.
 (2) وسائل الشيعة: ج 8 ص 466 ح 1.
 (3) وسائل الشيعة: ج 8 ص 467 ح 9.
 (4) وسائل الشيعة: ج 8 ص 467 ح 4.
 (5) وسائل الشيعة: ج 8 ص 467 ح 3.
 (6) وسائل الشيعة: ج 8 ص 467 ح 5.

292
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

ندامتي على ما وقعت فيه من الزلّات، و عزمي على ترك ما يعرض لي من السّيّئات، توبة توجب لي محبّتك، يا محبّ التّوّابين.
منهما ينظر إلى صاحبه، فيباريه.
و الندامة: الندم. و هو تمنّي الإنسان أنّ ما وقع منه لم يقع.
و قيل: التحسّر من تغيّر رأي في أمر فائت. و أصله من منادمة الحزن له.
و الوعظ: زجر مقترن بتخويف. و إسناده إلى الاعتذار مجاز عقليّ، من باب الإسناد إلى السبب الغائيّ، أي يكون عقلي واعظا من أجله و بسببه، لما بين يديّ من أشباههنّ، كقولك: «أقدمني بلدك حقّ لي على فلان»، أي أقدمتني نفسي لأجل حقّ لي عليه.
و بين اليدين: حقيقة في المكان، ثمّ اشتهر للزّمان مستعارا. فتارة يطلق على الماضي المتقدّم، و منه قوله تعالى: «وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» «1» أي من الكتب السماويّة التي قبله.
قال الطيّبيّ: بين اليدين استعارة تمثيلية. و الأصل فيه بين الجهتين المسامتتين لليمين و الشمال، ثمّ استعمل في ظرف المكان بمعنى قدّام، ثمّ في ظرف الزمان بمعنى قبل، و تارة يطلق على المستقبل المتأخّر، لأنّ الإنسان مستقبل لما سيأتي، فكأنه بين يديه. و منه قول الشاعر:
ترفّق بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل.
و قال القاضي في قوله تعالى: «يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ»* ما قبلهم و ما بعدهم أو بالعكس، لأنّه مستقبل المستقبل، و مستدبر الماضي «2» انته.
و هذا المعنى هو المراد هنا. أي واعظا لما يكون في المستقبل من أشباه السيّئات المذكورة، و يحتمل أن يكون المراد لما هو بالقرب منّي من أشباههنّ.
__________________________________________________
 (1) سورة الأنعام: الآية 92.
 (2) أنوار التنزيل و أسرار التأويل: ج 1 ص 133.

293
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
قال الراغب: يقال هو بين يديك أي قريبا منك «1» انته.
و منه قوله تعالى: «إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ» «2» كأنّ العذاب تال له، و هو منذر له بوصوله، ماش «3» قدّامه.
و «من» في قوله: «من أشباههنّ» مبيّنة لقوله: «لما بين يديّ».
و إيقاع الوعظ على أشباه السيّئات المذكورة مجاز حكمي أيضا، و إنّما الغرض أن يكون واعظا له من ارتكاب ما يستقبله من أشباههن، فوقع الوعظ على السيئات للدلالة على المبالغة، كقوله تعالى: «وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ» «4» و قوله: «وَ أَطِيعُوا أَمْرِي» «5».
قال الزمخشريّ: جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي، و المراد الأمر كقولهم:
إمرة مطاعة «6» انته.
و حاصله: أنّ السيئات لمّا كان سببا موجبا للوعظ، و الأمر سببا موجبا للإطاعة، أوقع الفعل عليهما قصدا للمبالغة.
و من زعم أن اللام من قوله: «لما بين يديّ» للتعليل فقد تكلّف. و مآل هذه الفقرة من الدّعاء إلى أنّ اعتذاره هنا «7» ثابت مستمرّ، زاجر له عن ارتكاب أشباه هذه الجرائم، فيما يستقبله من الزمان.
 [ 1044] و «الفاء» من قوله: «فصلّ» سببيّة.
و وقعت فيه من الزلّات: أي سقطت، و الزّلات: جمع زلّة.
قال الراغب: الزلّة في الأصل استرسال الرجل من غير قصد. و قيل للذنب من غير قصد زلّة، تشبيها بزلّة الرجل، قال تعالى: «فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 68.
 (2) سورة سبأ: الآية 46.
 (3) «ألف»: ما بين.
 (4) سورة الشعراء: الآية 151.
 (5) طه: الآية 90.
 (6) تفسير الكشاف: ج 3 ص 328.
 (7) «ألف»: هذا.

294
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
الْبَيِّناتُ»» «1» «2».
 [ 1045] و الوجوب: الثبوت، يقال: أوجبت له ذلك أي أثبته له.
و محبتك: أي محبتّك لي، بدليل قوله: «يا محبّ التّوابين». و قد تقدّم الكلام على بيان محبّته تعالى لعباده مستوفى في الروضة السادسة فاغنى من الاعادة.
و قوله عليه السّلام: «يا محبّ التوّابين» تلميح إلى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» «3» و قد مرّ الكلام عليه في الروضة الحادية و الثلاثين فليرجع إليه.
قال بعض العلماء: اعلم أنّ للمذنب التائب- إذا تاب توبة نصوحا- فضيلة على من لم يذنب من ثلاثة أوجه.
الأوّل: من جرّب العيوب و الذنوب، و عرف مداخل الشيطان على الإنسان يكون أهدى إلى الاحتراز. فقد قيل لحكيم: «فلان لا يعرف الشر». فقال: ذاك أجدر أن يقع فيه.
الثاني: أنّ المذنب التائب محتشم، فقد غلب الخوف على قلبه، فيأتي باب مولاه خزيان منكسرا. و من لم يذنب ربما يعجب بنفسه، و يدلّ بفعله، و ليس خدمة من عصى ملكا، و خرج عليه خارجيّا «4» ثمّ عاد إليه وجلا، فتجوفي عنه، كخدمة من أدلّ بطاعته.
الثالث: أنّ التائب حلب الدهر شطريه، خيره و شرّه و حلوه و مرّه، فهو أرفق بالمذنبين، و أوفق لهم، و أصلح للرئاسة ممّن يظنّ أنّ الذنب شي‏ء خارج عن طبيعة الإنسان «5»، فيعجب بنفسه، و يزري بغيره.
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 209.
 (2) المفردات: ص 214.
 (3) سورة البقرة: الآية 222.
 (4) هكذا في النسخ، و الصحيح خارجيّ.
 (5) «ألف»: الإنسانيّة.

295
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثامن و الثلاثين ص 275

..........
و سئل سعيد بن جبير: من أعبد النّاس، فقال رجل: اجترح الذنوب فكلّما ذكر ذنوبه احتقر عمله «1». و اللّه أعلم. [] هذا آخر الروضة الثامنة و الثلاثين من رياض السالكين، وفّق اللّه لإتمامها و اجتلاء حسن ختامها أصيل يوم الاثنين لثمان بقين من ذي القعدة الحرام، و اللّه الموفّق للتمام و للّه الحمد.
__________________________________________________
 (1) ربيع الأبرار: المخطوط ص 46 باب الجنايات. و الذنوب و ما يتعلق بها من العفو و العقاب.

296
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة التاسعة و الثلاثون ص 297

الروضة التاسعة و الثلاثون‏

297
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام في طلب العفو و الرحمة ص 299

و كان من دعائه عليه السّلام في طلب العفو و الرّحمة
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اكسر شهوتي عن كلّ محرم و ازو حرصى عن كلّ ما ثم و امنعني عن أذى كلّ من مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة اللّهمّ و ايّما عبد نال منّى ما حظرت عليه و انتهك منّى ما حجرت عليه فمضى بظلامتى ميّتا او حصلت لي قبله حيّا فاغفر له ما المّ به منّى و اعف له عمّا ادبر به عنّى و لا تقفه على ما ارتكب فيّ و لا تكشفه عمّا اكتسب بي و اجعل ما سمحت به من العفو عنهم و تبرّعت به من الصّدقة عليهم ازكى صدقات المتصدّقين و أعلى صلات المتقرّبين و عوّضنى من عفوى عنهم عفوك و من دعائي لهم رحمتك حتّى يسعد كلّ واحد منّا بفضلك و ينجو كلّ منّا بمنّك اللّهمّ و ايّما عبد من عبيدك ادركه منّى درك او مسّه من ناحيتى أذى او لحقه بي او بسببي ظلم ففتّه بحقّه او سبقته بمظلمته فصلّ على محمّد و آله و ارضه عنّى من وجدك و أوفه حقّه من عندك ثمّ قنى ما يوجب له حكمك و خلّصني ممّا يحكم به عدلك فانّ قوّتي لا تستقلّ بنقمتك و انّ طاقتى لا تنهض بسخطك فانّك ان تكافني بالحقّ تهلكنى و الّا تغمّدنى‏

299
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام في طلب العفو و الرحمة ص 299

برحمتك توبقنى اللّهمّ إنّى استوهبك يا إلهي ما لا ينقصك بذله و استحملك ما لا يبهضك حمله استوهبك يا إلهي نفسي الّتي لم تخلقها لتمتنع بها من سوء او لتطرّق بها إلى نفع و لكن انشاتها اثباتا لقدرتك على مثلها و احتجاجا بها على شكلها و استحملك من ذنوبي ما قد بهظنى حمله و استعين بك على ما قد فدحنى ثقله فصلّ على محمّد و اله و هب لنفسي على ظلمها نفسي و وكلّ رحمتك باحتمال اصرى فكم قد لحقت رحمتك بالمسيئين و كم قد شمل عفوك الظّالمين فصلّ على محمّد و آله و اجعلني أسوة من قد انهضته بتجاوزك عن مصارع الخاطئين و خلّصته بتوفيقك من ورطات المجرمين فاصبح طليق عفوك من اسار سخطك و عتيق صنعك من وثاق عدلك انّك ان تفعل ذلك يا إلهي تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك و لا يبرّئ نفسه من استيجاب نقمتك تفعل ذلك يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك و بمن يأسه من النّجاة او كد من رجائه للخلاص لا أن يكون يأسه قنوطا او أن يكون طمعه اغترارا بل لقلّة حسناته بين سيّئاته و ضعف حججه في جميع تبعاته فامّا أنت يا إلهي فاهل ان لا يغترّ بك‏

300
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام في طلب العفو و الرحمة ص 299

الصّدّيقون و لا ييأس منك المجرمون لأنّك الرّبّ العظيم الّذي لا يمنع احدا فضله و لا يستقصى من أحد حقّه تعالى ذكرك عن المذكورين و تقدّست اسماؤك عن المنسوبين و فشت نعمتك في جميع المخلوقين فلك الحمد على ذلك يا ربّ العالمين‏

301
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 302

مقدمة الشارح‏
 [] (الروضة التاسعة و الثلاثون) بسم اللّه الرحمن الرحيم و إيّاه نستعين الحمد للّه المطلوب عفوه و غفرانه، المسئول رحمته و إحسانه، و الصلاة و السّلام على نبيّه محمّد العليّ شأنه، و على آله الذين هم أنصار الحقّ و أعوانه.
و بعد فهذه الروضة التاسعة و الثلاثون من رياض السالكين، في شرح صحيفة سيّد العابدين صلّى اللّه عليه و على آبائه و أبنائه الخلفاء الراشدين، إملاء راجي فضل ربّه السنيّ عليّ صدر الدين الحسيني الحسني، أناله اللّه عفوه و رحمته، و فرّج عليه من ضيق الكروب رحمته.

302
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين‏
و كان من دعائه عليه السّلام: في طلب العفو و الرحمة.
العفو: التجاوز عن الذنب و ترك العقاب.
قال ابن الأثير: و أصله المحو و الطمس. و منه عفت الريح الأثر إذا محته «1».
و قال الراغب: العفو: القصد لتناول الشي‏ء. يقال: عفاه و اعتفاه: أي قصده متناولا ما عنده، و منه العافي لكلّ طالب رزق من طائر أو بهيمة أو إنسان. و عفت الريح التراب: قصدته متناولة إثارته. و عفت الدار كأنّها قصدت نحو البلى. و عفى الشعر و النبت قصد تناول الزيادة كقولك: أخذ النبت في الزيادة و عفى عنه كأنّه قصد إزالة ذنبه صارفا له عنه. فالمفعول في الحقيقة متروك عن متعلّقه بمضمر.
فالعفو هو التجاوز عن الذنب و ترك العقوبة «2».
و الرحمة: رقّة القلب و انعطاف، أي ميل روحاني يقتضي التفضّل و الإحسان، و إذا وصف اللّه تعالى بها كان المراد بها غايتها أعني التفضّل و الإحسان، لأنّ الرّقّة من الكيفيّات و المزاجيّة التابعة للتأثّر و الانفعال، و اللّه سبحانه منزّه عنها. و هو: إمّا من باب المجاز المرسل، بذكر السبب و إرادة المسبّب، فانّ الرحمة و الرقّة سبب‏
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 265.
 (2) المفردات: ص 339.

303
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و اكسر شهوتي عن كلّ محرم، و ازو حرصي عن كلّ مأثم، و امنعني عن أذى كلّ مؤمن و مؤمنة، و مسلم و مسلمة.
التفضّل و الإحسان.
و إمّا على طريقة التمثيل، بأن شبّه حاله تعالى- بالقياس إلى المرحومين في إيصال الخير إليهم- بحال الملك إذا عطف على رعيّته و رقّ لهم، فأصابهم بمعروفه و إنعامه، فاستعير الكلام الموضوع للهيئة الثانية للأولى، من غير أن يتمحّل في شي‏ء من مفرداته. و قس على ذلك سائر الصفات التي لا يصحّ اتّصافه تعالى بها سواء كانت انفعالات كالرحمة و الحياء و الغضب، أو لا كالاستهزاء و المكر، أو الخدع.
و رحمته تعالى: تنقسم إلى عامّة: و هي إفاضة الوجود و ما يليق من الأغراض و الحاجات. و خاصّة: و هي التي تخصّص بعض العبيد بالتقريب إليه سبحانه، و هذه الرحمة هي المطلوبة هنا، فافهم.
 [ 1046] كسرت الرجل عن مراده: ثنيته و صرفته. و أصله من كسر العود و نحوه، و هو مجاز مرسل بعلاقة السببيّة، لأنّ الكسر يقتضي تغيّر المكسور عمّا كان عليه، و صرفه عمّا أعدّ له، أي اصرف شهوتي عن كلّ محرم.
و الشهوة: نزوع النفس إلى ما تريده. و عرّفت: بأنّها قوّة نفسانيّة باعثة على جلب النفع. و يقابلها الغضب، و هي قوّة نفسانيّة باعثة على دفع الضرر، و قد تقدّم في الروضة الثامنة بيان أن أصعب القوى النفسانيّة مداواة و إصلاحا القوّة الشهويّة، فانّ قمعها و كسرها عسير جدّا، لأنّها أقدم القوى وجودا في الإنسان، و أشدّها به تشبّثا، و أكثرها منه تمكنّا، فإنّها تولد معه، و توجد فيه قبل قوّة الغضب، و قبل قوّة الفكر و النطق و التمييز «1». و لذلك بدأ عليه السّلام الدعاء بسؤال كسرها و صرفها
__________________________________________________
 (1) «ألف»: التميّز.

304
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
عن كلّ محرم، و لأنّ الإنسان لا يصير حرّا تقيّا و غنيّا و سخيّا إلّا بقمعها و إماتتها كما سبق بيانه، فإنّها إذا قهرت و اميتت، صار العبد ملكا روحانيّا، و إلهيّا ربّانيّا، خارجا عن الفواسق البهيميّة، سارحا في مشارق الأنوار الملكيّة.
و المحرم- بفتح الميم و الراء المهملة المخفّفة-: الحرام، و حقيقة موضع الحرمة. و هو الممنوع منه شرعا.
و في نسخة محرّم- بضمّ الميم و تشديد الرّاء المهملة- و هو اسم مفعول من حرّم اللّه الشي‏ء تحريما: إذا منع منه.
 [ 1047] و زويت الشي‏ء: جمعته و قبضته، ثمّ استعمل مجازا في التنحية و الصرف. و منه حديث الدعاء: و ما زويت عني ممّا أحبّ «1» أي صرفته و نحيّته.
و الحرص: فرط الرغبة و الإرادة.
و قيل: طلب الشي‏ء باجتهاد. و منه قوله تعالى: «إِنْ تَحْرِصْ عَلى‏ هُداهُمْ» «2» أي إن تفرط إرادتك في هدايتهم، أو إن تجتهد في طلب هدايتهم. و قد تقدم الكلام على الحرص مستوفى في الروضة الثامنة.
و المأثم: الإثم. و هو الذنب و هو مصدر ميميّ وضع موضع الاسم.
و قيل: هو الأمر الذي يأثم به الإنسان أي يقع به في الإثم و منعته عن الأمر:
كففته عنه.
و آذاه يؤذيه أذى أذاة و أذيّة: أوقع به مكروها و ضررا في نفسه أو جسمه أو ماله دنيويّا كان أو أخرويّا.
و عطف المسلم و المسلمة على المؤمن و المؤمنة، امّا من باب التتميم بناء على أنّ الإسلام دون الإيمان، أو من باب الترّقي من الأدنى إلى الأعلى بناء على أنّ الإسلام فوق الإيمان.
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 2 ص 320.
 (2) سورة النحل: الآية 37.

305
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

اللّهمّ و أيّما عبد نال منّي ما حظرت عليه، و انتهك منّي ما حجزت عليه، فمضى بظلامتي ميّتا، أو حصلت لي قبله حيّا، فاغفر له ما ألمّ به منّي، و اعف له عمّا أدبر به عنّي، و لا تقفه على ما ارتكب فيّ، و لا تكشفه عمّا اكتسب بي.
قال الراغب: الإسلام في الشرع على ضربين:
أحدهما: دون الإيمان، و هو الاعتراف باللسان. و به يحقن الدّم، حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل، و إيّاه قصد بقوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا «1».
و الثاني: فوق الإيمان، و هو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، و وفاء بالفعل، و استسلام للّه تعالى في جميع ما قضى و قدّر، كما ذكر عن إبراهيم عليه السّلام في قوله: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «2» و قوله:
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «3» و قوله: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ «4» أي اجعلني ممّن استسلم لرضاك، و قوله: إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ* «5» أي منقادون للحق مذعنون له «6». انته.
و قد استوفينا الكلام على مباحث الإسلام و الإيمان فيما تقدّم فأغنى عن الإعادة.
 [ 1048] «أيّ»: اسم شرط مرفوع بالابتداء.
 «و ما»: زائدة لتأكيد الإبهام في أيّ.
و عبد: محفوظ باضافة أيّ إليه. و قيل: «ما» نكرة و «عبد» بدل منها، و الخبر هو جملة نال منّي.
__________________________________________________
 (1) سورة الحجرات: الآية 14.
 (2) سورة البقرة: الآية 131.
 (3) سورة آل عمران: الآية 19.
 (4) سورة يوسف: الآية 101.
 (5) سورة النمل: الآية 81.
 (6) المفردات: ص 240.
                       

306
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
و قيل: هو جملة الجزاء، و هو قوله: فاغفر له.
و قيل: الشرط مع جزائه هو الخبر، و قد مرّ الكلام على ذلك مستوفى في الروضة الحادية و الثلاثين، فليرجع إليه.
و نال الشي‏ء يناله نيلا: أصابه.
و الحظر: المنع. يقال: حظرته حظرا- من باب قتل- أي منعته و أدّاه بعلى لتضمينه معنى التحريم. و مفعول حظرت محذوف اطرادا، أي حظرته عليه.
و انتهك الرجل الحرمة تناولها بما لا يحلّ.
و حجّر عليه الشي‏ء حجرا- من باب قتل-: حرّمه عليه، و منعه من التصرف فيه. و يقال للممنوع منه: بتحريمه حجر، و منه قوله تعالى: وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ «1».
و في نسخة حجزت عليه بالزاء المعجمة. و هو من الحجز بمعنى الفصل، و يرجع إلى معنى المنع.
و الظلامة- بالضم-: اسم لما يطلبه المظلوم عند الظالم كالمظلمة.
و ميّتا: نصب على الحال.
و «أو» لأحد الأمرين.
و حصل الشي‏ء حصولا- من باب قعد- و حصل لي عليه كذا: ثبت و وجب.
و القبل:- على وزن عنب- بمعنى عند.
قال الفارابيّ في ديوان الأدب: يقال: لي قبل فلان حقّ أي عنده «2».
أي ثبتت لي ظلامتي عنده حال كونه حيّا.
و قول بعضهم: قبله أي من جانبه، تمحّل لا داعي إليه إلّا عدم اطلاعه على ورود قبل بمعنى عند.
__________________________________________________
 (1) سورة الأنعام: الآية 138.
 (2) ديوان الأدب: ج 1 ص 265.

307
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
و ألمّ بالذنب إلماما: فعله.
و مني: أي من ظلمني.
 [ 1049] و أدبر بالشي‏ء: ذهب به.
قال بعضهم: المراد بما ألمّ به ما أقام عليه من الظلم من الإلمام بالمنزل، و هو النزول به، و بما أدبر به ما فعله من الظلم، ثمّ مضى و انقضى.
و قال آخر: المراد بقوله: «اغفر له ما ألمّ به منّي» ما نزل من البلاء بسبب ظلامتي.
و كلّ هذا تخرّص لا يفهمه ظاهر العبارة، بل الظاهر أنّ المراد بقوله: «ما ألمّ به منّي» ما فعله من ظلمي، و بقوله: «عمّا أدبر به عنّي» ما ذهب به من حقّي، كمال و نحوه يريد التعميم في ما جناه عليه، سواء كان ظلما في نفس و عرض أو مال و قنية. و اللّه أعلم بمراد أوليائه.
و لا تقفه على ما ارتكب فيّ: أي لا تطلعه عليه أو لا تبكّته و لا تقبّح عليه فعله.
قال الجوهريّ: وقفته على ذنبه: أي أطلعته عليه «1».
و قال أبو عبيدة: وقفته على ذنوبه إذا بكّته بها، أي قبّحت عليه فعله لها، و أصله من الوقوف «2».
قال في الأساس: و من المجاز وقفته على ذنبه، و على سوء صنيعه «3».
و ارتكب الذنب ارتكابا: أتاه و فعله.
 «و فيّ» أي بسببي، كقوله عليه السّلام: إنّ امرأة دخلت النّار في هرّة حبستها «4»، و ترجع إلى الظرفيّة كأنّ السبب متضمّن للمسبّب تضمّن الظرف‏
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 4 ص 1440.
 (2) لم نعثر عليه في المصباح و اللسان و الصحاح و الأساس و تاج العروس و الأقرب.
 (3) أساس البلاغة: ص 686 و الفائق في غريب الحديث و النهاية.
 (4) مسند أحمد: ج 2 ص 507.

308
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

و اجعل ما سمحت به من العفو عنهم، و تبرّعت به من الصّدقة عليهم أزكى صدقات المتصدّقين، و أعلى صلات المتقرّبين، للمظروف.
و لا تكشفه: أي لا تفضحه. يقال: كشفته الكواشف: أي فضحته. و أصله من الكشف و هو الإظهار، و رفع الشي‏ء عمّا يواريه و يغطيه.
 «و عن» في قوله: «عمّا اكتسب» سببيّة مثلها في قوله تعالى: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ «1».
قال الرضيّ: أي نطقا صادرا عن الهوى «2».
فالجارّ و المجرور صفة للمصدر، فعن في مثله تفيد السببيّة كما في قولك: قلت هذا عن علم.
و في القاموس: الكشف كالتكشيف- و كشفته عن كذا تكشيفا: أكرهته على إظهاره «3».
و إرادة هذا المعنى هنا حسنة، أي لا تكرهه على إظهار ما اكتسب فيّ أي بسببي. و يجوز أن تكون «الباء» فيه هي الباء الداخلة على آلة الفعل نحو كتبت بالقلم، و قطعت بالسكين، جعل نفسه في اكتساب الظالم للإثم كالآلة له من حيث إنّ ظلمه مقصور عليه. و اللّه أعلم.
 [ 1050] سمح بكذا يسمح بفتحتين سماحا و سماحة: جاد و أعطى و وافق على ما أريد منه، و أسمح بالألف لغة.
و قال الأصمعيّ: سمح- ثلاثيّا- بماله، و أسمح- رباعيّا- بمفاده. و سامحه بكذا أعطاه. و تسامح و أصله الاتّساع، و منه يقال: في الحقّ مسمح: أي متّسع و مندوحة
__________________________________________________
 (1) سورة النجم: الآية 3.
 (2) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 342.
 (3) القاموس المحيط: ج 3 ص 190.

309
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

و عوّضني من عفوي عنهم عفوك، و من دعائي لهم رحمتك، حتّى يسعد كلّ واحد منّا بفضلك، و ينجو كلّ منّا بمنّك.
عن الباطل «1».
و تبرّع بالأمر: فعله غير طالب عوضا.
و في القاموس: تبرّع بالعطاء تفضّل بما لا يجب عليه «2».
و قال صاحب المحكم: تبرّع بالعطاء أعطى من غير سؤال «3».
و هو موافق لما في الأساس حيث قال: فعل ذلك تبرعا من غير طلب إليه، كأنّه يتكلّف البراعة فيه و الكرم «4».
و تصدّق بكذا: أعطاه صدقة، و هي ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة. لكنّ الصدقة في الأصل يقال للمتبرّع به، و الزكاة للواجب.
و قيل: يسمّى، الواجب صدقة إذا تحرّى صاحبه الصدق في فعله. قال تعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً «5». و يقال لما تجافى عنه الإنسان و تركه: من حقّه تصدّق به، و عليه عبارة الدعاء. و منه قوله سبحانه: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ «6» و قوله تعالى: وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا «7» فسمّى اعفاءه صدقة.
و الزكاء بالمدّ: النماء و الزيادة، يقال: زكا الزرع إذا حصل منه نموّ و زيادة و منه الزكاة لما يخرجه الإنسان من حق اللّه سبحانه إلى الفقراء، لأنّه سبب يرجى به الزكاء و البركة.
و أعلى: أي أشرف و أفضل.
و الصلات: جمع صلة بالكسر. و أصلها وصل حذفت الواو و عوض منها هاء في‏
__________________________________________________
 (1) المصباح المنير: ص 391. و فيه رباعيّا بقياده.
 (2) القاموس المحيط: ج 3 ص 4.
 (3) محكم اللغة: ج 2 ص 104.
 (4) أساس البلاغة: 37.
 (5) سورة التوبة: الآية 103.
 (6) سورة المائدة: الآية 45.
 (7) سورة النساء: الآية 92.

310
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
آخرها. يقال: وصله وصلا و صلة- من باب وعد-. و أصله من اتّصال الأشياء بعضها ببعض، ثمّ استعمل في العطاء، فقيل: وصله بألف دينار، أي أعطاه.
و سمّوا العطيّة صلة، وضعا للمصدر موضع الاسم، و عليه عبارة الدعاء، أي أشرف عطايا المتقرّبين.
و تقرّب إلى اللّه بكذا: طلب قربه تعالى بسببه و هو قرب روحانيّ لا بدنيّ.
و منه الحديث القدسيّ: ما تقرّب إليّ عبد بمثل أداء الفرائض «1».
 [ 1051] و عوّضه تعويضا: أعطاه عوض ما أخذ منه.
أي اجعل عفوك عنّي عوضا من عفوي عنهم، و رحمتك عوضا من دعائي لهم بالغفران و العفو و الإغماض و الستر.
و (حتّى) يجوز أن تكون تعليليّة مرادفة ل «كي» أي كي يسعد كلّ منّا. و يجوز أن تكون بمعنى «إلى»، فيكون المراد منه حينئذ الدوام.
و سعد فلان يسعد- من باب تعب- في دين أو دنيا سعدا و سعودا: حصلت له السعادة.
و المراد بها هنا السعادة المطلقة و هي السعادة الأخروية، التي هي عبارة عن حسن الحياة في الآخرة، و هي المشار إليها بقوله تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها «2».
و «الباء» من قوله: «بفضلك» إمّا سببيّة، أو للملابسة أي ملتبسا بفضلك.
و نجا من الهلاك ينجو نجاة: خلص.
و منّ عليه يمنّ منّا: أنعم عليه و أحسن إليه.
قال بعضهم: يحتمل أن يكون معنى قوله عليه السّلام «حتى يسعد كلّ منّا بفضلك» أي حتى أسعد أنا بفضلك الذي عوّضتني إيّاه عن عفوي عنه، و يسعد هو
__________________________________________________
 (1) مسند أحمد بن حنبل: ج 6 ص 256.
 (2) سورة هود: الآية 108.

311
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

اللّهمّ و أيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك، أو مسّه من ناحيتي أذى، أو لحقه بي أو بسببي ظلم ففته بحقّه، أو سبقته بمظلمته، فصلّ على محمّد و آله و أرضه عنّي من وجدك، و أوفه حقّه من عندك.
بفضلك الذي لو لا عفوي عنه لعاقبته، أو أسعد أنا بعفوي و بما عوّضتني، و ذلك فضل منك، فإنّك أنت الذي وفّقتني للعفو. و سعادته أيضا كائنة بفضلك، فإنّك كما تفضّلت عليّ بالعفو عنه، تفضّلت عليه بعفوي عنه، و قبلت عفوي.
و لعلّ هذا أنسب بقوله عليه السّلام: «و ينجو كلّ منّا بمنك» و اللّه أعلم.
قلت: لا حاجة إلى هذا التمحّل بل تجعل السعادة و النجاة لكلّ منهما غاية لطلبه- عليه السّلام- الغفران و العفو للظالم، و تعويضه عن ذلك عفوه تعالى، و رحمته له. و هو ظاهر لا غبار عليه.
 [ 1052] أدركه إدراكا: أي لحقه و هو هنا لحوق معنويّ. و الدرك- بفتحتين- اسم منه.
و منه: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى‏ «1» أي لا تخاف أن يدركك فرعون من خلفك، ثمّ أطلق على ما فيه إثم يلحق به الإنسان، عقوبة، كما سمي ذلك بالتبعة أيضا لما يتبعه من العقوبة. و قد يطلق الدرك و التبعة على الظلامة التي يلحق المظلوم بها الظالم، «2» و يتبعه لأجلها.
و قد يقال الدرك لما يلحق الإنسان من عقوبة التبعة و الإثم. و به فسّر ما ورد في الحديث: و ما أدركه من درك فعليّ خلاصه «3».
قال الزمخشريّ: في الأساس أي ما يلحقه من التبعة «4».
و كلّ هذه المعاني يحسن حمل عبارة الدعاء عليه.
و مسّه الأذى: ناله و أصابه.
__________________________________________________
 (1) سورة طه: الآية 77.
 (2) «ألف»: او يتبعه.
 (3) أساس البلاغة: ص 186.
 (4) أساس البلاغة: ص 186.

312
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
قال الراغب: و المسّ: يقال في كلّ ما ينال الإنسان من أذى، نحو قوله تعالى:
مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ «1» انته.
و أصله من مسّه يمسّه- من باب تعب، و قتل-: إذا أفضى إليه بيده من غير حائل.
و قوله «بي أو بسببي» يريد به ما كان بمباشرتي أنا له، أو ما كان بمباشرة غيري و كنت أنا السبب فيه، فالباء الأولى للإلصاق، لا للسببيّة. و متعلّقها قوله: «ظلم» أي لحقه ظلم ملتصق فعله بي، أو كائن بسببي. و لا داعي لجعل المتعلّق قوله:
 «لحقه»، لما علمت غير مرّة من أنّ المصدر إذا لم يكن منحلا إلى أن وصلتها جاز تقديم معموله عليه.
قال ابن هشام: و من ظنّ أنّ المصدر لا يتقدّمه معموله مطلقا فهو واهم «2».
قوله عليه السّلام: «ففتّه بحقه» الفوت: بعد الشي‏ء عن الإنسان بحيث يتعذّر عليه إدراكه.
قال في الأساس: فاتني بكذا سبقني به و ذهب به عنّي «3».
و أصل السبق: التقدم في السير، ثمّ تجوّز به في غيره، فإذا عدّي بالباء كان بمعنى الفوت، يقال سبقه به وفاته به بمعنى.
و إذا عدّي بعلى كان بمعنى الغلبة.
قال في الكشّاف: سبقته على الشي‏ء إذا أعجزته و غلبته عليه و لم تمكّنه منه.
و منه قوله تعالى: ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ أي إنّا قادرون على ذلك لا تغلبونني عليه «4».
قال بعضهم: قوله عليه السّلام «أو سبقته بمظلمته» عطف تفسيري على قوله:
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 467.
 (2) راجع مغني اللبيب: ج 1 ص 40.
 (3) أساس البلاغة: ص 483.
 (4) تفسير الكشاف: ج 4، ص 465.

313
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
 «ففتّه بحقّه» أو تأكيد له.
و يأباه العطف ب «أو» فانّ عطف الشي‏ء على مرادفه من خواصّ الواو، دون سائر حروف العطف عند الجمهور خلافا لابن مالك «1»، و استشهاده بقوله تعالى:
 «وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً» «2» مدفوع بحمل الخطيئة على الصغيرة، أو على ما لا عمد فيه، أو على ما بين العبد و بين ربّه، و الإثم على الكبيرة، أو على ما كان عن عمد، أو على مظالم العباد. على أنّ ابن مالك معترف بقلّته.
فالأولى أن تجعل الفقرة الثانية تأسيسا، بحمل الفقرة الأولى على الفوت بحقه في دار الدنيا، بأن يكون قد مات، أو يكون بعيد الدار فلا يمكنه استرداد حقّه، أو يكون ضعيفا عن استرداده، و الفقرة الثانية على السبق بالمظلمة إلى الدار الآخرة، أو بحمل الحقّ في الأولى على غير المظلمة، كحقوق الأخوّة و نحوها، و المظلمة في الثانية على الحق الذي ظلمه إيّاه من مال و نحوه، فانّ التأسيس خير من التأكيد.
و المظلمة: بمعنى الظلامة.
قال في الأساس: عند فلان ظلامتي، و مظلمتي حقّي الذي ظلمنيه «3».
 [ 1053] و الوجد- بالضم-: الغنى. و منه اسمه «الواحد» تعالى أي الغنيّ. و يعبّر عنه بالجدة أيضا. و أصلها الوجد حذفت الواو و عوّضت عنها الهاء.
و المعنى: أعطه من غناك و سعتك حتى يرضى عنّي، فلا يطالبني بحقّه. و أوفه حقّه من عندك. أي أعطه إيّاه وافيا من فضلك، أو تفضّلا من عندك. و عند هنا مثلها في قوله تعالى: «فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ» «4».
قال الفيّوميّ: أي من فضلك «5».
و قال الزمخشريّ: أيّ فهو منك تفضّل و تبرّع، و إلّا فلا عليك «6». انته.
__________________________________________________
 (1) مغنى اللبيب: ص 467.
 (2) سورة النساء: الآية 112.
 (3) أساس البلاغة: 403.
 (4) سورة القصص: الآية 27.
 (5) المصباح المنير: ص 590.
 (6) تفسير الكشاف: ج 3 ص 405.

314
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

ثمّ قني ما يوجب له حكمك، و خلّصني ممّا يحكم به عدلك، فإنّ قوّتي لا تستقلّ بنقمتك، و إنّ طاقتي لا تنهض بسخطك، فإنّك ان تكافني بالحقّ تهلكني، و إلّا تغمّدني برحمتك توبقني.
و فائدة هذا القيد الاحتراز عن إيفائه حقّه بمقاصّته من حسناته.
كما ورد في الحديث: إنّ اللّه يقتص من حسنات الظالم، و يعطيها المظلوم بإزاء حقّه «1». و اللّه أعلم.
 [ 1054] لمّا كان ظلم العباد يتضمّن محظورين: أحدهما: الذهاب بحقّ الخلق.
الثاني: معصية الخالق بعدم الاجتناب لما نهى عنه، و التعدي لحكمه سبحانه.
و كان كلّ منهما يقتضي مكافاة و جزاء مستقلا برأسه، و يوجب عقوبة و مؤاخذة على حدة. سأل عليه السّلام أوّلا إسقاط حقّ خصمه، و إرضاءه عنه، ثمّ التجاوز عمّا يوجبه التعدّي لحكمه تعالى. و إنّما قدّم الأوّل و عقّبه بالثاني لأنّ حقوق العباد مبناها على الضنّة و الضيق، و حقوق اللّه تعالى مبناها على المسامحة. و لذلك جاء بكلمة التراخي إيذانا بفرط رحمته و مسامحته في حقوقه. و عن ذلك قدّم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد على حقوق اللّه الغنيّ الحميد.
و على هذا فاللام من قوله: «يوجب له» تعليليّة، و الضمير عائد إلى الظلم، أي ما يوجب لأجل الظلم حكمك. و يجوز أن تكون اللام للتأكيد، و هي المعترضة بين الفعل المتعدّي و مفعوله. كقوله:
و ملكت ما بين العراق و يثرب             ملكا أجار لمسلم و معاهد «2»
 و عليه: حمل المبرّد «3» و الزمخشريّ قوله تعالى: رَدِفَ لَكُمْ «4» و الأصل ردفكم. قال في الكشّاف: زيدت الّلام للتأكيد نحو قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا
__________________________________________________
 (1) لم نعثر على نصّه بل ورد بمضمونه في عقاب الأعمال: ص 333.
 (2) مغني اللبيب: ص 285.
 (3) مغني اللبيب: ص 285.
 (4) سورة النمل: الآية 72.

315
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
بِأَيْدِيكُمْ و الجمهور على أنّه ضمن معنى اقترب «1» و الضمير على هذا عائد إلى «ما» و الأصل ما يوجبه.
و أمّا ما قيل: من أنّ الضمير عائد إلى المظلوم، و المعنى قني ما يوجب للمظلوم حكمك، و يحكم به عدلك من أخذ حقّه منّي، لا إرضائه عنّي، و إيفائه حقّه من فضلك فتأباه، بل تحيله كلمة التراخي من قوله: «ثمَّ قني»، إذ لا معنى لسؤال الوقاية من مقتضى العدل- بعد سؤال المعاملة بالفضل- بكلمة «ثم»، كما هو ظاهر لا خفاء به.
و استقلّ بالشي‏ء استقلالا و أقلّه إقلالا: رفعه و حمله. و أصله من القلّة ضدّ الكثرة، كأنّ الحامل يجد ما يحمله قليل المحمل بالنسبة إلى قوّته أي خفيفا. و منه قوله تعالى: أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا «2» أي رفعته و احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوّتها، ثمّ تجوز فيه، فاستعمل في المعاني، فقيل: فلان يستقلّ بهذا الأمر أي يقوى عليه و يطيقه.
قال في الأساس: و من المجاز هو لا يستقلّ بهذا الأمر: أي لا يطيقه «3».
و الطاقة: القدرة اسم من أطقت الشي‏ء إطاقة: أي قدرت عليه، كالطاعة اسم من أطاع إطاعة.
 [ 1055] و إلّا تغمّدني: أي إن لم تغمّدني، كقوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ «4»، و هي كلمتان إن الشرطية، و لا النافية. و تغمّدني فعل مضارع حذفت من أوّله إحدى التائين، و الأصل تتغمدني، كقوله تعالى: وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ «5». و تغمّده اللّه برحمته: غمره و ستره بها.
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشّاف: ج 3 ص 381.
 (2) سورة الأعراف: الآية 57.
 (3) أساس البلاغة: ص 521.
 (4) سورة التوبة: الآية 40.
 (5) سورة المائدة: الآية 2.

316
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

اللّهمّ إنّي أستوهبك يا إلهي ما لا ينقصك بذله، و أستحملك ما لا يبهضك حمله، أستوهبك يا إلهي نفسي التي لم تخلقها لتمتنع بها من سوء، أو لتطرّق بها إلى نفع، و لكن أنشأتها إثباتا لقدرتك على مثلها، و احتجاجا بها على شكلها.
و اوبقه اللّه: أهلكه.
و في الحديث: ليس أحد يدخل الجنّة بعمله. قيل: و لا أنت يا رسول اللّه، قال: و لا أنا إلّا يتغمّدني اللّه برحمته «1» [ 1056] استوهبته كذا: سألته أن يهبه لي. و الهبة: العطاء من غير عوض.
و النقص: الخسران في الحظّ. يقال: نقص نقصا- من باب قتل- و نقصانا، و نقص يكون لازما و متعدّيا إلى مفعول واحد و إلى مفعولين.
يقال: نقص الشي‏ء أي ذهب منه شي‏ء بعد تمامه، و نقصت المال أي أذهبت منه شيئا، و نقصت زيدا حقّه. و منه عبارة الدعاء، أي ما لا ينقصك شيئا. حذف المفعول الثاني لمجرّد الاختصار مع قيام القرينة، لأنّ بذل الشي‏ء لا يوجب نقصا في الذات، و إنّما يوجب نقصا في الشي‏ء من ملك الباذل.
و البذل: العطاء عن طيب نفس.
يقال: بذله بذلا- من باب قتل- أي أعطاه، و سمح به.
و استحملت فلانا ثقلي: سألته أن يحمله عنّي.
و بهضه الحمل بهضا- من باب منع-: أثقله. و هو في بعض النسخ بالظاء المشالة، و في بعضها بالضاد.
و نصّ في القاموس: إنّه بالظاء أكثر «2».
__________________________________________________
 (1) كنز العمال: ج 4 ص 254 ح 10410 مع اختلاف يسير.
 (2) القاموس المحيط: ج 2 ص 325.

317
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
أي أسالك أن تحمل عنّي ما لا يثقلك حمله. و هذا من باب التمثيل، مثّل حال سؤاله تعالى محو ذنوبه التي قد فدحته، و عفوه عنها بحال من يسأل قويّا قادرا أن يحمل عنه ما قد أثقله من الحمل، إذ كان لا يثقله و لا يبهظه حمله، من غير ذهاب إلى جهة حقيقة بالنسبة إلى اللّه تعالى كما يذهب إليه المجسّمة، أو مجاز بأن يراد بالاستحمال طلب العفو و الإغضاء، من قولهم: حملت ما كان منه أي عفوت و أغضيت عنه. البهظ «1» ضيق الصدر، و كرب النفس، و نحو ذلك. و إنّما المراد بالمفردات حقائقها في نفسها كما في قولهم: «أراك تقدم رجلا و تؤخر أخرى»، لكن لا بالنسبة إلى الممثّل له، بل بالنسبة إلى الممثّل به، و هذا النوع من التمثيل قد يعبّر عنه بالتخييل. و هو تمثيل خاصّ لإيقاعه في الخيال، و تصوير المعاني العقليّة بصور الأعيان الحسيّة، لكونها أظهر حضورا، و أكثر خطورا. و هو باب جليل في علم البيان، عليه يحمل كثير من متشابهات القرآن و السنّة، و قد أسلفنا الكلام عليه بأبسط من هذا فيما سبق.
 [ 1057] قوله عليه السّلام: «أستوهبك يا إلهي نفسي» جملة في محلّ رفع على البدليّة من الجملة المرفوعة على الخبريّة ل «أنّ» من قوله: «إنّي أستوهبك». و إنّما أبدلها منها لكونها أوفى من الأولى بتأدية المعنى المراد، لدلالتها على المستوهب صريحا، بخلاف الاولى فانّ المستوهب فيها مبهم.
و في التفسير أثر الابهام من زيادة التقرير ما ليس في غيره.
و امتنع بالشي‏ء: احتمى به. من المنع بمعنى الحماية.
و السوء: المكروه و الضرر.
و تطرّقت بالشي‏ء إلى كذا: جعلته طريقا إليه. كما يقال: لتسبّبت به، أي جعلته سببا. و الأصل تتطرّق بتائين، لأنّه فعل مضارع فحذفت إحدى التائين‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: بالبهظ.a

318
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
تخفيفا.
أي لم تخلقها لغرض يعود إليك من دفع ضرّ أو جلب نفع.
 [ 1058] «و لكن أنشأتها». أي أحدثتها و أوجدتها.
إثباتا لقدرتك: أي تحقيقا لها و تقريرا على إنشاء مثلها.
و احتجاجا بها: أي جعلها حجّة و دليلا.
على خلق شكلها: أي مثلها في الهيئة، و تعاطي الفعل.
قال الراغب: الشكل في الهيئة و الصّورة و القدر و المساحة، و النّد: في الجوهريّة و الجنسيّة، و الشبه: في الكيفيّة، و المساوي في الكميّة فقط، و المثل: عام في ذلك كلّه. و قوله تعالى: «وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ» أي مثل له في الهيئة، و تعاطي الفعل «1». انته.
و قال بعضهم: معنى الاحتجاج بها على شكلها أنّ من أنشأ مثلها كان قادرا حكيما إلى غير ذلك ممّا يليق بجنابه المقدّس، أو الاحتجاج بها عليها بأن ركّب فيها من الآلات و العقل و غيرهما «2» ما لا يبقى لها معها عذر في التقصير و المخالفة انته.
و المعنى الثاني بعيد عن مدلول الألفاظ. و اللّه أعلم.
 (تنبيهان) الأوّل: قد يستفاد من قوله عليه السّلام: «لم تخلقها لتمتنع بها من سوء» الى آخره. أنّه تعالى لا يفعل لغرض عائد إليه من دفع مفسدة أو تحصيل منفعة، و هو كذلك.
و برهانه: أنّه لو فعل لغرض، لكان هو ناقصا لذاته، مستكملا بتحصيل ذلك الغرض، لأنّه لا يصلح غرضا للفاعل إلّا ما هو أولى به، و أصلح له من عدمه، و ذلك‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 266.
 (2) «ألف»: و غيرها.

319
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
لأنّ ما استوى وجوده و عدمه بالنظر إلى الفاعل، أو كان وجوده مرجوحا بالقياس إليه لا يكون باعثا له على الفعل، و سببا لإقدامه عليه بالضرورة. فكلّ ما كان غرضا له وجب أن يكون وجوده أولى بالفاعل، و أصلح له من عدمه. و هو معنى الكمال. فإذن يكون الفاعل مستكملا بوجود الغرض، و ناقصا بدونه، و هذا أمر مجمع عليه.
بقي أنّه هل يجوز أن يفعل لغرض عائد إلى غيره أم لا؟
ذهبت الحكماء و الأشاعرة إلى أنّه لا يجوز لأن الغرض العائد إلى الغير من نفع و إحسان مثلا، إن كان أولى بالنسبة إليه من عدمه عاد حديث الكمال و النقصان، و إن لم يكن أولى بل كان مساويا أو مرجوحا لم يصلح أن يكون غرضا، لما مرّ من العلم الضروريّ.
و ذهبت المعتزلة و جمهور الإماميّة إلى أنّ نفي الغرض مطلقا يستلزم العبث. و إن امتنع عود الغرض إليه عقلا- كما تقدّم بيانه- وجب أن يكون فعله سبحانه لغرض عائد إلى العبد، و هو إحسانه إليه. و ادّعاء العلم الضروري- بأنّه إن لم يكن أولى به لم يصلح أن يكون غرضا له- ممنوع، بل يكفي في كونه غرضا له مجرّد كونه أصلح للغير. و أيضا إن أرادوا باستكماله بالغير حصول صفة الكمال بسبب الفعل فلا نسلّم أنّ فعله لو كان لغرض كان ناقصا لذاته، مستكملا بغيره، لجواز أن يكون كامل الذات، و يحصل له بحسب كلّ فعل كمال، و يتجدّد له استحقاق الحمد و المدح لأجله. و إن أرادوا به غير ذلك فليبيّنوه. و المسألة ذات ذيل طويل فلتؤخذ من مظانّها.
الثاني: لا يلزم من قوله عليه السّلام: «و لكن أنشأتها إثباتا لقدرتك على مثلها» إلى آخره. أن يكون إنشاؤها لغرض عائد إليه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، بل عائد إلى العبد، لأنّ دلالتها- على ثبوت قدرته على إنشاء مثلها عند العقول، و جعلها حجّة و دليلا على خلق شكلها لدى «1» النفوس- أمر يعود منفعته إلى العباد، ليؤمنوا بعموم‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: لذي.

320
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

و أستحملك من ذنوبي ما قد بهظني حمله، و أستعين بك على ما قد فدحني ثقله، فصلّ على محمّد و آله و هب لنفسي على ظلمها نفسي، و وكّل رحمتك باحتمال إصري، فكم قد لحقت رحمتك بالمسيئين، و كم قد شمل عفوك الخاطئين.
قدرته، و يوقنوا بجلاله و عظمته، فيوحّدوه و يعبدوه، فيفوزوا برضاه و رحمته. كما قال سبحانه وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ «1». و اللّه أعلم.
 [ 1059] «من» في قوله: «من ذنوبي» مبيّنة للمبهم بعدها و هو «ما»، فقد مرّ غير مرّة بيان وجه جواز تقديمها عليه.
و الاستعانة: طلب المعونة.
قال الشيخ أمين الإسلام الطبرسيّ: للرغبة إلى اللّه تعالى في طلب المعونة وجهان:
أحدهما: أن يسأل اللّه تعالى من ألطافه ما يقويّ دواعيه، و يسهّل من الفعل عليه ما ليس بحاصل.
و الثاني: أن يطلب بقاء كونه قادرا على طاعاته المستقبلة، بأن يجدّد له القدرة حالا بعد حال عند من لا يقول ببقائها، و أن لا يفعل ما يضادّها و ينفيها عند من قال ببقائها «2». انته.
إذا عرفت ذلك فالاستعانة هنا من الوجه الأوّل، لأنّ الغرض منها سؤاله تعالى أن يفيض عليه قوّة يستعدّ بها لغفران ذنوبه، و محو سيّئاته التي تعاظمه كثرتها، فأشبهت حاله حال من حمل على ظهره حملا ثقيلا فأثقله.
يقال: فدحه الأمر فدحا- من باب منع- أي أثقله.
__________________________________________________
 (1) سورة الذاريات: الآية 20 و 21.
 (2) مجمع البيان: ج 1- 2 ص 26.

321
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
و الثقل- بالكسر، مخفّف ثقل، كعنب- مصدر ثقل الشي‏ء- بالضمّ- فهو ثقيل.
 [ 1060] و «على» بمعنى مع، أي مع ظلمها. مثلها في قوله تعالى: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى‏ ظُلْمِهِمْ «1» وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ «2».
و لمّا كانت النفس رهينة على الوفاء بالميثاق الذي واثقها اللّه تعالى به، و العهد الذي أخذ عليها حين الإهباط إلى عالم الحسّ و الخيال، أن ترجع إليه سالمة من سخطه، عاملة بأوامره، غير منحرفة عن صراطه الموضوع على لسان رسوله صلّى اللّه عليه و آله، فإن وفت بعهدها خرجت من وثاق الرهن، و ضوعف لها الأجر، كما قال تعالى «3»: وَ مَنْ أَوْفى‏ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «4»، و إن نكثت، و ارتكبت ما نهيت عنه بقيت رهينة بعملها، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «5».
سأل (عليه السّلام) ربّه أن يمنّ عليه بفكاك نفسه من رهانها و يهبها له.
و التوكيل: جعل الإنسان غيره قائما باموره، أو بأمر منها.
أي اجعل رحمتك قائمة باحتمال إصري، أي: بحمل ما أثقلني من الذنوب.
يقال: حمله حملا و احتمله احتمالا بمعنى.
و الإصر: الحمل الثقيل الذي يأصر صاحبه، أي يحبسه مكانه، فلا يستطيع المشي به لثقله، استعير للذنب العظيم. و منه وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً «6».
و قيل: هو الذنب الذي لا توبة له.
و المراد به هنا الذنوب الكثيرة التي قد أثقله حملها بقرينة ما قبله، جعلها كلّها حملا واحدا.
و «الفاء» من قوله: «فكم» سببيّة، و «كم» خبريّة.
__________________________________________________
 (1) سورة الرعد: الآية 6.
 (2) سورة البقرة: الآية 177.
 (3) «ألف»: سبحانه.
 (4) سورة الفتح: الآية 10.
 (5) سورة المدثر: الآية 38.
 (6) سورة البقرة: الآية 186.

322
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

فصلّ على محمّد و آله، و اجعلني أسوة من قد أنهضته بتجاوزك عن مصارع الخاطئين، و خلّصته بتوفيقك من ورطات المجرمين، فأصبح طليق عفوك من إسار سخطك، و عتيق صنعك من وثاق عدلك.
و لحقت رحمتك بالمسيئين: أي أدركتهم و أصابتهم.
و المسيئين: الذين أساؤا و عملوا السوء، و هو كلّ ما يقبح شرعا و عقلا.
و شملهم الأمر- من باب تعب و قعد- شمولا: عمّهم.
و الخاطئين: أصحاب الخطايا. من خطئ الرجل إذا تعمّد الذنب، و قصد فعله، و هو من الخطأ المقابل للصواب، دون المقابل للعمد.
قال الراغب: الخاطئ: القاصد للذنب. و عليه قوله تعالى: لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ «1» انته.
و قد جوّز أن يراد بهم الذين يتخطون الحق، و يتعدّون حدود اللّه. و اللّه أعلم.
 [ 1061] «الفاء» لترتيب الدعاء و المدعوّ به على ما قبله، فانّ كثرة لحوق رحمته بالمسيئين، و شمول عفوه الخاطئين ممّا يقتضي طلب التجاوز و العفو.
و الإسوة- بكسر الهمزة و ضمّها-: القدوة و هو من يقتدى به أي: يفعل مثل فعله اقتداء به.
و نهض نهضا و نهوضا- من باب منع- قام. و أنهضته أقمته.
و تجاوزت عن المسي‏ء: عفوت عنه و صفحت «2».
و الصرع: الطرح على الأرض. و المصارع: مواضعه جمع مصرع. يقال: هذه مصارع القوم، و لكلّ جنب مصرع.
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 151.
 (2) «ألف»: أصفحت.

323
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
شبّه الخاطئين الذين أوبقتهم الخطايا بالمغلوبين الذين أثخنهم أعداؤهم جراحا، و طرحوهم على الأرض، بجامع العجز عن الخلاص، فأثبت لهم المصارع، و هي استعارة مكنيّة مرشّحة. و الإنهاض أيضا ترشيح. و هي من بديع الاستعارات، و أفصح الكلام. أي من قد نجيّته بعفوك عمّا يجب للخاطئين من العقوبات و النقم.
قال بعضهم: معنى جعله أسوة له أن ينهضه و ينجيه قبله، بأن يبدأ بإنهاضه و نجاته، لأنّ الاسوة هو المبتدئ بالفعل الذي يتأسّى به فيه، فهو من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم.
و قيل: معناه: أن يجعله بحيث يتأسّى به، و يقتدى كلّ من أنهضه من صرعته، و خلّصه من ورطته، لحسن إنهاضه و تخليصه.
 [ 1062] و خلص الشي‏ء من التلف خلوصا- من باب قعد- و خلاصا و مخلصا: سلم و نجا.
و خلّصته تخليصا: سلّمته و نجيّته.
و الورطات: جمع ورطة و هو الهلاك. و أصلها الوحل تقع فيه الغنم فلا تقدر على التخلّص.
و قيل: أصلها أرض مطمئنّة لا طريق فيها ترشد إلى الخلاص، و تورّطت الغنم و غيرها: وقعت في الورطة، ثمّ استعمل في كلّ شدّة و أمر شاقّ. و تورّط فلان في الأمر إذا ارتبك فيه، فلم يسهل له المخرج منه «1».
و في الحديث: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج منها سفك الدّم الحرام بغير حلّه «2».
قال الطيبيّ: هي جمع ورطة، و هي الهلاك «3».
__________________________________________________
 (1) المصباح المنير: ص 903.
 (2) النهاية لابن الأثير: ج 5 ص 174.
 (3) حكاه الأزهري في تهذيب اللغة: ج 14، و الفراهيدي في العين: ج 7 ص 446.

324
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

إنّك إن تفعل ذلك يا إلهي تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك، و لا يبرّئ نفسه من استيجاب نقمتك. تفعل ذلك يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طعمه فيك، و بمن يأسه من النّجاة أوكد من رجائه للخلاص، لا أن يكون يأسه قنوطا، أو أن يكون طمعه اغترارا، بل لقلّة حسناته بين سيّئاته، و ضعف حججه في جميع تبعاته.
و «الفاء» من قوله: «فأصبح» للتعقيب.
و أصبح هنا: فعل ناقص بمعنى صار من غير اعتبار الزمان الذي دلّ عليه تركيب الفعل، أعني الصبح. نحو قوله سبحانه: «فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» «1».
و الطليق بمعنى المطلق: و هو الأسير الذي أطلق عنه إساره و خلّي عنه، فانطلق:
أي ذهب في سبيله.
و الإسار: ككتاب ما يشدّ و يوثق به.
و العتيق: بمعنى المعتق، من الإعتاق، و هو تحرير العبد، أي جعله حرّا، و تخليصه من الرّقّ. ثمّ استعمل في التخليص مطلقا.
و الصنع: الإحسان، كالصنيعة.
و الوثاق- بالفتح و يكسر- بمعنى الإسار، و هو ما يشدّ به.
و الاستعارات في هذه الفقرات ظاهرة، و قد تقدّم لها نظائر، أغنى الكلام عليها هناك عن إعادته هنا.
 [ 1063] ذلك: إشارة إلى المذكور من جعله أسوة من أنهضه و خلّصه، و ما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه، للإيذان بعلوّ درجته، و بعد منزلته في الشرف و الفضل عنده.
و «تفعله» مجزوم في جواب الشرط. و هل العامل للجزم الأداة أو الشرط أو هما
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 103.

325
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
معا؟ خلاف.
و جحدت الأمر جحدا و جحودا: أنكرته، قالوا: و لا يكون إلّا على علم من الجاحد له.
و لا يبرّئ نفسه: أي ينزّهها، من برئ زيد من ذنبه يبرأ مهموزا- من باب تعب- براءة: أي سقط عنه طلبه. و برّأته من العيب بالتشديد جعلته بريئا منه.
 [ 1064] و تفعل- بالضم باتّفاق النسخ- على الاستيناف.
و في نسخة قديمة «بل تفعل ذلك» بزيادة بل الابتدائيّة. و معناها الانتقال من غرض إلى آخر.
و الخوف: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، أن الطمع توقّع محبوب عن أمارة مظنونة، أو معلومة. و إذا علّق كلّ منها بالذوات كما نقول: خفت زيدا، و طمعت فيه فمعناه توقّع مكروه او محبوب يقع من جهته، و إلّا فالذوات لا يتعلّق بها خوف و لا طمع.
قال بعض العلماء: اعلم أنّ خوف الخائفين من اللّه تعالى قد يكون لأمور مكروهة لذاتها، و قد يكون لأمور مكروهة لأدائها إلى ما هو مكروه لذاته.
أمّا القسم الأوّل: فمثل أن يتمثّل في نفوسهم ما هو المكروه لذاته كسكرات الموت و شدّته، أو سؤال القبر أو عذابه، أو هول الموقف بين يدي اللّه تعالى، و الحياء من كشف الستر، و السؤال عن كلّ صغيرة و كبيرة، أو الخوف من المرور على الصراط و حدّته، أو من النار و أهوالها و أغلالها، أو من حرمان الجنّة، أو من نقصان الدرجات فيها، أو خوف الحجاب من اللّه تعالى. و كلّ هذه الأسباب مكروهة في أنفسها، و يختلف حال السالكين إلى اللّه فيها، و أعلاها رتبة خوف الفراق و الحجاب عن اللّه عزّ و جلّ، و هو خوف العارفين. و ما قبل ذلك فهو خوف العابدين و الصلحاء و الزاهدين.
و أمّا القسم الثاني: فأقسامه كثيرة كخوف الموت قبل التّوبة، أو خوف نقض‏

326
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
التّوبة، أو خوف الانحراف عن القصد في عبادة اللّه، أو خوف استيلاء القوى الشهوانيّة بحسب مجرى العادة في استعمال الشهوات المألوفة، أو خوف تبعات النفس عنده، أو خوف سوء الخاتمة أو خوف سبق الشقاوة في علم اللّه. و كلّ هذه و نحوها مخاوف عباد اللّه الصّالحين، و أغلبها على قلوب المتّقين خوف الخاتمة فانّ الأمر فيه خطر «1». و أعلى الأقسام، و اكملها، و أدلّها على كمال المعرفة خوف السابقة، لكون الخاتمة تبعا لها، و مظهرة لما سبق في اللوح المحفوظ «2»، كما تقدّم بيانه في الروضة الحادية عشرة «3».
قال بعض أرباب القلوب «4»: إذا سكن الخوف القلب أحرق الشهوة، و طرد عنه الغفلة «5».
قال بعضهم «6»: العلم قائد، و الخوف سائق، و النفس مع ذلك حرون «7» جموح، خدّاعة روّاغة فاحذرها، و راعها بسياسة العلم، و سقها بتهديد الخوف، لتقطع مفاوز الآفات، و تصل إلى دار الكرامات «8».
و قال بعضهم «9»: خلق اللّه القلوب مساكن لذكره، فصارت مساكن‏
__________________________________________________
 (1) و في الأصل: مخطر. و هذا أولى.
 (2) المحجّة البيضاء: ج 7 ص 273- 275 مع تقديم و تأخير، و الأختلاف في بعض الألفاظ.
 (3) ج 2 ص 446.
 (4) و هو أبو سليمان الداراني.
 (5) آداب النفس: ج 2 ص 2.
 (6) و هو عمر بن عثمان المكي.
 (7) و في المصدر: و النفس حرون بعد ذلك جموح. و هذا هو الأصح. و لفظ «حرون» بمعنى غير منقادة. و لفظ «جموح» بمعنى استعصى حتّى عليه.
 (8) آداب النفس: ج 2 ص 3.
 (9) و هو عبد اللّه الانكاكي.

327
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
الشهوات، فلا يمحو الشهوات منها إلّا خوف مزعج، أو شوق مقلق «1».
و قال بعضهم «2»: كلّ خائف إذا خاف من شي‏ء من الأشياء هرب منه، و من خاف اللّه هرب إليه «3».
و قال آخر «4»: الخائف يهرب من ربّه إلى ربّه «5».
 [ 1065] و اليأس: انقطاع الرجاء و الطمع، يئس ييأس- من باب تعب- يأسا.
و الرجاء: قيل ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة.
و قيل: تعلّق النفس بحصول محبوب في المستقبل.
و كما أنّ الخوف على أقسام، فالرجاء أيضا على أقسام:
رجاء لمغفرته تعالى مع عدم التوبة كما قال: «وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى‏ ظُلْمِهِمْ» «6».
و رجاء لقبول التّوبة عن السيئات، و رجاء لقبول الحسنات، و رجاء للتفضّل.
و لمّا كان حمل النفس على الخوف دون الرجاء يوهم القنوط- كما قيل: من حمل نفسه على الرّجاء تعطل، و من حمل نفسه على الخوف قنط- احترز عليه السّلام عن ذلك بقوله: «لا أن يكون يأسه قنوطا» أي لا لأن يكون، فحذف لام التعليل لاطّراد حذف الجار مع أن المصدريّة، أي ليس كون خوفه أكثر من طمعه، و يأسه أوكد من رجائه، لكون يأسه قنوطا، أي: يأسا من رحمة اللّه تعالى، فهو أخصّ من اليأس.
و لمّا كان أكثرية الخوف، و زيادته على الطمع، و أوكديّة اليأس، و رجحانه على الرّجاء، يوهم كون الطمع و الرجاء في رحمة اللّه غرورا- أي سكونا إلى الباطل، و ما لا حقيقة له- احترز بقوله: «أو يكون طمعه اغترارا». يقال: غرّه يغرّه غرّا و غرورا،
__________________________________________________
 (1) آداب النفس: ج 2 ص 3.
 (2) و هو أبو القاسم الحليم.
 (3) آداب النفس: ج 2 ص 2.
 (4) و هو الثوري.
 (5) آداب النفس: ج 2 ص 2.
 (6) سورة الرعد: الآية 6.

328
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
و غرّة بالكسر: أي أطمعه بالباطل، و خدعه. فاغترّ هو اغترارا.
أي «ليس كون خوفه أكثر من طمعه» و يأسه أو كد من رجائه، لكون طمعه طمعا في ما لا حقيقة له، فيكون اغترارا.
 «بل لقلّة حسناته»- أي بل هو لأجل قلّة حسناته- قيل: إضراب عمّا يدلّ عليه ما سبق، و إبطال له.
أي ليس الأمر كذلك، بل سببه كون حسناته قليلة بين سيّئاته أي: في وسطها. فهو إمّا ظرف لغو متعلّق بقلّة، أو مستقرّ متعلّق بمحذوف حال من حسناته، أي حال كونها بين سيّئاته.
و «بين» هنا: للمكان المجازيّ.
و قلّة الحسنات بين السيّئات: كناية عن اتّصال السيّئات غالبا بحيث لا تتخلّلها حسنة إلّا نادرا، لأنّ «بين» موضوعة للخلل و الفرجة بين الشيئين، فإذا كانت الحسنات قليلة بينهما كانت في الغالب متّصلة لا يفصل بين السيّئة و السيّئة فاصل بل صدر هذي بعجز تلك و هلّم جرّا، و هذا من بليغ الكلام و بديع البراعة في البلاغة.
و يحتمل أن يكون المراد بالقلّة العدم، كما يقال: فلان قليل الخير أي لا يكاد يفعله.
و غرضه أنّه لا يخالط سيّئاته حسنة، فلا يكون ممّن قال اللّه سبحانه فيهم:
 «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «1». كل ذلك لعدم اعتداده عليه السّلام بحسناته، و كمال اعتنائه و اهتمامه بما يعتقده في نفسه، و يعدّه سيّئة. و اللّه أعلم بمقاصد أوليائه.
و الضعف- بالفتح- لغة تميم، و- بالضمّ- لغة الحجاز. و منهم من يجعل المفتوح‏
__________________________________________________
 (1) سورة التوبة: الآية 102.

329
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
في الرأي، و المضموم في الجسد، و اتّفقت النسخ هنا على الفتح. ثمّ هو تارة يستعمل في خلاف القوّة، و تارة في خلاف الصحّة، و هو المراد هنا.
و الحجج: جمع حجّة، و هي البيّنة الواضحة.
و قيل: هي الدلالة المبيّنة للقصد الصحيح الذي تقتضي صحّة أحد النقيضين، قال اللّه تعالى: «فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ» «1»، و قد تطلق على العذر.
و منه حديث: من خلع يدا من طاعة اللّه لقي اللّه لا حجّة له «2».
قال النوويّ في شرح مسلم: أي لا حجّة له في فعله، و لا عذر له ينفعه «3».
و التبعات: جمع تبعة، على وزن كلمة.
قال في المحكم: التبعة و التباعة ما اتّبعت به صاحبك من ظلامة و نحوها. و التبعة و التباعة ما فيه إثم يتبع به «4» انته.
و المعنى الثاني قلّ من نبّه عليه من أهل اللغة، و إرادته هنا متعيّنة، و إن أمكن الحمل على المعنى الأوّل بضرب من التأويل.
 (تنبيه) قال بعض الأصحاب: اعترافه عليه السّلام يكون خوفه أكثر من طمعه و يأسه أوكد من رجائه ينافي بالظاهر ما رواه في الكافي من جملة حديث: أنّه ليس من عبد مؤمن إلّا و في قلبه نوران نور خيفة، و نور رجاء. لو وزن هذا لم يزد على هذا، و لو وزن هذا لم يزد على هذا «5».
فإمّا أن يراد به غير المعصوم، أو أنّ المقام هنا- و هو التذلّل و الخضوع- يقتضي‏
__________________________________________________
 (1) سورة الأنعام: الآية 149.
 (2) صحيح مسلم بشرح النوويّ: ج 12 ص 240.
 (3) صحيح مسلم بشرح النوويّ: ج 12 ص 240.
 (4) محكم اللغة: ج 2 ص 43.
 (5) الكافي: ج 2 ص 67 ح 1 و ص 71، ح 13.

330
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
ذلك، أو أنّ مساواة النورين لا يستلزم الخوف و الرجاء، أو لما ذكره عليه السّلام من قلّة الحسنات بين السيئات، أو أنّ الخوف يزيد بمخاطبة المخوف منه و مشاهدته «1».
انته.
قلت: قد علمت آنفا من بيان أقسام الخوف أنّ أعلاها رتبة هو خوف الفراق و الحجاب عن اللّه تعالى، و هو خوف العارفين. و لمّا كان عليه السّلام سيّد العابدين، و إمام الزاهدين وجب حمل خوفه على هذا القسم من الخوف، و هذا غير الخوف الذي يجب أن يكون مساويا للرجاء، فإنّ العارف ما دام في هذه النشأة لا يزال ملتبسا بأحكام البشريّة، و أوصاف الإنسانيّة مع ما مزجت به الطينة من النقص و القصور، و حفّت به الأحوال من الشوائب و النوائب. فإذا رأى ما هو عليه من ذلك، و استشعر عظمة ذي الجلال و تنزّهه، و تقدّسه عن أن يلمّ بساحة قدسه من يشمّ منه رائحة البشريّة. كما قيل: ما للتراب و ربّ الأرباب اشتدّ خوفه و كثر، و قلّ طمعه و قصر، و تأكد يأسه و ضعف رجاؤه، و تقطعت من الحزن و الجزع أحشاؤه.
و من هنا قال بعضهم: إنّ الخوف و الرجاء من بقايا الاحساس بأحكام البشريّة، و أوصاف الإنسانيّة، و هذه السيّئات التي أشار إليها عليه السّلام بقوله:
 «بل لقلّة حسناته بين سيئاته» هي بعينها حسنات الأبرار، و هذه التبعات هي صوالح أعمال الأخيار.
كما ورد: حسنات الأبرار سيئات المقربين، و أنوار الصادقين ظلم في حق الصدّيقين «2».
و إلى هذا المقام و صاحبه أشار أمير المؤمنين عليه السّلام و سيّد الوصيّين صلوات اللّه و سلامه عليه بقوله من خطبة له: عباد اللّه، إنّ من أحب عباد اللّه إليه عبدا
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 71 ح 13.
 (2) آداب النفس: ج 2 ص 3.

331
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

فأمّا أنت يا إلهي فأهل أن لا يغترّ بك الصّدّيقون، و لا ييأس منك المجرمون، لأنّك الرّبّ العظيم الّذي لا يمنع أحدا فضله، و لا يستقصي من أحد حقّه.
أعانه اللّه على نفسه، فاستشعر الحزن، و تجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه ... إلى آخر ما قال. و هو مذكور في نهج البلاغة «1».
فتراه عليه السّلام كيف جعل استشعاره الحزن، و تجلببه الخوف، متسبّبا عن إعانة اللّه تعالى له على نفسه، و لم يجر للطمع، و لا للرجاء معه ذكر. و هذا هو الخوف الذي عناه سبطه عليه السّلام في دعائه، فافهم ذلك. و اللّه يقول الحقّ، و هو يهدي السبيل.
 [ 1066] يقال فلان أهل لكذا: أي جدير به، و مستحقّ له.
و اغتررت به: ظننت الأمن، فلم أتحفّظ.
و الصدّيقون: جمع صدّيق- بالكسر و التشديد- و هو الملازم للصدق.
و قال ابن الأثير: هو فعيل، للمبالغة في الصدق، و يكون للذي يصدّق قوله بالفعل «2».
و قال الراغب: الصديق: يقال لمن كثر منه الصدق، و قيل: بل لمن لم يكذب قط، و قيل: بل لمن لم يتأتّ منه الكذب لتعوّده الصدق، و قيل: بل لمن صدّق بقوله و اعتقاده، و حقّق صدقه بفعله، قال تعالى في حقّ إبراهيم عليه السّلام: «إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا»* «3» و قال: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ، وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» «4». و الصدّيقون قوم دون الأنبياء في الفضيلة «5». انته.
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة: ص 118، الخطب 87.
 (2) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 18.
 (3) سورة مريم: الآية 41.
 (4) سورة النساء: الآية 69.
 (5) المفردات: ص 277.

332
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

تعالى ذكرك عن المذكورين، و تقدّست أسماؤك عن المنسوبين، و فشت نعمتك في جميع المخلوقين، فلك الحمد على ذلك، يا ربّ العالمين.
و قال بعضهم: لا واسطة بين الصديق و النبيّ و لذلك قال تعالى في هذه الآية:
 «مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ» و في صفة إبراهيم «إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا»* يعني إنّك إن ترقيت من الصديقين وصلت إلى النبيين، و إن نزلت عن النبيين وصلت إليهم.
 [ 1067] و استقصيت الأمر و تقصيته: بلغت الأقصى في البحث عنه، و استقصى حقّه أخذه كلّه و لم يترك منه شيئا.
و قوله عليه السّلام: «لأنك الربّ العظيم» إلى آخره تعليل لكونه أهلا أن لا ييأس منه المجرمون، لا لمضمون الفقرتين معا.
و في معنى هذا الفصل من الدعاء قول أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه في نهج البلاغة: لا تأمننّ- على خير هذه الأمة- عذاب اللّه، لقول اللّه سبحانه: «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ» و لا تيأسنّ لشرّ هذه الأمة من روح اللّه لقول اللّه سبحانه: «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» «1».
قال الإمام الطبرسيّ: مكر اللّه: عذابه. سمّي مكرا لنزوله بمستحقّه من حيث لا يشعر. و قد يسأل فيقال: إنّ الأنبياء و المعصومين عليهم السّلام أمنوا مكر اللّه و ليسوا بخاسرين. و جوابه: إنّ معناه لا يأمن عقاب اللّه جهلا بحكمته إلّا الخاسرون. انته ملخصا بالمعنى «2».
 [ 1068] تعالى: أي ارتفع و تنزّه، من العلوّ. و صيغة التفاعل للمبالغة، و هو إنشاء في صورة الخبر، لأن الغرض منه استعظام ذكره، و تنزيهه عن مساواته لذكر المذكورين.
و المراد بذكره تعالى: إمّا ذكره بالتسبيح و التحميد و التهليل و التمجيد و الثناء
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة: ص 542 الحكم 377.
 (2) مجمع البيان: ج 3- 4 ص 453.

333
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
عليه، فيكون المراد تنزّهه و تعاليه عن ذكر من يذكر بالمفاخر و المحامد و المحاسن من المخلوقين، لأنّ ذكره تعالى شرف للذاكرين، و غايته سعادة الدارين، و ما يترتّب عليه من الفوائد و النتائج أمر محقّق متيقّن لا ريب فيه، و دائم مستمرّ لا انقطاع و لا زوال له. و ذكر غيره إزراء بالذّكر، و غايته إن أريد به المفاخرة، فتضييع و حرمان، و إن أريد به العارفة «1» و المثوبة، فأمر مشكوك حتى يقع. فإذا وقع فهو قليل منقطع زائل.
أو يكون المراد، إن ما يذكر به سبحانه من المحامد و الممادح منزّه عن أن يذكر به المخلوقون، لعدم استحقاقهم له.
كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام في آخر خطبة له: هذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك، و لم ير مستحقّا لهذه المحامد و الممادح غيرك «2».
فالذكر على الأوّل مراد به الحاصل بالمصدر، و على الثاني المذكور به.
و إمّا أن يكون المراد: «بذكره تعالى» شرفه و علّوه و عظمته، من قولهم «لفلان ذكر في الناس» أي شرف و نباهة و صيت، و بهذا المعنى فسّر قوله تعالى: «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ» «3».
قال الزمخشري: أي إنّ الذي أوحي إليك لشرف لك و لقومك «4».
و يقال: فلان مذكور: أي ذو شرف و نباهة و شهرة. و منه قوله سبحانه.
 «وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» «5».
قال في الكشّاف: و الذكر: الشرف و الشهرة، من قولك: فلان مذكور «6».
فيكون المراد: «بالمذكورين» اولي الشرف و النباهة، أي تعالى شرفك، و تنزّهت عظمتك عن شرف أولي الشرف، لتعاليه تعالى عن صفات المخلوقين، إذ
__________________________________________________
 (1) «ألف»: الصارفة.
 (2) نهج البلاغة: ص 136، الخطب 91.
 (3) سورة الزخرف: الآية 44.
 (4) تفسير الكشاف: ج 4 ص 254.
 (5) سورة ص: الآية 1.
 (6) تفسير الكشاف: ج 4 ص 70.

334
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء التاسع و الثلاثين ص 303

..........
لانسبة بين الربّ و المربوب في صفة من الصفات.
و تقدّست: أي تنزّهت. و أصله من القدس- بالضمّ و بضمّتين- و هو الطهر، ثمّ استعمل التقدّس، و التقديس، بمعنى التنزّه و التنزيه.
يقال: تقدسّ اللّه. أي تنزّه عن كلّ ما لا يليق بشأنه.
و المراد بأسمائه تعالى: أسماؤه الحسنى الدالّة على معاني الكمال و نعوت الجلال.
قالوا: و هي محصورة في نوعين: عدم افتقاره إلى غيره، و ثبوت افتقار غيره إليه.
و المراد: «بالمنسوبين»، إمّا أولو الحسب و النّسب من قولهم: فلان نسيب و منسوب أي ذو حسب و نسب. فيكون المعنى تنزّهت أسماؤك أن يسمّى بها غيرك من أولي الشرف و الحسب و النسب.
و إمّا أولو القرابة، و أو لو صلة. فيكون المعنى تنزّهت أسماؤك عن أن يسمّى بها أحد من الناس. و من البيّن أنّ أسماءه تعالى مختصّة به، متعاليّة عن أن يسمّى بها غيره. و أمّا إطلاق مثل الرحيم و الكريم و العزيز على غيره فليس معناها في حقّه تعالى هو معناها في حقّ غيره، بل هو بحسب اشتراك الاسم لا غير.
و إيثار عنوان المنسوبيّة لإفادة كمال التباين بينه و بين غيره، لتفرّده بعدمها و اشتراك من عداه فيها.
و فشا الشي‏ء فشوا: ظهر و كثر و انتشر.
و «الفاء» من قوله: «فلك الحمد» لترتيب اختصاص الحمد به تعالى على ما قبله، فإنّ فشوّ نعمته في جميع المخلوقين من موجباته و دواعيه. و وصفه تعالى بربوبية العالمين لا يخفى مناسبته لفشوّ نعمته سبحانه في جميع المخلوقين. [] هذا آخر الروضة التاسعة و الثلاثين من رياض السالكين، وفق لإكمالها و اجتلاء بدر كمالها غرّة ذي الحجّة الحرام، آخر شهور سنة أربع و مائة و ألف، و للّه الحمد.

335
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الأربعون ص 337

الروضة الأربعون‏

337
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام إذا نعى إليه ميت او ذكر الموت ص 339

و كان من دعائه عليه السّلام إذا نعى إليه ميّت او ذكر الموت‏
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اكفنا طول الأمل و قصّره عنّا بصدق العمل حتّى لا نؤمّل استتمام ساعة بعد ساعة و لا استيفاء يوم بعد يوم و لا اتّصال نفس بنفس و لا لحوق قدم بقدم و سلّمنا من غروره و آمنّا من شروره و انصب الموت بين أيدينا نصبا و لا تجعل ذكرنا له غبّا و اجعل لنا من صالح الأعمال عملا نستبطئ معه المصير إليك و نحرص له على و شك اللّحاق بك حتّى يكون الموت مانسنا الّذي نأنس به و ما لفنا الّذى نشتاق إليه و حامّتنا الّتى نحبّ الدّنوّ منها فإذا أوردته علينا و أنزلته بنا فاسعدنا به زائرا و آنسنا به قادما و لا تشقنا بضيافته و لا تخزنا بزيارته و اجعله بابا من ابواب مغفرتك و مفتاحا من مفاتيح رحمتك امتنا مهتدين غير ضآلّين طائعين غير مستكرهين تائبين غير عاصين و لا مصرّين يا ضامن جزاء المحسنين و مستصلح عمل المفسدين‏

 

339
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 340

[مقدمة الشارح‏]
 [] (الروضة الأربعون) بسم اللّه الرحمن الرحيم و إيّاه نستعين الحمد للّه الذي خلق الموت و الحياة، و أحصى الأحياء و الاموات، و الصلاة و السّلام على نبيّه الذي شرّفه على كل ميّت وحيّ، و بعثه من أشرف بيت «1» و حيّ، و على أهل بيته الذين بآثارهم يقتدي المقتدون، أولئك عليهم صلوات من ربّهم و رحمة، و أولئك هم المهتدون.
و بعد: فهذه الروضة الأربعون من رياض السالكين، تتضمّن شرح الدعاء الأربعين من صحيفة زين العابدين و سيّد الزاهدين، صلوات اللّه عليه و على آبائه و أبنائه الصادقين، إملاء راجي فضل ربّه السّنيّ عليّ صدر الدين الحسينيّ الحسنيّ، لطّف اللّه به ميّتا و حيّا، و أكرمه في الدارين بفضله.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: ميت.

 

340
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

شرح الدعاء الأربعين‏
 «و كان من دعائه عليه السّلام» إذا نعي إليه ميّت أو ذكر الموت.
نعيت الميّت «1» نعيا- من باب منع-: أخبرت بموته، فهو منعيّ.
قال الجوهريّ: أصل ميّت: ميوت على فيعل، ثم أدغم، ثم يخفّف فيقال ميت، حيث قال الشاعر و قد جمعهما في بيت واحد:
ليس من مات فاستراح بميت             انّما الميت ميّت الأحياء «2»
 انته و فرّق بعضهم بينهما فقال الميّت بالتشديد يطلق على الحيّ الذي سيموت، قال تعالى: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» «3» و بالتخفيف يطلق على من قد مات، و نظم بعضهم ذلك فقال:
تسائلني تفسير ميت و ميّت             فهاك صحيح القول إن كنت تعقل‏
فمن يك ذا روح فذلك ميّت             و ما الميّت إلّا من إلى القبر ينقل‏
 و الصحيح: انّ الميّت بالتشديد يطلق على من «4» مات و على من سيموت، و الميت لا يطلق الّا على من قد مات. و الموت عدم الحياة عمّا اتّصف بها، و قيل:
كيفيّة وجوديّة يخلقها اللّه في الحيّ فهو ضدّها، لقوله تعالى: «خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ» «5». و الخلق لكونه بمعنى الإيجاد لا يتصوّر الّا فيما له وجود.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: الموت.
 (2) الصحاح: ج 1 ص 267.
 (3) الملك: الآية 2.
 (4) «ألف»: من قد مات.
 (5) الزمر: الآية 30.

341
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

قال صلوات اللّه و سلامه عليه:
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اكفنا طول الأمل، و قصّره عنّا بصدق
و أجيب: بأنّ معنى الخلق هنا التقدير لا الإيجاد. و تقدير الأمور العدميّة جائز كتقدير الوجوديّات. و لو سلّم، فالمراد بخلق الموت إحداث أسبابه على حذف المضاف، و هذا و إن كان خلاف الظاهر، لكنّه كاف في دفع الاحتجاج.
 (فائدة) قد يطلق الموت على معان اخر مجازا، كما تطلق الحياة على غير الصفة التي تقتضي الحسّ و الحركة الاراديّة، و تفتقر إلى الروح و البدن، مجازا أيضا.
قال الراغب: أنواع الموت بحسب أنواع الحياة خمسة:
الأوّل: ما هو بإزاء القوّة الناميّة الموجودة في الإنسان و الحيوان و النبات، نحو قوله تعالى: «وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً» «1».
الثاني: زوال القوّة الحسّاسة. قال سبحانه: «أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا» «2».
الثالث: زوال القوّة العاقلة، و هي الجهالة. نحو: «أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ» «3» و إيّاه قصد بقوله تعالى: «إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏»* «4».
الرابع: الحزن المكدّر للحياة. و إيّاه عنى بقوله تعالى: «وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ» «5».
الخامس: المنام. فقد قيل: النوم موت خفيف، و الموت نوم ثقيل. و على هذا النحو سمّاهما اللّه توفّيا فقال: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها» «6» «7» انته.
__________________________________________________
 (1) سورة ق: الآية 11.
 (2) سورة مريم: الآية 66.
 (3) سورة الأنعام: الآية 122.
 (4) سورة النمل: الآية 80.
 (5) سورة إبراهيم: الآية 17.
 (6) سورة الزمر: الآية 42.
 (7) المفردات: ص 476- 477.

342
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

العمل حتّى لا نؤمّل استتمام ساعة بعد ساعة، و لا استيفاء يوم بعد يوم، و لا اتّصال نفس بنفس، و لا لحوق قدم بقدم، و سلّمنا من غروره و آمنّا من شروره.
 [ 1069] الأمل: تعلّق النفس بحصول محبوب في المستقبل. و يرادفه الطمع و الرجاء، غير أنّ الأمل أكثر ما يستعمل فيما يستعبد حصوله، و الطمع فيما قرب حصوله و الرجاء بين الأمل و الطمع، و قد يستعمل أحدهما مكان الآخر. و فرّق بعضهم بين الأمل و الرجاء بأنّ الامل: يكون في الممكن و المستحيل، و الرجاء يختصّ بالممكن.
و الصحيح. أنّ هذا الفرق بين التمني و الرجاء، و أمّا الأمل فلا يكون في المستحيل.
و طول الأمل: عبارة عن توقّع أمور دنيويّة يستدعي حصولها مهلة في الأجل، و فسحة من مستقبل الزمان.
و الصدق: خلاف الكذب، و أصلهما في القول، فالصدق فيه مطابقة ما تضمّنه من الحكم للواقع، و الكذب عدم مطابقته له. و قد يستعملان في أفعال الجوارح، فيقال: صدق زيد القتال، و صدق في القتال: إذا وفّاه حقّه، و فعل فيه ما يجب على ما يجب و كما يجب. و كذب في القتال إذا كان بخلاف ذلك.
و من هذا الباب عبارة الدعاء فصدق العمل: عبارة عن تأدية حقّه بالاجتهاد فيه و فعله كما يجب و على ما يجب.
و العمل: كل فعل من الحيوان بقصد. فهو أخصّ من الفعل، و هو يستعمل في الأعمال الصالحة و السّيئة قال تعالى: «خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً» «1». و المراد به «2» العمل الصالح بقرينة المقام. و «الباء» من قوله: «بصدق العمل»، إمّا للاستعانة، فالظرف لغو متعلّق بقصره، و إمّا للملابسة، فالظرف مستقرّ متعلّق بمحذوف هو حال من الضمير المجرور بعن، أي قصره عنّا ملتبسين بصدق العمل.
و استتممت «3» الشي‏ء: أي أتممته.
__________________________________________________
 (1) التوبة: الآية 102.
 (2) «ألف»: به هنا.
 (3) «ألف» استمت.

343
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
قال الجوهريّ: تمّ الشي‏ء تماما و أتمّه غيره، و تمّمه، و استتمّه بمعنى «1»، أي لا نؤمّل «2» إتمام ساعة بعد ساعة، و الساعة جزء من أجزاء الزمان، و العرب تطلقها و تريد بها الحين و الوقت من ليل أو نهار و إن قلّ. و عليه قوله تعالى: «لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً»* «3».
 [ 1070] و استيفاء الشي‏ء: أخذه وافيا. و إيقاعه هنا على اليوم مجاز عن الظلول فيه إلى آخره.
و اليوم: أوّله من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
و الاتّصال: اتّحاد الأشياء بعضها ببعض كاتّحاد طرفي الدائرة. و ضدّه الانفصال و هو هنا عبارة عن تتابع الأنفاس بعضها. إثر بعض حتّى كأنّها متّصلة و متحدة.
و النفس بفتحتين: الريح الداخلة و الخارجة في البدن من المنخر و الفم. و هو كالغذاء للنفس، و بانقطاعه يكون بطلانها.
و لحق به لحوقا: تبعه، فوصل إليه، و أدركه كلحقه.
و القدم من الإنسان: معروفة و هي مؤنّثة و تصغيرها قديمة بالهاء و جمعها الأقدام.
 [ 1071] و الغرور: الخديعة. يقال: غرّته الدنيا غرورا- من باب قعد-: أي خدعته بزينتها.
و الشرور: جمع شرّ، و هو السوء و الفساد، و المراد به هنا: ما يترتّب على طول الأمل من المفاسد الدينيّة. هذا و انّما استكفى عليه السّلام ربّه طول الأمل و رعب إليه في المبالغة في تقصيره لما يترتّب عليه من المضارّ الدينيّة و المفاسد الاخرويّة، و قد و رد من الآثار و الأخبار في التحذير منه، و التنفير عنه دائرة الاحصاء و تقصر عن‏
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 5 ص 1877.
 (2) «ألف»: تؤمّل.
 (3) سورة الاعراف: الآية 34 و سورة النحل: الآية 61.

344
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
قطع مسافته قدم الاستقصاء، و كفى في ذلك قوله تعالى: «رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ. ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» «1» فنبّه سبحانه على أن إيثار التلذذ و النعم ما يؤدي إليه طول الأمل من أخلاق الكافرين لا من أخلاق المؤمنين.
و أما الآثار و الأخبار: فمن ذلك ما ورد في الحديث القدسيّ: يا موسى لا تطوّل في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك، و قاسي القلب مني بعيد «2».
و في وصيّته صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر: يا أبا ذر: إيّاك و التسويف بأهلك، فانك بيومك و لست بما بعده، فإن يكن لك غد فكن في الغد كما كنت في اليوم، و إن لم يكن غد، لم تندم على ما فرطت في اليوم.
يا أبا ذر: كم من مستقبل يوما لا يستكمله، و منتظر غدا لا يبلغه.
يا أبا ذر: لو نظرت إلى الأجل و مصيره لأبغضت الأمل و غروره.
يا أبا ذر: كن كأنك في الدنيا غريب أو عابر سبيل، و عد نفسك من أصحاب القبور.
يا أبا ذر: إذا أصبحت لا تحدّث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح «3».
و عن أنس انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خط خطا و قال: هذا الإنسان.
و خط إلى جنبه و قال: هذا أجله. و خط آخر بعيدا منه فقال: هذا الأمل. فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب «4».
و في خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان،
__________________________________________________
 (1) سورة الحجر: الآية 2 و 3.
 (2) الجواهر السنية في الاحاديث القدسيّة: ص 31.
 (3) مكارم الأخلاق: ص 459.
 (4) غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 2 ص 394.

345
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
اتباع الهوى، و طول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق، و أما طول الأمل فينسي الآخرة «1».
و في خطبة أخرى: و اعلموا أنّ الأمل يسهي العقل، و ينسي الذكر فاكذبوا الأمل فإنّه غرور، و صاحبه مغرور. فنهى عليه السّلام عن الأمل و بين مضارّة و شروره «2».
و روي أن أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر، فبلغ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال الا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر، ان أسامة لطويل الأمل «3».
و في رواية: إنه اجتمع عبدان من عباد اللّه فقال أحدهما للآخر: ما بلغ من قصر أملك؟ فقال: أملي إذا أصبحت أن لا أمسي، و إذا أمسيت أن لا أصبح.
فقال: إنّك لطويل الأمل. أمّا أنا فلا اومّل أن يدخل لي نفس إذا خرج، و لا يخرج لي نفس إذا دخل «4».
و قال رجل لبعض الصالحين: انا خارج إلى بغداد فهل لك من حاجة؟ فقال:
ما أحبّ ان أبسط أملي حتى تذهب إلى بغداد و تجي‏ء «5».
و حضر بعض الصوفية «6» في دعوة مع أصحابه فمدّ يدّه إلى جام فيه خبيص «7» نحو الصومعة من السكر، فقال: له بعض من حضر: ارفق قليلا حتى تبلغ من ناحيتك إليها. فقال: أملي أقصر من أن أحدّث نفسي ببلوغ ذلك المكان. فبكى قوم من لفظه، و ضحك آخرون من نادرته «8».
و بالجملة فانّ مضارّ طول الأمل و شروره لا تخفى على من، هدى اللّه قلبه. لو
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 335 ح 3.
 (2) نهج البلاغة: ص 118 الخطب 86.
 (3) بحار الأنوار: ج 73 ص 166 ح 127، مشكاة الأنوار: ص 87.
 (4) راجع آداب النفس: ج 2 ص 27.
 (5) آداب النفس: ج 2 ص 30.
 (6) و هو البوشنجيّ.
 (7) الخبيص و الخبيصة: الحلواء.
 (8) آداب النفس: ج 2 ص 30.

346
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

«و انصب الموت بين أيدينا نصبا، و لا تجعل ذكرنا له غبّا، و اجعل لم يكن فيه إلّا نسيان الآخرة الذي أشار أمير المؤمنين عليه السّلام إليه بقوله: «و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة» «1» لكفى.
و بيانه: أن طول الأمل توقّع الأمور المحبوبة الدنيويّة توجب دوام ملاحظتها.
و دوام ملاحظتها مستلزم لدوام إعراض النفس عن ملاحظة أحوال الآخرة. و هو مستعقب لانمحاء تصوّرها في الذهن. و ذلك معنى النسيان لها. و به يكون الهلاك السرمديّ و الشقاء الأبديّ نعوذ باللّه من ذلك.
قال بعضهم: و سبب طول الأمل هو حبّ الدنيا، فإنّ الإنسان إذا أنس بها و بلذاتها ثقل عليه مفارقتها، و أحبّ دوامها، فلا يتفكّر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، فإنّ من أحبّ شيئا كره الفكر فيما يزيله و يبطله، فلا يزال يمنّي نفسه البقاء في الدنيا، و يقدر حصول ما يحتاج إليه من أهل و مال و أدوات و أسباب، و يصير فكره مستغرقا في ذلك، فلا يخطر الموت بباله، و إن خطر بخاطره الموت و التوبة و الإقبال على الأعمال الأخرويّة أخّر ذلك من يوم إلى يوم، و من شهر إلى شهر، و من عام إلى عام. و قال: إلى أن اكتهل و يزول سنّ الشباب. فإذا اكتهل قال: إلى أن أصير شيخنا. فإذا شاخ قال: إلى أن أتمّ عمارة هذه الدار، و أزوّج ولدي فلانا، أو إلى أن أعود من هذا السفر، و هكذا يسوّف التوبة. كلّما فرغ من شغل عرض له شغل، بل أشغال، حتى يختطفه الموت و هو غافل عنه، غير مستعدّ له، مستغرق القلب في أمور الدنيا، فتطول في الآخرة حسرته، و تكثر ندامته، و ذلك هو الخسران المبين «2». نعوذ باللّه منه.
نصبت الشي‏ء نصبا- من باب ضرب- أقمته. و نصب الموت بين اليدين عبارة عن جعله على ذكر بحيث لا يغيب عن الذهن لحظة. و هو تمثيل بحال ما ينصب أمام‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 325 ح 3.
 (2) سراج القلوب بهامش قوت القلوب: ج 1 ص 175- 176. مع اختلاف يسير.

347
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

لنا من صالح الأعمال عملا نستبطئ معه المصير إليك، و نحرص له على و شك اللحاق بك، حتّى يكون الموت مأنسنا الذي نأنس به، و مألفنا الذي نشتاق إليه، و حامتنا التي نحبّ الدّنوّ منها».
الانسان، فهو لا يغيب عن نظره وقتا مّا. و هذا كما يقال هو نصب عيني.
قال في القاموس: هو بالضمّ و الفتح أو الفتح لحن «1».
و في نسخة بين أعيننا، و نصبا: مفعول مطلق مؤكّد لعامله.
و الغبّ- بالكسر- أن ترد الإبل الماء يوما، و تدعه يوما. و منه حمى الغبّ و في الحديث: «زر غبّا تزدد حبّا» «2».
و عن الحسن: الغبّ في الزيارة أن يكون كل أسبوع «3».
و قال ابن الأثير في النهاية: الغبّ من أوراد الإبل فنقل إلى الزيارة، و إن جاء بعد أيّام. يقال: غبّ الرجل: إذا جاء زائرا بعد أيّام «4».
و قال في شرح جامع الاصول: و منه «ما يأكلون اللحم الّا غبّا» أي لا يداومون على أكله. و هو في أوراد الإبل أن تشرب يوما، و تدعه يوما. و في غيره أن تفعل الشي‏ء يوما، و تدعه أيّاما «5» انته.
و المراد هنا: طلب المداومة على ذكر الموت بحيث لا يترك ذكره يوما أو أيّاما.
و قد تواترت الأخبار بالحضّ على الاكثار من ذكر الموت. و من ذلك: «أكثروا من ذكر هادم اللذات» و ذلك لاستلزامه تقصير الأمل، و الجدّ في العمل، و العزوف عن دار الغرور، و السعي لدار النعيم و السرور. قال بعض العلماء: حق العاقل أن يكثر من ذكر الموت، فذكره لا يقرّب أجله، و يفيده ثلاثا: القناعة بما رزق، و المبادرة بالتوبة، و النشاط في العبادة. و لذلك قال عليه السّلام: «أكثروا من ذكر هادم‏
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 1 ص 133.
 (2) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 336.
 (3) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 336.
 (4) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 336.
 (5) لا يوجد لدينا هذا الكتاب.

348
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
اللذات» فإنّه ما ذكره أحد في ضيق الّا وسّعه عليه، و لا في سعة إلّا ضيّقها عليه «1».
و قيل: ذكر الموت يطرد فضول الأمل، و يكفّ عزب «2» المنى و يهوّن المصائب، و يحول بين الإنسان و الطغيان.
 [ 1072] قوله عليه السّلام: «و اجعل لنا» الجعل هنا بمعنى الإيجاد، و هو متعدّ إلى واحد.
و اللام معتلّة به، أي وفّقنا للإتيان بعمل من صالح الأعمال، و إسناد الجعل إليه تعالى لأنّه السبب الأوّل.
و استبطأت الأمر: عددته و رأيته بطيئا.
و المصير: مصدر ميميّ من صار إليه بمعنى رجع و انته، أي المصير إلى ثوابك.
قال الإمام الطبرسيّ في قوله تعالى: «وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ»* معناه و إلى جزائك المصير، فجعل مصيرهم إلى جزائه مصيرا إليه.
كقوله إبراهيم عليه السّلام «إنّي ذاهب إلى ربّي سيهدين» و معناه إلى ثواب ربّي أو إلى ما أمرني به «3» انته.
و حرص على الشي‏ء- من باب ضرب- حرصا: رغب فيه رغبة شديدة.
قال الراغب: الحرص: فرط الإرادة قال تعالى: «إِنْ تَحْرِصْ عَلى‏ هُداهُمْ أي ان تفرط إرادتك على هدايتهم «4».
و الوشك- بالفتح و الضمّ- السرعة. و منه و شك البيّن أي سرعة الفراق.
و اللحاق به تعالى عبارة عن الوصول إلى ثوابه و رحمته، يقال: لحق فلان باللّه إذا مات، أي أدرك رحمة اللّه، و وصل إليها، كأنّه كان طالبا لها، ساعيا خلفها، حتى أدركها و لحقها.
__________________________________________________
 (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص 176.
 (2) «ألف»: غرب.
 (3) مجمع البيان: ج 1- 2 ص 402.
 (4) المفردات: ص 113.

349
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
 [ 1073] و حتى: يجوز أن تكون تعليليّة بمعنى كي، و أن تكون للانتهاء بمعنى إلى، فيكون المراد بها حينئذ الدوام. و مثلها قوله تعالى: «فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ» «1».
و المأنس: الموضع الذي يأنس به الإنسان، و يسكن إليه قلبه، و لا ينفر منه، و لا يستوحش فيه. يقال: أنس به أنسا- من باب علم- إذا سكن قلبه إليه، و لم ينفر عنه.
و المألف: الموضع الذي يألفه الإنسان و يأنس به و يحبه.
و كون الموت مأنسا و مألفا من باب التشبيه البليغ على الصحيح، لأنّ الطرفين مذكوران، لا من الاستعارة، لأنّ الاستعارة إنّما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له كما حقّقه صاحب الكشّاف و غيره من المحقّقين.
و كذا قوله عليه السّلام: «و حامّتنا» أي خاصتنا. و حامّة الرجل: خاصّته من أهله، و ولده الذين يشفقون عليه و يشفق عليهم، و منه حديث: هؤلاء أهل بيتي و حامّتي، أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا «2».
 (تبصرة) اعلم: أنّ الذي نطقت به الاخبار، و شهد به الاعتبار أنّ الموت ليس إلّا عبارة عن تغيّر حال- و هو مفارقة الروح لهذا البدن الجاري مجرى الآلة لذي الصنعة- و أنّ الروح باقية بعده، كما شهدت به البراهين العقليّة المذكورة في مظانّها، و الآثار النبويّة المتواترة. و معنى مفارقتها له انقطاع تصرّفها فيه، لخروجه عن حدّ الانتفاع به. فما كان من الأمور المدركة لها يحتاج في إدراكه إلى آلة فهي متعطلة عنه بعد مفارقة البدن، إلى أن تعاد إليه في القبر أو يوم القيامة. و ما كان مدركا لها بنفسها
__________________________________________________
 (1) سورة الحجرات: الآية 9.
 (2) مجمع البيان: ج 7- 8 ص 357.

350
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
من غير آلة فهو باق معها، تتنعّم به و تفرح أو تحزن، من غير حاجة إلى هذه الآلة في بقاء تلك العلوم و الإدراكات الكليّة لها هناك. و قد ضرب للمفارقة التي سمّيناها بالموت مثل، فقيل كما أنّ بعض أعضاء المريض يتعطّل- بحسب فساد مزاج يقع فيه، أو بحسب سدة «1» تعرض للأعصاب، فتمتنع «2» نفوذ الروح فيها، فتكون النفس مستعملة لبعض الأعضاء دون ما استعصى عليها منها- فكذلك الموت عبارة عن استعصاء جميع الأعضاء كلّها و تعطلها. و حاصل هذه المفارقة يعود إلى سلب الإنسان عن هذه الأعضاء و الآلات و القنيات الدنيويّة من الأهل و المال و الولد و نحوها.
و لا فرق بين أن تسلب هذه الأشياء عن الإنسان، أو يسلب هو عنها إذا كان المؤلم هو الفراق. و قد يحصل ذلك بنهب مال الرجل و سبي ذرّيته، و قد يحصل بسلبه و نهبه عن أهله و ماله. فالموت في الحقيقة هو سلب الإنسان عن أمواله إلى عالم آخر فإن كان له في هذا العالم شي‏ء يأنس به، و يستريح إليه، فبقدر عظم خطره عنده يعظم تحسّره عليه في الآخرة. و يكون سبب عظم خطره عند ضعف تصوّره لما اعدّ للأبرار المتقين في الآخرة، مما يستحقر في القليل منه أكثر نفائس الدنيا. فأمّا إن كان عين بصيرته مفتوحة حتى لم يفرح الّا بذكر اللّه، و لم يأنس إلّا به، عظم نعيمه و تمّت سعادته، إذ خلّي بينه و بين محبوبه، قطع علائقه و عوائقه الشاغلة له عنه، و وصل إليه، و انكشف له هناك ما كان يدركه من السعادة- بحسب الوصف- انكشاف مشاهدة، كما يشاهد المستيقظ ما رآه في النوم، «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، و لذلك كان الموت راحة للمؤمنين و محبوبا للمتقين، كما أشار إليه سيّد المرسلين: صلّى اللّه عليه و سلّم و على آله الطاهرين «ليس للمؤمن راحة دون لقاء اللّه» «3» و ذلك لكونه وسيلة لهم إلى ما أعدّ لهم من السعادة الأخرويّة التي هي حياة
__________________________________________________
 (1) «ألف»: شدة.
 (2) «ألف»: فتمنع.
 (3) كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق بهامش الجامع الصغير: ج 2 ص 78.

351
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
بلا موت، و غنى بلا فقر، و نعيم بلا شقاء، و أعظم من ذلك الفوز باللقاء الخالص لمحبوبهم الأقصى. و إليه الاشارة بقوله تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» «1» دلّت الآية على أنّ الصادق في الولاية للّه يتمنّى الموت، و كذلك قوله تعالى: «قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» «2».
و من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام: «و اللَّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه» «3».
و كان عليه السّلام يطوف بين الصفين في غلاله: فقال له ابنه الحسين عليه السّلام: ما هذا بزي المحاربين فقال: يا بني لا يبالي أبوك على الموت سقط، أم سقط الموت عليه «4».
و من كلام له قبل موته: و اللّه ما فجأني من الموت وارد فكرهته، و لا طالع أنكرته، و ما كنت إلّا كقارب ورد، و طالب وجد، و ما عند اللّه خير للأبرار «5».
و عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه: أنه كان يتمنى الموت، فلما احتضر قال:
حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم «6» يعني على التمنّي.
و قال أهل التحقيق: لا يبعد من الرجل العاقل إذا كمل عقله أن تعظم رغبته في الموت لوجوه:
منها: أنّ مراتب الموجودات ثلاثة، المؤثّر الذي لا يتأثّر و هو الإله تعالى و تقدّس، و المتأثر الذي لا يؤثّر و هو عالم الأجساد، فإنّها قابلة للتشكيل و التصوير و الصفات المختلفة و الأعراض المتضادّة. و يتوسّطهما قسم ثالث و هو عالم الأرواح، لأنّها تقبل‏
__________________________________________________
 (1) سورة الجمعة: الآية 6.
 (2) سورة البقرة: الآية 94.
 (3) نهج البلاغة: ص 52.
 (4) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 3 ص 190.
 (5) نهج البلاغة: ص 378 الرسالة 23.
 (6) تفسير أنوار التنزيل و أسرار التأويل: ج 1 ص 70.

352
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
الأثر و التصرّف من العالم الإلهي، ثمّ إذا أقبلت على عالم الأجساد، تصرّفت و أثّرت.
و للنفوس في التأثير و التأثّر مراتب غير متناهية، لأنّ تأثيرها بحسب تأثّرها عمّا فوقها. و الكمال الآلهي غير متناه. فإذن لا تنفك النفس من نقصان ما، و الناقص إذا حصل له شعور بنقصانه، و قد ذاق لذّة الكمال، بقي في القلق و ألم الطلب، و لا سبيل له إلى رفع هذا القلق و الألم إلّا الموت. فحينئذ يتمّنى الموت.
و منها: أنّ سعادات الدنيا و لذّاتها سريعة الزوال، مشرفة على الفناء، و الألم الحاصل عند زوالها، أشدّ من اللذّة الحاصلة عن وجدانها. ثمّ أنّها مخلوطة بالمنغصات، و الأراذل من الخلق يشاركون الأفاضل فيها، بل ربما كانت حصّة الأراذل أكبر. فلا جرم تمنّي العاقل موته ليتخلّص من هذه الآفات.
و منها: أنّ اللذات الجسمانيّة: لا حقيقة لها، لأنّ حاصلها يرجع إلى دفع الآلام، فإن الأكل لدفع ألم الجوع، و الشرب لدفع ألم العطش، و النكاح لدفع ألم العزوبة، فكان الموت مخلّصا من هذه الآلام و الاشتغال بدفعها.
و منها: أنّ مداخل اللذات الدنيويّة ثلاثة: لذّة الأكل، و لذّة الوقاع، و لذّة الرئاسة. و لكلّ منها عيوب، فلذّة الأكل، مع أنّها غير باقية بعد البلع، فإنّ الماكول يختلط بالبصاق المجتمع في الفم، و لا شكّ أنّه شي‏ء منفّر. ثمّ كما يصل إلى المعدة يستحيل إلى ما ذكره منفّر، فكيف به؟ و من هنا قالت العقلاء: «من كانت همّته ما يدخل في جوفه كانت قيمته ما يخرج من بطنه». هذا مع اشتراك الحيوانات الخسيسة فيها.
و أيضا اشتداد الجوع حاجة، و الحاجة نقص. و كذا الكلام في لذّة النكاح و عيوبها، مع أنّ فيها احتياجا لزيادة المال، و النفقة للزوج و الولد و ما يلزمهما.
و الاحتياج للمال يلقي المرء في مهالك الاكتساب، و مهاوي الانتجاع.
و لذّة الرئاسة، أوفى عيوبها أنّ كل واحد يكره بالطبع أن يكون خادما مأمورا،

353
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
و يحبّ أن يكون مخدوما آمرا. فسعي الإنسان في الرئاسة سعي في مخالفة كلّ من سواه. و لا ريب أنّ هذا الأمر صعب الحصول، منيع المرام، و إذا ناله كان على شرف الزوال في كلّ حين و أوان، لأنّ كثرة الأسباب توجب قوّة حصول الأثر، فيكون دائما في الخوف و الحزن.
فإذا تأمّل العاقل في هذه المعاني علم قطعا أنّه لا صلاح في اللذّات العاجلة.
و لكن النفس جبلت على طلبها، و الرغبة فيها، فيكون دائما غريقا في بحر الآفات، و غمرات الحسرات. فحينئذ يتمنّى زوال هذه الحياة.
 (تتمّة) قال بعض العلماء: الناس في محبّة الموت ثلاثة أضرب:
الأوّل: حكيم يعلم انّ الحياة تسترقّه و الموت يعتقه، و أنّ الانسان في هذا المآل- و إن طال فيه لبثه- كخطفة برق لمعت في أكناف السماء ثم عادت للاختفاء، و أنّه في دنياه كمبعوث إلى ثغر يحوطه، و بلد يسوسه، يراعي ما استرعى، و يسرّ إذا دعى، و لا يتكأدّه خروجه منها إلّا بقدر ما يفوته من خدمة ربّه، و الازدياد من قربه. و لهذا المعنى ورد في بعض الأخبار مدح الحياة و النّهي عن تمنّي الموت.
و الثاني: رجل أنس بهذا العالم فألفه و إن كرهه، فسبيله سبيل من ألف بيتا مظلما قذرا و لم ير غيره، فهو يكره الخروج منه و إن كان قد كره الدخول فيه. كما قال الشاعر:
دخلنا كارهين لها فلمّا             ألفناها خرجنا مكرهينا
و ما حبّ البلاد بنا و لكن             أمرّ العيش فرقة من هوينا
 فهذا حتى خرج عن دنياه، و اطلع على ما أعدّ للصالحين- ممّا لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر- سرّ بخلاصه كما حكى اللّه تعالى عمّن استقرّ بهم القرار في جنّة النعيم، حيث قالوا: «الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا

354
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

فإذا أوردته علينا، و أنزلته بنا فأسعدنا به زائرا، و آنسنا به قادما، و لا تشقنا بضيافته، و لا تخزنا بزيارته، و اجعله بابا من أبواب مغفرتك، و مفتاحا من مفاتيح رحمتك.
لغفور شكور. الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب و لا يمسّنا فيها لغوب» «1».
و الثالث: رجل أعمى البصيرة، متلطخ السريرة، بما ارتكبه من أنواع الجريرة، رضي بالحياة الدنيا، و اطمأنّ بها، و يئس من الآخرة، كما يئس الكفّار من أصحاب القبور. فإذا خرج منها إلى دار الخلود أضرّ ذلك به كما تضرّ رياح الورد بالجعل، فإذا خرج من قاذورات الدنيا لم يوافقه عالم العليا و مصاحبة الملأ الأعلى، و منادمة أولي العلى، كما قال تعالى: «وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» «2». و اللّه أعلم.
 [ 1074] «الفاء»: للترتيب في الذكر.
و أوردته عليه: أحضرته لديه، يقال: ورد زيد علينا أي حضر. و أصل الورود:
بلوغ الإبل الماء و موافاتها إيّاه، ثم استعمل في غيره مجازا.
قال في الأساس و من المجاز ورد عليه أمر لم يطقه، و أوردت عليّ ما غمّني «3».
و أنزلت به الأمر: أوقعته به. يقال: نزل به مكروه: أي وقع به و حصل عليه.
و أصله من النزول، و هو انحطاط من علوّ.
و أسعده اللّه: صيّره سعيدا، و الباء للسببيّة.
و زائرا: الحال من الضمير المجرور، و هو اسم فاعل من زاره يزوره زورا، و زيارة:
أي قصده، ثم خصّت الزيارة في العرف بقصد المزور إكراما له و استيناسا به.
__________________________________________________
 (1) سورة فاطر: الآية 34 و 35.
 (2) سورة الإسراء: الآية 72.
 (3) أساس البلاغة: ص 671.

355
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
و آنست زيدا بكذا ايناسا: جعلته يأنس به، و يسكن إليه، و لا يستوحش معه.
و القادم: اسم فاعل من قدم الرجل البلد- من باب تعب- قدوما إذا ورده و حصل فيه.
و شقي يشقى- من باب علم- شقاء، ضدّ سعد، فهو شقيّ. و أشقاه اللّه- بالألف-.
و الضيافة: اسم من أضفته إذا أنزلته و قربته. قال ثعلب: ضفته إذا نزلت به و أنت ضيف عنده، و اضفته- بالألف- إذا أنزلته عليك ضيفا «1».
لمّا شبّه عليه السّلام الموت بالزائر و القادم أثبت له ما هو من لوازمهما، و هو الضيافة، فهو من باب الاستعارة التخييليّة. و المراد بالشقاء بضيافته فقدان العمل الصالح الذي يصلح أن يكون قرى له. و كأنّ الشرف البوصيري نظر إلى هذا المعنى حيث قال:
فإنّ أمارتي بالسوء ما اتعظت             عن جهلها بنذير الشيب و الهرم‏
و لا أعدّت من الفعل الجميل قرى             ضيف ألمّ برأسي غير محتشم‏
 [ 1075] و أخزاه اللّه: الحق به الخزي، و هو الذل و الهوان المقارن للفضيحة و الانكسار.
و منه: «رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ» «2».
و الباب: مدخل الشي‏ء. و أصل ذلك مداخل الأبنية كباب المدينة و الدار، ثم تجوّز فيه، فاستعمل فيما يتوصّل به إلى الشي‏ء. و منه: «أنا مدينة العلم و عليٌّ بابها» «3» أي به يتوصّل إليه.
و أبواب المغفرة: الأسباب التي يتوصّل بها إليها.
و المفتاح: آلة الفتح و هو إزالة الإغلاق، ثم استعير لما يتوصّل به إلى الأمر. و منه‏
__________________________________________________
 (1) المصباح المنير: ص 501 نقلا عنه.
 (2) سورة آل عمران: الآية 192.
 (3) عوالي اللئالي: ج 4 ص 123، و الجامع الصغير: ج 1 ص 108.

356
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

أمتنا مهتدين غير ضالّين، طائعين غير مستكرهين، تائبين غير عاصين و لا مصرّين، يا ضامن جزاء المحسنين، و مستصلح عمل المفسدين.
قوله تعالى: «وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» «1».
قال الراغب: يعني ما يتوصّل به إلى غيبه المذكور في قوله تعالى: «فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً» «2» انته.
و لمّا كان الموت وسيلة لحصول المغفرة و الرحمة بالفعل لمن شاء اللّه سأل عليه السّلام أن يجعل موته بابا يدخل به إلى مغفرته، و مفتاحا يصل به إلى رحمته.
و اللّه أعلم.
 [ 1076] الجملة مستأنفة استئنافا بيانيّا كأنّه سأل كيف أسعدكم به زائرا؟ فقال:
 «أمتنا مهتدين غير ضالّين»، فإنّ حصول السعادة بسبب الموت إنّما يكون إذا مات الإنسان مهتديا غير ضالّ، و طائعا، غير مستكره ... إلى آخره.
و المراد بالاهتداء: الاهتداء إلى كلّ حق و صواب، و القبول له، و العمل به، و عدم الرجوع معه إلى باطل و خطأ، و لذلك قيّده بقوله: غير ضالّين لأنّه حال متداخلة.
قال الراغب: الاهتداء يختصّ بما يتحرّاه الإنسان من الهدى على طريق الاختيار إمّا في الأمور الدنيويّة أو الأخرويّة. قال اللّه تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها» «3»، و يقال ذلك لطلب الهداية نحو قوله تعالى: «قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» «4»، و لتحدّي الهداية نحو: «وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» «5»، و يقال المهتدي لمن يقتدي بعالم نحو «أَ وَ لَوْ كانَ‏
__________________________________________________
 (1) سورة الأنعام: الآية 59.
 (2) المفردات في غرائب القرآن: ص 371.
 (3) سورة الانعام: الآية 97.
 (4) سورة الانعام: الآية 56.
 (5) سورة البقرة: الآية 53.

357
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ» «1» تنبيها على أنّهم لا يعلمون بأنفسهم، و لا يقتدون بعالم.
و قوله تعالى: «فَمَنِ اهْتَدى‏ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ»* «2» يتناول وجوه الاهتداء من طلب الهداية، و من الاقتداء، و من تحريها. و قوله تعالى: «وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏» «3» معناه ثمّ أدام طلب الهداية، و لم يفتر عن تحريها، و لم يرجع إلى المعصية. و قوله: «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» «4» أي الذين تحرّوا الهداية و قبلوها و عملوا بها «5» انته.
و الضلال: العدول عن الصراط المستقيم، و هو ضدّ الهدى، و يقال لكل عدول عن النهج عمدا كان أو سهوا، يسيرا كان أو كبيرا، فإنّ الصراط المستقيم الذي هو المرضي صعب جدّا، و لهذا قال عليه السّلام: «استقيموا و لن تخصّوا» «6».
و طائعين: أي منقادين لأمرك عن طيب نفس و إخلاص في امتثال الأمر.
غير مستكرهين: أي غير حاملين أنفسنا بالكره على الطاعة، على رواية مستكرهين بصيغة اسم الفاعل، أو غير حاملين لنا خوف العقاب و نحوه بالكره على الطاعة، على رواية مستكرهين بصيغة اسم المفعول. و بهذا المعنى فسّر قوله تعالى:
 «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» «7» في أحد الوجوه. أي لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدنيا من الطاعة كرها، فإنّ اللّه يعتبر السرائر، و لا يرضى إلّا الإخلاص و لهذا قال، صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الأعمال بالنيات «8» و قال: أخلص، يكفيك القليل من العمل «9».
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 170.
 (2) سورة يونس: الآية 108.
 (3) سورة طه: الآية 82.
 (4) سورة البقرة: الآية 157.
 (5) المفردات: ص 541.
 (6) «ألف»: تحصلوا.
 (7) سورة البقرة: الآية 256.
 (8) تهذيب الاحكام: ج 1 ص 83 ح 67.
 (9) لم نعثر عليه.

358
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
و يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى قوله تعالى: «وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً» «1» على أن المراد بمن أسلم طوعا من شاهد المثيب و المعاقب، فانقاد له، و بمن أسلم كرها من شاهد الثواب و العقاب، فانقاد و أسلم رغبة و رهبة.
و تائبين: أي تاركين للذنوب لقبحها، نادمين عليها، مغتمّين أشدّ الاغتمام لارتكابها، عازمين على ترك المعاودة لها.
و غير عاصين: أي غير خارجين عن الطاعة. و أصل العصيان من تمتّع الإنسان بعصاه. و «لا» من قوله: «و لا مصرّين» مزيدة لتأكيد ما أفاده «غير» من معنى النفي، كأنّه قيل: «لا عاصين و لا مصرّين» و الإصرار في الأصل من الصرّ، و هو الشدّ و الربط، ثمّ أطلق على الإقامة على الذنب «2» دون استغفار، كأنّ المذنب ارتبط بالإقامة عليه و المداومة له. و قد مرّ الكلام عليه مبسوطا فأغنى عن الاعادة.
 [ 1077] قوله عليه السّلام: «يا ضامن جزاء المحسنين» من ضمن زيد المال، و به- من باب علم- ضمانا: أي التزمه، فهو ضامن. فهو تلميح إلى قوله تعالى في غير موضع من كلامه المجيد: «إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»* «3» أي الذين يعملون الأعمال الحسنة التي يستحقّ بها الثواب و المدح.
و «مستصلح عمل المفسدين»: أي طالب صلاح عملهم بأن يبدّلوا الفساد بالصلاح، و ذلك إما بالأمر و النهي كما هو الواقع.
قال الزمخشريّ في الأساس: أمر اللّه و نهى لاستصلاح العباد «4».
و إمّا بحسم أسباب الفساد، و عدم الإعداد له، و إفاضة توفيقه عليهم، يستبدلوا باعمالهم السّيئة أعمالا حسنة، و ذلك لمن تاب إليه و أناب و سبقت له منه الحسنى.
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 83.
 (2) «ألف»: من دون.
 (3) سورة التوبة: الآية 120.
 (4) أساس البلاغة: ص 359.

359
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
و يرجّح المعنى الأوّل: أن الجمع المعرّف بالألف و اللام يفيد الاستغراق و العموم.
و جواز الثاني: لتخصيص المفسدين بالمفسدين من المؤمنين حالا أو مآلا، و في رواية «مصلح «1» عمل المفسدين»: من أصلح الشي‏ء إذا جعله صالحا، و ذلك بإفاضة لطفه و توفيقه عليهم و إعداده لهم بمعونته على تبديل الفساد بالصلاح. و هذا لا ينافي قوله تعالى في سورة يونس: «إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ» «2» لأنّ المراد بعدم إصلاحه فيه عدم إثباته و إمضائه.
قال العماديّ: ليس المراد بعدم إصلاح عملهم عدم جعل فسادهم صلاحا، بل عدم إثباته و إتمامه، أي لا يثيبه «3» و لا يكلّمه «4»، و لا يديمه، بل يمحقه و يهلكه و يسلّط عليه الدمار «5».
و قال العلّامة الطبرسيّ: «معناه إنّ اللّه لا يهيّئ عمل من قصد فسادا في الدين، و لا يمضيه بل يبطله حتى يظهر الحق من الباطل، و المحقّ من المبطل» «6» انته. فلا منافاة بين الآية و عبارة الدعاء لتغاير المعنى. و اللّه أعلم. [] هذا آخر الروضة الأربعين من رياض السالكين، وفق اللّه لإتمامها و حسن ختامها عشيّة يوم الأحد، لستّ مضين من ذي الحجّة الحرام، آخر شهور سنة 1104، و للّه الحمد.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: و مصلح.
 (2) سورة يونس: الآية 81.
 (3) هكذا في الأصل. و لكن الصحيح لا يثبته و لا يكمله كما في المصدر.
 (4) هكذا في الأصل. و لكن الصحيح لا يثبته و لا يكمله كما في المصدر.
 (5) تفسير أبي السعود: ج 4 ص 170.
 (6) مجمع البيان: ج 6 ص 126.

360
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الحادية و الأربعون ص 361

الروضة الحادية و الأربعون‏

361
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام في طلب الستر و الوقاية ص 363

و كان من دعائه عليه السّلام في طلب الستر و الوقاية
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و أفرشنى مهاد كرامتك و أوردنى مشارع رحمتك و أحللنى بحبوحة جنّتك و لا تسمنى بالرّدّ عنك و لا تحرمنى بالخيبة منك و لا تقاصّنى بما اجترحت و لا تناقشنى بما اكتسبت و لا تبرز مكتومى و لا تكشف مستورى و لا تحمل على ميزان الانصاف عملي و لا تعلن على عيون الملإ خبرى اخف عنهم ما يكون نشره علىّ عارا و اطو عنهم ما يلحقنى عندك شنارا شرّف درجتى برضوانك و أكمل كرامتي بغفرانك و انظمنى في أصحاب اليمين و وجّهنى في مسالك الامنين و اجعلني في فوج الفائزين و اعمر بي مجالس الصّالحين آمين ربّ العالمين‏

363
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 364

 [مقدمة الشارح‏]
 [] (الروضة الحادية و الأربعون) بسم اللّه الرحمن الرحيم و إيّاه نستعين الحمد للّه مسبل جلابيب الستر و الوقاية، الناهج مناهج الرشد و الهداية، و الصلاة و السلام على نبيّه المخصوص بأسرار الغاية، و على أهل بيته القائمين بأعباء الإمامة و الولاية.
و بعد: فهذه الروضة الحادية و الأربعون من رياض السالكين في شرح الدعاء الحادي و الأربعين، من صحيفة سيّد العابدين صلّى اللّه و سلّم عليه و على آبائه و أبنائه الصالحين، إملاء راجي فضل ربّه السنيّ عليّ الصدر الحسينيّ الحسنيّ، ألحقه اللّه بستر وقايته، و بلغه من حسن الأمل منته غايته.

364
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

شرح الدعاء الواحد و الأربعين‏
 «و كان من دعائه عليه السّلام» في طلب الستر و الوقاية الستر- بالفتح- تغطية الشي‏ء من ستره سترا- من باب قتل-: أي غطاه.
و بالكسر ما يستتر به، كالستارة- بالكسر- و السترة- بالضمّ-.
و الوقاية: حفظ الشي‏ء ممّا يؤذيه و يضرّه. يقال: وقيت الشي‏ء أقيه وقاية و وقاء. قال تعالى: «فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ» «1».
و المراد بالستر المطلوب إخفاء الأعمال الفاضحة عن غير اللّه سبحانه في الدنيا و الآخرة، أمّا في الدنيا: فبتوفيقه للاستتار بها، و حسم أسباب اطلاع الخلق عليها.
و فائدته استبتاع غفرانها كما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن الرضا عليه السّلام: أنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة، و المذيع بالسيّئة مخذول، و المستتر بالسيّئة مغفور له «2».
و أمّا في الآخرة فباخفائها عن الملائكة و الأنبياء و جميع الخلق، كما روي عن الصادق عليه السّلام: إذا كان يوم القيامة تجلّى اللّه تعالى لعبده المؤمن فيقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا، ثم يغفر له، لا يطلع على ذلك ملكا مقرّبا و لا نبيّا مرسلا، و يستر
__________________________________________________
 (1) الإنسان: الآية 11.
 (2) الكافي: ج 2 ص 428 ح 2 باب ستر الذنوب.

365
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و أفرشني مهاد كرامتك. و أوردني مشارع رحمتك و أحللني بحبوحة جنّتك.
عليه ما يكره أن يقف عليه أحد، ثم يقول لسيّئاته كوني حسنات «1».
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة.
و المراد بالوقاية من السيئات و تبعاتها، كما يدلّ عليه متن الدعاء، و هي الوقاية التي ليسألها حملة العرش و من حوله للمؤمنين بقولهم: «وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» «2» [ 1078] فرشت البساط و غيره فرشا- من باب قتل- و في لغة- من باب ضرب-: بسطته.
و أفرشه إيّاه إفراشا: بسطته له. و هو الفراش- بالكسر- بمعنى مفروش ككتاب بمعنى مكتوب و المهاد- بالكسر- الفراش. و جمعه مهد ككتاب و كتب. و يكون المهاد جمع مهد أيضا كسهم و سهام، و يجمع على مهود أيضا كفلس و فلوس.
قال الفيّوميّ: المهد و المهاد: الفراش «3».
و الكرامة: اسم من الإكرام، و هو الإعزاز.
و أوردته الماء: أبلغته إيّاه.
و المشارع: جمع مشرعة- بفتح الميم و الراء- و هي مورد الناس للاستقاء.
و قال الأزهريّ: لا تسمّيها العرب مشرعة حتى يكون الماء لا انقطاع له كماء الأنهار، و يكون ظاهرا معينا، أي جاريا على وجه الأرض، لا يستقى منه برشاء «4».
و في كل من الفقرتين استعارة مكنيّة تخييليّة، فإنّه أضمر في نفسه تشبيه الكرامة بالمكان الصالح للقعود فيه، و الرحمة بالماء العذب الذي يروى به من يرده بجامع الراحة و اللذّة فيهما. و هذا هو الاستعارة بالكناية، ثم أثبت لها ما به قوام المشبّه به من لوازمه المناسبة و هو المهاد في الأولى، و المشارع في الثانية، و هذا هو التخييل.
__________________________________________________
 (1) بحار الأنوار: ج 7 ص 287.
 (2) غافر: الآية 9.
 (3) المصباح المنير: ص 800.
 (4) تهذيب اللغة: ج 1 ص 425 مادة شرع.

366
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

و لا تسمني بالرّدّ عنك، و لا تحرمني بالخيبة منك، و لا تقاصّني بما اجترحت، و لا تناقشني بما اكتسبت، و لا تبرز مكتومي، و لا تكشف مستوري.
 [ 1079] و أحللت زيدا المكان، و به: أنزلته فيه. من حلّ بالبلد و حلّه من باب قعد إذا نزل به.
و بحبوحة المكان: وسطه و وزنها فعلولة.
قال بعض أرباب القلوب: جنّته- تعالى- في الآخرة دار ثوابه، و في الدنيا مقام الرضا و التسليم. و اللّه أعلم.
سمته ذلّا: أي أوليته إيّاه، و منه يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ»* «1». و إنّما عدّاه عليه السّلام بالباء لتضمينه معنى الإهانة كما عدّوا «سمع» باللام في قوله لهم:
 «سمع اللَّه لمن حمده» «2» لتضمينه معنى استجاب. و إنّما أصله أن يتعدّى بنفسه مثل «يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ» «3». و في نسخة «و لا تسمني» بكسر السين و هو من السمة بمعنى العلامة.
و ردّه عنه ردّا: صرفه و منعه. و هو كناية عن الحرمات، و منع المعروف. و منه ردّ السائل إذا حرمه، و لم يعطه شيئا، و حرمت زيدا كذا أحرمته- من باب ضرب، يتعدّى إلى مفعولين- حرمانا و حرمه- بالكسر فيهما-: منعته إيّام. و كثيرا ما يحذف المفعول الثاني لقصد العموم، فيقال: حرمت زيدا أي لم أعطه شيئا.
و الخيبة: عدم الظفر بالمطلوب.
و قوله: «منك» يحتمل تعلّقه بالفعل، أو بالخيبة. فيكون لغوا. و يحتمل تعلّقه بمحذوف حال من الخيبة فيكون مستقرا و «من» ابتدائيّة.
 [ 1080] و قاصصت زيدا بما كان لي عنده قصاصا و مقاصّة: أي حبست عليه مثل ذلك و اجترحت الأثم: اكتسبته. أي لا تحبس عليّ من الثواب مثل ما اكتسبته من المأثم.
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 49.
 (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 680 و صحيح مسلم كتاب الصلاة باب استحباب رفع اليدين.
 (3) سورة ق: الآية 42.

367
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

و لا تحمل على ميزان الإنصاف عملي، و لا تعلن على عيون الملأ خبري، و اخف عنهم ما يكون نشره عليّ عارا، و اطو عنهم ما يلحقني عندك شنارا.
و ناقشته مناقشة: استقصيت في حسابه.
و برز الشي‏ء بروزا- من باب قعد-: ظهر. و يتعدّى بالهمزة فيقال: أبرزته فهو مبروز، و هذا من النوادر التي جاءت على مفعول من أفعل، كمحبوب من أحبّ، و مسعود من أسعد.
و كتمت السرّ و الحديث كتما- من باب قتل- و كتمانا- بالكسر-. سترته فهو مكتوم و يتعدّى إلى مفعولين. و منه «وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً» «1».
 [ 1081] و الكشف كالضرب: الاظهار، و رفع الشي‏ء عمّا يواريه، و يغطيه. و منه:
 «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ» «2».
و سترت الشي‏ء سترا- من باب قتل-: غطيته فهو مستور.
قال بعضهم: و هذه الفقرة عطف تفسير لما قبلها. و ليس كذلك فإنّ قوله عليه السّلام: «و لا تبرز مكتومي» يختصّ بالمعاني كالأسرار و الأخبار، لأنّ الكتمان لا يستعمل إلّا فيها.
و قوله عليه السّلام: «و لا تكشف مستوري» يختص بالجثث و الأعيان، لأنّ الأصل في الستر تغطية الشي‏ء بغطاء، ثمّ استعمل في غيرها تجوّزا، فهو إمّا من باب عطف الشي‏ء على مغايره، أو من باب عطف العامّ على الخاصّ، لا من باب عطف التفسير، و اللّه أعلم.
حملته على كذا: أي ألزمته به. و أصله من الحمل على الدابة كأنك جعلته لازما له لزوم الراكب لمركوبه، و هو من باب التمثيل.
__________________________________________________
 (1) سورة النساء: الآية 42.
 (2) سورة ق: الآية 22.

368
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
و الميزان: آلة الوزن. و أصله موزان قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، و لذلك يجمع على موازين.
و الوزن في اللغة: هو مقابلة أحد الشيئين بالآخر حتى يظهر مقداره.
و الإنصاف في المعاملة: العدالة. و ذلك أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلّا مثل ما يعطيه، و لا يناله من المضارّ إلّا مثل ما يناله.
و المراد بالعمل هنا مطلقه، حسنا كان أو سيّئا.
و ميزان الإنصاف فيه: أن يجازيه بالإحسان إحسانا، و بالسيّئة سيّئة، كما قال اللّه تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» «1».
و من البيّن أنّ في ذلك هلاك العبد، لقلّة حسناته، و كثرة سيّئآته، و أين يقع الواحد من الدهماء، و الفطرة «2» من الدأماء؟! و لذلك ورد في الحديث عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: «وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» إذا كان من أهل الجنة، رأى ذلك الشر، ثمَّ غفر له «3».
و قال الإمام الطبرسيّ: الآية مخصوصة بلا خلاف، فإنّ التائب معفوّ عنه بالإجماع «4».
و آيات العفو دالّة على جواز العفو عما دون الشرك، فجاز أن يشترط في المعصية التي يؤاخذ بها، ألّا يكون ممّا قد عفي عنه «5».
 (تبصرة) قد تكرّر في الآيات و الروايات ذكر الوزن و الميزان يوم القيامة، كقوله تعالى في‏
__________________________________________________
 (1) سورة الزلزلة: الآية 7 و 8.
 (2) «ألف»: القطرة.
 (3) تفسير علي بن إبراهيم القميّ: ج 2 ص 433.
 (4) مجمع البيان: ج 9 و 10، ص 526.
 (5) مجمع البيان: ج 9 و 10، ص 526.

369
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
سورة الأعراف: «وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» «1» «وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ» «2» و قوله تعالى في سورة الأنبياء: «وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى‏ بِنا حاسِبِينَ» «3» إلى غير ذلك من الآيات.
و في الصحيح في خطبته صلّى اللّه عليه و آله لإقبال شهر رمضان: من أكثر فيه الصلاة عليّ ثقّل اللّه ميزانه يوم تخفّ الموازين «4».
و عنه صلّى اللّه عليه و آله: يجاء بالعبد يوم القيامة، فتوضع حسناته في كفّة و سيئاته في كفّة. الحديث «5».
و قد اختلف أهل الاسلام في الوزن المذكور و هل هو كناية عن العدل و الإنصاف و التسوية، أو المراد به الوزن الحقيقي؟ إلى كل من القولين ذهب طائفة.
و الخلاف في ذلك واقع بين أصحابنا أيضا، فممّن «6» ذهب منهم إلى القول الأول شيخنا المفيد قدّس سرّه فإنّه قال: الوزن و الموازين هو التعديل بين الأعمال و الجزاء عليها، و وضع كل منها في موضعه، و إيصال كل ذي حق حقه. و ليس الأمر في معنى ذلك على ما ذهب إليه أهل الحشو- من أنّ في القيامة موازين كموازين الدنيا لكل ميزان كفّتان، توضع الأعمال فيها- إذ الأعمال أعراض، و الأعراض لا يصحّ وزنها، و إنّما توصف بالثقل و الخفّة على وجه المجاز. و المراد بذلك أنّ ما ثقل منها هو ما كثر و استحقّ عليه عظيم الثواب، و ما خفّ منها ما قلّ قدره و لم يستحقّ عليه جزيل الثواب. و الذي ذكره اللّه تعالى في الحساب هو الموافقة على الأعمال، لأنّ من وفق على أعماله لم يتخلّص من تبعاتها، و من عفا اللّه عنه في ذلك فاز بالنجاة، و من‏
__________________________________________________
 (1) سورة الأعراف: الآية 8.
 (2) سورة المؤمنون: الآية 103.
 (3) سورة الأنبياء: الآية 47.
 (4) روضة الواعظين: ص 346.
 (5) الكشكول للشيخ البهائيّ: ص 66.
 (6) «ألف»: فمن.

370
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
ثقلت موازينه بكثرة استحقاقه الثواب «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»* «1» و من خفّت موازينه بقلّة اعمال الطاعات «فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ»* و «فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ».
و القرآن إنما نزل بلغة العرب، و حقيقة كلامها و مجازه، و لم ينزل على ألفاظ العامّة، و ما سبق إلى قلوبها من الأباطيل «2». انته.
و ممّن ذهب إلى القول الثاني شيخنا البهائيّ طاب ثراه في شرح الأربعين فإنّه قال: جمهور أهل الإسلام على هذا القول، للوصف بالخفّة و الثقل في القرآن و الحديث، و أنّ الموزون: صحائف الأعمال، أو الأعمال أنفسها بعد تجسيمها في تلك النشأة.
و الحقّ: أنّ الموزون فيها هو نفس الأعمال، لا صحائفها.
و ما يقال من أنّ تجسيم العرض طور وراء طور العقل، فكلام ظاهريّ عاميّ.
و الذي عليه الخواص من أهل التحقيق: أنّ سنخ الشي‏ء و حقيقته أمر مغاير للصورة التي يتجلّى بها على المشاعر الظاهرة، و يلبسها لدى المدارك الباطنة، و انّه يختلف ظهوره في تلك الصور بحسب اختلاف المواطن و النشآت، فيلبس في كل موطن لباسا، و يتجلبب في كل نشأة بجلباب، كما قالوا: إنّ لون الماء لون إنائه.
و أما الأصل الذي تتوارد هذه الصور عليه و يعبّرون عنه تارة بالسنخ، و تارة بالوجه، و أخرى بالروح، فلا يعلمه إلّا علام الغيوب، فلا بعد في كون الشي‏ء في موطن عرضا، و في آخر جوهرا. أ لا ترى إلى الشي‏ء المبصر فإنّه إنما يظهر لحس البصر إذا كان محفوفا بالجلابيب الجسمانيّة، ملازما لوضع خاصّ، و توسّط بين القرب و البعد المفرطين و أمثال ذلك. و هو يظهر في الحسّ المشترك عريّا عن تلك‏
__________________________________________________
 (1) سورة الأعراف: الآية 8.
 (2) بحار الأنوار: ج 7 ص 252 نقلا عن المفيد قدّس سرّه.

371
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الأربعين ص 341

..........
الامور التي كانت شرط ظهوره. لذلك، أ لا ترى إلى ما يظهر في اليقظة من صورة العلم، فإنّه في تلك النشأة أمر عرضيّ، ثم إنّه يظهر في النوم بصورة اللبن. فالظاهر في الصورتين سنخ واحد تجلّى في كل موطن بصورة، و تجلّى في كل نشأة بحلية، و تزيّا في كل عالم بزيّ، و تسمّى في كل مقام باسم، فقد تجسّم في مقام ما كان عرضا في مقام عرضا في مقام آخر و تجسّم العمل في النشأة الأخروية، و قد ورد في أحاديث متكثرة من طرق المخالف و المؤالف «1». انته.
و في المقام كلام طويل طويناه على غرّه، و قد ألّف بعض أصحابنا المتأخّرين في هذا المقام رسالة جيّدة، سمّاها ميزان الآخرة، استوفى الكلام فيها على هذا المطلب.
فمن أراد تحقيق المرام فيه فعليه بها.
قوله عليه السّلام: «و لا تعلن على عيون الملأ خبري».
علن الأمر علونا- من باب «قعد»-: ظهر و انتشر فهو عالن. و علن علنا- من باب تعب لغة- فهو علن، و الاسم العلانيّة- مخفّفة-. و أعلنته- بالألف- أظهرته. و منه قوله تعالى: «ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً» «2».
و الملأ: أشراف الناس و رؤساؤهم و مقدّموهم، و هو اسم للجماعة لا واحد له من لفظه، كالقوم.
قال الراغب: الملأ: جماعة يجتمعون على رأي، فيملأون العيون و النفوس جلالة و بهاء «3».
قال اللّه تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ» «4».
و قال الفيّوميّ: الملأ- مهموز-: أشراف القوم، سمّوا بذلك لملاءتهم بما يلتمس عندهم من المعروف، و جودة الرأي، و لأنّهم يملأون العيون أبهة، و الصدور هيبة «5»
__________________________________________________
 (1) كتاب الأربعين للشيخ البهائي: ص 63 و 64.
 (2) سورة نوح: الآية 9.
 (3) المفردات: ص 473.
 (4) سورة البقرة: الآية 246.
 (5) المصباح المنير: ص 795.

372
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
انته.
و ما وقع لغير واحد من المترجمين من تخصيص الملأ هنا بالملائكة لا وجه له.
و الظرف من قوله: «على عيون الملأ» إمّا لغو متعلّق ب «تعلن»، أو مستقرّ متعلّق بمحذوف حال من خبري قدّمت عليه لرعاية الفاصلة، و الأصل و لا تعلن خبرى ظاهرا على عيون الملأ أو بمرأى منهم و منظر، و «على» هنا بمنزلتها في قوله تعالى: «فَأْتُوا بِهِ عَلى‏ أَعْيُنِ النَّاسِ «1».
قال الزمخشريّ في الكشّاف: معنى الاستعلاء في «على» وارد على طريق التمثيل. أي يثبت إثباته في الأعين، و يتمكّن ثبات الراكب على المركوب و تمكّنه منه «2». انته.
فإن قلت: هذا المعنى لا يناسب الخبر، لأنّ الخبر إنّما يتمكّن في السمع، لا في العيون.
قلت: المراد بالخبر هنا: المخبر عنه و هو الحال أو العمل فإنّهم قد يكنّون به عنهما.
قال الراغب: قوله تعالى: «قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ» أي من أحوالكم التي يخبر عنها «3».
و قال الزمخشريّ في قوله تعالى: «وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ»: أي ما يحكى عنكم و ما يخبر به عن أعمالكم، لنعلم حسنها من قبيحها، لأنّ الخبر على حسب المخبر عنه، إن حسنا فحسن، و إن قبيحا فقبيح «4».
قال السعد التفتازانيّ: يريد أنّ بلاء الأخبار كناية عن بلاء الأعمال، و المعنى نبلوا أخباركم أي ما نخبر به عن أعمالكم، ليتميّز حسنه عن قبيحه، فيتميّز حسن الأعمال المخبر عنها عن قبيحها «5»، لأنّ الخبر عن الشي‏ء على حسب المخبر عنه، إن‏
__________________________________________________
 (1) سورة الأنبياء: الآية 61.
 (2) تفسير الكشّاف: ج 3 ص 124.
 (3) المفردات: ص 142 و فيه نخبر.
 (4) تفسير الكشّاف: ج 4 ص 328.
 (5) «ألف»: قبحها.

373
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
حسن حسن، و إن قبح قبح «1». انته.
و قال السراج الفارسيّ في الكشف: قوله: لأنّ الخبر على حسب المخبر عنه، و هو العمل كذلك. فصحّ أن يجعل كناية عن بلاء الأعمال، و يكون أبلغ «2». انته.
إذا عرفت ذلك فإن حملت الخبر على العمل في الآخرة، أمكن أن يستأنس بهذه العبارة على تجسّم الأعمال في تلك الدار، لأنّها إذا تجسّمت تعلّقت بالعيون لا بالأسماع، و لذلك قال عليه السّلام: «على عيون الملأ» و لم يقل على أسماعهم، فتأمّله، فإنّه نفيس جدا.
 [ 1082] قوله عليه السّلام: «و أخف عنهم ما يكون نشره عليّ عارا».
الإخفاء: يقابل الإبداء و الإعلان.
قال تعالى: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها» «3»، و قال: «وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ «4».
و نشر الخبر نشرا- من باب قتل-: بثّه و أشاعه. و أصله من نشر الثوب و هو بسطه.
و في الأساس: نشر الخبر: أذاعه، و انتشر الخبر في الناس «5».
و العار: كل شي‏ء يلزم منه عيب و مذمّة. و أصله الياء.
و طوى عنّي الحديث: كتمه. و أصله من طيّ الثوب.
و الشّنار- بالفتح-: أقبح العيب و العار، و الأمر المشهور بالشنعة، كذا في القاموس «6».
و عندك: أي في حكمك كقوله تعالى: «إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» «7» و كأنّه احتراز عما يعدّه الجهلاء عيبا و عارا، و ليس به بأس عند اللّه تعالى. و اللّه اعلم‏
__________________________________________________
 (1) لم نعثر على كتابه.
 (2) لم نعثر على كتابه.
 (3) سورة البقرة: الآية 271.
 (4) سورة الممتحنة: الآية 1.
 (5) أساس البلاغة: ص 456.
 (6) القاموس المحيط: ج 2 ص 64.
 (7) سورة الأنفال: الآية 32.

374
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

 [ 1083] شرِّف درجتي برضوانك، و أكمل كرامتي بغفرانك، و أنظمني في أصحاب اليمين، و وجّهني في مسالك الآمنين، و اجعلني في فوج الفائزين، و اعمر بي مجالس الصّالحين، آمين ربّ العالمين.
الشّرف- بفتحتين-: العلوّ شرف: ككرم فهو شريف، و شرّفه تشريفا أعلاه.
و أصله من الشرف، و هو المكان المشرف العالي، ثمّ استعمل في القدر و المنزلة مجازا.
قال في الأساس: و من المجاز، لفلان شرف- و هو علوّ المنزلة- و شرّفه اللّه «1».
و الدرجة: واحدة الدرج، و هي المرقاة، كقصبة و قصب.
قال الراغب: الدرجة نحو المنزلة، لكن يقال للمنزلة درجة إذا اعتبرت بالصعود، دون الامتداد على البسيطة، كدرجة السطح و السلّم، و يعبّر بها عن المنزلة الرفيعة. قال اللّه تعالى: «وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» تنبيه لرفعة درجة الرجال عليهنّ في العقل و السياسة، و قال تعالى: «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ» أي أولوا درجات «2».
و الرضوان- بكسر الراء، و قيس و تميم يضمّونها-: قيل: هو بمعنى الرضا، و قيل.
هو الكثير من الرضا، و لذلك خصّ في القرآن بما كان من اللّه تعالى، لما كان أعظم الرضا رضاه سبحانه.
و كمل الشي‏ء كمولا- من باب قعد- تمّ، و الاسم الكمال.
و قيل: الكمال: أمر زائد على التمام، لأنّ التمام يرد على الناقص فيتمّه، و الكمال يرد على التمام «3» فيكمل أوصافه.
و قيل: كمال الشي‏ء حصول ما فيه الغرض منه، فإذا قيل: كمل فمعناه حصل ما هو الغرض منه، قال تعالى: «وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ» «4»
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 327.
 (2) المفردات: ص 167 مع اختلاف يسير في بعض الفاظ العبارة.
 (3) «ألف»: التامّ.
 (4) سورة البقرة: الآية 233.

375
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
تنبيها على أنّ ذلك غاية ما يتعلّق به إصلاح الولد. و يتعدّى كمل بالهمزة و التضعيف، فيقال: أكملته إكمالا، و كمّلته تكميلا.
و الكرامة: اسم من أكرمه أي أعزّه و عظمه. و له عليّ كرامة: أي عزازة و إجلال.
و يقال: أكرمه بالشي‏ء: إذا أعطاه إيّاه عطاء على وجه الإعزاز و الإجلال.
و قوله عليه السّلام: «بغفرانك» يحتمل تعلّقه بالفعل، و بالكرامة، و بهما معا على طريق التنازع.
و نظمت الدر نظما- من باب ضرب-: جعلته و جمعته في سلك، و هو الخيط. أي اجعلني مع أصحاب اليمين و اجمعني بهم. و هو إمّا استعارة مكنيّة، أو تبعيّة.
و أصحاب اليمين خلاف أصحاب الشمال، و قد تكلّموا في الفريقين، فقيل أصحاب اليمين: أصحاب المنزلة العليّة، و أصحاب الشمال أصحاب المنزلة الدنيئة، من قولهم. فلان منّي باليمين إذا وصفته بالرفعة عندك، و عليه قول الشاعر:
و قد كنت في يمنى يديك جعلتني             فلا تجعلني بعدها في شمالكا.

و قول «1» ابن الدمينة:
أبيني في يمنى يديك جعلتني             فأفرح أم صيّرتني في شمالكا
 و من ذلك تيمّنهم بالميامن، و تشاؤمهم بالشمائل.
و قيل: الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم، و الذين يؤتونها بشمائلهم.
و قيل: الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنّة، و الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار.
و قيل: أصحاب اليمين «2» و أصحاب الشؤم، فإنّ السعداء ميامين على أنفسهم بطاعاتهم، و الأشقياء مشائيم على أنفسهم بمعاصيهم. فإن قلت: كيف لم يسأل عليه‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: قال.
 (2) «ألف»: اليمن.

376
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
السّلام نظمه في السابقين الذين هم أعلى درجة من أصحاب اليمين، كما دلّ عليه قوله تعالى: «وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً. فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ. وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ. وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» «1».
و كما ورد في الحديث إنَّ السابقين هم رسل اللّه عليهم السّلام، و خاصّة اللّه من خلقه، و أصحاب اليمين هم المؤمنون «2».
و لا شكّ أنّه عليه السّلام من أقرب المقرّبين، و أشرف خاصّة ربّ العالمين، و هل يليق بالأعلى منزلة أن يسأل دون مقامه؟ قلت: يحتمل أنه عليه السّلام أدمج سؤال نظمه في السابقين في سؤال نظمه في أصحاب اليمين، فإنّ السابقين من جملة أصحاب اليمين، إلّا إنّهم أرفع طبقة، و أقرب منزلة من سائرهم، كما يدلّ عليه ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره، بسنده إلى حذيفة بن اليمان «3»، و رئيس المحدّثين بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ اللّه عزّ و جلّ قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما و ذلك قوله تعالى في ذكر أصحاب اليمين و أصحاب الشمال، و أنا خير أصحاب اليمين. ثم قسم القسمين ثلاثا فجعلني في خيرها ثلاثا لقوله عزّ و جلّ: «فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ» و أنا خير السابقين «4». الحديث.
فيكون إيثاره عليه السّلام لسؤال نظمه في أصحاب اليمين، دون السابقين لأمرين:
أحدهما: التواضع و الهضم لنفسه الشريفة من ترشيحها لذلك، كما هو دأبه‏
__________________________________________________
 (1) سورة الواقعة: الآية 6 و 7 و 8 و 9 و 10.
 (2) البرهان في تفسير القرآن: ج 4 ص 274 ح 3.
 (3) تفسير عليّ بن إبراهيم القميّ: ج 2 ص 347.
 (4) البرهان في تفسير القرآن: ج 4 ص 275 ح 5.

377
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
عليه السّلام في دعائه.
الثاني: كون أصحاب اليمين أكثر من السابقين، كما قالوا في قول يوسف عليه السّلام «تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» «1». إنّه إن أراد بالصالحين الصالحين من آبائه فظاهر، و إن أراد الإلحاق بعامّة الصالحين، فوجهه إن اجتماع النفوس المشرقة «2» بالأنوار الإلهيّة له أثر عظيم، و فوائد جمّة، كالمرايا المستنيرة المتقابلة التي تتعاكس أضواؤها، و تتكامل أنوارها، إلى حيث لا تطيقها العيون الضعيفة، و كلّما كانت أكثر كانت «3» الإشراق أظهر. فلا يرد أنّ الصلاح أوّل درجات الصالحين، فكيف يليق بمن رتبته النبوّة أن يطلب البداية؟! و اللّه أعلم بمقاصد أوليائه.
 [ 1084] قوله عليه السّلام: «و وجّهني في مسالك الآمنين».
وجّهت الشي‏ء: أرسلته في جهة.
و المسالك: جمع مسلك، و هو موضع السلوك، و هو النفاذ في الطريق، يقال:
سلكت الطريق سلوكا- من باب قعد-: أي ذهبت فيه.
و الآمنين: جمع آمن، من آمن آمنا- من باب منع- إذا اطمأنّت نفسه، و زال خوفه، و كأنّه تلميح إلى قوله تعالى: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ. ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» «4»، و يجوز أن يراد بهم الآمنون من آفات الدنيا و عقوبات الآخرة.
و الفوج: الجماعة من الناس. و قيل: الجماعة المارّة السرعة.
و الفوز: الظفر بالخير مع حصول السلامة، و لذلك قال تعالى: «أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ» «5» لظفرهم بكلّ خير، و سلامتهم من كلّ شرّ.
__________________________________________________
 (1) سورة يوسف: الآية 101.
 (2) «ألف»: المشرفة.
 (3) «ألف»: كان.
 (4) سورة الحجر: الآية 45 و 46.
 (5) سورة الحشر: الآية 20.

378
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الواحد و الأربعين ص 365

..........
و العمارة: نقيض الخراب، يقال عمرت الدار- من باب قتل- إذا بنيتها أو جددت ما استرمّ منها. و عمر المنزل أهله إذا سكنوه، و أقاموا به، فعمر هو بهم، يتعدّى و لا يتعدّى، و الجميع من باب قتل.
و عمارة مجالس الصالحين: عبارة عن «1» لزومها، و كثرة إتيانها و غشيانها، لمعاشرتهم و صحبتهم و معاونتهم على الصلاح و البرّ و التقوى.
و الصالح: قيل: هو الخالص من كل فساد. و قيل: هو المقيم بما يلزمه من حقوق اللّه و حقوق الناس.
و كذا قال الزجّاج في معاني القرآن: الصالح هو الذي يؤدي ما افترض اللّه عليه، و يؤدي إلى الناس حقوقهم «2».
و آمين بالمدّ و القصر: أي استجب، و قد سبق الكلام عليه مبسوطا. و اللّه أعلم. [] هذا آخر الروضة الحادية و الأربعين من رياض السالكين، وفّق اللّه لإتمامها، و تأليف درّ نظامها، عشيّة يوم الجمعة، ثاني أيّام التشريق، من سنة أربع و مائة و ألف، و للّه الحمد.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: من.
 (2) تهذيب الأسماء و اللغات: الجزء الأول. من القسم الثاني ص 179 نقلا عنه.

379
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الثانية و الأربعون ص 381

الروضة الثانية و الأربعون‏

381
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

و كان من دعائه عليه السّلام عند ختم القرآن‏
اللهمّ إنّك اعنتنى على ختم كتابك الّذي أنزلته نورا و جعلته مهيمنا على كلّ كتاب أنزلته و فضّلته على كلّ حديث قصصته و فرقانا فرقت به بين حلالك و حرامك و قرانا اعربت به عن شرائع احكامك و كتابا فصّلته لعبادك تفصيلا و وحيا أنزلته على نبيّك محمّد صلواتك عليه و آله تنزيلا و جعلته نورا نهتدى من ظلم الضّلالة و الجهالة باتّباعه و شفاء لمن انصت بفهم التّصديق الى استماعه و ميزان قسط لا يحيف عن الحقّ لسانه و نور هدى لا يطفا عن الشّاهدين برهانه و علم نجاة لا يضلّ من أمّ قصد سنّته و لا تنال أيدي الهلكات من تعلّق بعروة عصمته اللهمّ فاذ افدتنا المعونة على تلاوته و سهّلت جواسى السنتنا بحسن عبارته فاجعلنا ممّن يرعاه حقّ رعايته و يدين لك باعتقاد التّسليم لمحكم آياته و يفزع الى الاقرار بمتشابهة و موضحات بيّناته اللّهمّ انّك أنزلته على نبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و آله مجملا و الهمته علم عجائبه مكمّلا و ورّثتنا علمه مفسّرا و فضّلتنا على من جهل علمه و قوّيتنا عليه‏
 

383
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

لترفعنا فوق من لم يطق حمله اللهمّ فكما جعلت قلوبنا له حملة و عرّفتنا برحمتك شرفه و فضله فصلّ على محمّد الخطيب به و على آله الخزّان له و اجعلنا ممّن يعترف بانّه من عندك حتّى لا يعارضنا الشكّ في تصديقه و لا يختلجنا الزّيغ عن قصد طريقه اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجعلنا ممّن يعتصم بحبله و يأوى من المتشابهات إلى حرز معقله و يسكن في ظلّ جناحه و يهتدى بضوء صباحه و يقتدى بتبلّج اسفاره و يستصبح بمصباحه و لا يلتمس الهدى في غيره اللّهمّ و كما نصبت به محمّدا علما للدّلالة عليك و انهجت بآله سبل الرّضا إليك فصلّ على محمّد و آله و اجعل القرآن وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة و سلّما نعرج فيه إلى محلّ السّلامة و سببا نجزى به النّجاة في عرصة القيامة و ذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و احطط بالقرآن عنّا ثقل الأوزار و هب لنا حسن شمائل الأبرار واقف بنا آثار الّذين قاموا لك به آناء اللّيل و أطراف النّهار حتّى تطهّرنا من كلّ دنس بتطهيره و تقفو بنا آثار الّذين استضاءوا بنوره و لم يلههم الأمل عن العمل فيقطعهم‏
 

384
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

بحدع غروره اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجعل القرآن لنا في ظلم اللّيالي مونسا و من نزغات الشّيطان و خطرات الوساوس حارسا و لأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابسا و لألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرسا و لجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا و لما طوت الغفلة عنّا من تصفّح الاعتبار ناشرا حتّى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه و زواجر أمثاله الّتى ضعفت الجبال الرّواسى على صلابتها عن احتماله اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و ادم بالقرآن صلاح ظاهرنا و احجب به خطرات الوساوس عن صحّة ضمائرنا و اغسل به درن قلوبنا و علائق اوزارنا و اجمع به منتشر أمورنا و ارو به في موقف العرض عليك ظما هواجرنا و اكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجبر بالقرآن خلّتنا من عدم الإملاق و سق إلينا به رغد العيش و خصب سعة الأرزاق و جنّبنا به الضّرائب المذمومة و مدانى الأخلاق و اعصمنا به من هوّة الكفر و دواعي النّفاق حتّى يكون لنا في القيامة إلى رضوانك و جنانك قائدا و لنا في الدّنيا عن سخطك و تعدّى حدودك ذائدا و لما عندك بتجليل حلاله و تحريم حرامه‏
 

385
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

شاهدا اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و هوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السّياق و جهد الأنين و ترادف الحشارج إذا بلغت النفوس التّراقى و قيل من راق و تجلّى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب و رماها عن قوس المنايا باسهم وحشة الفراق و داف لها من ذعاف الموت كأسا مسمومة المذاق و دنى منّا إلى الآخرة رحيل و انطلاق و صارت الأعمال قلائد في الأعناق و كانت القبور هي المأوى الى ميقات يوم التّلاق اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و بارك لنا في حلول دار البلى و طول المقامة بين اطباق الثّرى و اجعل القبور بعد فراق الدّنيا خير منازلنا و افسخ لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا و لا تفضحنا في حاضرى القيامة بموبقات آثامنا و ارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذلّ مقامنا و ثبّت به عند اضطراب جسر جهنّم يوم المجاز عليها زلل اقدامنا و نجّنا به من كلّ كرب يوم القيامة و شدائد أهوال يوم الطامّة و بيّض وجوهنا يوم تسودّ وجوه الظلمة في يوم الحسرة و النّدامة و اجعل لنا في صدور المؤمنين ودّا و لا تجعل الحياة علينا نكدا اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك و رسولك كما بلّغ رسالتك و صدع‏

386
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

بامرك و نصح لعبادك اللّهمّ اجعل نبيّنا صلواتك عليه و على آله يوم القيامة أقرب النّبيّين منك مجلسا و امكنهم منك شفاعة و اجلّهم عندك قدرا و اوجههم عندك جاها اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و شرّف بنيانه و عظّم برهانه و ثقّل ميزانه و تقبّل شفاعته و قرّب وسيلته و بيّض وجهه و أتمّ نوره و ارفع درجته و احينا على سنّته و توفّنا على ملّته و خذ بنا منهاجه و اسلك بنا سبيله و اجعلنا من أهل طاعته و احشرنا في زمرته و أوردنا حوضه و اسقنا بكاسه و صلّ اللهمّ على محمّد و آله صلواة تبلّغه بها أفضل ما يأمل من خيرك و فضلك و كرامتك إنّك ذو رحمة واسعة و فضل كريم اللّهمّ اجزه بما بلّغ من رسالاتك و أدّى من آياتك و نصح لعبادك و جاهد في سبيلك أفضل ما جزيت أحدا من ملائكتك المقرّبين و انبيائك المرسلين المصطفين و السّلام عليه و على آله الطّيّبين الطّاهرين و رحمة اللّه و بركاته‏

387
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 388

[مقدمة الشارح‏]
 [] (الروضة الثانية و الأربعون) بسم اللّه الرحمن الرحيم و إيّاه نستعين الحمد للّه الذي أنزل القرآن هدى للناس، و بيّنات من الهدى و الفرقان، و الصلاة على نبيّه الفاتح الخاتم، سيّد ولد عدنان، الذي ختم بشريعته الشرائع، و نسخ بدينه الأديان، و على أهل بيته الذين حتم طاعتهم على الأنس و الجان، و أقام بهم أساس الدين، و عماد اليقين، و كهف الإيمان.
فهذه الروضة الثانية و الأربعون من رياض السالكين، في شرح صحيفة سيّد العابدين صلّى اللّه عليه و على آبائه «1»، و أبنائه الأئمّة الهادين. إملاء راجي فضل ربّه السنيّ، عليّ صدر الدين الحسينيّ الحسنيّ، ختم اللّه بالحسنى عمله، و بلّغه في الدّارين أمله، إنّه وليّ ذلك.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: صلّى اللّه عليه و آله.

388
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

شرح الدعاء الثاني و الأربعين‏
و كان من دعائه عليه السّلام عند ختم القرآن القرآن: اسم للكتاب المنزل على نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما أنّ التوراة اسم للكتاب المنزل على موسى عليه السّلام، و الإنجيل اسم للكتاب المنزل على عيسى عليه السّلام، و الزبور اسم للكتاب المنزل على داود عليه السّلام. و عرّف بأنّه كلام منزل للإعجاز بسورة من مثله. و اختلف العلماء في لفظه:
فقال جماعة: هو اسم علم غير مشتقّ، خاصّ بكلام اللّه، فهو غير مهموز و به قرأ ابن كثير «1».
و قال قوم: هو مشتقّ من قرنت الشي‏ء بالشي‏ء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر.
و سمّي به لقرآن السور و الآيات و الحروف فيه «2».
و قال الفرّاء: هو مشتقّ من القرائن، لأن الآيات منه يصدّق بعضها بعضا، و يشابه بعضها بعضا و هي قرائن. و على القولين هو بلا همز أيضا و نونه أصليّة «3».
و قال الزجّاج: هذا القول سهو، و الصحيح إنّ ترك الهمز فيه من باب التخفيف، و نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها «4».
__________________________________________________
 (1) روح المعاني: ج 1 ص 8.
 (2) تفسير روح المعاني: ج 1 ص 8.
 (3) تهذيب الأسماء و اللغات: الجزء الثاني من القسم الثاني ص 84.
 (4) تهذيب الأسماء و اللغات: الجزء الثاني من القسم الثاني ص 84.

389
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و اختلف القائلون بأنّه مهموز، فقال قوم منهم اللحيّاني: هو مصدر لقرأت كالرجحان و الغفران، سمّي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر «1».
و قال آخرون منهم الزّجاج: هو وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع، و منه قرأت الماء في الحوض، أي جمعته «2».
قال أبو عبيدة: و سمّي بذلك لأنّه جمع السور بعضها إلى بعض «3».
و قال الراغب: لا يقال لكل جمع قرآن، و لا لجمع كل كلام قرآن. قال: و إنما سمّي قرآنا، لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة، و قيل لأنه جمع أنواع العلوم كلها «4».
و حكى قطرب قولا: إنّه إنّما سمّي قرآنا، لأن القارئ يظهره و يبيّنه من فيه، أخذا من قول العرب ما قرأت النّاقة سلى قط أي ما رمت بولد أي ما اسقطت ولدا، أي ما حملت قط «5» و القرآن يلفظه القارئ من فيه و يلقيه، فسمّي قرآنا.
قال الجاحظ: سمى اللّه كتابه اسما مخالفا لما سمّى العرب كلامهم على الجمل و التفصيل، سمّى جملته قرآنا كما سمّوا ديوانا، و بعضه سورة كقصيدة، و بعضها آية كالبيت، و آخرها فاصلة كقافية «6». انته.
و للقرآن أسماء أخر سيأتي ذكرها في صدر الدعاء، و اشتهر تسميته بالمصحف.
قال في القاموس: المصحف- مثلّثة الميم- من أصحف- بالضمّ- أي جعلت فيه‏
__________________________________________________
 (1) تفسير روح المعاني: ج 1 ص 8.
 (2) تفسير روح المعاني: ج 1 ص 8 نقلا عنه.
 (3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ج 1 ص 1- 2 (الطبعة الاولى سنة 1374 ه- 1954 م) بمصر.
 (4) المفردات: ص 402.
 (5) تهذيب الأسماء و اللغات: الجزء الثاني من القسم الثاني ص 84.
 (6) تهذيب الاسماء و اللغات للنووي: الجزء الثاني عن القسم الثاني ص 84.

390
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الثانية و الأربعون ص 381

..........
الصحف «1».
و قال الراغب: المصحف ما جعل جامعا للصحف المكتوبة و جمعه مصاحف «2».
و قال الفيّوميّ: ضمّ الميم أشهر من كسرها «3»، و لم يذكر الفتح.
و في المقام مسائل:
الأولى: قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ قدّس سرّه في كتاب الاعتقاد «4» ما نصّه:
اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله اللّه تعالى على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما بين الدّفتين، و هو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك. و مبلغ سوره عند الناس مائة و أربع عشرة سورة، و عندنا أنّ الضحى و ألم نشرح سورة واحدة، و لإيلاف و ألم تركيف سورة واحدة، و من نسب إلينا بأنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب «5»، انته.
و قال أمين الإسلام الطبرسيّ: أمّا الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانه، و أمّا النقصان منه فقد روى بعض أصحابنا و قوم من حشويّة العامّة أنّ في القرآن تغييرا و نقصانا، و الصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، و هو الذي نصره المرتضى قدّس اللّه روحه، و ذكر أنّ القرآن كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مجموعا مؤلّفا على ما هو الآن عليه، و استدلّ على ذلك بأن القرآن كان يدرس و يحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتّى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له،
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 3، ص 161.
 (2) المفردات: ص 275.
 (3) المصباح المنير: ص 456.
 (4) هكذا في الأصل. و الصحيح الاعتقادات.
 (5) الاعتقادات (للصدوق ره): في ضمن شرح باب الحادي عشر: ص 93.

391
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و أنّه كان يعرض على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يتلى عليه، و أنّ جماعة من الصحابة مثل عبد اللّه بن مسعود و أبيّ بن كعب و غيرهما ختموا القرآن على النبيّ عليه السّلام عدّة ختمات. و كلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعا مرتبا، غير مبتور و لا مبثوث، و ذكر أن من خالف في ذلك من الإماميّة و الحشويّة لا يعتد بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث، نقلوا أخبارا ضعيفة ظنّوا صحتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته «1». انته.
و قال بعض المتأخرين من أصحابنا: إسقاط بعض القرآن و تحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تأمّل في كتب الأحاديث من أوّلها إلى آخرها، و دلّت الأخبار على وجود مصحف غير هذا المشهور بين الناس، و هو موجود عند أهله، و الظاهر إنّا مأمورين بقراءة ما في هذا القرآن و لا يجوز لنا الزيادة على ما فيه بما ورد في بعض الروايات أنّه اسقط منه «2». انته.
و أمّا العامّة فرووا أخبارا كثيرة في وقوع النقصان من القرآن، فمن ذلك ما رواه أبو عبيد بسنده عن ابن عمر، قال: لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه، و ما يدريه ما كلّه، قد ذهب منه قرآن كثير. و لكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر «3».
و بسنده عن عائشة قالت كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مائتي آية، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّا ما على ما هو الآن «4».
و بسنده عن زر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب: كائن تعدّ سورة الأحزاب؟ قلت: اثنتين و ستين آية، أو ثلاثا و ستين آية قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة «5».
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان: ج 1 و 2 ص 15.
 (2) التبيان: ج 1 ص 3.
 (3) البيان في تفسير القرآن: ص 220- 221.
 (4) تفسير روح المعاني: ج 21 ص 142 مع اختلاف.
 (5) تفسير روح المعاني: ج 21 ص 142 مع اختلاف.

392
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

..........
و روى السيوطيّ في الدر المنثور، و منه نقلت قال: أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أيّها الرّسول بلغ ما أنزل إليك من ربّك إنّ عليّا مولى المؤمنين و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته، و اللّه يعصمك من الناس «1».
و الروايات من طرقهم في هذا المعنى كثيرة جدا، لكنّهم أجمعوا على ما تضمّنته هذه المصاحف المشهورة بين الناس، و ترك ما خالفها من زيادة و نقص، و إبدال كلمة باخرى ممّا لم يثبت ثبوتا مستفيضا أنّه من القرآن. و اللّه أعلم.
الثانية: اتّفقت العامّة على أن القرآن نزل على سبعة أحرف، و رووا في ذلك حديثا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف كلّها شاف كاف «2». و نصّ أبو عبيدة على تواتره «3». و اختلفوا في معناه على نحو أربعين قولا:
أحدها: أنّه من المشكل الذي لا يدرى معناه، لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء، و على الكلمة، و على المعنى، و على الجهة «4».
و قال أبو شامة: ظنّ قوم أنّ القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث. و هو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، و إنّما يظنّ ذلك بعض أهل الجهل «5».
و قال محمّد بن أبي الصفرة: القراءات السبع التي يقرأها الناس، إنّما هو حرف واحد من تلك الأحرف السبعة «6».
__________________________________________________
 (1) الدرّ المنثور: ج 2، ص 298.
 (2) مجمع البيان: ج 1- 2 ص 12، تفسير الطبري ج 1 ص 11.
 (3) تفسير روح المعاني، ج 1 ص 20.
 (4) تفسير روح المعاني: ج 1- ص 20.
 (5) نقله عنه السيوطي في الاتقان: ج 1 ص 274. ط أمير
 (6) الجامع لأحكام القرآن: ج 1 ص 46.

393
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

..........
و روى ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن، أو صحيح عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الناس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال: كذبوا أعداء اللّه، و لكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد «1».
و روى بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، و لكنّ الاختلاف يجي‏ء من قبل الرواة «2».
قال بعض أصحابنا: دلّ هذا الحديث على أنّ ذلك الحرف الواحد المنزل التبس بغيره على الامة لأجل اختلاف الرواة، فيجوز لهم القراءة بأحد هذه القراءات المشهورة، حتّى يظهر الأمر، كما دلّ عليه حديث سفيان بن السمط قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تنزيل القرآن قال: اقرأوا كما علّمتم «3».
و حديث سالم بن سلمة عنه عليه السّلام: اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللّه عزّ و جلّ على حدّة «4».
و الرواية عن أبي الحسن عليه السّلام: اقرؤا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم «5».
و قال أمين الإسلام الطبرسيّ: الظاهر من مذهب الإماميّة أنّهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القرّاء بينهم من القراءات، إلّا أنّهم اختاروا القراءة بما جاز بين القرّاء و كرهوا تجريد قراءة مفردة. و الشائع بينهم أنّ القرآن نزل بحرف واحد «6» انته.
الثالثة: روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن محمّد بن عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أقرا القرآن في ليلة؟ قال: لا يعجبني أن تقرأه في أقل من شهر «7».
و بسنده عن عليّ بن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2، ص 630، ح 13.
 (2) الكافي: ج 2، ص 630، ح 12.
 (3) الكافي: ج 2، ص 631، ح 15.
 (4) الكافي: ج 2، ص 633، ح 23.
 (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 821 ح 2.
 (6) مجمع البيان: ج 1، ص 12.
 (7) الكافي: ج 2، ص 617، ح 1.

394
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

..........
أبو بصير: جعلت فداك أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال: لا. قال: ففي ليلتين؟ قال: لا، قال: ففي ثلاث؟ قال: ها، و أشار بيده. ثمّ قال: يا أبا محمّد، إنّ لرمضان حقّا و حرمة لا يشبهه شي‏ء من الشهور، و كان أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرأون «1» القرآن في شهر أو أقل. إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة، و لكن يرتلّ ترتيلا، و إذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فقف عندها و اسأل اللّه الجنّة، و إذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها و تعوّذ باللّه من النار «2».
قال الجوهريّ: الهذرمة: السرعة في القراءة «3».
و قال الزمخشريّ: هي السرعة في الكلام و المشي «4».
الرابعة: روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: و قد روي هذا الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من استمع حرفا من كتاب اللّه العزيز من غير قراءة، كتب اللّه عزّ و جلّ له به حسنة، و محا عنه سيئة، و رفع له درجة. و من قرأه نظرا من غير صلاة، كتب اللّه له بكل حرف حسنة، و محا عنه سيئة، و رفع له درجة. و من تعلّم منه حرفا ظاهرا كتب اللّه له عشر حسنات، و محا عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات. قال: لا أقول بكل آية، و لكن بكل حرف باء أو تاء أو شبههما. قال: و من قرأ حرفا و هو جالس في صلاته، كتب اللّه له به خمسين حسنة، و محا عنه خمسين سيئة، و رفع له خمسين درجة. و من قرأ حرفا و هو قائم في صلاة كتب اللّه له مائة حسنة، و محا عنه مائة سيئة، و رفع له مائة درجة. و من ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخّرة أو معجّلة. قال: قلت جعلت فداك ختمه كله؟ قال: ختمه كله «5».
__________________________________________________
 (1) و في المصدر: يقرأ أحدهم.
 (2) الكافي: ج 2، ص 617، ح 2.
 (3) الصحاح: ج 5، ص 2057.
 (4) الفائق في غريب الحديث: ج 4 ص 99.
 (5) الكافي: ج 2، ص 612، ج 6.

395
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

..........
و عن الحسين بن عليّ عليهما السّلام قال: من قرأ آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ في صلاته قائما يكتب له بكل حرف مائة حسنة، فإن قرائها في غير صلاة كتب اللّه له بكل حرف عشر حسنات و إن استمع القرآن كتب اللّه له بكلّ حرف حسنة، و إن ختم القرآن ليلا صلّت عليه الملائكة حتّى يصبح، و إن ختمه نهارا صلّت عليه الحفظة حتّى يسمي، و كانت له دعوة مجابة، و كان خيرا له ممّا بين السّماء «1».
و الأرض «2».
و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من ختم القرآن بمكّة من جمعة إلى جمعة، أو أقلّ من ذلك أو أكثر، و ختمه في يوم جمعة كتب له من الأجر و الحسنات من أول جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة يكون فيها. و إن ختمه في سائر الأيّام فكذلك «3».
الخامسة: روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن الزهريّ قال: قلت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الحالّ المرتحل، قلت: و ما الحالّ المرتحل؟ قال: فتح القرآن و ختمه كلّما جاء بأوّله ارتحل في آخره، أي عمل الحالّ المرتحل «4»، فالكلام على حذف مضاف.
و روت العامة هذا الحديث بعدّة طرق و متون مختلفة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
فعن ابن عبّاس أن رجلا قال: يا رسول اللّه أيّ الأعمال أفضل؟ قال: عليك بالحالّ المرتحل، قال و ما الحالّ المرتحل؟ قال: فتح القرآن و ختمه، صاحب القرآن يضرب من أوّله إلى آخره، و من آخره إلى أوّله، كلّما حلّ ارتحل «5».
و عن أبي هريرة إن رجلا قام إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه:
__________________________________________________
 (1) «ألف»: إلى الأرض.
 (2) الكافي: ج 2 ص 611 ح 3.
 (3) الكافي: ج 2، ص 612، ح 4.
 (4) الكافي: ج 2، ص 605، ح 7.
 (5) النشر في القراءات العشر: ج 2 ص 445.

396
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

..........
أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه؟ قال: الحالّ المرتحل، فقال: يا رسول اللّه، و ما الحالّ المرتحل؟ قال صاحب القرآن يضرب من أوّله إلى آخره، و من آخره إلى أوّله كلّما حلّ ارتحل «1».
و عن زيد بن أسلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سئل: أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: الحالّ المرتحل «2».
قال ابن قتيبة: الحالّ: هو الخاتم للقرآن شبّه برجل سافر، فسار حتّى إذا بلغ المنزل حلّ به. كذلك تالي القرآن يتلوه حتّى إذا بلغ آخره وقف عنده. و المرتحل:
المفتتح للقرآن، شبّه بالمرتحل أراد سفرا فافتتحه بالمسير «3».
و قال الزمخشريّ في الفائق: أراد بالحالّ المرتحل المواصل لتلاوة القرآن الذي يختتمه ثم يفتتحه، شبّهه بالمسافر الذي لا يقدم على أهله فيحلّ الّا أنشأ سفرا آخر فارتحل «4».
و أخرج الداني بسنده عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا قرأ قل أعوذ بربّ الناس افتتح من الحمد، ثمّ قرأ من البقرة إلى «وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، ثم دعا بدعاء الختمة، ثمّ قام «5».
قال الشيخ شمس الدين محمّد بن محمّد بن الجزريّ: و صار العمل على هذا في أمصار المسلمين، حتّى لا يكاد واحد يختم ختمة إلّا و شرع في الأخرى، سواء ختم ما شرع فيه أو لم يختمه، نوى ختمها أو لم ينوه، بل جعل ذلك عندهم من سنّة الختم، و يسمّون من يفعل هذا الحالّ المرتحل، أي الذي يحلّ في قراءته آخر الختمة و ارتحل إلى ختمة أخرى.
و عكس بعض أصحابنا هذا التفسير كالسخاويّ و غيره فقالوا: الحالّ المرتحل‏
__________________________________________________
 (1) النشر في القراءات العشر: ج 2 ص 447.
 (2) النشر في القراءات العشر: ج 2 ص 447.
 (3) النشر في القراءات العشر: ج 2 ص 447- 448.
 (4) الفائق في غريب الحديث: ج 1 ص 308.
 (5) النشر في القراءات العشر: ج 2 ص 444.

397
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

..........
الذي يحلّ في ختمه عند فراغه من أخرى. و الأوّل أظهر و هو الذي يدلّ عليه تفسير الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أفضل الأعمال الحالّ المرتحل «1». انته كلام ابن الجزري.
قلت: تفسير السخاويّ و غيره أوفق «2» بالحديث المرويّ عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام كما لا يخفى. و حاول بعض الأصحاب تطبيقه على التفسير الأوّل، فقال: كأنّ قوله عليه السّلام في آخره ظرف للانتقال منه إلى أوّله، و لو كانت في بمعنى من لكان أظهر. و اللّه أعلم.
السادسة: لا ريب في استحباب الدعاء عند قراءة القرآن، و عند ختمه، كما وردت به روايات عن أرباب العصمة عليهم السّلام.
أمّا الدعاء عند قراءته فعقد له ثقة الإسلام في الكافي بابا و ذكر فيه دعاء طويلا قال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يدعو به عند قراءة كتاب اللّه عزّ و جلّ «3».
و ذكر السيّد عليّ بن طاووس برّد اللّه مضجعه في كتاب الإقبال قال: روينا بإسنادنا إلى يونس بن عبد الرحمن، عن عليّ بن ميمون الصائغ أبي الأكراد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه كان من دعائه إذا أخذ مصحف القرآن الجامع قبل أن يقرأ القرآن، و قبل أن ينشره، يقول حين يأخذ «4» بيمينه: بسم اللّه، اللّهمّ إني أشهد أنّ هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كتابك الناطق على لسان رسولك، و فيه حكمك و شرائع دينك، أنزلته على نبيّك، و جعلته عهدا منك إلى خلقك، و حبلا متّصلا فيما بينك و بين عبادك. اللهمّ إنّي نشرت عهدك و كتابك، اللهمّ فاجعل نظري عبادة، و قراءتي تفكّرا، و فكري اعتبارا، و اجعلني ممن أتعظ ببيان مواعظك فيه، و أجتنب معاصيك، و لا تطبع عند
__________________________________________________
 (1) النشر في القراءات العشر: ج 2 ص 444.
 (2) «ألف»: أوثق.
 (3) الكافي: ج 2، ص 573، ح 1.
 (4) «ألف»: يأخذه.

398
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

..........
قراءتي كتابك على قلبي، و لا على سمعي، و لا تجعل على بصري غشاوة، و لا تجعل قراءتي قراءة لا تدبّر فيها، بل اجعلني أتدبّر آياته و أحكامه، آخذا بشرائع دينك، و لا تجعل نظري فيه غفلة، و لا قراءتي هذرمة، إنّك أنت الرءوف الرحيم «1».
و أمّا الدّعاء عند ختمه فوردت به روايات من طرق العامة و الخاصّة.
أما من طرق العامّة فأحسنها ما رواه فخر خوارزم الموفّق بن أحمد أبو المؤيّد في كتاب المناقب، بسنده المتّصل عن عاصم، عن زرّ بن حبيش قال: قرأت القرآن من أوّله إلى آخره، في مسجد الجامع بالكوفة، على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فلمّا بلغت الحواميم قال لي: قد بلغت عرائس القرآن، فلمّا بلغت رأس العشرين من «حم عسق» و «الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير» بكى حتى ارتفع نحيبه، ثمّ رفع رأسه إلى السماء و قال: يا زرّ امّن على دعائي ثم قال: «اللهمّ إني أسالك إخبات المخبتين، و إخلاص الموقنين، و مرافقة الأبرار، و استحقاق حقائق الإيمان، و الغنيمة من كلّ برّ، و السلامة من كل إثم، و وجوب رحمتك، و عزائم مغفرتك، و الفوز بالجنّة، و النجاة من النار». يا زرّ إذا ختمت فادع بهذا فإنّ حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمرني أن أدعو بهنّ عند ختم القرآن «2».
و أمّا من طرق الخاصة فأشهرها دعاء الصحيفة الكاملة الذي نحن بصدد شرحه.
و ذكر السيّد عليّ بن طاووس قدّس اللّه روحه «3» باسناده المتقدم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كان يقول عند الفراغ من قراءة بعض القرآن العظيم: اللهمّ إنّي قرأت ما قضيت من كتابك الذي أنزلته على نبيّك محمّد صلواتك عليه‏
__________________________________________________
 (1) الإقبال: ص 110.
 (2) المناقب للخوارزميّ: ص 43.
 (3) «ألف»: قدّس اللّه سرّه.

399
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن ص 383

..........
و رحمتك، فلك الحمد ربّنا، و لك الشكر و المنّة على ما قدّرت و وفّقت. اللهمّ اجعلني ممّن يحلّ حلالك، و يحرّم حرامك، و يجتنب معاصيك، و يؤمن بمحكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و اجعله لي شفاء و رحمة، و حرزا و ذخرا. اللهمّ اجعله لي انسا في قبري، و أنسا في حشري، و انسا في نشري، و اجعل لي بركة بكل آية قرأتها، و ارفع لي بكل حرف درسته درجة في أعلى عليّين، آمين يا ربّ العالمين، اللهمّ صلّى على محمّد نبيّك و صفيّك، و نجيبك و دليلك «1»، و الداعي إلى سبيلك، و على أمير المؤمنين وليّك و خليفتك من بعد رسولك، و على أوصيائهما المستحفظين دينك «2»، المستودعين حقك، و عليهم أجمعين السلام و رحمة اللّه و بركاته «3».
السابعة: القراءة في المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب، لأنّ النظر فيه عبادة مطلوبة.
روى ثقة الإسلام في الكافي، بسنده عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: جعلت فداك إنّي أحفظ القرآن على ظهر قلبي، فأقرأه على ظهر قلبي أفضل، أو أنظر في المصحف؟ قال: فقال لي: بل أقرأه، و انظر في المصحف فهو أفضل. أما علمت أنّ النظر في المصحف عبادة «4».
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: من قرأ في المصحف متع ببصره، و خفّف على والديه، و إن كانا كافرين «5».
الثامنة: لا بأس بتكرير الآية و ترديدها فقد روي عن أبي ذر رضي اللّه عنه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قام بآية يردّدها حتى أصبح «إن تعذبهم فإنهم عبادك» «6» الآية.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: و وليّك.
 (2) «ألف»: بدينك.
 (3) الإقبال: ص 111.
 (4) الكافي: ج 2 ص 613- 614، ح 5.
 (5) الكافي: ج 2، ص 613، ح 1.
 (6) الدر المنثور: ج 2، ص 350.

400
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و عن الزهريّ: كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا قرأ «مالك يوم الدين» يكرّرها حتى كاد أن يموت «1».
و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه كان يصلّي في بعض الأيّام، فخرّ مغشيّا عليه في أثناء الصلاة، فسئل عن ذلك فقال: ما زلت أردّد هذه الآية حتى سمعتها من قائلها «2».
قال بعض العارفين: إنّ لسان الصادق عليه السّلام كان في ذلك الوقت كشجرة الطور عند قوله: «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ» «3».
التاسعة: يستحب التوسّط في القراءة بين الإخفاء و الجهر، كما قال تعالى:
 «وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا» «4».
فعن الصادق عليه السّلام: الجهر: رفع الصوت عاليا، و المخافتة: ما لم تسمع نفسك «5».
و عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان، فقال: إنّما تراني. بهذا أهلك و الناس، قال: يا أبا محمّد، اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، و رجّع بالقرآن صوتك فإنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ الصوت الحسن، يرجّع ترجيعا «6».
العاشرة: يستحب البكاء عند قراءة القرآن، و التباكي لمن لا يقدر عليه، و الحزن و الخشوع. قال تعالى: «وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً» «7».
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرأوه بالحزن» «8».
و عن حفص بن غياث: ما رأيت أشدّ خوفا على نفسه من موسى بن جعفر
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2، ص 602، ح 13.
 (2) فلاح السائل لابن طاووس: ص 103- 104.
 (3) طه: الآية 14.
 (4) الاسراء: الآية 110.
 (5) وسائل الشيعة: ج 4، ص 774، ح 6.
 (6) الكافي: ج 2، ص 616، ح 13.
 (7) الإسراء: الآية 109.
 (8) الكافي: ج 2، ص 614، ح 2.

401
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
عليهما السّلام، و لا أرجأ للناس منه، و كانت قراءته حزنا، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنسانا «1».
الحادية عشرة: يسنّ الترتيل في قراءة القرآن قال تعالى: «وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» «2».
روى ثقة الإسلام بسنده عن عبد اللّه بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ «وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: بيّنه تبيانا، و لا تهذّه هذّ الشعر، و لا تنثره نثر الرمل، و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، و لا يكون همّ أحدكم آخر السّورة «3».
و عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها: أنها نعتت قراءة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قراءة مفسّرة حرفا حرفا «4».
و اعلم أنّه لا خلاف بين العلماء: أنّ هذّ القراءة و هو الإسراع فيها، إذا أفضى إلى لفّ الكلمات، و عدم إقامة الحروف، لا يجوز لأنّه لحن. و أما بعد إقامتها فالأفضل عندنا و عند أكثر العامّة الترتيل.
قال في شرح المهذّب: و اتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع. قالوا: و قراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزءين في قدر ذلك الزمان بلا ترتيل. قالوا:
و استحباب الترتيل للتدبّر، و لأنّه أقرب إلى الإجلال و التوقير، و أشدّ تأثيرا في القلب. و لهذا يستحبّ للأعجميّ الذي لا يفهم معناه «5» انته.
قال بعضهم: و كمال الترتيل تفخيم ألفاظه، و الإبانة عن حروفه، و أن لا يدغم حرفا في حرف.
و قيل: هذا أقلّه، و أكمله أن يقرأه على منازله، فإن قرأ تهديدا لفظ به لفظ
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2، ص 606، ح 10.
 (2) سورة المزمل: الآية 4.
 (3) الكافي: ج 2، ص 614، ح 1.
 (4) سنن الترمذي: ج 5 ص 182 ح 2923.
 (5) شرح المهذّب: ج 2 ص 165.

402
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
المتهدّد، أو تعظيما لفظ به على التعظيم.
الثانية عشرة: يستحبّ تحسين الصوت بالقراءة، كما وردت به أخبار كثيرة من طرق العامّة و الخاصّة.
قال السيوطيّ في الإتقان: أخرج البزّاز و غيره حديث «حسن الصوت زينة القرآن» و فيه أحاديث صحيحة كثيرة «1». انته.
و روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لكلّ شي‏ء حلية، و حلية القرآن الصوت الحسن «2».
و عنه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إيّاكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر، فإنّه سيجي‏ء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة، لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم «3».
و عنه عليه السّلام قال: كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان السقاءون يمرّون، فيقفون ببابه يسمعون قراءته «4».
و عن عليّ بن محمّد النوفليّ، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: ذكرت الصوت عنده فقال: إنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام كان يقرأ فربّما مرّ به المارّ فيصعق من حسن صوته، و إنّ الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله النّاس، قلت: و لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي و يرفع صوته بالقرآن؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يحمّل الناس من خلفه ما يطيقون «5».
و قد تقدم في الفائدة التاسعة قول أبي جعفر عليه السّلام لأبي بصير: رجّع بالقرآن صوتك فإنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ الصوت الحسن يرجّع ترجيعا «6».
__________________________________________________
 (1) الاتقان: ج 1 ص 107.
 (2) الكافي: ج 2، ص 615، ح 9.
 (3) الكافي: ج 2، ص 614، ح 3.
 (4) الكافي: ج 2، ص 616، ح 11.
 (5) الكافي: ج 2، ص 615، ح 4.
 (6) الكافي: ج 2، ص 616، ح 13.

403
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و اعلم أنّ المراد بتحسين الصوت، و ترجيعه و التغني به في القرآن هو تجويد اللفظ، و تقويم الحروف، و حسن الأداء، و تلطيف النطق بالحرف على حال صيغته و كمال هيئته، من غير إسراف و لا تعسّف، و لا إفراط و لا تكلّف، و لا تمطيط له كما يفعله أهل الفسق و أرباب الألحان الموسيقيّة، فإنّ ذلك حرام يفسق به القارئ، و يأثم المستمع بإجماع المحقّقين من الفريقين، و لا رخصة فيه بوجه، كما نصّ عليه قوله عليه السّلام: «و إيّاكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر» «1» الحديث المتقدّم ذكره، و من ظنّ، أو اعتقد غير ذلك فليتّهم فهمه.
قال خاتمة القراء شمس الدين بن الجزريّ: جرت سنّة اللّه تبارك و تعالى فيمن يقرأ القرآن متجودا مصححا أن تلتذّ الأسماع بتلاوته، و تخشع القلوب عند قراءته، حتّى يكاد أن يسلب العقول، و يأخذ بالألباب، بسرّ من أسرار اللّه يودعه من يشاء من خلقه. و لقد أدركنا من شيوخنا من ليس له حسن صوت، و لا دريّة له بالألحان، إلّا أنّه كان جيّد الأداء، قيّما بالألفاظ فكان إذا قرأ أطرب المسامع، و أخذ من القلوب بالمجامع، و كان الخلق يجتمعون عليه، و يزدحمون على الاستماع إليه أمم من الخواصّ و العوامّ، يشترك في ذلك من يعرف العربيّ، و من لا يعرفه من سائر الأنام، مع تركهم جماعات من ذوي الأصوات الحسان، عارفين بالمقامات و الألحان، لخروجهم عن التجويد و الإتقان، و أخبرني جماعة من شيوخي و غيرهم أخبارا بلغ التواتر عن شيخهم الإمام تقيّ الدين محمّد بن أحمد الصائغ المصري، و كان أستاذا في حسن الأداء، و تجويد القراءة أنّه قرأ يوما في صلاة الصبح «وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ» «2» الآية، و كرّر هذه الآية فنزل طائر فوقع على رأس الشيخ يستمع قراءته حتى أكملها، فنظروا إليه، فإذا هو هدهد «3». انته.
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2، ص 614، ح 3.
 (2) سورة النّمل: الآية 20.
 (3) النشر في القرآت العشر: ج 1 ص 212- 213.

404
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ إنّك أعنتني على ختم كتابك الّذي أنزلته نورا، و جعلته مهيمنا على كلّ كتاب أنزلته، و فضّلته على كلّ حديث قصصته، و فرقانا فرقت بين حلالك و حرامك، و قرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك، و كتابا فصّلته لعبادك تفصيلا، و وحيا أنزلته على نبيّك محمّد صلواتك عليه و آله تنزيلا، (تتمّة) يكره كتابة القرآن بماء الذهب لحديث محمّد الورّاق الكوفيّ قال: عرضت على أبي عبد اللّه عليه السّلام كتابا فيه قرآن مختّم معشّر بالذهب، و كتبت في آخره سورة بالذهب، فأريته إيّاه، فلم يعب فيه شيئا إلّا كتابة القرآن بالذهب، و قال:
لا يعجبني أن يكتب القرآن إلّا بالسّواد، كما كتب أوّل مرّة «1». أخرجه ثقة الإسلام في الكافي.
و هذا حين نشرع في المقصود من شرح الدعاء.
 [ 1085] قال صلوات اللّه و سلامه عليه «2».
إعانة اللّه تعالى: عبارة عن توفيقه و إعداده سبحانه لعبده أن يتحرّى ما فيه رضاه من طاعاته، و القيام بها كما وفّقه عليه السّلام لختم كتابه، و هو قراءته جميعه من أوّله إلى آخره.
و الكتاب: إمّا مصدر سمّي به المفعول مبالغة كالخلق للمخلوق، و إمّا فعال بني للمفعول كاللّباس، و هو من الكتب الذي هو ضمّ الحروف بعضها إلى بعض و أصله الجمع و الضمّ في الأشياء الظاهرة للحس البصري. و منه: الكتيبة للعسكر، و إطلاق الكتاب على المنظوم عبارة، لما أنّ ماله الكتابة.
و النزول: انتقال من علوّ إلى سفل. يقال: نزل نزولا- من باب ضرب-
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2، ص 629، ح 8.
 (2) أي أوّل الدعاء.

405
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و يتعدّى بالهمزة و التضعيف، فيقال: أنزلته إنزالا و نزّلته تنزيلا. و أمّا تعديته بالباء فلا يقال: نزل به إلّا إذا كان مصاحبا له في النزول. و لهذا لا يقال «نزل اللّه بالقرآن» مثلا كما يقال: «أنزل اللّه بالقرآن، و نزّله»، و قال تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «1».
فما وقع للفيّوميّ في المصباح- من قوله: يتعدى بالحروف و الهمزة و التضعيف، فيقال: نزل به و أنزلته و نزلته «2»- غير صواب لإيهامه تساوي التعدية بالوجوه الثلاثة، و ليس كذلك لما عرفت. و سيأتي بيان الفرق بين الإنزال و التنزيل «3».
قال شيخنا البهائيّ قدّس سرّه: و وصف الكتاب بمعنى القرآن بالنزول و الإنزال الذي لا يتصف به إلّا المتحيّز بالذات دون الأعراض، و سيّما الغير القارات كالأصوات، إنّما هو بتبعيّة «4» محلّه سواء أخذ حروفا ملفوظة أو معاني محفوظة، و هو الملك الذي يتلقّف الكلام من جناب الملك العلام تلقّفا سماعيّا، أو يتلقّاه تلقيّا روحانيّا، أو يحفظه من اللوح المحفوظ، ثمّ ينزل به على الرسول صلّى اللّه عليه و آله.
و أنت خبير بأنّ هذا إنّما يتمشّى على القول بجسميّة الملائكة، كما هو مذهب الأكثرين.
و أمّا على القول بتجرّدهم كما أطبق الحكماء عليه، و ذهب بعض علماء أهل الإسلام إليه فلا. اللهمّ إلّا أن يسمّى ظهورهم للأنبياء عليهم السّلام في صورة الماديّات نزولا، تشبيها للنزول العقليّ المرئيّ، بالحسّ المكاني، فيكون قولنا نزل الملك استعارة تبعيّة «5». انته.
و قوله عليه السّلام: «نورا» نصب على الحال من الضمير العائد إلى الكتاب، و فيه تلميح إلى قوله تعالى في سورة النساء: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً «6»، قيل:
__________________________________________________
 (1) سورة الشعراء: الآية 193.
 (2) المصباح المنير: ص 824.
 (3) «ألف» التنزيل عرفا.
 (4) «ألف» تبعية.
 (5) راجع العروة الوثقى للشيخ البهائي: ص 387، بالمعنى و لم نجد ما نص عليه المصنف.
 (6) سورة النساء: الآية 174.

406
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
لأنّه سبب وقوع نور الإيمان في القلب. و قيل: لأنّه يدرك به غوامض الحلال و الحرام.
و قال الراغب: النور: الضوء المنتشر الذي يعين على الأبصار، و هو ضربان دنيويّ و أخرويّ: فالدنيوي: ضربان: معقول بعين البصيرة، و هو ما انتشر من الأنوار الإلهيّة كنور العقل، و نور القرآن و منه: «قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ» و محسوس بعين البصر و هو ما انتشر من الأجسام النيّرة كالقمرين و النجوم النيّرات، و منه «هو الذي جعل الشمس ضياء، و القمر نورا». و من النور الأخرويّ قوله تعالى: «يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» «1» انته.
 [ 1086] و في المهيمن: خلاف. قال الخليل و أبو عبيدة: هو اسم فاعل من هيمن على كذا، و يهيمن أي صار رقيبا عليه و حافظا «2».
و قال الزمخشريّ المهيمن: الرقيب على كلّ شي‏ء، الحافظ له، مفيعل من الأمن إلّا أنّ همزته قلبت هاء «3».
قال صاحب الكشف: و تحقيقه أنّ أيمن على فيعل مبالغة أمن من العدو، و الزيادة في الياء. و إذا قلت: أمن الراعي الذئب على الغنم، مثلا دلّ على كمال حفظه و رقيبه. فاللّه آمن كلّ شي‏ء سواء على خلقه و ملكه، لإحاطة علمه و كمال قدرته، ثم استعمل مجرّد الدلالة بمعنى الرقيب و الحفيظ على الشي‏ء من غير ذكر المفعول للمبالغة في كمال الحفظ و هو أولى من جعله من الأمانة نظرا إلى أنّ الأمين على الشي‏ء حافظ له إذ لا ينبئ من المبالغة و لا عن شمول العلم و القدرة.
و جعله الجوهري من آمن غيره من الخوف قال: و أصله أأْمن فهو ما أأمن بهمزتين فليّنت «4» الهمزة الثانية كراهة لاجتماعهما فصار ما يمن، ثم صيّرت الأولى هاء كما قالوا: هراق الماء و أراقه كأنّه تعالى: يحفظه إيّاهم صيّرهم آمنين، و حرف‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 508.
 (2) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 29 ص 293.
 (3) تفسير الكشّاف: ج 4، ص 509.
 (4) «ألف»: قلّبت.
                       

407
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

الاستعلاء لتضمين معنى الاطلاع و نحوه، و أنت تعلم أن الاشتقاق على ما ذكره العلّامة أولى و الخروج من القياس فيه أقل «1» انته.
و في الدعاء تلميح إلى قوله تعالى في المائدة: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ» «2».
قال في الكشّاف: التعريف في الكتاب الأول للعهد لأنّه عنى به القرآن، و في الثاني للجنس لأنّه عنى به جنس الكتب المنزّلة، و يجوز أن يقال: هو للعهد لأنّه لم يرد به ما يقع عليه اسم الكتاب على الإطلاق و إنّما أريد نوع معلوم منه و هو ما انزل من السماء سوى القرآن، و مهيمنا: أي رقيبا على سائر الكتب لأنّه يشهد لها بالصّحة و الثبات «3» انته.
و قال العمادي: مهيمنا عليه أي رقيبا على الكتب المحفوظة عن التغيير لأنه يشهد لها بالصحة و الثبات. و يقرر أصول شرائعها و ما يتأبّد من فروعها و يعيّن أحكامها المنسوخة ببيان انتهاء مشروعيّتها المستفاد من تلك الكتب، و انقضاء وقت العمل بها، و لا ريب في تمييز أحكامها الباقية على المشروعيّة أبدا عمّا انته وقت مشروعيّته و خرج عنها من أحكامه كونه مهيمنا عليه «4» انته.
و فضّلته على غيره تفضيلا:- صيّرته أفضل منه أو حكمت و اعتقدت بأنّه أفضل منه، و تفضيل «5» القرآن على غيره وقع منه تعالى بالمعنيين كما سنبيّنه.
و الحديث: ضدّ القديم، يستعمل في قليل الكلام و كثيره لأنّه يحدث شيئا فشيئا.
قال الراغب: يقال لكلّ ما قرب عهده: حديث فعالا كان أو مقالا، و كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته و منامه يقال له حديث،
__________________________________________________
 (1) لم نتحقّقه.
 (2) سورة المائدة: الآية 48.
 (3) تفسير الكشاف: ج 1، ص 639- 640.
 (4) تفسير أبي السعود: ج 3 ص 45.
 (5) «ألف»: تفضّل.

408
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و سمّى تعالى كتابه حديثا فقال: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ» و قال تعالى: أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ «1».
و قصصت الحديث قصّا: حدّثته على وجهه و أخبرت به كما هو، من قصّ أثره إذا تبعه لأنّ من يقصّ الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا كما يقال: تلا القرآن لأنّه يتبع ما حفظ منه آية بعد آية.
و في هذه الفقرة من الدّعاء تلميح إلى قوله تعالى في الزمر: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً «2» الآية، و قوله في يوسف نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ «3».
قال النظام النيسابوري: و وجه كونه أحسن الحديث لفظا و معنى ممّا لا يخفى على ذي طبع فضلا عن ذي لب «4».
و قال العلّامة الطبرسي: هو أحسن الحديث لفرط فصاحته و لإعجازه و اشتماله على جميع ما يحتاج المكلّف إليه من التنبيه على أدلّة التوحيد و العدل و بيان أحكام الشرع و غير ذلك من المواعظ و قصص الأنبياء و الترغيب و الترهيب «5».
و قيل: سمّي القرآن أحسن القصص لأنّه بلغ النهاية في الفصاحة و حسن المعاني و عذوبة الألفاظ مع التلاؤم المنافي للتنافر و التشاكل بين المقاطع و الفواصل.
و قيل: لأنّ فيه ذكر أخبار الأمم الماضية، و أخبار الكائنات الآتية، و جميع ما يحتاج إليه العباد إلى يوم القيامة بأعذب لفظ و تهذيب في أحسن نظم و ترتيب «6» انته.
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 110.
 (2) سورة الزمر: الآية 23.
 (3) سورة يوسف: الآية 3.
 (4) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 3 ذيل الآية 23 من سورة الزمر.
 (5) مجمع البيان: ج 7- 8، ص 495.
 (6) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 207.

409
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
فظهر إنّه سبحانه فضّل القرآن على كل حديث قصّه بأن حكم بأنّه أحسن الحديث و أحسن القصص و فضّله بما خصّه به من المزايا و الفضائل المذكورة التي اقتضت كونه أحسن من كل حديث و قصص.
 [ 1087] و الفرقان: قيل: في الأصل، مصدر فرقت بين الشيئين فرقا و فرقانا من باب- قتل- أي فصلت ثم أطلق على الفاعل مبالغة فهو بمعنى الفارق.
و قال الراغب: الفرقان: أبلغ من الفرق لأنه يستعمل في الفرق بين الحقّ و الباطل، و تقديره كتقدير رجل قنعان يقنع به في الحكم، و هو اسم لا مصدر فيما قيل و الفرق: يستعمل في ذلك، و في غيره. و الفرقان: كلام اللّه لفرقه بين الحقّ و الباطل في الاعتقاد و الصدق و الكذب في المقال و الصالح و الطالح في الأعمال «1» انته.
و الفرق بين الشيئين قد يكون مدركا بالبصر كالفرق بين النور و الظلمة، و قد يكون مدركا بالبصيرة كالفرق بين الحقّ و الباطل و الحلال و الحرام.
و حلال اللّه تعالى: ما أطلق فعله، و حرامه: ما منع منه و حكمه أن يأثم المرء بفعله و يثاب على تركه بنيّة التقرّب إلى اللّه تعالى فيشمل الحلال و الحرام أقسام الحكم الخمسة و هي: الواجب و المندوب و المباح و المكروه و الحرام و لا يجوز لأحد الحكم بتحليل شي‏ء و تحريمه إلّا ما وجده في القرآن أو أخذه من العالم به.
 [ 1088] و فصلت الشي‏ء تفصيلا: جعلته فصولا متمايزة و هو من الفصل بمعنى إبانة أحد الشيئين عن الآخر حتّى يكون بينهما فرجة، و فيه تلميح إلى قوله تعالى في حم السجدة: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ «2» و في هود: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ «3».
قال الزمخشريّ: فصّلت: أيّ ميّزت و جعلت تفاصيل في معان مختلفة من أحكام و أمثال و مواعظ و وعد و وعيد و غير ذلك «4».
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 378.
 (2) سورة فصّلت: الآية 3.
 (3) سورة هود: الآية 1.
 (4) تفسير الكشاف: ج 4، ص 184.

410
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و قال أمين الإسلام الطبرسي: وصف الكتاب بالتفصيل دون الإجمال لأن التفصيل يأتي على وجوه البيان أي بيّنت آياته بيانا تاما.
و التبيين: قيل على وجوه منها: تبيين الواجب ممّا ليس بواجب و تبيين الاولى في الحكمة ممّا ليس باولى، و تبيين الجائز ممّا ليس بجائز، و تبيين الحق من الباطل، و تبيين الدليل على الحقّ ممّا ليس بدليل، و تبيين ما يرغب فيه ممّا لا يرغب فيه، و تبيين ما يحذر منه ممّا لا يحذر منه إلى غير ذلك من الوجوه.
و قيل: فصّلت آياته بالأمر و النهي و الوعد و الوعيد و الترغيب و الترهيب و الحلال و الحرام و المواعظ و الأمثال.
و قيل: فصّلت آياته أي نظّمت على أحسن نظام و أوضح بيان «1» انته.
و بالجملة فالمراد بالتفصيل القرآن جعل بعضه في الواجبات و بعضه في المحرّمات و بعضه في المندوبات و بعضه في المكروهات و بعضه في المباحات و بعضه في العقوبات و بعضه في الاخلاق و الآداب و بعضه في المواعظ و النصائح و بعضه في أخبار من تقدّم و أنبائهم، و بعضه في أخبار ما سيأتي، و بعضه في أحوال الجنّة و من يدخلها، و بعضه في أحوال النار و من يسكنها، إلى غير ذلك مع بيان كل ذلك و إيضاحه بحيث لا يشتبه شي‏ء منها بالآخر، و هذا هو معنى التفصيل كما قال تعالى:
وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا «2» أي بيّناه في القرآن الكريم بيانا بليغا لا التباس معه كقوله تعالى: «وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ «3».
و الوحي: الإشارة، و الكتابة و الكتاب و الرسالة و الإلهام و الكلام الخفي.
قال ابن فارس: و كل ما ألقيته إلى غيرك لتعلّمه وحي «4» و هو مصدر وحى‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان: ج 9- 10، ص 3.
 (2) سورة الإسراء: الآية 12.
 (3) سورة النحل: الآية 89.
 (4) معجم مقاييس اللغة: ج 6 ص 93. و فيه: «حتى علمه».

411
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

و جعلته نورا نهتدي من ظلم الضلالة و الجهالة باتّباعه، و شفاء لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه، و ميزان قسط لا يحيف عن الحقّ اليه يحي من باب- وعد-، و أوحى إليه بالألف مثله ثم غلب استعماله فيما يلقى إلى الانبياء من عند اللّه تعالى.
و قد تقدّم الكلام على أنواعه في شرح السند فليرجع إليه.
و تنزيلا: مصدر جار «1» غير الفعل ناب عن إنزالا لأنّه قياس مصدر أنزل و إيثاره عليه للإشارة إلى كيفيّة إنزاله على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو إلجاؤه إليه تدريجا لما في التنزيل من الدلالة على التدرج و التكثير «2» بخلاف الإنزال فإنّه أعم من أن يكون دفعة أو تدريجا، و ذلك لما روي: أنّه اللّه تعالى أنزل القرآن دفعة واحدة من اللّوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فحفظته الحفظة أو كتبته الكتبة في الصحف ثم نزله منها إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله منجما موزّعا على حسب المصالح و كفاء الحوادث «3».
روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ و انما انزل في عشرين سنة بين أوّله و آخره؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام، نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة «4» الحديث.
و في هذه المعنى من طرق العامة روايات كثيرة و اللّه أعلم [ 1089] جعله نورا: لكشفه ظلمات الشرك و الشك و إبانته ما خفي على الناس من‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: جاء.
 (2) «ألف»: التكثر.
 (3) الدر المنثور: ج 1 ص 189 و أنوار التنزيل: ج 1 ص 101 و تفسير الطبري: ج 2 ص 85 نقلا بالمضمون.
 (4) الكافي: ج 2 ص 628، ح 6.

412
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

لسانه، و نور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه، و علم نجاة لا يضلّ من أمّ قصد سنّته و لا تنال أيدي الهلكات من تعلّق بعروة عصمته.
الحقّ، و فرقه بين الحق و الباطل و إيصاله إلى المطلوب من الحق كما أن النور الحسيّ يكشف الظلمات الحسّية و يبيّن ما خفي بسببها و يفصل به بين الأشياء، و يدرك المطلوب.
و المراد بظلم الضّلالة: ظلم الكفر و الانهماك في الغيّ، و بظلم الجهالة ظلم المعاصي و الشبهات، و جمع الظلم لتعدّد فنون الضّلال و الجهل.
و تبع زيد عمرا تبعا من باب- تعب- و أتبعه اتّباعا مشى خلفه ثم أستعمل في مطلق الاقتداء. و اتّباع القرآن: تلاوته و العمل به و في الحديث: اتّبعوا القرآن و لا يتبعنّكم، قال ابن الأثير: أي اجعلوه أمامكم ثم اتلوه، و أراد لا تدعو تلاوته و العمل به فتكونوا قد جعلتموه وراءكم «1».
 [ 1090] و الشفاء: البرء من الداء و المرض، جعله شفاء لزوال الأمراض القلبيّة به كالجهل و الشك و الشّرك و النفاق و غيرها من العقائد الزائفة الفاسدة.
قال تعالى: «قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ» «2».
و الإنصات: السكوت للاستماع.
يقال: نصت له ينصت من باب- ضرب- و أنصت إنصاتا: أي سكت مستمعا.
و «الباء» من قوله: «بفهم التصديق» للملابسة أي أنصت ملتبسا بفهم التصديق.
و الفهم: تصوّر المعنى من لفظ المخاطب، و قيل: الفهم: إدراك خفيّ رقيق فهو أخصّ من العلم، لأنّ العلم نفس الإدراك سواء كان جليّا أو خفيّا. و لهذا قال‏
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 1، ص 179.
 (2) سورة يونس: الآية 57.

413
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
سبحانه في قصّة داود و سليمان: «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً» «1» خصّ الفهم بسليمان و عمّم العلم لداود و سليمان.
و التصديق: أن ينسب السامع باختياره الصدق إلى المخبر، و المراد به هنا اعتقاد صدق القرآن و الإيمان به، و أل فيه يجوز أن يكون نائبة عن الضمير المضاف إليه، و الأصل بفهم تصديقه فحذف المضاف إليه و أنيبت أل منابه كقوله تعالى: «فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏» «2» أي مأواه هذا عند من أجاز نيابة أل عن الضمير المضاف إليه و هم الكوفيّون و بعض البصريين، أما عند المانعين فهو على تقدير له أو به كما قدّروا له في الآية.
و إضافة الفهم إلى التصديق قيل: بيانيّة، و الصواب إنّها لاميّة إذ المراد الفهم الملتبس بالتصديق المقارن له فهي بمعنى اللام الدالّة على الاختصاص.
و استمع له استماعا: قصد و تعمّد أن يسمعه.
قال الفيوميّ: استمع لما كان بقصد لأنّه لا يكون إلّا بالإصغاء و هو الميل، و سمع: يكون بقصد و بدونه «3».
و أدّى أنصت ب «إلى» التضمين معنى الإصغاء و التوجه و لمّا كان قبول القابل شرطا في ظهور الأثر من الفاعل قيّد عليه السّلام كونه شفاء بقوله: «لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه»، كما قال تعالى: «وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً» «4»، فإن المراد بالظالمين الذين وضعوا التكذيب مقام التصديق و الشك موضع الإيقان و الارتياب محل الاطمئنان، فإنّ استماع القرآن لا يزيدهم إلّا هلاكا بكفرهم و تكذيبهم و شكهم و ارتيابهم و كذلك البدن الذي قد فسدت أخلاطه، و كثرت موادّ أسقامه لا يزيده الغذاء إلّا شرّا و فسادا.
__________________________________________________
 (1) سورة الأنبياء: الآية 79.
 (2) سورة النازعات: الآية 41.
 (3) المصباح المنير: ص 392.
 (4) سورة الإسراء: الآية 82.

414
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
 [ 1091] قوله عليه السّلام: «و ميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه». القسط: العدل، و حاف يحيف: مال عن الحق، و جار و ظلم، و لسان الميزان عذبته الكائنة في وسط العمود التي يعرف بها التعادل و الرجحان، سمّيت لسانا لشبهها باللسان في الصورة أو لدلالتها على الاستواء في الوزن و عدمه، كما يدلّ اللسان بالنطق على ما في الضمير و إنّما جعل القرآن ميزان قسط موصوفا بعدم الميل عن الحق لأنّ قدر العباد و قبول أعمالهم إنّما هو بقدر إيمانهم به و اتباعهم إيّاه فيما أمر به و نهى عنه و دلّهم عليه من الفروض و السنن و الأخلاق كما قيل في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كان خلقه القرآن، فالمقبول الراجح من الأعمال: ما وافقه، و المرضيّ الحسن الجميل من الأخلاق و الأقوال: ما طابق إرشاده و هدايته إليه، و الحق الصّائب من العقائد:
ما أخذ منه، و المردود منها: ما خالف ذلك، و كلّما قرب من ذلك قرب من القبول، و كلّما بعد بعد، لا جرم كان ميزان عدل لا يحيف و لا يميل لسانه فيشتبه رجحانه و نقصانه.
قوله عليه السّلام: «و نور هدى» شبّه الهدى بالنّور في الدلالة على المطلوب، و التقدير هدى كالنّور، ثمّ قدّم المشبّه به على المشبّه و أضيف إليه كقوله:
و الريح تعبث بالغصون، و قد             جرى ذهب الأصيل على لجين الماء
 أي أصيل كالذهب على ماء كاللجين.
و طفأت النار تطفئ بالهمزة من باب- تعب- طفوءا «1» على فعول: خمدت، و أطفأتها إطفاء: أخمدتها. قال تعالى: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ» «2».
و البرهان: الحجّة، و قيل: بيان الحجّة و إيضاحها «3» قيل: النون زائدة و قيل أصليّة.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: طفوا.
 (2) سورة التوبة: الآية 32.
 (3) كتاب العين: ج 4 ص 49.

415
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
قال الخليل: البرهان مشتقّ من البرهرهة «1» و هي الجارية البيضاء «2».
كما اشتق السلطان من السليط لإضائته، أو من البرهة و هي المدة من الدهر لثباته.
و قال ابن جنّي: برهان عندنا فعلال كقرطاس و ليست نونه بزائدة، يدلّ عليه قولك: برهنت له على كذا، أي أقمت الدليل عليه و هو قاطع، و مثله دهقان فعلال من تدهقن و ليس في الكلام تفعلن، و القياس في نونيهما أن يكونا زائدتين حملا على الأكثر لكن السّماع ورد بما رغب عن القياس «3» انته.
و حكى الأزهريّ: القولين فقال: في باب الثلاثي النون زائدة، و قال: برهن فلان مولد و الصواب أن يقال أبره إذا جاء بالبرهان. و قال في باب الرباعي برهن:
إذا أتى بحجته «4».
و اقتصر الجوهري على كونها أصليّة «5».
و الزمخشري على كونها زائدة «6».
و المراد بالشاهدين: إما الشاهدون للّه بالتوحيد و للأنبياء بالتصديق لأنّ القرآن أعظم برهان لهم على ذلك و إمّا محمّد و أهل بيته عليهم السّلام لتسميته تعالى لهم شهداء في قوله: «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» «7».
فعن علي عليه السّلام: إنّ اللّه تعالى إيّانا عنا بقوله: «لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» فرسول اللّه شاهد علينا، و نحن شهداء اللّه على خلقه و حجّته في أرضه «8».
__________________________________________________
 (1) «ألف»: البرهوهة.
 (2) كتاب العين: ج 4 ص 49.
 (3) حكاه الأزهري في تهذيب اللغة: ج 6 ص 295.
 (4) التهذيب في اللغة: ج 6 ص 294.
 (5) الصحاح: ج 5، ص 2078.
 (6) أساس البلاغة: ص 37.
 (7) البقرة: الآية 143.
 (8) بحار الأنوار: ج 23 ص 334.

416
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و في هذا المعنى أخبار أخر تقدم ذكرها في الروضة الثانية.
و بهذا المعنى فسّر ابن عبّاس قوله تعالى: «فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ»* «1» قال: أي مع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمته «2» لأنّهم مخصوصون بأداء الشهادة لقوله تعالى: «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ» «3» الآية، و على هذا فتخصيصهم عليهم السّلام بذلك لأنّهم أهله الذين يستدلون ببرهانه و دليله و يحتجون بدقيقه و جليله.
و قال بعضهم المراد بالشاهدين كل من شاهده و أنصف من نفسه و لم يكن كغير الشاهد عنادا أو جهلا.
و قال آخر: المراد بهم الحاضرون و لا يخفى أنّ ما ذكرنا أولى و أنسب و اللّه أعلم بمقاصد أوليائه.
و لمّا شبّه عليه السّلام «البرهان» بالسّراج في الإضاءة و الإيضاح نفى عنه الطفوء أو الإطفاء على الروايتين، ففي الكلام استعارة مكنيّة تخييليّة، و تعدية يطفأ بعن لتضمينه معنى الذهاب و المعنى: إن برهان نور هدى القرآن لا يزال واضحا بيّنا للشاهدين المحتجين به و المبرهنين، على مطالبهم الحقّة بألفاظه و معانيه لا يبطل احتجاجهم به أبدا كما يفيده الفعل المضارع الدال على الاستمرار و اللّه أعلم.
 [ 1092] قوله عليه السّلام: «و علم نجاة» إلى آخره. العلم محرّكا: شي‏ء ينصب في الفلوات ليهتدى به.
و نجا من الهلاك ينجو نجاة: خلص، و الاسم: النجاء بالمد، و إضافة العلم إلى النجاة من إضافة الشي‏ء إلى سببه لان الضالّ في الفلوات يهتدي بالعلم فينجو به من الهلكة.
و أمّه أمّا من باب- قتل-: قصده.
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 53.
 (2) مجمع البيان: ج 1- 2، ص 448 و الدر المنثور: ج 2 ص 36.
 (3) سورة البقرة: الآية 143.

417
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و القصد: استقامة الطريق. قال الزمخشري في قوله تعالى: «وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ» القصد: مصدر بمعنى الفاعل. يقال: سبيل قصد و قاصد، أي مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السّالك لا يعدل عنه «1» انته.
و على هذا فإضافته إلى سنته من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، أي من أمّ سنّته القاصدة، أي المستقيمة و لا مساغ لجعله من باب الإضافة إلى الجنس كالسبيل في قصد السبيل لأنّ السبيل منها جائز بخلاف سنّة القرآن و طريقته، و في نسخة قصد سننه بفتحتين: أي طريقه. يقال فلان على سنن واحد أي طريق واحد.
 [ 1093] و الهلكات: جمع هلكة بفتحتين كقصبة بمعنى الهلاك.
و إيثار صيغة الجمع للدلالة على أنواع من الهلاك فإن الهلاك كما يطلق على الموت و العدم، يطلق على العذاب و الخوف و الفقر، و هذه الأنواع الثلاثة هي المقصودة هنا بالهلكات دون المعنى الأوّل، و في إضافة الأيدي إلى الهلكات استعارة مكنيّة تخييليّة، شبّه الهلكات بالأعداء فأثبت لها الأيدي تخييلا، و أسند النيل إليها ترشيحا.
و تعلّق به: استمسك.
و العروة: ما يتعلّق به و يستوثق.
و العصمة: الحبل، و كل ما يعتصم به من عقد و سبب، و منه: «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» «2»، و الاستعارة فيه ظاهرة و لك جعلها تمثيليّة مصرّحه و مرشحه و قد مرّ نظير ذلك غير مرّة.
و حاصل المعنى في الفقرتين إنّ من اهتدى بالقرآن علما و عملا لا يضلّ، و من تمسّك و اعتصم به نجا من المهالك الدنيويّة و الأخرويّة و اللّه سبحانه أعلم‏
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشاف: ج 2، ص 596.
 (2) سورة الممتحنة: الآية 10.

418
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ فإذ أفدتنا المعونة على تلاوته و سهلت جواسي ألسنتنا بحسن عبارته فاجعلنا ممّن يرعاه حقّ رعايته، و يدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته، و يفزع إلى الإقرار بمتشابهه و موضحات بيّناته.
 [ 1094] «الفاء» للإشعار بعليّة ما قبلها من إعانته تعالى على ختم كتابه لجعل ما بعدها تعليلا للسؤال بأن يجعله ممّن يرعاه حقّ رعايته لأنّ إذ للتعليل، و هل هي حرف أو ظرف خلاف و قد تقدّم الكلام عليها في نظير هذه العبارة في الروضة الثانية و الثلاثين.
و المعونة: اسم من المعاونة و المظاهرة فهي مفعلة بضم العين، و قيل: ميمها أصليّة من الماعون، و وزنها فعوله، و الأوّل هو المشهور.
و تلوت القرآن تلاوة: قرأته، و أصله من تلاه بمعنى أتبعه.
قال الراغب: التلاوة: تختصّ باتّباع كتب اللّه المنزلة تارة بالقراءة و تارة بالارتسام لما فيه من أمر و نهي و ترغيب و ترهيب، أو ما يتوهّم فيه ذلك، و هي أخص من القراءة، فكلّ تلاوة قراءة و ليس كل قراءة تلاوة. فقوله تعالى: «وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا»*: فهذا بالقراءة. و قوله: «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ»: مراد به الإتباع له بالعلم و العمل، و إنّما استعمل التلاوة في قوله تعالى: «وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ» لما كان يزعمه الشياطين إن ما يتلونه من كتب اللّه تعالى «1» انته.
و سهل الشي‏ء بضمّ العين سهولة: لأن، و سهّله تسهيلا ليّنه.
و الجواسي: جمع جاسي فاعل من جسأ يجسؤ «2» من باب- منع- جسوا بالضم إذا يبس و صلب و غلظ، و إضافتها إلى الأسنة من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، أي لينت ما يبس و صلب من ألسنتنا بحسن عبارته، و المراد بجسو الألسن: تلعثمها و عدم انطلاقها، و بتسهيلها بحسن عبارته: تمرينها و تثقيفها به.
__________________________________________________
 (1) المفردات (للراغب): ص 75.
 (2) «ألف»: جسا- يجسو.

419
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
قال الجاحظ في كتاب البيان و التبيين: اللسان إذا أكثرت تقليبه رقّ و لان، و إذا أطلت إسكاته جسا و غلظ «1».
و قال حكيم: إن اللسان إذا أكثرت «2» حركته رقّت عذبته.
و المراد بحسن عبارته: حسن بيانه. يقال: عبّر عمّا في نفسه: أي أعرب و بيّن، و هو حسن العبارة: أي البيان، و هي بكسر العين و حكى في المحكم: فتحها و هو غريب «3».
و قال الراغب: العبارة مختصّة بالكلام العابر الهواء من لسان المتكلم إلى سمع السامع «4».
و في نسخة: و سهلت حواشي ألسنتنا، بالشين المعجمة.
الحواشي: جمع حاشية: و هي الجانب من الثوب و نحوه، و المراد بها أطراف الألسنة و حافّاتها، لأن مدار التعبير عليها.
 [ 1095] و «الفاء» من قوله: «فاجعلنا» عاطفة على محذوف إن قلنا: بأنّ إذ حرف تعليل، و التقدير لأجل إفادتك المعونة على تلاوته وفّقنا فاجعلنا ممّن يرعاه حق رعايته، و سببيّته إن قلنا بأنّ إذ ظرف، و المعنى إنك أفدتنا معونة تلاوته فيما مضى فبسبب ذلك اجعلنا ممّن يرعاه حق رعايته.
و قول بعض الطلبة إنها زائدة يدفعه أنّ سيبويه لا يرى زيادتها أصلا «5».
و رعيته: أرعاه رعيا: حفظته. و منه قوله تعالى: «فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها» «6» أي ما حافظوا عليها حقّ محافظتها.
و المراد برعاية القرآن حقّ رعايته: القيام بوظائفه من الايمان به، و تعظيمه و حفظه و تعلّمه و تعليمه و المواظبة على تلاوته بآدابها، و الاستماع لقراءته، و العمل‏
__________________________________________________
 (1) البيان و التبين: ج 1، ص 31. نقلا بالمعنى.
 (2) «ألف»: كثرت.
 (3) المحكم لابن سيدة: ج 2 ص 93.
 (4) المفردات: ص 320.
 (5) مغني اللبيب: ص 219.
 (6) سورة الحديد: الآية 27.

420
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
بأوامره و مستحباته، و الوقوف عن مناهيه، و الاعتبار بأمثاله و قصصه، و التدبّر فيه و في أسراره إلى غير ذلك ممّا نصّت عليه الأخبار و الآثار و أرشدت إليه العلماء الأخبار «1».
و دان بالإسلام دينا: بالكسر تعبّد به «2»، كتديّن به.
و اعتقدت كذا اعتقادا: أي عقدت عليه القلب و الضمير حتى قيل: العقيدة ما يدين الإنسان به.
و سلّم للدعوى تسليما: اعترف بصحتها.
و المحكم لغة: المتقن، من أحكمت الشي‏ء إحكاما إذا أتقنته، و سيأتي معناه اصطلاحا.
و فزعت إليه فزعا من باب- تعب-: التجأت، و هو مفزع ما أي ملجأ.
و أقرّ بالشي‏ء إقرارا: اعترف به. و قال الراغب: الإقرار: إثبات الشي‏ء، و هو إمّا بالقلب أو باللسان أو بهما، و الإقرار بالتوحيد و ما يجري مجراه، لا يغني باللسان ما لم يضامه الإقرار بالقلب «3».
و المتشابه: اسم فاعل من تشابه الشيئان إذا أشبه أحدهما الآخر بحيث يعجز الذهن عن التمييز بينهما، ثم قيل: لكلّ ما لا يهتدي الإنسان إليه متشابها إطلاقا لاسم السبب على المسّبب و نظيره المشكل: أي دخل في شكل غيره فلم يتميّز و لم يظهر.
و وضح الأمر يضح من باب- وعد- وضوحا: انكشف و انجلى كاتّضح، و يتعدّى بالألف، فيقال: أوضحته فأنا موضح له و هو موضح.
و الرواية في الدعاء بالوجهين بمعنى إنّها توضح الحق و تكشفه و تبيّن ما اشتبه من الشبهات، أو بمعنى إن اللّه سبحانه أوضحها و بيّنها.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: علماء الأخيار.
 (2) «ألف»: تقيّد به.
 (3) المفردات: ص 398.

421
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و البيّنات: جمع بيّنة و هي الدلالة الواضحة، من بان الشي‏ء يبين: أي اتّضح و انكشف. قال تعالى: «أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ» «1» أي آيات واضحات مكشوفات تهدي إلى الحق و تفرّق بينه و بين الباطل و ذلك أن الهدى قسمان: جليّ مكشوف و خفيّ مشتبه فوصفه أولا بجنس الهداية، ثم قال: إنّه من نوع البيّن الواضح و اللّه أعلم.
 (تنبيهات) الأول: دلّ القرآن على أنّه كلّه محكم و ذلك قوله تعالى: «كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ» «2» و على أنه بتمامه متشابه، و هو قوله تعالى: «كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ» «3»، و على أن بعضه محكم و بعضه متشابه و ذلك قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» «4».
فالمراد بكونه كله محكما: كونه كلاما متقنا حقّا فصحيح الألفاظ صحيح المعاني لا يتطرق إليه نقص و لا اختلاف، و كونه بحيث لا يتمكن أحد من الإتيان بمثله لوثاقة مبانيه و بلاغة معانيه.
و بكونه كلّه متشابها: كونه يشبه بعضه بعضا في الحق و الصدق و الحسن و الإعجاز و البراءة من التناقض.
و بكون بعضه محكما و بعضه متشابها: أنّ منه محكما و هو ما وضح معناه من غير احتمال و لا اشتباه و منه متشابها و هو نقيضه على أحد الأقوال.
و قيل: المحكم: ما يؤمن به و يعمل به و يعتبر به، و المتشابه: ما يؤمن به و لا يعمل به، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «5» و ابن عباس «6» و عكرمة «7» و قتادة «8».
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 185.
 (2) سورة هود: الآية 1.
 (3) سورة الزمر: الآية 23.
 (4) سورة آل عمران: الآية 7.
 (5) البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص 271 ح 7.
 (6) تفسير الميزان: ج 3 ص 34.
 (7) تفسير الميزان: ج 3 ص 34.
 (8) تفسير الميزان: ج 3 ص 34.

422
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و قيل المحكم: ما عرف المراد منه إمّا بالظهور و إمّا بالتأويل و المتشابه: ما استأثر اللّه بعلمه كقيام الساعة و خروج الدجال، و الحروف المقطعة «1» في أوائل السور «2».
و قيل: المحكم: ما لا يحتمل من التأويل إلّا وجها واحدا، و المتشابه: ما احتمل أوجها «3».
و قيل: المحكم: ما كان معقول المعنى و المتشابه: بخلافه كأعداد الصلوات، و اختصاص الصيام برمضان دون شعبان «4».
و قيل: المحكم: ما تأويله، تنزيله، و المتشابه: ما لا يدرى إلّا بالتأويل «5».
و قيل: المحكم: ما استقلّ بنفسه، و المتشابه: ما لا يستقلّ بنفسه إلّا بردّه إلى غيره «6».
و قيل: المحكم: ما فيه الحلال و الحرام، و ما سوى ذلك متشابه يصدق بعضه بعضا «7».
و قيل: المحكم: هو الناسخ، و المتشابه: هو المنسوخ «8».
و عن أبي جعفر عليه السّلام: المنسوخات من المتشابهات، و المحكمات من الناسخات «9».
و قيل: المحكم: ما لم تتكرّر ألفاظه، و المتشابه: ما تكرّرت ألفاظه كقصّة موسى،
__________________________________________________
 (1) «ألف»: المقطوعة.
 (2) مرآة العقول: ج 2 ص 333. و روح المعاني: ج 3 ص 82.
 (3) مرآة العقول: ج 2 ص 333. و روح المعاني: ج 3 ص 82.
 (4) روح المعاني: ج 3 ص 82.
 (5) الجامع لأحكام القران: ج 4 ص 11.
 (6) الجامع لاحكام القرآن: ج 4 ص 11.
 (7) روح المعاني: ج 3 ص 82.
 (8) تفسير الكبير للفخر الرازي: ج 7 ص 182.
 (9) البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص 27 ح 1.

423
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و غير ذلك «1».
و قيل: المحكم: ما لم تشتبه معانيه، و المتشابه: ما اشتبهت معانيه نحو: «ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ»* «2»، فإنّ الاستواء عليه يطلق على الجلوس و على الاستيلاء و القهر، و قيل غير ذلك، و حكى بعضهم في المسألة ثلاثين قولا «3».
قال الراغب: الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب: محكم على الإطلاق، و متشابه على الاطلاق، و محكم من وجه و متشابه من وجه.
فالمحكم على الإطلاق: ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ و لا من حيث المعنى. و المتشابه في الجملة: ثلاثة أضرب:
متشابه من جهة اللّفظ فقط، و متشابه من جهة المعنى فقط، و متشابه من جهتهما، فالمتشابه من جهة اللفظ ضربان:
أحدهما: يرجع إلى الألفاظ المفردة و ذلك إمّا من جهة غرابته نحو الأب و يزفّون، و إما من جهة مشاركة اللفظ كاليد و العين.
و الثاني: يرجع إلى جملة الكلام المركّب و ذلك ثلاثة أضرب:
ضرب: لاختصار الكلام، نحو: «وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ «4».
و ضرب: لبسط الكلام، نحو: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ» «5» لأن لو قيل: ليس مثله شي‏ء كان أظهر للسامع.
و ضرب: لنظم الكلام، نحو: «أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً» «6» تقديره أنزل على عبده الكتاب قيّما و لم يجعل له عوجا.
__________________________________________________
 (1) روح المعاني: ج 3 ص 82.
 (2) الاعراف: الآية 54 و يونس: الآية 3.
 (3) الجامع لاحكام القرآن: ج 4 ص 11.
 (4) النساء: الآية 3.
 (5) الشورى: الآية 11.
 (6) الكهف: الآية 2.
                       

424
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و المتشابه من جهة المعنى: أوصاف اللّه تعالى، و أوصاف القيامة فإنّ تلك الصفات لا تتصور لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسّه أو لم يكن من جنس ما نحسّه.
و المتشابه من جهة اللّفظ و المعنى خمسة أضرب:
الأول: من جهة الكميّة كالعموم و الخصوص نحو: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» «1».
و الثاني: من جهة الكيفيّة كالوجوب و الندب: «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» «2».
و الثالث: من جهة الزمان كالناسخ و المنسوخ نحو: «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» «3».
و الرابع: من جهة المكان و الامور التي نزلت فيها نحو: «لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها» «4». «إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ» «5» فانّ من لا يعرف عادتهم في الجاهليّة يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية.
و الخامس: من جهة الشروط التي يصحّ بها الفعل، أو يفسد كشروط الصلاة و النكاح، و هذه الجملة إذا تصورت علم أنّ كل ما ذكره المفسّرون لا يخرج عن هذه التقاسيم نحو قول من قال: المتشابه (الم) و نحو قول قتادة: المحكم النّاسخ و المتشابه المنسوخ، و قول الأصم: المحكم ما اجمع على تأويله و المتشابه ما اختلف فيه، ثم جميع المتشابهات على ثلاثة أضرب.
ضرب: لا سبيل على الوقوف عليه، كوقت السّاعة و خروج الدّابة، و كيفيّة الدابة، و نحو ذلك.
و ضرب: للانسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ العربيّة و الأحكام العقليّة.
__________________________________________________
 (1) التوبة: الآية 5.
 (2) النساء: الآية 3.
 (3) آل عمران: الآية 102.
 (4) البقرة: الآية 189.
 (5) التوبة: الآية 37.

425
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و ضرب: متردّد بين الأمرين يختص بمعرفته بعض الراسخين في العلم، و يخفى على من دونهم و هو الضرب المشار إليه بقوله صلّى اللّه عليه و آله في علي عليه السّلام: «اللهم فقّهه في الدين، و علّمه التأويل»، فإذا عرفت هذه الجملة عرفت أنّ الوقوف على قوله: «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ» «1» و وصله بقوله:
 «وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» «2» جائزان، و أنّ لكلّ واحد منهما وجها حسب ما دلّ عليه التفصيل المتقدّم «3» انته.
و قال النظّام النيسابوريّ: الآيات ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يتأكد ظواهرها بالدلائل العقليّة فذلك هو المحكم حقّا.
و ثانيها: التي قامت الدلائل القطعيّة على امتناع ظواهرها فذلك الذي يحكم فيه بأن مراد اللّه تعالى فيه غير ظاهرة.
و ثالثها: الذي لا يوجد مثل هذه الدلائل على طرفي ثبوته و انتفائه فهو المتشابه بمعنى أنّ الأمر اشتبه فيه و لم يتميّز أحد الجانبين عن الآخر، لكن هاهنا عقدة أخرى و هي أنّ الدليل العقلي مختلف فيه أيضا بحسب ما رتّبه كل فريق و تخيّله صادقا في ظنّه مادّة و صورة، فكل فريق يدّعي بمقتضى فكره قد قام على ما يوافق مذهبه، و تأكّد به الظاهر الذي تعلّق به فلا خلاص من البين إلّا بتأييد سماوي و نور إلهي «وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» «4» انته.
الثاني: طعن بعض الملاحدة في جعل بعض القرآن محكما و بعضه متشابها و قال:
كيف يليق بالحكيم أن يجعل كتابه المرجوع إليه في دينه الموضوع إلى يوم القيامة بحيث يتمسّك به صاحب كلّ مذهب، فمثبت الرؤية يتمسّك بقوله: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ» «5» و نافيها يتشبّث بقوله: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ» «6» و مثبت‏
__________________________________________________
 (1) آل عمران: الآية 7.
 (2) آل عمران: الآية 7.
 (3) المفردات: ص 254- 255.
 (4) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 1 ص 299 و 300.
 (5) القيامة: الآية 22- 23.
 (6) الأنعام: الآية 103.

426
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
الجهة يحتجّ بقوله: «يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ» «1»، و النّافي لها يبرهن بقوله: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ» «2»، فكلّ منهم يسمّى الآيات الموافقة لمذهبه محكمة و المخالفة له متشابهة، و ربما آل الأمر في ترجيح بعضها على بعض إلى وجوه ضعيفة و تراجيح خفيّة، و هذا لا يليق بالحكمة مع أنّه لو جعله كلّه واضحا جليّا ظاهرا خالصا عن المتشابه نقيّا كان أقرب إلى حصول الغرض.
و أجاب الزمخشريّ: بأنّه لو كان كلّ القرآن محكما لتعلّق الناس به لسهولة مأخذه و لأعرضوا عمّا يحتاجون فيه إلى الفحص و التأمل من النظر و الاستدلال، و لو فعلوا ذلك لعطّلوا الطريق الذي لا يتوصّل إلى معرفة اللّه و توحيده إلّا به و لما في المتشابه من الابتلاء و التمييز «3» بين الثابت على الحق و المتزلزل فيه و لما في تقادح العلماء و إتعابهم القرائح في استخراج معانيه و ردّه إلى المحكم من الفوائد الجليّة و العلوم الجمّة و نيل الدرجات عند اللّه و لأنّ المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام اللّه و لا اختلاف إذا ما رأى ما يتناقض في ظاهره و أهمّه طلب ما يوفق بينه و يجريه على سنن واحد ففكّر و راجع نفسه و غيره ففتح اللّه عليه و تبيّن مطابقة المتشابه المحكم إزداد طمأنينة إلى معتقده و قوّة في إيقانه «4» انته.
قال النيسابوريّ: و هاهنا سبب أقوى و هو أنّ القرآن كتاب مشتمل على دعوة الخواص و العوام و طباع العامّة تنبو في الأغلب عن إدراك الحقائق فمن سمع منه في أوّل الأمر إثبات موجود ليس بجسم و لا متحيز و لا مشار إليه ظنّ أنّ هذا عدم و نفي و وقع في التعطيل فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالّة على بعض ما توهّموه و تخيّلوه مخلوطا بما يدلّ على الحقّ الصريح.
فالأول: و هو الذي يخاطب به في أوّل الأمر من باب المتشابهات.
__________________________________________________
 (1) النحل: الآية 50.
 (2) الشورى: الآية 11.
 (3) «ألف»: التميز.
 (4) تفسير الكشاف: ج 1، ص 338.

427
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و الثاني: و هو الذي يكشف لهم آخر الحال من قبيل المحكمات «1» انته.
و أنا أقول و ها هنا سبب أقوى من ذلك أيضا و هو أنّ في القرآن المجيد من الأسرار الإلهيّة و المعارف الربانيّة ما لا يحتمله كلّ عقل و لا ينشرح له كلّ صدر، فلو كان القرآن كلّه محكما ظاهرا لضلّ كثير من العقول و زاغ كثير من القلوب و لكن جعل بعضه محكما و هو ما تشترك العقول على تفاوت مراتبها في احتماله و تتّفق القلوب على قبوله و بعضه متشابها موكولا علمه إلى أهله، و هم أهل الذكر المأمور بسؤالهم في قوله تعالى: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»* «2» ليبيّنوا للنّاس معناه و يوضّحوا لهم مقاصده على مقادير عقولهم و حسب مقاماتهم و تفاوت مراتبهم فيرشدون إلى كل مقام أهله و يخفونه عن غير أهله إذ كانوا أطبّاء النفوس و كما أنّ الطبيب يرى أنّ بعض الأدوية ترياق و شفاء و ذلك الدواء بعينه لشخص آخر سمّ و هلاك كذلك كتاب اللّه تعالى و الموضّحون لمقاصده من الأنبياء و الأوصياء يرون أنّ بعض الأسرار الإلهيّة شفاء لبعض الصدور فيلقونها إليهم و ربّما كان تلك الأسرار بأعيانها لغير أهلها سببا لضلالهم و كفرهم إذا ألقيت إليهم و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله «أمرت أن أكلم الناس على قدر عقولهم» «3» و هذا أقوى الأسباب في جعل بعض القرآن محكما و بعضه متشابها و اللّه أعلم.
الثالث: في قوله عليه السّلام: «و يفزع إلى الإقرار بمتشابهه» تلميح إلى قوله تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» «4»، فغرضه عليه السّلام أن يجعله من الرّاسخين في العلم الذين يقولون آمنّا به أي بمتشابهه و هو معنى الإقرار به.
__________________________________________________
 (1) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان: ج 1 ص 299.
 (2) سورة النحل: الآية 43.
 (3) الكافي: ج 1 ص 23 ح 15.
 (4) سورة آل عمران: الآية 7.

428
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و تعبيره بالفزع إلى الإقرار: أي الالتجاء «1» به إشعار بأن المتشابه لمّا كان محتملا لوجوه كثيرة بعضها من العلوم الخفيّة و بعضها يؤدّي إلى الكفر أو البدعة أو التناقض لم يكن للخلاص من الوقوع في محذور الشبهة سبيل إلّا الفزع إلى الاقرار و الإيمان به على ما أراد من تلك الوجوه و غيرها.
قال بعضهم: الرّاسخون في العلم: هم الذين علموا بالدلالة «2» القطعية، إن اللّه تعالى عالم بالمعلومات التي لا نهاية لها و علموا أنّ القرآن كلام اللّه تعالى و أنّه لا يتكلّم بالباطل و العبث، فإذا سمعوا آية و دلّت الدلائل القاطعة على أنّه لا يجوز أن يكون ظاهرها مراد اللّه تعالى بل المراد منها «3» غير ذلك الظاهر فوضعوا تعيين ذلك المراد إلى علمه تعالى، و قطعوا بأنّ ذلك المعنى أي شي‏ء كان فهو الحق و الصواب، و لم يزعزعهم قطعهم بترك الظاهر و لا عدم علمهم بالمراد عن الإيمان باللّه و الجزم بصحّة القرآن، و لم يكن ذلك شبهة لهم في الطعن في كلام اللّه تعالى «4» و في خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام المعروفة بخطبة الأشباح و اعلم أن الرّاسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح اللّه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما و سمّي تركهم التعمق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا فاقتصر على ذلك «5» انته.
فان قلت قد ورد في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: نحن الراسخون في العلم، و نحن نعلم تأويله «6».
و في رواية أخرى عنه عليه السّلام قال: الراسخون في العلم أمير المؤمنين و الأئمة من بعده عليهم السّلام «7».
__________________________________________________
 (1) «ألف»: التجاء.
 (2) «ألف»: بالدلائل.
 (3) «ألف»: مراده منه.
 (4) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 7 ص 191.
 (5) شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 2 ص 331.
 (6) الكافي: ج 1، ص 213، ح 1.
 (7) الكافي: ج 1، ص 213، ح 3.

429
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و في خبر آخر: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أفضل الراسخين في العلم قد علّمه اللّه جميع ما أنزل عليه من التنزيل و التأويل و ما كان اللّه لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله، و أوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه «1». فكيف يكون الراسخون هم الذين أقرّوا بجملة ما جهلوا تفسيره و لم يعلموا تأويله.
قلت: الرسوخ ليس مرتبة واحدة هي تقليد ظواهر الشريعة و اعتقاد حقيقتها فقط بل تقليدها مرتبة أولى من مراتب الرسوخ، و من وراءها مراتب غير متناهية بحسب مراتب السلوك و قوّة السالكين كما نصّ عليه بعض المحقّقين من أصحابنا.
فالراسخون: الذين أشار إليهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه هم الواقفون في المرتبة الاولى و هم الذين اقتصروا على ما وقفتهم الشريعة عليه على سبيل الجملة «2».
و الراسخون في قول الصادق عليه السّلام: «نحن الراسخون في العلم و نحن نعلم تأويله» هم الواصلون إلى أقصى مراتب الرسوخ «3» كما دلّ عليه ما في الخبر الآخر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أفضل الراسخين «4»، و وقع الإنكار على من ادّعى هذه المرتبة في قول أمير المؤمنين عليه السّلام من خطبة أخرى «أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذبا و بغيا» «5».
و من هنا يظهر سرّ جواز الوجهين في تلاوة الآية من الوقوف على قوله تعالى:
 «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ» «6» و وصله بقوله: «وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» «7» فإن وقفت كان المراد بالراسخين جميع الراسخين على مراتبهم، و إن وصلت كان المراد بهم العالمين بتأويله، فيكون قوله: «يقولون» على الأوّل خبرا و على الثاني استئنافا موضحا لحال الراسخين او حالا منهم يتضمّن المدح لهم بالتصديق به مع العلم بتأويله و اللّه أعلم.
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 1، ص 213، ح 2.
 (2) شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 2 ص 335.
 (3) الكافي: ج 1 ص 213 ح 1.
 (4) الكافي: ج 1 ص 213 ح 2.
 (5) نهج البلاغة: ص 201، الخطب 144.
 (6) سورة آل عمران: الآية 7.
 (7) سورة آل عمران: الآية 7.

430
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

 [ 1096] اللّهمّ إنّك أنزلته على نبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و آله مجملا و ألهمته علم عجائبه مكمّلا، و ورّثتنا علمه مفسّرا، و فضّلتنا على من جهل علمه و قوّيتنا عليه لتعرفعنا فوق من لم يطق حمله.
أجملت الشي‏ء إجمالا: جمعته من غير تفصيل فهو مجمل، و منه قيل للحساب الذي لم يفصّل و الكلام الذي لم يبيّن تفصيله مجمل.
قال الراغب: و حقيقة المجمل: هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخّصة أي غير مبيّنة «1».
قال بعضهم: معنى إنزاله تعالى القرآن على نبيّه مجملا: إنّه لم يبيّن له أسراره و عجائبه المستنبطة منه حال إنزاله بل أوحاه إليه مجملا ثم ألهمه بعد ذلك علمه بالتمام كما تدلّ عليه الفقرة الثانية.
و قيل: إجماله بالنسبة إلى غيره عليه السّلام لا إليه ليكون هو الذي يفصّله و يبيّنه.
و الأولى أن يكون المراد بقوله: «مجملا» أنّه مشتمل على جملة أشياء كثيرة من الأسرار و الأحكام غير مبيّنة و لا مشروحة فيه بحيث يعلمها كلّ أحد كما ورد في الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا و له أصل في كتاب اللّه عزّ و جلّ و لكن لا يبلغه عقول الرجال «2».
و عنه عليه السّلام أنزل في القرآن تبيان كل شي‏ء حتّى و اللّه ما ترك اللّه شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل في القرآن إلّا و قد أنزله اللّه فيه «3»، و الاخبار في هذا المعنى كثيرة.
و الفرق بين هذا المعنى و بين المعنى الأوّل: أنّ علمه عليه السّلام بما أجمل فيه لم يكن بعد عدم العلم به، بل علمه به بالتمام من نفس علمه به مجملا، فان النّفوس‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 98.
 (2) بحار الأنوار: ج 92 ص 100 ح 71.
 (3) بحار الأنوار: ح 92 ص 81 ح 9.

431
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
القدسيّة إذا علمت الجمل فقد علمت تفسيرها و ذلك كما إذا نظرت إلى زيد فقد أبصرت كلّه إجمالا و أبصرت أجزاءه و تفاصيله جميعا عند إبصار كله، بل إبصار الكل و الأجزاء إبصار واحد و إنّما يتفاوت بالاعتبار.
و الفرق بينه و بين المعنى الثاني: أنّ إجماله بالنسبة إليه أيضا «1» عليه السّلام لأشتماله على جملة الأحكام و الأسرار التي أودعها سبحانه فيه، غير أنّه عليه السّلام ألهم علم ذلك كلّه مفصّلا من علمه به مجملا بخلاف غيره و اللّه أعلم.
و الالهام: القاء اللّه تعالى الشي‏ء في النفس بطريق الفيض.
و عجائب القرآن: نكته و لطائفة المندرجة في الاسلوب، و المباني و أسراره و دقائقه المطويّة في المقصود، و المعاني التي بعضها فوق بعض.
و قيل: هي ما أودع فيه من أنواع العلوم التي إذا أدركها العقل تعجب.
و مكمّلا: أي بكماله، من كمل الشي‏ء إذا تمّت أجزاؤه و كملت محاسنه.
و الوراثة: انتقال الشي‏ء إليك عن غيرك من غير عقد و لا ما يجري مجراه، و خصّ ذلك بالمنتقل عن الميّت و يقال له: ميراث، وارث و تراث و أصلهما ورث و وراث بالواو، و الفعل ورث يرث بكسرهما كوثق يثق، يقال: ورث مال أبيه، ثم قيل: ورث أباه مالا و يعدّى بالهمزة و التضعيف فيقال: أورثه أبوه مالا و ورثه توريثا، و بهما قرء قوله تعالى: «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا» «2».
و لمّا كان علم القرآن منتقلا إلى الأوصياء عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عبّر عليه السّلام عن جعله منتهيا إليهم و صائرا لهم بالتوريث استعارة لأن الإرث لغة و شرعا لا يطلق إلّا على المنتقل من المال و لا يستعمل في غيره إلّا على طريق المجاز.
و في عبارة الدعاء تلميح إلى قوله تعالى في فاطر: «وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ»
__________________________________________________
 (1) هكذا في الاصل. و الصحيح إليه عليه السّلام أيضا.
 (2) سورة مريم: الآية 63.

432
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» «1».
قال أمين الإسلام: عن الباقر و الصادق عليهما السّلام، أنّهما قالا: «هي لنا خاصّة و إيّانا عنى» و هو أقرب الأقوال في الآية لأنّهم أحقّ الناس بوصف الاصطفاء و الاجتباء و إيراث علم الأنبياء إذ هم المتعبدون بحفظ القرآن و بيان حقائقه و العارفون بجلائله و دقائقه «2» انته.
و في رواية عن الصادق عليه السّلام نحن الذين اصطفانا اللّه عزّ و جلّ، و أورثنا هذا الكتاب الذي فيه تبيان كلّ شي‏ء «3».
و عن الرضا عليه السّلام في تفسير الآية: أراد العترة الطاهرة «4».
و فسّرت الشي‏ء فسرا من باب- ضرب-: بيّنته و أوضحته، و التثقيل للمبالغة، و المراد به هنا ما يعمّ التأويل قطعا و قد اختلف العلماء في التفسير و التأويل.
فقال أبو عبيدة و المبرّد. و طائفة: هما بمعنى «5».
و أنكر ذلك قوم حتى بالغ ابن حبيب النيسابوري فقال: قد نبغ في زماننا مفسّرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير و التأويل ما اهتدوا إليه «6».
و قال الراغب: التفسير أعم من التأويل و أكثر استعماله في الألفاظ و مفرداتها، و أكثر استعمال التأويل في المعاني و الجمل و أكثر ما يستعمل في الكتب الإلهيّة، و التفسير: يستعمل فيها و في غيرها «7».
__________________________________________________
 (1) فاطر: الآية 30 و 31.
 (2) مجمع البيان: ج 7 و 8، ص 408.
 (3) نور الثقلين: ج 4 ص 361.
 (4) عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 229 (في الفرق بين العترة و الامة).
 (5) روح المعاني: ج 1 ص 4. و مجمع البيان: ج 1- 2، ص 13.
 (6) لم نقف على قوله.
 (7) روح المعاني: ج 1 ص 4 نقلا عن الراغب.

433
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و قال غيره: التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلّا وجها واحدا و التأويل توجيه لفظ متوجّه إلى معان مختلفة إلى معنى واحد منهما بما يظهر من الأدلّة «1».
و قال الماتريدي: التفسير: القطع على أن المراد من اللفظ هذا و الشّهادة على اللّه إنه عنى باللفظ هذا، فان قام دليل مقطوع به فصحيح و إلّا فتفسير بالرأي و هو المنهي عنه «2».
و التأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع و الشهادة على اللّه سبحانه.
و قال أبو طالب الثعلبي: التفسير: بيان وضع اللفظ إمّا حقيقة أو مجازا كتفسير الصراط بالطريق و الصيّب بالمطر.
و التأويل: تفسير باطن اللفظ مأخوذ من الأوّل و هو الرجوع لعاقبة الأمر، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد و التفسير إخبار عن دليل المراد لأنّ اللفظ يكشف عن المراد، و الكاشف دليل، مثاله قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» «3» تفسيره إنّه من الرصد. يقال: رصدته أي رقبته. و المرصاد: مفعال منه و تأويله التحذير من التهاون بأمر اللّه و الغفلة عن الأهبّة و الاستعداد للعرض عليه، و قواطع الأدلّة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة.
و قال الأصبهاني في تفسيره: اعلم أنّ التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن و بيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل و غيره، و بحسب المعنى الظاهر و غيره، و التأويل أكثره في الجمل و التفسير إمّا أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو البحيرة و السائبة و الوصيلة أو في وجيز يتبيّن بشرح نحو: «أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ»* أو في كلام متضمّن لقصّة لا يمكن تصويره إلّا بمعرفتها كقوله: «إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ».
__________________________________________________
 (1) لا حظ تفسير الطبري: ج 2 ص 27، ط الاميريه، مصر.
 (2) روح المعاني: ج 1 ص 4- 5 نقلا عنه على سبيل الايجاز.
 (3) الفجر: الآية 14.

434
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و أمّا التأويل فإنّه يستعمل تارة عامّا و تارة خاصّا نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق و تارة في جحود البارئ خاصة، و الإيمان المستعمل في التصديق المطلق تارة و في تصديق الحق أخرى و أما في لفظ مشترك بين معان مختلفة نحو لفظ وجد المستعمل في الجدة و الوجدة و الوجود «1».
و قال غيره: التفسير يتعلّق بالرواية و التأويل يتعلق بالدراية «2».
و قال قوم: ما وقع مبيّنا في كتاب و معيّنا في صحيح السنّة سمّي تفسيرا لأنّ معناه قد ظهر و وضح و ليس لأحد أن يعرّض «3» له باجتهاد و لا غيره بل يحمله على المعنى الذي ورد لا يتعدّاه.
و التأويل ما استنبطه العلماء العاملون بمعاني الخطاب الماهرون في آلات العلوم.
و قال الطبرسيّ: التفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل، و التأويل: ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر «4».
و قال الزّركشي: التفسير: علم يفهم به كتاب اللّه المنزل على نبيّه عليه السّلام و بيان معانيه و استخراج أحكامه و حكمه «5».
و قال بعضهم: التفسير: علم نزول الآيات و شئونها و أقاصيصها و الأسباب النازلة فيها ثم ترتيب مكّيها أو مدنيّها و محكمها و متشابهها و ناسخها و منسوخها و خاصّها و عامّها و مطلقها و مقيّدها و حلالها و حرامها و وعدها و وعيدها و أمرها و نهيها و عبرها و أمثالها.
 (تنبيهان) الأول: تواترت الأخبار عن العترة الزاكية و أجمعت الأصحاب من الفرقة
__________________________________________________
 (1) تفسير الاصبهاني: لا يوجد لدينا كتابه.
 (2) روح المعاني: ج 1 ص 5.
 (3) «ألف»: يتعرض.
 (4) مجمع البيان: ج 1- 2 ص 13.
 (5) البرهان في علوم القرآن: ج 1 ص 13.

435
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
الناجية أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه و الأوصياء من أبنائه علموا جميع ما في القرآن علما قطعيّا بتأييد إلهي و إلهام ربّاني و تعليم نبوي و قد طابق العقل في ذلك النقل و ذلك أن الإمام إذا لم يعلم جميع القرآن لزم إهمال الخلق و بطلان الشرع و انقطاع الشريعة، و كلّ ذلك باطل بحكم العقل و النقل، و من الأخبار في هذا المعنى ما ورد من طريق العامة. عن أبي الطفيل قال: شهدت عليّا يخطب و هو يقول: «سلوني فو اللّه لا تسألوني عن شي‏ء إلّا أخبرتكم، و سلوني عن كتاب اللّه فو اللّه ما من آية إلّا و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار؟ أم في سهل أم في جبل» «1».
و أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء: عن ابن مسعود، قال: إنّ القرآن انزل على سبعة أحرف و ما منها حرف إلّا و له ظهر و بطن و إن عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر و الباطن «2».
و أخرج أيضا من طريق أبي بكر بن عيّاش، عن نصير «3» بن سليمان الأحمسي، عن أبيه، عن عليّ عليه السّلام قال: «و اللّه ما نزلت آية إلّا و قد علمت فيم أنزلت و أين أنزلت إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سؤلا» «4».
و أمّا الرّوايات في ذلك من طريق الخاصّة فأكثر من أن تحصى.
منها: ما رواه ثقة الإسلام بسند حسن، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ما ادّعى أحد من النّاس إنّه جمع القرآن كلّه كما انزل إلّا كذّاب و ما جمعه و حفظه كما نزل اللّه إلّا عليّ بن أبي طالب و الأئمة من بعده صلوات اللّه عليهم «5».
__________________________________________________
 (1) الغدير: ج 6، ص 193.
 (2) حلية الأولياء: ج 1 ص 65.
 (3) «ألف»: نصر.
 (4) حلية الأولياء: ج 1 ص 67- 68. و المناقب لابن شهرآشوب: ج 2، ص 43.
 (5) الكافي: ج 1 ص 228 ح 1.

436
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: إنّ في القرآن علم ما مضى و علم ما يأتي إلى يوم القيامة، أو حكم ما بينكم و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلّمتكم «1».
و عن أبي جعفر عليه السّلام إنه قال: ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره و باطنه غير الأوصياء «2».
و عنه عليه السّلام: إنّ من علم ما اوتينا تفسير القرآن «3».
و عن عبد الأعلى بن أعين، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: و اللّه إني لأعلم كتاب اللّه من أوّله إلى آخره كأنّه في كفي فيه خبر السماء و خبر الأرض و خبر ما كان و ما هو كائن، قال اللّه عزّ و جلّ: فيه «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ» « [1]».
و قال بعض المحقّقين: قوله عليه السّلام: «كأنّه في كفي» تنبيه على أنّ علمه بما في الكتاب علم شهودي بسيط واحد بالذات متعلّق بالجميع، كما أن رؤية ما في الكفّ رؤية واحدة متعلقة بجميع أجزائه، و التعدّد إنما هو بحسب الاعتبار.
و قوله: «فيه خبر السماء»: يعني من أحوال الأفلاك و حركاتها و أحوال الملائكة و درجاتها و حركات الكواكب و مداراتها و منافع تلك الحركات و تأثيراتها إلى غير ذلك من الأمور الكائنة في العلويّات و المنافع المتعلّقة بالفلكيّات «4».
و قوله: «و خبر الأرض» يعني من جوهرها و انتهائها و ما في جوفها و أرجائها و ما
__________________________________________________
 (1) نهج السعادة: ج 3 ص 101.
 (2) الكافي: ج 1، ص 228، ح 2.
 (3) الكافي: ج 1 ص 229، ح 3.
 ( [1]) الكافي: ج 1 ص 229، ح 4. هذا و لكن في القرآن سورة النحل: الآية 91. «وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ فهذا التغيير يحتمل أن يكون من تصحيف النساخ و الرواة كما يحتمل أن يكون نقلا بالمعنى، أو أنّه في قراءتهم عليهم السّلام كان كذلك.
 (4) مرآة العقول: ج 3 ص 33.

437
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
في تحتها و أهوائها و ما فيها من المعدنيّات و ما تحت الفلك من البسائط و المركبات التي تتحيّر في إدراك نبذ منها عقول البشر و يتحسّر دون بلوغ أدنى مراتبها طائر النظر.
و قوله: «خبر ما كان و ما هو كائن» أي من أخبار السابقين و أحوال اللاحقين كلّياتها و جزئيّاتها، و أحوال الجنّة و مقاماتها، و تفاوت مراتبها و درجاتها، و أخبار المثاب فيها بالانقياد و الطاعة، و المأجور فيها بالعبادة و الزهادة، و أهوال النار و دركاتها، و أهوال مراتب العقوبة و مصيباتها، و تفاوت مراتب البرزخ في النّور و الظلمه، و تفاوت أحوال الخلق فيه بالراحة و الشدّة كل ذلك بدليل قوله تعالى:
فيه «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ» «1» أي كشفه و إيضاحه فلا سبيل إلى إنكاره و اللّه أعلم.
الثاني: ذهب جماعة من أصحابنا و غيرهم إلى أنّه لا يجوز أن يتجاوز أحد المسموع في تفسير القرآن، و لا يسوغ تفسيره إلّا بالآثار الصحيحة و النصوص الصريحة كما دلّ على ذلك الخبر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و عن الائمة القائمين مقامه.
قال بعض المتأخّرين من أصحابنا: قد تظافرت الأخبار عن الائمة الأطهار عليهم السّلام بالمنع من تفسير القرآن و الكلام على ظواهره و استنباط الأحكام النظريّة منها للرعيّة بل علم ذلك كلّه خاص بالأئمة عليهم السّلام، و هم المخاطبون بالقرآن لا غيرهم و الرعيّة مأمورون بالرجوع إليهم في ذلك و طلبه منهم و لذلك ترى مفسّري أصحابنا المتقدّمين لم يتجاوزوا النص كأبي حمزة الثمالي و علي بن إبراهيم و العيّاشي و غيرهم، و أمّا من تأخّر عنهم كالشيخ الطوسي و الطبرسي فانّهم نقلوا في تفاسيرهم ما صحّ عندهم من كلام الائمّة عليهم السّلام و ما لم يكن عندهم فيه شي‏ء نقلوا ما وصل إليهم فيه من أقوال المفسّرين من العامة بطريق الحكاية من غير ترجيح و لا رد و بيّنوا اللغات و الإعراب لا غير، لأن علم القرآن و معرفة تنزيله و تأويله‏
__________________________________________________
 (1) قد عرفت آنفا بأن في المصحف سورة النحل: الآية 89 «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ».

438
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و ظاهره و باطنه و محكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه و عامّه و خاصّه بيّنه اللّه لرسوله و بيّنه الرسول لأمير المؤمنين و أولاده عليهم السّلام و خصهم به دون غيرهم، و أمر الرعيّة بسؤالهم فان ورد عنهم فيه شي‏ء فذاك و إلّا فالسلامة في السكوت و من تكلّم فيه من أصحابنا بغير ما ورد فعن غفلة عمّا ورد فيه من المنع.
فان قلت: من تكلّم فيه من أصحابنا لم يذكر ذلك على سبيل الجزم و إنّما ذكره بطريق الاحتمال و الظن الراجح.
قلت: هذا هو القول بغير علم و هو منهيّ عنه بنصّ الكتاب فان قلت إذا منعت من ذلك فكيف تصنع بالآيات التي ظاهرها الجبر و التشبيه و غير ذلك.
قلت: كل ما في القرآن من المتشابهات الموافق ظاهرها لما دلّ البرهان على استحالته فقد ورد تأويلها و بيان المراد منها في السّنة المطهرة على أحسن وجه و أكمله فلا داعي إلى تأويلها من عند أنفسنا، و الاخبار الدالة على ما قلناه كثيرة فمن ذلك ما رواه الخاصّة و العامّة من قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «من فسّر القرآن برأيه فقد كفر» «1».
و روى الطبرسيّ في مجمع البيان: عن ابن عبّاس، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار» «2».
و روي في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما علمتم فقولوا و ما لم تعلموا فقولوا: اللّه أعلم، إنّ الرجل لينتزع الآية من القرآن يخبر فيها أبعد ما بين السماء و الأرض «3».
و في روضة الكافي عن زيد الشّحام، قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السّلام فقال: يا قتادة إنّك فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال‏
__________________________________________________
 (1) البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص 19 ح 13.
 (2) مجمع البيان: ج 1- 2 ص 3 و 9.
 (3) الكافي: ج 1، ص 142، ح 4.

439
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
أبو جعفر عليه السّلام: بلغني إنك تفسّر القرآن؟ فقال له قتادة: نعم، فقال أبو جعفر عليه السّلام: فان كنت تفسّر بعلم فأنت أنت و إن كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت و أهلكت، و إن كنت أخذته من الرّجال فقد هلكت و أهلكت، ويحك يا قتادة إنّما يعرف القرآن من خوطب به «1»، و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و الأخبار في هذا المعنى كثيرة انته ملخّصا.
و قال أمين الإسلام الطبرسيّ قدّس روحه «2» في مجمع البيان روت العامة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّه قال: من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ، قالوا: و كره جماعة من التابعين القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيّب، و عبيدة السلماني، و نافع، و سالم بن عبد اللّه و غيرهم، و القول في ذلك إن اللّه سبحانه ندب إلى الاستنباط و أوضح السبيل إليه و مدح أقواما عليه فقال «لعلمه الذين يستنبطونه منهم» و ذمّ آخرين على ترك تدبّره و الإضراب عن التفكّر فيه.
فقال: «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها» «3»، و ذكر أن القرآن منزل بلسان العرب فقال: «إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا» «4». و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب اللّه، فما وافقه فاقبلوه و ما خالفه فاضربوا به عرض الحائط»، فبيّن أن الكتاب حجّة و معروض عليه و كيف يمكن العرض عليه و هو غير مفهوم المعنى فهذا و أمثاله يدلّ على أنّ الخبر متروك الظاهر، فيمكن أن يكون معناه إن صحّ أنّ من حمل القرآن على رأيه و لم يعمل بشواهد ألفاظه فأصاب الحق فقد أخطأ الدّليل، و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّه قال: «إنّ القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه». و روي عن عبد اللّه بن عباس، إنه قسّم وجوه التفسير على أربعة أقسام: تفسير لا يعذر أحد بجهالته، و تفسير تعرفه العرب بكلامها، و تفسير تعلمه العلماء، و تفسير لا يعلمه إلّا اللّه‏
__________________________________________________
 (1) روضة الكافي: ص 311- 312، ح 485.
 (2) «ألف»: قدّس اللّه روحه.
 (3) سورة محمّد: الآية 24.
 (4) سورة الزخرف: الآية 3.

440
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
عزّ و جلّ فأمّا الذي لا يعذر أحد بجهالته: فهو ما يلزم الكافة من الشرائع التي في القرآن، و جمل دلائل التوحيد. و أمّا الذي تعرفه العرب بلسانها: فهو حقائق اللّغة و موضوع كلامهم. و أمّا الذي تعلمه العلماء: فهو تأويل المتشابه و فروع الأحكام.
و أمّا الّذي لا يعلمه إلّا اللّه عزّ و جلّ: فهو ما يجري مجرى الغيوب و قيام السّاعة. و أقول إنّ الإعراب أجل علوم القرآن فإنّ إليه يفتقر كلّ بيان، و هو الذي يفتح من الألفاظ الأغلاق و يستخرج من فحواها الاعلاق، إذ الأغراض كائنة فيها فيكون هو المشير لها و الباحث عنها و المشير إليها، و هو معيار الكلام الذي لا يبيّن نقصانه و رجحانه حتى يعرض عليه، و مقياسه الذي لا يميّز بين سقيمه و مستقيمه حتى يرجع إليه. و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «أعربوا القرآن و التمسوا غرائبه» «1». و إذا كان ظاهر الكلام طبقا لمعناه فكلّ من عرف العربيّة و الإعراب عرف فحواه و يعلم مراد اللّه به قطعا هذا إذا كان اللفظ غير مجمل يحتاج إلى بيان، و لا محتمل لمعنيين أو معان و ذلك مثل قوله: «وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»* «2». و قوله: «وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ» «3» و قوله: «وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» «4» و أشباه ذلك، فامّا ما كان مجملا لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصّلا مثل قوله سبحانه: «أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ»* «5» «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» «6»، فإنّه يحتاج فيه إلى بيان النّبيّ بوحي من اللّه تعالى إليه فيبيّن تفصيل أعيان الصلاة و أعداد الركعات و مقادير النصب في الزكاة و أمثالها كثيرة و الشروع في بيان ذلك من غير نص و توقيف ممنوع منه، و يمكن أن يكون الخبر الذي تقدّم محمولا عليه و أمّا ما كان محتملا لأمور كثيرة أو لأمرين و لا يجوز أن يكون الجميع مرادا بل قد دلّ‏
__________________________________________________
 (1) شعب الايمان: ج 2 ص 541 ح 2652، بالمعنى.
 (2) سورة الاسراء: الآية 33، الأنعام: الآية 151.
 (3) سورة البقرة: الآية 163.
 (4) سورة الكهف: الآية 49.
 (5) سورة البقرة: الآية 43.
 (6) سورة الأنعام: الآية 141.

441
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
الدليل على أنّه لا يجوز أن يكون المراد إلّا واحدا فهو من باب المتشابه لاشتباه المراد منه بما ليس بمراد، فيحمل على الوجه الذي يوافق الدّليل، و جاز أن يقال: هو المراد، و إن كان اللفظ مشتركا بين معنيين أو أكثر، و يمكن أن يكون كلّ واحد من ذلك مرادا فلا ينبغي أن يقدم عليه بجسارة فيقال: إن المراد به كذا قطعا إلّا بقول نبيّ أو إمام مقطوع على صدقه بل يجوز أن يكون كل واحد مرادا على التفصيل و لا يقطع عليه و لا يقلد أحدا من المفسّرين فيه إلّا أن يكون التأويل مجمعا عليه فيجب اتّباعه لانعقاد الإجماع عليه. فهذه الجملة التي لخصتها أصل يجب أن يرجع إليه و يعود «1» عليه و تعتبر به وجوه التفسير و ما اختلف فيه العلماء من نزول القرآن و المعاني و الأحكام «2» انته كلامه، رفع مقامه، و عليه عول جمهور الاصحاب و اللّه أعلم.
 [ 1097] قوله عليه السّلام: «و فضّلتنا على من جهل علمه» أي جعلت لنا الفضيلة بعلمه على من لم يعلمه سواء خلت نفسه من العلم به أو اعتقده على خلاف ما هو عليه.
فالجهل هنا أعمّ من أن يكون بسيطا و هو عدم العلم عمّا من شأنه أن يكون معلوما أو مركبا و هو اعتقاد جازم غير مطابق للواقع.
و قوله عليه السّلام: «و قوّيتنا عليه» أي أفضت علينا قوّة و جدّا و عزيمة ربانيّة نقوى بها على فهم ظاهره و باطنه و الاطلاع على سرائره و عجائبه و الاضطلاع و العمل و التخلق بما فيه فهو كقوله تعالى: «يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ» «3» أي ملتبسا بجدّ و عزيمة أفضناها عليك تقوى بها على القيام به ليتحقّق فيك ميراث أبيك و ميراث آل يعقوب.
و الرفع في الأجسام: حقيقة في الحركة و الانتقال.
__________________________________________________
 (1) «ألف» يعول.
 (2) مجمع البيان: ج 1- 2، ص 13- 14.
 (3) سورة مريم: الآية 12.

442
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
يقال: رفعت الشي‏ء أرفعه رفعا إذا أعليته عن مقرّه، ثم استعمل في المعاني مجازا، فقيل: رفعه أي شرّفه و أعلى منزلته و منه: «وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ» «1».
و أطقت الشي‏ء إطاقة: قدرت عليه فأنا مطيق، و الاسم الطاقة مثل الطاعة اسم من أطاع.
و حملته الشي‏ء فحمله: أي كلّفته أن يقوم به فقام و منه قوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها» «2» قال الراغب: أي كلّفوا أن يتحمّلوها، أي يقوموا بحقّها فلم يحملوها «3».
فقوله: «لم يطق حمله» أي لم يقدر على القيام بحقّ القرآن من فهم معناه و العلم بما أودع اللّه فيه من أسراره و حكمه كما روي عن أبي جعفر عليه السّلام إنّه قال في رسالة: و إنّما القرآن أمثال القوم يعلمون دون غيرهم و لقوم يتلونه حقّ تلاوته، و هم الذين يؤمنون به و يعرفونه فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكالا عليهم و أبعده من مذاهب قلوبهم و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّه ليس شي‏ء بأبعد من قلوب الرّجال من تفسير القرآن، و في ذلك تحيّر الخلق أجمعون إلّا من شاء اللّه «4».
 (تنبيه) قال السيّد الجليل علي بن طاووس قدّس سرّه، قوله عليه السّلام: «و ورثتنا علمه».
و قوله: «و فضّلتنا» و نحو ذلك من الألفاظ ينبغي تبديله بألفاظ تناسب حال الدّاعي انته.
__________________________________________________
 (1) سورة الزخرف: الآية 32.
 (2) سورة الجمعة: الآية 5.
 (3) المفردات: ص 132.
 (4) بحار الأنوار: ج 92 ص 100 ح 72.

443
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ فكما جعلت قلوبنا له حملة و عرّفتنا برحمتك شرفه و فضله، فصلّ على محمّد الخطيب به، و على آله الخزّان له و اجعلنا ممّن يعترف بأنّه من عندك حتّى لا يعارضنا الشكّ في تصديقه و لا يختلجنا الزّيغ عن قصد طريقه.
قلت: الأولى تبديل الضمير فقط فيقال في قوله: «و ورثتنا علمه» و ورثت أوصيائه علمه مفسرا عطفا على قوله: «إنّك أنزلته على نبيّك مجملا» ثم إعادة سائر الضمائر إليهم بأن يقال: «و فضلتهم و قوّيتهم عليه لترفعهم» لما في ذلك من إبقاء المعنى على أصله و اللّه أعلم.
 [ 1098] «الكاف»: للتعليل أو للتشبيه كما بيّناه في نظير هذه العبارة في أواخر الروضة الحادية و الثلاثين.
و الحملة بفتحتين: جمع حامل و هو جمع مطرد لفاعل وصف لمذكر عاقل كظالم و ظلمة و ساحر و سحرة.
و جعل قلوبهم حملة للقرآن: عبارة عن إعدادها لحفظه و إلهامها علمه و تدبّره و الوقوف على حدوده و أحكامه و أمثاله إلى غير ذلك من مدارك خصائصه الخارجة عن طوق غيرهم من البشر.
و يجوز أن يراد بحمل القلوب له مطلق حفظه و تعلّمه فيعم غيرهم عليهم السّلام.
و عرفتهم الأمر تعريفا: علّمته إيّاه.
و الشرف: العلو و الفضل و الكمال، و تعريفه سبحانه شرف القرآن الكريم و فضله على نوعين:
الأوّل: ما يشترك في معرفته كل أحد و وصفه له بنعوت الشرف و الفضل و الكمال كنعته بالشرف في قوله: «وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» «1»: أي الشرف.
__________________________________________________
 (1) سورة ص: الآية 1.

444
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و بالإعجاز في قوله تعالى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى‏ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» «1».
و نعته بالبركة في قوله: «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» «2» «وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ» «3».
و نعته بالمجد و العزّة و العظمة و الكرم و الحكمة في قوله: «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ» «4» «إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» «5» «وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» «6» «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» «7» «تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ»* «8» إلى غير ذلك من كونه هدى و رحمة و شفاء و موعظة و حقّا و صدقا و بلاغا و فضلا و مبينا و بصائر و بيانا و عدلا و أحسن الحديث و كل ذلك تعريف لشرفه و فضله يستوي في معرفته كل سامع له.
الثاني: ما يختصّ به من اطلعه سبحانه على حقائقه و دقائقه «9» و أسراره و عجائبه و غرائبه و تفاصيل ما أودع فيه من العلوم و الأحكام و ما كان و ما هو كائن و ما يكون إلى يوم القيامة كما قال تعالى: «ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ» «10» فإنّ من اطلع على ذلك عرف شرف القرآن و فضله و صدّق أنّ اللّه سبحانه عرفه ذلك و هذا يختص به خاصّة اللّه من خلقه و هم الرسول و أهل بيته القائمون مقامه عليهم السّلام.
 [ 1099] و الخطيب: فعيل بمعنى فاعل من خطب يخطب من باب- قتل-.
خطبة بالضم: إذا تكلّم بكلام يتضمن «11» ترغيب الجمهور في فعل الخير و تنفيرهم عن الشرّ و صناعته.
__________________________________________________
 (1) سورة الأسراء: الآية 88.
 (2) سورة ص: الآية 29.
 (3) سورة الأنبياء: الآية 50.
 (4) سورة البروج: 21.
 (5) سورة فصّلت: الآية 41.
 (6) سورة الحجر: الآية 87.
 (7) سورة الواقعة: الآية 77- 79.
 (8) سورة يونس: الآية 1.
 (9) «ألف»: وقائعه.
 (10) سورة الأنعام: الآية 38.
 (11) صاحب الشروح على الجمل، شرح الجزولية.

445
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و الخطابة بالكسر: كالتجارة و الخياطة.
قال ابن عصفور: و فعالة بالكسر تنقاس في الصنائع، و أما الخطابة بالفتح فهو مصدر خطب بالضم خطابة كفصح فصاحة، فمن توهّم إنّها بالمعنى الأوّل بالفتح فقد أخطأ «1».
و عرّف أرباب المعقول الخطابة بأنّه قياس مركّب من مقدّمات مقبولة أو مظنونة ممّن يعتقد فيه الجمهور لأمر سماويّ أو زهد أو علم أو رياضة إلى غير ذلك من الصفات المحمودة، و الغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم من أمور معادهم و معاشهم كما يفعله الخطباء و الوعّاظ.
إذا عرفت ذلك ظهر لك حسن تعبيره عليه السّلام بقوله: «الخطيب به». إذ كان الغرض من خطاب الخلق به هدايتهم إلى مصالحهم الدنيويّة و الأخرويّة و إلّا فالقرآن ليس مقصورا على الخطابة بل هو مشتمل على أنواع القياس من البرهاني و الخطابي و الجدلي و إلى ذلك وقعت الإشارة بقوله تعالى: «ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «2». فالحكمة: هي البرهان.
و الموعظة الحسنة: هي الخطابة و جادلهم بالتي هي أحسن: أي بالمشهورات المحمودة التي يعترف بها الجميع أو أكثرهم هو الجدلي.
قوله عليه السّلام: «و آله الخزّان» «3». الخزّان: جمع خازن، من خزنت الشّي‏ء خزنا من باب- قتل- إذا حفظته في الخزانة، ثم عبّر به عن كلّ حفظ كحفظ السرّ و نحوه.
و المراد بآله الخزّان له: أوصيائه الأئمة عليهم السّلام لأنهم الحافظون له لفظا و معنى كما رواه ثقة الإسلام بسنده عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام‏
__________________________________________________
 (1) «ألف» يضمن.
 (2) سورة النحل: الآية 125.
 (3) «ألف»: الخزان له.

446
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
يقول: ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلّا كذّاب، و ما جمعه و حفظه كما أنزله اللّه عزّ و جلّ إلّا عليّ بن أبي طالب و الأئمة من بعده صلوات اللّه عليهم «1».
و عنه أيضا عليه السّلام أنّه قال: ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن كلّه ظاهره و باطنه غير الأوصياء عليهم السّلام «2».
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة.
 [ 1100] قوله «3» عليه السّلام: «ممن يعترف بأنّه من عندك» الاعتراف: الإقرار، و أصله إظهار معرفة ما يقرّ به.
و من عندك: أي منزل من عندك فمتعلّقه كون خاص، و قول أبي حيّان: أنّ الخاص لا يحذف «4».
و هم، لاتّفاقهم على جواز حذف الخبر.
و «حتى» تعليليّة.
و عارضه الشك: بمعنى اعترضه، أي عرض له فمنعه من اليقين، و أصله من قولهم: «سرت فعرض لي في الطريق عارض من جبل أو بناء أو نحو ذلك» أي مانع يمنعني من المضيّ.
و في نسخة حتّى لا يعترضنا، و الشّك هنا خلاف اليقين و هو التردّد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجّح أحدهما على الآخر فيشمل الظنّ.
قال تعالى: «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ «5» قال المفسّرون: أي غير مستيقن و هو يعمّ الحالتين.
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 1 ص 228 ح 1.
 (2) الكافي: ج 1، ص 228، ح 2.
 (3) «ألف» و قوله.
 (4) لا يوجد لدينا كتابه.
 (5) يونس: الآية 94.

447
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجعلنا ممّن يعتصم بحبله و يأوي من المتشابهات إلى حرز معقله، و يسكن في ظلّ جناحه و يهتدي بضوء صباحه و يقتدي بتبلّج إسفاره و يستصبح بمصباحه و لا يلتمس الهدى في غيره.
و صدقته تصديقا: نسبته إلى الصدق، و قلت له: صدقت. و يحتمل أن يراد بتصديقه: التصديق به على الحذف و الإيصال، أي الإذعان به و القبول له.
و خلجه خلجا من باب- قتل- و اختلجه اختلاجا: جنبه و انتزعه، و منه:
 «الخليج» للنهر الذي يقتطع من النهر الأعظم إلى موضع آخر.
و في الحديث: «ليردن على الحوض أقوام ثم ليختلجنّ دوني» أي يجتذبون و يقتطعون «1».
و الزيغ: الميل عن الاستقامة.
و قصد الطريق: استقامته، و طريق قصد أي قاصد بمعنى مستقيم فقصد طريقه، إمّا بمعنى استقامة طريقه أو طريقه المستقيم من باب إضافة الصّفة إلى الموصوف و اللّه أعلم.
 [ 1101] الاعتصام بالشي‏ء: التمسّك به.
و الحبل: العهد و الميثاق مستعار من الحبل المعروف لما في العهد، و الميثاق من ثبات الوصلة بين المتعاهدين و المتواثقين.
قال الزمخشري: قولهم اعتصمت بحبله يجوز أن يكون تمثيلا لاستظهاره به و وثوقه بحمايته بامتثال «2» المتدلي من مكان مرتفع بحبل وثيق يأمن انقطاعه و أن يكون الحبل استعارة لعهده، و الاعتصام استعارة لوثوقه أو ترشيحا لاستعارة الحبل بما يناسبه. «3» انته.
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 2 ص 59.
 (2) «ألف» بامتساك.
 (3) تفسير الكشاف: ج 1، ص 394.

448
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و المعنى على الأوّل أعني التمثيل أي تشبيه الحالة بالحالة من غير اعتبار مجاز في المفردات.
و اجعلنا ممّن يستعين به: أي بالقرآن، و على الثاني و هو اعتبار مجاز المفردات اجعلنا ممّن يتمسّك بعهده، و المراد به عهد اللّه و ميثاقه المذكور فيه كقوله تعالى:
 «أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ» «1».
قال المفسّرون: أي ميثاق اللّه المذكور في كتابه و هو أن لا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ.
فعهده تعالى في القرآن هو ما كلّف به عباده من الأوامر و النواهي و العمل به و اللزوم لطريقته و الأخذ بأحكامه.
و أوي إلى كذا يأوي من باب- ضرب- أويا على فعول: انضمّ إليه و التجأ و منه: «سَآوِي إِلى‏ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ» «2»، أي ألتجئ و المتشابهات: الأمور التي تشابهت و التبست، فلم يتميز الحقّ فيها من الباطل، و لا داعي لتخصيصها بمتشابهات القرآن.
و الحرز: الموضع الحصين الذي يحفظ فيه.
و المعقل: كمسجد: الملجأ جبلا كان أو حصنا.
 [ 1102] و سكن المكان و فيه: استوطنه.
و الظلّ: الفي‏ء الحاصل من الحاجز بينك و بين الشمس مطلقا.
و قيل: مخصوص بما كان منه إلى الزوال و ما بعده هو الفي‏ء.
و الجناح: الجانب مأخوذ من جناح الطائر. يقال: أنا في ظلّ جناح فلان، أي في ذراه و ستره و حمايته.
و الضوء: النور و عرّف بأنّه كيفية تدركها الباصرة أوّلا و بواسطتها سائر
__________________________________________________
 (1) سورة الاعراف: الآية 169.
 (2) سورة هود: الآية 43

449
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
المبصرات، و فرق الحكماء بينهما فخصّوا الضوء بما يكون للشي‏ء من ذاته كما للشّمس، و النّور بما يكون له من غيره كما للقمر، و لما كان هذا الفرق من تدقيقات الحكماء و كان الشائع في لغة العرب إطلاق كل منهما على الآخر و إجرائهما مجرى واحد أطلق عليه السّلام الضوء على النور لأنّ ضوء الصبح إنّما هو من ضياء الشمس قطعا كما تقدم بيانه في الروضة السّادسة.
و اقتدى به: فعل مثل فعله تأسّيا، و المراد به هنا الاستدلال، أي يستدلّ بتبلّج أسفاره.
أطلق الاقتداء على الأستدلال لأنّه لازم له من باب إطلاق اللازم على الملزوم.
و بلج الصّبح بلوجا: من باب- قعد-. و تبلّج و ابتلج أضاء و أشرق و أسفر الصبح إسفارا وضح و انكشفت.
و قال الراغب: الإسفار: يختصّ باللون نحو: «و الصّبح إذا أسفر»، أي أشرق لونه «1».
و المصباح: السراج، و استصبحت به: أسرجته.
و هذه الفقرات كلها استعارات امّا تمثيلية على تشبيه الحالة بالحالة و المفردات على حقائقها من غير اعتبار مجاز فيها، أو مصرّحة مرشحّة باعتبار مجاز مفرداتها كما ذكرناه في الفقرة الأولى، و اعتبر في كلّ لفظ ما يناسب استعارته له من صفات القرآن و لا خفاء به.
و التمست الشي‏ء: طلبته.
و «غير» هنا على أصلها من كونها صفة مفيدة لمغايرة مجرورها لموصوفها بالذات، أي في كتاب غيره مشتمل على غير ما اشتمل هو عليه و مرشد إلى غير ما أرشد إليه كقوله تعالى: «قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 233.

450
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ و كما نصبت به محمّدا علما للدّلالة عليك و أنهجت بآله سبل الرضا إليك، فصلّ على محمّد و آله و اجعل القرآن وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة و سلّما نعرج فيه إلى محلّ السّلامة و سببا نجزى به النّجاة في عرصة القيامة و ذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة.
بَدِّلْهُ» «1».
و قال بعضهم: طلب الهدى في غيره إنّما يكون لظن أنّ غيره حقّ أو أحقّ و كلاهما كفر و ضلال، و لذلك جاء في الحديث النبوي من ابتغى الهدى في غيره أضلّه اللّه. أخرج الترمذي «2» و الدارمي «3» و غيرهما من طريق الحرث الأعور رضي اللّه عنه عن عليّ عليه السّلام قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
ستكون فتن، قلت: فما المخرج منها يا رسول اللّه؟ قال: كتاب اللّه فيه نبأ ما قبلكم و خبر ما بعدكم و حكم ما بينكم و هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبّار قصمه اللّه و من ابتغى الهدى في غيره أضله اللّه، و هو حبل اللّه المتين و هو الذكر الحكيم و هو الصراط المستقيم و هو الذي لا تزيغ به الأهواء و لا تلتبس به الألسنة و لا تشبع منه العلماء و لا يخلق من كثرة الرّد و لا تنقضي عجائبه، و من قال به صدق و من عمل به أجر و من حكم به عدل و من دعى إليه هدي إلى صراط مستقيم.
 [ 1103] «الكاف» للتعليل أو التشبيه كما مر غير مرّة.
و نصبت العلم و نحوه نصبا من باب- ضرب-: أقمته.
و «الباء» في «به» للسّببيّة، أو للملابسة، أو للاستعانة.
و العلم بالتحريك: العلامة و الراية و المنار الذي ينصب في الطريق ليهتدي به.
و دلّ على الشي‏ء و إليه من باب- قتل- دلالة بكسر الدّال و فتحها: أرشد إليه‏
__________________________________________________
 (1) سورة يونس: الآية 15.
 (2) سنن الترمذي: ج 5 ص 172.
 (3) سنن الدارمي: ج 2 ص 435 مع اختلاف يسير في العبارة.

451
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و هدي إلى معرفته فالمراد بالدّلالة عليه سبحانه الدّلالة على معرفته من كونه إلها و ربّا و صانعا و التصديق بوجوده و توحيده و تنزيهه عن الشريك و المثل إلى غير ذلك من المعارف الإلهيّة و الصفات الربّانيّة التي دلّ عليها الكتاب و السنّة.
و في معنى هذه الفقرة من الدّعاء قول أمير المؤمنين عليه السّلام من خطبته «1» «فبعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بقرآن قد بيّنه و أحكمه ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه و ليقرّوا به بعد أن جحدوه و ليثبتوه بعد أن أنكروه «2».
و نهجت الطريق، و أنهجته: أوضحته و أبنته، و نهج الطريق و أنهج أيضا: وضح و استبان، يستعملان لازمين و متعدّيين.
و المراد بآله: أوصيائه من عترته الذين أوضح بهم سبل رضاه الموصلة إليه إذ كانوا عليهم السّلام هم المعدّين لأذهان الخلق لقبول أنوار اللّه، و المرشدين لنفوسهم إلى سبيل رضاء اللّه و هي الطريق الموصلة إليه تعالى التي تطابقت على الهداية إليها ألسنة الأنبياء و الأوصياء.
و في هذا المعنى عن الصادق عليه السّلام إنّ اللّه أوضح بائمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه و أبلج بهم عن سبيل منهاجه وضح بهم من باطن ينابيع علمه فمن عرف من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أحبّ حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه و علم فضل طلاوة إسلامه «3».
 [ 1104] و الوسيلة: ما يتقرّب به إلى الشي‏ء و منه قوله تعالى: «وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» «4».
و أشرف منازل الكرامة: أرفعها و أعلاها من الشرف بمعنى المكان العالي.
و منازل الكرامة: ما أعدّه سبحانه في دار القرار لأوليائه الأبرار من المراتب و المنازل العلية من القصور المشيّدة و الغرف المبنيّة كما قال تعالى: «لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا»
__________________________________________________
 (1) «ألف» من خطبة له.
 (2) نهج البلاغة: خطبة 147 ص 204.
 (3) الكافي: ج 1 ص 203 ح 2.
 (4) سورة المائدة: الآية 35.

452
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» «1».
و السلّم: ما يتوصل به إلى الأمكنة العالية فيرجى به السلامة ثم جعل اسما لكلّ ما يتوصّل به إلى شي‏ء رفيع كالسّبب.
و عرج يعرج عروجا من باب- قعد-: ذهب في صعود.
و محلّ السّلامة: هو الجنّة لأنّها محلّ الخلوص من الآفات و المكاره و لذلك سمّيت دار السّلام.
قال الراغب: و السلامة الحقيقة ليست إلّا في الجنّة لأنّ فيها بقاء بلا فناء، و غنى بلا فقر، و عزّا بلا ذلّ و صحّة بلا سقم، و لذلك قال تعالى: «ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» «2».
 [ 1105] و السبب: كل ما يتوصّل به إلى شي‏ء و أصله الحبل الذي يصعد به النخل و نحوه.
و عرصة الدّار: ساحتها، و هي البقعة الواسعة التي ليست فيها بناء.
و قال الثعالبي في فقه اللّغة: كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة «3».
و القيامة: عبارة عن قيام النّاس من قبورهم المذكور في قوله تعالى: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» «4» و أصلها ما يكون من الإنسان من القيام دفعة واحدة، أدخل فيها الهاء تنبيها على وقوعها دفعة واحدة، و إضافة العرصة إليها كإضافة الدار إلى الندوة في قولهم دار الندوة للمكان المعروف بمكة لأنّهم كانوا يندون بها أي يجتمعون و من توهّم أنّ الإضافة كعرصة الدار فقد أغرب.
و الذريعة: الوسيلة.
و قدم الرجل على أهله يقدم من باب- تعب- قدوما: ورد عليهم من سفر و نحوه.
__________________________________________________
 (1) سورة الزمر: الآية 20.
 (2) سورة الحجر: الآية 46.
 (3) فقه اللغة: ص 4.
 (4) سورة المطفّفين: الآية 6.

453
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و احطط بالقرآن عنّا ثقل الأوزار، و هب لنا حسن شمائل الأبرار، و اقف بنا آثار الذين قاموا لك به آناء اللّيل و أطراف النهار حتّى تطهّرنا من كلّ دنس بتطهيره و تقفو بنا آثار الذين استضاؤا بنوره، و لم يلههم الأمل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره.
و النعيم: النعمة الوافرة: و هي الحالة الحسنة و طيب العيش.
و دار المقامة: أي دار الإقامة: و هي الجنّة، سمّيت بذلك لأنّه لا انتقال عنها أبدا.
قال تعالى: «الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ» «1».
 [ 1106] الحط: إنزال الشي‏ء من علو، و منه قوله تعالى: «وَ قُولُوا حِطَّةٌ»* «2» أي حطّ عنّا ذنوبنا.
و الثّقل بالكسر: الحمل الثقيل، و جمعه أثقال، و منه قوله تعالى: «وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ» «3».
و الأوزار: جمع وزر بالكسر و هو الإثم، شبّه الأوزار بالحمل الثقيل ثمّ قدّم المشبه به على المشبّه و أضافه إليه كما في الجين الماء أي ماء كاللّجين، و ما وقع لبعضهم من جعل الثقل مصدرا مخففا من ثقل كعنب لأنّه الأصل لا يناسبه الحط إلّا بتأويل يرجع إلى ما ذكرناه و هو تطويل من غير طائل.
و الشّمائل: جمع شمال بالكسر و هو الخلق.
يقال: هو كريم الشّمائل: أي الأخلاق، و ما ذلك من شمالي أي من خلقي.
و الأبرار: جمع بر بالفتح و هو التّقي أو الصّادق أو المتوسّع في طاعة اللّه تعالى‏
__________________________________________________
 (1) سورة فاطر: الآية 35.
 (2) سورة البقرة: الآية 58، و الأعراف: الآية 161.
 (3) سورة العنكبوت: الآية 13.

454
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
بالعبادة، و هو خلاف الفاجر أيضا.
 [ 1107] و قفوت أثره قفوا من باب- قال- تبعته، لأنّك تتبع قفاه و قفوت به أثره: اتبعته إياه، فالباء للتعدية.
و الآثار: جمع أثر بفتحتين: و هو الطريق المستدلّ «1» على من تقدّم و أصله من أثر المشي في الأرض، و منه قوله تعالى: «فَهُمْ عَلى‏ آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ» «2» أي يسرعون.
و قام بالأمر: جدّ فيه و اجتهد.
و آناء الليل: ساعاته، جمع إنى بالكسر و القصر و أناء بالفتح و المدّ.
و أطراف النّهار: أي طرفيه، و مجيئه بلفظ الجمع للمبالغة، و أمن الالتباس أو لأنّ أقلّ الجمع اثنان و أراد طرفيّ كلّ نهار لأنّ النهار جنس أو أجزاء النهار، لأنّ كلّ جزء كالطرف له، و إنّما قدمت آناء الليل على أطراف النهار هنا. و في قوله تعالى: «وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ» «3» تنبيها على زيادة الاهتمام بشأن العبادة بالليل، لأنّ الليل وقت السكون و الراحة و هدوّ الأصوات، فالقيام بالعبادة فيه أشقّ على النفس و أدخل في الإخلاص، و أقرب من المحافظة على الخشوع و الإخبات، و الكلام إمّا استعارة تمثيليّة أن جعل المشبّه به فيه صورة منتزعة من إتباع شخص آثار قوم تقدموه يمشي خلفهم و يسلك طرقهم، و المشبّه صورة منتزعة من تصيير حاله كحالهم في القيام بما قاموا به توفيقه «4» للعمل كأعمالهم، أو استعارة مكنية تخييليّة إن قصد فيه إلى تشبيه القائمين بالقرآن، و المجتهدين في تلاوته، و العمل به بقوم تقدّموه في المسير و جعل إثبات الآثار لها تنبيها على ذلك و هو التخييل و ذكر القفو ترشيح.
و الدّنس بفتحتين: الوسخ، من دنس الثوب يدنس دنسا من باب- تعب- إذا
__________________________________________________
 (1) «ألف» المستدل به.
 (2) سورة الصافات: الآية 70.
 (3) سورة طه: الآية 130.
 (4) «ألف»: توقيفه.

455
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
اتّسخ فهو دنس، استعير للإثم لتلوّث النفس و درنها به.
و طهّره تطهيرا: نقّاه من الدنس و النجس، و المراد به هنا محو الذنب و التجاوز عن المعصية، و إنّما عبّر به لترشيح استعارة الدنس للإثم و المعصية.
و «الباء» من قوله: «بتطهيره» للسببيّة، و الضمير للقرآن و إضافة التطهير إليه من إضافة المصدر إلى الفاعل و إسناد التطهير إليه سبحانه أوّلا باعتبار أنّه تعالى هو المفيض لقوّة الاستعداد للنقاء من الدنس، و إلى القرآن ثانيا باعتبار أنّه سبب له.
 [ 1108] و الاستضاءة بنور القرآن عبارة عن الاهتداء بهداه، و الأخذ بأوامره و نواهيه، و التخلق باخلاقه و التأدب بآدابه إلى غير ذلك ممّا يدلّ عليه و يرشد إليه كما قال تعالى: «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»» «1».
قال الطرطوشي: و أصل اللّهو: الترويج عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة «2».
يقول أهل نجد: لهوت عنه ألهو لهيا و الأصل فعول من باب- قعد-، و أهل العالية لهيت عنه إلهى من باب- تعب- و ألهاني الشي‏ء عن كذا: شغلني عمّا هو أهمّ و منه قوله تعالى: «لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» «3».
و معنى لم يلههم الأمل عن العمل: أي لم يشغلهم التوقع لطول الأعمار، و بلوغ الأوطار عن الأعمال الصالحة و القيام بوظائف الطاعة و العبادة.
و قطعت زيدا عن حقّه و اقتطعته: منعته منه، و قد يستعمل الاقتطاع في أخذ بعض الشي‏ء.
يقال: اقتطع طائفة من الشي‏ء: أي أخذها منه و اقتطع الذئب الشّاة من الغنم:
أي أخذها من جملة الغنم و ذهب بها، ثم أطلق على مجرد الإصابة بالمكروه و الإهلاك‏
__________________________________________________
 (1) سورة الأسراء: الآية 9.
 (2) المصباح المنير: ص 768 نقلا عنه.
 (3) سورة النور: الآية 37.

456
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجعل القرآن لنا في ظلم اللّيالي مؤنسا، و من نزغات الشيطان و خطرات الوساوس حارسا و لأقدامنا عن نقلها من القتل و نحوه، و منه حديث فخشينا أن يقتطع دوننا «1».
قال النووي: أي يصاب بمكروه من عدوّه «2».
و حديث: لو شئنا لاقتطعناهم «3»: أي فتكنا بهم و قتلناهم، و إرادة هذا المعنى هنا أنسب و أوضح من معنى القطع بمعنى الحبس و المنع لتضمّن الهاء الأمل له، فيكون المراد باقتطاع الأمل لهم: إصابته لهم بالمكروه و إهلاكه لهم بخدع غروره حيت ألهاهم عن العمل و شغلهم عمّا به نجاتهم من المهالك و التأسيس خير من التأكيد.
و الخدع: جمع خدعه بالضمّ: و هي ما يخدع به الإنسان مثل اللعبة بالضمّ لما يلعب به.
و خدعه خدعا من باب- منع-: أنزله و صرفه عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه.
و غرّته الدنيا غرورا من باب- قعد-: خدعه «4» بزينتها و غرور الأمل: اختداعه للإنسان بتوقّع الأمور المحبوبة الدنيويّة الموجب لملاحظتها المستلزمة لاعراض النفس عن أحوال الآخرة و نسيانها، و بذلك يكون الهلاك الأبدي و الشقاء السرمدي نعوذ باللّه منه، و قد أسلفنا في الرياض السابقة من بيان مضارّ الأمل ما أغنى عن الإعادة.
 [ 1109] الأنس بالضمّ: خلاف الوحشة و النفور و هو اسم من أنس إنسا من باب- علم- و في لغة من باب- ضرب-: أي سكن قلبه و اطمأنّ و لم ينفر.
و أنسه إيناسا: أزال وحشته فهو مؤنس و التخصيص بظلم الليل لحصول الوحشة
__________________________________________________
 (1) النهاية لابن الأثير: ج 4 ص 82.
 (2) شرح صحيح مسلم (للنووي): ج 1 ص 235.
 (3) النهاية لابن الأثير: ج 4 ص 82.
 (4) «ألف»: خدعته.

457
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

الى المعاصي حابسا، و لألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرسا، و لجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا، و لما طوت الغفلة عنّا من تصفّح الاعتبار ناشرا، حتّى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه، و زواجر أمثاله، التي ضعفت الجبال الرّواسى على صلابتها عن احتماله.
بها، و لهذا قيل: إذا جاء الليل استأنس كلّ وحشي و استوحش كلّ إنسي.
و النزغات: جمع نزغة فعلة من النزغ و هو شبيه النخس و الشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه و يبعثه و حمله على ما لا ينبغي. قال تعالى: «وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» «1».
و الخطرات: جمع خطرة. قال في الأساس: خطر ذلك ببالي و على بالي و له خطرات و خواطر: و هي ما يتحرك في القلب من رأى أو معنى انته «2».
و الوساوس: جمع وسوسة و هي الخطرة الردّية من الخطرات الداعية إلى المعاصي فإضافة الخطرات إليها من باب- خاتم حديد- و إضافة الوساوس إلى الشيطان من باب- إضافة الفعل إلى الفاعل- لإلقائه الدواعي الرديّة في القلب. قال تعالى:
 «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ» «3». و قال «الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ» «4» أي يلقي الخواطر الرديّة في صدورهم.
و حرسه يحرسه من باب- قتل-: حفظه فهو حارس و الاسم الحراسة بالكسر.
 [ 1110] و الأقدام: جمع قدم و هو العضو الذي يقدمه صاحبه للوطئ به على الأرض.
و نقل الشي‏ء: تحويله من موضع إلى موضع، و الفعل من باب كسب «5» و إضافة النقل إلى ضمير الأقدام من باب إضافة الفعل إلى آلته المتّصلة و نسبته إليها كأنّها هي الفاعلة له، و حذف المفعول للعلم به، أي عن نقلها إيّانا إلى المعاصي،
__________________________________________________
 (1) سورة الأعراف: الآية 200.
 (2) أساس البلاغة: 168.
 (3) سورة طه: الآية 120.
 (4) سورة الناس: الآية 5.
 (5) «ألف»: كتب.

458
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
كما قال الشّاعر:
لعمرك ما حدّثت نفسي بريبة             و لا نقلتني نحو فاحشة رجلي‏
 فأسند النقل إلى الرّجل إسناد الفعل إلى فاعله و جعل نفسه المنقول.
و ما وقع في كثير من التّراجم من أنّ النقل مصدر نقل لازما بمعنى الانتقال لا أصل له في اللّغة، إذ لم يسمع نقل إلّا متعدّيا.
و الحبس: المنع من الإنبعاث، حبسه يحبسه حبسا من باب- ضرب- فهو حابس.
و الألسنة: جمع لسان، قال الفيومي: اللسان: العضو يذكّر و يؤنث، فمن ذكّر:
جمعه على ألسنة، و من أنث: جمع على ألسن «1».
قال أبو حاتم: و التذكير أكثر و هو في القرآن كلّه مذكر «2».
و خاض في الأمر خوضا: دخل فيه و أصله من خاض الرّجل الماء خوضا: إذا مشى فيه، ثم استعير في الامور، و أكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الدخول فيه.
و قوله عليه السّلام: «في الباطل»: أي في الحديث الباطل بقرينة الألسنة.
و الآفة: عرض يفسد ما يصيبه، و هي العاهة و من للابتداء متعلّق بقوله:
 «مخرسا»، و ما بعد غير زائدة غير كافة للعمل و التقييد بذلك للاحتراس عن احتمال المكروه و هو أن يكون الإخراس عن آفة تصيب الألسنة فتمنعها الكلام كقوله تعالى: «وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى‏ جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» «3» احتراسا عن البرص.
و خرس خرسا من باب- فرح-: انعقد لسانه عن الكلام فهو أخرس، و أخرسه اللّه فهو مخرس و قيّده بعضهم بكونه خلقة.
 [ 1111] و الجوارح: أعضاء الإنسان التي يكتسب بها.
__________________________________________________
 (1) المصباح المنير: ص 759.
 (2) المصباح المنير: ص 759.
 (3) سورة طه: الآية 22.

459
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و اقترف الإثم: اجترحه و اكتسبه.
 [ 1112] و زجره زجرا من باب- قتل-: منعه.
و طواه طيّا من باب- رمى-: خلاف نشره، و أصل الطي و النشر في الثوب و نحوه ثم استعملا في المعاني مجازا.
و من: بيانيّة.
و تصفّح الأمر: نظر فيه.
و الاعتبار: الاتّعاظ و منه قوله تعالى: «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ» «1» و العبرة بالكسر: اسم منه، قال الخليل: العبرة: الاعتبار بما مضى «2»، أي الاتعاظ و التذكر «3».
و «حتّى»: تعليليّة متعلّقة بالجعل.
و الضمير في توصل خطاب للّه تعالى.
و عجائب القرآن: اللطائف المعجبة من أنواع العلوم و فنون الحكم المودعة فيه.
و في الحديث النّبوي «لا تنقضي عجائبه» «4» و ذلك أنّه كلّما تأمّله الإنسان استخرج منه بفكره من بدائع الحكم و دقائق المعاني ما لم يكن عنده من قبل.
و «زواجر أمثاله»: أي أمثاله الزواجر، أي المانعة عن ارتكاب المآثم و اتّباع الأهواء.
و الأمثال: جمع مثل بفتحتين و هو في الأصل بمعنى المثل و النظير. يقال: مثّل و مثل و مثيل كشبّه و شبه و شبيه، ثمّ أطلق على القول السّائر الذي يمثل مضربه بمورده، و حيث لم يكن ذلك إلّا قولا بديعا فيه غرابة صيّرته جديرا بالتسيير في البلاد و خليقا بالقبول عند كلّ حاضر و باد استعير لكلّ حال أو صفة أو قصّة لها شأن‏
__________________________________________________
 (1) سورة الحشر: الآية 2.
 (2) كتاب العين: ج 2 ص 129.
 (3) المصباح المنير: ص 532.
 (4) بحار الأنوار: ج 92 ص 182 ح 18.

460
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
عجيب و خطر غريب من غير أن يلاحظ بينهما و بين شي‏ء آخر تشبيه.
و منه قول عزّ و جلّ: «وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى‏» «1» أي الوصف الذي له شأن عظيم و خطر جليل.
و قوله تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ»* «2» أي قصّتها العجيبة. فالمراد بأمثال القرآن ما اشتمل عليه من ذكر الأحوال، و الصفات الغريبة، و الأخبار و القصص العجيبة التي كأنّها أمثال في غرابتها. قال تعالى: «وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ»* «3» قال جار اللّه: أي وصفنا لهم كلّ صفة كأنّها مثل في غرابتها و قصصنا عليهم كلّ قصّة عجيبة البيان «4».
و قال بعضهم: سمّيت الحكم القائم صدقها في العقول أمثالا لانتصاب صورها في العقول، مشتقّة من المثول الذي هو الانتصاب.
و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال أمثال القرآن لها فوائد فانعموا النظر و تفكّروا في معانيها و لا تمرّوا بها «5».
قال بعض العلماء: ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير و الوعظ و الحثّ و الزجر و الاعتبار و التقرير و تقريب المراد للعقل و تصويره بصورة المحسوس، فإن الأمثال تصوّر المعاني بصورة الأشخاص لأنّها أثبت في الذهن لاستعانة الذهن فيها بالحواس و من ثمّ كان الغرض من المثل تشبيه الخفيّ بالجليّ و الغائب بالشّاهد.
و تأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر و على المدح و الذم و على الثواب و العقاب و على تفخيم الأمر و تحقيره و على تحقيق أمر أو إبطاله.
__________________________________________________
 (1) سورة النحل: الآية 60.
 (2) سورة الرعد: الآية 35.
 (3) سورة الزمر: الآية 27.
 (4) تفسير الكشاف: ج 3 ص 488.
 (5) الكافي: ج 1 ص 600.

461
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
قال تعالى: «وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ» «1» فامتنّ علينا بذلك لما تضمّنه «2» من الفوائد انته.
و لما كانت الأمثال لا يدرك حسن مبانيها و لطف معانيها و كيفيّة ارتباطها بالمقصود و طريق دلالتها على المطلوب إلّا العلماء الذين ينقلون بنور بصيرتهم و ضياء سريرتهم من ظاهره إلى باطنه و من محسوسه إلى معقوله. قال تعالى: «وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ» «3»، و لذلك وقع في الدعاء سؤال فهمها عطفا على سؤال فهم عجائبه.
قال بعضهم: من أعظم علم القرآن علم أمثاله و النّاس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال و إغفالهم الممثلات، و المثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام و النّاقة بلا زمام.
و قد عدّه الشّافعي «4» ممّا يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن فقال: ثم معرفة ما ضرب فيه من الأمثال الدوالّ على طاعته المبيّنة لاجتناب معصيته.
قال تعالى «وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» «5» أي يتّعظون.
قوله عليه السّلام: «التي ضعفت الجبال الرّواسي على صلابتها عن احتماله».
الموصول في محل خفض نعت لعجائبه، و زواجر أمثاله و أفراده للتأويل بالجماعة، و الضّمير في احتماله للعجائب و الزواجر المذكورة و تذكيره لإجرائه مجرى ذلك كأنّه قيل: عن احتمال ذلك و نظيره قوله تعالى: «وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» «6».
قال الزمخشري و غيره الضمير في «منه» للصدقات و هو جار مجرى اسم الاشارة كأنّه قيل فإن طبن لكم عن شي‏ء من ذلك فأنّه قد يشار به إلى متعدّد، كما قال‏
__________________________________________________
 (1) سورة إبراهيم: الآية 45.
 (2) «ألف»: تضمنته.
 (3) سورة العنكبوت: الآية 43.
 (4) الشافعي.
 (5) سورة الزمر: الآية 27.
 (6) سورة النساء: الآية 4.

462
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
تعالى: «قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ» «1» بعد ذكر الشهوات و من الحجج المسموعة من أفواه العرب» «2» ما رواه أبو عبيدة قال: قلت لرؤبة بن العجّاج لمّا أنشد:
فيها خطوط من سواد و بلق             كأنّه في الجلد توليع البهق‏
 إن أردت الخطوط فقل: كأنّها، و إن أردت السواد و البلق فقل: كأنّهما، فقال:
أردت كأنّ ذاك ويلك «3» و قال الرضي: قد يشار بما للواحد إلى الإثنين كقوله تعالى: «عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ»، و إلى الجمع كقوله تعالى: «كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ» بتأويل المثنّى و المجموع بما ذكر «4» انته.
و الرواسي: الثوابت، من رسا الشي‏ء يرسو رسوا أي ثبت فهو راس، و جبال راسية و راسيات و رواس.
و على صلابتها: أي مع صلابتها نحو: «وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ» «5» و الصّلابة:
مصدر صلب الشّي‏ء بالضم، أي اشتدّ و قوى فهو صلب بالضم.
و الاحتمال: افتعال بمعنى الحمل. يقال: احتملته احتمالا بمعنى حملته حملا.
و في الدّعاء تلميح إلى قوله تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» «6».
و الغرض: التمثيل لعظم شأن القرآن المجيد و قوّة تأثير ما انطوى عليه من المواعظ و القوارع بحيث لو كلّفت الجبال الراسية الثابتة مع غاية صلابتها بتفهيمها له و تكليفها بما فيه بعد إعطائها القوى المدركة لضعفت و عجزت عن القيام بذلك و احتماله و لرأيت خاشعة متذلّلة لعظمة اللّه متصدّعة مشتقّة من خشية اللّه، و فيه‏
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 15.
 (2) تفسير الكشاف: ج 1 ص 470.
 (3) تفسير الكشاف: ج 1 ص 149.
 (4) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 34.
 (5) سورة البقرة: الآية 177.
 (6) سورة الحشر: الآية 21.

463
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللهمّ صلّ على محمّد و آله، و أدم بالقرآن صلاح ظاهرنا و أحجب به خطرات الوساوس عن صحّة ضمائرنا، و أغسل به درن قلوبنا، و علائق أوزارنا و اجمع به منتشر أمورنا و ارو به في موقف العرض عليك ظمأ هو أجرنا و اكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا.
توبيخ للإنسان على قسوة قلبه و عدم تخشّعه عند تلاوته و قلّة تدبّره لما فيه و اللّه أعلم دام الشي‏ء يدوم دوما و دواما و ديمومة: ثبت، و يعدّى بالهمزة فيقال: أدامه:
أي ثبّت بالقرآن صلاح ظاهرنا، و قد يطلق الدّوام على امتداد الزّمان على الشي‏ء و منه: أدام اللّه عزّك.
 [ 1113] و الصلاح: الخير و الصواب.
و الظاهر: خلاف الباطن، و هو ما ظهر للبصر و البصيرة و لم يخف أمره.
و حجبه حجبا من باب- قتل-: منعه من الوصول.
و الصحة: ذهاب المرض و البراءة من كلّ عيب.
و الضمائر: جمع ضمير على التشبيه بسريره و سرائره و إلّا فباب- فعيل- إذا كان اسما لمذكّر أن يجمع جمع رغيف و أرغفة و رغفان.
و ضمير الإنسان: قلبه و باطنه، و قيل هو ما ينطوي عليه القلب و يدقّ الوقوف عليه، و تسمى القوّة التي تحفظ ذلك ضميرا.
و صحة الضمائر: عبارة عن خلوصها من سوء العقائد، و سلامتها من مرض الشكوك و الارتياب.
 [ 1114] و غسلت الشي‏ء غسلا من باب- ضرب-: أسلت عليه الماء فأزلت درنه، و الأسم الغسل بالضمّ، و بعضهم جعل المضموم و المفتوح بمعنى و عزاه إلى سيبويه.
و قال ابن القوطيّة: الغسل بالضمّ تمام الطهارة، و هو اسم من الاغتسال.
و الدرّن بفتحتين: الوسخ. درن الثوب درنا من باب- تعب- فهو درن: مثل‏

464
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
وسخ وسخا فهو وسخ زنة، و معنى، أستعير هنا لما في القلوب من الغفلة و القسوة و نحو ذلك و الغسل ترشيح.
و العلائق: جمع علاقة بالفتح و هي القدر الذي يتمسّك به في الخصومة و العقوبة و نحو ذلك، يقال: ما أبقى له في هذا الأمر علقة بالضمّ، و علاقة بالفتح: أي شيئا يتعلق به.
و المعنى: اغسل به عنّا ما يتعلّق به في إثبات أوزارنا و المؤاخذة عليها.
و نشرت الشي‏ء فانتشر: فرّقته فتفرّق، و انتشروا في الأرض: تفرّقوا و انتشار الامور: عبارة عن عدم انتظامها و انتساقها.
 [ 1115] و روى من الماء ريّا من باب- علم-: يشرب منه حتّى زال ظماؤه فهو ريّان، و المراة ريّا كغضبان و غضبا، و الجمع في المذكّر و المؤنّث رواء، ككتاب و يعدّى بالهمزة و التضعيف، فيقال: أرويته و روّيته فارتوى منه.
و الموقف: كمسجد محلّ الوقوف.
و عرضت الشّي‏ء عرضا من باب- ضرب: أظهرته و أبرزته و منه عرض الأمير الجند إذا أمّرهم عليه و نظر إليهم ليعرفهم. قال تعالى: «وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ عُرِضُوا عَلى‏ رَبِّكَ صَفًّا» «1».
قال الزمخشري: شبّهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان «2».
و الظمأ: كالعطش وزنا و معنى و فعلهما من باب- تعب-، و قيل: هو شدّة العطش.
و الهواجر: جمع هاجرة، و هي نصف النهار عند اشتداد الحرّ، أو عند زوال الشمس مع الظهر، أو من عند زوالها إلى العصر لأنّ الناس يستكنون في بيوتهم كأنّهم قد تهاجروا من شدّة الحرّ.
__________________________________________________
 (1) سورة الكهف: الآية 47 و 48.
 (2) تفسير الكشاف: ج 2، ص 726.

465
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و قال الراغب: و هي الساعة التي يمتنع فيها من السير للحرّ كأنّها هجرت الناس أو هجرت لذلك «1».
و قال بعضهم: الهاجرة: نصف النهار في القيظ خاصّة، و إضافة الظمأ إليها مجاز عقليّ لكونها ظرفا له كمكر الليل و النهار.
و كسوته ثوبا، أكسوه: ألبسته إيّاه، و الكسوة بالضمّ و الكسر: اللّباس.
و الحلل: جمع حلّة بالضمّ، و هي إزار و رداء، لا تسمّى حلّة حتّى تكون ثوبين من جنس واحد و هي استعارة مصرّحة تحقيقيّة.
شبّه عليه السّلام ما يدركه الإنسان من سكون النفس و اطمئنان القلب عند حصول الأمان بالحلّة من حيث إنّه يشمله و يلازمه كأنّه محيط به إحاطة الحلّة بلابسها، و ذكر الكسوة ترشيح، و يحتمل الحمل على التخييل أيضا بأن يجعل من الأمان أمر و همي يشمل الإنسان و يحيط به شبيها بالحلّة و الترشيح بحاله.
و الفزع بفتحتين: انقباض و نفار يعرو الإنسان من الشي‏ء المخيف و هو من جنس الجزع، و قيل: هو الخوف الشديد.
و الأكبر: أي الأعظم و فيه تلميح إلى قوله تعالى «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» «2»، قيل: هو الخوف و الفزع من دخول النار و عذابها.
و قيل: هو النفخة الأخيرة لقوله تعالى: «وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ» «3».
و عن الحسن: هو الانصراف إلى النار «4» فانه لا فزع أكبر ممّا إذا شاهدوا النار.
و قيل: هو حين تطبق النار على أهلها فيفزعون لذلك فزعة عظيمة.
و قيل: حين يذبح الموت على صورة كبش أملح و ينادى يا أهل الجنّة خلود و لا
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 537.
 (2) سورة الأنبياء: الآية 103.
 (3) سورة النمل: الآية 87.
 (4) تفسير الكشاف: ج 3 ص 137.

466
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و اجبر بالقرآن خلّتنا من عدم الإملاق، وسق إلينا به رغد العيش و خصب سعة الأرزاق، و جنّبنا به الضرائب المذمومة و مداني الأخلاق، و اعصمنا به من هوّة الكفر و دواعي النّفاق، حتّى يكون لنا في القيامة إلى رضوانك و جنانك قائدا، و لنا في الدّنيا عن سخطك و تعدّي حدودك ذائدا، و لما عندك بتحليل حلاله و تحريم حرامه شاهدا.
موت، و يا أهل النّار خلود و لا موت فعند ذلك يستقرّ أهل الجنّة في الجنّة و أهل النّار.
في النّار.
و روى أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: ثلاثة على كثبان من مسك لا يحزنهم الفزع الأكبر، و لا يكترثون بالحساب رجل قرأ القرآن محتسبا ثم أمّ به قوما محتسبا و رجل أذّن محتسبا و مملوك أدّى حقّ اللّه عزّ و جلّ و حق مولاه «1».
و النشور: مصدر نشر الميت نشورا من باب- قعد- أي عاش بعد الموت و هو أيضا مصدر. نشر اللّه الميت نشورا: أي أحياه فهو لازم و متعدّ و يتعدّى بالهمزة أيضا فيقال:
أنشره اللّه، و بها قرأ العشرة في قوله تعالى: «إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ» «2» و قرأ أبو حياة، و شعيب بن أبي حمزة، نشره بغير همزة «3».
 [ 1116] الجبر: اصلاح الشي‏ء بضرب من القهر و الإكراه.
يقال: جبرته جبرا من باب- قتل- فانجبر، ثم قد يستعمل الجبر تارة في مجرّد الإصلاح كعبارة الدّعاء، و قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «يا جابر كل كسير و يا مسهّل كل عسير» «4».
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان: ج 7 و 8 ص 65.
 (2) سورة عبس: الآية 22.
 (3) مجمع البيان: ج 9- 10 ص 436.
 (4) مصباح الكفعمي: ص 262، من دعاء المشلول.

467
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و تارة في مجرّد القهر و الإكراه، و منه: لا جبر و لا تفويض «1».
و الخلّة بالفتح: الحاجة و الفقر من الخلل بفتحتين، و هو الفرجة بين الشيئين.
و العدم بالتحريك و بالضم و بضمتين: فقدان الشّي‏ء، و غلب على فقدان المال عدمه عدما من باب- تعب-. و قيل: هو بالتحريك مصدر، و بالضمّ اسم. و أعدم بالألف: افتقر فهو معدم و عديم.
و الإملاق: الفقر و أصله الإنفاق، و الإخراج. يقال: أملق الرّجل إذا أنفق ماله حتى افتقر، و أملق الدّهر ماله: أذهبه و اخرجه من يده.
 [ 1117] و ساق اللّه إليه خيرا: أرسله إليه و أصله من سوق الماشية.
و رغد عيشه بالضمّ رغدا ككرم كرما، و رغد رغدا كسمع سمعا: اتسع و طاب و هو في رغد من العيش، أي رزق واسع طيّب.
و العيش: الحياة المختصّة بالحيوان و يطلق على المعيشة و هي ما يعاش به و هو المراد هنا.
و الخصب بالكسر: النماء و البركة و هو خلاف الجدب. و السّعة خلاف الضيق يوصف بها الحال كما يوصف بها المكان و منه «لينفق ذو سعة من سعته».
و جنبت الرجل الشرّ جنوبا من باب- قعد-: أبعدته عنه و منه: «و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام» «2».
و جنبته إيّاه تجنيبا بالتثقيل للمبالغة.
و الضرائب: جمع ضريبة، و هي السجيّة و الطبيعة من قولهم ضرب فلان على الكرم، أي طبع عليه و مداني الاخلاق: خلاف معاليها، جمع مدناة بفتح الميم، و هي مفعلة من دنا يدنو دناوة و دناية، أي حقر و ضعف فهو دنيّ أي حقير خسيس، قيل:
و أصله الهمزة يقال: دنا يدنأ بفتحتين و دنؤ يدنؤ مثل قرب يقرب فهو دني‏ء على فعيل‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 1 ص 160 ح 13.
 (2) سورة إبراهيم: الآية 35.

468
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
كلّه مهموز أي لؤم فعله و خبث ثم خفّف في لغة من غير همز فقيل: دنا يدنو دناوة.
و فرّق بعضهم بين المخفّف و المهموز، فجعل المخفّف للخسيس الحقير، و المهموز للئيم الخبيث.
و معنى مداني الأخلاق: ما يكسب الخسّة و الحقارة منها كما أنّ معالي الأخلاق و هي جمع معلاة بفتح الميم ما يكسب الشرف و الرفعة منها من علا في المكارم يعلى من باب- تعب- علاء بالفتح و المدّ.
و في نسخة ابن إدريس: مذام الأخلاق: جمع مذمّة بالفتح، و هي مفعلة من الذمّ خلاف المدح. يقال: البخل مذمّة، أي ممّا يذمّ عليه.
 [ 1118] و الهوّة بالضم: الحفرة و قيل: الوهدة العميقة، و هي الأرض المنخفضة شبّه الكفر بطريق ذا هوّة يسقط فيها من سلكه و دلّ على ذلك بإثبات الهوّة له فهي استعارة مكنيّة تخييليّة.
و دواعي النفاق: الأمور الداعية إليه من دعاه إلى الشي‏ء أي حثّه على قصده.
و النفاق: إظهار الإيمان باللسان و كتمان الكفر بالقلب و قد مرّ الكلام عليه مبسوطا.
و قاد الرّجل البعير قودا من باب- قال- جرّه خلفه فهو قائد.
قال الخليل: القود: أن يكون الرّجل أمام الدابّة آخذا بقيادها و هو خلاف السوق «1».
 [ 1119] و حدود اللّه: شرائعه و أحكامه المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها و تعدّيها قال تعالى:
 «وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ» «2».
__________________________________________________
 (1) كتاب العين: ج 5 ص 196. مع تقديم و تأخير، و المصباح المنير: ص 712 نقلا عنه.
 (2) سورة النساء: الآية 14.

469
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و هوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السّياق، و جهد الأنين و ترادف الحشارج إذا بلغت النّفوس التراقي و ذاده عن الأمر يذوده ذودا من باب- قال- منعه و دفعه فهو ذائد و أصله من ذاد الراعي إبله عن الماء أي منعها و طردها عن أن ترده.
و لما عندك: أي لما هو في حكمك، من قولهم: هذا عندي أفضل من هذا: أيّ في حكمي و منه قوله تعالى: «إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» «1» أي في حكمك.
و المراد بتحليل حلاله: اعتقاد حلّ ما بيّن اللّه فيه إنّه حلال و هو كلّ شي‏ء لا يعاقب عليه باستعماله.
و بتحريم حرامه: اعتقاد حرمة ما بيّن اللّه فيه أنّه حرام و هو كلّ ما يأثم بفعله مستعمله و يعاقب عليه أي و حتى يكون القرآن لأجل ما ثبت عندك و وجب في حكمك من التكليف باتباعه و العمل بأحكامه شاهدا لنا بتحليلنا حلاله و تحريمنا حرامه و ما قيل: من أن المعنى.
و حتى يكون القرآن شاهدا لتحليل ما ثبت عندك أنّه حلال و تحريم ما ثبت عندك أنّه حرام، فيكون الضمير في حلاله و حرامه عائدا إلى ما الموصولة و الغرض كون القرآن مبيّنا للحلّ و الحرمة اللتين حكم اللّه بهما في الواقع فلا يخفى بعده و عدم مناسبته لما قبله على أنّه من باب تحصيل الحاصل.
و قول بعضهم: أي لما عندك من جزيل الثواب لا يناسبه قوله شاهدا و اللّه أعلم بمقاصد أوليائه.
و في نسخة: و لنا عندك و المعنى عليها واضح.
 [ 1120] هان الأمر يهون هونا من باب- قال-: سهل و لان و هوّنه عليه تهوينا: سهّله.
و عند الموت: أي عند حضوره.
و الكرب: مصدر كرب، الأمر يكربه كربا من باب- قتل-: شقّ عليه.
__________________________________________________
 (1) سورة الأنفال: الآية 32.

470
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

و قيل من راق، و تجلّى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب و رماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق، و داف لها من ذعاف الموت كأسا مسمومة المذاق، و دنا منّا إلى الآخرة رحيل و انطلاق، و صارت الأعمال قلائد في الأعناق و كانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التّلاق.
و ساق المريض سوقا و سياقا من باب- قام-: شرع «1» في نزع الروح.
و جهده الأمر و المرض جهدا من باب- منع-: بلغ منه المشقّة، و منه جهد البلاء.
و أنّ المريض يئنّ بالكسر أنينا: تأوّه و صوّت من شدّة الألم.
 [ 1121] و الترادف: التتابع، يقال ترادف القوم: أي تتابعوا، و أصله من الرديف، و هو الذي تحمله خلفك على ظهر الدابة ثم أطلق على مطلق التتابع، فقيل لكلّ شي‏ء تبع شيئا: هو رديفه، و ردفه.
و الحشارج: جمع حشرجة، و هي الصوت الذي يردّده المريض في حلقه عند الموت.
و في القاموس: الحشرجة: الغرغرة عند الموت و تردّد النفس «2».
و التراقي: جمع ترقوة و هو مقدّم الحلق من أعلى الصدر تترقى إليها النفس عند الموت، و إليها يترقى النفس و البخار من الجوف و هناك تقع الحشرجة.
قال ذو الرّمة:
و ربّ عظيمة دامغت عنهم             و قد بلغت نفوسهم التراقي «3».

قال الزمخشري: التراقي: العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين و شمال «4» انته.
و المراد بالنفس التي تبلغ التراقي: الروح الحيوانيّة، و هي الجوهر المجرّد البخاري‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: سرع.
 (2) القاموس المحيط: ج 1، ص 183.
 (3) مجمع البيان: ج 9- 10، ص 400.
 (4) تفسير الكشاف: ج 4، ص 663.

471
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
اللّطيف الحامل لقوّة الحياة و الحسّ و الحركة الإراديّة و منبعه تجويف القلب الجسماني و تنتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن و بواسطته تتعلق النفس الناطقة التي هي اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان بالبدن حتّى قالوا إنّها مركب لها.
قال بعض المفسّرين: «1» و من لطف اللّه بالعباد أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعبها من أصابع الرجلين ثم تصعد شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى الصدر ثم تنتهي إلى الحلق ليتمكن العبد في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على اللّه تعالى و الوصيّة و التوبة ما لم يعاين و الاستحلال و ذكر اللّه سبحانه فتخرج روحه و هو رطب اللّسان بذكر اللّه تعالى فيرجى بذلك حسن خاتمته رزقنا اللّه ذلك بمنّه و كرمه.
قوله عليه السّلام: «و قيل من راق»: يجوز أن يكون من الرقية. يقال: رقاه يرقيه من باب- رمى- رقيا بالضم إذا عوّذه باللّه، و الاسم الرّقيا على فعلى و المراة رقية، فالقائل هم بعض أصحاب الميّت و أقاربه و الاستفهام إمّا على أصله لأنّ العادة جارية بطلب الطبيب، و الراقي وقت ما يشتدّ المرض و إمّا بمعنى الإنكار أي من الذي يقدر أن يرقى هذا الإنسان المشرف على الموت.
و يجوز أن يكون اشتقاقه من الرقي بمعنى الصعود. يقال: رقى يرقى من باب- تعب- رقيا بالضمّ على فعول. قال تعالى: «وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ» «2». فالقائل بعض الملائكة يعني أيّكم يرقى بروح هذا المحتضر ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب.
و عن ابن عبّاس: إنّ الملائكة يكرهون القرب من الكافر فيقول ملك الموت:
من يرقى بروح «3» هذا الكافر «4».
__________________________________________________
 (1) بحار الأنوار: ج 6 ص 16.
 (2) سورة الإسراء: الآية 93.
 (3) «ألف»: روح.
 (4) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 30 ص 231. و فيه: من يرقى بهذا الكافر.

472
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و قال الكلبي: يحضر العبد عند الموت سبعة أملاك من الملائكة العذاب مع ملك الموت فإذا بلغت نفس العبد التراقي نظر بعضهم إلى بعض أيّهم يعرج بروحه إلى السماء «1».
و الفقرة من الدعاء اقتباس من قوله تعالى في القيامة: «كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَ قِيلَ مَنْ راقٍ» «2» و لا يضرّ التغيير اليسير كما مرّ بيانه في الرّياض السابقة.
و تجلّى: أي ظهر و بان و منه جلوت العروس إذا أبرزتها و أظهرتها.
و ملك الموت: عبارة عن الروح المتولي لإفاضته صورة العدم على أعضاء هذا البدن و حال مفارقة النفس له.
و الحجب: جمع حجاب و هو السّتر، شبّه الغيوب بالأماكن المستورة فأثبت لها الحجب على طريقة الاستعارة المكنيّة التخييليّة.
و الغيوب: جمع غيب، و هو في الأصل مصدر غاب الشي‏ء يغيب غيبا من باب- باع- إذا استتر عن العين، ثم استعمل فيما غاب عن العلم و العقل، و فيما غاب عن الذكر أيضا.
و لمّا كان ملك الموت غائبا عن أكثر الناس بجميع هذه المعاني جاء به بلفظ الجمع، و قد تواترت الأخبار بأنّ الميّت يرى ملك الموت عيانا و يخاطبه عند كشف الغطاء و يسمّى وقت المعاينة «3».
و في رواية: إنه يسأل المؤمن هل أخذت فكاك رقبتك و أمان براءتك و تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدّنيا؟ فيقول: نعم، فيقول: و ما ذاك؟
فيقول: ولاية عليّ بن أبي طالب، فيقول: صدقت، ثم يؤمّنه و يبشّره بما يسرّه،
__________________________________________________
 (1) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 30 ص 231 مع اختلاف يسير.
 (2) سورة القيامة: الآية 27.
 (3) راجع الكافي: ج 3، ص 128- 137- باب ما يعاين المؤمن و الكافر، و باب إخراج روح المؤمن‏

473
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و يسأل الكافر كما سئل المؤمن فيقول: لا فيبشره بسخط اللّه و عذابه و النار «1».
و حكى أبو جعفر الخيّاط قال: حضرت موت عبد اللّه بن جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهاني و كان من الثقات المعمّرين فقال و هو محتضر و نحن جلوس عنده: هذا ملك الموت قد جاء فقال بالفارسية: أقبض روحي كما تقبض روح رجل يقول تسعين سنة: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، و كان عمره ثمانيا و تسعين سنة.
 [ 1122] و «عن» من قوله: «عن قوس المنايا»، للمجاوزة أي مجاوزة مدخولها عما قبلها، لأنّ الرامي يجاوز السهم عن القوس.
و قال ابن مالك: هي في رميت عن القوس للاستعانة لأنّهم يقولون، أيضا رميت بالقوس حكاهما الفرّاء و فيه ردّ على الحريري في إنكاره أن يقال ذلك إلّا.
إذا كانت القوس هي المرميّة، و حكى أيضا رميت على القوس «2».
و في شرح اللّباب يجوز رميت بالقوس بالنظر إلى أنّ القوس جعلت آلة للرّمي و مستعانا بها فيه، و رميت على القوس بالنظر إلى يد الرامي التي اعتمدت على القوس في الرمي، و رميت عن القوس بالنظر إلى السهم، و إضافة القوس إلى المنايا من باب إضافة المشبّه به إلى المشبّه، كذلك إضافة الأسهم إلى وحشة الفراق شبه ملك الموت بالرامي على الاستعارة بالكناية فأثبت له قوسا و أسهما على التخييل، و لمّا كانت المنايا و هي جمع منيّه بمعنى الموت سببا لحصول الوحشة في النّفوس شبّهها بالقوس التي هي آلة للرّمي و سبب لحصول السّهم في الغرض و لمّا كانت الوحشة حاصلة عن الموت واقعة في النفوس وقوع الأسهم من الهدف متألمة بها شبّهها بالأسهم ثمّ قدّم المشبّه به في الموضعين و أضافه إلى المشبّه كلجين الماء، و إنّما
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 3 ص 131- 132، ح 4.
 (2) تسهيل الفوائد و تكميل المقاصد لابن مالك: ص 146.

474
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
أفرد القوس و جمع الأسهم لأنّ الرامي في الغالب لا يرمي إلّا عن قوس واحدة و أسهم متعدّدة.
و وحشة الفراق: هي وحشة فراق الدنيا و نعيمها.
و دفت الدواء أدوفه دوفا بالدّال المهملة: إذا بللته بماء و خلطته فهو مدوف.
و الذعاف: بالذال المعجمة المضمومة على وزن غراب السّم أو سمّ ساعة.
و الكأس بهمزة ساكنة و يجوز تخفيفها: القدح مملوءا من الشراب و لا تسمّى كأسا إلّا و فيها الشراب و هي مؤنّثة.
المسمومة: اسم مفعول من سمّمت الطعام سمّا من باب- قتل- إذا جعلت فيها السمّ.
و المذاق: مصدر ميمي بمعنى الذوق و هو إدراك طعم الشي‏ء بواسطة الرطوبة المنبثة بالعصب المفروش على عضل اللسان.
يقال: ذقته أذوقه ذوقا ذوقانا و ذواقا و مذاقا: إذا عرفته بتلك الواسطة، و الكلام إمّا استعارة تمثيلية أو مكنيّة تخيليّة مرشّحة، و إيقاع الذوق على الكأس مجاز عقليّ لكونها ظرفا للمذوق.
 [ 1123] و دنا يدنو دنوا: قرب «1».
و الرحيل: مصدر رحل عن البلد إذا سار عنه.
و الانطلاق: الذهاب يقال: أطلقته فانطلق إذا خليت عنه فذهب محلّى.
و القلائد: جمع قلادة، و هي ما يتعلّق في العنق، شبّه الأعمال بها للزومها أربابها لزوم القلائد للأعناق، و فيه تلميح إلى قوله تعالى في بني إسرائيل: «وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ» «2».
قال الطبرسيّ: معناه: و ألزمنا كلّ إنسان عمله من خير أو شرّ في عنقه، عن‏
__________________________________________________
 (1) «ألف» أقرب.
 (2) سورة بني إسرائيل: الآية 13.

475
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و بارك لنا في حلول دار البلى و طول المقامة بين أطباق الثّرى، و اجعل القبور بعد فراق الدّنيا خير منازلنا و افسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا، و لا تفضحنا في حاضر القيامة بموبقات آثامنا و ارحم بالقرآن في موقف- العرض عليك ذلّ مقامنا ابن عبّاس، و مجاهد يريد جعلناه كالطوق في عنقه لا يفارقه «1».
و قال صاحب الكشّاف: طائره- عمله، و عن ابن عيينة: هو من قولك: طار له سهم إذا خرج يعنى الزمناه ما طار إليه من عمله و المعنى: إنّ عمله لازم له لزوم القلادة، أو الغلّ لا ينفكّ عنه. و منه مثل العرب: تقلّدها طوق الحمامة، و قولهم:
الموت في الرّقاب و هذا ربقة في رقبته. عن الحسن: يا بن آدم بسطت لك صحيفة إذا بعثت قلّدتها في عنقك «2» انته.
و المأوى: اسم للمكان الذي يأوي إليه من أوى إلى منزله يأوي من باب- ضرب- أويا على فعول أي نزل به و أقام فيه.
و يوم التلاق: يوم القيامة. قال تعالى «لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ» «3»، قيل: لأنّه يلتقي فيه أهل السماء و الأرض.
و قيل: يلتقي فيه الأوّلون و الآخرون و الخصم و المخصوم، و الظالم و المظلوم.
و قيل: يلتقي الخلق و الخالق.
و قيل: تلتقي الأرواح و الأجساد و اللّه أعلم.
 [ 1124] بارك اللّه له في الشي‏ء: جعل فيه الخير.
قال الراغب: البركة: ثبوت الخير الإلهي في الشي‏ء و المبارك: ما فيه ذلك الخير و منه قوله تعالى: «أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً» أي حيث يوجد الخير الإلهي «4» انته.
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 404.
 (2) تفسير الكشاف: ج 2 ص 652.
 (3) سورة غافر: الآية 15.
 (4) المفردات: ص 44.

476
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

و ثبّت به عند اضطراب جسر جهنّم يوم المجاز عليها زلل أقدامنا، و نوّر به قبل البعث سدف قبورنا و نجّنا به من كلّ كرب يوم القيامة، و شدائد أهوال يوم الطامّة و بيّض وجوهنا يوم تسودّ وجوه الظلمة في يوم الحسرة و الندامة، و اجعل لنا في صدور المؤمنين ودّا و لا تجعل الحياة علينا نكدا.
و الحلول في المكان: النزول به و أصله من حل الأحمال عند النزول ثم جرّد استعماله للنّزول، فقيل: حلّ حلولا و أحلّه غيره.
و البلى بالكسر و القصر: مصدر بلى الميّت يبلى من باب- تعب- بلى و بلاء بالفتح و المدّ إذا أفنت الأرض جسده، فالمراد بدار البلى القبر، و إنّما سأل عليه السّلام البركة في حلوله لما تواترت به الأخبار و انعقد عليه الإجماع من ثبوت نعيم القبر و عذابه فسأل عليه السّلام أن يجعل له الخير في حلوله ليفوز بنعيمه و يجيره من عذابه.
و في الحديث المشهور «القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار» «1» نعوذ باللّه منها.
و المقامة بالضمّ: مصدر بمعنى الإقامة.
و الأطباق: جمع طبق بفتحتين كسبب و أسباب، و هو في الأصل الشي‏ء الذي يكون على مقدار الشي‏ء مطبقا له من جميع جوانبه كالغطاء له، و منه يقال: أطبقوا على الأمر بالألف: إذا اجتمعوا عليه متوافقين غير متخالفين، ثم أستعمل في الشي‏ء الذي يكون فوق الآخر تارة، و فيما يوافق غيره أخرى. فاطباق الثّرى: ما كان بعضها فوق بعض.
و الثّرى: قيل: هو التراب مطلقا، و قيل: التراب الندي فإن لم يكن نديّا فهو التراب.
قال بعضهم: كأن طول الإقامة بين أطباق الثرى إشارة إلى مراتب‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 3، ص 242، ح 2.

477
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
الاستحالات.
قوله عليه السّلام: «و اجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا» قال بعض الأصحاب: يحتمل أن يكون المراد خير منازلنا في الدنيا قبل المفارقة و بعدها، أو خير المنازل بالنسبة إلى قبور أخرى تتفاوت بالنعيم و العذاب، أو خيرها باعتبار عدم الانتقال إلى جهنّم من غير تفصيل انته.
قلت: و أظهر من ذلك كلّه أن يكون المراد خير منازلنا بعد فراق الدنيا إلى وقت دخول الجنّة.
فقد ورد في حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: إنّ القبر أوّل منزل من منازل الآخرة فان نجا منه فما بعده أيسر منه و إن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه «1».
و اللّه أعلم بمقاصد أوليائه.
 [ 1125] و الفسحة بالضمّ: السعة، و فسح له في المكان فسحا من باب- منع- وسع و فرج.
و الضيق بالكسر: اسم من ضاق الشي‏ء ضيقا من باب- سار-: خلاف اتسع.
و في القاموس: الضيق بالفتح: ما ضاق عنه صدرك، و بالكسر: يكون فيما يتّسع و يضيق كالدار و الثوب «2».
و الملاحد: جمع ملحد بمعنى اللحد و هو الشق يكون في جانب القبر.
و حاضر القيامة: إمّا بمعنى الجمع الكثير الذين يحضرون يوم القيامة من قولهم:
 «للحيّ العظيم و القبيلة الكبيرة» حاضر.
قال الجوهريّ: الحاضر: الحيّ العظيم. يقال حاضر طيّ و هو جمع، كما يقال‏
__________________________________________________
 (1) مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 63.
 (2) القاموس المحيط: ج 3 ص 258.

478
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
سامر للسمّار و حاج للحجاج «1».
و قال الزمخشريّ: في الفائق: الحاضر: الحيّ إذا حضر، و الدار التي بها مجتمعهم و منه حديث أسامة، «و إنّهم قد أحاطوا ليلا بحاضر» «2».
فعمّ، أيّ ضخم جمّ، و إمّا بمعنى المكان المحضور يوم القيامة.
قال الخطابي: ربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور فيقولون: نزلنا حاضر بني فلان فهو فاعل بمعنى مفعول «3».
قال ابن الأثير: و منه الحديث: «هجرة الحاضر» أي المكان المحضور «4».
و قد تكرّر في الحديث و ما وقع لبعض المترجمين من أن معنى حاضر: القيامة يوم القيامة الحاضر الذي لا يخفى فعبّر عنه بالحاضر لظهوره و عدم خفائه، أو لحضور الخلائق فيه فلا يخفى سقوطه.
 [ 1126] و المقام: بالفتح يكون مصدرا، و اسم مكان القيام و زمانه، و كذلك المقام بالضمّ يكون مصدرا بمعنى الإقامة و اسم مكانها و زمانها. و قد وردت الرّواية فيه بالوجهين، و إضافة الذلّ إلى المقام مجاز عقلي.
و ثبت الشي‏ء ثبوتا من باب- قعد-: استقرّ و يعدّى بالهمزة و التضعيف، فيقال:
أثبته و ثبّته.
و الاضطراب: افتعال من الضرب، و معناه كثرة الذهاب في الجهات، و عدم الاستقرار في جهة، و هو من الضرب في الأرض، و هو الذهاب فيها، و سمّي الذهاب في الأرض ضربا لضربها بالأرجل.
و الجسر بكسر الجيم و فتحها: ما يعبر عليه، مبنيّا كان أو غير مبني، و جسر جهنّم: هو الصراط الممدود على متن جهنّم، و هو طريق المؤمنين إلى الجنّة، و قد
__________________________________________________
 (1) الصحاح: ج 2، ص 632.
 (2) الفائق في غريب الحديث: ج 1 ص 188.
 (3) النهاية لابن الأثير: ج 1، ص 399.
 (4) النهاية لابن الأثير: ج 1، ص 399.

479
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
تواترت الأخبار بأنّه يمدّ يوم القيامة على متن جهنّم جسر أوّله في الموقف و آخره على باب الجنّة يجوزه من أخلص للّه فيدخل الجنّة، و من عصاه سقط عن جنبيه إلى النّار «1»، و ورد في وصفه إنّه أدقّ من الشّعر و أحدّ من السّيف و إن المؤمن يجوزه كالبرق الخاطف «2».
و أمّا إضطرابه الذي دلّ عليه متن الدّعاء فقد ورد في بعض الأخبار أن الصراط يتزلزل و يرتعد بأهله حتّى تكاد مفاصلهم ينحل بعضها من بعض و الخلائق يتساقطون منه في النار كالذر فلا ينجو إلّا من رحم اللّه «3» و على هذا فلا داعي إلى حمل إضافة الاضطراب إلى الجسر على المجاز لأنّ المضطرب إنّما هو أهله لا هو كما وقع لبعض المترجمين فإنّ الأصل في الكلام الحقيقة دون المجاز و اللّه أعلم.
و زلل الأقدام: زلقها و استرسالها من غير قصد و إيقاع التثبيت عليه دون الأقدام مجاز في الإثبات من قبيل الإيقاع على السبب نحو: «وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ» «4».
 (تنبيه) قال بعض العلماء: اعلم أن الصراط الموعود به في القرآن الكريم حق يجب الإيمان به و إن اختلف الناس في حقيقته و ظاهر الشريعة، و الذي عليه جمهور المسلمين و من أثبت المعاد الجسماني يقتضي أنّه جسم في غاية الدّقة و الحدّة ممدود على جهنّم و هو طريق إلى الجنّة يجوزه إليها من أطاع اللّه و يسقط عنه إلى النار من عصاه.
و أمّا الحكماء فقالوا بحقّيّته لكنّهم قالوا حقيقته هو الوسط الحقيقي بين الأخلاق المتضادة كالسخاوة بين التبذير و البخل و الشجاعة بين التهوّر و الجبن، و الاقتصاد بين‏
__________________________________________________
 (1) بحار الأنوار: ج 8 ص 66.
 (2) بحار الأنوار: ج 8 ص 64.
 (3) بحار الأنوار: ج 8 ص 65.
 (4) سورة الشعراء: الآية 151.

480
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
الإسراف و التقتير، و التواضع بين التكبر و المهانة، و العدالة بين الظلم و الإنظلام، فالأوساط بين هذه الأخلاق المتضادّة هي الأخلاق المحمودة، و لكلّ واحد منها طرفا تفريط و إفراط هما مذمومان، و كلّ واحد منها هو غاية البعد بين طرفيه، و ليس من طرف الزيادة و لا من طرف النقصان.
قالوا: و تحقيق ذلك إنّ كمال الإنسان في التشبّه بالملائكة و هم منفكّون عن هذه الأوصاف المتضادة و ليس في إمكان الانسان الأنفكاك عنها بالكليّة فغايته التباعد عنها إلى الوسط تباعدا يشبه الانفكاك عنها، فالسخي كأنّه لا بخيل و لا مبذّر. فالصراط المستقيم: هو الوسط الحقّ الذي لا ميل له إلى أحد الجانبين و لا عرض له و هو أدقّ من الشعر، و لذلك قال تعالى «وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ» «1» «2» و اللّه أعلم.
 [ 1127] و السدف: جمع سدفة بالضمّ، و هي الظلمة، و منه حديث «و كشفت عنه سدف الرّيب» أي ظلمها «3».
و الكرب: الغمّ و الحزن، يأخذ بالنفس، و كربه الأمر كربا من باب- قتل- أيضا: شقّ عليه.
و الأهوال: جمع هول و هو الفزع و الخوف، من هالني الأمر هولا من باب- قال- أفزعني فهو هائل.
و الطامّة: القيامة، من طمّ الأمر طمّا من باب- قتل- أي علا و غلب لأنّها تطمّ على سائر الطامات، أي تعلوها و تغلبها و من ذلك يقال: «ما من طامّة إلّا و فوقها طامّة» «4».
__________________________________________________
 (1) سورة النساء: الآية 129.
 (2) شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 2 ص 255- 256.
 (3) النهاية لابن الأثير: ج 2 ص 355.
 (4) النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 139.

481
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و القيامة فوق كلّ طامّة، و لذلك وصفها تعالى بالكبرى فقال: «فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى‏» «1» أي العظمى.
و قيل: هي النفخة الثّانية.
و قيل: هي الساعة التي يساق فيها الخلائق إلى محشرهم.
و قيل: هي الساعة التي يساق فيها أهل الجنّة إلى الجنّة و أهل النّار إلى النّار.
 [ 1128] و بياض الوجوه و سوادها: كنايتان عن ظهور بهجة السرور و كآبة الخوف فيها.
و قيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه و إشراق البشرة، و أهل الباطل بضدّ ذلك. قال تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ» «2»، و قد تقدّم الكلام عليه.
و يوم الحسرة: هو يوم القيامة لتحسّر جميع الناس فيه و تأسّفهم، أما المسي‏ء فعلى إساءته، و أمّا المحسن فعلى عدم إزدياده من الإحسان.
و قيل: إنّما يتحسّر من يستحقّ العقاب و أمّا المؤمن فلا يتحسّر، و فيه تلميح إلى قوله تعالى: «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ» «3» أي فرغ من الحساب و تصادر الفريقان إلى الجنّة و النار.
و روى عليّ بن إبراهيم قال: حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن قوله تعالى: «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ»، قال: ينادي مناد من عند اللّه و ذلك بعد ما صار أهل الجنّة في الجنّة، و أهل النّار في النّار هل تعرفون الموت في صورة من الصور؟ فيقولون: لا فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنّة و النار ثم ينادون جميعا أشرفوا و انظروا إلى الموت فيشرفون ثم يأمر اللّه به فيذبح، ثم قال: يا أهل الجنّة خلود فلا موت أبدا و يا أهل النّار خلود فلا موت أبدا، و هو قول اللّه تعالى: «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ‏
__________________________________________________
 (1) سورة النازعات: الآية 34.
 (2) سورة آل عمران: الآية 106.
 (3) سورة مريم: الآية 39.

482
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ» أي قضي على أهل الجنّة الخلود فيها و على أهل النّار الخلود فيها» «1».
و في رواية أخرى: فيفرح أهل الجنّة فرحا لو كان أحد يومئذ ميّتا لماتوا فرحا و يشهق أهل النّار شهقة لو كان أحد يومئذ ميّتا لماتوا حزنا «2».
و الندامة: التحسّر من تغيّر رأي على أمر فائت.
و قيل: هي كراهة الإنسان شيئا فعله و تمنّيه أنّه لم يكن فعله.
و سمّي يوم القيامة بيوم الندامة، لندامة أهل الضلال به قال تعالى: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ «3».
 [ 1129] و الود بتثليث الواو: المحبّة يقال: وددته أودّه من باب- تعب-: أي أحببته و الاسم المودّة، و لمّا كانت المحبّة تقتضي الالطاف و الإكرام سأل عليه السّلام أن يجعل له ودا في صدور المؤمنين و الغرض سؤال خلق داعية إكرامه في صدورهم.
و فيه تلميح إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا «4».
قال المفسّرون: أي سيحدث لهم في القلوب مودّة من غير ما سبب من الأسباب المعه‏دة كقرابة أو اصطناع معروف كما يقذف في قلوب أعدائهم الرّعب و ذلك إمّا في الدنيا لكون المؤمنين ممقوتين بين الكفرة فوعدهم اللّه المودّة عند الناس و إمّا يوم القيامة بأن يجبهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم. و عن ابن عبّاس: يعني يحبّهم اللّه و يحببهم إلى خلقه «5».
__________________________________________________
 (1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 50- 51.
 (2) مجمع البيان: ج 5 و 6 ص 515. فيه «لماتوا فرجا».
 (3) سورة يونس: الآية 54.
 (4) سورة مريم: الآية 96.
 (5) تفسير الكشاف: ج 3، ص 47.

483
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك و رسولك، كما بلّغ رسالتك، و صدع بأمرك، و نصح لعبادك، اللّهمّ اجعل نبيّنا صلواتك عليه و على آله يوم القيامة أقرب النبيّين منك مجلسا، و أمكنهم منك شفاعة، و أجلّهم عندك قدرا و أوجههم عندك جاها.
و عن قتادة: ما أقبل العبد إلى اللّه عزّ و جلّ إلّا أقبل اللّه بقلوب العباد إليه «1».
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «إذا أحبّ اللّه عبدا يقول لجبرئيل قد أحببت فلانا فأحبّه فيحبّه جبرئيل عليه السّلام ثم ينادي في أهل السماء إنّ اللّه قد أحبّ فلانا فأحبوه فيحبّه أهل السماء ثم يوضع له المحبّة و القبول في الأرض «2».
و في تفسير أبي حمزة الثمالي: حدّثني أبو جعفر الباقر عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: قل اللّهمّ اجعل لي عندك عهدا و اجعل لي في قلوب المؤمنين ودّا فقالهما عليّ عليه السّلام فنزلت هذه الآية «3».
و نكد العيش نكدا: من باب- تعب- فهو نكد و نكد كجبل و كتف: اشتدّ و تعسّر و قلّ، و منه: «ناقة نكداء» إذا كانت قليلة الدرّ صعبة الحلب، و عطاء منكود نزر قليل، و رجل نكد و أنكد شؤم عسره.
 [ 1130] «الكاف» للتعليل، أو للتشبيه كما مرّ مرارا، و نظيرها قوله تعالى: وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ «4».
و صدع بالأمر: جهر به. من قولهم: «صدع بالحجّة» إذا تكلّم بها جهارا. و فيه تلميح إلى قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ «5» أي بالأمر أو بما تؤمر به «6».
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشاف: ج 3، ص 47. و أيضا مجمع البيان: ج 5- 6، ص 533.
 (2) تفسير الكشاف: ج 3، ص 47. و أيضا مجمع البيان: ج 5- 6، ص 533.
 (3) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 533.
 (4) سورة البقرة: الآية 198.
 (5) سورة الحجر: الآية 94.
 (6) معاني القرآن: ج 2 ص 93.

484
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
قال الفرّاء: أراد: أظهر دينك «1».
يقال: صدع بالحق إذا أظهره و تكلّم به جهارا، و صدع بالحجّة أي تكلّم بها و أظهرها إظهارا تامّا كأنّه شقّ باطنها و كشف عن جليتها بحيث لا تلتبس بعد ذلك أصلا.
و قال أهل البيان: هو مستعار من صدع الزجاجة و هي استعارة محسوس لمعقول فإنّ الصدع المستعار و هو كسر الزجاجة محسوس، و التبليغ المستعار له معقول، و الجامع التأثير و هو أبلغ من بلّغ و إن كان بمعناه لأنّ تأثير الصدع أبلغ من تأثير التبليغ، فقد لا يؤثر التبليغ و الصدع يؤثر جزما.
و النصح: تحري الإنسان فعلا أو قولا فيه صلاح صاحبه.
يقال: نصح له ينصح من باب- منع- نصحا بالضّم و نصيحة هذه اللّغة الفصيحة و عليها عبارة الدعاء. و قوله تعالى: وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ «2» و في لغة يعدى بنفسه فيقال: نصحته.
و قال الراغب: نصحت لكم من قولهم: نصحت له الوّد، أي أخلصته «3».
و إضافة النبيّ إلى ضمير المتكلّم مع غيره تعظيم لشأن المضاف إليه و تشريف له.
 [ 1131] و المراد بالقرب في قوله عليه السّلام: «أقرب النّبيّين منك مجلسا»: قرب المنزلة و الرتبة لا القرب المكاني لتنزهه تعالى عن ذلك، و لمّا كان صلّى اللّه عليه و آله أشرف النبيّين و سيّد المرسلين دعا له عليه السّلام بأن يجعله يوم القيامة أقربهم منه تعالى منزلة إظهارا لشرفه و كرامة لديه سبحانه على رءوس الخلائق حيث يجتمع الأوّلون و الآخرون ليشهد ذلك الخلائق أجمعون.
__________________________________________________
 (1) الجامع لأحكام القرآن: ج 11 ص 61.
 (2) سورة هود: الآية 34.
 (3) المفردات: ص 494.

485
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
 [ 1132] و مكن فلان عند السلطان مكانه: وزن ضخم ضخامة، عظم عنده و ارتفع فهو مكين و هو أمكن من غيره.
و «من» في قوله: «منك» في الفقرة الأولى: للانتهاء على قول الكوفيّين و ابن مالك لقولهم قربت منك مثل قولك قربت إليك «1»، و في الفقرة الثانية: بمعنى «عند» لمساواتها قولك أمكن عندك و موافقة من لعند.
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً* «2» أي عنده «3»، و تأولها الجمهور على البدل أي بدل طاعة اللّه أو بدل رحمة اللَّه و هذا التأويل لا يصح هنا.
و جلّ يجلّ من باب- ضرب- جلالة: عظم فهو جليل.
و قدر الشّي‏ء بالسّكون: مبلغه ثم استعمل في الحرمة و الوقار و التعظيم.
يقال: ما لفلان عندي قدر: أي حرمة و وقار و منه: «ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»* «4» أي ما عظموه حقّ تعظيمه.
و وجه بالضمّ و جاهة فهو وجيه: إذا كان له حظ و رتبة و حرمة، قال العبّاس بن مرداس:
و قال بنيّ عاد هلكتم فجهزوا             خياركم أهل الوجاهة و المجد «5»
 و الجاه: القدر و المنزلة و الخطوة عند الناس.
قال الراغب: قال بعضهم: الجاه مقلوب عن الوجه، لكن الوجه يقال في العضو و الحظوة، و الجاه لا يقال إلّا في الحظوة «6».
__________________________________________________
 (1) خزانة الأدب: ج 3 ص 332.
 (2) سورة آل عمران: الآية 116.
 (3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ج 1 ص 87.
 (4) سورة الانعام: الآية 91.
 (5) أساس البلاغة: ص 667.
 (6) المفردات: ص 514.

486
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و شرّف بنيانه و عظّم برهانه، و ثقّل ميزانه، و تقبّل شفاعته، و قرّب وسيلته، و بيّض وجهه، و أتمّ نوره، و ارفع درجته، و أحينا على سنّته و توفّنا على ملّته، و خذ بنا منهاجه، و اسلك بنا سبيله و اجعلنا من أهل طاعته، و احشرنا في زمرته و أوردنا حوضه، و اسقنا بكأسه.
 [ 1133] الشرف بفتحتين: علو المنزلة و المكان العالي. و شرّفه اللّه تشريفا: أعلاه.
و البنيان: البناء و كلاهما مصدران و يستعملان بمعنى المبني.
قال الزمخشري في الأساس: بني بيتا أحسن بناء و بنيان و هذا بناء حسن و بنيان حسن «كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ» سمّي المبنيّ بالمصدر «1» انته.
و في معنى هذه الفقرة قول أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة علّم فيها الناس الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «اللّهمّ أعل على بناء البانين بناءه» «2».
قال الشيخ كمال الدين ميثم البحراني «قدّس سرّه»: يحتمل أن يريد «ببنائه» ما شيّده من الدين فيكون، إعلاؤه المطلوب هو إتمام دينه و إظهاره بعده على الأديان كلّها، و يحتمل أن يريد به ما شيّده من ملكات الخير و استحقّه من مراتب الجنّة و قصورها «3» انته.
و الاحتمالان جاريان في عبارة الدّعاء، و يحتمل وجها ثالثا: و هو أن يكون المراد ببنيانه ما بناه من الشّرف و الذكر و المكارم.
قال في القاموس: و تكون البناية في الشرف «4».
و في الأساس بني مكرمة و ابتناها و هو من بناة المكارم. قال:
بناة مكارم و أساة كلم             دماؤهم من الكلب الشفاء «5»
 انته.
__________________________________________________
 (1) أساس البلاغة: ص 51.
 (2) نهج البلاغة: ص 101 الخطب 72.
 (3) شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 2 ص 202.
 (4) القاموس المحيط: ج 4، ص 305.
 (5) أساس البلاغة: ص 52.

487
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و البرهان: الدّليل و الحجّة، و تعظيمه عبارة عن إعلائه و إظهاره، و قهر الخصم به و إذهان «1» العقول و الأفهام له.
 [ 1134] و تثقيل الميزان: كناية عن ترجيح الحسنات و تكثير الخيرات قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ «2».
قال بعضهم: الوزن عبارة عن القدر و الخطر فكان المعنى: فأمّا من عظم قدره عند اللّه لكثرة حسناته فهو في معيشة «3» يرضاها «4».
و تقبّل شفاعته: أي اقبلها، و إنّما عدل إلى صيغة التفعل لكونها مشعرة بحسب أصل الوضع بالتكلّف، و كون الفعل على خلاف طبع الفاعل فكان المراد بها في حقّه تعالى ما يترتّب عليه من كمال قوّة الفعل و كثرته.
و الوسيلة: ما يتوسّل به إلى الشي‏ء برغبة. قال الراغب: و حقيقة الوسيلة إلى اللّه تعالى مراعاة سبيله بالعلم و العبادة و تحرّي مكارم الشريعة و هي كالقربة «5» انته.
و تقريبها: عبارة عن قبولها و كمال الرضا بها.
و تبييض الوجه: كناية عن إيتائه من الكرامة و الفضيلة ما يسرّ به فيظهر لذلك بهجة المسرّة في وجهه.
قال بعضهم: لما كان البياض أفضل لون عندهم عبّر عن الفضل و الكرم بالبياض حتى قيل لمن لم يتدنّس بمعاب هو أبيض الوجه «6».
و قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ «7» عبارة عن المسرّة و اسودادها عن الغمّ، و على نحو ذلك قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ «8» و وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ «9».
__________________________________________________
 (1) «ألف»: اذعان.
 (2) القارعة: الآية 6 و 7.
 (3) «ألف»: عيشة.
 (4) تهذيب اللغة: ج 13 ص 256.
 (5) المفردات: ص 524.
 (6) خزانة الأدب: ج 5 ص 283.
 (7) آل عمران: الآية 106.
 (8) القيامة: الآية 22.
 (9) سورة عبس: الآية 38 و 39.

488
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و نوره صلّى اللّه عليه و آله إمّا النور الذي بعث به أي الدين.
و إتمامه: انتشاره في قلوب العالمين، و إمّا النور الذي في جوهر ذاته، و إتمامه:
زيادة كماله.
و رفع درجته: عبارة عن إعطائه كمال الرفعة و تشريفه بالفضيلة التّامة.
 [ 1135] و سنّته صلّى اللّه عليه و آله: طريقته التي كان عليها و سبيله التي دعا إليها و هي الموصلة إلى ثواب اللّه تعالى و جواره.
و ملّته: دينه، غير أنّ الملّة لا تستعمل إلّا في جملة الشرائع دون آحادها و لا تضاف إلّا إلى النبيّ الذي تسند إليه نحو: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ «1»، و لا تكاد توجد مضافة إلى اللّه و لا إلى آحاد امّة النبيّ، فلا يقال ملّة اللّه و لا ملّتي و لا ملّة زيد كما يقال: دين اللّه و ديني و دين زيد، و أصل الأخذ التناول و إمساك الشي‏ء باليد، يقال: أخذ الخطام و أخذ بالخطام أي أمسكه ثم استعمل في مطلق الاستيلاء على الشي‏ء و ما تضمن معناه فيقال: خذبنا طريق القوم أي سر بنا طريقهم لما في السير بالشي‏ء من الاستيلاء عليه.
و في الحديث: «فيؤخذ بهم ذات الشّمال» فأقول ربّ أصحابي و أصحابي أي يسار بهم «2».
و المنهاج: الطريق التواضح: أي سر بنا منهاجة و لمّا كان غرضه عليه السّلام بالسؤال إفاضة قوّة جاذبة قاهرة له على سلوك منهاجه صلّى اللّه عليه و آله أثر التعبير بالأخذ الذي لا يكون إلّا بطريق الاستيلاء و القهر.
و سلكت بزيد الطريق: ذهبت به فيه.
و السبيل: الطريق الذي فيه سهولة يذكّر و يؤنّث و المراد بسبيله صلّى اللّه عليه‏
__________________________________________________
 (1) سورة النساء: الآية 125.
 (2) الاعتقادات للصدوق: باب الاعتقاد في الحوض ص 85 بضميمة كتاب الحادي عشر.

489
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و آله: السبيل المشار إليها بقوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي «1» أي هذه السبيل التي هي الدعوة إلى التوحيد و الإيمان بالإخلاص سبيلي و طريقتي و سيرتي.
و قوله: «ادعوا إلى اللّه» تفسير لسبيله.
 [ 1136] و اجعلنا من أهل طاعته أي من المنقادين لأحكامه الممتثلين لأوامره.
و الحشر: إخراج الجماعة عن مقرّهم و إزعاجهم منه.
و قيل: جمعهم من كلّ ناحية للخروج حشرهم حشرا من باب- قتل- و من باب- ضرب- لغة و بالأولى قرأ السبعة.
و الزّمرة بالضم: الجماعة من الناس و اشتقاقها من الزّمر و هو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه.
و ورد البعير و غيره الماء يرده ورودا: بلغه و وافاه و يعدّى بالهمزة فيقال: أوردته إيرادا.
و الحوض: مجتمع الماء، و حوضه صلّى اللّه عليه و آله: هو الذي يرده خيار أمته يوم القيامة.
قال بعض أصحابنا: قد ثبت أن له صلّى اللّه عليه و آله حوضا في الآخرة من طرق الخاصّة و العامّة رواه مسلم عن سبعة عشر صحابيّا «2» و رواه غيره عن عشرة منهم غيرهم.
قال عياض: الإيمان به واجب و التصديق به من الإيمان «3» انته.
و قال القرطبي: ممّا يجب على كل مكلّف أن يعلمه و يصدق به، أن اللّه تعالى قد خصّ نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحوض المصرّح باسمه و صفاته و شرابه في‏
__________________________________________________
 (1) سورة يوسف: الآية 108.
 (2) صحيح مسلم: ج 4 ص 1792 باب إثبات حوض نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلم و صفاته ح 25 إلى 45.
 (3) الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج 2 ص 2 و 3.

490
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل مجموعها العلم القطعي إذ روى ذلك عنه صلّى اللّه عليه و آله من الصحابة نيّف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين و في غيرهما بقية ذلك كما صحّ نقله و اشتهرت روايته «1».
و قال القرطبي أيضا: ذهب صاحب القوت و غيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط و ذهب آخرون إلى العكس و الصحيح: أن للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط و الآخر داخل الجنّة و كلّ منهما يسمّى كوثرا «2».
و تعقبه ابن حجر: بأنّ الكوثر: نهر داخل الجنّة و ماؤه يصبّ في الحوض و يطلق على الحوض كوثرا لكونه يمدّ منه انته «3».
قلت: و ممّا ورد من طرقنا في وصف الحوض: ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من سرّه أن يحيى حياتي و يموت ميتتي و يدخل الجنّة التي و عدنيها ربي و يتمسّك بقضيب غرسه ربّي بيده فليتوال عليّ بن أبي طالب و أوصياءه من بعده فإنّهم لا يدخلونكم في باب ضلال و لا يخرجونكم من باب هدى فلا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم و إنّي سألت ربي أن لا يفرق بينهم و بين الكتاب حتى يردا عليّ الحوض هكذا و ضمّ بين إصبعيه، و عرضه ما بين صنعاء إلى أيلة فيه قدحان ذهب و فضّة عدد النجوم «4» انته.
و صنعاء ممدودة: قصبة معروفة من بلاد اليمن و أيلة بفتح الهمزة و سكون الياء المثناة من تحت مدينة معروفة نصف ما بين مكة و مصر و قيل: هي جبل بين مكة و المدينة قرب ينبع «5».
__________________________________________________
 (1) فتح البارى: ج 11 ص 467. نقلا عن القرطبي.
 (2) فتح البارى: ج 11 ص 466 نقلا عن القرطبي في كتابه التذكرة.
 (3) فتح البارى: ج 11 ص 466.
 (4) الكافي: ج 1، ص 208، ح 6.
 (5) مرآة العقول: ج 2 ص 424.

491
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

و صلّ اللّهمّ على محمّد و آله صلاة تبلّغه بها أفضل ما يأمل من خيرك و فضلك و كرامتك إنّك ذو رحمة واسعة و فضل كريم. اللّهمّ اجزه بما بلّغ من رسالاتك و أدّى من آياتك، و نصح لعبادك، و جاهد في سبيلك، أفضل ما جزيت أحدا من ملائكتك المقرّبين، و أنبيائك المرسلين المصطفين و السّلام عليه و على آله الطيبين الطاهرين، و رحمة اللّه و بركاته.
و روى ثقة الإسلام أيضا في كتاب الروضة في وصيّة اللّه تعالى لعيسى عليه السّلام حيث قال في وصف محمّد صلّى اللّه عليه و آله: له الكوثر و المقام الأكبر في جنات عدن يعيش أكرم معاش و يقبض شهيدا له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس من رحيق مختوم فيه آنية مثل نجوم السماء و أكواب مثل مدر الأرض عذب فيه من كلّ شراب و طعم كلّ ثمار الجنّة من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا «1».
قال بعض الأصحاب: لا بد من حمل التحديد في هذا الخبر على المقدار في الطول للجمع بينه و بين الحديث السابق المصرّح فيه بتحديد العرض و إلّا وقع الاختلاف بينهما اللّهمّ إلّا أن يقال: المقصود منهما هو الكناية عن السعة لا على التقدير المحقّق انته.
و الضمير في قوله عليه السّلام: «و اسقنا بكأسه» يحتمل عوده إلى الحوض إشارة إلى الأقداح و الآنية و الأكواب التي فيه، و يحتمل عوده إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إضافتها إليه باعتبار أنّه الساقي بها أو باعتبار أنّ السّقي بها إنّما يكون بإذنه عليه السّلام.
 [ 1137] قال الراغب: صلوات اللّه على العباد في التحقيق تزكية لهم أي تنمية بالخيرات و البركات و هي من الملائكة و الناس الدعاء و الاستغفار «2».
و أملته أمله من باب- طلب-: رجوته فأنا آمل و هو مأمول على فاعل و مفعول.
__________________________________________________
 (1) روضة الكافي: ج 8، ص 139- 140.
 (2) المفردات: ص 285.

492
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و أملته تأميلا: مبالغة و تكثير و هو أكثر استعمالا من المخفّف حتى أنكر بعضهم التخفيف و كأنّه لم يسمع قول كعب: أرجو و آمل يدنو «1» مودّتها، و قوله أيضا: و قال كلّ خليل كنت آمله و الخير ما يختار و يرغب فيه، و خيره تعالى خير مطلق أي مرغوب فيه على كلّ حال و عند كلّ أحد.
و الفضل: العطاء الذي لا يلزم المعطي و عليه قوله تعالى: «وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» «2».
و الكرامة: اسم من أكرمه إكراما إذا فعل به ما يوجب تعظيمه و توقيره.
و جملة: «إنّك ذو رحمة واسعة»: مستأنفة و هي تعليل لما قبلها و تحريك لسلسلة الإجابة و هو اقتباس من قوله تعالى: «فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ» «3» أي لا تضيق عن شي‏ء كما قال تعالى: «وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ» «4».
و فضل كريم: أي خطير كبير وافر كثير لا يخاف عليه فناء و لا نقصان، و العرب تصف كل نفيس مستحسن بكونه كريما.
قال الواحدي: الكرم اسم جامع لكل ما يحمد و يستحسن في بابه «5»، فاللّه تعالى كريم لأنّه محمود في كلّ ما يحتاج إليه، و القرآن كريم لأنه يوجد فيه بيان كلّ شي‏ء: «أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ» «6» هو نعيم الجنّة المقرون بالدوام و اللّذّة.
 [ 1138] و الباء من قوله: «بما بلّغ» للمقابلة، و هي الدّاخلة على الأعواض نحو: اشتريته بألف و كافأت إحسانه بضعف.
و قوله تعالى: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» «7» و يجوز أن تكون للسببيّة أي بسبب تبليغ ما بلغ من رسالاتك «و ما»: على التقديرين موصولة. و «من»: بيان لها.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: و آمل أن تدنو.
 (2) المفردات: ص 382.
 (3) سورة الأنعام: الآية 147.
 (4) سورة الأعراف: الآية 156.
 (5) التفسير الكبير الرازي: ج 15 ص 124.
 (6) سورة سباء: الآية 4.
 (7) سورة النحل: الآية 32.

493
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
و بلّغ الرسالة تبليغا: أنهاها و أداها إلى المرسول إليه بها.
و الرسالة بالكسر: قد تكون اسم مصدر بمعنى التوجيه و قد تكون بمعنى القول المتحمّل و هو المراد هنا.
و أدّى من آياتك: أي و بما أوصله منها، من أدّى الأمانة، تأدية إذا أوصلها إلى أهلها، و الاسم الأداء بالمدّ.
و الآيات: جمع آية إمّا بمعنى الآية من القرآن و معنى تأديتها ظاهر، و إمّا بمعنى العلامة أي علامات ربوبيّتك و وحدانيّتك فتكون تأديتها عبارة عن تنبيه الخلق عليها و إرشادهم إليها و قد أسلفنا الكلام على بيانها «1» في شرح السند فليرجع إليه.
و نصحه عليه السّلام للعباد هو تحرية و قصده لما فيه صلاحهم قولا و فعلا.
 [ 1139] و الجهاد و المجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو و هو يكون باليد و اللسان.
قال عليه السّلام: «جاهدوا الكفار بأيديكم و ألسنتكم». و سبيله تعالى ما يوصل إلى رضاه و ثوابه.
و الملائكة المقرّبون: قيل هم الذين قرّبهم اللّه سبحانه و رفع منازلهم على غيرهم من خلقه، و قيل: هم الكروبيّون الذين حول العرش و قيل: هم أعلى من الكروبيّن رتبة.
و قال الحكماء: هم الذوات المقدّسة عن الجسميّة و الجهة و عن حاجتها إلى القيام بها.
و النبيّ: من أوحي إليه بملك، أو الهم في قلبه، أو نبّه بالرؤيا الصّالحة.
فالرسول أفضل بالوحي الخاص الذي فوق وحي النبوة و قد تقدّم الكلام على ذلك مبسوطا.
و اصطفاء اللّه سبحانه للأنبياء و المرسلين يعود إلى إفاضة الكمال النبوي عليهم‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: بنائها.

494
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثاني و الأربعين ص 389

..........
بحسب ما وهبته لهم العناية الإلهيّة من القبول و الاستعداد.
 [ 1140] و الطيب من الإنسان من تعرّى من دنس الجهل و الفسق و قبائح الأعمال و تحلّى بالعلم و الإيمان و محاسن الأفعال.
و الطاهر: من طهر من نجاسة الميلاد، و تنزّه عن درن المعاصي و الفساد.
و رحمة اللّه تعالى: أنعامه و أفضاله.
و بركاته: خيراته النامية المتكاثرة التي لا تحصى و لا تحصر. و فيه: اقتباس من قول الملائكة في سورة هود: «رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ» «1».
روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام مرّ بقوم فسلّم عليهم فقالوا: و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته و مغفرته و رضوانه فقال عليه السّلام: لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم عليه السّلام: رحمة اللّه و بركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد «2» و اللّه أعلم. [] هذا آخر الروضة الثانية و الاربعين من رياض السالكين و قد وفق اللّه سبحانه بمنّه و كرمه، لا تمامها، و حسن ختامها ضحوة يوم الأربعاء لاثنتي عشرة خلون من صفر سنة أربع و مائة و ألف و للّه الحمد كثيرا، و الصلاة على نبيّه و آله الذين أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.
__________________________________________________
 (1) سورة هود: الآية 73.
 (2) مجمع البيان: ج 5- 6 ص 180.

495
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

الروضة الثالثة و الأربعون ص 497

الروضة الثالثة و الأربعون‏

497
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام إذا نظر إلى الهلال ص 499

و كان من دعائه عليه السّلام إذا نظر إلى الهلال‏
أيّها الخلق المطيع الدّائب السّريع المتردّد في منازل التقدير المتصرّف في فلك التدبير آمنت بمن نوّر بك الظّلم و أوضح بك البهم جعلك آية من آيات ملكه و علامة من علامات سلطانه و امتهنك بالزّيادة و النّقصان و الطلوع و الأفول و الإنارة و الكسوف في كلّ ذلك أنت له مطيع و إلى إرادته سريع سبحانه ما اعجب ما دبّر في أمرك و الطف ما صنع في شانك جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث فاسأل اللّه ربّي و ربّك و خالقى و خالقك و مقدّرى و مقدّرك و مصوّرى و مصوّرك أن يصلّى على محمّد و آله و ان يجعلك هلال بركة لا تمحقها الأيّام و طهارة لا تدنّسها الآثام هلال امن من الآفات و سلامة من السّيّئات هلال سعد لا نحس فيه و يمن لا نكد معه و يسر لا يمازجه عسر و خير لا يشوبه شرّ هلال امن و ايمان و نعمة و إحسان و سلامة و اسلام اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجعلنا من ارضى من طلع عليه و ازكى من نظر إليه و أسعد من تعبّد لك فيه و وفّقنا فيه للتّوبة و اعصمنا

499
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

و كان من دعائه عليه السلام إذا نظر إلى الهلال ص 499

فيه من الحوبة و احفظنا من مباشرة معصيتك و اوزعنا فيه شكر نعمتك و البسنا فيه جنن العافية و اتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنّة إنّك المنان الحميد و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّيّبين الطّاهرين‏

500
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

مقدمة الشارح ص 501

 [مقدمة الشارح‏]
 [] (بسم اللّه الرحمن الرحيم) «1» الحمد للَّه الذي اطلع في أفق السماء أهلّة الشهور، و جعلها مواقيت للنّاس و الحج على مرّ الدهور و الصلاة و السّلام على نبيّه الذي هو في جبهات الأنبياء غرّة و الأعين الناظرين إلى هلال جبينه الشريف قرّة و على أهل بيته شموس الخلافة و بدور الولاية و أقمار الإمامة و نجوم الهداية.
و بعد: فهذه الروضة الثالثة و الأربعون من رياض السالكين تتضمّن شرح الدعاء الثالث و الأربعين من صحيفة سيد العابدين سلام اللّه عليه و على آبائه و أبنائه الهادين.
إملاء راجي فضل ربّه السني على صدر الدين بن أحمد نظام الدين الحسيني الحسني أطلع اللّه هلال أمله في مطالع النجاح بدرا و شرح له بالإيمان و الأمان صدرا.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: و به ثقتي.

501
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

شرح الدعاء الثالث و الأربعين‏
و كان من دعائه عليه السّلام إذا نظر إلى الهلال.
الهلال: غرّة القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع، و لليلتين من آخر الشهر ستّ و عشرين و سبع و في غير ذلك قمر كذا في القاموس «1».
و قال الفارابيّ في ديوان الأدب و تبعه الجوهري في الصحّاح، الهلال: لثلاث ليال من أوّل الشهر ثم هو قمر بعد ذلك «2».
و قال الأزهري: يسمّى لليلتين من أوّل الشهر هلالا، و في ليلة ست و عشرين و سبع و عشرين أيضا هلال و ما بين ذلك يسمّى قمرا «3».
و قال بعضهم: الصّحيح إنّه مخصوص بأوّل يوم فإن خفي ففي الثاني و في ما عدا ذلك يسمّى قمرا، فلو غطاه سحاب أو نحوه فلم يظهر إلّا بعد ذلك فهو قمر و لا يدعى هلالا.
و اختاره أبو حيان في الارتشاف «4».
و قال العلّامة الطبرسي «قدّس سرّه» في مجمع البيان قال بعضهم: يسمّى.
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 4 ص 70.
 (2) ديوان الأدب: ج 3 ص 93، الصحاح: ج 5 ص 1851.
 (3) تهذيب اللغة: ج 5 ص 366.
 (4) لا يوجد الدنيا كتابه.

503
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
هلالا لليلتين من الشهر ثمّ لا يسمّى هلالا إلى أن يعود في الشهر الثاني، و قال آخرون: يسمّى هلالا ثلاث ليال ثم يسمّى قمرا، و قال آخرون: يسمّى هلالا حتى يتحجّر، و تحجّره أن يستدير بخط دقيق و هذا قول الأصمعي و قال بعضهم: يسمّى هلالا حتّى يبهر ضوؤه سواد الليل ثم يقال قمر و هذا يكون في الليلة السّابعة «1» انته.
قال شيخنا البهائي طاب ثراه: لا يخفى أنّ قوله و هذا يكون في اللّيلة السابعة يخالف بظاهره قول صاحب القاموس أو إلى سبع، و وجه التوفيق بينهما غير خفيّ «2» انته.
يريد أنّ وجه التوفيق بحمل عدم دخول ما بعد إلى من كلام صاحب القاموس في حكم ما قبلها.
قالوا: و اشتقاق الهلال من الإهلال و هو رفع الصوت لرفع الناس أصواتهم بالتكبير، أو بذكره عند رؤيته، و منه الإهلال في الذبيحة: و هو رفع الصّوت بالتسمية، و أهلّ المحرم بالإحرام: رفع صوته بالتلبية و أهلّ المولود و استهلّ: إذا رفع صوته بالبكاء عند الولادة و كلّ من رفع صوته فقد أهلّ إهلالا و استهلّ استهلالا بالبناء للفاعل فيهما، و أهلّ الهلال بالبناء للمفعول و للفاعل أيضا، و منهم من يمنعه، و استهلّ بالبناء للمفعول، و منهم من يجيز بناءه للفاعل.
و هلّ: من باب- ضرب- لغة أيضا حكاها الثّقة إذا ظهر، و أهللنا الهلال و استهللناه رفعنا الصوت برؤيته و جمعه أهلّة، و أهاليل قيل. و إنّما سمّي بعد الهلال قمرا لأنّه يقمر ضوء الكواكب أي يغطيها، و قيل: سمّي قمرا لبياضه، و الأقمر:
الأبيض، و يتعلّق بالمقام مسائل لا بأس بالتعرّض لها.
الاولى: الدعاء عند رؤية الهلال سنّة مأثورة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان: ج 1- 2 ص 283.
 (2) الرسالة الهلالية: ص 1.

504
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
و أوصيائه المعصومين عليهم السّلام، و لا ريب في استحبابه بإجماع المسلمين.
و انفرد ابن أبي عقيل رحمه اللّه بالقول بوجوب قراءة هذا الدعاء عند رؤية هلال شهر رمضان و هو: «الحمد للّه الذي خلقني و خلقك و قدّر منازلك و جعلك مواقيت للناس، اللّهمّ أهلّه علينا إهلالا مباركا، اللّهمّ ادخله علينا بالسلامة و الإسلام و اليقين و الإيمان و البرّ و التقوى و التوفيق لما تحبّ و ترضى «1».
قال شيخنا البهائي طاب ثراه: قول ابن أبي عقيل بوجوب ذلك لا نعلم له فيه موافقا و كأنّه وجد الأمر بهذا الدّعاء في بعض الرّوايات فحمله على الوجوب كما هو مقرّر في علم الاصول و لم يلتفت إلى تفردّه بين الأصحاب بهذا الحكم، و ربّما حمل قوله بالوجوب على إرادة تأكيد الاستحباب صونا له عن مخالفة الجمهور «2».
و قال العلّامة الحلّي قدّس سرّه في المختلف: و لم يوجب أحد من أصحابنا ذلك فإن كان مراده من الوجوب تأكيد الاستحباب فمسلّم، و إن أراد المعنى الحقيقي فممنوع «3».
الثانية: للدعاء عند رؤية الهلال آداب ينبغي مراعاتها حال قراءة الدعاء منها:
أن يكون قراءة الدعاء في المكان الذي رأى فيه الهلال كما يدلّ على ذلك ما رواه الصّدوق رحمة اللّه في الفقيه «4»، و شيخ الطائفة في التهذيب «5» و المصباح عن أمير المؤمنين عليه السّلام إنّه قال: إذا رأيت الهلال فلا تبرح و قل: اللّهمّ إنّي أسألك خير هذا الشهر و فتحه و نوره و نصره و بركته و طهوره و رزقه و أسألك خير ما فيه و خير ما بعده و أعوذ بك من شرّ ما فيه و شرّ ما بعده، اللّهمّ أدخله علينا بالأمن و الإيمان و السلامة و الإسلام و البركة و التقوى و التوفيق لما تحبّ و ترضى «6».
فإنّ قوله عليه السّلام: لا تبرح: أي لا تزل عن مكانك الذي رأيته فيه، يقال:
__________________________________________________
 (1) مختلف الشيعة: ص 236.
 (2) الرسالة الهلالية للشيخ البهائي: ص 2.
 (3) مختلف الشيعة: ص 236.
 (4) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 100 ح 1845.
 (5) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 197 ح 564.
 (6) المصباح المتهجّد: ص 486 مع اختلاف يسير في العبارة.

505
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
برح يبرح من باب- تعب- براحا: زال من مكانه، و احتمال أنّ المراد لا تؤخر و قل على الفور خلاف الظاهر.
و منها: أن لا يشير إلى الهلال بيده و لا برأسه و لا بشي‏ء من جوارحه كما تضمّنته الرواية عن الصادق عليه السّلام: إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه و لكن استقبل القبلة و ارفع بيديك إلى اللّه عزّ و جلّ و خاطب الهلال و قل: ربّي و ربّك و اللّه ربّ العالمين اللّهمّ أهلّه علينا بالأمن و الإيمان و السلامة و الإسلام و المسارعة إلى ما تحبّ و ترضى، اللّهمّ بارك لنا في شهرنا هذا و ارزقنا عونه و خيره و اصرف عنّا ضرّه و شرّه و بلاءه و فتنته «1».
و لعلّ هذا الحكم مختص بشهر رمضان. و صرّح بعض العامّة بكراهيّته مطلقا و علّله بأنّه من أفعال الجاهليّة، و أمّا استقبال القبلة و رفع اليدين فلا خصوصيّة لهما «2» بدعاء الهلال مطلقا بل يعمّان كلّ دعاء.
و منها: أن يخاطب الهلال بالدعاء كما تضمّنته الرواية المذكورة، و لعلّ المراد مخاطبته بما يتعلّق به من الألفاظ نحو قوله عليه السّلام: «ربّي و ربّك اللَّه» و غير ذلك ممّا اشتملت عليه الأدعية المأثورة لرؤية الهلال كأكثر ألفاظ هذا الدعاء الذي نحن بصدد شرحه، و لا منافاة بين استقبال القبلة و مخاطبة الهلال في البلاد التي لا يمكن فيها استقبالهما معا لأنّ مخاطبة الهلال لا يستلزم استقباله إذ قد يخاطب الإنسان من استدبره و يمكن القول بإستقبال الدّاعي الهلال حال قراءة ما يتعلّق بخطابه من فصول الدعاء و استقبال القبلة فيما عدا ذلك.
الثالثة: قال شيخنا البهائي طاب ثراه: يمتدّ وقت قراءة الدعاء بامتاد وقت التسمية هلالا و الأولى عدم تأخيره عن الليلة الأولى عملا بالمتيقّن المتّفق عليه لغة
__________________________________________________
 (1) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 100 ح 2846.
 (2) «ألف»: لها.

506
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

قال صلوات اللّه و سلامه عليه: أيّها الخلق المطيع، الدّائب السّريع، المتردّد في منازل التقدير المتصرّف في فلك التّدبير.
و عرفا فإن لم يتيسّر فعن الليلة الثانية لقول أكثر أهل اللّغة: بالامتداد إليها، فإن فاتت فعن الثالثة لقول كثير منهم: بأنّها آخر لياليه، و أمّا إطلاق الهلال عليه إلى السابعة فكأنّه مجاز من قبيل إطلاقه عليه في الليلة السادسة و العشرين و السابعة و العشرين «1».
فلو نذر قراءة دعاء الهلال و غيره عند رؤيته و قلنا بالمجازيّة فيما فوق الثلاث لم تجب عليه القراءة برؤيته فيما فوقها حملا للمطلق على الحقيقة، و هل تشرع؟ الظاهر نعم إن رآه في تتمّة السبع رعاية لجانب الاحتياط، أمّا فيما فوقها فلا لأنّها تشريع، و لو رآه يوم الثلاثين فلا وجوب على الظاهر لعدم تسميته حينئذ هلالا، و ما في حسنة حماد بن عثمان عن الصادق عليه السّلام، من إطلاق اسم الهلال عليه قبل الغروب لعلّه مجاز إذ الأصل عدم النقل «2» انته.
 [ 1141] أي: اسم مبهم يتوصّل به إلى نداء ما فيه أهل لاستكراههم اجتماع آلتي تعريف صورة، و إن كان في إحداهما من الفائدة ما ليس في الأخرى ففصّلوا بينهما باسم مبهم يحتاج إلى ما يزيل إبهامه ليكون المنادى في الظاهر ذلك المبهم، و في الحقيقة ذلك المخصّص الذي يزيل الإبهام و يعيّن الماهيّة، و التزموا بعدها هاء التنبيه تنبيها على أنّ المنادى الحقيقي هو ما بعدها و إن كان في الظاهر تابعا لها، و لذلك التزم رفعه لأنّه المقصود بالنداء، و المنادي المفرد لا ينصب.
قال أبو حيّان في الارتشاف: التابع لأيّ في النّداء وصف، و قيل: عطف بيان، قال ابن السيد: و هو الظاهر «3» انته.
و في شرح الخلاصة لبدر الدين بن مالك إنه إن كان مشتقّا فهو نعت نحو يا أيّها
__________________________________________________
 (1) الرسالة الهلاليّة: ص 2.
 (2) الرسالة الهلالية: ص 4.
 (3) لا يوجد لدينا كتابه.

507
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
الفاضل و إلّا فهو عطف بيان نحو يا أيّها الرجل.
فإن قلت قد نقل صاحب القاموس جواز النصب في تابع أيّ، فقال: و أجيز نصب صفة أيّ فتقول يا أيّها الرّجل أقبل «1»، فكيف ادّعيت التزام الرّفع فيه؟
قلت: جواز النصب قول قال به المازني «2» و لم يلتفت إليه أحد.
قال الزجاج: و لم يتقدّمه أحد إلى ذلك و لا تابعه عليه أحد و هو مخالف لكلام العرب «3».
و الخلق: في الأصل مصدر بمعنى التقدير و إبداع الشي‏ء من غير أصل و لا احتذاء، ثم استعمل بمعنى المخلوق كاللّفظ بمعنى الملفوظ.
و دأب في عمله دأبا من باب- منع-، و دأبا بفتحتين و دءوبا على فعول بالضّم:
جدّ و اجتهد و تعب فهو دائب.
و قيل: الدؤب: «4» دوام العمل على حالة مستمرّة مطردة أخذا من الدأب بمعنى.
العادة المستمرّة دائما على حالة. قال تعالى: «وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ «5»، أي مستمرّين في سيرهما و إنارتهما و سائر منافعهما و خواصّهما على عادة مطردة دائمة.
و السرعة ضدّ البطء، يقال سرع سرعا فهو سريع على وزن صغر صغرا فهو صغير، و أسرع إسراعا فهو مسرع، و فرّق سيبويه بين سرع و أسرع فقال: أسرع: طلب ذلك من نفسه و تكلّفه كأنّه أسرع المشي أي عجّله و أمّا سرع فكأنّها غريزة «6».
و عرّف الحكماء السرعة بأنّها كيفيّة قائمة بالحركة بها تقطع المسافة و المساوية لمسافة أخرى في زمان أقصر من زمانها أو مسافة أطول في الزمان المساوي أو الأقصر
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: ج 4 ص 302.
 (2) خزانة الأدب: ج 1 ص 150.
 (3) خزانة الأدب: ج 2 ص 150.
 (4) «ألف»: الدوب.
 (5) سورة إبراهيم: الآية 33.
 (6) لم نعثر عليه.

508
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
و السرعة و البطء في شي‏ء واحد بالذات و هو كيفيّة واحدة قابلة للشدّة و الضعف، و إنّما يختلفان بالإضافة العارضة لهما، فما هو سرعة بالقياس إلى شي‏ء هو بعينه بطؤ بالقياس إلى آخر، و وصفه عليه السّلام القمر بالسرعة إشارة إلى سرعة حركته العرضيّة التي تكون بتوسّط فلك تدويره فإنّه أسرع من سائر الكواكب حركة بهذا الاعتبار، أمّا الثوابت فظاهر لكون حركتها من أبطأ الحركات حتى أنّ القدماء لم يدركوها فقيل: إنّها تتمّ الدورة في ثلاثين ألف سنة، و قيل: في ستّة و ثلاثين ألف سنة، و أمّا السيّارات فلأنّ زحل يتمّ الدورة في ثلاثين سنة، و المشتري في اثنتي عشرة سنة، و المرّيخ في سنة و عشرة أشهر و نصف شهر، و كلا من الشمس و الزهرة و عطارد في قريب سنة، و أمّا القمر فيتمّ الدّورة في نحو من ثمانية و عشرين يوما فكان أسرعها حركة، و أمّا حركته الذاتيّة و إن قال: بها جمّ غفير من أساطين الحكماء حيث أثبتوا لجميع الكواكب حركة ذاتية تدور بها على أنفسها فهي على تقدير ثبوتها غير محسوسة و لا معروفة، فحمل وصف القمر بالسرعة على هذه الحركة بعيد، نعم لا يبعد حمله على حركته المحسوسة على أنّها ذاتيّة له كما ذهب إليه بعضهم من جواز كون بعض حركات السيّارات في أفلاكها من قبيل حركة السابح في الماء، و يؤيّده ظاهر قوله تعالى: «وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ «1»، و اللَّه أعلم.
قوله عليه السّلام: «المتردّد في منازل التقدير» يقال: تردّدت إلى فلان: أي رجعت إليه مرّة بعد أخرى و تردّدت في الطريق إذا سرت فيها مرّة بعد أخرى.
و المراد بمنازل التقدير: منازل القمر التي قدرت له أي جعلت له على مقدار مخصوص و وجه مخصوص حسب ما اقتضته الحكمة و هي المشار إليها بقوله تعالى:
 «وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ «2» و قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ «3»،
__________________________________________________
 (1) سورة الأنبياء: الآية 33.
 (2) سورة يس: الآية 39.
 (3) سورة يونس: الآية 5.

509
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
أي قدّرنا مسيره منازل، أو قدرناه ذا منازل و كذلك قوله: «وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ «1».
قال العلّامة النيسابوري: و منزل القمر هي المسافة التي يقطعها في يوم و ليلة بحركته الخاصة به و جملتها ثمانية و عشرون و هي: الشرطان و البطين و الثريّا و الدبران و الهقعة «2» و الذراع و النثرة و الطرف و الجبهة و الزبرة و الصرفة و العوا و السماك و الغفر و الزبانا و الإكليل و القلب و الشؤلة و النعايم و البلدة، و سعد الذابح، و سعد بلع، سعد السعود و سعد الأخبية، و الفرع المقدّم، و الفرع المؤخّر، و الرشاء، و هي كواكب ثابتة معروفة عندهم جعلوها علامات المنازل فيرى القمر كل ليلة نازلا بقرب واحد منها و ذلك إنّهم قسّموا دور الفلك و هو اثنا عشر برجا على ثمانية و عشرين منزلا أيّام دور القمر فأصاب كل برج منزلان و ثلث، فسمّوا كل منزل بالعلامة التي وقعت وقت التسمية بحذائه «3» انته.
و المراد بتردّد القمر في هذه المنازل تكرّر سيرة فيها بحركته الخاصة به، ففي على معناها الأصلي من الظرفيّة و لا داعي إلى جعلها بمعنى إلى لعود القمر إليها في الشهر اللاحق بعد قطعه إيّاها في السابق، كما وقع في الحديقة الهلاليّة فان التردّد إنما يعدّى بإلى إذا كان المتردّد إليه هو المقصود بالتردّد كما يقال: تردّدت إلى مجالس العلم و تردّدت إلى فلان، و أما منازل السفر و المراحل و المسافات فإنّما تردّدت فيها لا تردّدت إليها كما يشهد به موارد الاستعمال.
 (تنبيه) ليس سير القمر في هذه المنازل على وتيرة واحدة بل قد يسرع تارة و يبطئ أخرى، فإذا أسرع فربّما تخطا منزلا في الوسط و إذا أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل‏
__________________________________________________
 (1) سورة يونس: الآية 5.
 (2) «ألف»: و المقعة.
 (3) تفسير النيسابوري: ج 2 ص 287 تفسير رغائب القرآن و غرائب الفرقان: ج 2 ص 287.

510
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
واحد و قد يرى في بعض الليالي بين منزلتين، فما وقع في الكشاف «1» و تفسيري القاضي «2» و العمادي من أنّه ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه و لا يتقاصر عنه «3» ليس كذلك.
قوله عليه السّلام: «المتصرّف في فلك التدبير». الفلك بفتحتين: مدار النجوم، سمّي بذلك تشبيها بفلكة المغزل لدورانه.
قال جدّنا العلّامة السيّد غياث الدين منصور «قدّس سرّه»: المستفاد من أرباب الأرصاد الروحانيّات و النبوات و الأنبياء و أعاظم الحكماء إنّ الأفلاك تسعة لا غير و هي منحصرة في سبع سماوات و كرسي و عرش «4».
و قال الشيخ الجليل ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة: الشرع و البرهان تطابقا على أنّ الأفلاك تسعة بعضها فوق بعض فمنها سبع سماوات ثم الكرسي و العرش بعبارة الناموس الإلهي، قالوا: و هي أجسام كرويّات متّسعات مجوّفات مركّبة بعضها في جوف بعض و أكثرها يشتمل على الكواكب و هي أجرام نورانيّة مستديرة مصمتة مركوزة في أجرام الأفلاك، فأوّل الأفلاك ممّا يلينا ليس فيه من الكواكب إلّا القمر، و يسمّى فلك القمر «5».
و السماء الدنيا و هو محيط- بالهواء من جميع الجهات كإحاطة قشر البيضة ببياضها، و الأرض في جوف الهواء كمحّة البيضة في بياضها، و من وراء فلك القمر فلك عطارد و ليس فيه من الكواكب غيره، و من وراء فلك عطارد فلك الزهرة و ليس فيه من الكواكب غيرها، و من وراء فلك الزهرة فلك الشمس و ليس فيه غيرها، و من وراء فلك الشمس فلك المرّيخ و ليس فيه غيره، و من وراء فلك المريخ‏
__________________________________________________
 (1) تفسير الكشاف: ج 4 ص 16.
 (2) أنوار التنزيل و أسرار التأويل: ج 2 ص 281.
 (3) تفسير أبي السعود: ج 7 ص 167.
 (4) لم نعثر عليه.
 (5) شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 1 ص 150.

511
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
فلك زحل و ليس فيه غيره، و هذه السّبعة الكواكب يقال لها السيّارة و من وراء فلك زحل فلك الكواكب الثابتة و هو يشتمل على ما سوى السّبعة المذكورة من الكواكب و يسمّى فلك البروج، و فلك الثوابت لكونه مكانا لها و لتسميتهم كواكبه بالثّوابت إما لبطؤ حركتها فلا تحسّ، و إما لثبات أوضاع بعضها من بعض فإنا نجد دائما وضعا «1» معينا ثابتا بين النسر الطائر و النسر الواقع و يسمّى في الشرع بالكرسي، و من ورائه الفلك المحيط لإحاطته بجميع الأفلاك و يسمّى فلك الأفلاك، و الفلك الأعظم و الفلك الأطلس لأنّه غير مكوكب إمّا لخلوه من الكواكب أو لعدم إدراكنا لما فيه منها إن كان و هو المسمّى بالعرش المجيد في لسان الشرع، و هذا الفلك دائم الدوران كالدولاب يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض و من المغرب إلى المشرق تحت الأرض في كلّ يوم و ليلة دورة واحدة و يدير سائر الأفلاك و الكواكب معه كما قال عزّ اسمه «وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ «2»، و سائر الأفلاك يدور كل منها بحركته المختصّة به من المغرب إلى المشرق فوق الأرض، و من المشرق إلى المغرب تحت الأرض بدليل إنّ الهلال يرى في الليلة الأولى في مكان و في الثانية ينتقل إلى مكان آخر أخذا إلى جهة الشرق و هكذا إلى آخر الشهر حتى يتمّ بفلكه الدورة و هي أن يعود إلى النقطة التي كان عليها أوّلا فكأنّ لكل فلك من الأفلاك الثمانية دورتان ذاتيّة و هي التي من المغرب إلى المشرق و قسرية و هي التي من المشرق إلى المغرب و شبّهوا ذلك بنملة على رحى، فالرحى تسعى إلى جهة اليمين مثلا و النّملة إلى جهة اليسار فللنّملة حركتان ذاتيّة و قسريّة و إنّما سمّيت هذه الحركة العظمى قسريّة لأنّها تقسّر الأفلاك و تدور بها إلى غير جهة حركتها الذاتيّة عكسا، و هذه الحركة هي التي ترى بها الشمس كلّ يوم في شروق و غروب و إلّا ففلكها لا يتمّ الدورة إلّا في قريب من سنة كما تقدّم.
__________________________________________________
 (1) «ألف»: وصفا.
 (2) سورة الأنبياء: الآية 33.

512
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
إذا عرفت ذلك فالمراد بفلك التدبير في عبارة الدّعاء فلك القمر الذي هو أوّل الأفلاك ممّا يلينا و أقربها من عالم العناصر، و إنّما عبّر عنه بفلك التدبير إمّا لتدبير بعض مصالح عالم الكون و الفساد به كما ذكره بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى:
 «فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً «1»، إنّ المراد بها الأفلاك يقع فيها أمر اللّه فيجري بها القضاء «2» فتكون الإضافة فيه من باب إضافة الفاعل إلى الفعل، و أمّا لأنّ ملائكة سماء الدنيا يدبّرون أمر العالم السفلى فيه أو إنّ كلا من السيارات السبع تدبّر في فلكها أمرا هي مسخّرة له بأمر خالقها و مبدعها كما ذكره جماعة من المفسّرين في قوله تعالى:
 «فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً، فالإضافة فيه من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف كقولهم:
مجلس الحكم و دار القضاء أي الفلك الذي هو مكان التدبير و محلّه.
قال الحكماء: و لمّا كان القمر و فلكه أقرب الكواكب و الأفلاك إلى العالم السفلي كان القمر هو متولي تدبير عالم الكون و الفساد، و لا يبعد أن يكون المراد بفلك التدبير الفلك الذي يدبّره الفلك بنفسه نظرا إلى ما ذهب إليه طائفة من أنّ كل فلك جسد لكوكبه و هو المدبّر لجميع ما فيه بالمشية الإلهية كما أنّ النفس تدبّر الجسد.
قال جدّنا العلّامة السيد غياث الدين منصور قدّس سرّه العزيز: الذي يستفاد ممّا أفاده القدماء من الحكماء أنّ كلّ فلك كلّي شخص واحد فكلّ من الكليّات التي للسيارات السبع شخص له قلب هو كوكبه، و أعضاء هي أفلاكه الجزئيّة، و بدن هو الفلك الكلّي، و النفس الفلكيّة تتعلّق أولا بالقلب الّذي هو الكوكب «3» ثم بغيره من الأعضاء و هذا كالشخص الإنساني فانّ نفسه أولا تتعلّق بروحه الحيواني الذي في القلب، ثم بسائر أعضائه و الإرادة النفسيّة في الكواكب «4»
__________________________________________________
 (1) سورة النازعات: الآية 5.
 (2) مجمع البيان: ج 9- 10، ص 430.
 (3) «ألف»: الكواكب.
 (4) «ألف»: الكواكب.

513
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
فالنفس بالإرادة الكوكبيّة تحرّك البدن و سائر الأعضاء على ما شاء اللّه و أراد كما أنّ كلّ إنسان و حيوان يحرّك بدنه و أعضاءه على ما أراد انته.
و على هذا فاثبات التصرّف للقمر في الفلك ظاهر.
و قال بعض المتأخّرين: المراد بتصرّفه في فلك التدبير دورانه فيه شبّه تدبيره تعالى بالفلك و عبّر عن دوران القمر على وفق التدبير بتصرفه في الفلك انته و هو كما تراه.
 (تنبيه) قال العلّامة البهائي قدّس اللّه سرّه: خطابه عليه السّلام للقمر و نداؤه له و وصفه إيّاه بالطاعة و الجدّ و التّعب و التردّد في المنازل و التّصرف في الفلك ربّما يعطي بظاهره كونه ذا حياة و إدراك و لا استبعاد في ذلك نظرا إلى قدرة اللّه تعالى إلّا أنّه لم يثبت بدليل عقلي قاطع يشفي العليل، أو نقلي ساطع لا يقبل التأويل، نعم أمثال هذه الظواهر ربما أشعر به، و قد يستند في ذلك بظاهر قوله تعالى: وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ «1»، فإنّ الواو و النون لا يستعمل حقيقة لغير العقلاء، و قد أطبق الطبيعيّون على أنّ الأفلاك بأجمعها حيّة ناطقة عاشقة مطيعة لمبدعها و خالقها و أكثرهم على أنّ غرضها من حركاتها نيل التشبّه بجنابه و التقرّب إليه جلّ شأنه، و بعضهم على أنّ حركاتها لورود الشّوارق القدسيّة عليها آنا فآنا، فهي من قبيل هزّة الطرب و الرقص الحاصل من شدّة السرور و الفرح، و ذهب جمّ غفير منهم إلى أنّه لا ميّت في شي‏ء من الكواكب أيضا حتى أثبتوا لكل واحد منها نفسا على حده تحركه حركة مستديرة على نفسه و ابن سينا مال في الشفاء إلى هذا القول، و رجّحه و حكم به في النمط السادس من الإشارات، و لو قال: به قائل لم يكن مجازفا، و كلام‏
__________________________________________________
 (1) سورة الأنبياء: الآية 33.

514
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
ابن سينا و أمثاله و إن لم يكن حجّة يركن إليها الديانيّون في أمثال هذه المطالب إلّا أنّه يصلح للتأييد و لم يرد في الشريعة المطهّرة على الصادع بها و آله أفضل الصلوات و اكمل التسليمات ما ينافي ذلك القول، و لا قام دليل عقلي على بطلانه و إذا جاز أن يكون لمثل البعوضة و النملة فما دونهما حياة فأي مانع من أن يكون لتلك الأجرام الشريفة أيضا حياة.
و قد ذهب جماعة إلى أنّ لجميع الأشياء نفوسا مجرّدة و نطقا و جعلوا قوله تعالى:
 «وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» محمولا على ظاهره، و ليس غير ضنا من هذا الكلام ترجيح القول بحياة الأفلاك بل كسر سورة استبعاد المصرّين على إنكاره و ردّه و تسكين صولة المشنّعين على من قال به أو جوّزه و اللّه الهادي انته كلامه رفع مقامه «1».
و قد يتعقب ذلك بما ذكره السيّد المرتضى علم الهدى «قدّس سرّه» في بعض مسائله و نصّه: أقوى شي‏ء في نفي كون الفلك و ما فيه من شمس و قمر و كواكب «2» أحياء السمع و الإجماع، فإنّه لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك و ما يشتمل عليه من الكواكب، و أنّها مسخّرة مدبّرة مصرّفة، و ذلك معلوم من دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ضرورة «3» انته.
و ذكر نحو ذلك في ملحقات الغرر و الدّرر أيضا، و للبحث في دعوى الإجماع و العلم بذلك من الشريعة ضرورة مجال، و على القول بذلك: فخطاب القمر و نداؤه و وصفه بما ذكر تنزيل له منزلة العالم لاعتبار مناسب و هو في كلام البلغاء غير قليل و اللّه أعلم.
__________________________________________________
 (1) الرسالة الهلالية: ص 8.
 (2) «ألف»: كوكب.
 (3) أمالي المرتضى: ج 2 ص 385.

515
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

آمنت بمن نوّر بك الظلم، و أوضح بك البهم، و جعلك آية من آيات ملكه، و علامة من علامات سلطانه، و امتهنك بالزيادة و النّقصان، و الطلوع و الأفول، و الإنارة و الكسوف، في كلّ ذلك أنت له مطيع، و إلى إرادته سريع.
 [ 1142] المراد بالإيمان هنا: إذعان النفس على سبيل التصديق، و هو معناه اللغوي، و قد تقدّم الكلام على ذكر الاختلاف في حقيقة الإيمان و تحقيق الحقّ فيه فيما سبق.
و النور: كيفيّة تدركها الباصرة أولا و بواسطتها سائر المبصرات، فهو عرض قائم بالجسم و يرادفها الضوء لغة و فرّق بينهما الحكماء بأنّ تلك الكيفيّة إن كانت للشي‏ء من ذاته فهي الضوء كما للشمس، و إن كانت له من غيره فهي النور كما للقمر و عليه جرى قوله تعالى: «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً» «1».
و الظلم: جمع ظلمة و هي عدم الضوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئا، فالتقابل بين النور و الظلمة تقابل العدم و الملكة، و منهم من زعم أنّ الضوء أجسام شفّافة منفصلة عن المضي‏ء متّصلة بالمستضي‏ء، و زعم بعضهم أنّ الظلمة كيفيّة وجوديّة مانعة من الإبصار، و الأوّل أصح و هو الذي عليه الجمهور.
و «الباء» من قوله: «نوّر بك الظلم» للسّببية أو للآلة و معنى تنوير الظلم به على قول الجمهور من كون النور عرضا جعلها متصفة بالنور كما تقول بيّضت الشي‏ء و سوّدته أي صيّرته متّصفا بالبياض و السّواد، و على القول بأنّه جسم جعلها ذات نور كما تقول لبنته و تمرته أي صيرته ذا لبن و تمر، و على القول بأنّ الظلمة كيفيّة وجوديّة إعدام الظلم و إحداث الضوء في محالّها، ثم المراد بالظلم المنوّرة على القولين الأوّلين إمّا الأهوية المظلمة بناء على ما هو الحقّ من تكيّف الهواء بالنور و استضاءته به، و أمّا الأجسام المظلمة سوى الهواء لا حقيقة الظلم التي هي عدم النور فإنّ العدم لا يتصف بالنور.
__________________________________________________
 (1) سورة يونس: الآية 5.

516
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
و اللام في الظلم: للاستغراق العرفي، أي الظلم المتعارف، و تنويرها بالقمر نحو جمع الأمير الصاغة أي صاغة بلده أو مملكته، و يجوز أن تكون للعهد الخارجي.
و اليهم: جمع بهمة بالضمّ كظلمة و ظلم، و هي ما يصعب إدراكه على الحاسّة إن كان محسوسا و على الفهم إن كان معقولا.
و الآية: العلامة الظاهرة.
و ملكه و سلطانه تعالى: عبارة عن استيلائه القاهر و غلبته التامّة، و قدرته على التصرّف الكلّي في الامور العامّة بالأمر و النّهي، و التنكير في آية و علامة إمّا للتعظيم أو للنّوعيّة كما قالوه في قوله تعالى: «وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ» «1»، و احتمال التحقير ينبؤ عنه المقام و يتجافى عنه مساق الكلام.
 [ 1143] و الامتهان: افتعال من المهن، يقال: مهن مهنا من بابي- قتل- و- نفع-: خدم غيره فهو ما هن، و المهنة بالفتح أخصّ من المهن مثل الضربة و الضرب، و قيل:
المهنة بالكسر لغة، و أنكرها الأصمعي و قال: الكلام الفتح، و امتهنته امتهانا استخدمته و امتهنته أيضا ابتذلته أي استعملته في الخدمة.
و المراد بالزيادة و النقصان: زيادة نور القمر و نقصانه بحسب ما يظهر للحسّ من المستنير بنور الشّمس من جرمه في الأشكال الهلاليّة و البدريّة لا أنّ الزيادة و النقصان حاصلان له في الواقع و بحسب نفس الأمر لأنّ الأزيد من نصفه منير دائما كما بيّن في محلّه.
قال شيخنا البهائي: و ربّما تراءى لبعض الأفهام من ظاهر قوله عليه السّلام:
 «و امتهنك بالزيادة و النقصان»، إنّ زيادة نور القمر و نقصانه المحسوسين واقعان بحسب الحقيقة و حاصلان في نفس الأمر كما هو معتقد كثير من الناس، و هذا و إن كان ممكنا نظرا إلى قدرة اللّه تعالى على أن يحدث في جرمه أوّل الشهر شيئا يسيرا
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 7.

517
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
من النور و يزيده على التدريج إلى أن يصير بدرا ثم يسليه عنه شيئا فشيئا إلى المحاق إلّا أنّ حمل كلامه عليه السّلام على ما هو المتفق عليه بين أساطين علماء الهيئة الذين اقتبسوا هذا العلم من أصحاب الوحي سلام اللّه عليهم كشيث و إدريس عليهما السّلام أليق و أولى «1» انته ملخّصا.
 (إيضاح) قال علماء الهيئة: القمر جرم كروي مظلم في نفسه كثيف صقيل كالمرآة يقبل الضّوء لكثافته و ينعكس عنه لصقالته، فنوره «2» مستفاد من الشمس بمحاذاته لها كالمرآة المصقولة إذا حاذتها الشمس، و لمّا كانت الشمس أعظم منه كما بيّن في مقادير الأجرام من أنّ الشّمس ستّة آلاف و ستمائة و أربعة و أربعون مثلا للقمر و نصف بالتقريب كان الأكثر من نصفه مستنيرا بضوئها دائما، و الأقلّ من نصفه مظلما دائما لما بيّنه صاحب كتاب جرمي النيرين من أنّه إذا قيل: الضوء كرة صغرى من كرة عظمى كان المضي‏ء منها أعظم من نصفها فإذا سامت القمر الشمس و قارنها كان نصفه المستنير بضيائها مقابلا لها و نصفه المظلم ممّا يلينا فلا نرى نوره، و هذه الحالة تسمّى بالمحاق، فإذا بعد عنها بقدر مسيره اليومي و هو اثنتا عشرة درجة أو أقل أو أكثر بحسب اختلاف أوضاع المساكن كما ذكره أصحاب الزيجات ترى من وجهه المستنير هلالا و يزداد نوره كلّ يوم إلى أن يحصل في المقابلة فنراه تامّ النور و يسمى حينئذ بدرا، و إذا انصرف عن المقابلة انتقص نوره على تلك النسبة إلى أن يعود المحاق عند الاجتماع «3»، و بيان ذلك بأكثر من هذا يؤخذ من محلّه.
__________________________________________________
 (1) الرسالة الهلالية: ص 12.
 (2) «ألف»: فنوره ابدا مستفاد.
 (3) أي جرمي النيرين.

518
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
 (تنبيه) لا يقال يرد على عبارة الدعاء أنّ الامتهان للقمر إنّما يكون بحصول نقصان نوره و أمّا حصول زيادة النور فلا امتهان به، ألا ترى أنّ الطبيعيّين قالوا: أنّ القمر إذا كسته الشمس ضوءها و جعلته شبيها لها في الضوء و التمام كان كالرجل الذي يرفعه الملك و يشرّفه و يعلي قدره و منزلته و إذا ارتجعت منه ضوءها و أعادته إلى حاله من الكمودة و الظلمة كان كالوزير العظيم القدر يحط عن شرفه و رئاسته و يصير إلى الذلّ و الهوان، فالامتهان إنّما هو بالنقصان لا بالزيادة.
لأنّا نقول: الامتهان يكون بمجموع الزيادة و النقصان باعتبار تغييره من حال إلى حال، و عدم بقائه على شكل واحد على أنّ تسخيره لأن يتحرّك على النهج الخاص الذي لا يزيد به المنير منه في كلّ ليلة إلّا شيئا يسيرا لا يستطيع أن يتخطاه و لا يقدر على أن يتعدّاه امتهانا له.
قيل: و يمكن أن يكون المراد بالزيادة و النقصان: تفاوت أجزائه في النور و هو بعيد.
و طلوع الكوكب: ظهوره فوق الأفق من تحت شعاع الشّمس و افوله: غروبه تحته.
و كسفت الشمس من باب- ضرب- كسوفا و كذلك القمر قاله ابن فارس و الأزهري، و قال ابن القوطية أيضا كسف القمر و الشمس و الوجه: تغيّرت «1».
و قال تغلب: أجود الكلام خسف القمر، و كسفت الشمس «2».
و قال بعضهم: إذا ذهب بعض النور فهو الكسوف و إذا ذهب كلّه فهو الخسوف.
__________________________________________________
 (1) المصباح المنير: ص 732.
 (2) لسان العرب: ج 9 ص 67.

519
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
و قال النووي في تهذيب اللغات: يقال: خسف القمر و خسفت الشمس، و كسف و كسفت و انخسف و انخسفت و انكسف و انكسفت و خسفا و كسفا كلّها لغات صحيحة «1» انته.
قال في الحديقة الهلاليّة: فإن صحّ ما قيل: إنّ الأحسن خسف القمر و كسفت الشمس فلعلّه عليه السّلام أراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس و القمر لا المختص بالقمر و هو الخسوف ليكون خلاف الأحسن إنّما هو اطلاق الكسوف على الخسوف لا على الأمر الشامل له و لغيره، و لا يخفى إنّ امتهان القمر حاصل بسبب كسف الشّمس أيضا فإنّه هو الساتر لها، و لمّا كان شمول الكسوف للخسوف أشهر من العكس اختاره عليه السّلام «2» انته. و فيه نظر يظهر ممّا سنذكره في التنبيه الآتي.
 (إيضاح) قال علماء الهيئة: خسوف القمر و كسوفه هو عدم إنارته ما يلينا من كرة البخار في الوقت الذي من شأنه أن يضي‏ء فيه لوقوعه في ظل الأرض لمقاطرتها النيّرين أعني كونها معهما «3» في قطر واحد من أقطار العالم تحقيقا أو تقريبا و كونها جسما كثيفا حاجبا لنور الشمس، و لهذا لا يقع عليه أو على بعضه حينئذ شي‏ء من شعاعها وقوعا أوليّا فيظلم لكونه غير مضي‏ء من ذاته كما تقدّم و هو خسوفه و كسوفه، و أمّا كسوف الشمس فهو عدم إضاءتها ما يلينا من كرة البخار في الوقت الذي من شأنها أن تضي‏ء فيه لتوسّط القمر بينها و بين البصر أعني وقوعه على الخط الخارج من البصر إليها و حجب نورها عن الأبصار لكثافته و قطعه السموت «4» المستقيمة التي بين البصر و الشمس و هو كسوفها، هذا مجمل ما قالوه و تفصيله يؤخذ من مظانه.
__________________________________________________
 (1) تهذيب الأسماء و اللغات: القسم الثاني. ج 1 ص 90.
 (2) الحديقة الهلاليّة: ص 9.
 (3) «ألف»: معهما في قطر.
 (4) «ألف»: السموات.

520
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

سبحانه ما أعجب ما دبّر في أمرك، و ألطف ما صنع في شأنك، جعلك (تنبيه) وجه امتهان القمر بالإنارة ما ذكرناه في توجيه امتهانه بزيادة النور.
و قال العلّامة البهائي «قدّس سرّه»: و يمكن أن يوجّه امتهانه بالإنارة بوجه آخر و هو أن يراد بها إعطاؤه النّور للغير كوجه الأرض مثلا لا اتّصافه هو بالنّور، فإنّ الإنارة و الاضاءة كما جاءا في اللغة لازمين فقد جاءا متعدّيين و حينئذ ينبغي أن يراد بالكسوف كسفه للشّمس لتتمّ المقابلة و يصير المعنى امتهنك بأن تفيض النور على الغير تارة و تسلبه عنه أخرى «1» انته.
قلت: في قوله ينبغي أن يراد بالكسوف كسفه للشمس نظر فانّ كسف و إن ورد متعدّيا كما ورد لازما إلّا أنّ الكسوف مصدر اللازم لا المتعدّي و مصدر المتعدّي إنّما هو الكسف لا الكسوف كما نصّ عليه الفيومي في المصباح حيث قال: كسفت الشّمس من باب- ضرب- كسوفا و كذلك القمر، و كسفها اللّه كسفا من باب- ضرب- أيضا، و المصدر فارق «2». فجعل الكسوف على هذا مصدرا متعدّيا غير صحيح فينبغي أن يراد بالإنارة اتّصافه بالنور، لا إنارته غيره لتتمّ المقابلة فلا يتّجه الوجه الذي ذكره فيتعيّن التوجيه الأوّل فقط و اللّه أعلم.
قوله عليه السّلام: «في كلّ ذلك أنت له مطيع و إلى إرادته سريع»: تقرير لانقياده و طاعته للمشيئة و الإرادة الإلهيّة، و إيثار الجملة الاسميّة للاشعار بدوام الطاعة و استمرار سرعة الانقياد و تقديم الظرف في الفقرتين للاهتمام و رعاية التقفية.
 [ 1144] سبحان: قيل اسم مصدر كعثمان، و قيل: مصدر كغفران بمعنى التنزيه، و قد استوفينا الكلام عليه في الروضة الثالثة.
قال بعض الأعلام: التنزيه المستفاد من سبحان اللّه ثلاثة أنواع:
__________________________________________________
 (1) الرسالة الهلاليّة: ص 13- 14.
 (2) المصباح المنير: ص 732.

521
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

مفتاح شهر، حادث لأمر حادث، فأسئل اللّه ربّي و ربّك، و خالقي و خالقك، و مقدّري و مقدّرك، و مصوّري و مصوّرك، أن يصلّي على محمّد و آل محمّد و أن يجعلك هلال بركة لا تمحقها الأيّام، و طهارة لا تدنّسها الآثام، هلال أمن من الآفات و سلامة من السيئات، هلال سعد لا نحس فيه، و يمن لا نكد معه، و يسر لا يمازجه عسر، و خير لا يشوبه شرّ، هلال أمن و إيمان، و نعمة و إحسان و سلامة و إسلام.
تنزيه الذات عن نقص الإمكان الذي هو منبع السوء، و تنزيه الصفات عن و صمة الحدوث بل عن كونها مغايرة للذات المقدّسة و زائدة عليها، و تنزيه الأفعال عن القبح و العبث و كونها جالبة إليه نفعا أو دافعة عنه ضرّا كأفعال العباد «1» انته.
و القصد به هنا: التعجب، من عجب صنعه تعالى و إفادته التعجب مرّ بيانه في الروضة الثالثة عشرة.
و ما أعجب: صيغة تعجّب و قد أجمعوا على أنّ ما فيها اسم لأنّ في أعجب ضميرا يعود عليها، و الضمير لا يعود إلّا على الأسماء و على أنّها مبتدأ لأنّها مجرّدة عن العوامل اللفظيّة للإسناد إليها، و ما روي عن الكسائي من أنّها لا موضع لها من الإعراب «2»، فشاذ لا يقدح في الإجماع، ثم قال سيبويه و جمهور البصريّين: هي نكرة تامّة «3» بمعنى شي‏ء و ابتدأ بها لتضمنّها معنى التعجّب و ما بعدها خبر فموضعه رفع.
و قال الأخفش: هي معرفة ناقصة بمعنى الذي و ما بعدها صلة لها فلا محلّ له، أو نكرة ناقصة بمعنى شي‏ء و ما بعدها صفة لها فمحلّه رفع و عليهما فالخبر محذوف وجوبا أي الذي أو شي‏ء صيّر «4».
 «ما دبّر في أمرك»، عجبا شي‏ء عظيم، ورد بأنّ فيه التزام حذف الخبر دون‏
__________________________________________________
 (1) تفسير القرآن لصدر الدين: ص 121- 130.
 (2) نقله محمّد محي الدين في حاشيته على أوضح المسالك: ج 3 ص 251.
 (3) شرح ابن عقيل: ج 2 ص 148.
 (4) مغني اللبيب: ص 392.

522
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
شي‏ء يسدّ مسّده و لا نظير له.
و قال الفرّاء و ابن السراج و ابن درستويه: ما: استفهاميّة و ما بعدها الخبر «1» و نقله ابن مالك في شرح التسهيل «2» عن الكوفيين و هو موافق لقولهم باسميّة أفعل فإنّ الاستفهام المشوب بالتعجب لا يليه إلّا الأسماء نحو «ما أصحاب اليمين» و أمّا أفعل فقال البصريّون و الكسائي و هشام هو فعل للزومه مع ياء المتكلّم نون الوقاية نحو ما أفقرني إلى رحمة اللّه ففتحته بناء كالفتحة في زيد ضرب عمرا، و ما بعده مفعول به، و قال سائر الكوفيّين: هو اسم لقول العرب: ما احسينه و ما اميلحه، و التصغير من خصائص الأسماء و أجيب بأنّه شاذ، و على القول بالاسميّة ففتحته إعراب كالفتحة في زيد عندك و ذلك لأن مخالفة الخبر للمبتدأ مقتض عندهم نصبه و أفعل إنّما هو في المعنى وصف للمتعجّب منه لا لضمير ما، و المتعجّب منه عندهم مشبّه بالمفعول به و لأنّ ناصبه وصف قاصر فاشبه قولك زيد حسن الوجه بالنصب.
و ما من قوله «ما دبّر» موصولة العائد محذوف و التقدير ما دبّره في أمرك، و دبّرت الأمر تدبيرا: فعلته عن فكرة و رويّة و هو هنا مستعار لتقديره سبحانه على حسب إرادته لتنزّهه تعالى عن الفكرة و الروّية.
قال العلّامة الطبرسي في قوله تعالى: «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ» «3»، أي يدبّر الأمور كلّها و يقدّرها على حسب إرادته فيما بين السماء و الأرض «4».
و اللطف هنا: عبارة عن دقّة ما في شأنه من المصالح و الحكم التي لا تدركها العقول و الأفهام.
و الأمر و الشأن مترادفان و قد يراد بالأمر الإبداع.
قال الراغب: الأمر لفظ عام للأفعال و الأقوال كلّها، و على ذلك قوله تعالى:
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية في النحو: ج 2 ص 310.
 (2) لم نتحقّقه.
 (3) السجدة: الآية 5.
 (4) مجمع البيان: ج 7- 8 ص 326.

523
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
 «إليه يرجع الأمر كلّه» و يقال: للإبداع أمر، نحو: (ألا له الخلق و الأمر)، و على ذلك حمل الحكماء قوله تعالى: «قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» أي هو من إبداعه و يختصّ ذلك باللّه دون الخلائق «1» انته.
و حمله على هذا المعنى هنا صحيح فيكون من باب الإضافة إلى المفعول.
قوله عليه السّلام: «جعلك مفتاح شهر حادث» فصل الجملة عمّا قبلها للاختلاف إنشاء و خبرا مع كون السابقة لا محلّ لها من الإعراب.
و الشهر: العدد المعروف من الأيّام ما بين الهلالين قيل: هو معرّب، و قيل:
عربي مأخوذ من الشهرة و هي الظهور و الانتشار، و قيل: الشهر: الهلال، و قيل:
القمر، سمّي به لشهرته و وضوحه، ثم سمّيت الأيّام به و جمعه شهور و أشهر، شبه الشهر بالبيت المقفّل ثم طوى ذكر المشبّه به على طريق الاستعارة بالكناية، و أثبت له المفتاح على طريق الاستعارة التخييليّة، و في تشبيه الهلال بالمفتاح من اللطف ما لا يخفى.
و حدث الشي‏ء حدوثا من باب- قعد- تجدّد وجوده فهو حادث.
و «اللام» من قوله: «لأمر حادث» تعليليّة متعلّقة بحادث السابق أي إنّ حدوث ذلك الشهر لأجل إمضاء أمر حادث متجدّد و يجوز تعلّقها بجعل و تنكير أمر للإبهام و عدم التعيين أي أمر منهم علينا حاله لا نعلمه.
 [ 1145] و «الفاء» في «فأسأل اللّه» للدّلالة على ترتّب «2» السؤال على ما قبلها، أي بسبب كون ذلك الأمر الحادث مبهما «أسأل اللّه أن يجعلك هلال بركة و أمن و سلامة» و نحو ذلك و لا مانع من جعلها فصيحة، أي إذا كان الأمر كذلك فسأل اللّه و وضع الاسم الجليل موضع الضمير لتعيين المبدع المسخر له بالذات أثر تعيينه بالصفات و للإشعار بتعليل الحكم فإنّ سؤال جعله هلال بركة و طهارة و أمن‏
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 24 مع التقديم و التأخير.
 (2) «ألف»: ترتيب.

524
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
و سلامة إلى غير ذلك من قضيّة الالوهيّة و لإرادة الوصف بما بعده إذ المضمر لا يوصف خلافا للكسائي و إضافة الرّب إلى ياء المتكلّم حقيقيّة من قبيل. كريم البلد لانتفاء عامل النصب لأنّه صفة مشبّهة و هي لا تشتق إلّا من لازم أو من متعد بعد نقله إليه فلا إشكال في وصف المعرفة به.
و أمّا خالق فبمعنى الماضي فليست إضافته لفظيّة غير موجبة تعرّفه ليشكل وصف المعرفة به و تسميتهم المضاف إليه حينئذ مفعولا إنّما هو من حيث المعنى لا من حيث الإعراب حتّى يلزم كون الإضافة لفظية، ألا ترى إنّك تقول في ضارب عبده أمس إنّه مضاف إلى المفعول على معنى انه كذلك معنى لا إنّه منصوب محلًّا.
 [ 1146] و البركة: الزيادة، و النماء في الخير.
و محقه محقا من باب- نفع- نقصه و أذهب منه البركة، و قيل: هو ذهاب الشي‏ء كلّه حتى لا يرى له أثر و منه: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا» «1» و انمحق الهلال لثلاث ليال من آخر الشهر لا يكاد يرى لخفائه، و الاسم المحاق بالضمّ و الكسر لغة.
و الطهارة: النقاء و النزاهة من الدنس و النجس و يندرج فيها هنا نزاهة الجوارح عن الأفعال المستقبحة و اللّسان عن الأقوال المستهجنة و النفس عن الأخلاق و الأدناس الجسمانيّة و الغواشي الظلمانيّة بل النزاهة عن كلّ ما يشغل عن الإقبال على الحق كائنا ما كان فإنّ كلّ ذلك ممّا يعدّ دنسا عند أهل اللّه تعالى.
و الدنس: الوسخ، و تدنيس الآثام للطهارة القلبيّة ظاهر فإن كلّ معصية يرتكبها فاعلها يحصل منها ظلمة في القلب كما يحصل من نفس المتنفّس في المرآة ظلمة فيها فإذا تراكمت ظلمات الآثام على القلب صارت رينا و طبعا فيه كما تصير الأنفاس و الأبخرة المتراكمة على جرم المرآة صدءا فيه، و إسناد المحق إلى الأيّام و التدنيس إلى الآثام مجاز عقليّ، و الملابسة في الأوّل زمانيّة و في الثاني سببيّة.
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: الآية 276.

525
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
 [ 1147] و الأمن: طمأنينة النفس و زوال الخوف من لقاء مكروه.
و سعد يسعده من باب- تعب- سعدا خلاف شقي و الاسم منه السعادة.
قال الراغب: و هي معاونة الأمور الإلهيّة للإنسان على نيل الخير و تضادّه الشقاوة «1».
و النحس ضدّ السعد أيضا.
و اليمن: البركة و حصول الخير.
و النكد: تعسّر المطلوب و شدّة العيش.
 [ 1148] و اليسر بضمتين و بسكون السين: السهولة، يقال يسر الأمر يسرا من باب- تعب- و يسر يسرا من باب- قرب- أي سهل فهو يسير و يضادّه العسر، و قيل في قوله تعالى: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» «2» أي مع الفقر غنى و قيل: مع الشدّة رخاء.
و شابه شوبا من باب- قال-: خلطه مثل شوب اللّبن بالماء.
و النعمة: ما قصد به الإفضال و النفع، و قد تفسّر بالحالة الحسنة و حملها على كلّ من المعنيين هنا صحيح.
و الإحسان يقال: على وجهين، أحدهما الإنعام على الغير، يقال: أحسن إلى فلان: أي أنعم عليه.
و الثاني: إحسان في فعله و ذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا، و منه قوله عليه السّلام: الإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنّه يراك «3» و إرادة هذا المعنى هنا أحسن من الأوّل، و هو المعنى المتداول على ألسنة أصحاب القلوب، و ينبغي حينئذ أن يراد بالإيمان و الإسلام في قوله عليه السّلام: «هلال أمن و إيمان و سلامة و إسلام» المرتبتان المعروفتان بعين اليقين و حق اليقين على ما مرّ
__________________________________________________
 (1) المفردات: ص 232.
 (2) سورة الانشراح: الآية 5.
 (3) النهاية لابن الأثير: ج 1 ص 387.

526
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
شرحه في الرياض السابقة، و قد طلب عليه السّلام الأمن مرّتين، مرّة مقيّدا بكونه من الآفات و مرّة مطلقا، و كذلك طلب السلامة مرّة مقيّدة بكونها من السيئات و أخرى مطلقة.
قال العلّامة البهائي: يمكن أن يراد بالسلامة المطلقة سلامة القلب عن التعلّق بغير الحقّ تعالى، و أمّا الأمن المطلق فلعلّ المراد به طمأنينة النفس بحصول راحة الأنس و سكينة الوثوق، فإنّ السالك ما دام في سيره إلى الحقّ يكون مضطربا خائفا لخوف العاقبة و ما يعرض في أثناء السير من العوارض العائقة عن الوصول فإذا هبّ نسيم العناية الأزليّة و ارتفعت الحجب الحائلة «1» للطمأنينة، و اندكت جبال التعينات الرسميّة تنوّر القلب بنور العيان، و حصلت الراحة و الاطمئنان، و زال الخوف و ظهرت تباشير الأمن و الأمان، و هذان المقامان اللذان هما مقاما الأمن و السلامة من مقامات أصحاب النهايات لا من أحوال أرباب البدايات. و لعلّ السعد الذي لا نحس فيه، و اليمن الذي لا نكد معه، و اليسر الذي لا يمازجه عسر، و الخير الذي لا يشوبه شرّ، من لوازم هذين المقامين «2» انته ملخّصا و في المقام مسائل. ذكرها العلّامة المذكور في الحديقة الهلالية لا بأس بأيرادها هنا:
الأولى: إنّ خطابه عليه السّلام في الدعاء بعضه متوجّه إلى الهلال، و مختصّ به كقوله عليه السّلام: «جعلك مفتاح شهر حادث، و أن يجعلك هلال بركة و هلال أمن و هلال سعد»، و بعضه موجّه إلى جرم القمر كقوله عليه السّلام: «و امتهنك بالزيادة و النقصان و الإنارة و الكسوف» فإنّ الهلال و إن حصل له الزيادة لكن لا يحصل له النقصان. و الكسوف لا يكون للهلال، و قوله: «المتردّد في منازل التقدير» و يمكن أن يكون متوجّها إلى جرم القمر أيضا لا الهلال لأنّ الجمع المضاف يفيد العموم، و الهلال و إن كان يقطعها بأجمعها أيضا إلّا أنّ الظاهر إن مراده‏
__________________________________________________
 (1) «ألف»: الحائكة.
 (2) الرسالة الهلاليّة: ص 25.

527
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
عليه السّلام قطعه لها في كل شهر، ثم لا استبعاد في أن يكون بعض تلك الفقر مقصودا بها بعض الجرم أعني الهلال و بعضها مقصودا بها كلّه و لا مانع من جعل المقصود بكل الفقر كل الجرم بناء على أن يراد من الهلال جرم القمر في الليالي الثلاث الأولى لا المقدار الذي يرى منه مضيئا فيها كما أن البدر هو جرم القمر ليلة الرابع عشر لا المقدار المرئي منه فيها، و هذا و إن كان لا يخلو من بعد إلّا أنّه يصير به الخطاب جاريا على و تيرة واحدة كما هو ظاهر.
الثانية: جعله عليه السّلام مدخول «ما» التعجّبيّة فعلا دالا على التعجّب بجوهره ينبئ عن شدّة تعجّبه من حال القمر و ما دبّره اللّه سبحانه فيه، و في أفلاكه بلطائف صنعه و حكمته، و هكذا كلّ من هو أشدّ اطلاعا على دقائق الحكم المودعة في مصنوعات اللّه سبحانه فهو أشدّ تعجّبا و أكثر استعظاما، و معلوم أنّ ما بلغ إليه علمه عليه السّلام من عجائب صنعه جلّ و علا و دقائق حكمته في خلق القمر و نضد أفلاكه و ربط ما ربطه به من مصالح العالم السفلى و غير ذلك فوق ما بلغ إليه أصحاب الأرصاد و من يحذو حذوهم من الحكماء الراسخين بأضعاف مضاعفة مع أنّ الذي اطلع عليه هؤلاء من أحواله و كيفيّة أفلاكه و ما عرفوه ممّا يرتبط به من أمور هذا العلم «1» أمور كثيرة يحار فيها ذو اللّب السّليم قائلا: «ربّنا ما خلقت هذا باطلا» و تلك الأمور ثلاثة أنواع:
الأوّل: ما يتعلّق بكيفيّة أفلاكه و عدّها و نضدها و ما يلزم من حركاتها من الخسوف و الكسوف، و اختلاف التشكّلات و تشابه حركة حامله حول مركز العالم لا حول مركزه و محاذاة قطر تدويره نقطة سوى مركز العالم إلى غير ذلك ممّا هو مشروح في كتب الهيئة.
الثاني: ما يرتبط بنوره من التغيّرات في بعض الأجسام العنصريّة كزيادة
__________________________________________________
 (1) «ألف»: العالم.

528
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
الرطوبات في الأبدان بزيادته و نقصانها بنقصانه، و حصول البحارين للأمراض و زيادة مياه البحار و البناء مع زيادة بنيّة في كل يوم من النصف الأوّل من الشهر ثم أخذها في النقصان يوما فيوما في النصف الأخير منه و زيادة أدمغة الحيوانات و ألبانها بزيادة النور و نقصانها بنقصانه و كذلك زيادة البقول و الثمار نموا و نضجا عند زيادة نوره حتّى أن المزاولين لها يسمعون صوتا من القثاء و القرع و البطيخ عند تمدّده وقت زيادة النّور، و كأبلاء نور القمر الكتان و صبغه بعض الثمار إلى غير ذلك من الامور التي تشهد بها التجربة، قالوا و إنّما اختصّ القمر بزيادة ما نيط به من أمثال هذه الأمور بين سائر الكواكب لأنّه أقرب إلى عالم العناصر منها، و لأنّه مع قربه أسرع حركة فيمتزج نوره بأنوار جميع الكواكب و نوره أقوى من نورها فيشاركها شركة غالب عليها فيما نيط بنورها من المصالح بإذن خالقها و مبدعها جلّ شأنه.
الثالث: ما يتعلّق به من السعادة و النحوسة و ما يرتبط به من الامور التي هو علامة على حصولها في هذا العالم كما ذكره الديّانون من المنجّمين، و وردت ببعضه الشريعة المطهرة كما رواه الشيخ عماد الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني قدّس اللّه روحه في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال: «من سافر أو تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى» و كما رواه أيضا عن الكاظم عليه السّلام: «من تزوّج في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد»، و كما رواه شيخ الطائفة في كتاب التهذيب عن الباقر عليه السّلام: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بات ليلة عند بعض نسائه فانكسف القمر في تلك الليلة فلم يكن منه فيها شي‏ء فقالت له زوجته: يا رسول اللّه بأبي أنت و أمي كلّ هذا البغض، فقال لها: ويحك هذا الحادث في السماء فكرهت أن أتلذّذ»، و في آخر الحديث ما يدلّ على أنّ المجامع في تلك الليلة إن رزق من جماعه ولدا و قد سمع بهذا الحديث لا يرى ما يحب «1».
__________________________________________________
 (1) الرسالة الهلاليّة: ص 20- 21.

529
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و اجعلنا من أرضى من طلع عليه، و أزكى من نظر إليه، و أسعد من تعبّد لك فيه، و وفّقنا فيه للتّوبة، و اعصمنا فيه من الحوبة، و احفظنا من مباشرة معصيتك، و أوزعنا فيه شكر نعمتك و ألبسنا فيه جنن العافية، و أتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنّة، إنّك المنّان الحميد، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطيّبين الطاهرين.
الثالثة: ينبغي لنا إذا تلونا قوله عليه السّلام «هلال أمن من الآفات» أن يقصد بالآفات البدنيّة و النفسيّة من الكبر و الحسد و الغلّ و الغرور و الحرص و حبّ المال و الجاه و أمثال ذلك من دواعي النفس و حظوظها و مشتهياتها البهيميّة و السبعية فأن طلب الأمن من هذه الآفات التي هي بمنزلة الكلاب العاويات و الحيّات الضاريات الموجبة للهلاك الحقيقي و الشقاء السرمدي أهمّ و أحرى و أليق و أولى [ 1149] أرضى: اسم تفضيل يجوز أن يكون للفاعل على ما هو القياس في بنائه، و يجوز أن يكون للمفعول كأشهر و ألوم فإنّه قياس عند سيبويه «1» و هو كثير في كلامهم و قد تقدّم له نظائر في الأدعية السابقة و استوفينا الكلام عليه هناك.
و طلع الشي‏ء طلوعا من باب- قعد- بدا من علو، و المراد بطلوعه ظهوره للحس و العيان كما هو الظاهر، و يمكن أن يراد به خروجه من الشعاع من قولهم: طلعت المرأة من خبائها أي خرجت، ثم المراد إمّا طلوعه الخاص في هذه اللّيلة و إمّا طلوعه في الزمان الماضي مطلقا، و مثله قوله عليه السّلام: «و أزكى من نظر إليه».
و الزّكاء بالفتح و المد: الصلاح، يقال: زكى الرجل يزكو إذا صلح.
 [ 1150] و تعبّد الرجل للّه: تنسّك و تذلّل، و عرّفوا العبادة بأنّها فعل اختياري مباين للشهوات البدنيّة تصدر عن نيّة يراد بها التقرّب إلى اللّه تعالى طاعة للشريعة.
و وفّقه اللّه لطاعته توفيقا: هداه و أرشده و سدّده.
__________________________________________________
 (1) كتاب سيبويه: ج 2 ص 3- 6.

530
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
و التوبة: الرجوع إلى اللّه تعالى بحلّ عقدة الإصرار عن القلب، ثمّ القيام بحقوق الربّ و قد مرّ الكلام عليها مستوفى في شرح دعائها.
و عصمه اللّه من المكروه يعصمه من باب- ضرب- حفظه و وقاه، و الاسم منه العصمة بالكسر و هي في الاصطلاح لطف يفعله اللّه بالمكلّف بحيث لا يكون معه داع إلى فعل المعصية مع قدرته عليها، و إرادة هذا المعنى هنا لا يساعد عليها تعدية الفعل بمن إذ لم يعهد تعديتها بها مرادا بها هذا المعنى.
و الحوبة بالفتح: الخطيئة و الإثم من حاب حوبا من باب- قال- إذا اكتسب الإثم.
و باشر الأمر مباشرة: وليه بنفسه و حقيقتها إلصاق البشرة بالبشرة، ثم كثر حتى استعمل في مطلق مزاولة الإنسان الأمر بنفسه و هي هنا عبارة عن اقتراف المعصية.
 [ 1152* 1151] و أوزعه اللّه الشكر: ألهمه، و قيل أولعه به، من الوزوع بمعنى الولوع بالشي‏ء.
و الجنن: جمع جنّة بالضمّ و هي الستر من جنّه يجنّه من باب- قتل- أي ستره.
و العافية: رفع اللّه عن العبد ما يضرّه و تستعمل في دفع المضرّات البدنيّة و النفسيّة معا، و قد سبق الكلام عليها مستوفى في الروضة الثالثة و العشرين، و إضافة الجنن إليها من قبيل لجين الماء أي العافية التي هي كالجنن و لك جعلها استعارة بالكناية مع الترشيح.
و أتم اللّه عليه المنّة: أكملها، من تمّ الشي‏ء يتمّ بالكسر: أي كملت أجزاؤه، و استكملت الشّي‏ء بمعنى أكملته أي أتممته.
و المنّة: النعمة الثّقيلة و منه: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» «1».
 (تنبيهات) الأوّل: «2» المروي في أكثر النسخ من الصحيفة الشريفة فتح الدالّ من‏
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران: الآية 164.
 (2) «ألف»: الأولى.

531
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
 «أسعد» و وقع في بعضها كسرها و هو الظاهر، و وجه النصب أنّه بتقدير: «و اجعلنا أسعد من تعبّد لك فيه» فيكون من باب عطف جملة على جملة، أو هو معطوف على محلّ من أرضى كقوله:
فإن لم تجد من دون عدنان والدا             و دون معدّ فلتزعك العواذل «1»
 و لك جعله معطوفا على المفعول الثاني الذي هو متعلق الظرف في الحقيقة لأنّ مفعولي الجعل بمعنى التصيير أصلهما مبتدأ و خبر، فمتعلّق الظرف في الحقيقة الكون المقدّر العامل فيه فالتقدير، و اجعلنا كائنين من أرضى من طلع عليه، و النكتة في سؤال جعله أسعد من تعبّد دون جعله من جملة الأسعدين لحرصه على كثرة العبادة و قبولها لاستلزام الأسعدية ذلك و اللّه أعلم.
الثاني «2»: قال العلّامة البهائي قدّس اللّه روحه في الحديقة الهلاليّة: الضمائر الراجعة إليه سبحانه من أوّل هذا الدعاء إلى هنا بأجمعها ضمائر غيبة ثمّ أنّه عدل عن ذلك الأسلوب و جعلها من هنا إلى آخر الدّعاء ضمائر خطاب، ففي كلامه عليه السّلام التفات من الغيبة إلى الخطاب، و لا يخفى أنّ بعض اللّطائف و النكت التي أوردها المفسّرون فيما يختص بالالتفات في سورة الفاتحة يمكن جريانه هنا «3» انته.
قلت: من يشترط في الالتفات كون المخاطب في الحالين واحدا يمنع كون ما وقع في الدعاء من باب الالتفات لأنّ المخاطب أوّلا الهلال و الكلام جار معه و المخاطب ثانيا هو اللّه سبحانه فالمخاطب غيران.
قال صدر الأفاضل: في صرام السقط: إنّ من شرط الالتفات أن يكون المخاطب بالكلام في الحالين واحدا كقوله تعالى: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فإنّ‏
__________________________________________________
 (1) مغني اللبيب: ص 616.
 (2) «ألف»: الثانية.
 (3) الرسالة الهلاليّة: ص 24.

532
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
ما قبل هذا الكلام و إن لم يخاطب به اللّه من حيث الظاهر فهو بمنزلة المخاطب به لأنّ ذلك يجري من العبد مع اللّه لا مع غيره بخلاف قول جرير:
ثقي باللّه ليس له شريك             و من عند الخليفة بالنجاح‏
أغثني يا فداك أبي و امّي             بسبب منك إنّك ذو ارتياح‏
 فإنّه ليس من الالتفات في شي‏ء لأنّ المخاطب بالبيت الأول امرأته و بالبيت الثّاني هو الخليفة «1» انته.
لكن تعريف الجمهور للالتفات بأنّه التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة الّتي هي التكلم و الخطاب و الغيبة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها يقتضي إنّه التفات كما ذكره العلّامة المذكور و على هذا ففي الدعاء التفاتان:
أحدهما: من الغيبة إلى الخطاب: و هو الالتفات المذكور.
و الثاني: الالتفات من الخطاب إلى الغيبة و هو إعادة ضمائر الغيبة إلى الهلال بعد خطابه في قوله عليه السّلام: طلع عليه و نظر إليه إلى آخر الدعاء، و النكتة فيه أنّه لما خاطب ربّه جلّ و علا غاب عنه غيره فلم يبق له حضور على عادة الإنسان إنّه إذا لقي من يحبّ غاب عن قبله سواه فذكر الهلال بضمير الغيبة و لم يلتفت إليه حتى أتم الدعاء و اللّه أعلم.
الثالث: قال العلّامة المذكور في الحديقة الهلاليّة أيضا: الضمائر المجرورة في قوله عليه السّلام «و أسعد من تعبّد لك فيه» إلى آخره راجعة إلى الهلال بمعنى الشّهر و ليس كذلك المرفوع في طلع عليه و المجرور في نظر إليه ففي الكلام استخدام من قبيل قول البحترى:
فسقى الغضا و الساكنيه و إن هم             شبّوه بين جوانحي و ضلوعي‏
 و لعلّه لا يقدح في تحقّق الاستخدام كون إطلاق الهلال على الشّهر مجازا لتصريح‏
__________________________________________________
 (1) ديوان جرير: ص 77، ط. دار صادر، و شرح ديوان جرير: ص 74، ط. دار الكتب.

533
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

شرح الدعاء الثالث و الأربعين ص 503

..........
بعض المحققين من أهل الفنّ بعدم الفرق بين كون المعنيين حقيقيين أو مجازيّين أو مختلفين و إن قصره بعضهم على الحقيقيين على أنّ كون الإطلاق المذكور مجازا محل كلام «1» انته. [] هذا آخر الروضة الثالثة و الأربعين من رياض السالكين و قد وفق اللّه سبحانه لاتمامها و انتساق مسك ختامها صبيحة يوم الإثنين لثلاث عشرة بقين من شهر ربيع الأول من سنة خمس و مائة و ألف. و للّه الحمد.
__________________________________________________
 (1) الحديقة الهلالية: ص 24.

534
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهارس الكتاب ص 535

 [فهارس الكتاب‏]
فهرس الموضوعات‏
الروضة الثانية و الثلاثون نصّ الدعاء الثاني و الثلاثين: في الاعتراف بالذنب 5
خطبة و ديباجة الروضة الثانية و الثلاثين 10
في بيان صلاة الليل، و عدد ركعاتها و وقتها 11
في بيان معنى الملك المتأبّد 13
في بيان معنى الخلود 14
في بيان معنى الأزل 15
في معنى قوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» 17
في بيان وصف سلطانه تعالى بالامتناع بلا جنود و لا أعوان 18
في بيان معنى بعض من ظروف الزمان: كالدهر و الزمن و الأعوام و غيرها 19
في بيان أنّ الأزمان و الأعوام و الأيّام من جملة مخلوقاته تعالى 20
تبصرة: في بيان «الواجب بالذات ممتنع العدم دائما» 21
تحقيق في معنى الأوّليّة و الآخريّة 22
في معنى قوله عليه السلام: «و لا يبلغ أدنى ما استأثرت ...» 23
في بيان معنى الكبرياء 26
في بيان معنى الوهم و تنزيهه تعالى عن الأوهام 26
تحقيق كلامي في قوله عليه السلام: «كذلك أنت الأوّل في أوّليّتك» 28

535
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في اعراب قوله عليه السلام: «كذلك أنت اللّه، الأوّل في أوّليّتك» 30
بحث قرآنيّ و روائيّ في معنى «العمل» 30
تنبيه: في أنواع درجات أعمال العباد 33
تحقيق في معنى قوله عليه السلام: «خرجت من يدي أسباب الوصلات» 36
في بيان معنى قوله عليه السلام: «و تقطّعت عنيّ عصم الآمال» 37
في معنى العصمة و العصم 38
في بيان معنى قوله عليه السلام: «إلّا ما أنا معتصم به من عفوك» 38
في الفرق بين على و عند 39
بيان معنى قوله عليه السلام: «و لن يضيق عليك عفو من عبدك» 39
في حكم «لن» التأبيدّية 40
تحقيق في حالات «إن» الشرطيّة و حكمها في قوله عليه السلام: «و إن أساء» 40
في بيان معنى الإساءة و العفو لغة 42
في تفسير قوله تعالى: «وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى‏ ظُلْمِهِمْ» 42
في معنى قوله عليه السلام: «فاعفو عنّي» 44
في بيان معنى الخفايا و الخبر 44
في بيان معنى الغيب 45
تحقيق لغويّ للاستحواذ في قوله تعالى: «أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ» 46
في معنى الغواية 46
في بيان معنى يوم الدين لغة و عرفا 48
أساليب القرآن الكريم في استنظار إبليس 48
تنبيهات: 49
الأوّل: أنّ إنظار إبليس و امهاله كان إجابة لدعائه 49
الثاني: أنّ الإمهال وقع حسب السؤال الى يوم الدين و قيل بالأيّام الثلاثة: يوم القيامة 50

536
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

الثالث: قول الأشاعرة بأنّ إنظار إبليس دليل على أنّ اللّه تعالى لا يجب عليه رعاية مصالح العبد دنيا و آخرة، و جواب المعتزلة 51
في بيان معنى قوله عليه السلام: «فأوقعني و قد هربت» 52
في معنى الموبقة و المردية 53
قول الزمخشريّ في الفائق في معنى قارف الذنب 54
في معنى السعي لغة، و السخط اصطلاحا 54
بيان في معنى الغدر و حمله على معنى الحيلة 55
في بيان معنى قوله عليه السلام: «و تلقّاني بكلمة كفره» و فيه بحث قرآني 56
قول لابن أبي الحديد في نهج البلاغة 57
تنبيه: في قوله عليه السلام: «و استوجبت بسوء سعيي سخطتك» 57
قول العلّامة الطبرسيّ في وعد الشيطان لتابعيه في القرآن الكريم 58
في بيان معنى قوله عليه السلام: «فأصحرني لغضبك فريدا» 58
في معنى قوله عليه السلام: «و أخرجني الى فناء نقمتك طريدا» 59
في بيان معنى قوله عليه السلام: «لا شفيع يشفع لي إليك» 59
في معنى الحجب و الملاذ 60
في بيان قوله عليه السلام: «فلا يضّيقنّ» 61
في بيان قوله عليه السلام: «و لا أكن» 61
في بيان قوله عليه السلام: «أخيب عبادك التائبين و لا أقنط وفودك الآملين» 63
في بيان قوله عليه السلام: «و اغفر لي إنك خير الغافرين» 63
في بيان معنى الخطاء 64
في بيان معنى الخاطر 65
في بيان معنى التهجد 66
في بيان قوله عليه السلام: «نهارا» 66
في بيان قوله عليه السلام: «و لا تثني عليّ بإحيائها سنّة» 68

537
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في بيان قوله عليه السلام: «حاشا فروضك التي من ضيّعها هلك» 69
في بيان قوله عليه السلام: «أتوسل إليك بفضل نافلة» 71
في بيان قوله عليه السلام: «الى حرمات انتهكتها» 73
في بيان قوله عليه السلام: «كانت عافيتك لي من فضائحها» 74
في بيان معنى الاستحياء 74
في بيان معنى التلقّي 75
في بيان معنى الخشوع- بحث لغوي 75
بيان للرضي في معنى «بين» 76
بحث في بيان اجتماع الرغبة و الرهبة، و الخوف و الرجاء 76
في بيان معنى قوله عليه السلام: «و أنت أولى من رجاه» 77
أقوال في اصطلاح «إذ» 78
في بيان معنى تغمدّه 79
في بيان معنى قوله عليه السلام: «فأجرني» 80
في بيان معنى الأشهاد 80
في بيان معنى المقرّبين و الشهداء و الصالحين 81
في بيان معنى قوله عليه السلام: «من جار كنت اكاتمه سيّئاتي» 82
في بيان قوله عليه السلام: «و أنت أولى من وثق به و أعطى من رغب إليه» 83
في بيان معنى الحدر و الصلب 84
في معنى التضائق لغة 85
في بيان قوله عليه السلام: «الى رحم ضيّقة» 86
في بيان معنى قوله عليه السلام: «تصرّفني حالا عن حال» 87
في بيان معنى قوله عليه السلام: «حتى انتهيت بي إلى تمام الصورة» 88
في تفسير قوله تعالى: «طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ» 88
في بيان معنى الجوارح 89

538
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في معنى قوله عليه السلام: «نطفة ثمّ علقة» 89
تنبيه: بحث قرآني و روائي في قوله عليه السلام: «كما نعتّ في كتابك نطفة ثمّ علقة» 91
بيان في معنى السلالة 92
بيان في قوله تعالى: «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ...» و تبيان دقائها 93
تقرير للشريف الرضي في «الفاء» من قوله تعالى: «فَكَسَوْنَا» 96
في بيان معنى «القرار» 97
بيان في أقسام دم الطمث في الحامل 97
في بيان معنى «اللطيف» 99
في بيان معنى قوله عليه السلام: «لا أعدم برّك و لا يبطئ بي حسن صنيعك» 100
في بيان قوله عليه السلام: «قد ملك الشيطان عناني» 102
في بيان معنى المجاورة 102
في بيان معنى الملكة 103
في بيان معنى التضرع إلى اللّه 103
في بيان معنى الإلهام 104
في بيان معنى قوله عليه السلام: «و اقنعني بتقديرك» 104
بيان للعلّامة الطبرسيّ في قوله تعالى: «وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» 106
بيان في معنى النار و الإضاءة 107
في معنى قوله عليه السلام: «و من نار نورها ظلمة» 108
تحقيق روائي في قوله عليه السلام: «و هيّنها ألين و بعيدها قريب» 109
بيان في معنى الأكل حقيقة 110
بيان في معنى الرميم 111
بيان في معنى النكال و الوبال 112
تنبيه: في ذكر النار و معنى العقارب 113

539
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

بيان في معنى قوله عليه السلام: «الصالقة بأنيابها» 114
بيان في معنى قوله عليه السلام: «يقطّع أمعاء و أفئدة سكانها» 115
في معنى قوله عليه السلام: «و استهديك لما باعد منها و أخّر عنها» 116
بيان في معنى قوله تعالى: «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ...» 117
بيان معنى العثرة و الكريهة 119
تحقيق لغوي في «إذا» و أنواعها و حالاتها 119
في بيان معنى قوله عليه السلام: «ما اختلف الليل و النهار» 120
في معنى قوله عليه السلام: «لا ينقطع مددها ...» 121
بيان معنى قوله عليه السلام «صلّى اللّه عليه حتّى يرضى» 122
الروضة الثالثة و الثلاثون نص الدعاء الثالث و الثلاثين: في الاستخارة 124
خطبة و ديباجة الروضة الثالثة و الثلاثين 125
بيان في أصل الاستخارة 126
مقدّمة: في استحباب الاستخارة عند العامّة و الخاصّة 128
بيان مسائل في آداب الاستخارة و المستخير 129
في بيان أنواع الاستخارة 130
بيان في أوقات الاستخارة و كيفيّتها 131
الاستخارة بذات الرقاع و كيفيّتها 137
الاستخارة بالسبحة و كيفيتها و وجوهها 140
تتمة: في الأدعية المأثورة في الاستخارة 142
بيان في معنى القضاء- لغة- 145
في بيان معنى الخيرة، و هما لغتان بمعنى واحد 145
بيان في معنى الارتياب و الريب 146

540
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

بيان في معنى المحو و الإماتة 149
بيان في معنى قوله عليه السلام: «و أيّدنا بيقين المخلصين» 149
في معنى قوله عليه السلام: «و لا تسمنا عجز المعرفة» 150
في بيان معنى قوله عليه السلام: «فنغمط قدرك، و نكره موضع رضاك» 151
في معنى قوله عليه السلام: «و نجنح إلى التي هي أبعد من حسن العاقبة» 152
بيان في معنى العاقبة و العافية 153
تحقيق حول علم اللّه تعالى و علم البشر 154
الروضة الرابعة و الثلاثون نصّ الدعاء الرابع و الثلاثين: إذا ابتلي أو رأى مبتلى بفضيحة بذنب 158
خطبة و ديباجة الروضة الرابعة و الثلاثين 159
بيان في معنى البلاء و الإبتلاء 160
في معنى الفضيحة و الذنب 161
في بيان معنى قوله عليه السلام: «و معافاتك بعد خبرك» 162
في معنى قوله عليه السلام: «فكلّنا قد اقترف العائبة فلم تشهره» 163
تفصيل في قوله عليه السلام: «كم نهي لك قد أتيناه» 164
في معنى قوله عليه السلام: «وقفتنا عليه فتعدّيناه» 167
في بيان معنى المطلع عليها 167
في معنى قوله عليه السلام: «كانت عافيتك لنا حجابا» 168
تفسير الزمخشري لقوله تعالى: «فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ...» 168
في معنى العورة 169
في معنى الزجر 169
في معنى السعي 170
في معنى الرغبة إلى اللّه 171

541
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

بيان في معنى الخيرة و العترة و الصفوة 172
في بيان معنى قوله عليه السلام: «كما أمرت» 173
بيان في من هم أولي الأمر في قوله تعالى: «وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ» 173
الروضة الخامسة و الثلاثون نص الدعاء الخامس و الثلاثين: في الرضا إذا نظر إلى أصحاب الدنيا 177
خطبة و ديباجة الروضة الخامسة و الثلاثين 178
في معنى الرضا و النظر، لغة 179
في معنى الدنيا و أسمائها و أصحابها 180
في معنى القسمة و المعائش 181
بيان في معنى العدل 181
بحث مفصّل في معنى قوله عليه السلام: «و أخذ على جميع خلقه بالفضل» 182
بيان في معنى الفتنة و استعمالاتها 184
بيان في معنى الغمط 185
في معنى مواقع الحكم 186
في بيان معنى الشكر 187
في تفصيل معنى قوله عليه السلام: «و اعصمني من أن أضنّ بذي عدم خساسة» 188
تحقيق في معنى قوله عليه السلام: «فإنّ الشريف من شرّفته طاعتك» 189
بيان في معنى المتعة و السرح 191
في معنى الأبد 191
بحث كلامي في معنى قوله عليه السلام: «إنّك الواحد الأحد» 192
في بيان معنى الصمد 193
بيان مفصّل لقوله عليه السلام: «لم تلد و لم تولد و لم يكن لك كفوا أحد» 194
***

542
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

 الروضة السادسة و الثلاثون نصّ الدعاء السادس و الثلاثين: إذا نظر الى السحاب و البرق، و سمع صوت الرعد 199
خطبة و ديباجة الروضة السادسة و الثلاثين 200
في بيان معنى السحاب و البرق و الرعد 201
في بيان معنى العون 202
في بيان معنى قوله عليه السلام: «يبتدران» 203
في معنى الاحسان و النفع 204
في بيان المراد بالنقمة 204
في بيان قوله عليه السلام: «فلا تمطرنا بهما مطر السوء» 205
في معنى قوله عليه السلام: «و لا تلبسنا لهما لباس البلاء» 206
في معنى البركة 207
في معنى الآفة و العاهة 208
في بيان معنى السخطة 208
في معنى الميل 208
في معنى السقيا، و بيان في معنى الوحر 209
في بيان معنى قوله عليه السلام: «فانّ الغنيّ من أغنيت» 210
في بيان معنى الوقاية 211
بيان في معنى قوله عليه السلام: «ما عند أحد دونك دفاع» 212
في معنى قوله عليه السلام: «تحكم بما شئت على من شئت» 213
بحث لغوي و كلامي في معنى المشيئة و الإرادة 214
بحث في معنى الحمد 215
بيان في معنى المنّان 215
بيان في بعض من صفات اللّه تعالى 216

543
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في معنى الطول 217
الروضة السابعة و الثلاثون نصّ الدعاء السابع و الثلاثين: إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر 221
خطبة و ديباجة الروضة السابعة و الثلاثين 224
في معنى الاعتراف و أوجهه 225
مقدّمة: في الشكر، و معانيه اللغويّة و العرفيّة، و أركانه 225
كلام لبعض العارفين حول الشكر 227
فائدة: في قوله عليه السلام: «أحدا» و ضروب استعمالاتها 229
في بيان معنى قوله عليه السلام: «إلّا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكرا» 230
بيان في معنى قوله عليه السلام: «فأشكر عبادك» 231
في تفسير قوله تعالى: «وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» 233
في تفسير قوله صلّى اللّه عليه و آله لربّه تعالى: «قلت فك رهاني و ثقّل ميزاني» 234
بيان في قوله عليه السلام: «لا يجب لأحد أن تغفر له باستحقاقه» 237
في معنى الاثابة 239
في معنى ملك الأمر 240
في معنى الاستطاعة 240
في معنى قوله عليه السلام: «و أعددت ثوابهم قبل أن يفيضوا في طاعتك» 243
في معنى العفو 244
في بيان الاعتراف و معانيه 245
في بيان معنى قوله عليه السلام: «و كلّ مقرّ على نفسه بالتقصير عمّا استوجبت» 246
في معنى قوله عليه السلام: «فلولا أن الشيطان يختدعهم» 246
في قوله عليه السلام: «و لولا أنّه صوّر لهم الباطل» 247
في معنى «طريقه تعالى» 248

544
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

تبصرة: في أنّ أصل الضلال و العمى و الجهل من الشيطان 248
في معنى الغواية و أوجه تأثيرها في نفوس الناس 249
في معنى قوله عليه السلام: «فسبحانك ما أبين كرمك» 249
في معنى قوله عليه السلام: «تشكر للمطيع ما أنت تولّيت» 250
في معنى قوله عليه السلام: «أعطيت كلا منهما» 250
في معنى المكافأة 251
في معنى قوله عليه السلام: «لو كافأت المطيع ...» 251
بيان في معنى قوله عليه السلام: «و لكنّك بكرمك جازيته» 253
في معنى قوله عليه السلام: «و على القريبة بالغاية المديدة» 254
تبصرة: في توضيح قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّما خلد أهل النار في النار لأن نيّاتهم كانت في الدنيا ...» 255
في بيان قوله تعالى: «خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها» 256
في معنى القصاص 256
في معنى المناقشة و الآلات التي تسبب باستعمالها المغفرة 257
في معنى الكدح 257
في معنى قوله تعالى: «كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ» 258
في بيان قوله عليه السلام: «فمتى كان يستحقّ من ثوابك شيئا، لا متى» 259
في معنى قوله عليه السلام: «هذا يا إلهي حال من أطاعك» 260
في معنى الانابة 262
في معنى قوله عليه السلام: «و لقد كان يستحقّ» 262
في قوله عليه السلام: «و كل ما أعددت ...» 263
في معنى قوله عليه السلام: «فمن أكرم منك يا إلهي و من أشقى ممّن هلك عليك، لا من» 264
في معنى قوله «تباركت» 264

545
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في المراد بالعدل: المساواة في المكافأة 265
في قول أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ» 265
في قوله عليه السلام: «لا يخشى جورك على من عصاك» 266
في معنى الأمل 266
بحث مفصّل في معنى الهداية و الهدى 267
الروضة الثامنة و الثلاثون نصّ الدعاء الثامن و الثلاثين: في الاعتذار من تبعات العباد و من التقصير في حقوقهم، و في فكاك رقبته من النار 273
خطبة و ديباجة الروضة الثامنة و الثلاثين 274
بيان في معنى الإعتذار 275
بيان في معنى التبعات 276
في معنى قوله تعالى: «فَكُّ رَقَبَةٍ» 276
بيان في معنى قوله عليه السلام: «اعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره» 277
في معنى قوله عليه السلام: «و من معروف اسدي إليّ فلم أشكره» 278
بيان مفصّل في معنى قوله عليه السلام: «و من مسي‏ء اعتذر إليّ فلم أعذره» 284
في معنى قوله عليه السلام: «و من عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره» 290
بيان في معنى قوله عليه السلام: «و من كل إثم عرض لي فلم أهجره» 291
في معنى المعاشرة و التوقير 292
في معنى الندامة 293
في معنى «بين اليدين» 293
في معنى الزلّة 294
بيان في معنى قوله عليه السلام: «يا محبّ التوّابين» 295
***

546
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

 الروضة التاسعة و الثلاثون نصّ الدعاء التاسع و الثلاثين: في طلب العفو و الرحمة 299
خطبة و ديباجة الروضة التاسعة و الثلاثين 302
بيان في معنى العفو و الرحمة 303
في معنى كسر الشهوة 304
في معنى زويت الشي‏ء 305
في معنى المأثم و الأذى 305
في معنى الإسلام و ضروبه 306
في معنى الحظر و الظلامة 307
المراد من قوله عليه السلام: «اغفر له ما ألمّ به منّي» 308
في معنى قوله عليه السلام: «عمّا أدبر به عنّي» 308
في معنى قوله عليه السلام: «و لا تكشفه عمّا اكتسب بي» 309
في معنى التبرّع و التصدّق 310
في معنى التقرّب إلى اللّه 311
المراد من قوله عليه السلام: «حتى يسعد كلّ منّا بفضلك» 311
في معنى قوله تعالى: «لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى‏» 312
في معنى قوله عليه السلام: «بي أو بسببي ظلم ففته بحقّه» 313
بيان في معنى السبق 313
في معنى الوجد 314
بيان في ظلم العباد و محظوراته 315
في معنى الاستقلال بالشي‏ء 316
في قوله عليه السلام: «و إلّا تغمّدني» 316
بيان في معنى النقص 317

547
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

المراد من «بهضه الحمل بهضا» 317
بيان في معنى قوله عليه السلام: «استوهبك يا إلهي من نفسي» 318
تنبيهان: الأول: في قوله عليه السلام: «لم تخلقها لتمتنع بها من سوء» 319
الثاني: في قوله عليه السلام: «و لكن أنشأتها إثباتا لقدرتك على مثلها» 320
بيان: في الرغبة إلى اللّه تعالى في طلب المعونة 321
في معنى فدحه الأمر فدحا 321
في معنى التوكيل و الاصر 322
بيان في معنى المسيئين و الخاطئين 323
في معنى الصرع 323
في معنى الورطات 324
في معنى الطليق و العتيق 325
بحث في الخوف و الرجاء و أقسامهما 326
في معنى الحجج 330
تنبيه: في اعترافه عليه السلام بين الخوف و الرجاء 330
بيان في معنى «الصدّيقّون» 333
في معنى قوله عليه السلام: «لأنّك الربّ العظيم» 333
بيان في المراد من ذكر اللّه تعالى 334
في بيان المراد «بأسمائه تعالى» 335
الروضة الأربعون نصّ الدعاء الأربعين: إذا نعي إليه ميّت أو ذكر الموت 339
خطبة و ديباجة الروضة الأربعين 340
بيان في معنى نعي الميت 341

548
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

فائدة: في معاني الموت مجازا 342
بيان في معنى صدق العمل 343
في معنى الغرور و الشرور 344
من وصيته صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذرّ 345
بيان في معنى طول الأمل و أسبابه 346
بيان في معنى الغبّ 348
في معنى قوله عليه السلام: «و اجعل لنا» 349
في معنى المأنس و المألف 350
تبصرة: في معنى الموت 350
بيان في مراتب الموجودات 352
تتمة: في ضروب الناس في محبّة الموت 354
بيان في معنى الضيافة 356
في معنى الخزي 356
بيان في المراد بالاهتداء 357
في معنى الضلال 358
بيان في معنى قوله عليه السلام: «يا ضامن جزاء المحسنين و مستصلح عمل المفسدين» 359
الروضة الحادية و الأربعون نصّ الدعاء الحادي و الأربعون: في طلب الستر و الوقاية 363
خطبة و ديباجة الروضة الحادية و الأربعين 364
بيان في معنى الستر و الوقاية 365
في المراد من «المهاد» 366
بيان في معنى «المشارع» 366

549
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في معنى «سمته ذّلا» 367
في معنى المنع و الصرف 367
في معنى قوله عليه: «و لا تكشف مستوري» 368
بيان في معنى الميزان و الإنصاف 369
تبصرة: في ذكر الوزن و الميزان يوم القيامة 369
بيان في معنى قوله عليه السلام: «و لا تعلن على عيون الملأ خبري» 372
بيان في معنى قوله عليه السلام: «و اخف عنهم ما يكون نشره عليّ عارا» 374
بيان في معنى الشرف و الدرجة و الرضوان 375
في معنى قوله عليه السلام: «بغفرانك» 376
بيان في معنى قوله عليه السلام: «و انضمني في أصحاب اليمين» 377
بيان في معنى قوله عليه السلام: «و وجّهني في مسالك الآمنين» 378
في معنى العمارة و عمارة مجالس الصالحين 379
الروضة الثانية و الأربعون نصّ الدعاء الثاني و الأربعين: عند ختم القرآن 383
خطبة و ديباجة الروضة الثانية و الأربعين 388
بيان في معنى «القرآن» 389
بيان في الإجماع على بطلان الزيادة أو النقصان في القرآن 391
بيان في القراءات السبع 393
في ثواب قراءة القرآن و ختمه 395
في الدعاء قبل قراءة القرآن و عند ختمه 398
في فضل القراءة في المصحف 400
في استحباب التوسّط في القراءة بين الاخفات و الجهر 401
في استحباب البكاء عند قراءة القرآن، و التباكي لمن لا يقدر عليه 401

550
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في فضل الترتيل في قراة القرآن، و حسن الصوت 402
في معنى قوله عليه السلام: «و إيّاكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر» 404
تتمة: في كراهة كتابة القرآن بماء الذهب 405
بيان في معنى نزول الكتاب 405
في معنى قوله عليه السلام: «نورا» 406
في معنى المهيمن 407
بيان في قصص الحديث و أحسنه 409
في معنى الفرقان 410
في معنى التفصيل 410
في التبيين و أوجهه 411
في معنى الوحي و أنواعه 412
في المراد بظلم الظلالة 413
في معنى الشفاء 413
بيان في معنى التصديق 414
في معنى قوله عليه السلام: «و ميزان قسط لا يحيف عن الحقّ لسانه» 415
بيان في معنى البرهان 415
في المراد بالشاهدين 416
في معنى قوله عليه السلام: «و علم نجاة» 417
في معنى القصد 418
في معنى الايثار 418
في معنى المعونة 419
في معنى الجواسي 419
في المراد بحسن عبارته 420

551
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في معنى الحواشي 420
في معنى الإقرار 421
في معنى المتشابه 421
في معنى البينات 422
تنبيهات: الأول: في دلالة القرآن على أنّه كلّه محكم 422
الثاني: في طعن بعض الملاحدة في أن بعض القرآن محكما و بعضه متشابها 426
الثالث: في قوله عليه السلام: «و يفزع إلى الإقرار بمتشابهه» 428
في معنى «الراسخون في العلم» 429
بيان في معنى المجمل 431
في معنى عجائب القرآن 432
بيان في معنى الوراثة 432
بيان في معنى التأويل و التفسير 434
تنبيهان: الأول: تواتر الأخبار و إجماع الصحابة على أن أمير المؤمنين و أبناءه (ع) علموا جميع ما في القرآن علما قطعيا بتأييد إلهي 435
الثاني: في قول جماعة من الأصحاب و غيرهم بعدم تجاوز المسموع في تفسير القرآن 438
في معنى قوله عليه السلام: «و فضلّتنا على من جهل علمه» 442
في معنى قوله عليه السلام: «و قوّيتنا عليه» 442
في معنى قوله عليه السلام: «لم يطق حمله» 443
تنبيه: في معنى قوله عليه السلام: «و ورّثتنا علمه» و قوله: «و فضلّتنا» 443
في معنى «حملة القرآن» 444
في نوعي شرف و فضل القرآن 444
بيان في معنى الخطيب و الخطبة و الخطابة 445

552
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في معنى قوله عليه السلام: «و آله الخزّان» 446
في معنى قوله عليه السلام: «ممّن يعترف بأنّه من عندك» 447
في بيان بعض المفردات من قوله عليه السلام: «و اجعلنا ممن يعتصم بحبله ...» 448
بيان في بعض الاستعارات التمثيلية و المصرّحة 450
في معنى العلامة و الدلالة 451
في معنى الوسيلة 452
في معنى محل السلامة 453
في معنى القيامة 453
في معنى دار المقامة 454
في معنى الأوزار 454
في معنى آناء الليل و أطراف النهار 455
في معنى الطهارة و التطهير 456
في معنى الخدعة و الغرور 457
بيان في معنى النزغات، الخطرات و الوسواس 458
في معنى نقل الأقدام 458
في معنى الآفة 459
في معنى عجائب القرآن 460
في معنى الأمثال 460
في معنى قوله عليه السلام: «التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله» 462
في معنى الدوام 463
في معنى الضمائر 464
في معنى العلائق 465
في معنى الهواجر 465

553
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في معنى الحلل 466
بيان في معنى الفزع الأكبر 466
في معنى النشور 467
في معنى الضرائب 468
في معنى مداني الأخلاق و مذامّها 469
في معنى حدود اللّه 469
في معنى تحليل حلاله و تحريم حرامه 470
في معنى الترادف 471
في معنى التراقي 471
في بيان معنى «و قيل من راق» 472
في معنى ملك الموت 473
بيان في معنى الحجب و الغيوب 473
في بيان قوله عليه السلام: «عن قوس المنايا» 474
في معنى «الكأس المسمومة» 475
بيان في معنى القلائد 476
في معنى يوم التلاق 476
بيان في معنى الأطباق 477
بيان في معنى قوله عليه السلام: «و اجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا» 478
في معنى المقام 479
في معنى الاضطراب 479
تنبيه: في أن الصراط الموعود به في القرآن حقّ يجب الايمان به 480
بيان في معنى الكرب- الأهوال- الطامة 481
بيان في معنى بياض الوجوه و سوادها يوم الحسرة 482
في معنى نكد العيش 484

554
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في معنى الصدع بالأمر 484
في معنى النصح 485
في معنى قوله عليه السلام: «أقرب النبيّين منك مجلسا» 485
في معنى القدر و الجاه 486
في معنى البنيان و الأساس 487
في قبول الشفاعة، و الوسيلة 488
في معنى الملّة، و المنهاج 489
في معنى الحشر 490
في معنى الحوض 490
في معنى قوله عليه السلام: «و اسقنا من كأسه» 492
في معنى الكرامة و الكرم 493
في معنى الآيات 494
في معنى النبيّ 494
في معنى البركات 495
الروضة الثالثة و الأربعون نصّ الدعاء الثالث و الأربعين: إذا نظر إلى الهلال 499
خطبة و ديباجة الروضة الثالثة و الأربعين 502
بيان في معنى الهلال 503
في معنى الخلق المطيع الدائب 508
بيان في معنى السرعة 508
بيان في معنى قوله عليه السلام: «المتردد في منازل التقدير» 509
تنبيه: في أن سير القمر في منازله ليس على و تيرة واحدة 510
بيان في معنى قوله عليه السلام: «المتصرف في فلك التدبير» 511

555
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

في تفسير قوله تعالى: «فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً» 513
تنبيه: في خطابه عليه السلام للقمر و ندائه له و وصفه إيّاه بالطاعة 514
في بيان المراد بالايمان 516
في معنى الملك و السلطان 517
في المراد بالزيادة و النقصان 517
إيضاح: في قول علماء الهيئة بأن القمر جرم كروي مظلم في نفسه 518
تنبيه: في عدم إرادة القول على عبارة الدعاء بأنّ الامتهان للقمر من نقصان نوره 519
في معنى الطلوع و الأفول و الكسوف 519
إيضاح: قول علماء الهيئة بأن خسوف القمر و كسوفة هو عدم إنارته مايلينا 520
تنبيه: في توجيه امتهان القمر في الإنارة امتهانه بزيادة النور 521
في معنى قوله عليه السلام: «في كل ذلك أنت له مطيع ...» 521
في معنى التنزيه و أنواعه 521
في معنى القصد للتعجّب 522
في معنى قوله عليه السلام: «ما دبّر في أمرك» 523
في معنى قوله عليه السلام: «جعلك مفتاح شهر حادث» 524
في معنى المحق 525
في معنى الطهارة و الدنس 525
في معنى اليسر 526
في أوجه الإحسان 526
في معنى التعبّد 530
في معنى العصمة اصطلاحا 531
في معنى العافية و المنّة 531
تنبيهات: الأول: في المروي في فتح الدال من «اسعد» 531

556
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الموضوعات ص 535

الثاني: في أن الضمائر الراجعة إليه سبحانه و تعالى من أوّل هذا الدعاء إلى هنا ضمائر غيبة 532
الثالث: في أنّ الضمائر المجرورة في قوله عليه السلام: «و أسعد ...» راجعة إلى الهلال، بمعنى الشهر 533

557
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفة ص 559

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفة
الدعاء الثاني و الثلاثون فواتح الأدعية الصفحة
اللّهمّ يا ذا الملك المتأبّد بالخلود و السلطان ... 12
عزّ سلطانك عزا لا حدّ له بأوليّة، ... 21
ملكك علّوا، سقطت الأشياء دون بلوغ أمده ... 22
ضلّت فيك الصفات، و تفسخّت دونك النعوت ... 25
كبريائك لطائف الأوهام، كذلك أنت اللّه ... 26
و أنا العبد الضعيف عملا، الجسيم أملا، ... 30
قلّ عندي ما أعتدّ به من طاعتك، ... 38
اللّهمّ و قد أشرف على خفايا الأعمال علمك، ... 44
و قد استحوذ عليّ عدوّك الذي استنظرك لغوايتي ... 46
حتّى إذا قارفت معصيتك، ... 53
فتل عنّي عذار غدره، و تلقّاني بكلمة كفره، ... 54
فهذا مقام العائذ بك، و محلّ المعترف لك، ... 60
فضلك، و لا يقصرنّ دوني عفوك، ... 61
اللّهمّ إنّك أمرتني فتركت، و نهيتني فركبت، ... 64

559
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفة ص 559

و لأستشهد على صيامي نهارا، ... 65
تثني عليّ بإحيائها سنّة حاشا ... 66
و لست أتوسّل إليك بفضل نافلة مع كثير ما أغفلت ... 71
و هذا مقام من استحيى لنفسه منك ... 74
واقفا بين الرغبة إليك و الرهبة منك ... 75
اللّهمّ و إذ سترتني بعفوك، و تغمّدتني بفضلك ... 78
و الصالحين، من جار كنت أكاتمه سيئاتي، ... 79
اللّهمّ و أنت حدرتني ماءا مهينا من صلب ستضائق العظام، ... 84
حتى إذا احتجت الى رزقك و لم أستغن عن غياث ... 96
و لو تكلني يا ربّ في تلك الحالات الى حولي، ... 98
الى غايتي هذه، لا أعدم برّك، و لا يبطئ بي حسن ... 99
و أتضرّع إليك في أن تسهّل الى رزقي سبيلا، ... 103
فصلّ على محمّد و آله، و سهّل عليّ رزقي، ... 104
اللّهمّ إنّي أعوذ بك من نار تغلّظت بها على من عصاك ... 106
و من نار يأكل بعضها بعض، و يصول بعضها على بعض، ... 110
و من نار لا تبقي على من تضرّع إليها، ... 112
و أعوذ بك من عقاربها الفاغرة أفواهها، و حيّاتها ... 113
و شرابها الذي يقطّع أمعاء و أفئدة سكّانها، ... 114
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و أجرني منها بفضل رحمتك، ... 118
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله إذا ذكر الأبرار، ... 119
عددها، صلاة تشحن الهواء، ... 120
الدعاء الثالث و الثلاثون اللّهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، ... 145

 

560
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفة ص 559

فأزح عنّى ريب الارتياب، و أيدنا بيقين المخلصين، ... 146
حبّب إلينا ما نكره من قضائك، ... 153
و اختم لنا بالتي هي أحمد عاقبة، ... 155
الدعاء الرابع و الثلاثون اللّهمّ لك الحمد على سترك بعد علمك، ... 161
كم نهي لك قد أتيناه، و أمر قد وقفتنا عليه ... 164
فاجعل ما سترت من العورة، و أخفيت من الدخيلة، ... 169
و صلّ على خيرتك- اللّهمّ- من خلقك ... 172
الدعاء الخامس و الثلاثون الحمد للّه بحكم اللّه، شهدت أنّ اللّه قسم معائش ... 180
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و لا تفتنّي بما أعطيتهم ... 184
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و طيب بقضائك نفسي، ... 185
بمواقع حكمك صدري، وهب لي الثقة، ... 186
و اجعل شكري لك على ما زويت عنّى أوفر من شكري ... 187
و اعصمني من أنّ أظنّ بذي عدم خساسة، ... 188
فصل على محمّد و آله، و متعنا بثروة لا تنفد، ... 191
الدعاء السادس و الثلاثون اللّهمّ إنّ هذين آيتان من آياتك، و هذين عونان ... 202
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و أنزل علينا نفع هذه السحاب ... 206
اللّهمّ و إن كنت بعثتها نقمة، و أرسلتها سخطة، ... 207
غضبك و نبتهل إليك في سؤال عفوك، ... 208

561
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفة ص 559

اللّهمّ أذهب محل بلادنا بسقياك، ... 209
ما عند أحد دونك دفاع، و لا بأحد عن سطوتك امتناع، ... 211
فلك الحمد على ما وقيتنا من البلاء، ... 214
إنّك المنّان بجسيم المنن، الوهاب العظيم ... 215
الدعاء السابع و الثلاثون اللّهمّ إنّ أحدا لا يبلغ من شكرك غاية إلّا حصل عليه ... 228
لا يجب لأحد أن تغفر له باستحقاقه، ... 237
تشكر يسير ما شكرته، و تثيب على قليل ما تطاع فيه، ... 238
بل ملكت يا إلهي أمرهم قبل أن يملكوا عبادتك ... 242
ثوابهم قبل أن يفيضوا في طاعتك، ... 243
فكلّ البرية معترفة بأنّك غير ظالم لمن عاقبت، ... 244
فسبحانك ما أبين كرمك في معاملة من أطاعك ... 249
و لو كافأت المطيع على ما أنت تولّيته، ... 251
ثمّ لم تسمه القصاص فيما أكل من رزقك الذي تقوّى به ... 255
باستعمالها الى مغفرتك، و لو فعلت ذلك به لذهب ... 256
فأمّا العاصي أمرك، و المواقع نهيك ... 260
يستبدل بحاله في معصيتك حال الإنابة ... 261
فتباركت أن توصف إلّا بالاحسان و كرمت أن ... 264
أرضاك. فصلّ على محمّد و آل محمد، و هب لي أملي، ... 265
الدعاء الثامن و الثلاثون اللّهمّ إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ... 277
أعتذر إليك يا إلهي منهنّ، و من نظائرهنّ اعتذار ندامة ... 292

562
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفة ص 559

ندامتي على ما وقعت فيه من الزلّات ... 293
الدعاء التاسع و الثلاثون اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمد، و اكسر شهوتي عن كل محرم ... 304
اللّهمّ و أيّما عبد نال مني ما حظرت عليه، ... 306
و اجعل ما سمحت به من العفو عنهم، ... 309
و عوّضني من عفوي عنهم عفوك، ... 310
اللّهمّ و أيما عبد من عبيدك أدركه منّي درك، ... 312
ثمّ قني ما يوجب له حكمك، ... 315
اللّهمّ إنّي أستوهبك يا إلهي ما لا ينقصك بذله، ... 317
و أستحملك من ذنوبي ما قد بهظني حمله، ... 321
فصل على محمّد و آله، و اجعلني اسوة من قد أنهظته ... 323
أنك إن تفعل ذلك يا إلهي تفعله بمن لا يجحد استحقاق ... 325
فأمّا أنت يا إلهي فأهل أن لا يغترّ بك الصدّيقون، ... 332
تعالى ذكرك عن المذكورين، و تقدّست أسماؤك ... 333
الدعاء الأربعون اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اكفنا طول الأمل ... 342
العمل حتّى لا نؤمّل استتمام ساعة بعد ساعة، ... 343
و انصب الموت بين أيدينا نصبا، ... 347
لنا من صالح الأعمال عملا نستبطئ معه المصير إليك، ... 348
فاذا أوردته علينا، و أنزلته بنا فأسعدنا به زائرا، ... 355
أمتنا مهتدين غير ضالين، طائعين غير مستكرهين، ... 357
***

 

563
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفة ص 559

 الدعاء الواحد و الأربعون اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و افرشني مهاد كرامتك ... 366
و لا تسمني بالردّ عنك، و لا تحرمني بالخيبة منك، ... 367
و لا تحمل على ميزان الإنصاف عملي، و لا تعلن على عيون الملأ ... 368
شرّف درجتي برضوانك، و أكمل كرامتي بغفرانك، ... 375
الدعاء الثاني و الأربعون اللّهمّ إنك أعنتني على ختم كتابك الّذي أنزلته نورا، ... 405
و جعلته نورا نهتدي من ظلم الضلالة و الجهالة باتباعه ... 412
لسانه و نور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه و علم نجاة ... 413
اللّهمّ إنّك أنزلته على نبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و آله مجملا و ألهمته علم ... 431
اللّهمّ فكما جعلت قلوبنا له حملة، و عرّفتنا برحمتك شرفه ... 444
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجعلنا ممّن يعتصم بحبله و يأوى من المتشابهات ... 448
اللّهمّ و كما نصبت به محمّدا علما للدلالة عليك، و أنهجت بآله سبل الرضا ... 451
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و احطط بالقرآن عنّا ثقل الأوزار، و هب لنا ... 454
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنسا ... 457
الى المعاصي حابسا و لألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرسا ... 458
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و أدم بالقرآن صلاح ظاهرنا و احجب به خطراته ... 464
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و اجبر بالقرآن خلّتنا من عدم الإملاق ... 467
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و هوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا ... 470
و قيل من راق و تجلّى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب ... 471
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و بارك لنا في حلول دار البلى و طول المقامة ... 476
و ثبت به عند اضطراب جسر جهنّم يوم المجاز عليها زلل أقدامنا ... 477

564
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفة ص 559

اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك و رسولك كما بلّغ رسالتك و صدع ... 484
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و شرّف بنيانه و عظم برهانه و ثقّل ... 487
و صلّ اللّهمّ على محمّد و آله صلاة تبلغه بها أفضل ما يأمل من خيرك ... 492
الدعاء الثالث و الأربعون أيّها الخلق المطيع، الدّائب السريع، المترددّ في منازل ... 507
آمنت بمن نوّر بك الظلم، و أوضح بك البهم ... 516
سبحانه ما أعجب ما دبّر في أمرك، و ألطف ما صنع ... 521
مفتاح شهر حادث لأمر حادث، فأسأل اللّه ربّي و ربّك ... 522
اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و اجعلنا من أرضى من طلع عليه ... 530

565
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

فهرس الآيات‏
 (2) سورة البقرة رقم الآية الصفحة 7/ وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ/ 516
16/ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏*/ 295
19/ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ/ 241
24/ وَ لَنْ تَفْعَلُوا/ 40
35/ وَ كُلا مِنْها رَغَداً/ 87
46/ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ/ 188
49/ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ*/ 367
53/ وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ/ 357
58/ وَ قُولُوا حِطَّةٌ*/ 454
60/ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ/ 240
61/ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى‏ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ/ 262
88/ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ/ 38
94/ قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ .../ 352
 

567
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

114/ وَ سَعى‏ فِي خَرابِها/ 170
124/ وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ/ 161
131/ إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ/ 306
143/ وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ/ 417
143/ وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ .../ 416
157/ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ/ 358
162/ خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ*/ 112
163/ وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً/ 441
170/ أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ/ 358
177/ وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ/ 322 و 463
179/ وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ/ 207
185/ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ/ 214
185/ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ/ 422
186/ وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً/ 322
198/ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ/ 484
209/ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ/ 295
216/ وَ عَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا .../ 154
222/ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ/ 295
229/ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ/ 73
233/ وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ/ 375
246/ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ/ 372
256/ لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ/ 358
260/ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي/ 146
271/ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها .../ 374
 

568
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

276/ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا/ 524
280/ فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ/ 47
 (3) سورة آل عمران 7/ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ/ 430
7/ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ .../ 422
7/ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا/ 428
7/ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ .../ 261
15/ قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ/ 463
19/ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ/ 306
37/ نَباتاً حَسَناً/ 206
37/ كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً/ 263
59/ إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ/ 287
83/ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً/ 359
103/ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً/ 325
106/ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ/ 488
106/ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ/ 482
118/ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ/ 213
 

569
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

153/ وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ*/ 163
153/ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ/ 239
164/ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ/ 530- 215
 (4) سورة النساء 4/ وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً/ 462
6/ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ/ 211
14/ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ/ 469
42/ وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً/ 368
59/ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ/ 173
69/ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً/ 332
92/ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا/ 310
112/ وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً/ 314
125/ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ/ 489
129/ وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ/ 481
129/ وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ/ 181
172/ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ/ 81

570
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

174/ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً/ 406
175/ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ/ 261
 (5) سورة المائدة 2/ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ/ 316
35/ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ/ 452
45/ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ/ 310
48/ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ/ 408
61/ وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ/ 163
85/ فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ/ 239
97/ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ/ 29
110/ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ/ 191
114/ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ/ 106
 (6) سورة الأنعام 38/ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ/ 445
56/ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ/ 357
59/ وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ/ 357
91/ وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ*/ 151 و 236 و 486
92/ وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ/ 293
94/ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ/ 187
97/ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها/ 357
101/ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ/ 194

571
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

122/ أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ/ 342
138/ وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ/ 307
141/ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ/ 441
147/ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ/ 493
149/ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ/ 330
151/ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ*/ 441
 (7) سورة الأعراف 8/ وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ/ 37
8/ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ/ 371
14- 16/ قالَ أَنْظِرْنِي إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ/ 48
16/ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ/ 248
26/ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً/ 206
34/ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً*/ 344
57/ أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا/ 316
99/ أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ/ 77
156/ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ/ 493
161/ وَ قُولُوا حِطَّةٌ*/ 454
169/ أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ/ 449
183/ وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ*/ 250
200/ وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ/ 458

572
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

 (8) سورة الأنفال 32/ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ/ 370 و 374
 (9) سورة التوبة 32/ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ/ 415
37/ إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ/ 434
40/ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ/ 316
73/ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ/ 106
102/ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً/ 343
103/ وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ/ 329
103/ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً/ 310
120/ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ/ 359
 (10) سورة يونس 1/ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ/ 445
5/ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ/ 509
5/ وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ/ 510
5/ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً/ 516
15/ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ/ 451
54/ وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ/ 483

573
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

57/ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ/ 413
81/ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ/ 360
94/ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ/ 447
108/ فَمَنِ اهْتَدى‏ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ/ 358
 (11) سورة هود 1/ كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ/ 422
1/ كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ/ 410
7/ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا/ 30
34/ وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ/ 485
43/ سَآوِي إِلى‏ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ/ 449
73/ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ/ 495
108/ وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها/ 311
112/ فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ/ 173
123/ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ/ 240
 (12) سورة يوسف 3/ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ/ 409
76/ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ/ 17
82/ وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ/ 180
87/ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ/ 77
100/ وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ/ 216
101/ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ/ 306 و 378
108/ قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي/ 260 و 490

574
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

(13) سورة الرعد 6/ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى‏ ظُلْمِهِمْ/ 328 و 322 و 42
12/ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً/ 204
13/ وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ/ 204
23 و 24/ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ/ 90
35/ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ/ 461
 (14) سورة إبراهيم 7/ وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ/ 232
17/ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ/ 342
22/ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ/ 56
33/ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ/ 507
34/ إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ/ 235
34/ وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ/ 263
34/ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها/ 235
35/ وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ/ 468
45/ وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ/ 462
 (15) سورة الحجر 2 و 3/ رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ/ 345
36- 40/ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى‏ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَك‏

575
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ/ 48
45- 46/ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ .../ 378
46/ ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ/ 453
56/ وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا .../ 33
87/ وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ .../ 445
94/ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ .../ 484
 (16) سورة النمل 18/ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ/ 235
32/ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ .../ 493
37/ إِنْ تَحْرِصْ عَلى‏ هُداهُمْ/ 305
53/ وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ/ 212
60/ وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى‏/ 461
61/ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً/ 344
89/ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ/ 411
89/ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ/ 438
90/ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى‏ وَ يَنْهى‏ .../ 64
125/ ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ .../ 446
 (17) سورة الإسراء 1/ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا/ 68
9/ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ/ 456
12/ وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ/ 149
12/ وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا/ 411

576
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

13/ وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ/ 475
31/ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً/ 68
33/ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ/ 441
67/ وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ/ 245
72/ وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ .../ 355
73/ وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ/ 184
79/ وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى‏ أَنْ .../ 10
82/ وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ .../ 414
109/ وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً/ 401
110/ وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا/ 401
88/ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى‏ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ .../ 445
 (18) سورة الكهف 16/ وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ/ 78
28/ وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا/ 171
47 و 48/ وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ عُرِضُوا .../ 465
49/ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ/ 441
 (19) سورة مريم 12/ يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ/ 442
27/ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا/ 166
39/ وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ/ 482
41/ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا/ 332
59/ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ/ 70

577
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

63/ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا/ 432
66/ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا/ 342
71 و 72/ وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى‏ رَبِّكَ .../ 117
96/ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ .../ 483
 (20) سورة طه 14/ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ/ 401
22/ وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى‏ جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ .../ 459
50/ أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏/ 268
77/ لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى‏/ 312
82/ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ .../ 358
90/ وَ أَطِيعُوا أَمْرِي/ 294
90/ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي/ 203
120/ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ/ 458
130/ وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ/ 455
 (21) سورة الأنبياء 33/ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ .../ 508
33/ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ/ 511
35/ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً/ 160 و 184
47/ وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا .../ 370
50/ وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ/ 445
61/ فَأْتُوا بِهِ عَلى‏ أَعْيُنِ النَّاسِ/ 373
79/ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً/ 414
101/ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ .../ 117

578
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

(22) سورة الحجّ 17/ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ .../ 208
19 و 20/ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي .../ 116
34 و 35/ وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ* الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ .../ 76
38/ إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا/ 212
73/ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً/ 40
88/ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى‏ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ .../ 445
 (23) سورة المؤمنون 12 و 13 و 14/ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ .../ 91
88/ وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ/ 60
103/ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي .../ 370
 (24) سورة النور 2/ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ/ 183
10/ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ/ 182
11/ وَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ/ 250
35/ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ/ 164
37/ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ/ 456
 (25) سورة الفرقان 27/ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا/ 104
33/ وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ .../ 230
40/ أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ/ 205

579
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

62/ وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً/ 120
70/ إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ .../ 105
 (26) سورة الشعراء 151/ وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ/ 294 و 480
193/ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ/ 406
 (27) سورة النمل 10/ وَلَّى مُدْبِراً/ 56
20/ وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ/ 404
40/ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ/ 211
72/ رَدِفَ لَكُمْ/ 315
80/ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏/ 342
81/ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ/ 306
87/ وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ .../ 466
 (28) سورة القصص 23/ وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ/ 118
27/ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ/ 314
 (29) سورة العنكبوت 13/ وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ/ 454
43/ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا .../ 462
54/ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ/ 110
69/ وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا/ 268

580
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

 (30) سورة الروم 18/ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ/ 215
24/ وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً/ 202
26/ وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ/ 246
27/ وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ/ 25
 (31) سورة لقمان 28/ ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ/ 16
 (32) سورة السجدة 5/ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ/ 522
7/ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ/ 217
8/ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ/ 84
24/ وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا/ 268
 (33) سورة الأحزاب 32/ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ/ 193
33/ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ .../ 148 و 173
 (34) سورة سبأ 3/ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ/ 45
4/ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ/ 493
24/ لَعَلى‏ هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ/ 267
46/ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ/ 294

581
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

46/ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ/ 169
 (35) سورة فاطر 15/ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ/ 210
30 و 31/ وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ ..../ 433
32/ فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ ..../ 36
30- 34/ «إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ» «إِنَّ رَبَّنا ..../ 238
34 و 35/ لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ ..../ 355
35/ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ ..../ 454
36/ لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا/ 101
 (36) سورة يس 39/ وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ ..../ 508
 (37) سورة الصافّات 70/ فَهُمْ عَلى‏ آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ/ 455
158/ وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً/ 195
 (38) سورة ص 1/ وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ/ 444- 334
29/ كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ .../ 445
75/ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ/ 249
79- 83/ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى‏ يَوْمِ .../ 49
82 و 83/ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ ..../ 248
***

582
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

(39) سورة الزمر 6/ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها/ 256
20/ لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها/ 453
23/ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً/ 409
23/ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ/ 422
27/ وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ/ 461
27/ وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ ..../ 462
30/ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ/ 341
42/ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها/ 342
67/ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ/ 16
 (40) سورة غافر 9/ وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ .../ 365
11/ رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ/ 149
13/ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً/ 206
15/ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ/ 476
31/ وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ/ 214
57/ لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ/ 25
 (41) سورة فصلت 3/ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ/ 410
41/ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ/ 445
 (42) سورة الشورى 2/ كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ/ 89

583
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

11/ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ/ 194
23/ وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ/ 238
 (43) سورة الزخرف 3/ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا/ 44
32/ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا/ 182
32/ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَ رَفَعْنا .../ 105
44/ وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ/ 334
 (44) سورة الدخان 33/ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى‏/ 259
 (45) سورة الجاثية 20/ بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ/ 10
 (47) سورة محمد 4/ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً/ 268
15/ وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ/ 116
17/ وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً/ 267 و 268
24/ أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها/ 440
 (48) سورة الفتح 6/ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ/ 65
10/ وَ مَنْ أَوْفى‏ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ ..../ 322
 (49) سورة الحجرات 9/ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ ..../ 350

584
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

14/ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا/ 306
17/ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ ..../ 241
 (50) سورة ق 11/ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً/ 342
22/ فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ/ 368
42/ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ/ 367
 (51) سورة الذاريات 17 و 18/ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحارِ ..../ 10
20 و 21/ وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ .../ 321
48/ فَنِعْمَ الْماهِدُونَ/ 104
 (53) سورة النجم 3/ وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏/ 309
 (54) سورة القمر 4/ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ/ 170
45/ فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ/ 99
 (55) سورة الرحمن 29/ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ/ 17
29/ يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ/ 246
 (56) سورة الواقعة 6- 10/ وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً* فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ..../ 377
10 و 11/ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ/ 81

585
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

79/ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ .../ 445
 (57) سورة الحديد 27/ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها/ 420
 (58) سورة المجادلة 22/ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ .../ 249
 (59) سورة الحشر 2/ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ/ 460
9/ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ/ 285
20/ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ/ 378
21/ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ ..../ 463
 (60) سورة الممتحنة 1/ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ .../ 47
1/ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ/ 374
10/ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ/ 418
 (62) سورة الجمعة 5/ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ ..../ 443
16/ قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ ..../ 352
 (67) سورة الملك 2/ خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ/ 341
***

586
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

 (68) سورة القلم 32/ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا راغِبُونَ/ 171
 (69) سورة الحاقة 24/ بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ/ 19
47/ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ/ 193
 (71) سورة نوح 9/ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً/ 372
9/ وَ اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً/ 22
 (72) سورة الجن 22/ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ .../ 60
 (73) سورة المزمّل 4/ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا/ 402
8/ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا/ 22
 (74) سورة المدّثر 38/ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ/ 322
 (75) سورة القيامة 1 و 2/ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَ لا أُقْسِمُ ..../ 259
22/ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ/ 488
27/ كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَ قِيلَ مَنْ راقٍ/ 473
***

587
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

 (76) سورة الإنسان 11/ فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ/ 211 و 365
 (77) سورة المرسلات 20/ أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ/ 84
35 و 36/ هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ ..../ 275
 (79) سورة النازعات 34/ فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى‏/ 482
41/ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏/ 414
79/ فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً/ 512
 (80) سورة عبس 22/ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ/ 467
38 و 39/ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ/ 488
 (83) سورة المطفّفين 6/ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ/ 453
 (84) سورة الانشقاق 19/ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ/ 88
 (85) سورة البروج 21/ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ/ 445
 (87) سورة الأعلى 3/ وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى‏/ 268

588
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الآيات ص 567

 (89) سورة الفجر 24- 26/ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي* فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ .../ 35
 (90) سورة البلد 13/ فَكُّ رَقَبَةٍ/ 276
 (93) سورة الضحى 8/ وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏/ 210
 (94) سورة الانشراح 5/ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً/ 525
8/ وَ إِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ/ 171
 (96) سورة العلق 17/ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ/ 180
 (99) سورة الزلزلة 7 و 8/ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ ..../ 369
 (101) سورة القارعة 6/ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ .../ 488
 (112) سورة الإخلاص 1/ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ/ 28 و 193
 (114) سورة الناس 5/ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ/ 458

589
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

فهرس الأحاديث‏
حرف الألف القائل الصفحة
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اتّبعوا القرآن و لا يتبعنّكم .../ 413
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ أتمّكم عقلا، و أشدّكم للّه خوفا .../ 31
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ الأحمق: من اتبع نفسه هواها، و تمنّى .../ 35
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ أدنى الكفر أن يسمع الرجل .../ 291
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اذا أحبّ اللّه عبدا يقول لجبرئيل .../ 484
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اذا جاءكم عنّي حديث .../ 440
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اذا دخل أهل الجنّة الجنّة قال بعضهم لبعض .../ 117
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين/ 128
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اشتكت النار الى ربّها فقالت: ربّ .../ 111
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اشكر لمن أنعم عليك/ 282
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ أعربوا القرآن و التمسوا .../ 441
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ الأعمال بالنيّات .../ 358
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اقرأوا القرآن بألحان العرب./ 403
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اللّهمّ خرلي و اخترلي/ 128
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ (في عليّ عليه السلام): اللّهمّ فقهه في الدين، .../ 426

590
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ امرت أن أكلّم .../ 428
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه .../ 290
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ أنت يا ربّ أسبغت عليّ النعم/ 233
في الحديث:/ إنّ بين يدي الساعة سنين غدّارة .../ 55
في الحديث:/ إنّ البرق سوط من نار .../ 201
في الحديث:/ إنّ جهنّم سوداء مظلمة .../ 108
في الحديث:/ إنّ السابقين هم رسل .../ 377
في الخبر:/ إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم./ 102
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ إنّ القبر أوّل منزل من منازل .../ 478
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ إنّ القرآن ذلول ذو وجوه/ 440
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف .../ 393
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ إنّ اللّه- عزّ و جلّ- قسم الخلق قسمين: .../ 377
في الحديث:/ إنّ اللّه يقتصّ من حسنات الظالم .../ 315
في الحديث:/ إن من ورطات الأمور .../ 324
في الحديث:/ إنّ النار تأكل أهلها حتّى إذا .../ 113
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ إنّه ليس شي‏ء بأبعد من قلوب .../ 443
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ اوقد على النار ألف سنة حتّى احمرّت/ 108
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ أيّكم أحسن عقلا، و أورع .../ 30
في مناجاة بعضهم (ع)/ الهي انت تعلم عجزي عن مواقع شكرك، .../ 234
الإمام عليّ عليه السلام:/ احذروا يوما لا يخاف من الحاكم .../ 266
الإمام عليّ عليه السلام:/ (لابنه محمّد بن الحنفية): اقبل من متنصل عذره/ 284
الإمام عليّ عليه السلام:/ اعلمتم ان مالكا إذا غضب على النار حطم .../ 111
الإمام عليّ عليه السلام:/ اللّهمّ احملني على عفوك، و لا تحملني .../ 266
الإمام عليّ عليه السلام:/ اللّهمّ أعل على بناء البانين بناءه/ 487

591
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

أمير المؤمنين (ع):/ اللّهمّ اني أسألك إخبات المخبتين .../ 399
الإمام عليّ عليه السلام:/ اللّهمّ اني استخيرك خيرة من فوض إليك امره/ 144
الإمام عليّ عليه السلام:/ اللّهمّ إنّي قد هممت بأمر قد علمته .../ 131
الإمام عليّ عليه السلام:/ إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: .../ 345
الإمام عليّ عليه السلام:/ ان اللّه تعالى إيّانا عنى بقوله: «لتكونوا شهداء .../ 416
الإمام عليّ عليه السلام:/ إنّ اللّه يأمر بالعدل .../ 265
الإمام عليّ عليه السلام:/ إنّ في القرآن علم ما مضى .../ 437
الإمام عليّ عليه السلام:/ أوصيكم بتقوى اللّه الذي .../ 57
الإمام عليّ عليه السلام:/ أين الذين زعموا .../ 430
الحسين (ع):/ إنّ اللّه يحبّ كلّ قلب حزين/ 283
الباقر (ع)/ (في قوله تعالى: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ): إذا كان .../ 369
أبو جعفر (ع):/ إنّ العبد ليرفع من صلاته نصفها أو ثلثها/ 72
الباقر (ع):/ إنّ من علم ما اوتينا .../ 437
الباقر (ع):/ إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بات ليلة عند .../ 529
الصادق (ع):/ أدّوا الأمانات إلى أهلها/ 288
الصادق (ع):/ اذا أردت الاستخارة من الكتاب العزيز فقل بعد .../ 134
الصادق (ع):/ اذا أردت أمرا فخذستّ رقاع .../ 137
الصادق (ع):/ اذا أراد أحدكم أمر افلا يشاورنّ فيه أحدا .../ 133
الصادق (ع):/ اذا أراد أحدكم شيئا فليصلّ ركعتين .../ 132
الصادق (ع):/ اذا رأيت هلال شهر رمضان .../ 506
الصادق (ع):/ اذا عرضت لأحدكم حاجة فليستشر ربّه ... 133
الصادق (ع):/ اذا كان يوم القيامة تجلّى اللّه .../ 365
الصادق (ع):/ (لاسحاق بن عمّار): إذا كنت كذلك فصلّ ركعتين/ 132
الصادق (ع):/ استخر اللّه برحمته .../ 132

592
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

الصادق (ع)/ (عن تنزيل القرآن): اقرأ كما علمتم/ 394
الصادق (ع):/ اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم .../ 394
الصادق (ع)/ (في اكرم الخلق): اكثرهم ذكر اللّه، و أعلمهم بطاعته/ 147
الصادق (ع):/ إنّ اللّه أوضح بائمة الهدى في أهل .../ 452
الصادق (ع)/ (عند الفراغ من قراءة القرآن): اللّهمّ اني قرات .../ 399
الصادق (ع):/ أمثال القرآن لها فوائد .../ 461
الصادق (ع):/ إنّ في إجلال اللّه تعالى .../ 292
الصادق (ع):/ انزل في القرآن تبيان .../ 431
الصادق (ع):/ انظر إذا قمت الى الصلاة .../ 134
الصادق (ع):/ إن القرآن نزل بالحزن .../ 401
الصادق (ع):/ إنّما خلد أهل النار في النار لأنّ .../ 255
الصادق (ع) (في الاستخارة): ان يستخير اللّه الرجل في آخر .../ 133
الصادق (ع):/ اوحى اللّه الى موسى عليه السّلام .../ 233
الصادق (ع):/ إيّانا عنى خاصّة، أمر جميع المؤمنين .../ 173
الصادق (ع):/ أيّما عبد أنعم اللّه عليه بنعمة .../ 232
الكاظم (ع):/ آمرك بتقوى اللّه .../ 285
الرضا (ع):/ اذا أردت أمرا فصلّ ركعتين .../ 133
أبو الحسن (ع):/ اقرأوا كما تعلّمتم فسيجيئكم .../ 394
الرضا (ع):/ اللّهمّ إن خيرتك فيما أستخيرك فيه .../ 143
حرف الباء الإمام عليّ عليه السلام:/ بساع سريع نجا، و طالب بطي‏ء، و مقصّر في النار/ 36
الإمام عليّ عليه السلام/ (في تفسير: و رتل القرآن ترتيلا): بيّنه تبيانا .../ 402
الصادق (ع):/ بسم اللّه، اللّهمّ إنّي أشهد أنّ هذا .../ 398
الصادق (ع):/ بل اقرأه، و انظر في المصحف .../ 400

593
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

الإمام عليّ عليه السلام:/ سبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ، .../ 29
الإمام عليّ عليه السلام:/ السنة سنتان: سنة في فريضة؛ الأخذ بها هدي .../ 69
الصادق (ع):/ (عن حقّ المؤمن): سبعون حقّا/ 289
حرف الصاد الصادق (ع):/ صلّ ركعتين، و استخر اللّه .../ 129
حرف الضاد في الحديث:/ ضد القديم يستعمل في قليل الكلام/ 408
حرف العين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ (في أفضل الأعمال): عليك بالحال المرتحل .../ 396
في الحديث:/ عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة/ 120
الإمام عليّ عليه السلام:/ عباد اللّه، إنّ من أحبّ اللّه إليه عبدا .../ 331
حرف الفاء في الحديث:/ فيؤخذ بهم ذات الشمال .../ 489
الإمام عليّ عليه السلام:/ فاذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة .../ 184
الإمام عليّ عليه السلام:/ فأصحرّ لعدّوك، و امضي على بصيرتك/ 58
الإمام عليّ عليه السلام:/ فأعطاه اللّه النظرة استحقاقا للسخطة، .../ 52
الإمام عليّ عليه السلام:/ فإنّ الشريف من شرّفته طاعتك./ 189
الإمام عليّ عليه السلام:/ فبعث محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- بقرآن .../ 452
الهادي (ع):/ فأت المسجد في غير وقت صلاة .../ 134
حرف القاف في الحديث:/ القبر روضة من رياض الجنّة/ 477
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله/ (لعلي عليه السلام): قل: اللّهمّ اجعل لي عندك عهدا/ 484
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ قلت: فكّ رهاني، و ثقل ميزاني/ 234
***

594
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

حرف الكاف حديث قدسيّ:/ الكبرياء ردائي، و العظمة إزاري، .../ 26
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ (لرجل): كيف أصبحت؟ .../ 228
اهل البيت (ع):/ الكفر في آية: «انا براء منكم ... كفرنا بكم» البراءة/ 56
أبو جعفر (ع):/ كان عليّ بن الحسين (ع) اذا همّ بأمر حجّ أو .../ 131
الباقر (ع):/ كلّ ما ميّز تموه بأوهامكم في أدقّ معانيه .../ 24
الصادق (ع):/ كان أبي إذا أراد الاستخارة .../ 130
حرف اللام حديث قدسي:/ لا يتكل العاملون بي على اعمالهم التي يعملون .../ 32
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت .../ 26
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ لا تنقضي عجائبه .../ 460
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ لكلّ شي‏ء حلية، و حلية القرآن الصوت الحسن/ 403
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ لفقيه واحد أشّد على الشيطان من ألف عابد/ 190
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ للمؤمن على أخيه ثلاثون حقّا/ 290
في الحديث:/ لو شئنا لاقتطعناهم .../ 457
في الحديث:/ لو علم اللّه أنّ عبدا .../ 262
في الخبر:/ لو لا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم .../ 102
في الحديث:/ ليردّن عليّ الحوض أقوام .../ 448
في الحديث:/ ليس أحد يدخل الجنّة بعمله/ 317
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ ليس للمؤمن راحة دون لقاء اللّه/ 351
الإمام عليّ عليه السلام:/ لا تأمننّ على خير هذه الأمة/ 333
الإمام عليّ عليه السلام:/ لا تبليه الليالي و الأيّام، و لا يغيّره الضياء/ 20
الإمام عليّ عليه السلام:/ لا تجاوز و ابنا ما قالت الملائكة/ 495

595
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

الإمام عليّ عليه السلام:/ لما ولاني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على اليمن/ 129
الإمام عليّ عليه السلام/ (في وصف الملائكة): لو عاينوا كنه ما عليهم ../ 236
أبو جعفر (ع):/ ليس من عبد مؤمن إلّا و في قلبه نوران .../ 77
الصادق (ع)/ (لمحمّد بن عبد اللّه): لا يعجبني أن تقرأه في أقلّ/ 394
الصادق (ع):/ لا يعجبني أن يكتب القرآن إلّا بالسواد/ 405
الصادق (ع):/ لعن اللّه قاطعي سبيل المعروف/ 283
الصادق (ع):/ للصلاة أربعة آلاف حدّ/ 72
الصادق (ع)/ (في حقّ المسلم على المسلم): له سبع حقوق واجبات/ 288
الصادق (ع):/ ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا/ 292
الصادق (ع)/ (في تفسير: «ليبلوكم أيّكم أحسن عملا»): ليس .../ 31
حرف الميم حديث قدسيّ:/ ما تقرّب إليّ عبد بمثل أداء الفرائض/ 311
حديث قدسيّ:/ من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني/ 129
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ من ابتغى الهدى في غير اللّه .../ 451
في الحديث:/ من استذلّ مؤمنا، أو احتقره لقلّة ذات يده .../ 189
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله/ (لإقبال شهر رمضان): من أكثر فيه الصلاة عليّ .../ 370
في الحديث:/ من تنصل إليه أخوه فلم يقبل .../ 284
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ من سرّه أن يحيى حياتي و يموت مماتي .../ 491
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ من سعادة ابن آدم استخارته اللّه/ 128
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ من عرف فضل كبير لسنّه .../ 292
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ من فسّر القرآن برأيه .../ 440
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ من فسّر القرآن برأيه فقد كفر/ 439
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ من قال في القرآن بغير .../ 439
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ من لم يقبل من متنصّل .../ 284

596
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

الإمام عليّ عليه السلام:/ من قال في مؤمن ما رأت .../ 291
الحسين (ع):/ من قرأ آية من كتاب اللّه .../ 396
الباقر (ع):/ ما ادّعى أحد من الناس أنّه .../ 447
الباقر (ع):/ ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع .../ 436
الباقر (ع):/ ما علمتم فقولوا، و ما لم تعلموا .../ 429
الباقر (ع):/ ما يستطيع أحد أن يدّعي .../ 437
الباقر (ع):/ ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ .../ 447
الباقر (ع):/ من ختم القرآن بمكّة من جمعة .../ 396
الباقر (ع):/ المنسوخات في المتشابهات .../ 423
الصادق (ع):/ ما ابالي إذا استخرت على أيّ طرفيّ وقعت/ 129
الصادق (ع):/ ما إستخار اللّه عبد سبعين مرّة بهذه الاستخارة .../ 143
الصادق (ع):/ ما أقلّ من شكر المعروف/ 283
الصادق (ع):/ ما أعظم حقّ المسلم على أخيه المسلم/ 289
الصادق (ع):/ ما حار من استخار/ 125
الصادق (ع):/ ما عبد اللّه بشي‏ء أفضل من أداء حقّ المؤمن/ 288
الصادق (ع):/ ما من أمر يختلف فيه اثنان .../ 431
الصادق (ع):/ ما من مؤمن ينصر أخاه .../ 278
الصادق (ع):/ من أتى معروف فليكاف به/ 283
الصادق (ع):/ من إجلال اللّه إجلال المؤمن ذي الشيبة/ 292
الصادق (ع):/ من أراد أن يستخير اللّه تعالى فليقرأ الحمد عشر مرّات/ 141
الصادق (ع):/ من استمع حرفا من كتاب اللّه العزيز .../ 395
الصادق (ع):/ من حقّ المؤمن على أخيه أن يشيع .../ 289
الصادق (ع):/ من حقّ المؤمن على المؤمن: المودّة له في صدره/ 289
الصادق (ع):/ من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلي .../ 129

597
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

الصادق (ع):/ من سافر أو تزوّج و القمر .../ 529
الصادق (ع):/ من قرأ في المصحف متّع ببصره/ 400
الكاظم (ع):/ من تزوّج في محاق الشهر .../ 529
حرف النون الصادق (ع):/ نحن الذين اصطفانا اللّه عزّ و جلّ/ 433
الصادق (ع):/ نحن الراسخون .../ 429
الصادق (ع):/ نزل القرآن جملة واحدة .../ 412
حرف الهاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ هذا الإنسان و خطّ الى جنبه .../ 345
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ هم خلفائي يا جابر، و ائمة المسلمين من بعدي/ 173
الإمام عليّ (ع)/ (في آخر خطبة له): هذا مقام من أفردك بالتوحيد/ 334
الباقر (ع):/ هي لنا خاصّة و إيّانا عنى/ 433
الصادق (ع):/ هؤلاء قوم يترجحون في الأماني/ 35
الصادق (ع):/ هو الملك الدائم الأبديّ في نفاذ .../ 192
الصادق (ع):/ هي لنا خاصّة و إيّانا عنى/ 433
حرف الواو في الحديث القدسيّ:/ و إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر/ 187
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ الورود: الدخول، لا يبقى برّ و لا فاجر إلّا دخلها/ 117
الإمام عليّ عليه السلام:/ و اعلموا، أنّ الأمل يسهي العقل، .../ 346
الإمام عليّ عليه السلام/ (في خطبة الأشباح): و اعلم، أنّ الراسخين في العلم ../ 429
الإمام عليّ عليه السلام:/ و اللّه ما فجأني من الموت وارد فكرهته/ 352
الإمام عليّ عليه السلام:/ و اللّه لابن أبي طالب آنس بالموت .../ 352
الإمام عليّ عليه السلام:/ و اللّه ما نزلت آية إلّا و قد علمت .../ 436
الإمام عليّ عليه السلام:/ و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة/ 347

598
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

الإمام عليّ عليه السلام:/ و تا اللّه لو انما ثت قلوبكم انمياثا .../ 246
الإمام عليّ عليه السلام:/ و الشمس و القمر دائبان، يبليان كلّ جديد، .../ 21
الإمام عليّ عليه السلام/ (في خطبته الطالوتيّة): و لا كان خلوا عن الملك/ 15
زين العابدين (ع)/ (في حديث الحقوق): و أمّا حقّ ذي المعروف عليك/ 283
الباقر (ع):/ و إنّما القرآن أمثال .../ 443
الصادق (ع):/ و اللّه إنّي لأعلم كتاب اللّه .../ 437
الصادق (ع):/ و اللّه لا نشكّ في ربّنا أبدا./ 148
الجواد (ع):/ و لا تكلّم أحدا بين أضعاف الاستخارة .../ 13
حرف الياء حديث قدسي:/ يا موسى، لا تطوّل في الدنيا أملك .../ 345
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله/ (لأبي ذر): يا أبا ذر، ايّاك و التسويف بأهلك/ 345
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ يا أنس، اذا هممت بأمر فاستخر ربّك/ 128
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله/ (لأمير المؤمنين (ع): يا عليّ، من لم يقبل العذر .../ 284
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ يجاء بالعبد يوم القيامة، فتوضع حسناته .../ 375
في الحديث:/ يقرّب الى فيه، فإذا دنا من وجهه شوى وجهه .../ 116
الإمام عليّ عليه السلام/ (في دعائه): يا جابر كلّ كسير، و يا مسهل كلّ عسير ../ 467
الإمام عليّ عليه السلام/ يكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللّهمّ إنّي أستخيرك/ 136
الباقر (ع):/ يا قتادة، إنّك فقيه أهل البصرة؟ .../ 439
الصادق (ع)/ (في قراءة القرآن): يا أبا محمّد، اقرأ قراءة ما بين القراءتين/ 401
الصادق (ع)/ (في حقّ المؤمن): يا أبان، دعه لا تردّه .../ 285
الصادق (ع)/ (في قوله تعالى: وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ): قال: يناد .../ 282
الصادق (ع):/ يوم الوقت المعلوم: يوم ينفخ في الصور .../ 50
الكاظم (ع):/ يا بنيّ، عليك بالجدّ، و لا تخرجنّ نفسك .../ 32
القائم (ع):/ يقرأ الفاتحة عشرا، و أقلّه ثلاث .../ 140

599
رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين5

فهرس الأحاديث ص 590

الإمام عليّ عليه السلام:/ و تا اللّه لو انما ثت قلوبكم انمياثا .../ 246
الإمام عليّ عليه السلام:/ و الشمس و القمر دائبان، يبليان كلّ جديد، .../ 21
الإمام عليّ عليه السلام/ (في خطبته الطالوتيّة): و لا كان خلوا عن الملك/ 15
زين العابدين (ع)/ (في حديث الحقوق): و أمّا حقّ ذي المعروف عليك/ 283
الباقر (ع):/ و إنّما القرآن أمثال .../ 443
الصادق (ع):/ و اللّه إنّي لأعلم كتاب اللّه .../ 437
الصادق (ع):/ و اللّه لا نشكّ في ربّنا أبدا./ 148
الجواد (ع):/ و لا تكلّم أحدا بين أضعاف الاستخارة .../ 13
حرف الياء حديث قدسي:/ يا موسى، لا تطوّل في الدنيا أملك .../ 345
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله/ (لأبي ذر): يا أبا ذر، ايّاك و التسويف بأهلك/ 345
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ يا أنس، اذا هممت بأمر فاستخر ربّك/ 128
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله/ (لأمير المؤمنين (ع): يا عليّ، من لم يقبل العذر .../ 284
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:/ يجاء بالعبد يوم القيامة، فتوضع حسناته .../ 375
في الحديث:/ يقرّب الى فيه، فإذا دنا من وجهه شوى وجهه .../ 116
الإمام عليّ عليه السلام/ (في دعائه): يا جابر كلّ كسير، و يا مسهل كلّ عسير ../ 467
الإمام عليّ عليه السلام/ يكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللّهمّ إنّي أستخيرك/ 136
الباقر (ع):/ يا قتادة، إنّك فقيه أهل البصرة؟ .../ 439
الصادق (ع)/ (في قراءة القرآن): يا أبا محمّد، اقرأ قراءة ما بين القراءتين/ 401
الصادق (ع)/ (في حقّ المؤمن): يا أبان، دعه لا تردّه .../ 285
الصادق (ع)/ (في قوله تعالى: وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ): قال: يناد .../ 282
الصادق (ع):/ يوم الوقت المعلوم: يوم ينفخ في الصور .../ 50
الكاظم (ع):/ يا بنيّ، عليك بالجدّ، و لا تخرجنّ نفسك .../ 32
القائم (ع):/ يقرأ الفاتحة عشرا، و أقلّه ثلاث .../ 140

600