×
☰ فهرست و مشخصات
تهذيب اللغة2

الجزء الثاني

الجزء الثاني‏
تهذيب اللغة
لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري 282- 370 ه إشراف علّق عليها عمر سلامي عبد الكريم حامد
تقديم الأستاذة فاطمة محمّد أصلان‏
طبعة جديدة مصحّحة و ملونة و مزيد بفهرس ألفبائي للمواد
المجلد الثاني‏
داراحياء التراث العربي بيروت- لبنان‏

3
تهذيب اللغة2

الجزء الثاني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
 [تتمة حرف العين‏]
 [تتمة أبواب الثلاثي الصحيح‏]
 [تتمة أبواب العين و الصاد]
باب العين و الصاد مع الدال‏
 [ع ص د]
عصد، صدع، صعد، دعص: مستعملة
عصد:
أبو عُبَيد عن أبي زيد: يقال: عَصَد فلان يَعْصِد عُصُوداً إذا مات. و أنشد شَمِر:
على الرحل ممَّا منَّه السَيْر عاصدُ
و قال الليث: العاصد ههنا: الذي يعصِد العَصِيدة أي يُديرها و يقلبها بالمِعْصَدة، شبَّه الناعس به لِخَفَقان رأسه. قال: و من قال: إنه أراد الميّت بالعاصد فقد أخطأ.
ابن شُمَيل: تركتُهم في عِصْواد و هو الشَّرّ من قَتْل أو سِبَاب أو صَخَب. و قد عَصْوَدوا مُنْذُ اليوم عَصْوَدة أي صاحوا و اقتتلوا.
و قال الليث: العِصْواد: جَلَبة في بَلِيَّة، يقال: عَصَدتهم العَصَاوِيدُ، و هم في عِصْواد بينهم، يعني البلايَا و الخُصُومات.
قال: و جاءت الإبِل عَصَاوِيد: ركِب بعضُها بعضاً. و كذلك عصاويد الكلام.
و قال ابن شُمَيل: العَصَاويد: العِطَاش من الإبِل. و قال ابن الأعرابيّ: رجُل عِصْواد: عَسِر شديد، و امرأة عِصْواد:
صاحبة شَرّ. و أنشد:
يا مَيَّ ذَات الطَوق و المِعضادِ             فدتْكِ كُلَّ رَعبَلٍ عِصْوادِ
و وِرْد عِصْواد: مُتْعِب و أنشد:
و في القَرَب العِصواد للعِيس سائق‏
و قوم عَصَاوِيد في الحرب: يلازمون أقرانهم و لا يفارقونهم. و أنشد:
لمّا رأيتهمُ لا دَرْءَ دونهمُ             يدعُون لِحْيان في شُعث عصاويد
و في «نوادر الأعراب»: يوم عَطَوَّد و عَطَرَّد و عَصَوَّد أي طويل. و ركِب فلان عِصْوَدَّة و عِرْبَدَّة إذا ركِب رأيه. و قال أبو عُبَيدة:
عَصَد الرجلُ المرأة عَصْداً، و عَزَدها عَزْداً إذا جامعها. و قاله الليث. قال: و يقال:
أعصِدْني حِمَارك أي أعِرْنيه لأُنْزِيه على أتَاني. قال: و رجل عَصِيد معصود: نَعْت سَوْء. و يقال: عصدتُه على الأمر عَصْداً إذا أكرهتَه عليه. و العَصْد: اللَيُّ، و به سمِّيت العَصِيدة.
صدع:
قال اللَّه جلّ و عزّ: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ
 [الحجر: 94] قال بعض المفسّرين: اجهَر بالقرآن. و قال أبو إسحاق: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ
: أظهِر ما تؤمَر به، أُخِذ من الصَّدِيع‏

5
تهذيب اللغة2

صدع ص 5

و هو الصبح. قال: و تأويل الصَّدْع في الزُجاج: أن يَبين بعضُه من بعض. و أخبرني المنذري عن الحَرّانيّ عن ابن السِكيت قال:
الصَّدْع: الفَصْل. و أنشد لجرير:
هو الخليفة فارضَوا ما قضاه لكم             بالحقّ يصدع ما في قوله جَنَفُ‏
قال: يصدع: يفصل و يُنْفِذ. و قال ذو الرُمَّة:
فأصبحت أرمي كلَّ شَبْح و حائل             كأني مُسَوٍّ قِسْمةَ الأرض صادع‏
يقول: أصبحت أرمي بعيني كل شَبْح- و هو الشخص- و حائل: كل شي‏ء يتحرّك.
يقول: لا يأخذني في عيني كسر و لا انثناء كأني مُسوّ، يقول: كأني أريد قِسْمة هذه الأرض بين أقوام، صادع: قاض، يصدع: يَفْرُق بين الحقّ و الباطل. و قال الفَرّاء: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ
 [الحجر: 94] أي اصدع بالأمر، أقام (ما) مقام المصدر.
و قال ابن عَرَفة: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ
 أي فرّق بين الحقّ و الباطل، من قوله جل و عزّ: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏
 [الروم: 43] أي يتفرقون. و قال مجاهد: بِما تُؤْمَرُ أي بالقرآن. قلت: و يسمّى الصبح صَدِيعاً، كما يسمّى فَلَقاً؛ و قد انصدع و انفطر و انفلق و انفجر إذا انشقَّ. و قال الليث:
الصَّدْع: شَقّ في شي‏ء له صلابة. قال:
و صدعْت الفلاة أي قطعتها في وسط جَوْزها. و كذلك صَدَع النهرَ: شقَّه شَقّاً، و صدع بالحقّ: تكلّم به جِهاراً. و قال اللَّه تعالى: وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ‏
 [الطارق: 12] قال الفرّاء: ذات الصدع: تتصدع بالنبات. و قال الليث: الصَّدْع: نبات الأرض لأنه يصدع الأرض فتصدّع به.
قال: و الصَّدِيع: انصداع الصبح، و الصَّدِيع: رُقعةٌ جديدة في ثوب خَلَق.
و قال لَبِيد:
دعي اللوم أو بِيني كشَقّ صَدِيع‏
قال بعضهم: هو الرِدَاء الذي شُقَّ صِدْعتين، يضرب مثلًا لكل فُرْقة لا اجتماع بعدها. و الصِّدْعَة و الصِّدِيع: قطعة من الظباء و الغَنَم. و جَبَل صادع: ذاهب في الأرض طُولًا. و كذلك سَبِيل صادع و وادٍ صادع. و هذا الطريق يَصْدَع في أرض كذا و كذا. و يقال: رأيت بين القوم صَدَعات أي تفرّقاً في الرأي و الهَوَى، يقال: أصلِحوا ما فيكم من الصَّدَعات أي اجتمِعوا و لا تتفرّقوا. و قال الليث:
الصُّدَاع: وَجَع الرأس، و قد صُدِّع الرجل تصديعاً. قال: و يجوز في الشعر صُدِع فهو مصدوع بالتخفيف. و تصدّع القومُ:
تفرّقوا. الحَرّاني عن ابن السكيت: الصَّدْع في الزُجَاجة و الحائط و غيرهما. و الصَّدَع:
الوَعِل بين الوَعِلين: ليس بالعظيم و لا بالشَّخْت. و كذلك هو من الظِباء. و أنشد:
يا رُبّ أبَّازٍ من العُفْر صَدَعْ             تقبَّض الذئبُ إليه فاجتَمَعْ‏
و قال الليث: الصَّدَع: الفَتِيّ من الأوعال.
قال: و يقال: هو الرجل الشابّ المستقيم القناةِ. عمرو عن أبيه: الصَّدِيع: الثوب المشقَّق. و الصديع: الصبح. أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ
 أي شُقّ جماعاتهم بالتوحيد.

6
تهذيب اللغة2

صدع ص 5

و قال غيره: أظهِر التوحيد و لا تَخَفْ أحداً.
و قال غيره: فرّق القول فيهم مجتمعين و فُرَادَى. قال ثعلب: و سمعت أعرابياً كان يحضر مجلس ابن الأعرابيّ يقول: معنى (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)
 أي اقصد بما تؤمر. قال:
و العرب تقول: اصدَع فلاناً أي اقصده لأنه كريم. أبو عُبَيد عن أبي زيد: الصِرْمة و القِصْلة و الحُدْرة: ما بين العشرة إلى الأربعين من الإبل، فإذا بلغتْ سِتّين فهي الصِّدْعة. و قال ابن السِكّيت: رجل صَدَع و صَدْع و هو الضَرْب الخفيف اللحِم، و أما الوَعِل فلا يقال فيه إلا صَدَع: وَعِل بين وَعِلين.
صعد:
قال اللَّه جلّ و عزّ: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ
 [آل عمران: 153] الآية قال الفرّاء: الإصعاد: في ابتداء الأسفار و المخارج؛ تقول أصعدنا من مكَّة و أصعدنا من الكوفة إلى خراسان، و من بغداد إلى خراسان و أشباه ذلك، فإذا صعِدت في السُلَّم أو الدرجة و أشباهه قلت: صَعِدت و لم تقل: أصعدت. و قرأ الحسن: (إذ تَصْعَدون) جعل الصُّعود في الجبل كالصعود في السُّلّم. و أخبرني المنذري عن الحَرّانيّ عن ابن السكيّت قال: يقال: صعِد في الجبل و أصعد في البلاد. و يقال: ما زلنا في صَعُود، و هو المكان فيه ارتفاع. قال: و قال أبو صخر:
يكون الناس في مباديهم، فإذا يبِس البقلُ و دخل الحَرّ أخذوا إلى مَحَاضرهم، فمن أمَّ القِبلة فهو مُصْعِد، و من أمّ العراق فهو منحدر. قلت: و هذا الذي قاله أبو صخر كلام عربيّ فصيح، سمعت غير واحد من العرب يقول: عارضنا الحاجّ في مَصْعدهم أي في قصدهم مكَّة، و عارضناهم في مُنْحَدرهم أي في مَرْجِعهم إلى الكوفة من مكّة. و قال ابن السِكّيت: قال لي عُمَارة:
الإصعاد إلى نَجْد و الحِجاز و اليمن و الانحدار إلى العراق و الشام و عُمَان.
قلت: و هذا يشاكل كلام أبي صخر. و قال الأخفش: أصعد في البلاد: سار و مضى، و أصعد في الوادي: انحدر فيه، و أمَّا صعِد فهو ارتقاء. أبو عُبَيد عن أبي زيد و أبي عمرو يقال: أصعد الرجل في البلاد حيث توجّه. و قال غيرهم: أصعدت السفينةُ إصعاداً: إذا مدَّت شِرَاعها فذهبت بها الريح صُعُداً. و قال الليث: صعِد إذا ارتقى، و اصَّعَّد يَصَّعَّدُ إصّعّاداً فهو مصَّعِّد إذا صار مستقبِل حَدُور أو نهر أو وادٍ أو أرض أرفع من الأخرى. قال: و صَعّد في الوادي إذا انحدر. قلت: و الاصِّعَّاد عندي مثل الصُعُود؛ قال اللَّه تعالى: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ
 [الأنعام: 125] يقال:
صعِد و اصَّعّد و اصَّاعَد بمعنى واحد. و قال اللَّه تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً*
 [النِّساء:
43] قال الفرّاء في قوله تعالى: صَعِيداً جُرُزاً
 [الكهف: 8]: الصعيد: التراب، و قال غيره: هي المستوية. و قال أبو عُبَيدة في‏
قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «إيّاكم و القُعود بالصُّعُدات»
: قال: الصُّعُدات: الطُّرُق، مأخوذة من الصَّعيد، و هو التراب. و جمع الصعيد صُعُد، ثم صُعُدات جمع الجمع.
و قال الشافعي فيما رُوِي لنا عن الربيع له:
لا يقع اسم صَعِيد إلّا على تراب ذي‏

7
تهذيب اللغة2

صعد ص 7

غُبار. فأمّا البطحاء الغليظة و الرقيقة و الكَثِيب الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد و إن خالطه تراب أو صعيد أو مَدَر يكون له غُبَار كأن الذي خالطه الصعيدَ. قال:
و لا يَتيَمم بنُورة و لا كُحل و لا زِرْنيخ، و كل هذا حجارة. و قال أبو إسحاق بن السرِيّ: الصعيد: وجه الأرض. قال:
و على الإنسان أن يضرب بيديه وجه الأرض، و لا يبالي أكان في الموضع تراب أو لم يكن؛ لأن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الأرض، تراباً كان أو غيره. قال: و لو أن أرضاً كانت كلها صخراً لا تراب عليه ثم ضرب المتيمِّمُ يده على ذلك الصخر لكان ذلك طَهُوراً إذا مَسَح به وجهه. قال اللَّه جلّ و عزّ:
فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً
 [الكهف: 40] فأعلمك أن الصعيد يكون زَلَقاً.
و الصُّعُدات: الطُرُق، و سمّي صَعيداً لأنه نهاية ما يُصْعَد إليه من باطن الأرض لا أعلم بين أهل اللغة اختلافاً فيه أن الصعيد وجه الأرض. قلت: و هذا الذي قاله أبو إسحاق أحسبه مذهب مالك و من قال بقوله و لا أستيقنه. فأمَّا الشافعيّ و الكوفيّون فالصعيد عندهم التراب. و قال الليث: يقال للحديقة إذا خَرِبت و ذهب شَجْراؤها: قد صارت صعيداً أي أرضاً مستوية لا شجر فيها. شَمِر عن ابن الأعرابيّ: الصعيد: الأرضُ بعينها، و جمعها صُعُدات و صِعْدان. و قال أبو عُبَيد: الصُّعُدات: الطُرُق في‏
قوله: «إياكم و القعود بالصُّعُدات»
. قال: و هي مأخوذة من الصَّعيد و هو التراب، و جمعه صُعُد ثم صُعُدات مثلُ طريق و طُرُق و طُرُقات قال:
و قال غيره: الصعيد: وجه الأرض البارزُ قلَّ أو كثر. تقول: عليك الصعيدَ أي اجلس على وجه الأرض.
و قال جرير:
إذا تَيْم ثوتْ بصعيد أرض             بكت من خُبْث لؤمهم الصعيدُ
و قال في أخرى:
و الأطيبين من التراب صعيدا
سَلَمة عن الفرّاء، قال: الصعيد: التراب، و الصعيد: الأرض، و الصعيد: الطريق يكون واسعاً وضيّقاً، و الصعيد: الموضع العريض الواسع. و الصعيد: القبر.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً
 [المدَّثِّر: 17] قال الليث و غيره: الصَّعُود:
ضِدّ الهَبُوط، و هي بمنزلة العَقَبة الكَئُود، و جمعها الأصْعِدة. و يقال: لأُرهِقَنَّك صَعُوداً أي لأُجشِّمنَّك مشقة من الأمر.
و إنما اشتقوا ذلك لأن الارتفاع في صَعود أشقّ من الانحدار في هَبُوط. قال في قوله: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً
 يعني مشقَّة من العذاب. و يقال: بَل جبل في النار من جَمْرة واحدة يكلَّف الكافر ارتقاءه و يُضرب بالمَقَامع، فكلّما وضَعَ عليه رجله ذابت إلى أسفل وركه، ثم تعود مكانها صحيحةً.
قال: و منه اشتُقّ تصعَّدني ذلك الأمرُ أي شقَّ عليَّ. و قال أبو عُبَيد في قول عُمَر: ما تصعَّدتني خُطْبة، ما تصعَّدتني خُطْبة النكاح:
أي ما تكاءدتني و ما بَلَغت منّي و ما جَهَدتني. و أصله من الصَّعُود و هي العَقَبة

8
تهذيب اللغة2

صعد ص 7

الشاقَّة. و قال الليث: الصُّعُد شجر يذاب منه القار. و قال غيره: التصعيد: الإذابة، و منه قيل: خَلّ مُصَعَّد و شراب مصعَّد إذا عولج بالنار حتى يَحُول عمَّا هو عليه، لوناً و طعماً. أبو عبيد عن الأصمعيّ: إذا وَلَدت الناقة لغير تَمَام و لكنها خَدَجت لستة أشهر أو سبعة فعُطفت على ولدِ عامِ أوَّلَ فهي صَعُود. و قال الليث: الصَّعُود: الناقة يموت حُوارها فترجع إلى فَصِيلها فتدُرّ عليه، و قال: هو أطيب لِلبنها. و أنشد:
لها لبن الخليَّة و الصَّعُود
قلت: و القول ما قاله الأصمعيّ، سماع من العرب، و لا تكون صَعُوداً حتى تكون خادِجاً. أبو عبيد: الصَّعْدة: الأَلَّة، و هي نحو مِن الْحَرْبة أو أصغر منها. و قال النضر: الصَّعْدة: القَنَاة. و قال الليث: هي القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج إلى التثقيف، و كذلك من القَصَب، و جمعها الصِّعَاد. و أنشد:
صَعْدة نابتة في حائر             أينما الريحُ تُمَيِّلْها تمِلْ‏
و قال آخر:
خرير الريح في قَصَب الصِّعَاد
قال: و الصَّعْدة من النساء: المستقيمة كأنها صَعْدة قَناةٍ، و جَوَارٍ صَعْدات، خفيفة لأنه نعت. و ثلاث صَعَدات لِلقنا مثقَّلة لأنه اسم. و
قال ابن شُمَيل: رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه خرج على صَعْدة يتبعها حُذَاقِيّ.
قال: الصَّعْدة: الأتَان الطويلة، و الْحُذَاقِيّ: الْجَحش. و قال الأصمعيّ:
الصُّعَداء: هو التنفّس إلى فوق، ممدود.
و قولهم: صنع أو بلغ كذا و كذا فصاعداً أي فما فوق ذلك: و عُنُق صاعد أي طويل. و يقال: فلان يتبع صُعُداء معناه أنه يرفع رأسه و لا يطأطئه. و قال ابن شميل:
يقال للناقة: إنها لفي صعيدة بازلَيها أي قد دنت و لَمَّا تَبْزُل، و أنشد:
سَدِيس في صَعِيدة بازلَيها             عَبَنَّاة و لم تَسِق الْجَنِينا
زيادة من غير خطّ المصنِّف:
و الصُّعْدُد: الصُّعُود و هي المشَقَّة، قال:
أغشيتَهم عَوْصاء فيها صُعْدُد
أُردِف في آخره دال، كما أُردف في دُخلل الرجل أي دخيله و بِطانته. و الصَّعُوداء:
الثنِيَّة الصعبة. و قال ابن مقبل:
و حدَّثته أن السبيل ثنِيَّة             صعوداء يدعو كل كهل و أمردا
و في نفسه و صدره صَعْداء أي ما يتصاعده و يتكاءده، قال الهذليّ:
و إن سيادة الأقوام فاعلم             لها صَعْداء مَطْلَعُها طويل‏
و الصُّعَداء: الارتفاع. و مثاله من المصادر المُضَواء من المضيّ، و المُطَواء من التمطّي، و الثُّوبَاء من التثاؤب، و الغُلَواء من الغلوّ، قال ذو الرمّة:
قطعت بنهَّاض إلى صُعَدائه             إذا شمَّرت عن ساق خِمْس ذلاذلُه‏
و الصَّعْد: الجبل الطويل، قال:
و لقد سموتُ إليك من جبل             دون السماء صَمَحْمَح صَعْد

9
تهذيب اللغة2

صعد ص 7

و المَصْعَد: الْحَرّ المرتفع.
دعص:
الدِّعْص: الكَثِيب من الرمل المجتمِع. و جمعه دِعَصَة و أدعاص، و هو أقل من الحِقْف. أبو عُبَيد عن أبي زيد:
أدعصه الحَرُّ إدعاصاً إذا قتله، و أهرأه البَرْد إذا قتله. الليث: المندعِص: الشي‏ء الميّت إذا تفسَّخ، شُبّه بالدِّعْص لِوَرَمه.
قال: و واحدة الدِّعْص دِعْصَة. و في «نوادر الأعراب»: دَعَص برجله و دَحَص و محص و قَعَص إذا ارتكض. و يقال: أخَذْتُه مداعَصَة و مداغَصَة و مقاعصة و مرافصة و محايصة و متايَسة أي أخذته مُعَازَّة.
باب العين و الصاد مع التاء
 [ع ص ت‏]
استعمل من وجوهه: صعت، صتع.
صعت:
قال ابن شُمَيل: جَمَل صَعْت الرُّبَة إذا كان لطيف الجُفْرة. و أنشد ابن الأعرابيّ فيما روى أبو العباس عنه:
هل لكِ يا خَدْلة في صَعْت الرُبَهْ             مُعْرَنزِم هامتُه كالْجُبْجُبَهْ‏
قال: الرُّبَة: العُقْدة، و هي ههنا الكَوْسَلة و هي الحَشَفَة.
صتع:
أبو عمرو: الصَّتَع: حِمَار الوحش.
قال: و الصَّتَع: الشابّ القويّ. و أنشد:
يا بنت عَمْرو قد مُنحتِ وُدّي             و الْحَبْلَ ما لم تقطعي فمُدّي‏
و ما وِصال الصَّتَع القُمُدّ
و قال غيره: يقال للحمار الوحشيّ:
صُنْتُع. و قال الطرمَّاح:
صُنْتع الحاجبين خَرَّطه البَقْ             لُ بَدِيئاً قبل استكاك الرياضي‏
و هو فُنْعُل من الصَّتَع. و قال الليث: جاء فلان يَتَصتَّع علينا بلا زاد و لا نفقة و لا حَقّ واجب. و قال أبو زيد: جاء فلان يتصتَّع إلينا، و هو الذي يجي‏ء وحده لا شي‏ء معه. و في «نوادر الأعراب»: هذا بعير يتمسّح و يتصتّع إذا كان طُلُقاً. و يقال للإنسان مثلُ ذلك إذا رأيته عُرْياناً.
و أخبرني المنذريّ عن الطوسيّ عن الخرّاز عن ابن الأعرابيّ أنه أنشده:
و أَكَل الْخَمْسَ عيالٌ جُوّع             وَ تَلِيت واحدة تصَتَّعُ‏
قال: تَلِي فلان بعد قومه و غَدَر إذا بقي.
قال: و تصتّعها: تردُّدها. و روى غيره عنْه:
تصتَّع في الأمر إذا تلدَّد فيه لا يدري أين يتوجّه.
 (ع ص ظ)، (ع ص ذ)، (ع ص ث):
أهملت وجوهها.
باب العين و الصاد مع الراء
 [ع ص ر]
عصر، عرص، صعر، صرع، رصع، رعص: مستعملات.
عصر:
قال اللَّه جلّ و عَزّ: وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ
 [العصر: 1، 2] قال الفرّاء: و العصر: الدهر، أقسم اللَّه به.
و
روى مجاهد عن ابن عبّاس أنه قال:
العَصْر: ما يلي المغربَ من النهار. و قال قتادة: هي ساعة من ساعات النهار.
و قال أبو إسحاق: العصر: الدهر، و العصر:

10
تهذيب اللغة2

عصر ص 10

اليوم، و العصر: الليلة. و أنشد:
و لا يلبث العصران يوم و ليلة             إذَا طَلَبَا أنْ يُدْرِكا ما تيمَّما
و قال ابن السكيت في باب ما جاء مثنَّى:
الليل و النهار يقال لهما: العَصْران. قال:
و يقال: العَصْران: الغداة و العَشِيّ.
و أنشد:
و أمطُلُه العَصْرين حتى يَمَلَّني             و يرضى بنصف الدَّين و الأنف راغِمٌ‏
و قال الليث: العصر: الدهر، و يقال له:
العُصُر مثقَّل. قال: و العَصْران: الليل و النهار. و العَصْر العَشِيّ. و أنشد:
تَرَوَّحْ بنا يا عمرو قد قَصُر العصر
قال: و به سمّيت صلاة العصر. قال:
و الغداة و العَشِيّ يسمّيان العصرين.
و أخبرني المنذريّ عن أبي العباس قال:
صلاة الوسطى: صلاة العصر. و ذلك لأنها بين صلاتي النهار و صلاتي الليل.
قال: و العصر: الحَبْس، و سُمِّيت عَصْراً لأنها تعصَر أي تُحْبَس عن الأولى. قال:
و العَصْر: العطِيَّة. و أنشد:
يعصر فينا كالذي تعصر
أبو عبيد عن الكسائيّ: جاء فلان عَصْراً أي بطيئاً. و قال اللَّه جلّ و عزّ: فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ‏
 [يُوسُف: 49] قال أكثر المفسّرين: أي يَعْصِرون الأعناب و الزيت. و قال أبو عبيدة: هو من العَصَر- و هو المَنجاة- و العُصْرة و المُعْتَصَر و المُعَصَّر. و قال لبيد:
و ما كان وقّافاً بدار مُعَصّر
و قال أبو زُبَيد:
و لقد كان عُصْرة المنجود
أي كان مَلْجأ المكروب. و قال الليث:
قرى‏ء: (و فيه تُعْصَرون) بضمّ التاء أي تُمطَرون. قال: و من قرأ: (تَعْصِرون) فهو من عَصْر العِنب. قلت: ما علمت أحداً من القرّاء المشهَّرين قرأ: تُعصرون، و لا أدري من أين جاء به الليث. قال:
و يقال: عصرت العِنَب و عصَّرته إذا ولِيت عَصْره بنفسك، و اعتصرت إذا عُصِر لك خاصَّة. و الاعتصار: الالتجاء. و قال عَدِيّ بن زيد:
لو بغير الماء حَلْقي شَرِق             كنتُ كالغَصَّان بالماء اعتصاري‏
قال: و العُصَارة: ما تحلَّب من شي‏ء تَعْصِره. و أنشد:
فإن العذَاري قد خلطن لِلِمَّتى             عُصَارة حِنّاء معاً و صَبِيب
و قال الراجز:
عُصَارة الجُزء الذي تحلّبا
و يروى تجلّبا، من تجلّب الماشية بقية العُشْب وَ تلزّجته: أي أكلته، يعني: بقيَّة الرُطْب في أجواف حُمُر الوحش. قال:
و كل شي‏ء عُصر ماؤه فهو عَصِير. و أنشد قول الراجز:
و صار باقي الجُزْء من عصيره             إلى سَرَار الأرض أو قُعوره‏
يعني بالعصير الجزء و ما بقي من الرُّطْب في بطون الأرض و يبس ما سواه.
و قال اللَّه جلَّ و عزَّ: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِرات‏

11
تهذيب اللغة2

عصر ص 10

ماءً ثَجَّاجاً [النّبأ: 14]
روي عن ابن عباس أنه قال: المُعْصِرات: هي الرياح.
قال الأزهري: سمّيت الرياح مُعْصِرات إذا كانت ذواتِ أعاصِير، واحدها إعصار، من قول اللَّه جلّ و عزَّ: إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ
 [البقرة: 266]. و الإعصار: هي الريح التي تَهُبُّ من الأرض كالعَمُود الساطع نحو السماء، و هي التي يسمّيها بعض الناس الزّوْبَعة، و هي ريح شديدة، لا يقال لها إعصار حتى تَهُبّ كذلك بشدة. و منه قول العرب في أمثالها:
إن كنتَ ريحاً فقد لاقيتَ إعصارا
يضرب مَثَلًا للرجل يَلْقَى قِرْنه في النَجْدة و البَسَالة. و قال ابن الأعرابيّ يقال:
إعصار و عِصَار، و هو أن تَهيج الريحُ الترابَ فترفعه. و قال أبو زيد: الإعصار:
الريح التي تَسْطَع في السماء. و جمع الإعصار الأعاصير، و أنشد الأصمعيّ:
و بينما المرءُ في الأحياء مغتبِط             إذا هو الرَمْس تعفوه الأعاصير
و روي عن أبي العالية أنه قال في قوله:
مِنَ الْمُعْصِراتِ‏
: [النبأ: 17] إنها السحاب. قلت: و هذا أشبه بما أراد اللَّه جلَّ و عزَّ؛ لأن الأعاصير من الرياح ليست من رياح المطر، و قد ذكر اللَّه أنه يُنزل منها ماءً ثَجَّاجاً.
العصر: المطر، قال ذو الرمة:
و تَبْسِم لَمْع البرق عن متوضّح             كلون الأقاحي شاف ألوانَها العَصْرُ
و قولُ النابغة:
تَنَاذرها الراقُون من سُوء سمّها             تراسلهم عصراً و عصراً تراجع‏
عصراً أي مرّة. و العُصَارة: الغَلَّة. و منه يقرأ. و فيه تَعْصِرون [يوسف: 49] أي تستغلون. و عَصَر الزرع: صار في أكمامه.
و العَصْرة شجرة. و قال الفرّاء. السحابة المُعْصِر: التي تتحلّب بالمطر و لما تجتمع، مثل الجارية المعصر قد كادت تحيض و لما تحِضْ. و قال أبو إسحاق:
المعصِرات: السحائب، لأنها تُعْصِر الماء. و قيل مُعْصِرات كما يقال: أجزَّ الزرعُ إذا صار إلى أن يُجَزَّ، و كذلك صار السحاب إلى أن يمطر فيعصر. و قال البَعِيث في المعصرات فجعلها سحائب ذوات المطر فقال:
و ذي أُشُر كالأُقحوان تشوفُه             ذِهابُ الصَّبَا و المُعْصِرات الدوالحُ‏
و الدوالح من نعت السحاب لا من نعت الرياح، و هي التي أثقلها الماء فهي تَدْلَحُ أي تمشي مشي المُثْقَل، و الذِهاب الأمطار. و قال بعضهم: المعصِرات، الرياح. قال: و (مِنَ) في قوله: مِنَ الْمُعْصِراتِ‏
 [النبأ: 14] قامت مقام الباء الزائدة، كأنه قال: و أنزلنا بالمعصرات ماء ثَجَّاجاً. قلت: و القول هو الأول. و أمَّا ما قاله الفرّاء في المُعْصِر من الجواري: إنها التي دنت من الحيض و لمَّا تحِض فإن أهل اللغة خالفوه في تفسير المعصر، فقال أبو عُبَيد عن أصحابه: إذا أدركت الجاريةُ فهي مُعْصِر، و أنشد:
قد أعصرت أو قد دنا إعصارها

12
تهذيب اللغة2

عصر ص 10

قال: و قال الكسائي: هي التي قد راهقت العشرين. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: المعصِر ساعة تَطْمُث أي تحيض، لأنها تُحبس في البيت يجعل لها عَصَراً. قال: و كل حِصن يتحصَّن به فهو عَصَر. و قال غيره: قيل لها معصر لانعصار دم حيضها و نزول ماء تَريبتها للجماع، و روى أبو العبّاس عن عمرو بن عمرو عن أبيه يقال: أعصرت الجاريةُ و أشْهدت و توضَّأت إذا أدركت. و قال الليث: يقال للجارية إذا حرمت عليها الصلاة و رأت في نفسها زيادة الشباب: قد أعصَرت فهي مُعْصِر: بلغت عُصْرة شبابها و إدراكها. و يقال:
بلغت عَصْرها و عُصُورها. و أنشد:
و فنَّقها المراضع و العُصُور
و
روي عن الشعبيّ أنه قال: يَعْتِصر الوالدُ على ولده في ماله.
وَ
رَوى أبو قِلَابة عن عمر بن الخطاب أنه قضى أن الوالد يعتصر ولده فيما أعطاه، و ليس للولد أن يعتصر من والده، لفضل الوالد على الولد.
قال أبو عُبَيد: قوله: يعتصر يقول: له أن يحبسه عنه و يمنعه إيّاه. قال: و كل شي‏ء حَبَسته و منعته فقد اعتصرته و قال ابن أحمر:
و إنما العَيش بربّانه             و أنت من أفنانه معتصِر
قال: و عصرت الشي‏ء أعصِره من هذا.
و قال طَرَفة:
لو كان في أملاكنا أحَد             يعصر فينا كالذي تعصِرْ
و قال أبو عُبَيْد في موضع آخر: المعتصر الذي يصيب من الشي‏ء: يأخذ منه و يحبسه. قال: و منه قول اللَّه: فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ‏
 [يوسف: 49]. و قال أبو عُبَيدة في قوله:
يعصر فينا كالذي تَعْصِرْ
أي يتّخذ فينا الأيادي. و قال غيره: أي يعطينا كالذي تعطينا. و قال شمر: قال ابن الأعرابيّ في قوله: (يعتصر الرجل مال ولده) قال: يعتصر: يسترجع. و حكى في كلام له: قوم يعتصرون العطاء و يُعبِرون النساء، قال: يعتصرونه: يسترجعونه بثوابه. تقول: أخذت عصرته: أي ثوابه أو الشي‏ء نَفْسه. و قوله: يُعْبِرون النساء أي يختِنونهنّ. قال: و العاصر و العَصُور: هو الذي يَعتصر و يعصر من مال ولده شيئاً بغير إذنه. شمر عن العِتريفيّ قال:
الاعتصار: أن يأخذ الرجل مال ولده لنفسه، أو يبقّيه على ولده. قال: و لا يقال: اعتصر فلان مال فلان إلّا أن يكون قريباً له. قال: و يقال للغلام أيضاً:
اعتصر مال أبيه إذا أخذه قال: و يقال:
فلان عاصر إذا كان ممسِكاً. يقال: هو عاصرٌ قليل الخَير قال شمر و قال غيره:
الاعتصار على وجهين. يقال: اعتصرت من فلان شيئاً إذا أصبته منه. و الآخر أن تقول: أعطيت فلاناً عطيَّة فاعتصرتها أي رجعت فيها. و أنشد:
ندِمت على شي‏ء مضى فاعتصرته             و لِلنحْلة الأولى أعفُّ و أكرم‏
فهذا ارتجاع. قال: و أما الذي يمنع فإنما

13
تهذيب اللغة2

عصر ص 10

يقال له: قد تعصّر أي تعسّر، يجعل مكان السين صاداً. ثعلب عن ابن الأعرابيّ يقال:
ما عَصَرك و ثَبَرك و غَصنَك و شَجَرك أي ما منعك. و العصَّار: المَلِك المَلْجأ. و يقال:
ما بينهما عَصَر و لا يَصَر و لا أيصر و لا أعصر أي ما بينهما مودَّة و لا قرابة. و
روي في الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أمر بلالًا أن يؤذِّن قبل الفجر ليعتصر معتصرُهم‏
أراد الذي يريد أن يضرب الغائط. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده:
أدركت معتصري و أدركني             حلمي و يَسّر قائدي نعلي‏
قال ابن الأعرابي: معتصري: عُمُري و هَرَمي. و قال الليث: يقال هؤلاء موالينا عُصْرة أي دِنْية دون مَن سواهم. قلت:
و يقال: قُصْرة بهذا المعنى. قال:
و المِعْصَرة: التي يُعصر فيها العنب.
و المِعْصار: الذي يجعل فيه شي‏ء ثم يعصر حتى يتحلَّب ماؤه.
و كان أبو سعيد يروي بيت طَرَفة:
لو كان في أملاكنا أحد             يعصر فينا كالذي يُعصرْ
أي يصاب منه و أنكر تعصر. قال: و يقال:
أعطاهم شيئاً ثم اعتصره إذا رجع فيه.
و العِصَار الحِين، يقال: جاء فلان على عِصَار من الدهر أي حِين. و قال أبو زيد:
يقال: نام فلان و ما نام لعُصْر و ما نام عُصْراً، أي لم يكَدْ ينام. و جاء و لم يجى‏ء لعُصْر أي لم يجى‏ء حِين المجي‏ء. و قال ابن أحمر:
 يدعون جارهم و ذِمَّته             عَلَها و ما يدعون من عُصْر
أي يقولون: و اذِمَّة جارنا، و لا يَدْعون ذلك حين ينفعه. و قال الأصمعيّ: أراد:
من عُصُر فخفَّف، و هو الملجأ. و يقال:
فلان كريم العَصير أي كريم النسب. و قال الفرزدق:
تجرّد منها كلّ صهباء حُرَّة             لعَوْهجِ أو للداعريّ عصيرها
و العِصَار: الفُسَاء.
و قال الفرزدق أيضاً:
إذا تعشّى عَتيق التمر قام له             تحت الخَمِيل عِصار ذو أضاميم‏
و أصل العِصَار ما عصرتْ به الريح من التراب في الهواء. و المعصور: اللسان اليابس عطشاً. قال الطِرِمَّاح:
يَبُلّ بمعصور جَنَاحَيْ ضئيلةٍ             أفاويق منها هَلَّة و نُقُوع‏
في حديث أبي هريرة أن امرأة مرَّت متطيّبة لذيلها عَسرَة
، قال أبو عبيد: أراد: الغبار أنه ثار من سَحْبها، و هو الإعصار. قال:
و تكون العَصَرة من فَوْح الطيب و هَيْجه، فشبَّهه بما تثير الريح من الأعاصير. أنشده الأصمعيّ:
[و بينما المرءُ في الأحياء مغْتَبِط             إذا هو الرَّمسُ تعفوه الأعاصير]
 «1»
__________________________________________________
 (1) زيادة من «غريب الحديث».

14
تهذيب اللغة2

عصر ص 10

قال الدينوريّ: إذا تبيَّنت أكمام السُنْبل قيل: قد عَصَّر الزَرْعُ، مأخوذ من العَصَر و هو الحِرْز أي تحرَّز في غُلْفه. و أوعية السُنْبل أخْبِيته و لفائفه و أغْشيته و أكمته و قنابعه. و قد قنبعت السُنْبل. و هي ما دامت كذلك صمعاء ثم ينفقى‏ء).
عرص:
أبو عبيد عن الفرّاء: عرِص البيت أي خَبُثت رِيحته. قال: و قال الأصمعيّ: كل جَوْبة منفتِقة ليس فيها بناء فهي عرْصة.
قلت: و تُجمع عَرَصات و عِراصاً. و أنشد أبو عُبَيدةَ بيت المخبّل:
سيكفيك صرب القوم لَحمٌ معرّصٌ             و ماءُ قدور في القِصاع مشيبُ‏
فروى ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء أنه قال:
لحم معرَّص أي مقطَّع. و قال الليث:
اللحم المعرّص: الذي يُلْقى على الجَمْر فيختلِط بالرَّمَاد و لا يَجُود نُضْجُه. قال:
فإن غيَّبْته في الجمر فهو مملول، فإن شَوَيته فوق الجمر فهو مُفْأد. قلت: و قول الليث في المعرَّص أعجب إلي من قول الفرّاء. و قد روينا عن ابن السِكِّيت في المعرَّص نحواً مما قاله الليث. أبو عبيد عن الأصمعيّ: العَرّاص من البُرُوق:
الشديد الاضطراب. و قال الليث:
العَرّاص من السحاب: ما أظلّ من فوقُ، و لا يكون إلَّا إذا رَعَد و بَرَق. و أنشد لذي الرمة:
يَرْقَدُّ في ظِلّ عَرّاص و يطرده             حفيفُ نافجة عُثْنُونها حَصِبُ‏
أبو عُبَيد عن الفرّاء قال: العَرَص و الأرن:
النشاط، و قد عَرِصَ يعرَص. و الترصّع مثله. أبو عبيدة: رمح عَرّاص: إذا هُزّ اضطرب. و قال ابن حبيب: بعير معرَّص للذي ذَلَّ ظهرُه و لم يَذِلَّ رأسُه. قال:
و لَحْم معرَّص إذا لم يُنْعَم طَبْخه و لا إنضاجه. و قال الليث: العَرْص: خَشَبة توضع على البيت عَرْضاً إذا أرادوا تسقيفه، ثم يُلْقَى عليه أطرافُ الخُشُب القصار. و روى أبو عُبَيد عن الأصمعيّ هذا الحرف بالسين المعرَّس: الذي عُمِل له عَرْس، و هو الحائط يجعل بين حائطي البيت لا يَبلغ أقصاه، ثم يوضع الجائز من طَرَف العَرْس الداخل إلى أقصى البيت، و يُسَقّف البيت كله: فما كان بين الحائطين فهو السَهْوة، و ما كان تحت الجائز فهو المُخْدَع قلت: رواه أبو عُبيد بالسين، و رواه الليث بالصاد، و هما لغتان و يقال:
تركت الصبيان يلعبون و يعترصون و يَمْرَحُون. و سُمّيت ساحة الدار عَرْصة لاعتراص الصبيان فيها. ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العَرُوص: الناقة الطيّبة الرائحة إذا عَرِقتْ. و في «نوادر الأعراب»: تعرَّصْ يا فلان و تهجَّسْ و تَعرَّج أي أقِم و المِعراص: الهِلَال، لبُرُوقه. و قال:
و صاحب أبلج كالمعراص‏
رعص:
أبو عُبيد عن الأصمعيّ يقال للحيَّة إذا ضُربت فلوت ذَنَبها: قد ارتعصتْ، و أنشد للعجّاج:
إلا ارتعاصاً كارتعاص الْحَيَّهْ‏
و قال ابن دريد: ارتعص الجَدْي إذا طَفَر من نشاطه.

15
تهذيب اللغة2

رعص ص 15

و قال الليث: الرَّعْص بمنزلة النَفْض، تقول: ارتعصت الشجرة و قد رعصتها الريحُ و أرعصتها، لغتان. و الثور يطعُن الكلب فيحتمله و يَرْعُصُه رَعْصاً إذا هزّه و نفضه. و روى البخاريّ في «كتابه» لأبي زيد: ارتعص السُوق إذا غلا. و الذي رواه شمر لأبي عبيد لأبي زيد: ارتفص، بالفاء. قال شمر: و لا أدري ما ارتفص.
قلت: ارتفص السوق بالفاء إذا غلا صحيح، كأنه مأخوذ من الرُّفْصة و هي النوبة. و الذي رواه مؤلف «الحصائل» تصحيف و خطأ. و يقال: رَعَص عليه جلْدُه، يرعَص و ارتعص و اعترص إذا اختلج، و روى ابن مهديّ عن أبي الزاهريَّة عن ابن شجرة أن أبا ذَرّ خرج بفرس له فتمعّك ثم نهض ثم رَعَص فسكَّنه و قال:
اسكن فقد أجيبت دعوتك، قال القتيبيّ:
قوله: رعص يريد أنه لمَّا قام من مراغه انتفض و أُرْعِد. يقال: رعص و ارتعص.
رصع:
أبو عبيد عن الفرّاء: الترصُّع: النشاط مثل العَرَص. قال: و قال أبو عمرو:
الرَّصْعاء من النساء: الزَلَّاء. و قال الليث:
الرَّصَع مثل الرسَح، و هي رَصْعاء إذا لم تكن عجزاء. قال: و قال بعضهم: هي التي لا إسكتين لها. قال: و أمَّا الرَّصْع- بسكون الصاد- فشِدَّة الطعن، يقال:
رصعه بالرمح و أرصعه. و قال العجّاج:
وَخْضاً إلى النصف و طعناً أرصعا
و قال ابن شميل: الرصائع: سيور مضفورة في أسافل حمائل السيف، الواحدة رِصَاعة. و قال الليث: الرَّصيعة: العُقْدة التي في اللِّجَام عند المعذَّر حتى كأنه فَلْس. قال: و إذا أخذت سَيْرًا فعقدت فيه عُقَداً مثلَّثة فذلك الترصيع. و هو عَقْد التَميمة و ما أشبه ذلك. و قال الفرزدق:
و جئن بأولاد النصارى إليكُم             حَبَالَى و في أعناقهنَّ المراصع‏
أي الخَتْم في أعناقهنّ. و قال الليث:
الرَّصَع: فِراخ النَحْل. قلت: هذا خطأ؛ قال ابن الأعرابيّ: الرَضَع: فِراخ النَحْل بالضاد، رواه أبو العباس عنه، و هو الصواب، و قد مرّ في باب الضاد و العين.
و الذي قاله الليث بالصاد في هذا الباب تصحيف. أبو عُبيدة في كتاب «الخيل»:
الرصائع واحدتها رَصِيعة، و هي مَشَكّ محاني أطرافِ الضلوع من ظَهْر الفرس.
و فرس مرصَّع الثُّنَن إذا كانت ثُنَنُه بعضُها في بعض. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الرصيعة: البُرّ يُدَقّ بالفِهْر و يبَلّ و يُطبخ بشي‏ء من سَمْن. عمرو عن أبيه: الرَّصِيع: زِرّ عُرْوة المصحف، ثعلب عن ابن الأعرابيّ، الرَّصَّاع: الكثير الجِماع. قال: و الرِّصَاع: الجماع، و أصله في العصفور الكثير السفاد: و قد تراصعت العصافير.
قال أبو عبيد في باب لزوق الشي‏ء: رصِع فهو رَصِع مثل عَسِق و عَبِق و عَتِق و عَتِك.
صرع:
أبو عُبَيد: الصُّرُوع: الضروب في قول لَبِيد:
و خَصْم كنادي الجنّ أسقطت شأوهم             بمستحوِذٍ ذي مِرّة و صُروع‏
و قال غيره: صروع الحبْل: قُواه.

16
تهذيب اللغة2

صرع ص 16

و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: هما صِرْعان و ضِرْعان و حَتْنان، و هذا صِرْع هذا و ضِرْعه أي مِثله، و أنشد ابن الأعرابيّ:
مثل البُرَام غداً في أُصْدَة خَلَق             لم يَسْتَعِنْ و حوامي الموتِ تغشاه‏
فرَّجْت عنه بصَرْعَينا لأرملة             أو بائس جاء معناه كمعناه‏

قال يصف سائلًا شبَّهه بالبُرَام و هو القُرَاد:
لم يستعِن يقول: لم يحلق عانته، و حوامي الموت و حوائمه: أسبابه، و قول: بصرعينا أراد بهما إبلًا مختلِفة المشي تجي‏ء هذه و تذهب هذه لكثرتها، هكذا رواه بفتح الصاد و قال: الأسنان مرتصِعة إذا التصقت و تقاربت، و الرصَع: قرب ما بين المنكبين، رجل أرصع، و الرصَع:
التقارب و التضايق، و رَصِعت عيناه:
التزقتا. و رصِع فلان بفلان فهو راصع به أي لازم، و رَصَع فلان بمكان رصُوعاً و رصِع بإستْه الأرض رَصْعاً: ألْزقها بها و رصائع القوس: سُيورها التي تُحسَّن بها القوس، قال:
صفراء كالقوس لها رصائعُ             معطوفةٌ بالغَ فيها الصانع‏
و المراصيع: النحل أي صغار الولد و قال الأصمعيّ: فلان يأتينا الصِّرْعَين أي غُدوة و عشية. و قال ابن السكيت: الصَّرْعان:
الغَداة و العشيّ، و أنشد لذي الرمّة:
كأنني نازع يَثْنيه عن وطن             صَرْعان رائحةً عَقْل و تقييدُ
أراد عقلٌ عشيَّةً و تقييد غُدوة، فاكتفى بذكر أحدهما. و يقال للأمر: صَرْعان أي طرَفان. الليث و غيره: الصَّرْع: الطَّرْح بالأرض للإنسان، تقول: صرعه صَرْعاً، و المصارعة و الصِّراع: معالجتهما أيّهما يصرع صاحبه. و رجل صِرِّيع إذا كان ذلك صَنعته و حاله التي يُعرف بها. و رجل صَرَّاع إذا كان شديد الصراع و إن لم يكن معروفاً. رجل صَرُوع للأقران: أي كثير الصَّرْع لهم. و الصَّرَعة: هم القوم الذين يَصْرَعون من صارعوا. قلت: يقال: رجل صُرْعة و قوم صُرَعة و المِصراعان من الشِّعْر: ما كان له قافيتان في بيت واحد، و من الأبواب: ما له بابان منصوبان ينضمَّان جميعاً، مَدْخلهما بينهما في وسط المصراعين. و مصارع القَتْلَى: حيث قُتِلوا. و أمّا قول لَبيد:
منها مصارع غابة و قيامها
فإن المصارع جمع مصروع من القَصَب.
يقول: منها مصروع، و منها قائم، و القياس مصاريع. و بيت من الشِّعر مُصَرّع: له مصراعان. و كذلك باب مصرَّع. و في الحديث: «الصُّرَعة- بتحريك الراء- الرجل الحليم عند الغضب». و قال أبو مالك: يقال: إن فلاناً ليفعل ذاك على كل صِرْعة أي يفعل ذاك على كلّ حال. عمرو عن أبيه قال:
الصَّرِيع: المجنون، و الصَّرِيع: القضيب يَسقط من شجر البَشَام، و جمعه صِرْعان.
ثعلب عن ابن الأعرابي يقال: هذا صِرْعه و صَرْعه و ضِرعه و ضَرعه و طِبْعه و طَلعه‏

17
تهذيب اللغة2

صرع ص 16

و طِباعه و طبيعه و شَنّه و قِرْنه و قَرْنه و شِلوه و شُلَّته أي مِثله. و قال ابن السكيت:
يقال: طلبت من فلان حاجة فانصرفت و ما أدري على أي صِرْعَيْ أمرِهِ أنصرِف أي لم يبيّن لي أمره. و أنشد:
فرُحت و ما وَدَّعت ليلى و ما دَرَت             على أيّ صِرْعَيْ أمرِها أتروّح‏
و الصريع من القِداح: ما صُنع من الشجر ينبت على وجه الأرض، و قال ابن مقبل:
و أزجر فيها قبل نمّ صحائها             صريع القِدَاح و المَنِيح المخيَّرا
و إنما خيَّره لأنه فائز مبارك. و يقال:
الصريع: العُود يجِفّ في شجره، يتَّخذ منه قِدْح، و هو أجود ما يكون، قال:
صريع دَرِير مسّه مس بيضه             إذا سنحت أيدي المفيضِين يبرح‏
أي يُخرج فيدُرّ على صاحبه باللحم.
و الصَّرْعانِ: حَلْبتا الغداةِ و العشيّ؛ قال عنترة:
و منجوبٍ له منهن صَرْع             يميل إذا عدلْتَ به الشِوارا
المنجوب: السِّقاء المدبوغ بالنَّجَب.
و منهن يعني: من الإبل، أي لهذا السِّقاء من هذه الإبل صَرْع كلّ يوم، و الصرع الآخر لأولادها، و أخبر أن هذا الصرع يملأ السِّقَاء حتى يميل بكل ما يُعدَل به إذا حُمِل، و الشِّوار: متاع الراعي و غيره.
و قوله:
ألا ليت جَيْش العَيْر لاقى سَرِيَّة             ثلاثين منّا صَرْع ذاتِ الحقائل‏
صرع ذات الحقائل أي حِذَاء ذات الحقائل و ناحيتها، و هي وادٍ.
صعر:
قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ‏
 [لقمان: 18] و قرى‏ء: (و لا تُصَاعر). قال الفرّاء: و معناهما:
الإعراض من الكِبْر. و قال أبو إسحاق:
معناه: لا تُعْرِض عن الناس تكبّراً، و مجازه: لا تُلزِم خَدّك الصَّعَر. و قال الليث: الصَّعَر: مَيل في العُنق و انقلاب في الوجه إلى أحد الشِّقَّين، و التصعير:
إمالة الخَدّ عن النظر إلى الناس تهاوُناً و كِبْراً، كأنه مُعْرض. قال: و ربما كان الظليم و الإنسان أَصْعر خِلقَةً. قال: و
في الحديث: «يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر و أبتر»
، يعني: رُزالة الناس الذين لا دين لهم. قال: و الصعارير:
دَحَاريج الجُعَل، و قد صعْرَرْت صُعْرورة، و أنشد:
يَبْعَرن مثل الفُلْفُل المصعرَرِ
و يقال: ضربته فاصعَنْرر إذا استدار من الوَجَع مكانه و تقبّض. و ربما قالوا:
اصعَرَّر فأدغموا النون في الراء. و كل حَمْل شجرة يكون أمثال الفُلفل- نحو حَمل الأبْهل و أشباهه ممَّا فيه صلابة- فإنها تسمَّى الصعارير و أنشد:
إذا أَوْرق العبسيّ جاع بَناتُه             و لم يجدوا إلا الصعارير مَطْعَما
ثعلب عن ابن الأعرابي: الصعارير: صَمْغ جامد يشبه الأصابع. قال: و الصعارير:
الأباخس الطوال، و هي الأصابع. و قال أبو حاتم: الصعارير: اللبَنُ المصمَّغ في‏

18
تهذيب اللغة2

صعر ص 18

اللِبأ قبل الإفصاح. و قال غيره:
الاصعرار: السيْرُ الشديد، يقال اصعرَّت الإبل اصعراراً، و قَرَب مُصْعَرّ. و أنشد أبو عمرو:
و قد قَرَبن قَرَباً مُصْعَرّا             إذا الهِدَان حار و اسبكرَّا
و قال أبو عُبَيد: الصَّيْعرية: سِمَة في عُنُق البعير. و الصَّيْعريَّة أيضاً: اعتراض في السَّيْر. و يقال للصمغة المستديرة:
صُعْرورة.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الصَّعَر و الصَّعَل: صِغر الرأس، و الصَّعَر: التكبّر، و الصعَر: أكْل الصعارير و هو الصَّمْغ.
و قال: اصعرَّت الإبل و اصعنفرت و تمشْمَشَتْ و امذقرَّت إذا تفرَّقت.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الصعارير: صمغ جامد يشبه الأصابع. قال: و الصَّعارير:
الأباخس الطوال و هي الأصابع واحدها أبخس. و الأصعر: المعرض بوجهه كبْراً.
و
في الحديث: «كل صعَّار ملعون»
أي كل ذي كِبْر و أبَّهة. يقال: أصاب البعيرَ صَعَر و صَيَد أي أصابه داء يلوي عنقه. و يقال للمتكبّر: فيه صَعَر و صَيَد.
باب العين و الصاد مع اللام‏
ع ص ل‏
عصل، علص، صلع، صعل، لعص:
مستعملات.
لعص:
أهمل الليث لعص و قال ابن دريد:
اللَّعَص: العَسَر، يقال تَلَعَّص فلان علينا أي تعسَّر. قال: و اللعِصُ: النهِمُ في الأكل و الشرب، و قد لعِص لَعَصاً. و لا أحفظ ما قاله أبو بكر لغيره.
عصل:
أبو عبيد عن أبي عمرو: الأعصال:
الأمعاء، واحدها عَصَل، و قاله الليث و غيره. و العَصَل في الناب: اعوجاجه.
و قال:
على شناحٍ نابُهُ لم يَعْصَلِ‏
و قال صخر:
أبا المثلَّم أقصر قبل باهظة             تأتيك مني ضروسٍ نابها عَصِل‏
و قال أوس:
رأيت لها ناباً من الشر أعصلا
و قال الليث: الأعصل من الرجال: الذي عُصِبَتْ ساقه فاعوجَّت. و شجرة عَصِلة و هي العوجاء التي لا يُقدر على إقامتها لصلابتها. و سهم أعصل: معوجّ المَتْن، و جمعه عُصْل، و قال لبيد:
فرميت القوم رِشْقاً صائباً             لسن بالعُصْل و لا بالمفتعل‏
و العَصَلة: شجرة إذا أكل البعير منها سَلَّحته. و الجميع: العصل. و قال حسَّان:
تَخْرُج الأضْياحُ من أستاههم             كسُلاح النِيبِ يأكلن العَصَلْ‏
و الأضياح: الألبان الممذوقة. أبو عمرو:
عصَّل الرجلُ تعصيلًا، و هو البُطْء في الأمر. أبو عبيدة: فرس أعصل: ملتوي العَسِيب حتى يبرز بعضُ باطنه الذي لا شعرَ عليه. و العَصِل: الرمْل الملتوي المعوجّ. و رجل أعصل: يابس البدن، و جمعه عُصْل. و قال الراجز:

19
تهذيب اللغة2

عصل ص 19

و رُبَّ خيرٍ في الرجال العُصْلِ‏
و يقال للسهم الذي يلتوي إذا رُمي به:
مُعَصِّل. و العَصَل: الالتواء في كل شي‏ء.
عمرو عن أبيه: يقال: هو المِحْجَن و الصَوْلجان و المِعْصِيل و المِعْصال، و الصاع و الميجار و الصولجان. و المعْقف ثعلب عن ابن الأعرابي، قال: المِعْصَل:
المتشدّد على غَرِيمه، و العاصل: السهم الصُّلْب و العَصْلاء: المرأة اليابسة، قال:
ليست بعصلاء تَذْمِي الكلبَ نكهَتُها             و لا بِعَنْدلة يَصْطَكُّ ثَدْياها
و العَصْلَى: الموضع الذي ينبت فيه العَصَل أي القُلَّام. قال العبَّاس بن مِرْداس:
عفا مُنْهَل من أهله فمُتالِع             فَعصلَى أرِيكٍ قد خلت فالمصانع‏
منهل: ماء ببلاد بني سُلَيم.
أبو عمرو: عصَّل الرجل تعصيلًا إذا أبطأ.
و أنشد:
 يَألِبُها حُمْرانُ أيَّ ألْب             و عَصَّل العَمْريُّ عَصْلَ الكلْب‏
و الألْب: السوق الشديد. يقال: ألَب الإبلَ يألِبُها إذا طردها. و العاصل: السهم الصُّلْب.
علص:
أبو عبيد عن أبي عمرو: العِلَّوْص و العِلَّوْز جميعاً: الوَجَع الذي يقال له:
اللَّوَى و نحو ذلك قال الليث قال:
و العِلَّوص من التُخمة و البَشَم، و هو اللَّوَى الذي يَيْبَس في المعدة. يقال: علَّصت التُخمَةُ في مَعِدته تعليصاً، و إن به لعِلَّوصاً، و إنه لعِلَّوْص مُتَّخِم. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العِلَّوص: الوَجَع، و العِلَّوْز: الموت الوَحِيّ. و العِلّوض بالضاد: ابن آوى. قال: و يكون العِلَّوز اللَّوَى. و يقال: رجل عِلَّوص دأبه اللَّوَى.
صلع:
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الصُّلَّعة:
الصخرة الملساء، حكاه عن أبي المكارم.
و
في حديث لقمان بن عاد:
 و إلّا أر مطمعي فوَقّاع بصُلَّعِ‏
قال أبو عبيد: قال بعضهم: سألت ابن مَنَاذر صاحب العربية الشاعر عن الصُّلَّع فقال: الحَجَر، قال: و سألت الأصمعيّ عنه فقال: هو الموضع الذي لا يُنْبِت من الأرض، و أصله من مَصلَع الرأس. و يقال للأرض التي لا تُنبت: صَلْعاء. و قال شَمِر- فيما ألَّف بخطه-: الصَّلعاء:
الداهية الشديدة، يقال: لقِي من الصَّلْعاء.
و أنشد للكميت:
فلمّا أحلّوني بصلْعَاء صَيْلَم             لإحدى زُبَى ذي اللبدتين أبي الشِبْل‏
أراد: الأسد.
و
في الحديث: «يكون كذا و كذا ثم تكون جبَرُوَّةٌ صلْعاء»
. قال: و الصلعاء ههنا:
البارزة كالجبَل الأصلع البارز الأملس البرَّاق. قال: و انصلعت الشمس و تصلَّعت إذا خرجت من الغَيْم. و قال أبو ذؤيب:
فيه سنان كالمنارة أصلع‏
أي برّاق أملس. و قال آخر:
يلوح بها المذلَّق مِذْرَبَاه             خروج النجم من صَلَع الغِيام‏
و قال الليث: الصُلَّاع: الصُفَّاح و هو

20
تهذيب اللغة2

صلع ص 20

العريض من الصخر، و الواحدة صُلَّاعة.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: صَلَّع الرجل إذا أعذر و هو التصليع. و قال الليث:
التصليع: السُلَاح. قال: و اللأُصيلع من الحيّات: العريض العُنُق كأن رأسه بُنْدقة مُدحرَجة. و اللأُصيلع: الذكر يكنى عنه.
و الصلَع: ذهاب شعر الرأس من مقدَّمه إلى مؤخَّره، و كذلك إن ذهب وسطه.
تقول: صَلِع صَلَعاً. و الصلَعة: موضع الصلَعِ من الرأس، و كذلك النزَعة و الكَشَفة و الجَلَحة، جاءت مثقَّلات كلها. و العُرْفُطة إذا سقطت رؤوسُ أغصانها و أكلتها الإبل قيل: قد صَلعت صَلَعاً. و قال الشمَّاخ يصف الإبل:
إن تُمس في عُرْفُط صُلْعٍ جماجمُهُ             من الأسالق عاري الشوك مجرود
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الصَّوْلَع: السِنَان المجلوّ. و
في الحديث: أن معاوية قدِم المدينة فدخل على عائشة، فذكرت له شيئاً فقال: إن ذلك لا يصلح، قالت:
الذي لا يصلح ادّعاؤك زياداً، قال:
فقال: شهِدت الشهودُ. فقالت: شهدت الشهود و لكن ركِبَتِ الصُّلَيْعاءَ.
معنى قولها: ركبت الصليعاء أي شهدوا بزُور قال المعتمر، قال أبي: الصليعاء: الفخِر.
و الصلعاء في كلام العرب: الداهية و الأمر الشديد. و قال مزرِّد أخو الشماخ:
تأوُّهَ شيخ قاعد و عجوزِه             حريَّين بالصلعاء أو بالأساود
قال أبو زيد: يقال: تصلَّعت السماءُ تصلُّعاً إذا انقطع غيمها و انجردت.
و السماء جرداء إذا لم يكن فيها غَيْم.
و صِلَاع الشمس: حرّها. و يوم أصلع:
شديد الحرّ، قال:
يا قِردة خشيت على أظفارها             حَرَّ الظَهِيرة تحت يوم أصلع‏
و الصلعاء: الأرض الخالية، قال:
ترى الضيف بالصلعاء تَغْسِق عينه             من الجوع حتى يُحْسَب الضيف أرمدا
و الصَّلِيع: الأملس. و قال عمرو بن معد يكرب:
و سَوْقُ كتيبة دَلَفت لأخرى             كأنّ زُهاءها رأس صَليع‏
يعني: رأساً أصلع أملس.
و
في حديث عمر في صفة التَّمْر قال:
و تُحترش به الضِباب من الصلعاء
، يريد الصحراء التي لا تنبت شيئاً، مثل الرأس الأصلع، و هي الحصَّاء مثل الرأس الأحصّ.
صعل:
في حديث أم مَعْبَد في صفة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:
 «لم تُزْرِ به صَعْلة»
قال أبو عبيد: الصَّعْلة:
صِغَر الرأس، يقال: رجل صَعْل الرأس إذا كان صغير الرأس. و لذلك يقال للظَّلِيم: صَعْل لأنه صغير الرأس. قال الليث: رجل صَعْل إذا صغُر رأسُه. و قد يقال رجل أصعل و امرأة صعلاء. و
في حديث عليّ رضي اللَّه عنه: «استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحول بينكم و بينه من الحبشة أصعلُ أصمع»
. قال أبو عبيد:
قال الأصمعيّ: قوله: أصعل هكذا يُروى، فأما كلام العرب فهو صَعْل بغير

21
تهذيب اللغة2

صعل ص 21

ألف و هو الصغير الرأس، و لذلك يقال للظليم: صَعْل.
قال الليث: و أما قول العَجّاج:
و دَقَلٌ أجرد شَوْذَبيٌّ             صَعْل من الساج و رُبَّانيُ‏
فإنه أراد بالصَّعْل ههنا الطويل. أبو عمرو: الصَّعْلة من النخل: فيها اعوجاج، و أنشد:
ما لم تكن صعلة صعباً مراقيها
ثعلب عن ابن الأعرابي: الصاعل: النعام الخفيف.
قال شمر: الصَّعْل من الرجال: الصغير الرأس الطويل العُنق الدقيقُهما. قال:
و تكون الصَّعْلة الخِفَّة في البدن و الدقَّة و النحول. قال الشاعر يصف عَيْراً:
نفى عنها المصيف و صار صَعْلا
يقول: خفَّ جسمُه و ضمُر.
و قال آخر:
جارية لاقت غلاماً عَزَبا             أزلَّ صَعْلَ النَسَوين أرقبا
قال أبو نصر: الأصعل: الصغير الرأس.
و قال غيره: الصعَل: الدقّة في العُنق و البدن كله. و يقال للنخلة إذا دقَّت:
صَعْلة.
باب العين و الصاد مع النون‏
 [ع ص ن‏]
عصن، عنص، صنع، صعن، نصع، نعص: مستعملات.
عصن:
أهمله الليث. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: أعصن الرجل إذا شدَّد على غريمه و تمكَّكَه و روى عمرو عن أبيه قال: أعْصن الرمل إذا اعوَجَّ و عسُر.
عنص:
لم أجد فيه غير عَنَاصِي الشَّعَر.
و العُنْصُوة الخُصْلَة من الشَّعَر، و قال الشاعر:
إن يُمْس رأسي أشمط العناصِي             كأنما فرَّقه مُنَاصي‏
قال الليث: العُنْصُوة على تقدير فُعْلُوة.
قال: و ما لم يكن ثانيه نوناً فإن العرب لا تضم صدره مثل تُنْدُوة.
فأما عَرْقُوة و تَرْقُوة و قَرْنُوة فمفتوحات.
عمرو عن أبيه: أعنص إذا بقيتْ على رأسه عَنَاصٍ من ضفائره، و هي بقايا، واحدها عُنْصُوة. و قال أبو زيد:
العَنَاصِي: الشَّعَر المنتصِب قائماً في تفرُّق.
صعن:
أهمله الليث. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: أصْعَن الرجل إذا صغُر رأسُه. أبو عبيد: الصِّعْوَنُّ: الظليم الدقيق العُنُق الصغير الرأس، و الأنثى: صِعْوَنَّة.
و قال غيره: الاصعنان: الدِقَّة و اللطافة، و منه يقال: أُذُنٌ مُصَعَنَّة: مؤلَّلة، قال عديّ:
و أُذْنٌ مُصَعَّنَةٌ كالقَلَمْ‏
عمرو عن أبيه: أصْعَن إذا صغر رأسه و نقَصَ عقلُه.
نعص:
قال ابن المظفّر: أمَّا نعص فليس بعربيَّة إلّا ما جاء أسَد بن ناعصة المشبِّب بخنساء في شعره، و كان صَعْب الشعر

22
تهذيب اللغة2

نعص ص 22

جدّاً، و قلَّما يُرْوَى شِعره لصعوبته. قلت:
و قرأت في «نوادر الأعراب»: فلان من نُصْرتي و ناصرتي و نائصتي و ناعِصتي و هي ناصرته. و النواعص: اسم موضع. و قال ابن دريد: النَّعْص: التمايل، و به سمِّي ناعِصة. قلت: و لم يصح لي من باب (نعص) شي‏ء أعتمِده من جهة من يُرجَع إلى علمه و روايته عن العرب.
نصع:
أبو عُبَيد عن الفرّاء: أنْصَعتِ الناقة للفحل إنصاعاً إذا قَرَّتْ له عند الضِرَاب.
و قال غيره: أنصع لِلْحقّ إنصاعاً إذا أقَرَّ بِه. و قال الليث: يقال للرجل إذا تصدَّى للشرّ: قد أنصع له إنصاعاً. و قال شمر:
النِّصْعُ الثوب الأبيض. و أنشد لرؤبة يصف ثوراً:
كأن تحتي ناشطاً مُوَلَّعا             بالشأم حتى خلته مبرقَعا
 بَنِيقة من مَرْحَلِيّ أسْفَعا             كأن نِصْعاً فوقه مقطَّعا
مخالط التقليص إذ تَدَرَّعا

قال شمر: قال ابن الأعرابيّ: يقول: كأن عليه نِصْعاً مقلَّصاً عنه، يقول: تخال أنه أُلْبِس ثوباً أبيض مقلَّصاً عنه لم يبلغ كُروعَه التي ليست على لونه. ابن السكيت عن ابن الأعرابيّ: أبيض ناصع. قال:
و الناصع في كل لون خَلَص و وَضَح. قال الأصمعيّ: و أكثر ما يقال في البياض أبو عبيد: أبيض ناصع و يَقَق. و قال أبو عبيدة: أصفر ناصع الليث: النَّصِيع:
البحر و أنشد:
أدْلَيت دَلْوِي في النَّصِيع الزاخر
قلت: قوله: النَّصِيع: البحر غير معروف، و أراد بالنصيع: ماء بئر ناصع الماء ليس بكَدِر؛ لأن ماء البحر لا يُدْلَى فيه الدَلْو.
يقال: ماء ناصع و ماصع و نصِيع إذا كان صافياً. و المعروف في البحر البَضِيع، بالباء و الضاد: و قد مرّ في بابه و روى أبو عُبَيد عن أبي عمرو: الماصع: البَرّاق، بالميم، و يقال: المتغيّر، قال: و منه قول ابن مقبِل:
فأفرغت من ماصع لونُه             على قُلُص ينتهِبن السِّجَالا
و قال شمر: ماصع يريد به: ناصع، فصيَّر النون ميماً. قال: و قد قال ذو الرمَّة:
ماصع فجعله ماء قليلًا. أخبرني بذلك كله الإيَاديّ عن شمر، و قال أبو سعيد:
المَنَاصِع: المواضع التي يُتَخلى فيها لبول أو حاجة، و الواحد مَنْصَع. قلت:
قرأت في حديث الإفْك: «و كان متبرّز النساء بالمدينة قبل أن سُوّيت الكُنُف في الدور المناصع»
. و أُرى أن المناصع موضع بعينه خارج المدينة، و كن النساءُ يتبرّزْن إليه بالليل على مذاهب العرب في الجاهليَّة.
و قال المؤرّج- فيما روى له أبو تراب-:
النِّصَع و النِّطَع لواحد الأنطاع، و هو ما يتَّخذ من الأدَم. و أنشد لحاجز ابن الجعيد الأزديّ:
فننحرها و نخلطها بأخرى             كأن سَرَاتها نِصَع دَهين‏
قال: و يقال: نِصْع بسكون الصاد. و قال شمر: قال الأصمعيّ: كل ثوب خالط البياض و الصفرة و الحمرة فهو نِصْع. و قال‏

23
تهذيب اللغة2

نصع ص 23

أبو عُبَيدة في الشيات: أصفر ناصع، قال:
هو الأصفر السَرَاةِ تعلو متنَه جُدَّة غَبْساء.
و قال أبو تراب: قال الأصمعيّ: يقال:
شرِب حتى نَصَع و حتى نَقَع، و ذلك إذا شَفَى غليله. قال أبو نصر: المعروف:
بضع.
صنع:
قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ
 [الشُّعَرَاء: 129] المصانع في قول بعض المفسّرين: الأبنية.
و قال بعضهم: هي أحباس تُتَّخذ للماء، واحدها مَصْنَعة و مَصْنَع. قلت: و سمعت العرب تسمّي أحباس الماء: الأصناع و الصُّنُوع، واحدها صِنْع. و روى أبو عبيد عن أبي عمرو قال: الحِبْس مثل المَصْنَعة، قال: و الزَّلَف: المصانع.
قلت: و هي مَسَّاكاتٌ لِماء السماء يحتفرها الناس فيملؤها ماءُ السماء يشربونها.
و يقال للقصور أيضاً مصانع. و قال لبيد:
بَلِينا و ما تَبْلى النجوم الطوالعُ             و تَبْلى الديارُ بعدنا و المَصَانِع‏
و قول اللَّه جل و عزَّ: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ
 [النَّمل: 88] قال أبو إسحاق:
القراءة بالنصب، و يجوز الرفع. فمن نصب فعلى المصدر، لأن قوله: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النَّمل: 88] دليل على الصنعة، كأنه قال:
صَنَع اللَّه ذلك صُنْعاً. و من قرأ: (صُنْعُ اللَّه) فعلى معنى: ذلك صنع الله. و قول اللَّه: وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَيْنِي‏
 [طه: 39] معناه: و لتربَّى بمرأًى منّي. يقال: صَنَع فلان جاريته إذا رباها، و صَنَع فرسه إذا قام بعلفه و تسمينه. و قال الليث: صنع فرسَه، بالتخفيف، و صنَّع جاريته بالتشديد؛ لأن تصنيع الجارية لا يكون إلا بأشياء كثيرة و عِلَاج. قلت: و غير الليث يجيز صَنَع جاريته بالتخفيف، و منه قوله:
وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَيْنِي‏
. و فلان صَنِيع فلان إذا ربَّاه و أدَّبه و خرَّجه، و يجوز: صنيعته. و قال الأصمعيّ: العرب تسمّي القُرَى مصانع، واحدتها مَصْنعة. و قال ابن مُقْبل:
أصواتُ نسوان أنباطٍ بمَصْنَعة             بَجَّدْن للنَّوْح واجتَبْن التَبَا بينا
و المَصْنعة: الدَّعْوة يتّخذها الرجل و يدعو إخوانه إليها. و قال الراعي:
و مصنعةٍ هُنَيدَ أعنْتُ فيها
قال الأصمعي: يعني مَدْعاة. و فرس مُصَانِع، و هو الذي لا يعطيك جميع ما عنده من السير، له صون يصونه فهو يصانعك ببذله سَيْرَه. و يقال: صانعت فلاناً أي رافقته. و صانعت الوالي إذا راشيته، و صانعته إذا داهنته. و قال الليث:
التصنُّع: تكلّف حُسْن السَّمْت و إظهاره و التزيُّن به و الباطن مدخول. و قال:
الصُنَّاع: الذين يعملون بأيديهم، و الحِرْفة الصِّنَاعة، و الواحد صانع. و قال ابن السكيت: امرأة صَنَاع إذا كانت رقيقة اليدين تسوِّي الأساقي و تَخْرُز الدلاء و تَفْريها. و رجل صَنَع. و قال أبو ذؤيب:
و عليهما مَسرودَتان قضاهما             داود أو صَنَع السوابغ تُبَّعُ‏
و قال ابن الأنباريّ في «الزاهر»: امرأة صَنَاع إذا كانت حاذقة بالعمل، و رجل‏

24
تهذيب اللغة2

صنع ص 24

صَنَع. إذا أُفردت فهي مفتوحة متحرّكة.
قال: و يقال: رجل صِنْع اليدين، مكسور الصاد إذا أضيفت. و أنشد:
صِنْعُ اليدين بحيثُ يكوى الأصْيَدُ
و أنشد غيره:
أنبل عَدْوانَ كُلِّها صَنَعا
و الصَّنِيعة: ما أعطيته و أسديته من معروف أو يد إلى إنسان تصنعه به، و جمعها صنائع، قال الشاعر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة             حتى يصابَ بها طريقُ المَصْنَع‏
و قول اللَّه عزّ و جلّ وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي‏
 [طه: 41] أي ربَّيتك لخاصَّة أمري الذي أردته في فرعون و جنوده. و
حدّثنا الحسين عن أبي بكر بن أبي شَيْبة عن يحيى بن سعيد القطَّان عن محمد بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا توقدوا بليل ناراً»؛ ثم قال: «أوقدوا و اصطنعوا فإنه لن يدرك قوم بعدكم مُدَّكم و لا صاعَكم»
. قوله:
اصطنعوا أي اتّخذوا طعاماً تنفقونه في سبيل اللَّه.
عمرو عن أبيه: الصَنِيع: الثوب الجيّد النقيّ. و قال ابن الأعرابي: أصْنع الرجلُ إذا أعان آخر. قال: و كل ما صُنِع فيه فهو صِنْع مثل السُّفْرة. و يكون الصِنْع الشِّوَاء.
و قال الليث: الصَّنَّاعة: خشبة تُتّخذ في الماء ليحبس بها الماء و تُمسكه حيناً.
و
رُوِي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «إذا لم تَسْتَح فاصنع ما شئت» رواه جَرِير بن عبد الحميد عن منصور عن رِبْعيّ بن حِرَاش عن أبي مسعود الأنصاريّ عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم‏
. قال أبو عبيد: قال جرير: معناه: أن يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعَه حياءً من الناس، كأنه يخاف مذهب الريَاء. يقول: فلا يمنعْك الحياءُ من المضيّ لِمَا أردت. قال أبو عبيد: و الذي ذهب إليه جرير معنى صحيح في مذهبه، و لكن الحديث لا يدلّ سياقه و لا لفظه على هذا التفسير. قال أبو عبيد:
و وجهه عندي أنه أراد بقوله: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» إنما هو: من لم يستح صَنَع ما شاء، على جهة الذمّ لترك الحياء، و لم يرد بقوله: فاصنع ما شئت أن يأمره بذلك أمراً، و لكنّه أمْر معناه الخبر؛
كقوله عليه السّلام: «من كذب عليّ متعمِّداً فليتبوّأ مَقْعَده من النار»
، ليس وجهه أنه أمره بذلك، إنما معناه: مَن كذب عليّ تبوَّأ مقعده من النار. و الذي يراد من الحديث أنه حَثَّ على الحياء و أمرَ به و عاب تركه.
و قال إبراهيم بن عَرَفة: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول في قوله: إذا لم تستح فاصنع ما شئت قال: هذا على الوعيد، فاصنع ما شئت فإن اللَّه يجازيك. و أنشد:
إذا لم تخش عاقبة الليالي             و لم تستَحْيِ فاصنع ما تشاء
و هو كقول اللَّه تعالى: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29].
الأصناع: الأسواق، جمع صِنْع. و قال ابن مقبل يصف فرساً:
بتُرْس أعجم لم تُنْجَر مسامره             مما تَخَيَّرُ في أصناعها الروم‏
لم تُنجز مسامره أي لم تشدّ فيه المسامير.

25
تهذيب اللغة2

صنع ص 24

و الصِنْع: السَفُّود، قال مَرّار يصف إبلًا:
و جاءت و ركبانها كالشُروب             و سائقها مثل صِنْع الشواء
أي هذه الإبل و ركبانها يتمايلون من النُّعَاس، و سائقها- يعني نفسه- اسودّ من السَّمُوم. و يقال: فلان صَنِيع فلان و صنيعته إذا ربّاه و أدّبه حتى خرّجه.
باب العين و الصاد مع الفاء
 [ع ص ف‏]
عصف، عفص، صفع، صعف، فصع:
مستعملات.
عصف:
قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ‏
 [الرَّحمن: 12] و قال في موضع آخر: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏
 [الفيل:
5] قال الفرّاء: العَصْف- فيما ذكروا-:
بَقْل الزَرْع؛ لأن العرب تقول: خرجنا نَعْصِف الزرع إذا قطعوا منه شيئاً قبل إدراكه، فذلك العَصْف. قال: و قال بعضهم: ذُو الْعَصْفِ‏
 يريد المأكول من الحَبّ، وَ الرَّيْحانُ: الصحيح الذي يؤكل.
و قال أبو إسحاق: العَصْف: وَرَق الزرع.
و يقال للتبْن: عَصْف و عَصِيفة. و قال النضْر: العَصْف: القَصِيل. قال: و عصفْنا الزرعَ نعصِفه أي جززنا ورقه الذي يميل في أسفله ليكون أخفّ للزرع، و إن لم يُفعل مال بالزرع. و ذكر اللَّه جلّ و عزّ في أوّل هذه السورة ما دلَّ على وحدانيَّته من خَلْقه الإنسان و تعليمه البيان، و من خَلْق الشمس و القمر و السماء و الأرض و ما أَنبت فيها من رِزقِ مَن خلق فيها من إنسيّ و بهيمة، تبارك اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. و أمَّا قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏
 [الفيل: 5] فله معنيان: أحدهما أنه أراد:
أنه جعل أصحاب الفيل كورق أُخِذ ما كان فيه من الحَبّ و بقي هو لا حبّ فيه.
و الآخر أنه أراد: أنه جعلهم كعصف قد أكله البهائم. و قال الليث: العَصْف: ما على حبّ الحِنْطة و نحوها من قُشور التبْن.
قال: و العَصْف أيضاً: ما على ساق الزرع من الورق الذي يبِس فتفتَّت، كل ذلك من العصف. قال:
و قوله: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏
 ذُكر عن سعيد بن جُبَير أنه قال:
هو الهَبُّور، و هو الشعير النابت بالنَبَطيَّة.
و عن الحسن: كزرع قد أُكل حَبّه و بقي تِبْنُه.
و
أخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال في قوله تعالى: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏
: إنه يقال: إن فلاناً يعتصف إذا طلب الرزق‏
، و العصف: الرزق، و العَصْف و العَصِيفة:
ورق السُنْبُل. و قول اللَّه جلّ و عزّ:
فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً
 [المُرسَلات: 2] قال المفسّرون: هي الرياح. و قال الفرّاء في قوله: أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ‏
 [إبراهيم: 18] قال: فجعل العُصُوف تابعاً لليوم في إعرابه و إنما العُصُوف للرياح. و ذلك جائز على جهتين: إحداهما أن العُصُوف و إن كان للريح فإن اليوم قد يوصَف به؛ لأن الريح تكون فيه، فجاز أن تقول: يوم عاصف؛ كما يقال: يوم بارد و يوم حارّ و البرد و الحرّ فيهما. و الوجه الآخر أن تريد: في يوم عاصِف الريحِ، فتحذف الريح لأنها قد ذُكِرت في أول الكلمة، كما قال:

26
تهذيب اللغة2

عصف ص 26

إذا جاء يومٌ مظلم الشمس كاسفُ‏
يريد: كاسف الشمس فحذفه لأنه قدَّم ذكره. و أخبرني المنذريّ عن الحرَّاني عن ابن السكيت قال: يقال: عَصَفت الريحُ و أعصفت فهي ريح عاصف و مُعْصفة إذا اشتدَّت. و قال الليث: و جمع العاصف عواصف. قال: و المُعْصِفات: الرياح التي تُثير التراب و الورق و عَصْفَ الزرع. قال:
و العُصافة: ما سقط من السُنْبل، مثل التبن و نحوه. أبو عبيد عن أبي عبيدة قال:
الإعصاف: الإهلاك، و أنشد للأعشى:
في فيلق شهباء ملمومة             تُعْصِف بالدارع و الحاسر
أي تُهلكهما. و قال الليث: تُعصف بهما أي تَذهب بهما. قال: و النعامة العَصُوف:
السريعة: و العَصْف: السرعة، و أنشد:
و من كل مِسْحاج إذا ابتلَّ لِيتُها             تحلَّب منها ثائب متعصّف
يعني العَرَق. أبو عُبَيد عن أبي عمرو قال:
العَصُوف: السريعة من الإبل. و قال اللحيانيّ: أعصفت الناقةُ إذا أسرعت، فهي مُعْصِفة. و قال النضر: إعصاف الإبل: استدارتها حول البئر حرصاً على الماء و هي تطحن التراب حوله و تثيره.
و قال المفضّل: إذا رمى الرجل غَرَضاً فصاب نَبْلُه قيل له: إن سهمك لعاصف.
قال: و كل ماء عاصف. و قال كثيّر:
فمرّت بليل و هي شدفاء عاصف             بمنخرَق الدوَداة مَرَّ الخَفَيْدَدِ
و قال اللحياني: هو يَعْصِف و يعتصف و يصرف و يصطرف، أي يكسِب و يطلب و يحتال. و قال ابن الأعرابي، فيما رَوَى عنه أبو العباس: العَصْفانِ: التِبْنانِ، قال:
و العُصُوف: الأتبان و العَصْف: السنْبُل، و جمعه عُصوف. و العُصُوف: الرياح.
و العُصُوف: الكَدّ. و العصوف الخُمُور.
عفص:
قال الليث: العَفْص: حَمْل شجرة البَلُّوط، يحمل سَنَة بَلُّوطاً و سنة عَفْصاً.
و
جاء حديث اللُّقَطة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «احفظ عِفَاصَها و وِكاءها»
قال أبو عبيد: العِفَاص: هو الوِعاء الذي تكون فيه النفَقة إن كان من جلد أو خرقة أو غير ذلك، و لهذا سمّي الجلد الذي يُلْبَسَهُ رأس القارورة العِفَاص، لأنه كالوعاء لها.
و ليس هذا بالصِّمَام الذي يُدخَل في فم القارورة فيكون سِدَاداً لها. قال: و إنما أمره بحفظه ليكون علامة لصدق مَن يعترفها. و قال الليث: العِفَاص: صمَام القارورة، ثم قال: و عِفَاص الراعي:
و عاؤه الذي تكون فيه النفقة. قلت:
و القول ما قاله أبو عبيد في العفاص: أنه الوعاء أو الجلدة التي تُلْبَس رأسَ القارورة حتى تكون كالوعاء لها. و يقال: عَفَصْت القارورة عَفْصاً إذا جعلت العِفَاص على رأسها. فإن أردت أنك جعلت لها عِفَاصاً قلتَ: أعفصتها. و ثوب مُعَفَّص: مصبوغ بالعفْص، كما قالوا: ثوب ممسّك بالمِسْك. و يقال: هذا طعام عَفِص إذا كانت فيه بشاعة و مرارة. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: المِعفاص من الجواري:
الزَّبَعْبَق النهايةُ في سُوء الخُلُق. قال:

27
تهذيب اللغة2

عفص ص 27

و المعقاص- بالقاف- شرّ منها. العفْص:
العَصْر و الهَصْر. و عَفَصَت الدابّة: ثَنَت عُنقها. ما زلت أطالِبه بحقّي حتى عفص به و اعتفصته منه أي أخذته منه. و عَفَصها:
جامعها.
صعف:
أهمله الليث. و قال أبو عبيد:
أخبرني محمد بن كثير أن لأهل اليمن شراباً يقال له: الصعْف، و هو أن يُشْدَخ العِنَب، ثم يُلْقى في الأوعية حتى يَغْلِي.
قال: و جُهَّالهم لا يرونه خمراً لمكان اسمها. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي: أنه قال: الصعْفَانُ: المولَع بشراب الصفع و هو العَصير.
فصع:
أبو العباس عن أبي الأعرابي: فصَّع الرجل يفصّع تفصيعاً إذا خرج منه ريح منتِن و فَسْوة. و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «أنه نهى عن فَصْع الرُطَبة»
، قال أبو عبيد:
فَصْعها: أن يخرجها من قشرها، يقال:
فصعها فَصْعاً، و أنا أفْصَعُها. و قال الليث:
فصْعها: أن تأخذها بإصبعك فتَعْصِرها حتى تتقشّر. قال: و الفَصْعاء: الفأرة.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الفَصْعَانُ:
المكشوف الرأس أبداً حرارة و التهاباً.
و قال غيره: الفُصْعة: غُلْفة الصبيّ إذا كشفها عن ثُومة ذكره قبل أن يُختن، و قد فصعها الصبيّ إذا نحّاها عن الحَشَفَة.
و روى ابن الفرج عن حَتْرَش الأعرابي قال: فصَّع كذا من كذا و فصّله منه بمعنى واحد إذا أخرجه منه. افتصعت حقّي منه أي أخذته بقهر فلم أترك منه شيئاً.
صفع:
الصَفْع: أن يَبْسُط الرجل كفّه فيضرب بها قفا الإنسانِ أو بدنَه، فإذا جمع كفّه و قبضها ثم ضرب بها فليس بصَفْع، و لكن يقال: ضربه بجُمْع كفّه. و قال ابن دريد:
الصَوْفَعة: هي أعلى الكُمَّة و العِمامةِ.
يقال: ضربه على صَوْفَعته إذا ضربه هنالك. قال: و الصَفْع أصله من الصَوْفَعة، و الصوفعة معروفة.
قال الأزهري: السَفْع: اللطح باليد، فإذا بسط الضارب يده فضرب بها القفا، فهو الصفع بالصاد.
باب العين و الصاد مع الباء
 [ع ص ب‏]
عصب، صبع، صعب، بصع، بعص:
مستعملة.
عصب:
قال اللَّه جل و عز: هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ‏
 [هُود: 77] أخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن سَلَمة عن الفرّاء قال: يَوْمٌ عَصِيبٌ‏
، و يوم عَصَبصَب أي شديد. قال:
و عَصَب فوه يَعْصِب عَصْباً إذا ذَبّ و يبِس رِيقه، و فوه عاصب.
و أخبرني الحَرّانيّ عن ابن السكيتِ يقال:
عصَب الريقُ بفيه يعصِب عَصْبَاً إذا يبِس.
و قال: عَصَب فاه الريق.
و قال ابن أحمر:
... حتى يعصِب الريقُ بالفم‏
و قال الراجز:
يعصب فاه الرِيقُ أي عَصْب             عَصْب الجُبَاب بشفاه الوطْب‏
الجُبَاب: شِبْه الزُبْد في ألبان الإبل.
و
روى بعض المحدِّثين «أن جبريل جاء

28
تهذيب اللغة2

عصب ص 28

يوم بدر على فرس أنثى و قد عصم بثنّيتيه الغبارُ»
، فإن لم يكن غلطاً من المحدِّث فهي لغة في عَصَب، و الباء و الميم يتعاقبان في حروف كثيرة، لقرب مخرجيهما، يقال ضَرْبَةُ لازبٍ و لازم، و سبّد رأسه و سمَّده.
و أخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: رجل معصَّب أي فقير قد عصَّبه الجهد، و هو من قوله جل و عز:
يَوْمٌ عَصِيبٌ‏
 [هُود: 77].
و قال بعضهم: يَوْمٌ عَصِيبٌ‏
 أي شديد مأخوذ من قولك: عَصَبَ القومَ أمرٌ يعصِبهم عَصْباً إذا ضمَّهم و اشتد عليهم.
و قال ابن أحمر:
يا قومِ ما قومي على نأيهم             إذ عَصَب الناس شَمَال و قرّ
و قوله: ما قومي على نأيهم تعجّب من كرمهم، و قال: نِعم القوم هم في المجاعة إذ عصب الناس شَمال أي أطاف بهم و شملِهم بَرْدَها. و يقال للرجل الجائع يشتدّ عليه سَخْفة الجُوع فيعصِّب بطنه بحجر:
مُعَصَّب. و منه قوله:
ففي هذا فنحن لُيُوث حرب             و في هذا غيوث مُعَصَّبينَا
و قال الأصمعيّ: العَصْب: غَيْم أحمر يكون في الأفُق الغربيّ يظهر في سِنِي الجَدْب. و قال الفرزدق:
إذا العَصْب أمسى في السماء كأنه             سَدَى أُرْجوان و استقلَّت عَبُورها
أبو عُبيد عن أبي عُبَيدة: المعصَّب: الذي عصَّبته السِنُون أي أكلت ماله. و قال اللَّه جل و عز: وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏
 [يوسف: 8]. قال أبو عبيد: قال أبو زيد: العُصْبة من العَشَرة إلى الأربعين.
و قال الأخفش: العُصْبة و العِصابة: جماعة ليس لها واحد. و
ذكر ابن المظفّر في كتابه حديثاً: إنه يكون في آخر الزمان رجل يقال له: أمير العُصَب‏
، فوجدت تصديقه في حديث‏
حدّثنا به محمد بن إسحاق عن الرماديّ عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عُقْبة بن أوس عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أنه قال: وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه.
عمر الفاروق قَرْن من حديد أصبتم اسمه.
عثمان ذو النورين كِفلَيْن من الرحمة لأنه يُقتل مظلوماً، أصبتم اسمه. قال: ثم يكون مَلِك الأرض المقدَّسة و ابنه. قال عُقبة: قلت لعبد اللَّه سمّهما. قال: معاوية و ابنه. ثم يكون سفَّاح، ثم يكون منصور، ثم يكون جابر، ثم مهديّ، ثم يكون الأمين، ثم يكون سين و سلام يعني صلاحاً و عافية، ثم يكون أمير العُصَب، ستة منهم من ولد كعب بن لؤيّ و رجل من قحطان كلهم صالح لا يُرَى مثله. قال أيوب: فكان ابن سيرين إذا حَدَّث بهذا الحديث قال: يكون على الناس ملوك بأعمالهم.
قلت: و هذا حديث عجيب و إسناده صحيح و اللَّه أعلم بالغيوب.
و العَصْب من برود اليمن، معروف. و قال الليث: سمّي عَصْباً لأن غَزْله يُعصَب، ثم يُصبغ ثم يحاك، و ليس من برود الرقْم.

29
تهذيب اللغة2

عصب ص 28

و لا يجمع، يقال: بُرْد عَصْب و برود عَصْب لأنه مضاف إلى الفعل. و ربما اكتفَوا بأن يقال: عليه العَصْب لأن البُرْد عُرِف بذلك الاسم. أبو عبيد عن أبي عمرو: العصَّاب: الغزّال. و قال رؤبة:
طيّ القَسَاميّ بُرودَ العَصَّاب‏
قال: و القَسَاميّ: الذي يَطْوي الثياب في أول طَيّها حتى تُكسّر على طيّها. قلت:
و قول أبي عمرو يحقّق ما قاله الليث من عَصْب الغَزْل و صَبْغه. و
روي عن الحجّاج بن يوسف أنه خطب الناس بالكوفة فقال: لأَعْصِبَنَّكم عَصْب السَّلَمة.
قلت: و السَّلَمة شجرة من الغَضَى ذات شوك، و ورقها القَرَظ الذي يُدبغ به الأَدَم، و يعسُر خَرْط ورقها لكثرة شوكها. و يَعْصِب الخابط أغصانها بحَبْل ثم يَهْصِرها إليه و يخبِطها بعصاه فيتناثر ورقها للماشية و لمن أراد جمعه. و عَصْبُها: جمع أغصانها بحبل تُمدّ به و تُشَدّ شدّاً شديداً.
و أصل العَصْب اللَيّ، و منه عَصْب التَيْس و هو أن يُشدّ خُصْياه شدّاً شديداً حتى تَنْدُرَا من غير أن تنتزعا نزعاً، أو تُسَلّا سلًّا. يقال: عَصبْتُ التيس أعصِبه فهو معصوب. قال ذلك أبو زيد فيما رَوى عنه أبو عبيد. و من أمثال العرب: فلان لا تُعْصَب سَلَماته يضرب مثلًا للرجل العزيز الشديد الذي لا يُقهر و لا يُستذَلّ. و منه قول الشاعر:
و لا سَلَماتي في بَجِيلة تُعْصَبُ‏
أبو عبيد عن الأصمعيّ: العَصُوب: التي لا تَدِرّ حتى يُعْصَب فخذاها بحبل، و ذلك الحبل يقال له: العِصَاب. و قد عصبها الحالب عَصْباً و عِصَاباً. و قال الشاعر:
فإن صَعُبَتْ عليكم فاعصِبوها             عِصَاباً تَستدرّ به شديدا
و قال أبو زيد: العَصُوب: الناقة التي لا تَدِرّ حتى يُعْصَب أداني مَنْخِرَيها بخَيط ثم تُثَوَّر و لا تُحلّ حتى تُحلب. و أما عَصَبة الرجل فهم أولياؤه الذُكور من ورثته، سُمُّوا عَصَبة لأنهم عَصَبوا بنسبه أي استكَفُّوا به، فالأب طَرَف و الابن طَرَف و العَمّ جانب و الأخ جانب، و العرب تسمّي قرابات الرجل أطرافه، و لمّا أحاطت به هذه القرابات و عَصَبتْ بنسبه سُمّوا عَصَبة. و كل شي‏ء استدار بشي‏ء فقد عَصَب به. و العمائم يقال لها: العصائب، واحدتها عِصَابة، من هذا. و أمَّا العَصَبة فلم أسمع لهم بواحد. و القياس أن يكون عاصباً؛ مثل طالب و طَلَبة و ظالم و ظلَمة.
و يقال أيضاً: عَصَبت الإبلُ بِعَطَنها إذا استكفَّت به؛ قال أبو النجم:
إذ عَصَبت بالعَطَن المغربَل‏
يعني المدقَّق ترابُه. و يقال: عَصَب الرجلُ بيتَه أي أقام في بيته لا يبرحه، لازماً له.
و يقال: عَصَب القَيْن صَدْع الزجاجة بضبَّة من فضَّة إذا لأمها بها محيطة به. و الضبَّة عِصَابة للصَّدْع. و العَصَبيَّة: أن يدعو الرجل إلى نُصْرة عَصَبته و التألُّب معهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين. و قد تعصَّبوا عليهم إذا تجمّعوا.
و اعصوصب القومُ إذا اجتمعوا. فإذا تجمّعوا على فريق آخرين قيل: تعصَّبوا.

30
تهذيب اللغة2

عصب ص 28

قرأت بخطّ شمر أن الزبير بن العوّام لمّا أقبل نحو البصرة سئل عن وجهه فقال:
عَلِقتهم إني خلِقتُ عُصْبَهْ             قَتَادةً تعلَّقت بنُشبَهْ‏
قال شمر: و بلغني أن بعض العرب قال:
غلبتهم إني خُلِقتُ نُشْبَهْ             قتادة ملوِيَّة بعُصْبَهْ‏
قال: و العُصْبة نبات يتلوّى على الشجر، و هو اللَّبْلاب. و النُشْبة من الرجال: الذي إذا عبِث بشي‏ء لم يكد يفارقه. و أنشد لكثيّر:
باديَ الربع و المعارف منها             غير رَبْع كعُصْبة الأغيال‏
و روى غيره عن ابن الأعرابي عن أبي الجرّاح أنه قال: العُصْبة: هَنَة تُلَفّ على القَتَادة لا تُنزع عنها إلّا بعد جَهد، و أنشد:
تلبَّس حُبُّها بدمي و لحمي             تلبُّسَ عُصْبة بفروع ضَالِ‏
و يقال للرجل إذا كان شديد أسْرِ الخَلْق غير مسترخِي اللحم: إنه لمعصوب ما حُفْضِج. و قال ابن السكيت: العَصَب عَصَب الإنسان و الدابَّة، قال: و حكى لي الكلابيّ: ذاك رجل من عَصَب القوم أي من خيارهم، و نحوَ ذلك قال ابن الأعرابي. و قال أبو العباس عنه:
العَصُوب المرأة الرسحاء، و روى أبو نصر عن الأصمعي و الأثرمُ عن أبي عبيدة أنهما قالا: هي العَصُوب و الرسحاء و المَسْحاء و الرصعاء و المصواء و المزلاق و المزلاج و المِنْداص. و قال الليث: العَصَب:
أطناب المفاصل التي تلائم بينها و تشدُّها و ليس بالعَقَب. و لحم عَصِب: صُلْب شديد. و يقال للرجل الذي سوّده قومه:
قد عصَّبوه فهو معصَّب؛ و قد تعصّب.
و منه قول المخبَّل في الزبْرِقان:
رأيتك هربَّتِ العِمَامة بعدما             أراك زماناً حاسراً لما تُعَصَّبِ‏
و هذا مأخوذ من العِصَابة و هي العِمَامة و كانت التيجان للملوك، و العمائم الحمر للسادة من العرب. و رجل معصَّب و معمَّم: أي مسوَّد. و قال عمرو بن كُلْثوم:
و سيد معشر قد عصَّبوه             بتاج المُلْك يَحْمى المُحْجَرينا
فجعل الملِك معصَّباً أيضاً لأن التاج أحاط برأسه كالعِصابة التي عَصَبت برأس لابسها. و العِصابة تقع على الجماعة من الناس و الطير و الخيل. و منه قول النابغة:
عصائب طير تهتدي بعصائب‏
و يقال: اعتصب التاجُ على رأسه إذا استكَفَّ به. و منه قول قيس ذي الرُّقيات:
يعتصب التاجُ فوق مَفْرِقه             على جبين كأنه الذهب‏
و كلّ ما عُصِب به كَسْر أو قرح من خرقة أو خَبِيبة فهو عِصاب له. و يقال لأمعاء الشاء إذا طُوِيت و جمعت ثم جُعلت في حَوِيَّة من حوايا بطنها: عُصُب واحِدُها عَصِيب.
و العصائب: الرياح التي تعصب الشجر

31
تهذيب اللغة2

عصب ص 28

فتدرج فيه؛ قال الأخطل:
مطاعيم تعذُو بالعَبِيط جِفانُهم             إذا القُرّ ألوت بالعِصَاه عصائبُهُ‏
و عَصِبت الفِصالُ الإبلَ: تقدَّمتها.
و المعصوب: الكتاب المطويّ. و قال:
أتاني عن أبي هَرِم وعيد             و معصوبٌ تخُبّ به الرِّكابُ‏
صعب:
يقال: عَقَبة صَعْبة إذا كانت شاقَّة.
و جَمَل مُصْعَب إذا لم يكن منوَّقاً و كان محرَّم الظهر، و جمال مصاعب و مصاعيب. و يقال: أصعَبْتُ الأمر إذا ألفيته صَعْباً. و منه قول الشاعر:
لا يُصْعِب الأمر إلا رَيْث يَرْكبه             و لا تَعَرّبُ إلّا حوله العَرَبُ‏
و يقال: صَعُب الأمر يَصْعُب صُعُوبة فهو صَعْب. و يقال: أخذ فلان بَكْراً من الإبل ليقتضبه فاستصعب عليه استصعاباً. و قد استصعبته أنا إذا وجدته صَعْباً. و قال ابن السكيت: المصعَب: الفَحْل الذي يودَّع من الركوب و العمل، للفِحْلة. قال:
و المصعَب: الذي لم يمسسه حَبْل و لم يُركب. قال: و القَرْم: الفحل الذي يُقْرم أي يودَّع و يُعفى من الركوب، و هو المُقْرَم و القريع و الفَنِيق. و صَعْب من أسماء الرجال. و جمع الصَّعْب صِعَاب.
صبع:
أبو عبيد عن أبي عبيدة: صَبَعت بالرجل و صبعت عليه أصْبَع صَبْعاً إذا اغتبْتَه. و صبعت فلاناً على فلان: دللته.
و صبعت الإناء إذا كان فيه شراب فقابلتَ بين إصبعيك ثم أرسلت ما فيه في شي‏ء آخر. قلت: و صَبْع الإناء أن يُرسل الشراب الذي فيه من طَرَفي الإبهامين أو السبَّابتين لئلا ينتشر فيندفق. قلت: و هذا كله مأخوذ من الإصبع؛ لأن الإنسان إذا اغتاب إنساناً أشار إليه بالإصبع. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي: رجل مصبوع إذا كان متكبّراً. قال: و الصَّبْع:
الكِبْر التامّ. و الإصبع: واحدة الأصابع.
و فيها ثلاث لغات حكاها أبو عبيد عن الكسائيّ قال: هي الإصْبَع وَ الإصْبِع و الأُصْبُع. و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه دمِيتْ إصبعُه في حفر الخندق فقال:
هل أنت إلا إصبِع دَمِيتِ             و في سبيل اللَّه ما لقِيتِ‏
و إن ذكَّر مذكِّر الإصبع جاز له؛ لأنه ليس فيها علامة التأنيث. و الإصبع: الأثر الحسَن. يقال: فلان من اللَّه عليه إصبع حَسَنة. و إنما قيل للأثَر الحسن: إصبع لإشارة الناس إليه بالإصبع. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال: إنه لحسن الإصبع في ماله، و حَسَن المَسّ في مالِه أي حسن الأثر. و أنشد:
أوردها راع مَرِي‏ء الإصبع             لم تنتشر عنه و لم تَصَدّعِ‏
و فلان مُغِلّ الإصبع إذا كان خائناً. و قال الشاعر:
حدّثتَ نفسك بالوفاء و لم تكن             للغدر خائنةً مُغِلّ الإصبع‏
و قيل: إصبع: اسم جبل بعينه.
بعص:
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ:

32
تهذيب اللغة2

بعص ص 32

البَعْص: نحافة البدن و دِقَّته. قال: أصله دُودة يقال لها: البُعْصُوصة. قال: و سَبٌّ للجواري: يا بُعْصُوصة كُفّي، و يا وجه الكُبَع: سمك بحري وَحِشُ المَرآة. و قال الليث: البُعصوصة: دوَيْبَّة صغيرة لها بريق من بياضها. و يقال للصبيَّة يا بُعصوصة لصغر جُثَّتها و ضعفها. أبو عبيد عن الأصمعيّ يقال للحيَّة إذا ضُرِبت فلوَتْ ذَنَبها: هي تَبعْصَصُ أي تتلوَّى. و قال ابن الأعرابي أيضاً: يقال للجُويرية الضاويَّة:
البُعصوصة و العِنْفِص و البطيّطة الحطِّيطة.
بصع:
أبو العباس عن ابن الأعرابي: البَصْع:
الجَمْع. و منه قولهم في التأكيد: جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون إنما هو شي‏ء يَجمع الأجزاء. قال: و قال الفرّاء:
يقولون: أجمعون أكتعون أبصعون، و لا يقولون: أبصعون حتى يتقدّمه أكتعون.
و سمعت المنذريّ يقول: سمعت أبا الهيثم يقول: الكلمة توَكَّد بثلاثة تواكيد.
يقولون: جاء القوم أكتعون أبثعون أبصعون بالصاد؛ كما قال ابن الأعرابي و الفرّاء. و قال: أبثعون بالثاء و الصواب:
أبتعون بالتاء، و ظننت أن المنذريّ لم يضبِطه عن أبي الهيثم ضبطاً حسناً. و قال ابن هانى‏ء و غيره من النحويين: أخذته أجمع أبتع و أجمع أبصع بالتاء و الصاد.
و قال الليث: البَصْع: الخَرْق الضيِّق الذي لا يكاد يَنفُذ فيه الماء. تقول: بَصُع يبصُع بَصَاعة. قال: و يقال: تبصّع العَرَق من الجَسَد إذا نبع من أصول الشَّعَر قليلًا قليلًا. قلت: و رَوَى ابن دريد بيت أبي ذؤيب:
إلّا الحَمِيم فإنه يتبصّع‏
بالصاد أي يسيل قليلًا قليلًا. قلت:
و رَوَى الثقات هذا الحرف: يتبضّع الشي‏ء- بالضاد- إذا سال، هكذا أقرأنيه الإياديّ عن شمر لأبي عُبيد، و هكذا رواه الرواة في شعر أبي ذؤيب، و ابن دُريد أخذ هذا من «كتاب ابن المظفّر» فمرّ على التصحيف الذي صحَّفه.
باب العين و الصاد مع الميم‏
 [ع ص م‏]
عصم، عمص، معص، مصع، صمع:
مستعملة.
عصم:
قال اللَّه جل و عز: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ‏
 [هود: 43] قال الفرّاء: (مِنَ) في موضع نصب، لأن المعصوم خلاف العاصم و المرحوم معصوم، فكان نصبه بمنزلة قوله: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النساء: 157].
قال الفرَّاء: و لو جعلت عاصماً في تأويل معصوم أي لا معصوم اليوم من أمر اللَّه جاز رفع (مِنَ). قال: و لا تنكرنّ أن يخرج المفعول على الفاعل، ألا ترى إلى قوله جلّ و عزَّ: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق: 6] معناه- و اللَّه أعلم-:
مدفوق. و أخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال: قال الأخفش في قوله:
لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ‏
 [هود: 43] يجوز أن يكون: لا ذا عاصمةٍ أي لا معصوم، و يكون إِلَّا مَنْ رَحِم‏

33
تهذيب اللغة2

عصم ص 33

رفعاً بدلًا من لا عاصِمَ‏
. قال أبو العباس: و هذا خَلْف من الكلام، لا يكون الفاعل في تأويل المفعول إلا شاذّاً في كلامهم، و المرحوم معصوم و الأول عاصم. و (مِنَ) نَصْب باستثناء المنقطع.
و هذا الذي قاله الأخفش يجوز في الشذوذ الذي لا ينقاس. و قال الزجَّاج في قوله تعالى: قالَ سَآوِي إِلى‏ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ
 [هود: 43] أي يمنعني من الماء. و المعنى: من تغريق الماء. قال:
 (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)
 هذا استثناء ليس من الأول و موضع (مِنَ) نَصْب، المعنى: لكن من رحم اللَّهُ فإنه معصوم. قال: و قالوا: يجوز أن يكون عاصم في معنى معصوم، و يكون معنى لا عاصِمَ‏
: لا ذا عصمة، و تكون (مِنَ) في موضع رفع، و يكون المعنى: لا معصوم إلا المرحوم. قلت: و الحُذَّاق من النحويين اتّفقوا على أن قوله: لا عاصِمَ‏
 بمعنى لا مانع، و أنه فاعل لا مفعول، و أن (مَنْ) نصب على الانقطاع.
و العِصْمة في كلام العرب: المَنْع.
و عِصْمة اللَّه عبدَه: أن يعصمه ممَّا يُوبِقه.
و اعتصم فلان باللَّه إذا امتنع به. و استعصم إذا امتنع و أبى، قال اللَّه تعالى حكاية عن امرأة العزيز في أمر يوسف حين راودته عن نفسه: فَاسْتَعْصَمَ‏
 [يوسف: 32] أي تأبّى عليها و لم يجبها إلى ما طَلَبت.
قلت: و العرب تقول: أعصمت بمعنى اعتصمت.
و منه قول أوْس بن حَجَر:
فأشرط فيها نفسه و هو مُعْصِم             و ألقى بأسبابٍ له و توكّلا
أي و هو معتصم بالحبل الذي دَلّاه. و يقال للراكب إذا تقحَّم به بَعيرٌ صَعْب فامتسَك بواسط رَحْله أو بقَرَبوس سَرْجه لئلا يُصرَع: قد أعْصَم فهو مُعْصِم. و قال الراجز:
أقول و الناقةُ بي تَقَحَّمُ             و أنا منها مُكْلئزّ مُعْصِم‏
و روى أبو عُبيد عن أبي عمرو: أعصم الرجل بصاحبه إعصاماً إذا لزِمه، و كذلك أخلد به إخلاداً.
و قال ابن المظفر: أعصم إذا لجأ إلى الشي‏ء و أعصم به. و قول اللَّه: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ‏
 [آل عمران: 103] أي تمسَّكوا بعهد اللَّه. و كذلك قوله: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ‏
 [آل عمران: 101] أي من يتمسَّك بحبله و عهده. و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه ذكر النساء المختالات المتبرِّجات فقال:
 «لا يدخل الجنَّة منهن إلّا مِثْلُ الغراب الأعصم»
. قال أبو عبيد: الغراب الأعصم: هو الأبيض اليدين. و منه قيل للوُعُول: عُصْم، و الأنثى منهنّ عَصْماء و الذكر أعصم، لبياض في أيديها. قال:
و هذا الوصف في الغربان عزيز لا يكاد يوجد، و إنما أرجلها حُمْر. قال: و أمَّا هذا الأبيض الظهرِ و البطن فهو الأبقع، و ذلك كثير، قال: فيرى أن معنى الحديث: أن من يدخل الجنَّة من النساء قليل كقِلَّة الغِربان العُصْم عند الغِربان السُود و البُقْع. قلت: و قد ذكر ابن قتيبة

34
تهذيب اللغة2

عصم ص 33

هذا الحديث فيما رَدَّ على أبي عُبَيد، و قال: اضطرب قولُ أبي عبيد، لأنه زعم أن الأعصم هو الأبيض اليدين، ثم قال:
و هذا الوصف في الغِربان عزيز لا يكاد يوجد و إنما أرجلها حمر، فذكر مرّة اليدين و مرّة الأرجل. قلت: و قد جاء الحرف مفسَّراً في خبر أظنّ إسناده صالحاً،
حدّثنَا محمد بن إسحاق قال: حدثنا الرماديّ حدَّثنا الأسود ابن عامر حدّثنا حمَّاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطْمِيّ عن عُمَارة بن خُزيمة قال: بينا نحن مع عمرو بن العاص فعدل و عدلنا معه حتى دخلنا شِعْباً، فإذا نحن بِغربان و فيها غراب أعصم أحمر المنقار و الرجلين، فقال عمرو: قال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا يدخل الجنَّة من النساء إلَّا قَدْرُ هذا الغراب في هؤلاء الغربان‏
قلت فقد بان في هذا الحديث أن معنى‏
قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «إلّا مثل الغراب الأعصم»
أنه أراد الأحمر الرجلين لقلّته في الغربان، لأن أكثر الغربان السُود و البُقْع. و رُوي عن ابن شميل أنه قال:
الغراب الأعصم: الأبيض الجناحين.
و الصواب ما جاء في الحديث المفسَّر.
و العرب تجعل البياض حمرة فيقولون للمرأة البيضاء اللون: حمراء، و لذلك قيل للأعاجم: حُمْر لغلبة البياض على ألوانهم. و أمَّا الأعصم من الظباء و الوُعُول فهو الذي في ذراعيه بياض، قاله الأصمعيّ و غيره. و أمَّا العُصْمة في الخيل فإن أبا عُبيدة قال: إذا كان البياض بيديه دون رجليه فهو أعصم، فإذا كان بإحدى يديه دون الأخرى قيل: أعصم اليمنى أو اليُسرى. و قال ابن شُمَيْل: الأعصم:
الذي يصيب البياضُ إحدى يديه فوق الرُسْغ. و قال الأصمعيّ: إذا ابيضَّت اليد فهو أعصم. و قال ابن المظفَّر: العُصْمة:
بياض في الرُّسْغ. قال: و الأعصم:
الوَعِل، و عُصْمته: بياض شِبْه زَمَعة الشاة في رجل الوَعِل في موضع الزَّمَعة من الشاء. قال: و يقال للغراب: إذا كان ذلك منه أبيض، و قلَّما وجد في الغربان كذلك. قلت: و هو الذي قاله الليث في نعت الوَعِل أنه شِبْه الزَمَعة تكون في الشاء مُحال، إنما عُصْمة الأوعال بياض في أذرعها لا في أوظفتها، و الزَمَعة إنما تكون في الأوظفة. و الذي يغيّره الليث من تفسير الحروف أكثر مما يغيّره من صُوَرها، فكن على حذَر من تفسيره؛ كما تكون على حَذَر من تصحيفه. و قال الليث: أعصام الكلاب: عَذَباتها التي في أعناقها، الواحدة عَصَمة، و يقال: عِصَام، قال لبيد:
خُضْعا دواجنَ قافلًا أعصامُها
و قال أبو عبيد: العِصَام: رِبَاط القِرْبة.
قال: و قال الكسائي: أعصمْتُ القربة إذا شددتها بالوِكَاء. قلت: و المحفوظ من العرب في عُصُم المَزَاد أنها الحِبَال التي تُنْشَب في خُرَب الروايا و تُشدّ بها إذا عُكِمت على ظهر البعير، ثم يُرَوَّى عليها بالرِّوَاء، و الواحد عِصَام. فأمَّا الوِكاء فهو الشَرِيط الدقيق أو السَيْر الوثيق يُوكَى به فمُ القِرْبة و المَزَادة. و هذا كلّه صحيح لا ارتياب فيه. و قال الليث: عِصام الدَلْو:

35
تهذيب اللغة2

عصم ص 33

كلّ حَبْل يعصَم به شي‏ء فهو عِصامه.
قال: و العُصُم: طرائق طَرَف المزادة عند الكُلْية، و الواحد عِصام. قلت: و هذا من أغاليط الليث و غُدَده. و قال الليث:
العِصام: مُسْتدَقّ طرف الذَنَب و الجميع الأَعْصِمة. و وجدت لابن شُمَيل قال:
الذَنَب بهُلْبه و عَسِيبه يسمى العِصَام بالصاد. قلت: و قد قال الليث فيما تقدَّم من باب العين و الضاد: العضام: عَسِيب البعير و هو ذَنَبه العَظْم لا الهُلْب. قال:
و العدد القليل أعضمة و الجميع العُضُم.
قلت: و قال غيره: فيها لغتان بالضاد و الصاد، و اللَّه أعلم. و أما مِعْصما المرأة فهما موضعا السوَارين من ساعديها. و منه قول الأعشى:
فأرتْك كفّاً في الخِضَا             ب و مِعْصَماً مِلْ‏ءَ الجِبارة
و يقال: هذا طعام يَعْصِم أي يمنع من الجوع. و روى أبو عبيد عن أبي عمرو الشيباني قال: العَصِيم: بقيَّة كل شي‏ء و أثره، من القِطران و الخِضاب و نحوه.
و أنشد الأصمعيّ:
يصفرّ لليُبْس اصفرار الوَرْسِ             من عَرَق النَضْح عَصِيمُ الدَرْس‏
قال: و سمعتُ امرأة من العرب تقول لأخرى: أعطيني عُصُم حِنّائك. تعني ما بقي منه بعد ما اختضَبَت به. و قال ابن المظفر: العَصيم: الصَدَأ من العَرَق و الهِنَاء و الدرَز و الوسخ و البول إذا يبس على فخذ الناقة حتى يبقى كالطريق خُثُورة. و أنشد:
و أضحى عن مواسمهم قتيلًا             بلَبَّته سرائحُ كالعَصِيم‏
و قال أبو عُبيد: قال الأصمعي: العُصْم:
أثر كل شي‏ء من وَرْس أو زعفران و نحوه.
و قال الليث: عِصَاما المِحْمَل: شِكاله و قَيْده الذي يُشَدّ في طَرَف العارضين في أعلاهما. قلت: عِصَاما المحمل كعِصَامي المزادتين. ثعلب عن ابن الأعرابي قال:
العَيْصُوم من النساء: الكثيرة الأكل الطويلة النوم المُدَمدِمة إذا انتبهَت. و قال أبو عمرو: رجل عَيْصوم و عَيْصام إذا كان أكولًا. و أنشد ابن الأعرابي:
أُرجدَ رأسُ شَيْخَةٍ عيصوم‏
و روى بعضهم عن المؤرّج أنه قال:
العِصَام: الكُحْل في بعض اللغات، و قد اعتصمت الجاريةُ إذا اكتحلتْ. قلت: و لا أعرف روايته عن المؤرّج. فإن صحَّت الرواية عنه فهو ثِقَة مأمون. و العَصِيم:
شعر أسود ينبت تحت الوَبَر. و المُعْصَم:
الجِلْد الذي يجِفُّ بشعره و لم يُعطن لأنه أُعسم أي أُلزم شعره. يقال: أعصمْنا الإهابَ و إهاب عَصِيم و أُهُب عُصُم، و ذلك من أجود الأساقي. و دفَعته إليه بعُصْمته أي برُمَّته. و العَنْز تسمَّى مِعْصَماً لبياض في كُرَاع يدها.
قال أحمد بن يحيى: العرب تسمي الخُبْز عاصماً و جابراً و أنشد:
فلا تلوميني و لومي جابرا             فجابر كلَّفني الهواجرا
و يسمّونه عامراً. و أنشد:

36
تهذيب اللغة2

عصم ص 33

أبو مالك يعتادني في الظهائرِ             يجي‏ء فيُلقِي رحله عند عامر
أبو مالك: الجوع ... و
في الحديث أن جبريل عليه السَّلام جاء على فرس أنثى يوم بَدْر و قد عَصَم بثنِيَّته الغُبارُ.
قال القُتَيْبِي:
صوابه: عَصَب أي يبِس الغبار عليها.
و قال غيره: يقال: عَصَب الريق بفيه و عَصَم، و الباء و الميم يتعاقبان في كثير من الحروف.
عمص:
قال ابن المظفر: عَمَصْت العامص و الآمص و هو الخاميز. و بعضهم يقول:
عَاميص. قلت: العامص معرب. و قد روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العَمِص: المولَع بأكل العامص و هو الهُلَام.
معص:
أخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيّ قال: إذا أكثر الرجل من المشي مَعِص أي اشتكى رجليه من كثرة المَشْي، و به مَعَص. و قال النضر:
المَعَص: أن يمتلى‏ء العَصَب من باطن فينتفخَ مع وجع شديد. قال: و المَعَص و العَضَد و البَدَل واحد. و قال الليث:
المَعَص شِبْه الخَلَج، و هو داء في الرِجْل.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: المَعَص و المأَص: بِيض الإبل و كرائمها. قال: و المعِص: الذي يقتني المَعَص من الإبل و هي البِيض. و أنشد:
أنت و هبت هَجْمة جُرجُورا             سُوداً و بِيضاً مَعَصاً خُبُورا
قلت: و غير ابن الأعرابي يقول: هي المَغَص- بالغين- للبيض من الإبل. و هما لغتان. و روى ابن الفرج عن أبي سعيد:
في بطن الرجل مَعَص و مَغَص و قد مَعِص و مغِص قال: و تمعَّص بطني و تمغَّص أي أوجعني.
صمع:
أبو عُبيد عن الأصمعيّ: الفؤاد الأصمع و الرأي الأصمع: العازم الذكيّ.
قال: و البُهْمَى أوّلُ ما يبدو منها البارض، فإذا تحرّك قليلًا فهو جَمِيم، فإذا ارتفع و تمّ قبل أن يتفقّأ فهو الصَّمْعاء. و أنشد:
رعت بارض البُهْمَى جَمِيماً و بُسْرة             و صَمْعاء حتّى آنفتها نِصالُها
و الصَّمَع في الكعوب: لطافتها و استواؤها.
و قناة صمعاء الكعوب إذا لطُفت عُقَدها و اكتنز جوفُها. و قوائم الثور الوحشيّ تكون صُمْع الكعوب ليس فيها نُتُوء و لا جَفاء. و قال امرؤ القيس:
و ساقان كعباهما أصمعا             ن لحمُ حَمَاتَيهما مُنْبَتر
أراد بالأصمع: الضامر الذي ليس بمنتفخ و الحَمَاة: عَضَلة الساق. و العرب تستحب انبتارها و تزَيّمها و ضمورها. و قوله:
صُمْعُ الكعوب بريئاتٍ من الْحَرَد
عنى بها القوائم و المَفْصِل أنها ضامرة ليست بمنتفخة. و رجل أصمع القلب إذا كان حادّ الفِطْنة. و يقال لنبات البُهْمَى:
صمعاء لضموره، يقال ذلك قبل أن تتفقَّا.
و الريش الأصمع: اللطيف العَسيبِ، و يُجمَع صُمْعاناً. و يقال: تصمَّع رِيش السَهْم إذا رُمي به رَمْية فتلطَّخ بالدم و انضمّ. و منه قول أبي ذؤيب:

37
تهذيب اللغة2

صمع ص 37

فرمَى فأنفذ من نَحُوصٍ عائط             سهماً فخرّ و ريشُه متصمّع‏
أي مجتمِع من الدم. و رَوَى أبو حمزة عن ابن عبّاس أنه سئل عن الصمعاء يجوز أن يضحّى بها، فقال: لا بأس. قلت:
و الصمعاء: الشاة اللطيفة الأُذُنِ التي لَصِق أذناها بالرأس. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الصَّمع: الصغير الأُذُن المليحها و هو الْحَديد الفؤادِ أيضاً.
و الصَّوْمعة من البناء سُمّيت صومعة لتلطيف أعلاها. و صَمّع الثَرِيدة إذا رفع رأسها و حَدّده. و كذلك صَعْنبها. و تسمّى الثريدة إذا سوِّيت كذلك صَوْمعة. و أمَّا قول أبي النجم في صفة الظلِيم:
إذا لوى الأحدعَ من صَمْعائه             صاح به عشرون من رِعائه‏
قالوا: أراد بصمعائه: سالِفته و موضعَ الأُذُن منه. سمّيت صمعاء لأنه لا أُذُن للظليم. و إذا لزِقت الأُذُن بالرأس فصاحبها أصمع.
و يقال: عنْز صمعاء و تَيْس أصمع إذا كانا صغيري الأذُن. و
في حديث عليّ عليه السَّلام «كأني برجل أصمع أصعل حَمِش الساقين»
. قال أبو عُبيد: الأصمع:
الصغير الأذن. رجل أصمع و امرأة صمعاء، و كذلك غير الناس. و
في حديث ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يضحّى بالصمعاء
يعني: الصغيرة الأذنين. قال:
و قلب أصمع إذا كان ذكِيًّا فطِناً. و يقال:
عَزمَة صمعاء: أي ماضية. و صمَّع فلان على رأيه إذا صمم عليه. و ظَبْي مُصمَّع:
مؤلَّل القرنين. و رُوي عن المؤرّج أنه قال: الأصمع: الذي يترقَّى أشرف موضع يكون. قال: و الأصمع: السيف القاطع.
قال: و يقال: صَمِع فلان في كلامه إذا أخطأ، و صَمِع إذا ركب رأسه فمضى غير مكترِث له، و الأصمع: السادر. قلت:
و كلّ ما جاء عن المؤرّج فهو ممَّا لا يعرَّج عليه إلّا أن تصحّ الرواية عنه. ابن السكيت: الأصمعان: القلب الذكيّ و الرأي العازم. صَمَعه بالسيف و العصا صَمْعاً: ضربه. و صَمَعْت القوم: حبسْتهم بالكلام. و قول ابن الرقاع:
و لها مُنَاخ قلَّما بركت به             و مصمَّعات من بِنات مِعَائها
عنى بالمصمَّعات بَعَرات دقيقات ملتزِقات.
و الصوامع: البرانس جمع البُرْنُس. و قال بِشْر:
تمشَّى به الثِيران تَتْرَى كأنها             دهاقينُ أنباطٍ عليها الصوامعُ‏
و يروى: تَرْدِي. و الصمعاء: الداهية؛ قال الباهلي:
و تعرف في عنوانها بعض لحنها             و في جوفها صمعاء تُبْلى النواصيا
مصع:
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
المَصِع: الغلام الذي يلعب بالمِخراق.
و المصِع: الشيخ الزحَّار. قلت: و من هذا قولهم: قَبَحه اللَّه. و أُمًّا مَصَعتْ به، و هو أن تُلْقِي المرأة ولدها بزَحْرة واحدة. و قال أبو العباس: قال ابن الأعرابي: يقال:
أمصعت به بالألف و أزلخت و أخفدت به‏

38
تهذيب اللغة2

مصع ص 38


و حَطَأت به و زَكَبَتْ به.
أبو عبيد عن الفرّاء: يقال: مَصَع في الأرض و امتصع إذا ذهب فيها. و منه يقال: مَصَع لَبَنُ الناقة إذا ذهب، و أمصع القومُ إذا ذهبت ألبانُ إبلهم. و قال غيره:
مَصَع الحوضُ إذا نشِف ماؤه، و مصع ماءُ الحوض إذا نَشِفه الحوضُ. و قال الراجز:
أصبح حوضاك لمن يراهما             مُسَمَّلين ماصعاً قِراهما
أبو عبيد عن أبي عمرو: الماصع:
البَرّاق، و يقال: المتغيّر. و أنشد لابن مقبل:
فأفرغن من ماصع لونُه             على قُلُص ينتهِبن السِّجَالا
و قال شمر: ماصع يريد: ناصع، صيَّر النون ميماً. قلت: و قد قال ابن مقبل في شعر له آخر فجعل الماصع كدراً، فقال:
عَبَّتْ بمشفرها و فضل زمامها             في فضلة من ماصع متكدِّر
و قال أبو عبيدة: و مَصَعَت الناقةُ هُزَالًا.
قال: و كلّ مُوَلٍّ ماصع. و قال ابن الأعرابي: يقال: هو أحمر كالمُصْعَة و هي ثمرة العَوْسَج، حكاه ابن السكيت عنه، و الجميع المُصع. و قال الليث: المُصَع:
ثمر العوسج يكون أحمر حُلْواً يؤكل.
و منه ضرب أسود لا يؤكل، و هو أردأ العوسج و أخبثُه شوكاً. قال: و المَصْع:
التحريك، و الدابة تَمْصَع بذَنَبها، و أنشد لرؤبة:
 يمصَعْن بالأذناب من لُوح و بَقّ‏
قال: و المَصْع: الضرب بالسيف، و رجل مَصِع. و أنشد:
رُبَ هَيْضَل مَصِعٍ لَفَفْتُ بهيضل‏
قال: و المماصعة: المجالدة بالسيوف.
و أنشد للقطامي:
تراهم يغمزون من استركوا             و يجتنبون من صدق المِصَاعا
و في «نوادر الأعراب» يقال: أنصعت له بالحقّ و أمصعت و عجَّرت و عنّقت إذا أقر به و أعطاه عَفْواً.
و
في الحديث: «البَرْق مَصْع مَلَك».
قال أبو بكر: معناه في الدّقَّة و التحريك و الضرب، فكأن السوط وَقْع به للسحاب و تحريك له.
أبواب العين و السين‏
ع س ز
أهملت وجوهها، و الزاي و السين لا يأتلفان.
باب العين و السين مع الطاء
 [ع س ط]
عسط، عطس، سطع، سعط، طسع:
مستعملات.
عسط:
أمَّا عسط فلم أجد فيه شيئاً غير عَسَطُوس، و هي شجرة ليّنة الأغصان لا أُبَن لها و لا شوك يقال لها الخيزران، و هو على بناء قَرَبُوس و قَرَقوس و حَلَكوك للشديد السواد. و قال الشاعر:
عصا عَسَطُوسٍ لينُها و اعتدالُها
عطس:
و أما عطس فيقال: عَطَس فلان‏

39
تهذيب اللغة2

عطس ص 39

يَعْطِس عَطْساً و عَطْسة، و الاسم العُطَاس، و قال الليث: يقال: يعطُس بضمّ الطاء أيضاً، و هي لغة. و مَعْطِس الرجل أنْفه لأن العُطَاس منه يخرج، و هو بكسر الطاء لا غير، و هذا يدلّ على أن اللغة الجيّدة يعطِس. و قال الليث: الصبح يسمّى عُطَاساً و قد عَطَس الصبحُ إذا انفلق. و أمَّا قوله:
         و قد أغتدي قبل العُطَاس بسابح‏
فإن الأصمعيّ زعم أنه أراد: قبل أن أسمع عُطَاس عاطس فأتطيّر منه و لا أمضي لحاجتي، و
كانت العرب أهل طِيَرة، و كانوا يتطيّرون من العُطَاس فأبطل النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم طِيَرتهم.
قلت: و إن صحّ ما قاله الليث: أن الصبح يقال له: العُطَاس فإنه أراد: قبل انفجار الصبح، و لم أسمع الذي قاله لثقة يُرجَع إلى قوله. و قال أبو زيد: تقول العرب للرجل إذا مات:
عَطَستْ به اللُجَمُ. قال: و اللُّجَمة: كلّ ما تطيَّرتَ منه. و أنشد غيره:
         إنا أُناس لا تزال جَزورُنا             لها لُجَم من المنيّة عاطس‏
و يقال للموت: لُجَم عَطُوسٌ، و قال رؤبة:
         و لا يخاف اللُجَم العَطُوسا
و يقال: فلان عَطْسة فلان إذا أشبهه في خَلْقه و خُلُقه. ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العاطوس: دابَّة يُتشاءم بها. و أنشد غيره لطَرَفة بن العبد:
         لعمري لقد مرَّت عواطس جَمَّة             و مَرّ قُبيل الصبح ظبي مصمَّعُ‏
سطع:
يقال للصبح إذا سطع ضوؤه في السماء: قد سَطَع يَسْطَع سُطُوعاً، و كذلك البَرْق يَسْطَع في السماء و ذلك إذا كان كذَنَب السرْحان مستطيلًا في السماء قبل أن ينتشر في الأُفُق. و منه حديث ابن عبّاس‏
حدّثناه ابن هاجَك عن علي بن حُجْر عن يزيد بن هارون عن هشام الدَّسْتَوائيّ عن يحيى بن أبي كَثِير قال:
قال ابن عبّاس: «كلوا و اشربوا ما دام الضوء ساطعاً حتى تعترض الحمرة في الأُفُق»
، ساطعاً أي مستطيلًا. و سطع السهم إذا رُمِي به فشخص في السماء يلمع. و قال الشمَّاخ:
         أرِقت له في القوم و الصبح ساطع             كما سَطَع المِرِّيخ شَمَّره الغالي‏
و يروى: سمّره، و معناهما: أرسله.
و يقال: سطعتني رائحةُ المسك إذا طارت إلى أنفك. ثعلب عن ابن الأعرابي:
سطعت الرائحة إذا فاحت. و السَّطْع: أن تسطع شيئاً براحتك أو بإصبعك ضرباً.
و قال ابن المظفر: يقال: سمعت لضربته سَطَعاً (مثقّلًا) يعني صوت الضربة. قال:
و إنما ثُقِّلت لأنه حكاية و ليس بنعت و لا مصدر. قال: و الحكايات يخالَف بينها و بين النعوت أحياناً. قال: و يقال للظليم إذا رفع رأسه و مَدّ عُنُقه: قد سَطَع. و قال ذو الرمَّة يصف الظليم:
         يظلّ مختضِعاً يبدو فتنكره             طوراً و يَسْطَع أحياناً فينتسِبُ‏
قال: و ظليم أسطع إذا كان عنقُه طَويلًا و الأنثى سطعاء، فيقال: سطِع سَطَعاً في‏

40
تهذيب اللغة2

سطع ص 40

النعت، و يقال في رفعه عُنُقه: سَطَع يَسْطَع. أبو عبيد عن أبي زيد: السِّطَاع:
عمود من أعمدة البيت. و قال القُطَاميّ:
أليسوا بالألى قَسَطوا جميعاً             على النعمان و ابتدروا السِّطَاعا
قلت: و يقال للبعير الطويل: سِطَاع تشبيهاً بسِطَاع البيت. و قال مُلَيح الهذَليّ:
و حتى دعا داعي الفراق و أُدْنيتْ             إلى الحيّ نُوقْ و السِّطَاعُ المُحَمْلَجُ‏
و قال أبو زيد: السِّطَاع من سمات الإبل في العُنق بالطول، فإذا كان بالعَرْض فهو العِلَاط. و ناقة مسطوعة و إبل مسطَّعة.
و قال لَبيد:
مسطَّعَة الأعناق بُلْقَ القوادم‏
و السِّطاع: اسم جبل بعينه. و قال صخر الغيّ:
فذاك السِّطاع خلافَ النِجَا             ء تحسبه ذا طِلاء نتيفا
خلاف النِّجَاء أي بعد السحاب تحسبه جملًا أجرب نُتِف و هُنِى‏ء. اللحياني:
خطيب مِسْطع و مِصْقع. و أما قولك: لا أسطيع فالسين ليست بأصلية و قد خرّجته في باب أطاع. و
في حديث أم مَعْبد و صفتها المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم قالت: و كان في عُنُقه سَطَع‏
أي طول، يقال: عُنُق سَطْعاء.
و قال أبو عبيدة: العُنُق السطعاء: التي طالت و انتصبت علابِيُّها. ذكره في صفات الخيل.
و
في حديث قيس بن طَلْق عن أبيه أن رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «كلوا و اشربوا و لا يَهيدَنَّكم الساطع المصعد، و كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الأحمر»، و أشار بيده في هذا الموضع من نحو المشرق إلى المغرب عَرْضاً.
قال الشيخ: و هذا دليل على أن الصبح الساطع هو المستطيل.
و منه عنق سطعاء إذا طالت و انتصبت علابِيُّها. قال ذاك أبو عبيدة. قال الشيخ:
و لذلك قيل للعمود من أعمدة الْخِباء:
سِطَاع، و للبعير الطويل: سِطَاع. و ظليم أسطع: طويل العنق.
سعط:
السَّعُوط و النَّشُوع و النَشُوق في الأنف. و يقال للآنية التي يُسعط بها العليل: مُسْعُط بضمّ الميم و جاء نادراً مثل المُكْحُل و المُدُقّ و المُدْهُن و المُنْصُل:
للسيف. ابن السكيت عن أبي عمرو:
لخَيْتَه و لخوته و ألخيته إذا سَعَطته. و يقال:
أسعطته، و كذلك وَجَرْته و أوجرته، فيها لغتان. و يقال: نُشِعَ و أُنشِع. و أمّا النَّشُوق فيقال فيه: أنشقته إنشاقاً. و قال الليث:
يقال: أسعطْته الرمحَ إذا طعنه في أنفه.
و قال غيره: يقال: أسعطته عِلْماً إذا بالغت في إفهامه و تكرير ما تُعلِّمه عليه. أبو عبيد عن أبي عمرو: السَّعِيط: الريح من الخمر و غيرها من كل شي‏ء. و قال ابن السكيت:
و يكون من الخَرْدل. و قال ابن بُزُرْج يقال:
سعطته و أسعطته.
الإياديُّ عن شمر: تقول: هو طيّب السَّعُوط و السُّعَاط و الإسعاط. و أنشد يصف إبلًا و ألبانها:
حَمْضيَّة طيّبة السُّعَاط
حدَّثنا السَّعْديّ عن الزعفرانيّ قال: حدّثنا

41
تهذيب اللغة2

سعط ص 41

سفيان عن الزهريّ عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عُتْبة بن مسعود عن أم قيس بنت مِحْصَن قالت: دخلت بابن لي على رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قد أعلقتُ من العُذْرة فقال: «علام تدغَرْنَ أولادكن! عليكنّ بهذا العُود الهنديّ فإن فيه سبعةَ أشفية، يُسْعَط من العُذْرة، و يُلَدّ من ذات الجَنْب»
. طسع:
أبو العباس عن ابن الأعرابي: رجل طسِع و طزِع: لا غَيْرة له. و قال ابن المظفر مثله. و قد طسِع طَسَعاً و طَزِع طَزَعاً. عمرو عن أبيه: الطسِع و الطزيع:
الذي يَرَى مع أهله رجلًا فلا يغار له.
باب العين و السين مع الدال‏
 [ع س د]
عسد، عدس، سعد، سدع، دسع، دعس: مستعملات.
عسد:
قال ابن المظفّر: العَسْد لغة في العَزْد، كالأسْد و الأزْد. قلت: يقال: عَسَد فلان جاريته و عَزَدها عَصَدها إذا جامعها. و قال الليث: العِسْوَدّة: دويبة بيضاء كأنها شحمة يقال لها: بِنْت النَقَا تكون في الرمل يشبَّه بها بنات العَذَارَى، و تجمع عساود و عِسْوَدَّات و قال ابن شميل: العِسْوَدّ- بتشديد الدال-: العَضْرَفُوط. قلت: بِنْت النقا غير العضرفوط، لأن بِنْت النَقَا تشبه السمكة، و العضرفوط من العَظَاء و لها قوائم. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العِسْوَدّ و العِرْبَدّ: الحَيَّة.
قلت: و قال بعضهم: العِسْوَدّ هو البَبْر، و أنا لا أعرفه.
عدس:
أبو عبيد عن الأمويّ: عَدَس يعدِس، و حَدَس يحدِس إذا ذهب في الأرض.
و من أسماء العرب عُدَس و حُدَس. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَدَس من الحُبُوب يقال له: العَلَس و العَدَس و البُلُس. و قال الليث: الحَبَّة الواحدة عَدَسة. قال: و العَدَسة: بَثْرة تخرج، و هي جِنْس من الطاعون، و قلَّما يُسْلَم منها.
قال: و عَدَسْ: زَجْر البَغْل، و ناس يقولون: حَدَسْ. قال: و
زعم ابن الأرقم أن حدَسْ كانوا على عهد سليمان بغَّالِين يَعْنَفُون على البِغال، و كان البغل إذا سمع باسم حَدَس طار فَرَقاً مما يَلْقى منهم، فلهج الناس بذلك‏
، و المعروف عند الناس عَدَسْ. و قال ابن مفرِّغ فجعل البغلة نفسها عَدَساً:
عَدَسْ ما لعبَّاد عليكِ إمارة             نجوتِ و هذا تحملين طليق‏
و قال غيره: سمَّت العرب البغل عَدَساً بالزجر و سببه لا أنه اسم له. العَدُوس:
الجَرِيئة. و قال جرير:
لقد ولَدَت غسَّانَ ثالبةُ الشَوَى             عَدُوس السُرَى لا يقبل الكَرْمَ جِيدُها
الثالبة: المَعيبة. و العَدْس: الرَعْي.
عَدَسْت المالَ. و العَدْس: ضرب من السير خفيف. و منه قول الراعي:
مجسَّمة العِرنين منقوبة العَصَا             عَدُوس السُرَى باقٍ على الخَسْف عودُها
و العَدَسانُ و العِداس أيضاً: السَيْر و المشي السريع، قال:

42
تهذيب اللغة2

عدس ص 42

مارِسْ فهذا زمن المِرَاس             و اعْدِس فإن الجَدّ بالعِدَاس‏
سعد:
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه كان يقول في افتتاح الصلاة: «لبَّيك و سَعْديك، و الخير في يديك، و الشرّ ليس إليك»
. قلت:
و هذا خبر صحيح، و حاجة أهل العلم إلى معرفة تفسيره ماسَّة. فأما لبَّيك فهو مأخوذ من لَبَّ بالمكان و ألَبَّ أي أقام به، لَبّاً و إلباباً، كأنه يقول: أنا مقيم في طاعتك إقامة بعد إقامة، و مجيب لك إجابة بعد إجابة. و أخبرني المنذريّ عن الحَرّانيّ عن ابن السكيت في قوله: «لبَّيك و سعديك»، تأويله إلباباً بعد إلباب أي لزوماً لطاعتك بعد لزوم، و إسعاداً لأمرك بعد إسعاد.
و أخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: سَعْدَيك أي مساعدة لك ثم مساعدة و إسعاداً لأمرك بعد إسعاد.
و قال ابن الأنباري: معنى سعديك أسعدك اللَّه إسعاداً بعد إسعاد. قال: و قال الفرَّاء:
لا واحد للبَّيك و سعديك على صحة.
قال: و حنانيك: رحمك اللَّه رحمة بعد رحمة. قلت: و أصل الإسعاد و المساعدة متابعة العبد أمر ربّه. و قال سيبويه: كلام العرب على المساعدة و الإسعاد، غير أن هذا الحرف جاء مثنَّى على سَعْديك و لا فعل له على سَعَد. قلت: و قد قرى‏ء قول اللَّه جلّ و عزَّ: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا
 [هود:
108] و هذا لا يكون إلّا من سَعَده اللَّه لا من أسعده، و به سُمّي الرجل مسعوداً.
و معنى سَعَده اللَّه و أسعده أي أعانه و وفَّقه.
و أخبرني المنذريّ عن أبي طالب النحويّ أنه قال: معنى قولك لبَّيك و سعديك أي أسعدني اللَّه إسعاداً بعد إسعاد. قلت:
و القول ما قال أبو العباس و ابن السكيت، لأن العبد يخاطب ربَّه و يذكر طاعته له و لزومه أمره، فيقول: سعديك كما يقول:
لبَّيك أي مساعدة لأمرك بعد مساعدة.
و إذا قيل: أسعد اللَّه العبدَ و سَعَده فمعناه:
وفَّقه اللَّه لما يرضيه عنه فيَسْعد بذلك سعادة. و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «لا إسعاد في الإسلام»
. و تأويله أن نساء أهل الجاهلية كنّ إذا أُصيبت إحداهن بمصيبة فيمن يَعِزُّ عليها بكته حولًا، و يُسعدها على ذلك جاراتُها و ذوات قراباتها، فيجتمعن معها في عِداد النياحة و أوقاتها و يتابعنها و يساعدنها ما دامت تنوح عليه و تبكيه، فإذا أصيب صواحباتها بعد ذلك بمصيبة أسعدتهنّ بعد ذلك، فنهى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عن هذا الإسعاد. و الساعد ساعد الذراع و هو ما بين الزَنْدين و المِرْفَق، سمّي ساعداً لمساعدته الكف إذا بَطَشَت شيئاً أو تناولته. و جمع الساعد سواعد. و ساعد الدَّرّ- فيما أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي-: عِرْق ينزل الدَّر منه إلى الضرْع من الناقة. و كذلك العِرْق الذي يؤدّي الدَرّ إلى ثَدْي امرأة يسمَّى ساعداً.
و منه قوله:
ألم تعلمي أن الأحاديث في غد             و بعد غد يا لُبْنَ ألْبُ الطرائد
و كنتم كأُمٍّ لَبَّةٍ ظَعَن ابنُها             إليها فما درّت عليه بساعد

قال: رواه المفضل: طعن ابنها بالطاء أي‏

43
تهذيب اللغة2

سعد ص 43

شخص برأسه إلى ثَدْيها كما يقال: طعن هذا الحائط في دار فلان أي شخص فيها.
و قال أبو عبيد: قال أبو عمرو: السواعد مجاري البحر التي تَصُبّ إليه الماء، واحدها ساعد بغير هاء، و أنشد شمر:
تأبّد لَأْيٌ منهمُ فعُتائدهْ             فذو سَلَم أنشاجُه فسواعدُهْ‏
و الأنشاج أيضاً: مجاري الماء، واحدها نَشَج. و ساعدة من أسماء الأسد معرفة لا ينصرف، و كذلك أسامة. و سَعِيد المزرعةِ نهرها الذي يسقيها. و قال ابن المظفَّر:
السَّعْد ضدّ النَحْس، يقال: يوم سَعْد و يومُ نَحْسٍ. قال: و أربعة منازل من منازل القمر تسمَّى سُعُوداً، منها سعد الذابح و سعد بُلَعَ و سعد السُّعُودِ و سعد الأخبيةِ.
و هذه كلها في بُرْجَيِ الدلْو و الجَدْي. و قال ابن كُناسة: سعد الذابِح: كوكبان متقاربان سمّي أحدهما ذابحاً لأن معه كوكباً صغيراً غامضاً يكاد يلزَق به فكأنه مكِبّ عليه يَذبحه و الذابح أنور منه قليلًا، قال:
و سعد بُلَعَ: نجمان معترضان خفيّان. قال أبو يحيى: و زعمت العرب أنه طلع حين قال اللَّه عزّ و جل: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي [هود: 44] و يقال: إنما سمّي بُلَع لأنه كأنه لقرب صاحبه منه يكاد أن يبلعه.
قال: و سعد السعود: كوكبان، و هو أحمد السعود و لذلك أضيف إليها. و هو يُشْبه سعد الذابح في مطلعه. و سعد الأخبية:
ثلاثة كواكب على غير طريق السعود مائلة عنها، و فيها اختلاف و ليست بخفيّة غامضة، و لا مضيئة منيرة. سميت سعد الأخْبِية لأنها إذا طلعت خرجت حَشَرَاتُ الأرض و هَوَامُّها. من جِحَرتها، جُعِلت لها كالأخبية. و فيها يقول الراجز:
قد جاء سعد مقبلًا بحَرّه             راكدة جنودُه لشرّه‏
فجعل هوامّ الأرض جنود السعد الأخبية و هذه السعود كلها يمانِيَة، و هي من نجوم الصيف و هي من منازل القمر تطلع في آخر الربيع و قد سكنت رياح الشتاء و لم يأت سلطانُ رياح الصيف، فأحسن ما تكون الشمس و القمر و النجوم في أيامها، لأنك لا ترى فيها غَبَرة. و قد ذكرها الذبياني فقال:
قامت تَرَاءَى بين سِجْفَيْ كِلَّة             كالشمس يوم طلوعها بالأسعُد
و السُّعُود مصدر كالسعادة؛ قال:
إن طول الحياة غير سُعود             و ضلالًا تأميل نَيْل الخلود
و في المثل:
أوردها سعد و سعد مشتمل‏
يضرب مثلًا في إدراك الحاجة بلا مشقَّة، أي أوردها الشرِيعة و يوردها بئراً يحتاج إلى أن يَستقي منها بالدُلِيّ. و مثله: أهون السَّقْي التشريع. و قال ابن المظفّر: يقال سعِد يَسْعد سَعْد أو سعادة فهو سعيد، نقيض شقِي. و جمعه السعَداء. و يقال:
أسعده اللَّه و أسعد جَدَّه. قلت: و جائز أن يكون سعيد بمعنى مسعود من سَعَده اللَّه؛

44
تهذيب اللغة2

سعد ص 43

و يجوز أن يكون من سَعِد يَسْعَد فهو سعيد. و السَّعْدانُ: نبت له شَوْك كأنه فَلْكة، يَسْلَنْقِي فتنظر إلى شوكه كالحاً إذا يبِس، و منبتِه سهولة الأرض. و هو من أطيب مراعي الإبل ما دام رَطْباً. و العرب تقول: أطيب الإبل ألباناً ما أكل السَّعْدان و الحُرْبُث. و خلَّط الليث في تفسير السعدان، فجعل الحَلَمة ثمر السعدان، و جعل حَسَكاً كالْقُطب، و هذا كله غلط.
القُطْب: شوك غير السعدان يشبه الحَسَك و السَّعْدان مستدير شوكه في وجهه. و أمَّا الحَلَمة فهي شجرة أخرى و ليست من السَّعْدان في شي‏ء و واحدة السَّعْدان سَعْدانة. و سَعْدانة الثَدْي: ما أطاف به كالفَلْكة. و قال أبو عبيد: العُقَد التي في أسفل الموازين يقال لها: السعدانات.
قال: و السَّعْدانة: عُقْدة الشسْع ممَّا يلي الأرض و القِبالُ مثل الزمام بين الإصبع الوسطى و التي تليها؛ قال ذلك كله الأصمعيّ. و قال أبو زيد: السَّعْدانة أيضاً كِرْكِرة البعير، سمّيت سَعْدانة لاستدارتها.
و السعدانة: الحَمَامة أيضاً. و سعدانة الإست: حِتَارها، و أمَّا قول الهذليّ يصف الظليم:
على حَتّ البُرَاية زَمْخَرِيّ الس             واعد ظَلَّ في شَرْي طِوال‏
فقد قيل: سواعد الظليم: أجنحته؛ لأن جناحيه له كاليدين. و قال الباهليّ:
السواعد: مجاري المُخّ في العظام. قال:
و الزمخريّ من كل شي‏ء: الأجوف مثل القَصَب، و عظام النَعَام جُوف لا مُخَّ فيها.
و الحتّ السريع، و البُرَاية، البقيَّة، يقول:
هو سريع عند ذهاب بُرَايته أي عند انحسار لحمه و شحمه. و قال غيره:
الساعدة: خشبة تُنْصَب لتمسِك البَكْرة.
و جمعها السواعد. و قال الأصمعيُّ:
السواعد: قَصَب الضَرْع. و قال أبو عمرو:
هي العروق التي يجي‏ء منها اللبن، شُبِّهت بسواعد البحر و هي مجاريها. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: السَّعِيد: النهر و جمعه سُعُد و أنشد:
و كأن ظُعْن الحيّ مُدْبِرة             نخل مَوَاقرُ بينها السُّعُد
قال: السُّعُد ههنا: الأنهار واحدها سعيد قال: و يقال لِلَبْنة القميص سعيدة.
و السُّعْد: نبت له أصل تحت الأرض أسود طيّب الريح. و السُّعادَى: نبت آخر. و قال الليث: السُّعادى: بنت السُّعد. و من أمثال العرب: مَرْعًى و لا كالسَّعدان يريدون أن السعدان من أفضل مراعيهم. و السُّعُود في قبائل العرب كثير، و أكثرها عدداً سعدُ بن زيد مَنَاة بن تميم. و منها بنو سعد بن بكر في قيس عَيْلان، و منها سعد هُذَيم في قُضاعة. و منها سعد العَشِيرة. و بنو ساعدة في الأنصار. و من أسماء الرجال سعد و مسعود و سَعِيد و أسعد و سُعَيد و سَعْدان.
و من أسماء النساء سُعَاد و سُعْدَى و سَعِيدة و سَعْدِيَّة و سُعَيْدة. و من أسماء الرجال مُسْعَدة. و السُّعْد: ضرب من التمر؛ قال أوس:
و كأن ظُعْنَ الحيّ مُدْبرة             نخل بزارة حَمْلها السُعُد

45
تهذيب اللغة2

سعد ص 43

و السَّعَادة: رُقعة تزاد في الدَلْو ليتَّسع ساعد المزادة. و تسمَّى زيادة الخفّ و بنائق القميص سعادة. و خرج القوم يتسعَّدون أي يطلبون مراعيَ السعدان. و السَّعْدانة:
اللّحَمات النابتات من الحلق. قال:
         جاء على سعدانة الشيخ المُكِلّ‏
يعني الفالوذ.
دعس:
أبو عبيد: المَدَاعِس: الصُمُّ من الرماح قال: و يقال: هي التي يُدْعَس بها.
قال: و قال بعضهم: المِدْعَس من الرماح:
الغليظ الشديد الذي لا ينثني، و قد دَعَسه بالرمح إذا طعنه، و رُمْح مِدْعَس. و قال الليث: الدَّعْس شدّة الوَطْء. و يقال:
دَعَس فلان جاريته دَعْساً إذا نكحها.
و المُدَّعَس: مُخْتَبَز المَلِيل و منه قول الهذليّ:
         و مُدَّعَسٍ فيه الأنِيض اختفيته             بجرداء مثل الوَكْف يكبو غرابها
و طريق مِدْعاس و مدعوس، و هو الذي دَعَسته القوائم و وطأته. و قال أبو عبيد:
الدعْس: الأثَر. و في «النوادر»: رجل دَعُوس و عَطوس و قَدُوس و دَقُوس، كل هذا في الاستقدام في الغَمَرات و الحروب.
سدع:
أهمله الثقات. و قال الليث: رجل مِسْدَع: ماضٍ لوجهه، نحوُ الدليل المِسْدِع الهادي. و قال ابن دريد: السَّدْع: صَدْم الشي‏ء الشي‏ءَ، سَدَعه سَدْعاً. قال: و سُدِع الرجل إذا نُكب، لغة يمانية. قلت: و لم أجد لما قال الليث و ابن دريد شاهداً من كلام العرب.
دسع:
يقال: دَسَعَ فلان بقَيْئه إذا رَمَى به، و دسع البعيرُ بجرّته إذا دفعها بمرَّة إلى فيه. و قال ابن المظفر: المَدْسع: مَضِيق مَوْلِج المَرِي‏ء و هو مَجْرَى الطعامِ في الحَلْق، و يسمَّى ذلك العظم الدَّسِيع، و هو العظم الذي فيه التَرْقُوتان. و قال سَلَامة بن جندل:
         يُرْقَى الدسيعُ إلى هادٍ له تَلِعٍ             في جؤجؤ كَمَدَاك الطِيب مخضوب‏
و قال ابن شميل: الدَّسِيع: حيث يَدْسع البعير بجِرَّته، و هو موضع المرِي‏ء من حَلْقه، و المَرِي‏ء: مدخل الطعام و الشراب. و قال الأصمعي: الدَّسِيع:
مَفْرِز العُنُق في الكاهل و أنشد البيت.
و العرب تقول: فلان ضخم الدَّسيعة يقال ذلك للرجل الجَوَاد. و قال الليث:
الدَّسِيعة: مائدة الرجل إذا كانت كريمة.
و قيل معنى قولهم: فلان ضخم الدَّسِيعة أي كثير العطيَّة. سُمِّيت دَسِيعة لدفع المعطي إيّاها مرّة واحدة، كما يَدْفَع البعيرُ جِرّته دَفْعة واحدة. و الدَّسَائع: الرغائب الواسعة. و
في الحديث: «إن اللَّه تبارك و تعالى يقول يوم القيامة: يا بن آدم أ لم أحْملك على الخيل، أ لم أجعلك تَرْبَع و تَدْسع»
تَرْبع: تأخذ رُبُعَ الغَنيمة و ذلك من فعل الرئيس، و تَدْسَع: تعطى فتُجزل.
و روى ثعلب عن ابن الأعرابي: قال:
الدَّسِيعة: الجَفْنة. و قال الليث: دَسَعْت الجُحْرَ إذا أخذت دِسَاماً من خِرقة فسددته به. قال الليث: دَسع البحرُ بالعنبر و دسر إذا جمعه كالزَبَد ثم يقذفه إلى ناحية فيؤخذ

46
تهذيب اللغة2

دسع ص 46

و هو أجود الطيب. و ناقة دَيْسَع: ضخمة كثيرة الاجترار في سيرها. قال ابن ميّادة:
حملتُ الهوى و الرَّحْل فوق شِمِلَّة             جُمَاليَّة هو جاءَ كالفحل دَيْسَعِ‏

أي لم تظهر لأنها خفيت في اللحم اكتنازاً. و الدَّسيع و الدسيعة: العُنُق و القوّة قال الأعور:
رأيت دسيعة في الرحل ينبي             على دِعَم مخوِّية الفِجَاج‏

الدِّعَم: القوائم، و الفِجاج: ما بين قوائمه.
باب العين و السين مع التاء
 [ع س ت‏]
استعمل من وجوهها: تعس، تسع.
تسع:
قال الليث: التِّسْع و التِّسْعة من العَدَد يَجري وجوهُه على التأنيث و التذكير:
تسعة رجال و تسع نسوة. و يقال: تسعون في موضع الرفع و تسعين في الجرّ و النصب، و اليوم التاسع و الليلة التاسعة، و تسع عشرة مفتوحتان على كل حال؛ لأنهما اسمان جعلا اسماً واحداً فأُعطِيا إعراباً واحداً، غير أنك تقول: تسع عَشْرة امرأة و تسعة عَشَر رجلًا، قال اللَّه جل و عز: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ
 [المدثر: 30] يعني: تسعة عشر مَلَكاً. و أكثر القرّاء على هذه القراءة. و قد قرى‏ء: (تسعة عْشر) بسكون العين، و إنما أسكنها من أسكنها لكثرة الحركات. و التفسير أنّ على سَقَر تسعة عشر مَلكاً. و العرب تقول في ليالي الشهر: ثلاثٌ غُرَر، و لثلاث بعدها: ثلاثٌ نفَل، و لثلاث بعدها: ثلاثٌ تُسَع. سُمِّين تُسَعاً لأن آخِرتها الليلة التاسعة، كما قيل لثلاث بعدها: ثلاثٌ عُشَر؛ لأن بادئتها الليلة العاشرة. أبو عبيد عن أبي زيد قال العَشِير و التَّسِيع بمعنى العُشْر و التُّسْع. قال شمر: و لم أسمع تِسيع إلّا لأبي زيد.
و يقال: كان القوم ثمانية فتَسَعْتُهم أي صَيَّرْتهم تسعة بنفسي، أو كنت تاسعهم.
و يقال: هو تاسع تسعةٍ و تاسعٌ ثمانيةً.
و تاسعُ ثمانيةٍ. و لا يجوز أن تقول: هو تاسعٌ تسعةً و لا رابعٌ أربعةً، إنما يقال:
رابع أربعةٍ على الإضافة، و لكنك تقول:
رابعٌ ثلاثةً. و هذا قول الفرّاء و غيرِه من الحُذّاق. و يقال: تَسَعْت القوم إذا أخذت تُسْع أموالهم أو كنت تاسعهم، أتْسَعَهم بفتح السين لا غير في الوجهين. و قال الليث: رجل متَّسع و هو المنكمش الماضي في أمره، قلت لا أعرف ما قال إلا أن يكون مفتعِلًا من السَعَة، و إذا كان كذلك فليس من هذا الباب.
و في نسخة من «كتاب الليث»: مُسْتَعٌ، و هو المنكمش الماضي في أمره. قال: و يقال:
مِسْدَعٌ، لغة. قال: و رجل مِسْتَع أي سريع.
و قوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‏ تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ‏
 [الإسراء: 101] هو: أخْذ آل فرعون بالسنين، و إخراج موسى يده بيضاء، و العصا، و إرسال اللَّه عليهم الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ، و انفلاق البحر. و
في حديث ابن عبّاس:
 «لئن بقِيت إلى قابل لأصومَنَّ التاسع»
يعني: عاشوراء، كأنه تأوّل فيه عِشر الوِرْد

47
تهذيب اللغة2

تسع ص 47

أنها تسعة أيَّام. و العرب تقول: وردت الماء عِشْراً يعنون: يوم التاسع. و من ههنا قالوا: عِشرِين و لم يقولوا: عِشْرَيْنِ لأنهما عِشْران و بعض الثالث.
تعس:
أبو عُبَيد عن أبي عُبَيدة: تَعَسه اللَّه و أتعسه في باب فَعَلت و أفعلت بمعنى واحد. و قال شمر- فيما أخبرني عنه أبو بكر الإياديّ-: لا أعرف تَعَسه اللَّه، و لكن يقال: تَعِس بنفسه و أتعسَه اللَّه. قال: و قال الفرّاء: يقال: تَعَستَ إذا خاطبت الرجل، فإذا صرت إلى أن تقول: فَعَل قلت: تعِس بكسر العين. قال شمر: و هكذا سمعته‏
في حديث عائشة حين عَثَرت صاحبتها أمّ مِسْطح فقالت: تعِس مِسْطَح.
قال: و قال ابن شميل: تَعَسْت كأنه يدعو على صاحبه بالهلاك. قال و قال بعض الكلابيّين: تعَس يتعَس تَعْساً و هو أن يخطى‏ء حُجَّته إن خاصم، و بُغْيَته إن طَلَب و قال: تَعِس فما انتعش، و شِيك فما انتقش، أبو دواد عن النضر قال: تَعَس: هلك، و التَّعْس:
الهلاك. ابن الأنباريّ: قال أبو العباس معناه في كلامهم: الشرّ. و قيل: التَّعْس:
البعد. و قال الرُسْتُمي: التَّعْس: أن يخِرّ على وجهه، و النُكْس أن يخِرّ على رأسه.
و التَّعْس أيضاً: الهلاك. و أنشد:
و أرماحهم يَنْزَهْنَهُمْ نَهْزَ جُمَّة             يقلن لمن أدركن تَعْساً و لا لعا
و قال الليث: التَّعْس: ألَّا ينتعش من عَثْرته، و أن يُنكس في سَفَال. و يدعو الرجل على بعيره الجوادِ إذا عثر فيقول:
تَعْساً، فإذا كان غير جَوَاد و لا نجيب فعثَر قال له: لَعاً. و منه قول الأعشى:
بذات لَوث عَفَرْنَاةٍ إذا عَثَرتْ             فالتَّعْس أدنى لها من أن أقول لَعا
و قال أبو إسحاق في قول اللَّه جل و عز:
فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ‏
 [محمد: 8]:
يجوز أن يكون نَصْباً على معنى: أتعسهم اللَّه قال: و التَّعْس في اللغة: الانحطاط و العثور. قال أبو منصور و أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: قال أبو عمرو بن العلاء: تقول العرب:
الوَقْس يُعدى فتعدّ الوَقْسا             من يَدْنُ للوَقْس يلاقِ تَعْسا
قال: و الوقْس: الجَرَب، و التَّعْس الهلاك.
و تعدَّ أي تجنَّب و تنكب. كله سواء).
ع س ظ- ع س ذ- ع س ث:
أهملت وجوهها.
باب العين و السين مع الراء
 [س ع ر]
عسر، عرس، سرع، سعر، رسع، رعس:
مستعملات.
عسر:
قال اللَّه جل و عزّ: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ
 [البقرة: 280]، و قال اللَّه جل و عز: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً
 [الطلاق: 7] و قال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
 [الشرح: 5]. و العُسْر: نقيض اليسر. و العُسْرة: قِلّة ذات اليد. و كذلك الإعسار. و العُسْرى: الأمور التي تعسُر و لا تتيسّر، و اليسْرى: ما استيسر منها.
و العسرى: تأنيث: الأعسر من الأمور.
و
رُوي عن ابن مسعود أنه قرأ قوله جل‏

48
تهذيب اللغة2

عسر ص 48

و عز: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
 [الشرح: 5، 6]. فقال: لا يَغلب عُسْر يسرين.
و سئل أبو العباس عن تفسير قول ابن مسعود و مرادِه من قوله فقال:
قال الفرّاء: العرب إذا ذكَرت نكرة ثم أعادتها بنكرة مثلها صارتا ثنتين، و إذا أعادتها بمعرفة فهي هي. تقول من ذلك:
إذا كسبت درهماً فأنفِق درهماً، فالثاني غير الأوّل، فإذا أعدته بالألف و اللام فهي هي. تقول من ذلك: إذا كسبت درهماً فأنفِق الدرهم، فالثاني هو الأول. قال أبو العباس: و هذا معنى قول ابن مسعود، لأن اللَّه تعالى لمّا ذكر (العُسر) ثم أعاده بالألف و اللام عُلِم أنه هو، و لمّا ذكر (يُسْراً)* بلا ألف و لام ثم أعاده بغير ألف و لام عُلِم أن الثاني غير الأول، فصار العُسْر الثاني العسر الأول، و صار يسر ثان غير يسر بدأ بذكره. و يقال إن اللَّه جل و عزّ أراد بالعسر في الدنيا على المؤمن أنه يُبْدِله يسراً في الدنيا و يسراً في الآخرة و اللَّه أعلم. و قيل: لو دخل العسر جُحْراً لدخل اليسر عليه، و ذلك أن أصحاب رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا في ضِيق شديد، فأعلمهم اللَّه أنْ سيفتح عليهم، ففتح اللَّه عليهم الفُتُوح، و أبدلهم بالعُسر الذي كانوا فيه اليسْر و قيل في قوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ [الليل: 7] أي للأمر السهل الذي لا يقدر عليه إلا المؤمنون. و قوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏
 [الليل: 10] قالوا: العسرى:
العذاب و الأمر العسير. قلت: و العرب تضع المعسور موضع العُسْر، و الميسورَ موضع اليُسْر، و جُعِل المفعول في الحرفين كالمصدر. و يقال: أعسر الرجلُ فهو مُعْسِر إذا صار ذا عُسْرة و قِلَّة ذات يد. قال:
و عَسَرت الغريم أعسِره عَسْراً إذا أخذته على عُسْرة و لم تَرْفُق به إلى مَيسَرته.
و يقال: عَسُر الأمر يعسُر عُسْراً فهو عَسِير، و عَسِر يَعْسَر عَسَراً فهو عسِر. و يوم عسير:
ذو عُسْر. قال اللَّه تعالى في صفة يوم القيامة: فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ* عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
 [المدثر: 9، 10].
و يقال: رجل أعسر بيِّن العَسَر و امرأة عسراء إذا كانت قوّتّهما في أشْمُلهما، و يعمل كل واحد منهما بشماله ما يعمل غيره بيمينه. و يقال: رجل أعسر يَسَر و امرأة عَسْراء يَسَرة إذا كانا يعملان بأيديهما جميعاً، و لا يقال: أعْسَر أيسر، و لا عسراء يَسراء للأنثى، و على هذا كلام العرب. و يقال من اليَسَر: في فلان يَسَرة.
و يقال: بلغتُ معسور فلان إذا لم تَرْفُق به، و عسَّرت على فلان الأمر تعسيراً.
و يقال: استعسرت فلاناً إذا طلبت معسوره، و استعسر الأمرُ و تعسّر إذا صار عسيراً. و قال ابن المظفّر: يقال للغَزْل إذا التبس فلم تقدر على تخليصه: قد تغسّر بالغين و لا يقال بالعين إلَّا تجشُّماً. قلت:
و هذا الذي قاله ابن المظفر صحيح، و كلام العرب عليه، سمعته من غير واحد منهم، و يوم أعسر أي مشئوم قال مَعْقِل الهذلي:
و رُحْنا بقوم من بُدَالة قُرِّنوا             و ظلّ لهم يوم من الشر أعسرُ
فسّر أنه أراد به أنه مشئوم. قال: و يقال:

49
تهذيب اللغة2

عسر ص 48

أعسرت المرأةُ إذا عَسُر عليها وِلادها.
و إذا دُعي عليها قيل: أعسرتْ و آنثتْ، و إذا دُعي لها قيل: أيسرت و أذكرتْ أي وضعت ذكراً و تيسّر عليها الوِلاد. و قال الليث: العَسِير: الناقة التي اعتاطت فلم تَحمل سَنَتها، و قد عَسُرت، و أنشد قول الأعشى:
و عسير أدماء حادرة العي             ن خَنُوفٍ عَيْرانة شِملالِ‏
قلت: تفسير الليث للعسير أنها الناقة التي اعتاطت غير صحيح. و العَسِير من الإبل عند العرب: التي اعتُسِرت فرُكِبت و لم تكن ذُلِّلت قبل ذلك و لا رِيضت. و هكذا فسّره الأصمعيّ فيما رَوَى عنه أبو عُبَيد.
و كذلك قال ابن السكِّيت في تفسير قوله:
و روحة دنيا بين حَيّين رحتها             أسِيرُ عَسِيراً أو عَروضاً أروضها
قال: العَسِير: الناقة التي رُكبت قبل تذليلها، و أما العاسرة من النوق فهي التي إذا عَدَت رفَعَت ذَنَبها، و تفعل ذلك من نشاطها، و الذئب يفعل ذلك. و منه قول الشاعر:
إلا عواسرُ كالقداح معيدةٌ             بالليل مورد أيِّم متغضِّف‏
أراد بالعواسر: الذئاب التي تعسِل في عَدْوها و تكسّر أذنابها. و ناقة عَوْسَرانية إذا كان من دأبها تكسير ذَنَبها و رفعُه إذا عَدَت. و منه قول الطِرِمَّاح:
عَوْسرانيّة إذا انتفض الخِم             سُ نفاضَ الفَضِيض أيَّ انتفاضِ‏
الفضيض: الماء السائل، أراد أنها ترفع ذَنَبها من النشاط و تعدو بعد عَطَشها و آخر ظمئها في الخِمْس. و زعم الليث أن العَوْسَرانيّة و العَيْسَرانيّة من النوق: التي تُركَب من قبل أن تُراض قال: و الذكر عَيْسُران و عَيْسَران، و كلام العرب على غير ما قال الليث. و قال ابن السكيت:
العَسْر: أن تَعْسِر الناقةُ بذنبها أي تشول به، يقال: عَسَرتْ به تعسِر عَسْراً. و العَسْر أيضاً مصدر عَسَرته أي أخذته على عُسْرة.
قال: و العُسْر- بالضمّ- من الإعسار و هو الضيق. و قال الفرّاء: يقول القائل: كيف قال اللَّه تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏
 [الليل:
10] و هل في العُسْرى تيسير. قال الفراء:
و هذا في جوازه بمنزلة قول اللَّه تعالى:
وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [التوبة:
3] و البِشارة في الأصل تقع على المفرِّح السارّ. فإذا جمعت كلامين في خير و شرّ جاز التبشير فيهما جميعاً. قلت: و تَقول قابِلْ غَرْب السانية لقائدها إذا انتهى الغَرب طالعاً من البئر إلى يَدي القابل و تمكّن من عَرَاقِيها: ألَا و يَسّر السانية أي اعطف رأسها كيلا تجاوز المَنْحاة فيرتفع الغَرْب إلى المَحَالة و المِحْور فيتخرَّق. و رأيتهم يسمّون عَطْف السانية تيسيراً، لِمَا في خلافه من التعسير، و يقال: اعتسرت الكلامَ إذا اقتضبته قبل أن تزوّره و تهيئه.
و قال الجعديّ:
فذَرْ ذَا وعَدِّ إلى غيره             فشرّ المقالة ما يُعْتسَرْ
قلت: و هذا من اعتسار البعير و ركوبه قبل‏

50
تهذيب اللغة2

عسر ص 48

تذليله. و يقال: ذهبت الإبل عُسَاريَات و عُشَاريَات إذا انتشرت و تفرّقت. و قال ابن شميل: جاءوا عُسَاريَات و عُسَارَى- تقدير سكارى- أي بعضهم في إثْر بعض. و قال النضر في الحديث الذي جاء: يعتسر الرجلُ من مال ولده رواه بالسين و قال:
معناه: يأخذ من ماله و هو كاره، و أنشد:
إن أصحُ عن داعي الهوى المضِلِّ             صُحُوّ ناسي الشوق مستبِلّ‏
معتسِر للصُّرْم أو مُدِلِ‏
و قال الأصمعي: عَسَره و قَسَره واحد.
قال: و عَسَرْت الناقة عَسْراً إذا أخذتها من الإبل. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العُسُر: أصحاب التبرية في التقاضي و العمل. و المِعْسَر: الذي يُقعّط على غريمه. قال: و العِسْرة: قبيلة من قبائل الجِنّ. قلت: و قال بعضهم في قول أبي أحمر:
و فتيان كجِلّة آل عِسْر
إن عِسْر قبيلة من الجنّ. و قيل: عِسْر:
أرض يسكنها الجنّ. و عِسْر في قول زهير: موضع:
كأن عليهمُ بجُنُوب عِسْر
و العُسْر لُعْبة لهم: ينصبون خشبة ثم ترمى يخشبة أخرى و تقلَع. قال الأغرّ بن عُبَيد اليَشْكُريّ:
 فوق الحزامى ترتمين بها             كتخاذف الوِلْدان بالعُسْر
أي تفعل مَنَاسمُ هذه الناقة بالحَصَى كما تفعل الولدان بهذه الخشبة. و عُقَاب عسراء: ريشها من الجانب الأيسر أكثر من الأيمن. قال ساعدة:
و عمّى عليه الموت أنّي طريقه             سنين كعسراء العُقَاب و مِنْهَبُ‏
أي فرس. و يقال: حَمَام أعسر و عُقَاب عسراء: بجناحه من يساره بياض.
عرس:
رَوَى أبو عُبَيد في حديث حسّان بن ثابت أنه كان إذا دُعِي إلى طعام قال:
 «أفي خُرْس أو عُرْس أو إعْذار»
. قال أبو عبيد: قوله: في عُرْس أي طعام الوليمة.
قلت: العُرْس: اسم من إعراس الرجل بأهله إذا بنى عليها و دخل بها، و كل واحد من الزوجين عَرُوس، يقال للرجل عَرُوس و للمرأة عروس كذلك بغيرها، ثم تسمى الوليمة عُرْساً. و العرب تؤنّث العُرْس، قال ابن السكيت: تقول: هذه عُرْس، و الجميع الأعراس. و أنشد قول الراجز:
إنا وجدنا عُرُس الحَنَّاط             مذمومةً لئيمة الحُوَّاط
تُدْعى مع النَّسَّاج و الخَيَّاط
و عِرْس الرجل: امرأته. يقال: هي عِرْسه و طَلَّته و قَعِيدته. و لَبُؤة الأسَد عِرْسه.
و الزوجان لا يسميان عروسين إلا أيام البِناء و اتّخاذ العُرْس. و المرأة تسمَّى عِرْس الرجل كلَّ وقت. و من أمثال العرب: لا مَخْبَأ لعِطْر بعد عَرُوس. قال أبو عبيد:
قال المفضّل: عروس ههنا اسم رجل تزوّج امرأة، فلمَّا هُدِيت إليه وجدها تَفِلة فقال: أين عِطركِ فقالت: خبأته، فقال:
لا مخبأ لِعطر بعد عروس. و قيل: إنها قالته بعد موته. و يقال للرجل: هو عِرْس‏

51
تهذيب اللغة2

عرس ص 51

امرأته، و للمرأة: هي عِرْسه. و منه قول العجّاج:
أزهر لم يولد بنجم نَحْس             أنجب عِرْسٍ جُبلا و عِرْس‏
أي أكرم رجل و امرأة. ابن الأعرابي:
عَرُوس و عُرُوس، و بات عَذُوباً و عُذُوباً و سَدُوس و سُدُوس. و
حدَّثنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا شعيب بن أيوب عن نُمير بن عُبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عُرْس فليجِب»
. قال الأزهري: أراد طعام الرجل بأهله. و عِرّيسة الأسَد و عَرّيسه بالهاء و غير الهاء: مأواه في خِيسه. و
في حديث عمر أنه نَهَى عن مُتْعة الحجّ و قال: قد علمت أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فعله، و لكني كرهت أن يظلّوا مُعْرِسين بهنّ تحت الأراك ثم يروحوا بالحج تقطُر رؤوسهم.
و قوله: مُعْرِسين أي مُلمّين بنسائهم و هو بالتخفيف، و هذا يدلُّ على أن إلمام الرجل بأهله يسمّى إعراساً أيام بنائه عليها و بعد ذلك؛ لأن تمتع الحاجّ بامرأته يكون بعد بنائه عليها. و أمَّا التعريس فَنومة المسافر بعد إدلاجه من الليل، فإذا كان وقت السَّحَر أناخ و نام نومة خفيفة ثم يثور مع انفجار الصبح سائراً. و منه قول لَبِيد:
قَلَّما عرَّس حتى هِجتُه             بالتباشير من الصبح الأُوَلْ‏
و أنشدتني أعرابيَّة من بني نُمَير:
قد طلعت حمراء فَنْطَلِيسُ             ليس لرَكْب بعدها تعريس‏
أبو عُبيد عن الأصمعيّ: عَرِس الرجل و عَرِش بالسين و الشين إذا بَطِر أي بهت و دُهِش. قال: و قال الأصمعيّ: البيت المعرَّس: الذي عُمِل له عَرْس و هو الحائط يجعل بين حائطي البيت لا يُبْلَغ به أقصاه، ثم يوضع الجائز على طَرَف العَرْس الداخل إلى أقصى البيت و سُقِّف البيت كله، فما كان بين الحائطين فهو سَهْوة، و ما كان تحت الجائز فهو المُخْدَع. أبو عبيد عن الأحمر: عَرَسْت البعير عَرْساً و هو أن تَشدَّ عنقه مع يديه جميعاً و هو بارك، اسم ذلك الحَبْل العِرَاس، فإذا شَدّ عُنقه إلى إحدى يديه فهو العَكْس، و اسم ذلك الحَبْل العِكَاس.
و يقال: عَرِس الرجلُ بصاحبه إذا لزمه، و عَرِس الصبيُّ بأمّه إذا لزمها، و عَرِس الشرُّ بينهم إذا لزِم و دام. قلت: و رأيت بالدَّهْنَى حِبَالًا من نُقْيان رمالها يقال لها العرائس، و لم أسمع لها بواحد. و ابن عِرْس: دُوَيْبة معروفة لها ناب. و الجمع:
بنات عِرْس. و العِرْسِيّ: ضرب من الصِّبْغ كأنه شُبِّه لونُه بلون ابن عِرْسٍ الدابّة. و قال ابن الأعرابي: ابن عِرْس معرفة و نكرة.
يقال: هذا ابن عِرْس مقبلًا، و هذا ابن عِرْس آخرُ مقبل. قال: و يجوز في المعرفة الرفع و يجوز في النكرة النصب. قال ذلك كله المفضّل و الكسائي. و قال الليث:
يقال: اعترسوا عنه أي تفرّقوا. قلت: هذا حرف منكر لا أدري ما هو. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العرّاس و المُعَرّس و المِعْرس: بائع الأعراس و هي الفُصْلان الصغار، واحدها عُرْس و عَرْس. قال:

52
تهذيب اللغة2

عرس ص 51

و قال أعرابي: بكم البَلْهاء و أعراسها أي أولادها. قال: و المِعْرس: السائق الحاذق بالسياق، فإذا نَشِط القوم سار بهم، و إذا كَسِلوا عرّس بهم. قال: و المِعْرَس: الكثير التزويج. قال: و العَرْس: الإقامة في الفَرَح. قال: و العَرّاس: بائع العُرُس و هي الحبال واحدها عِرَاس. قال: و العَرس.
عمود في وسط الفُسْطاط. و العَرْس:
الحَبْل.
سعر:
قال اللَّه تبارك و تعالى حكاية عن قوم صالح: أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ
 [القمر: 24] قال الفراء: أراد بالسُّعُر: العَنَاء للعذاب. و قال غيره في قوله: إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ
 معناه: إنا إذاً لفي ضلال و جنون، يقال: ناقة مسعورة إذا كانت كأنّ بها جنوناً. قلت: و يجوز أن يكون معناه: إنا إن اتبعناه و أطعناه فنحن في ضلال و في عذاب و عناء مما يُلزمنا، و إلى هذا مال الفرّاء و اللَّه أعلم. و قوله جل و عز:
فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ
 [الملك: 11] أي بُعْداً لأصحاب النار، يقال: سَعَرت النار أسْعَرها سَعْراً إذا أوقدتها، و هي مسعورة.
و سَعَرت نار الحرب سَعْراً و استعرت النارُ إذا استُوقِدت و رجل مِسْعَر حربٍ إذا كان يؤرِّثها. و السَّعِير، النار نفسها. و سُعَار النار: حَرّها. و يقال للرجل إذا ضربه السَّمُومُ فاستعرَ جوفُه: به سُعَار. و سُعَار العطش: التهابه، و سُعَار الجوع: لهيبه، و منه قول الشاعر يهجو رجلًا:
 تُسمّنها بأخثر حَلْبتيها             و مولاك الأحم له سُعار
وَصَفه بتغريزه حلائبه و كَسْعه ضروعها بالماء البارد و ليرتدّ لبنها فيبقى لها طِرْقها، في حال جوع ابن عمه الأقرب منه.
و الأحمّ: الأدنى الأقرب، و الحميم:
القريب القرابةِ. و مَساعر البعير: حيث يستعِر فيه الجَرَب من الآباط و الأرفاغ و أُمّ القُرَاد و المشافِر. و منه قول ذي الرمَّة:
قريع هجان دُسَّ منه المساعر
و الواحد مَسْعَر. و يقال: سُعِر الرجل فهو مسعور إذا اشتدّ جوعُه أو عطشه. و قال الليث: السُّعْرة في الإنسان: لون يضرب إلى سواد فويق الأُدْمة. و قال العجاج:
أسعر ضَرْباً أو طُوَالًا هِجْرَعا
و يقال: سعِر فلان يَسْعَر سَعَراً فهو أسعر قال: و السِّعْرارة: ما تردّد في الضوء الساقط في البيت من الشمس و هو الهَبَاء المنبثّ. و يقال لما يحرّك به النار من حديد أو خشب: مِسْعَر و مِسعار. و يقال:
سعرْتُ اليوم سَعْرة في حوائجي ثم جئت أي طُفت فيها. و قال الأصمعيّ: المِسْعَر:
الشديد في قوله:
و سامَى بها عُنُق مِسْعَرُ
و روى أبو عبيد عن أبي عمرو: المِسْعَر:
الطويل. و يقال: سَعَرتِ الناقةُ إذا أسرعت في سيرها، فهي سَعُور. و قال أبو عبيدة في كتاب «الخيل»: فرس مِسْعَر و مُساعر، و هو الذي تَطيح قوائمه متفرّقة و لا ضَبْر له. و قال ابن السكيت تقول العرب:
ضَرْب هَبْر، و طعن نَتْر، و رَمْي سَعْر، مأخوذ من سَعَرْت النارَ و الحرب إذا هيَّجتهما. و إنه لمِسْعَر حرب أي تُحمى به‏

53
تهذيب اللغة2

سعر ص 53

الحرب. قال: و السِّعْر من الأسعار و هو الذي يقوم عليه الثمن. و
في الحديث أنه قيل للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم: سَعِّر لنا فقال: «إن اللَّه هو المسعّر»
. و قال الليث: يقال أسعر و سعَّر بمعنى واحد. و الساعورة كهيئة التنّور يحفَر في الأرض يختبز فيه، قال ابن الأعرابي: و قال أبو زيد: السَّعَران: شدّة العَدْو، و الجَمَرانُ: من الجمر. و الفَلَتان:
النشيط و قال ابن الأعرابي: السُّعَيرة:
تصغير السَّعْرة و هي السُّعَال الحادّ. و يقال:
هذا سَعْرة الأمر و سَرْحته و فَوْعته أي أوّله و حدَّته. أبو يوسف: استعر الناس في كل وجه و استنْجوْا إذا أكلوا الرُطْب و أصابوه.
قال ابن عرفة: فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ
 [القمر:
47] أي في أمر نسعره أي يُلْهبنا.
سرع:
أبو العباس عن ابن الأعرابي: سَرِع الرجل إذا أسرع في كلامه و فعاله. و قال:
سَرْعان ذا خروجاً و سُرْعان ذا خروجاً و سِرْعان ذا خروجاً. و الضمّ أفصحها.
و قال ابن السكيت: يقال: سَرُع يَسْرُع سَرَعاً و سُرْعة فهو سريع. و العرب تقول:
لسَرْعان ذا خروجاً بتسكين الراء. و يقال:
لسَرُع ذا خروجاً بضمّ الراء. و ربما أسكنوا الراء فقالوا: سَرْع ذا خروجاً، و منه قول مالك بن زُغْبة الباهلي:
أنَوْراً سَرْع ماذا يا فَرُوقُ             و حَبْلُ الوصل منتكِث حَذِيقُ‏
أنوراً معناه: أنِواراً يا فَرُوق. و قوله: سَرُعْ ماذا أراد: سَرُع فخفَّف و (ما) صلة أراد:
سَرُع ذا نَوْراً. و سَرَعان الناس- بفتح الراء-: أوائلهم. و سَرَعان عَقَب المَتْنَين:
شِبْه الخُضَل تخلَّص من اللحم ثم تُفتل أوتاراً للقِسيّ، يقال لها السَّرَعان، سمعت ذلك من العرب. و قال الأصمعي: سَرَعان الناس- محرك- لمن يُسرع من العسكر.
و قال أبو زيد: واحدة سَرَعان العَقَب:
سَرَعانة، و كان ابن الأعرابي يقول:
سَرْعان الناس: أوائلهم. و قال القطامي في لغة من يثقّل فيقول: سَرَعان الناس:
و حسبُنا نَزَع الكتيبة غُدْوة             فيغيِّفون و نوجع السرَعانا
أبو عبيد عن الأصمعي: الأساريع: الطُّرَق التي في القوس واحدتها طُرْقة. و أساريع الرمل واحدها أُسروع و يَسروع بفتح الياء و ضمّ الهمزة، و هي ديدان تظهر في الربيع مخطَّطة بسواد و حمرة، و يشبَّه بها بَنَان العَذَارَى. و منه قول امرى‏ء القيس:
و تعطو بِرَخْص غير شَثْن كأنه             أساريعُ ظبي أو مساويك إسْحِل‏
و قال ابن شميل: أساريع العِنَب شُكُر تخرج في أصول الحَبَلة. و ربما أُكلت حامضة رَطْبة. الواحدة أُسروع.
و قال أبو عمرو: أُسروع الظبي: عَصَبة تَسْتبطِن يده و رِجله. و السَّرْوَعة: النَّبَكة العظيمة من الرمل، و تجمع سَرْوَعات و سَرَاوع و يقال: أسرع فلان المشيَ و الكتابة و غيرهما و هو فعل مجاوز.
و يقولون: أسرع إلى كذا و كذا يريدون:
أسرع المضيَّ إليه، و سارع بمعنى أسرع، يقال ذلك للواحد، و للجميع: سارعوا.
قال اللَّه جل و عزَّ: أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرات‏

54
تهذيب اللغة2

سرع ص 54

 [المؤمنون: 55، 56] معناه: أيحسبون أن إمدادنا لهم بالمال و البنين مجازاةٌ لهم، و إنما هو استدراج من اللَّه لهم. و (ما) في معنى الذي. أراد: أيحسبون أن الذي نَمدّهم به من مال و بنين، و الخبر معه محذوف، المعنى: نسارع لهم به. و قال الفراء: خبر أَنَّما نُمِدُّهُمْ قوله: نُسارِعُ لَهُمْ‏
 و اسم (أن): (ما) بمعنى الذي. و من قرأ: (يسارَع لهم في الخيرات) (فمعناه:
يسارَع به لهم في الخيرات فيكون مثل نُسارِعُ‏
. و يجوز أن يكون على معنى:
أيحسبون إمدادنا يسارع لهم في الخيرات، فلا يحتاج إلى ضمير، و هذا قول الزجّاج.
و قال ابن المظفّر: السَّرْع: قضيب سَنَةٍ من قضبان الكَرْم، و الجمع السُّرُوع. قال: و هي تَسْرُع سُرُوعاً و هنّ سوارع و الواحدة سارعة.
قال: و السَّرْع: اسم القضيب من ذلك خاصّة. قال: و يقال لكل قضيب ما دام رَطْباً غضّاً: سَرَعْرَع، و إن أنَّثت قلت:
سَرَعْرعة.
و أنشد:
أزمان إذ كنتُ كنعت الناعت             سَرَعْرعاً خُوطاً كغصن نابت‏
يصف عنفوان شبابه. قلت: و السَّرْغ- بالغين-: لغة في السَّرْع بمعنى القضيب الرَطْب، و هي السُّرُوغ و السُّروع.
الأصمعيّ: شبَّ فلان شباباً سَرَعْرعاً.
و السَّرَعْرعة من النساء: الليّنة الناعمة.
و
في الحديث أن أحد ابني رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم بال فرأى بوله أساريع‏
، و الأساريع:
الطرائق.
عمرو عن أبيه قال: أبو سَرِيع: هو كُنْية النار في العَرْفَج. و أنشد:
لا تعدِلنَّ بأبي سريعِ             إذا غدت نكباء بالصقيع‏
قال: و الصقيع: الثلج. و المِسْرع: السريع إلى خير أو شرّ.
في الحديث: «فأخذتهم من سَرْوَعَتين»
، السَّرْوعة: الرابية من الرمل. و كذلك الزَّرْوَحَةُ تكون من الرمل و غيره.
رعس:
أهمله الليث، و هو مستعمل. قال أبو عمرو الشيبانيّ: الرَّعْس و الرَّعَسان:
رَجَفان الرأس، و قال بعض الطائيين:
سيعلم من ينوي خِلابيَ أنني             أريب بأكناف البُضَيض حَبَلَّسُ‏
أرادوا خِلابي يوم فَيْدَ و قَرَّبوا             لِحى و رؤوساً للشهادة تَرْعَسُ‏
الحَبَلَّس و الحَلَبَّس و الحُلَابس: الشجاع الذي لا يبرح مكانه. و أنشد الباهليّ قول العجاج يذكر سيفاً يَهُذّ ضريبته هَذَّاً:
يُذْري بإرعاسِ يمينِ المؤتلي             خُضُمَّة الدارع هَذَّ المختلِي‏
قال: يُذْري أي يُطير، و الإرعاس:
الرجف، و المؤتلي: الذي لا يبلغ جهده.
و خُضُمَّة كل شي‏ء: معظمه. و الدارع:
الذي عليه الدرع. يقول: يقطع هذا السيف معظم هذا الدارع، على أن يمين الضارب به تَرْجُف و على أنه غير مجتهد في ضَرْبته. و إنما نعت السيف بسرعة القطع. و المختلي: الذي يحتشّ بِمِخلاه و هو مِحَشّه. و ناقة راعوس: تحرّك رأسها

55
تهذيب اللغة2

رعس ص 55

إذا عَدَت من نشاطها. و رمح رَعُوس و رَعَّاس إذا كان لَدْن المهَزّ عَرّاصاً شديد الاضطراب. و قال أبو سعيد: يقال:
ارتعس رأسه و ارتعش إذا اضطرب و ارتعد. و قال أبو العباس: قال ابن الأعرابي: المِرْعَس الرجل الخفيف القَشَّاش. و القشاش: الذي يلتقط الطعام الذي لا خير فيه من المزابل.
رسع:
في حديث عبد اللَّه بن عمرو أنه بكى حتى رسَعت عينه.
قال أبو عبيد: يعني:
فسَدت و تغيرت. و فيه لغتان: رَسَع و رَسَّع. و رجل مرسِّع و مرسِّعة. و قال امرؤ القيس:
         أيا هند لا تنكحي بُوهَة             عليه عقيقتُه أحسبا
             مرسِّعة وسط أرباعه             به عَسَم يبتغي أرنبا
             ليجعل في رِجله كعبها             حذار المنيَّة أن يعطَبا

قال: و المرسِّعة: الذي فسدت عينه، و البُوهة: الأحمق. و قوله:
         حذار المنِيَّة أن يعطبا
كان حمقى العرب في الجاهلية يعلِّقون كعب الأرنب في الرِّجْل و يقولون: إن من فعل ذلك لم تصبه عين و لا آفة. و قال ابن السكيت: الترسيع: أن تخرق سَيْراً ثم تُدخل فيه سَيْراً كما يُسَوّي سُيُور المصاحف. و اسم السير المفعولِ به ذلك: الرَّسِيع و أنشد:
         و عاد الرسيع نُهْية للحمائل‏
يقول: انكبَّت سيوفهم فصارت أسافلها أعاليها. قلت: و من العرب من يجعل بدل السين في هذا الحرف الصاد فيقول: هو الرَّصِيع و قال ابن شميل: الرصائع: سيور مضفورة في أسافل الحمائل، الواحدة رِصَاعة. و رَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابي: المرسَّع: الذي انسلقت عينه من السهر.
باب العين و السين مع اللام‏
 [ع س ل‏]
عسل، علس، سلع، سعل، لعس، لسع:
مستعملات.
عسل:
قال اللَّه جل و عز: وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى‏
 [محمد: 15] فالعسل الذي في الدنيا هو لُعَاب النَّحْل. و جعل اللَّه بلطفه فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ. و العرب تسمّي صَمْغ العُرْفُط عَسَلًا لحلاوته و تسمِّي صَقْر الرُّطَب- و هو ما سال من سُلَافته- عَسَلًا.
و أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي أنه قال: عَسَل النحل هو المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحُلْو المسمَّى به على التشبيه. قال: و العرب تقول للحديث الحُلْو: معسول. و
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لامرأة سألته عن زوج تزوَّجته لترجع به إلى زوجها الأوّل الذي طلَّقها فلم ينتشر ذكره للإيلاج فقال لها: «أتريدين أن ترجعي إلى رِفَاعة؟ لا حتى تذوقي عُسَيلته و يذوق عُسَيلتك»
، يعني جماعها، لأن الجماع هو المستحلَى من المرأة. و قالوا لكل ما استحلَوْا: عَسَلٌ و معسول، على أنه‏

56
تهذيب اللغة2

عسل ص 56

يُسْتحلى استحلاء العَسَل. و قال غيره في‏
قوله: «حتى تذوقي عُسَيلته و يذوق عُسَيْلتك»
: إن العُسَيلة: ماء الرجل. قال:
و النطْفة تسمَّى العُسَيلة، رَوَى ذلك شمر عن أبي عدنان عن أبي زيد الأنصاريّ:
قلت: و الصواب ما قاله الشافعي؛ لأن العُسَيلة في هذا الحديث كناية عن حلاوة الجماع الذي يكون بتغييب الحَشَفة في فرج المرأة، و لا يكون ذَوَاق العُسَيلتين معاً إلا بالتغييب و إن لم يُنزِلا، و لذلك اشترط عُسَيلتهما. و أنَّت العُسَيلة لأنه شبَّهها بقطعة من العَسَل. و هذا كما تقول:
كنّا في لَحْمَة و نَبِيذة و عَسَلة أي في قطعة من كل شي‏ء منها. و العرب تؤنّث العَسَل و تذكّره. قال الشمَّاخ:
كأن عيون الناظرين تشوفها             بها عسل طابت يَدَاً من يشورُها
أي تشوف العيونُ و الأبصار بها هذه المرأة. قال ذلك ابن السكيت. و العَسَّالة:
الخليَّة التي تسَوَّى للنحل من راقود و غيره فتعسِّل فيه. يقال: عسّل النحلُ تعسيلًا.
و الذي يَشتار العسل فيأخذه من الخليَّة يسمَّى عاسلًا.
و منه قول لبيد:
و أرْيِ دُبُورٍ شارَهُ النحلَ عاسلُ‏
و من العرب من يذكّر العَسَل، لغة معروفة. و التأنيث أكثر. و عَسَل اللُبْنَى:
صَمْغ يَسيل من شجر اللبنى لا حلاوة له:
يسمَّى عَسَل اللبنى. و
حدّثنا الحسين بن إدريس حدثنا عثمان ابن أبي شَيبة عن زيد بن الحُبَاب عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَير عن أبيه قال: سمعت عمرو بن الحَمِق يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إذا أراد اللَّه بعبد خيراً عَسَله»: قيل: يا رسول اللَّه و ما عَسَله؟
قال: «يَفتح له عملًا صالحاً بين يدي موته حتى يرضى عنه مَن حوله»
. و رَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال:
العَسَل: طِيب الثناء على الرجل. قال:
و معنى‏
قوله: «إذا أراد اللَّه بعبد خيراً عَسَله»
أي طيَّب ثناءه. و قال غيره: معنى قوله: عَسَله أي جعل له من العمل الصالح ثناء طيّباً كالعَسَل؛ كما يُعْسَل الطعام إذا جُعل فيه العَسَل. يقال: عَسَلت الطعامَ و السَّوِيقَ أعْسِله و أعسُله إذا جعلت فيه عَسَلًا و طيَّبتْه و حلَّيته. و يقال أيضاً:
عَسَلت الرجلَ إذا جعلت أُدْمه العَسَل.
و عسَّلت القوم- بالتشديد- إذا زوّدتهم العَسَل. و جارية معسولة الكلام إذا كانت حُلْوة المنطق مليحة اللفظ طيّبة النَّغْمة.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
العَسَل: حَبَاب الماء إذا جرى من هبوب الريح. قال: و العُسُل: الرجال الصالحون. قال: و هو جمع عاسل و عَسُول. قال: و هو ممَّا جاء على لفظ فاعل و هو مفعول به. قلت: كأنه أراد:
رجل عاسل: ذو عَسَل أي ذو عمل صالحٍ، الثناءُ عليه به مستحلَى كالعسل.
و قال الفرّاء: العَسِيل: مِكْنسة الطِّيب.
و العَسِيل: الريشة التي تُقلع بها الغالية.
و العَسِيل أيضاً: قضيب الفيل و جمعه كلّه عُسُل. و أنشد الفرّاء:

57
تهذيب اللغة2

عسل ص 56

فرِشْني بخير لا أكونَنْ و مِدْحتي             كناحتِ يوماً صخرةٍ بعَسِيل‏
قال: أراد: كناحتٍ صخرةً بعسيل يوماً، هكذا أنشد فيه المنذريّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفرّاء. و مثله قول أبي الأسود:
فألفيتُه غير مستعتِب             و لا ذاكِر اللَّهَ إلا قليلًا
قال ابن الأنباريّ: أراد: و لا ذاكرٍ اللَّه، و أنشد الفرّاء أيضاً:
ربّ ابن عم لسُلَيمى مشمعلّ             طبّاخ ساعات الكرى زادَ الكَسِل‏
أبو عبيد عن أبي عبيدة قال: رُمْح عاسل و عَسَّال: مضطرِب لَدْن، و هو العاتر، و قد عَتَر و عَسَل.
و قال الليث: العَسِل: الرجل الشديد الضرب السريع رَجْعِ اليد بالضرب.
و أنشد:
 تمشي موائلة و النفس تنذِرها             مع الوبيل بكف الأهوج العسِل‏
فلان أخبث من أبي عِسْلة و من أبي رِعْلة و من أبي سِلعامة و من أبي مُعْطة كلّه الذئب. و يقال: عَسَل الذئب يعسِل عَسْلًا و عَسَلاناً و هو سرعة هِزّته في عَدْوه. و قال الجعديّ:
عَسَلانَ الذئب أمسى قارباً             بَرَد الليلُ عليه فنسَلْ‏
و يقال: رجل عِسْل مال كقولك: إزَاء مال و خال مال. ابن السكيت يقال: ما لفلان مَضْرِب عَسَلة يعني: أعراقه. و قال غيره:
أصل ذلك في سُؤر العسل ثم صار مثلًا للأصل و النسَب. و يقال: بَسْلاله و عَسْلًا و هو اللَّحْي في الملام. شمر عن أبي عمرو: يقال: عَسَلْت من طعامه عَسْلًا أي ذقت. و يقال: هو على أعسال من أبيه و أعْسان أي على أثَر من أثره، الواحد عِسْل و عِسْن. و هذا عِسْل هذا و عِسْنه أي مِثله. و العَسْل: الحَلْب بستّين، و الفَطْر:
الحَلْب بثمانين. و العواسل: الريَاح.
علس:
أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي قال: العَلَس: ضَرْب من القمح، يكون في الكمام منه حبَّتان، يكون بناحية اليمن. ثعلب عن ابن الأعرابي قال:
العَدَس يقال له: العَلَس: أبو عبيد عن الأصمعيّ: يقال للقُرَاد: العَلّ و قال شمر:
و العَلُس مثلُه، و جمعه أعلال و أعلاس.
قال أبو عبيد: و قال الأموي: ما ذقت عَلُوساً. و قال الأحمر: ما ذقت عَلُوساً و لا ألُوساً أي ما ذقت طعاماً. ابن السكيت عن الكِلَابيّ قال: ما عَلَسْنا عندهم عَلُوساً. و قال ابن هانى‏ء، ما أكلت اليوم عَلَاساً، و قد عَلَسَتِ الإبلُ تعلِس إذا أصابت شيئاً تأكله. و قال الليث: العَلْس: الشُّرْب، يقال: عَلَس يَعْلِس إذا أصابت شيئاً تأكله. و قال الليث: العَلْس: الشُّرْب، يقال: عَلَس يَعْلِس عَلْساً. و العَلِيس: شِوَاء مَسْمون.
قلت: العَلْس: الأكل، و قلَّما يُتَكلّمِ به بغير حرف النفي. و أخبرني الإياديّ عن شمر قال: العَلَسيُّ الحَمل الشديد. و أنشد قول المَرّار:
 إذا رآها العَلَسيّ أبلسا             و عَلَّق القوم أداوَى يُبَّسا

58
تهذيب اللغة2

علس ص 58


و قال أبو عمرو: العَلَسِيّ: شجرة المَقْرِ.
و قال أبو وَجْزة السعديّ:
كَأَنَّ النُّقْدَ و العَلَسيَّ أجنى             و نعَّم نبته واد مطيرُ
و قال أبو عمرو: العَلِيس: الشوَاء المنضَج.
و قال ابن السكيت عن الكلابيّ: رجل مجرَّس و مُعَلَّس و منقَّح و مقلَّح أي مجرَّب.
لعس:
في حديث الزبير أنه رأى فِتْية لُعْساً فسأل عنهم فقيل: أمّهم مولاة للحُرَقة و أبوهم مملوك فاشترى أباهم و أعتقه فجرّ وَلَاءهم.
قال أبو عبيد: قال الأصمعي:
اللُّعْس: الذين في شفاههم سواد، و هو ممّا يُستحسن. يقال منه: رجل ألعس و امرأة لعساء و الجميع منهما لُعْس. و قد لعِس لَعَساً. و أنشد لذي الرمَّة:
لمياء في شفتيها حُوَّة لَعَسٌ             و في اللِّثَات و في أنيابها شَنَبُ‏
قلت: قوله: رأى فتية لُعْساً لم يُرَدْ به سواد الشفة خاصَّة، إنما أراد لَعَس ألوانِهم. سمعت العرب تقول: جارية لَعْساء إذا كان في لونها أدنى سواد فيه شُرْبة حمرة ليست بالناصعة، و إذا قيل:
لعساء الشَّفَة فهو على ما قال الأصمعيّ.
و قد قال العجاج بيتاً دلَّ على أن اللعَس يكون في بَشَرة الإنسان كلّها فقال:
و بَشَرٍ مع البياض ألعسا
فجعل البَشَر ألْعس، و جعله مع البياض لما فيه من شُرْبة الحمرة. و قال الليث:
رجل متلعّس: شديد الأكل. قال:
و اللَّعْوَس: الأكُول الحريص. قال: و يقال للذئب: لَعْوَس و لَغْوس و أنشد لذي الرمَّة:
و ماءٍ هتكتُ الليل عنه و لم يَرِد             روايا الفراخ و الذئابُ اللغاوس‏
قال: و يروى: اللعاوس. قلت: و رَوَى أبو عُبيد عن الفرّاء: اللغْوَس- بالغين-:
الذئب الحريص الشرِه. قلت: و لا أنكر أن يكون العين فيه لغة. و قال النضر: ما ذقت لَعُوساً أي شيئاً. قال الأصمعي: ما ذقت لَعُوقاً مثله. و قال غيره: اللَّعْس:
العضّ، يقال: لَعَسني لَعْساً أي عضَّني، و به سمّي الذئب لَعْوَساً.
لسع:
قال ابن المظفر: اللَّسْع للعقرب. قال:
و يقال للحيَّة: تَلْسَع. قال: و زعم أعرابي أن من الحيَّات ما يلسع بلسانه كلَسْع حُمَة العقرب، و ليست له أسنان. قال: و يقال:
لَسَع فلان فلاناً بلسانه إذا قرضه، و إن فلاناً للُسَعة أيْ قرَّاضة للناس بلسانه.
قلت: و المسموع من العرب أن اللسع لذوات الإبَر من العقارب و الزنابير. فأمَّا الحيَّات فإنها تنهش و تَعَضّ و تَخْدِب و تَنْشِطُ. و يقال للعقرب: قد لَسَعَتْه و أَبَرَتْه وَ وَكَعَتْه و كَوَتْه. لَسَع في الأرض و مَصَع:
ذهب. و اللَّسُوع: المرأة الفارك.
و المُلْسِع: المُغْرِي بين القوم. و الملسِّعة:
المقيم الذي لا يبرح، كأنه يلسع أصحابه لثقله.
سلع:
أبو عبيد عن الأصمعيّ: السَّلَع: شجر مُرّ. و قال بِشْر:
 يسومون الصِّلاح بذات كهف             و ما فيها لهم سَلَع و قار

59
تهذيب اللغة2

سلع ص 59

و كانت العرب في جاهليتها تأخذ حَطَب السَّلَع و العُشَر في المجاعات و قُحُوط المطر فتوقِر ظهور البقر منها ثم تُلْعِج النارَ فيها، يستمطرون بلهَب النار المشبّه بسنا البَرْق. و أراد الشاعر هذا المعنى بقوله:
سَلَع مّا و مثله عُشَر مّا             عائلًا مّا و عالت البَيْقورا
و السُّلُوع: شُقُوق في الجبال، واحدها سَلْع و سِلْع. و يقال: سَلَعْت رأسه أي شججته قال ذلك أبو زيد. و قال شمر:
السَّلْعة: الشَّجَّة في الرأس كائنة ما كانت.
يقال: في رأسه سَلْعتان و ثلاث سَلَعات، و هي السِّلَاع. و رأس مسلوع و مُنْسَلِع.
و أمّا السِّلْعة- بكسر السين- فهي الجَدَرة تخرج بالرأس و سائر الجسد، تمور بين الجِلْد و اللحم، تراها تَدِيص دَيَصاناً إذا حرّكتها. و السِّلْعة- و جمعها السِّلَّع- كل ما كان مَتْجوراً به. و المُسْلِع: صاحب السِّلْعة. و قال الليث: يقال للدليل الهادي: مِسْلع. و أنشد بيتاً للخنساء:
سبَّاق عادية و رأس سَرِيَّة             و مُقاتل بَطَل و هاد مِسْلع‏
ابن شميل: قال رجل من العرب: ذهبت إبلي فقال رجل: لك عندي أسْلاعها أي أمثالها في أسنانها و هيئاتها. و هذا سِلْع أي مِثله. و يقال: تزلّعت رِجْله و تَسَلَّعت إذا تشقَّقت. و سَلْع: موضع يقرب من المدينة. و منه قول الشاعر:
لعمرك إنني لأحبّ سَلْعاً
أبو عمرو: هذا سِلْع هذا أي مِثلُه و شَرْواه. و يقال: أعطني سِلْع هذا أي مثلَ هذا. و قال ابن الأعرابي: الأسلع:
الأبرص. قال: و السَّوْلع: الصَّبِر المُرّ.
و الصولع: السِّنان المجلوّ. أسلاع الفرس: ما تفلّق من اللحم عن نَسَبيها إذا استخفَّت سِمَناً. و قوله:
 أ جاعل أنت بيقوراً مسلَّعة             ذَريعة لك بين اللَّه و المطر
يعني البقر التي كان يُعْقَد في أذنابها السَّلَع عند الجَدْب.
سعل:
روى ابن عُيَينة عن عمرو عن الحسن بن محمد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم:
 «لا صَفَر و لا هامة و لا غُول و لكن السعالَى».
قال شمر- فيما قرأت بخطه-: قد فسّروا السعالى: الغِيلان و ذكرها العرب في أشعارها. قال الأعشى:
و نساءٍ كأنهن السعالى‏
قال: و قال أبو حاتم: يريد: في سوء حالهن حين أُسِرن. و قال لَبيد يصف الخيل:
عليهن وِلدان الرجال كأنها             سعالَى و عِقبان عليها الرحائل‏
و قال جِرَان العَوْد:
هي الغول و السِّعلاة حلْقِيَ منهما             مُخَدّشُ ما بين التراقِي مكَدّح‏
و قال بعض العرب: لم تصف العربُ بالسعلاة إلّا العجائز و الخيل. قال شمر:
و شبَّه ذو الإصبع الفرسان بالسعالى فقال:
ثم انبعثنا أُسُود عادية             مثل السعالى نقائبا نُزُعا

60
تهذيب اللغة2

سلع ص 59

فهي ههنا الفرسان. و قال بعضهم:
السعالِيَ من أخبث الغِيلان. و يقال للمرأة الصخَّابة: قد استسعلت. و قال أبو عدنان: إذا كانت المرأة قبيحة الوجه سيِّئة الْخُلُق شُبِّهت بالسِّعْلاة. و قيل: السِّعْلاة هي الأنثى من الغيلان، و تجمع سعالِيَ و سِعْلَيات، و قال أبو زيد: مثل قولهم:
استسعلت المرأة قولهم. عَنْزٌ نَزَت في جبل فاستَتْيَسَتْ، ثم من بعد استتياسها استعْنَزت، و مثله: إن البغاث بأرضنا يستَنْسِر و استنوق الجمل. و قد استسعلت المرأة إذا صارت كأنها سِعْلاة خَبْثاً و سَلَاطة؛ كما يقال: استأسد الرجل و استكلبت المرأة. و يقال: سَعَل الإنسان يَسْعل سُعَالًا و سَعَل سُعْلة. و يقال: به سُعَال ساعل؛ كقولهم: شغل شاغل و شعر شاعر. و الساعل الفم في بيت ابن مقبل:
على إثر عجَّاج لطيفٍ مصيرُه             يمجُّ لُعَاعَ العَضْرَس الجَوْنِ ساعلُهْ‏
أي فمه لأن الساعل به يسعل. أبو عبيدة:
فرس سَعِل زعِل أي نشيط، و قد أسعله الكلأ و أزعله بمعنى واحد. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: السَّعَل: الشيص اليابس.
باب العين و السين مع النون‏
 [ع س ن‏]
عسن، عنس، سنع، سعن، نسع، نعس:
مستعملات.
عسن:
أبو عبيد عن الفراء قال: إذا بقيتْ من شحم الناقة و لحمها بقيَّة فاسمها الأُسْن و العُسْن و جمعهما آسان و أعسان، و ناقة عاسنة: سمينة. و نوق مُعْسِنات: ذوات عُسْن. و قال الفرزدق:
فَخُضْتُ إلى الأنقا منها و قد يَرَى             ذات النقايا المُعْسِناتُ مكانيا
أبو عمرو: أعسن إذا سمن سِمَناً حسناً.
و قال: العَسَن: الطول مع حسن الشعر و البياض. و يقال: هو على أعسان من أبيه و آسان. و قد تعسَّن أباه و تأسَّنه و تأسَّله إذا نزع إليه في الشَّبَه، قال ذلك اللحياني و غيره.
و قال الليث: العَسَن: نجوع العَلَف و الرعْي في الدوابّ. تقول: عَسِنَت الإبل عسنَاً إذا نجع فيها الكلأ و سمِنت.
و العَسِن مثل الشكُور. و العَسْن: موضع معروف. أبو العباس عن ابن الأعرابي:
العُسُن جمع أعسن و عَسُون و هو السمين.
و يقال للشحمة: عُسْنة و جمعها عُسَن.
و قال أبو تراب: سمعت غير واحد من الأعراب يقول: فلان عِسْل مال و عسنُ مال: إذا كان حسن القيام عليه. التعسين:
خفّة الشحم من الجَدْب و قلّة المطر و كلأ معسَّن قال الراجز:
نِعْمَ قريعُ الشَّوْل في التعْسين‏
و يقال: التعسين: الشتاء. و أعسنت الناقةُ:
حملت العُسْن و أعسنها الجَدْب: ذهب بعُسْنها و شحمها. و هذا كما يقال: قذّيت العين: أخرجت قذاها، و أقذيتها: ألقيت فيها القَذَى.
عنس:
العَنْس: الناقة الصُّلْبة، و قال الليث:
تسمَّى عَنْساً إذا تمَّت سِنّها و اشتدَّت قُوَّتها و وَفَر عظامُها و أعضاؤها. قال: و اعنونس‏

61
تهذيب اللغة2

سعل ص 60

ذَنَب الناقة، و اعنيناسه: و فور هُلْبه و طولُه.
و قال الطرمَّاح يصف ثوراً وحشياً:
يمسحُ الأرض بمعنونِس             مثل مِثلاة النِّيَاح القيام‏
أي بذنَب سابغ. أبو عبيد عن أبي زيد:
العانس: المرأة التي تُعَجِّز في بيت أبويها لا تتزوج، و قد عَنَست تَعْنُس عُنُوساً.
و قال الأصمعيّ: لا يقال: عَنَست و لا عَنَّست و لكن يقال: عُنِّست فهي مُعَنَّسة.
و
في الحديث أن الشعبي أو غيره من التابعين سئل عن الرجل يدخل بالمرأة على أنها بِكر فيقول: لم أجدها عَذراء، فقال: إن العُذْرة يُذهبها التعنيس و الحَيضة.
و تُجمع العانس عُنّساً و عوانس.
و يقال للرجل إذا طعن في السنّ و لم يتزوّج: عانس أيضاً، و الجميع العانسون و منه قول الشاعر:
منا الذي هو ما إن طَرّ شارُبه             و العانسون و منا المُرْدُ و الشيبُ‏
و قال الليث: عَنَست المرأة عُنُوساً إذا صارت نَصَفاً و هي بِكر لم تتزوّج. و عنّسها أهلها إذا حبسوها عن الأزواج حتى جاوزت فَتاء السنّ و لمَّا تُعَجِّز فهي معنَّسة. و تجمع مَعَانس و معنَّسات. و عَنْس: قبيلة من اليمن.
و قال غيره: أعنس الشيبُ رأسَه إذا خالطه. و قال أبو ضَبّ الهذليّ:
فتى قَبَلا لم يُعْنِس الشيبُ رأسه             سوى خُيُط كالنَّور أشرقن في الدُجَى‏
روى المبرّد: لم تَعْنُس السنّ وجهه، و هو أجود. و ناقة عانسة و جمل عانس: سمين تامّ الخَلْق. و قال أبو وَجْزة السعديّ:
بعانسات هُزِمات الأزْمَل             جُشّ كبحريّ السحاب المُخْيِل‏
عمرو عن أبيه: العُنُس: المَرَايا، واحدها عِنَاس للمرآة. قال: و عَنَست المرأة و عَنِست و عَنّست و أعْنست و تأطَّرت إذا لم تُزوَّج. و قال ابن السكّيت: يقال: رجل عانس و امرأة عانس و قد عَنَست تَعْنُس عِنَاساً.
سنع:
أبو عبيد عن أبي عمرو: السَّنِيع:
الحَسَن. و قال شمر: أهدى أعرابيّ ناقة لبعض الخلفاء فلم يقبلها فقال: لم لا تقبلها و هي حَلْبانة رَكْيانة مِسناع مرباع.
قال المِسناع: الحسنة الخَلْق. و المرباع:
التي تبكّر في اللِقاح. و رواه الأصمعيّ:
إنا مِسْياع مِرْياع. قال: و المِسياع: التي تحمل الضَيْعة و سوءَ القيام عليها.
و المِرْياع: التي يسافَر عليها و يعاد. و هذا في رواية الأصمعيّ. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: السَّنَع: الجَمَال.
و قال: الإبل ثلاثة فذكر السانعة. عمرو عن أبيه: أسنع الرجل إذا اشتكى سِنْعه أي سِنْطَه و هو الرُسْغ. و قال ابن الأعرابي: السِّنْع: الحَزّ الذي في مَفْصِل الكفّ و الذراع. و قال الليث: السِّنْع:
السُلَامى الذي يصل بين الأصابع و الرسغ في جوف الكفّ، و الجميع: الأسناع و السِّنَعة. و السَّنَائع: الطُرُق في الجبال، الواحدة سَنِيعة. و قال:
إذا صدرت عنه تمشَّت مَخَاضُها             إلى السَّرْو تدعوها إليه السنائع‏

62
تهذيب اللغة2

سنع ص 62

و مَهْر سَنيع مُسْنَع: كثير. أسنع مَهْر المرأة، و أسناه: أكثر، قال:
مفرّكٌ مجتوىً لم ترض طَلّته             و لو أتاها بمَهر مُسْنَع رُغُب‏
و سُنُع الإبل: خيارها.
سعن:
أبو العباس عن ابن الأعرابي: أسعن الرجلُ إذا اتخذ السُّعْنة و هي المِظَلَّة.
و قال الليث: السُّعْنُ: ظُلّة يتّخذها أهل عُمَان فوق سُطُوحهم من أجل نَدَى الوَمَد.
و الجميع السُّعُون. قال: و السَّعْن: الوَدَك.
و قال أبو سعيد: السَّعْن: قِرْبة أو إداوة يُقطع أسفلها و يشدّ عُنُقها و تعلَّق إلى خشبة ثم يُنبذ فيها. و قال الليث: السُّعْن شي‏ء يتَّخذ من الأدَم شبه دَلْو إلا أنه مستطيل مستدير، و ربما جعِلت له قوائم يُنبذ فيه، الجميع: السِّعَنة، و الأسعان. و المُسَعَّن من الغُرُوب يتّخذ من أدِيمين يقابل بينهما فيعرقان عراقين و له خُصْمان من جانبين لو وُضع قام قائمه في استواء أعلاه و أسفلِه.
أبو عبيد عن أصحابه: يقال: ما لفلان سَعْنة و لا مَعْنة أي ما له قليل و لا كثير.
قال: كان الأصمعيّ لا يعرف أصلها.
و قال غيره: السُّعْنة من المِعْزَى: صغار الأجسام في خَلْقها، و المَعْن: الشي‏ء الهيّن و أنشد:
و إن هلاك مالك غير مَعْن‏
أبو العباس عن ابن الأعرابي: السَعْنة:
الكثرة من الطعام و غيره، و المَعْنة: القِلَّة من الطعام و غيره، حكاه عن المفضل في قولهم: ما له سَعْنة و لا مَعْنة. قال:
و السُّعْنة: القِرْبة الصغيرة يُنبذ فيها.
و السُّعْنة: المِظلَّة.
نسع:
ثعلب عن ابن الأعرابي: النِّسْع و السِّنْع: المَفْصِل بين الكفّ و الساعد.
و قال الأصمعيّ: يقال لريح الشّمال: نِسْع و مِسْع و أنشد:
نِسْع لها بعضاه الأرْض تهزيز
قلت: سُمّيت الشَّمَالِ نِسْعاً لدقَّة مَهَبّها، فشبّهت بالنِّسْع المضفور من الأدَم، و هو سَيْر يُضفر على هيئة أعِنَّة البِغال يُشدّ به الرحال. و يجمع نسوعاً و أنساعاً.
الأصمعيّ: نسَّعَتْ أسنانُه تنسِيعاً، و هو أن تطول و تسترخي اللثَات حتى تبدو أصولها و قد انحسر عنها ما كان يواريها من اللثَات، و قال ابن الأعرابي: انتسعت الإبل و انتسغت بالعين و الغين إذا تفرَّقت في مراعيها. و قال الأخطل:
رَجَنّ بحيث تنتسِع المطايا             فلا بقًّا تخاف و لا ذبابا
و قال الليث: امرأة ناسعة: طويلة البَظْر و نُسوعه: طولُه. قلت: و يَنْسُوعة القُفّ:
مَنْهلة من مناهل طريق مكة على جادَّة البصرة، بها ركايا عَذبة الماء عند منقطَع رمال الدهناء بين ماوِيّة و النِبَاج، و قد شربْتُ من مائها. عمرو عن أبيه: أنسع الرجلُ إذا كثر أذاه لجيرانه. و قال أبو العباس: قال ابن الأعرابي: هذا سِنْعه و سَنْعه و شِنْعه و شَنْعُه و سِلْعه و سَلْعه و وَفْقه و وِفَاقه بمعنى واحد.
نعس:
قال اللَّه جل و عز: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ‏
 [الأنفال: 11]. يقال:
نَعَس يَنْعُس نُعَاساً فهو ناعس، و بعضهم‏

63
تهذيب اللغة2

نعس ص 63

يقول: نَعْسان. قال الفرّاء: و لا أشتهيها يعني نعسان. و قال الليث: قالوا: رجل نعسان و امرأة نَعْسَى، حملوا ذلك على وَسْنان و وَسْنَى، و ربما حملوا الشي‏ء على نظائره، و أحسن ما يكون ذلك في الشعر.
قلت: و حقيقة النعاس: السِّنَة من غير نوم، كما قال ابن الرِّقَاع:
وَسْنان أقصده النعاسُ فرنَّقت             في عينه سِنَةٌ و ليس بنائم‏
أبو العباس عن ابن الأعرابي: النَّعْس:
لِين الرأي و الجسم و ضعفهما. قال:
و رَوَى عمرو عن أبيه: أنعس الرجل إذا جاء ببنين كُسالى. و ناقة نَعُوس: تُغمض عينيها عند الحلب. و نَعَست السوقُ إذا كَسَدت. و الكلب يوصف بكثرة النعاس.
و من أمثالهم:
يَمْطُل مَطْلًا كنُعاس الكلب‏
باب العين و السين مع الفاء
 [ع س ف‏]
عسف، عفس، سعف، سفع، فعس:
مستعملات.
عسف:
رُوِي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه بعث سَرِيَّة فَنَهى عن قتل العُسَفاء و الوُصَفاء.
و
في حديث أبي هريرة أن رجلًا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: إن ابني كان عَسيفاً على رجل كان معه، و إنه زنى بامرأته.
قال أبو عبيد: قال أبو عمرو و غيره: العُسَفاء:
الأُجراء، و الواحد عَسِيف. و قوله: إن ابني كان عَسِيفاً على هذا أي كان أجيراً.
و قال ابن السكيت في العَسِيف مثلَه.
و قال غيرهم: العَسْف: ركوب الأمر بغير رَوِيَّة و ركوبُ الفلاة و قطعها على غير توخّي صَوْب و لا طريق مسلوك. يقال:
اعتسف الطريق اعتسافاً إذا قطعه دون صَوْب توخّاه فأصابه. و قال شمر:
العَسْف: السَّيْر على غير عَلَم و لا أثَر.
و منه قيل: رجل عَسُوف إذا لم يَقْصِد قَصْد الحقّ. و عَسَف المفازة: قطعها بلا هداية و لا قصد. و تعسَّف فلان فلاناً إذا ركبه بالظلم و لم يُنْصِفه. و رجل عَسُوف إذا كان ظلوماً. أبو عبيد عن الأصمعي قال: إذا أشرف البعير على الموت من الغُدّة قيل: عَسَف يَعسِف، هو بعير عاسف و ناقة عاسف بغير هاء. و العَسْف:
أن يتنفّس حتى تَقْمُصَ حَنْجرته أي تنتفخ.
و قال ابن الأعرابي: أعسَف الرجل إذا أخذ بعيرَه العَسْفُ و هو نَفَس الموت.
قال: و أعسف الرجل إذا لزِم الشرب في العَسْف و هو القَدَح الكبير. و أعسف إذا أخذ غلامه بعمل شديد، و أعسف إذا سار بالليل خبط عشواء. و أما قول أبي وَجْزة السعديّ:
و استيقَنَت أن الصليفَ منعَسفْ‏
هو من عسف الحنجرة إذا قمصت للموت. و عُسفان: مَنْهَلَة من مناهل الطريق بين الجُحْفة و مَكّة.
عفس:
أبو عبيد: عفست الرجل عَفْساً: إذا سجنته. و قال الرياشي- فيما أفادني المنذري له-: العَفْس: الكَدّ و الإتعاب.
و قال شمر: العَفْس الإذالة و الاستعمال.
و قال العجّاج:

64
تهذيب اللغة2

عفس ص 64

كأنه من طول جَذْع العَفْس             يُنحَت من أقطاره بفأس‏
و قال الليث: العَفْس: شدّة سَوْق الإبل.
و أنشد:
يَعفِسها السوَّاقُ كل مَعْفَس‏
قال: الإنسان يَعفِسُ المرأةَ برجله إذا ضربها على عَجِيزتها يعافسها و تعافسه.
و قال غيره: المعافسة: الممارسة: فلان يعافس الأمور أي يمارسها و يعالجها.
و العِفَاس: العِلاج. و العِفَاس: اسم ناقة ذكرها الراعي في شعره فقال:
بمَحْنِية أشلى العِفَاس و بَرْوعا
و قال ابن الأعرابي: العِفَاس و المعافسة:
المعالجة. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال: عَفَسته و عكسته و عَتْرسته إذا جذبته إلى الأرض فضغطته إلى الأرض ضغطاً شديداً. قال: و قيل لأعرابيّ: إنك لا تحسن أكل الرأس، فقال: أما و اللَّه إني لأعفس أذنيه، و أفكّ لَحْييه و أسْحَى خدَّيه و أرمي بالمخّ إلى من هو أحوج مني إليه. قلت: أجاز ابن الأعرابي الصاد و السين في هذا الحرف.
العِيَفْس: الغليظ. قال حُمَيد الأرقط:
و صار ترجيم الظنون الحَدْس             و تَيَهان التائه العِيَفْس‏
و ثوب معفَّس: صبور على البِذْلة، و معفوس: خَلَق. و قال رؤبة:
بَدَّل ثوبَ الجِدَّة الملبوسا             و الحُسْن منه خَلَقاً معفوسا
و المَعْفِس: المفصِل. و قال الحميريّ:
فلم يبق إلا مَعْفِس و عِجَانها             و شُنْتُرَة منها و إحدى الذوائب‏
سفع:
قال اللَّه جل و عز: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ
 [العلق: 15، 16] قال الفراء:
ناصيته: مقدّم رأسه أي لَنَهصِرنَّها و لنأخذنَّ بها أي لنُقْمِئنَّه و لَنذِلَّنه. و يقال: لنأخذَنَّ بالناصية إلى النار كما قال: فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ [الرحمن: 41] قال:
و يقال: معنى لَنَسْفَعاً
: لنسوّدنْ وجهه، فكفت الناصية لأنها في مقدَّم الوجه قلت:
أما من قال: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ
 أي لنأخذنه بها إلى النار فحجَّته قوله:
قوم إذا فَزِعُوا الصريخ رأيتهم             من بين ملجم مُهره أو سافع‏
أراد: و آخذٍ بناصيته. و من قال:
لَنَسْفَعاً
 أي لنسوّدَنْ وجهه فمعناه:
لنسِمَنّ موضع الناصية بالسواد، اكتفَى بها من سائر الوجه لأنها في مقدم الوجه.
و الحُجَّة له قوله:
و كنتُ إذا نَفْسُ الغَوِيّ نزتَ به             سفعت على العِرنين منه بمِيسم‏
أراد: و سمته على عِرْنينه، و هو مثل قوله:
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم: 16]. و
في الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أُتي بصبيّ فرأى به سَفْعة من الشيطان فقال: «اسْتَرْقُوا له».
قوله: سَفْعة أي ضربة منه، يقال: سفعته أي لطمته، و المسافعة: المضاربة. و منه قوله الأعشى:
يسافع وَرْقاء جُونّية             ليدركها في حمام تُكَن‏

65
تهذيب اللغة2

سفع ص 65

أي يضارب. و روى أبو العباس عن عمرو عن أبيه قال: السُّفْعة و الشُّفعة بالسين و الشين: الجنون، و رجل مسفوع و مشفوع أي مجنون. و رَوَى أبو عبيد عن الأمويّ أنه قال: المسفوعة من النساء: التي أصابتها سَفْعة و هي العين. ففي الحديث على هذا التفسير أنه رأى بالصبيّ عَيْناً أصابته من الشيطان فأمر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بالاسترقاء له.
و أحسبه أراد أن يُقرأ عليه المعوِّذتان و يُنفَث فيه. فهذه ثلاثة أوجه في قوله: رأى به سَفْعة. و أحسنها ما قاله الأمويّ، و اللَّه أعلم. و
في حديث آخر: «أنا و سفعاء الخدَّين الحانيةُ على ولدها يوم القيامة كهاتين» و ضمّ إصبعيه‏
، أراد بسفعاء الخدّين امرأة سوداء عاطفة على ولدها.
و أراد بالسواد أنها ليست بكريمة و لا شريفة. و إذا قالت العرب: امرأة بيضاء فهي الشريفة الكريمة. و قال أبو حاتم:
قال الأصمعيّ: الأسفع: الثور الوحشيّ الذي في خدّيه سواد يقرب إلى الحمرة قليلًا. قال: و يقال للأسفع: مُسَفَّع. و قال غيره: يقال للحمامة المطوَّقة: سفعاء لسواد عِلَاطها في عنقها. و منه قوله:
من الوُرق سفعاء العِلَاطين باكرت             فروعَ أشَاءٍ مطلع الشمس أسحما
و قال الآخر يصف ثوراً وحشياً شبَّه ناقته في السرعة به:
كأنها أسفع ذو حِدَّة             يمسُده البقلُ و ليل سَدِي‏
 كأنما ينظر من برقع             من تحت رَوْق سَلِب مِذْوَد

شبَّه السُّفْعة في وجه الثور ببرقع أسود و لا تكون السفعة إلا سواداً مشرباً وُرْقة. و منه قول ذي الرمَّة:
أو دِمْنة نسفت عنها الصَّبَا سُفَعا             كما تُنَشَّر بعد الطِيَّة الكُتُب‏
أراد: سواد الدِمَن أن الريح هبَّت به فنسفته و ألبسته بياضَ الرمل، و هو قوله:
 بجانب الرزق أغشته معارفها
و يقال للأثافي التي أوقد بينها النار:
سُفْع؛ لأن النار سوَّدت صفاحها التي تلي النار. و قال زهير:
أثافيَّ سُفْعاً في معرَّس مِرْجل‏
و أمَّا قول الطرمَّاح:
كما بَلَّ مَتْنَيْ طُفْية نَضْحُ عائط             يُزيِّنها كِنٌّ لها و سُفُوعُ‏
فإنه أراد بالعائط: جارية لم تحمل، و سُفُوعها: ثيابها؛ يقال: استفعت المرأة ثيابها إذا لبِستها. و أكثر ما يقال ذلك في الثياب المصبوغة. و يقال: سفعته النار تسفَعه سَفْعاً إذا لَفَحته لَفْحاً يسيراً فسوَّدت بَشَرته، و سفعته السَّمُوم إذا لوَّحت بَشَرة الوجه. و السوافع: لوافح السَّموم.
سعف:
أبو العباس عن ابن الأعرابي:
السُّعُوف: جِهاز العَروس، و العُسُوف:
الأقداح الكبار و أخبرني المنذريّ عن الخرَّاز عن ابن الأعرابي أنه قال: كل شي‏ء جاد و بَلَغ من عِلْق أو مملوك أو دار ملكْتها فهو سَعَف. يقال للغلام: هذا سَعَف سَوْءٍ. و قال ابن الأعرابي:
و السُّعُوف: طبائع الناس من الكَرَم و غيره‏

66
تهذيب اللغة2

سعف ص 66

يقال: هو طيّب السُّعُوف أي الطبائع، لا واحد لها. و فلان مسعوف بحاجته أي مُسْعَف. قال الغنويِّ:
فلا أنا مسعوف بما أنا طالب‏
و السُّعَاف: شُقَاق في أسفل الظُّفُر.
و تسعف أطراف أصابعه أي تشقّقت و قال أبو عمرو: يقال للضرائب: سُعُوف. قال:
و لم أسمع لها بواحد من لفظها. قال:
و السَّعَف- محرّك-: جِهاز العروس.
الحرَّاني عن ابن السكيت: السَّعَف: داء في أفواه الإبل كالجَرَب، بعير أسعف، و السَّعَف: وَرَق جَرِيد النخل الذي يسَفَّ منه الزُبْلان و الجِلال و المراوح و ما أشبهها. و يجوز السعف. و الواحدة سَعَفة.
و قال الليث: أكثر ما يقال له السَّعَف إذا يبس، و إذا كانت رَطْبة فهي الشَّطْبة. قلت:
و يقال للجَرِيد نفسه سَعَف أيضاً، و واحدة الجريد جَرِيدة. و تجمع السَّعَفة سَعَفاً و سَعَفات. الحرَّاني عن ابن السكيت:
يقال: في رأسه سَعْفة- ساكنة العين- و هو داء يأخذ الرأس. و قال أبو حاتم: السَعْفة يقال لها: داء الثعلب، تورِث القَرَع، و الثعالب يصيبها هذا الداء، فلذلك نُسب إليها. أبو عبيد عن الكسائي: سَعُفت يدُه و سَعِفت و هو التشعّث حول الأظفار و الشُّقَاق. قال: و قال أبو زيد: ناقة سَعْفاء و قد سَعِفت سَعَفاً، و هو داءٌ يتمعَّط منه خُرطومها و يسقط منه شعر العين قال: و هو في النوق خاصَّة دون الذكور. قال: و مثله في الغنم الغَرَب. و قال أبو عبيدة في كتاب «الخيل»: من شيات نواصي الخيل ناصية سعفاء و فرس أسعف إذا شابت ناصيته.
قال: و ذلك ما دام فيها لون مخالف البياض. فإذا خلصت بياضاً كلها فهي صبغاء.
و قال ابن شميل: التسعيف في المِسْك:
أن يروِّح بأفاويه الطيب و يُخلط بالأدهان الطيّبة. يقال: سعِّف لي دُهْني. و يقال:
أسعفتْ داره إسعافاً إذا دَنَت: و كل شي‏ء دنا فقد أسعف. و منه قول الراعي:
و كائنْ ترى من مُسْعِف بمنيَّة
و مكان مساعِف و منزل مساعف أي قريب.
و قال الليث: الإسعاف قضاء الحاجة.
و المساعفة: المواتاة على الأمر في حسن مصافاة و معاونة. و أنشد:
إذ الناس ناس و الزمانُ بِغِرَّة             و إذ أُمُّ عمَّار صديق مساعِفُ‏
فعس:
أهمل الليث هذا الحرف. و أخبرني المنذري عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشده:
بالموت ما عَيَّرتِ يا لَمِيس             قد يَهْلِك الأرقم و الفاعوس‏
و الأسد المذرَّع النَّهوسُ             و البَطَل المستلئم الجَئُوس‏
و اللَّعْلع المهتَبِل العَسوس             و الفِيل لا يبقى و لا الهِرميس‏

قال: الجئوس: القتَّال. و الفاعوس الأفعى. و المذرَّع: على ذراعه دم فرائسه.
و قال ابن الأعرابي: يقال للداهية من الرجال: فاعوس، قال: و الهِرْمس:
الكَرْكَدَنّ و اللعلع: الذئب. و الفاعوسة:

67
تهذيب اللغة2

فعس ص 67

فرج المرأة لأنها تتفاعس أي تنفرج. قال حُمَيد الأرقط يصف الكمرة:
كأنما ذُرَّ عليها الخَرْدَل             تبيت فاعوستها تَأكَّلُ‏
و الفاعوس: الكمرة، و الفُعُس: الحيَّات.
و الفاعوس: الوَعِل و الكَرَّاز و الفَدْم و المُلاعِب.
باب العين و السين مع الباء
 [ع س ب‏]
عسب، عبس، سبع، سعب: مستعملة.
عسب:
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه نَهَى عن عَسْب الفَحْل.
قال أبو عبيد: قال الأموي:
العَسْب: الكِرَاء الذي يؤخذ في ضِراب الفحل، يقال منه: عسبت الرجلَ أعسِبه عَسْباً إذا أعطيته الكِرَاء على ذلك. قال:
و قال غيره: العَسْب: هو الضِرَاب نفسه.
و قال زهير:
و لو لا عَسْبه لتركتموه             و شرّ مَنِيحة أيْر مُعَارُ
قال أبو عبيد: معنى العَسْب في الحديث:
الكِراء، و الأصل فيه الضراب؛ و العرب تسمّي الشي‏ء باسم غيره إذا كان معه أو من سبَبه، كما قالوا للمزادة: راوية و إنما الراوية: البعير الذي يُستقَى عليه.
و العسيب: عسيب الذَّنَب و هو مستدَقُّه.
و العَسِيب: جريد النخل إذا نحِّي عنه خُوصه. و يجمع عُسُباً و عُسْبَاناً. و عَسِيب:
جبل بعالية نَجْد معروف، يقال: لا أفعل كذا ما أقام عسيب. و
في حديث عليّ أنه ذكر فتنة فقال: «فإذا كان ذلك ضَرَب يَعْسُوبُ الدِين بذنبه فيجتمعون إليه كما يجتمع قَزَع الخَرِيف»
. قال أبو عبيد: قال الأصمعي: أراد بقوله: يعسوب الدين أنه سيّد الناس في الدين يومئذ. و
في حديث آخر لعليّ أنه مرّ بعبد الرحمن بن عتَّاب بن أسِيد مقتولًا يوم الجَمَل، فقال: هذا يعسوب قريش‏
، يريد: سيّدها. قال الأصمعي: و أصل اليعسُوب: فَحْل النحل و سيّدها، فشبَّهه في قريش بالفحل في النحل. قال أبو سعيد: معنى‏
قوله: ضرب يعسوب الدين بذَنَبه‏
أراد بيعسوب الدين ضعيفه و محتقَره، و ذليله، فيومئذ يعظم شأنه حتّى يصير غير اليعسوب. قال:
و ضَرْبه بذنبه: أن يغرِزه في الأرض إذا باض كما تَسْرأ الجراد. فمعناه: أن القائم يومئذ يثبت حتى يثوب الناس إليه و حتى يظهر الدين و يفشو. قال: و قول عليّ في عبد الرحمن بن أسِيد على التحقير له و الوضع من قدره، لا على التفخيم لأمره. قال الأزهري: و القول ما قاله الأصمعيّ لا ما قاله أبو سعيد في اليعسوب. قلت: و روى شمر الحديث الأول: ضرب يعسوب الدين بذَنبه فما زاد في تفسيره على ما قال أبو عبيد شيئاً. قلت: و معنى‏
قوله: ضرب يعسوبُ الدين بذنبَه‏
أي فارق الفتنة و أهلها في أهل دينه. و ذَنَبه: أتباعه الذين يتّبعونه على رأيه و يَجْتَبُون ما اجتباه من اعتزال الفِتن. و معنى قوله: ضَرَب أي ذهب في الأرض مسافراً و مجاهداً، يقال: ضرب في الأرض مسافراً و ضرب فلان الغائط إذا أبعد فيها للتغوّط. و قوله: بذَنَبه أي‏

68
تهذيب اللغة2

عسب ص 68

في ذَنَبه و أتباعه، و أقام الباء مُقَام في أو مقام مع، و كلُّ ذلك من كلام العرب.
و رَوَى ابن الأعرابي عن المفضّل أنه أنشده:
و ما خير عيش لا يزال كأنه             مَحَلَّة يعسوبٍ برأس سِنان‏
قال: و معناه: أن الرئيس إذا قُتل جُعل رأسُه على سِنَان، فمعناه أن العيش إذا كان هكذا فهو الموت. و قال شمر: قال ابن شُميل: عَسْب الفحل: ضِرَابه. يقال:
إنه لشديد العَسْب. و يقال للولد: عَسْب.
و قال كثيّر يصف خيلًا أسقطت أولادها:
يغادرن عَسْب الوالقيّ و ناصح             تخُصّ به أُمُّ الطريق عيالَها
فالعَسْب: الولد و يقال: ماء الفحل.
و العرب تقول: استعسب فلان استعساب الكلب و ذلك إذا ما هاج و اغتلم. و كلب مُسْتَعْسِب. و قال الليث: اليعسوب: دائرة عند مَرْكَض الفارس حيث يركُض برجله من جَنب الفرس. قلت: و هذا غلط، اليعسوب عند أبي عبيدة و غيره: خطّ من بياض الغُرَّة ينحدر حتى يمسّ خَطْم الدابَّة ثم ينقطع. و قد قاله ابن شميل. و قال الأصمعي: اليعسوب أيضاً: طائر أصغر من الجرادة طويل الذَنَب. و قال الليث:
هو طائر أعظم من الجرادة. و القول ما قال الأصمعيّ.
عبس:
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه نظر إلى نَعَم بني المُصْطَلِق و قد عَبِست في أبوالها و أبعارها فتقنَّع بثوبه و قرأ: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ‏
 [طه:
131] قال أبو عبيد: قوله: قد عَبِست في أبوالها يعني: أن تجفَّ أبوالُها و أبعارها على أفخاذها، و ذلك إنما يكون من كثرة الشحم، و ذلك العَبَسُ. و أنشد لجرير يصف راعية:
ترى العَبَس الحَوْليّ جَوْناً بكُوعها             لها مَسَكاً من غير عاج و لا ذَبْل‏
و نحو ذلك قال الليث في العَبَس. قال:
و هو الوَذَح أيضاً. و يقال للرجل إذا قطَّب ما بين عينيه: عَبَس يَعْبِس عبُوساً فهو عابس، و عبّس تعبيساً إذا كرَّه وجهَهُ. فإن كَشَر عن أسنانه مع عبوسِه فهو كالح.
و عَبْس: قبيلة من قَيس عَيْلان، و هي إحدى الجَمَرات. و عُبَيس: اسم.
و عبّاس: اسم. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العبّاس: الأسَد الذي تَهْرُبُ منه الأُسْد، و به سمّي الرجل عبّاساً. و قال أبو تراب: يقال: هو جِبْس عِبْس لِبْس إتباع، و يوم عَبُوس: شديد.
سبع:
السَّبْع من العدد معروف. تقول: سبع نسوة و سبعة رجال. و السبعون معروف، و هو العِقْد الذي بين الستّين و الثمانين.
و
في الحديث: أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «للبِكر سَبْع و للثيِّب ثلاث»
. و معناه: أن الرجل يكون له امرأة فيتزوّج أخرى، فإن كانت بِكراً أقام عندها سَبْعاً لا يحسبها في القَسْم بينهما؛ و إن كانت ثيّباً أقام عندها ثلاثاً غير محسوبة في القَسْم. و قد سبَّع الرجلُ عند امرأته إذا أقام عندها سبع ليال. و
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لأمّ سَلَمة حين تزوّجها و كانت ثيّباً: «إن شئتِ سبَّعت‏

69
تهذيب اللغة2

سبع ص 69

عندك ثم سبَّعت عند سائر نسائي، و إن شئت ثلثت ثم دُرْت»
، أي لا أحتسِب الثلاث عليك. و يقال: سبَّع فلان القرآن إذا وظَّف عليه قراءته في سبع ليال. و
في الحديث: سبَّعت سُلَيم يوم الفتح‏
أي تمَّت سبعمائة رجل. و قال الليث: الأُسبوع من الطواف سبعة أطواف، و يجمع على أسبوعات. قال: و الأيّام التي يدور عليها الزمان في كل سبعة منها جمعة تسمَّى الأُسبوع و تجمع أسابيع، و من العرب من يقول سُبُوع في الأيام و الطواف بلا ألف، مأخوذة من عدد السبع. و الكلام الفصيح:
الأُسْبوع، أبو عبيد عن أبي زيد: السَّبِيع بمعنى السُّبُع كالثَمين بمعنى الثُمن، و قال شمر: لم أسمع سَبيعاً لغيره. و
في الحديث: «أن ذئباً اختطف شاة من غنم فانتزعها الراعي منه فقال الذئب: مَن لها يوم السَّبْع»
؟ قال ابن الأعرابي: السبع:
الموضع الذي إليه يكون المحشَر يوم القيامة، أراد: من لها يوم القيامة و
روي عن ابن عباس أنه سئل عن مسألة فقال:
إحدى من سَبْع.
قال شمر: يقول إذا اشتدّ فيها الفُتْيا قال: يجوز أن يكون الليالي السبع التي أرسل اللَّه العذاب فيها على عاد، ضربها مثلًا للمسألة إذا أشكلت.
قال: و خلق اللَّه السموات سبعاً و الأرضين سبعاً و
روي في حديث آخر أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن السِّبَاع‏
قال ابن الأعرابي:
السِّباع: الفِخار كأنه نهَى عن المفاخرة بكثرة الجماع.
و حكى أبو عمرو عن أعرابي أعطاه رجل درهماً فقال: سبَّع اللَّه له الأجر، قال:
أراد: التضعيف، و في «نوادر الأعراب»:
سبّع اللَّه لفلان تسبيعاً و تبَّع له تَتْبيعاً أي تابع له الشي‏ء بعد الشي‏ء، و هي دعوة تكون في الخير و الشر، و العرب تصنع التسبيع موضع التضعيف و إن جاوز السبع، و الأصل فيه قول اللَّه جل و عز: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
 [البقرة: 261] ثم‏
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:
 «الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة».
قلت: و أُرَى قول اللَّه جَلّ ثناؤه لنبيه صلّى اللّه عليه و سلّم:
إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏
 [التوبة: 80] من باب التكثير و التضعيف لا من باب حَصْر العَدَد، و لم يُرد اللَّه جل ثناؤه أنه عليه السَّلام إن زاد على السبعين غَفَر لهم، و لكن المعنى: إن استكثرتَ من الدعاء و الاستغفار للمنافقين لم يغفر اللَّه لهم. و أمَّا قول الفرزدق:
و كيف أخاف الناس و اللَّه قابض             على الناس و السَّبْعَين في راحة اليد
فإنه أراد بالسبعَين: سبع سموات و سبع أرضين. و يقال: أقمت عنده سَبْعين أي جمعتين و أسبوعين.
أبو عبيد عن أبي عمرو: المُسْبَع:
المهمَل. و هو في قول أبي ذؤيب:
صخِب الشواربَ لا يزال كأنه             عبد لآل أبي ربيعة مُسْبَعُ‏
و رَوَى شمر عن النضر بن شميل أنه قال:
المُسْبَع: الذي يُنْسَب إلى أربع أمَّهات كلُّهن أمَة. و قال بعضهم: إلى سبع أمَّهات. قال: و يقال أيضاً: المُسْبع:

70
تهذيب اللغة2

سبع ص 69

التابعة. يقال: الذي يولد لسبعة أشهر فلم تُنْضجه الرحِم و لم تتمَّ شهوره.
و قال العجّاج:
إن تميماً لم يراضع مُسْبَعا
قال النضر: ربّ غلام قد رأيته يراضِع.
قال: و المراضعة: أن يرضع أمّه و في بطنها ولد.
و روى أبو سعيد الضرير قول أبي ذؤيب:
عبد لآل أبي ربيعة مسبع‏
بكسر الباء و زعم أن معناه: أنه قد وقع السباع في ماشيته فهو يصيح و يصرخ، و يقال: سبَّعت الشي‏ء إذا صيَّرته سبعة، فإذا أردت أنك صيَّرته سبعين قلت: كمَّلته سبعين، و لا يجوز ما قال بعض المولَّدين: سبعنته و لا قولهم: سبعنَتْ دراهمي أي كَمُلتْ سبعين. و قولهم:
أخذت منه مئة درهم وزناً وزنَ سبعة المعنى فيه: أن كل عشرة منها تزن سبعة مثاقيل و لذلك نصب وزناً.
و السُبُع يقع على ماله ناب من السِباع و يَعْدُو على الناس و الدوابّ فيفترسها؛ مثل الأسَد و الذئب و النَّمِر و الفَهْد و ما أشبهها.
و الثعلب و إن كان له ناب فإنه ليس بسَبُع لأنه لا يعدو على صغار المواشي و لا ينيّب في شي‏ء من الحيوان.
و كذلك الضَبُع لا يعدّ من السباع العادِية، و لذلك وردت السنَّة بإباحة لحمها و بأنها تُجزَى إذا أصيبت في الحَرَم أو أصابها المحرم.
و أما الوَعْوع- و هو ابن آوى- فهو سَبُع خبيث و لحمه حرام لأنه من جنس الذئاب إلا أنه أصغر جِرْماً و أضعف بَدَناً. و يقال:
سبَع فلان فلاناً إذا قَصَبه و اقترضه أي عابه و اغتابه. و سبع فلاناً إذا عضَّه بسنّه.
و من أمثال العرب السائرة قولهم: أخذه أخذ سَبْعة. قال ابن السكيت: إنما أصلها سَبُعَة فخُفّفتْ. قال: و اللَبُؤة- زعموا- أنزقُ من الأسَد، قال و قال ابن الكلبيّ هو سَبْعة بن عَوْف بن ثعلبة بن سَلامَان من طيّى‏ء، و كان رجلًا شديداً.
و قال ابن المظفّر: أرادوا بقولهم: لأعملنّ بفلان عمل سَبْعة: المبالغة و بلوغَ الغاية.
قال: و قال بعضهم: أرادوا: عمل سبعة رجال. و أرضٌ مَسْبَعَة: كثيرة السِباع:
و يقال: سَبَعْتُ القوم أسْبَعُهم إذا أخذت سُبُعَ أموالهم. و كذلك سَبَعْتُهُم أسْبَعُهم إذا كنت سَابِعَهُم. و في أظمَاء الإبل السِّبْعُ، و ذلك إذا أقامت في مراعيها خمسة أيام كواملَ، و وردت اليوم السادس، و لا يُحسب يومُ الصَدَر. و سَبُعَتْ الوحشيّةُ فهي مسبوعة إذا أكل السَبُع ولدها.
قال أبو بكر في قولهم: فلان يَسْبَع فلاناً قولان. أحدهما: يرميه بالقول القبيح من قولهم: سبعت الذئب إذا رميته. قال:
و يدلّك على ذلك‏
حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه نهى عن السّبَاع‏
و هو أن يتسابّ الرجلان فيرمي كلّ واحد منهما صاحبه بما يسوءه من القَذْع. و قيل: هو إظهار الرَفَث و المفاخرة بالجماع، و الإعراب بما يُكنَى عنه من أمر النساء.

71
تهذيب اللغة2

سبع ص 69

قال و السَّبُعَان: موضعٌ معروفٌ في ديار قَيس. و لا يعرف من كلامهم اسم على فَعُلَان غيره.
و قال النضر بن شميل: السُّبَاعِيُّ من الجِمال: العظيم الطويل. قال و الرُباعيّ من الجمال، مثل السُّبَاعِي على طوله.
قال: و ناقة سُبَاعِيَّة و رباعيّة. و قال غيره:
ثوبٌ سُبَاعِي إذا كان طوله سَبْع أذرع أو سبعة أشبار؛ لأن الشِبْر مذكّر، و الذراع مؤنثة. أبو عبيد عن الأصمعي: سَبَعْتُه إذا وقعت فيه، و أسْبَعْتُه إذا أطعمته السِّباع.
و قال ابن السكيت: أسْبَعَ الراعي إذا وقع في ماشيته السِّبَاع. و سَبَعَ الذئبُ الشاةَ إذا فرسها. و سَبَعَ فلان فلاناً إذا وقع فيه، و أسْبَعَ عَبْدُه إذا أهمله.
سعب:
أهمل الليث هذا الحرف، و هو مستعمل. يقال: انسعب الماءُ، و انْثَعَبَ إذا سال، و فُوه يَجْرِي سَعَابِيبَ و ثعابيبَ إذا سال مَرْغُه أي لُعَابه. أبو عبيد عن أبي عمرو: السَّعَابيب التي تمتد شِبه الخيوط من العَسَل و الخِطْمِيّ و نحوه. و قال ابن مقبل:
يَعْلُون بالمردقوش الوَرد ضاحيةً             على سعابيب ماء الضالة اللجِنِ‏
و قال ابن شميل: السعابيب ما اتَّبع يدَك من اللبن عند الحَلَب مثل النخاعة يتمطط و الواحدة سُعْبوبة. و في «نوادر الأعراب»:
فلان مُسَعَّبٌ له كذا و كذا، و مُسَغَّبٌ، و مُسَوَّعٌ له كذا، و مُسَوَّغٌ و مُزَغَّبٌ، كل ذلك بمعنًى واحدٍ.
باب العين و السين مع الميم‏
 [ع س م‏]
عسم، عمس، سمع، سعم، معس، مسع: [مستعملات‏].
عسم:
قال النَضْر: يقال: ما عَسَمْتُ بمثله أي ما بَلِلْت بمثله.
و يقال: ما عَسَمت هذا الثوب أي لم أجْهده و لم أنهكه. قال: و ذكر أعرابي أمَة فقال: هي لَنَا و كلُّ ضربة لها من عَسَمة قال: العَسَمة: النَسْل. أبو عبيد عن الفرّاء: عَسَمْتُ أعْسِمُ أي كَسَبْتُ، و أعْسَمْتُ أي أعطيت.
و قال شمر في قول الراجز:
بئر عَضُوض ليس فيها مَعْسَمُ‏
أي ليس فيها مَطْمَع. أبو العباس عن ابن الأعرابي: العَسَمُ: انتشار رُسْغ اليد من الإنسان. و قال أيضاً: العَسَمُ: يُبْسُ الرُسْغ.
و قال الليث: العَسَمُ: يُبْسٌ في المِرْفَق تعوجّ منه اليد. يقال: عَسِمَ الرجل عَسَماً فهو أعْسَم، و المرأة عَسْمَاء. قال و العُسُومُ: كِسَر الخبز اليابس.
و أنشد قول أمية بن أبي الصَلْت في نعت أهل الجنة:
و لا يتنازعون عِنَان شِرْك             و لا أقواتُ أهلهم العُسُومُ‏
و قال يونس أيضاً في العُسُوم: إنها كِسر الخبز اليابس. و قوله:
كالبحر لا يَعْسِمُ فيه عَاسِم‏

72
تهذيب اللغة2

عسم ص 72

أي لا يطمع فيه طامع أن يغالبه. و الرجل يَعْسِمُ في جماعة الناس في الحرب، أي يركب رأسه و يرمي بنفسه وسطهم غير مكترِث. يقال عَسَمَ بنفسه إذا اقتحم.
و قال غيره: عَسَمَت العَيْنُ تَعْسِمُ فهي عَاسِمة إذا غمَّضت، و قال غيره: عَسَمَتْ إذا ذَرَفَت، رواه الأثرم عن أبي عبيدة.
و قال ذو الرُمّة:
و نِقْضٍ كرِئْمِ الرملِ نَاجٍ زَجَرته             إذا العين كادت من كَرَى الليل تعْسِمُ‏
قيل: تَعْسِمُ تغمّض، و قيل: تَذْرِف.
و قال الآخر:
كِلنا عليها بالقَفِيز الأعظم             تِسْعِين كُرًّا كلُّه لم يُعْسَم‏
أي لم يُطَفَّفْ و لم يُنقصْ.
و قال المفضّل: يقال للإبل و الغنم و الناس إذا جُهِدُوا: عَسَمَهُمْ شِدّة الزمان. قال و العَسْمُ الانتقاص. و حمارٌ أعْسَمُ: دقيق القوائم. و ما في قِدْحِه مَعْسَم أي مَغْمز.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: العَسْمِيُّ:
الكَسُوبُ على عياله. و العَسْمِيُّ المُخَاتِل.
و العَسْمِيُّ المصلح لأموره، و هو المعوجّ أيضاً. قال و العُسُمُ: الكادّون على العِيال، واحدهم عَسُومٌ و عَاسِمٌ. قال و العَسُومُ: الناقة الكثيرة الأولاد.
عمس:
أبو عبيد عن أبي عمرو قال:
العَمُوسُ: الذي يَتَعَسَّفُ الأشياء كالجاهل. و منه قيل: فلان يَتَعَامس أي يتغافل. قلت: و من قال: يتغامس- بالغين- فهو مخطى‏ء.
و قال أبو عمرو: يومٌ عَمَاسٌ مثل قَتَامٍ شديد.
و قال الأصمعي: يومٌ عَمَاسٌ، و هو الذي لا يُدْرَى من أين يؤتى له. قال: و منه قيل: أتانا بأمور مُعَمِّسَاتٍ و مُعَمَّسَاتٍ بنصب الميم و جرها أي مُلَوَّيَاتٍ.
و قال الليث: جمع عَمَاسٍ عُمْسٌ؛ و أنشد للعجّاج:
و نزلوا بالسهل بعد الشأس             و مَرَّ أيامٍ مَضَين عُمْسِ‏
و أسد عَمَاس: شديد. و قال:
قبيِّلتان كالحذف المندّى             أطافٍ بين ذو ليد عَمَاسُ‏
و قد عَمُسَ يومُنا عَمَاسَةً و عُمُوسةً. و يقال:
عَمَّسْت عليَّ الأمرَ أي لبَّسته. و عَامَسْتُ فلاناً مُعَامَسَةً إذا ساترته و لم تجاهره بالعداوة. و امرأة مُعَامِسَةٌ: تتستَّر في شَبِيبتها و لا تتهتّك و قال الراعي:
إن الحلال و خَنْزَراً وَلَدَتْهُمَا             أُمٌّ مُعَامِسَةٌ على الأطهارِ
أي تأتي ما لا خير فيه غير معالِنة به.
و قال أبو تراب: قال خليفة الْحُصَينيّ:
يقال تَعَامَسْتُ عن الأمر و تَعَامَشْتُ و تَعَامَيْتُ بمعنًى واحدٍ. عمرو عن أبيه قال: العَمِيسُ الأمر المغطَّى. و قال الفرّاء: المُعَامَسَةُ السِّرَار. و في «النوادر» حَلفَ فلان على العُمَيْسِيَّة، و على الغُمَيْسِيَّة، أي على يمين غير حقّ.
سعم:
أبو عبيد: السَّعْمُ من سير الإبل. و قد سَعَمَ البعيرُ يَسْعَمُ سَعْماً. و ناقةٌ سَعُوم‏

73
تهذيب اللغة2

سعم ص 73

و جَمَلٌ سَعُوم. و قال الليث: السَّعْمُ:
سرعة السير و التمادي فيه. و أنشد:
 سَعْمُ المَهَارَى و السُرَى دواؤُهُ‏
سمع:
أبو زيد: يقال لسمع الأذن: المِسْمَع و هو الخَرْق الذي يُسمَع به. و قد يقال لجميع خُرُوق الإنسان. عينيه و مَنْخِريه و إسته: مَسَامع، لا يفرد واحدها.
الحرّاني عن ابن السكيت: السَّمْع سِمْع الإنسان و غيره. و يقال: قد ذهب سِمْعُ فلان في الناس و صِيتُه أي ذِكْره. قال:
و السِّمْعُ أيضاً: ولد الذئب من الضَبُع.
و يقال: سِمْع أزَلّ. قال: و قال الفرّاء:
يقال: اللهم سِمْعٌ لا بِلْغٌ و سَمْعٌ لا بَلْغٌ و سَمْعاً لا بَلْغاً و سِمْعاً لا بِلْغاً معناه:
يُسْمَعُ و لا يَبْلغُ. قال و قال الكسائي: إذا سمع الرجل الخبر لا يعجبه قال: سِمْعٌ لا بِلْغٌ و سَمْعٌ لا بَلْغٌ أي أسْمَعُ بالدواهي و لا تَبْلغني. الليث: السَّمْع: الأُذُن و هي المِسْمَعَةُ. قال: و المِسْمَعُ: خَرْقها.
و السِّمْعُ: ما وَقَر فيها من شي‏ء تسمعه.
و يقال أساء سَمْعاً فأساء جَابَة أي لم يسمع حَسَناً. قال و تقول العرب: سَمِعَتْ أذني زيداً يفعل كذا أي أبصرْتُه بعيني يفعل ذاك. قلت: لا أدري من أين جاء الليث بهذا الحرف، و ليس من مذاهب العرب أن يقول الرجل: سَمِعَتْ أذني بمعنى أبصرتْ عيني و هو عندي كلام فاسد، و لا آمن أن يكون ممّا ولّده أهل البِدَع و الأهواء و كأنه من كلام الجَهْميَّة و قال الليث: السّمَاعُ: اسم ما استلذَّت الأذنُ من صوتٍ حسنٍ. و السَّمَاعُ أيضاً ما سَمِعْتَ به فشاع و تُكُلِّمَ به. و السَّامِعَتَان:
الأذنان من كل ذي سَمْعٍ، و منه قوله:
وَ سَامِعَتَانِ تعرف العِتْق فيهما             كَسَامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلِ مُفْرَدِ
و السَّمِيعُ*
 من صفات اللَّه و أسمائه. و
هو الذي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شي‏ء؛ كما قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم‏
. قال اللَّه تبارك و تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها
 [المجادلة: 1] و قال في موضع آخر: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى‏
 [الزخرف: 80] قلت: و العَجَب من قوم فسَّروا السَّمِيع بمعنى المُسْمِع، فراراً من وصف اللَّه بأن له سَمْعاً. و قد ذكر اللَّه الفعل في غير موضع من كتابه. فهو سَمِيعٌ: ذو سَمْعٍ بلا تكييف و لا تشبيه بالسميع من خَلْقه، و لا سَمْعُه كسمع خَلْقه، و نحن نَصِفُهُ بما وصف به نفسه بلا تحديد و لا تكييف. و لست أنكر في كلام العرب أن يكون السَّمِيعُ سَامِعاً، و يكون مُسمِعاً. و قد قال عمرو بن مَعْدِي‏كَرِبَ:
أمِنْ ريحانة الداعي السَّمِيعُ             يؤرِّقني و أصحابي هجوعُ‏
و هو في هذا البيت بمعنى المُسْمِع، و هو شاذّ؛ و الظاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السميع بمعنى السامع، مثل عليم و عالم و قدير و قادر. و رجلٌ سَمَّاعٌ إذا كان كثير الاستماع لما يقال و يُنْطَق به. قال اللَّه جلّ و عزّ: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ‏
 [المائدة: 42] و فُسِّرَ قوله:
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ*
 على وجهين أحدهما:
أنهم يسمعون لكي يكذبوا فيما سمعوا.

74
تهذيب اللغة2

سمع ص 74

و يجوز أن يكون معناه: أنهم يسمعون الكذب ليُشيعوه في الناس و اللَّه أعلم بما أراده. عمرو عن أبيه أنه قال: من أسماء القيد المُسْمِعُ. و أنشد:
وَ لِي مُسْمِعَانِ وَ زَمَّارَةٌ             و ظلٌّ ظليلٌ و حصْنٌ أَمَقْ‏
أراد بالزمّارة: السّاجور. و
كتب الحجّاج إلى عامل له: أن ابعثْ إليّ فلاناً مُسَمَّعاً مُزَمَّراً
أي مَقيَّداً مُسَوْجَراً. و قال الزجّاج:
المِسْمَعَانِ جَانِبا الغَرْب. و قال أبو عمرو:
المِسْمَعُ العُرْوة التي تكون في وسط المزادة. و وسط الغَرْب ليعتدل. أبو عبيد عن الأحمر قال: المِسْمَعَانِ: الخشبتان اللتان تُدْخَلان في عُرْوتي الزَبِيل إذا أخْرج به التراب من البئر، يقال منه: أسمَعتُ الزَبِيل. و روى أبو العباس عن أبي نصر عن الأصمعي قال: المِسْمَعُ عُرْوة في داخل الدلو بإزائها عروة أخرى، فإذا استَثقل الصبيُّ أو الشيخ أن يستقي بها جمعوا بين العُرْوتين و شدّوهما لتخفّ.
و أنشد:
سألتُ زيداً بعد بَكْرٍ خُفَّا             و الدَلْوُ قد تُسْمَعُ كَيْ تَخِفَّا
قال: سأله بَكْراً من الإبل فلم يعطه، فسأله خُفًّا أي جَمَلًا مُسِنًّا. و قال آخر:
و نَعْدِلُ ذا المَيْلِ إنْ رَامَنَا             كما عُدِلَ الغَرْبُ بالمِسْمَعِ‏
و سمعت بعض العرب يقول للرجلين اللذين ينزِعان المِشْئاة من البئر بترابها عند احتفارها، أسْمِعَا المِشْئاة أي أبيناها عن جُول الرَكِيَّة و فمها. و قال اللَّه جلّ و عزّ:
خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ
 [البقرة: 7] فمعنى خَتَمَ:
طَبَعَ على قلوبهم بكفرهم، و هم كانوا يسمعون و يبصرون، و لكنهم لم يستعملوا هذه الحواسّ استعمالًا يُجدي عليهم؛ فصاروا كمن لم يسمع و لم يبصر و لم يعقل؛ كما قال الشاعر:
أصَمُّ عَمَّا ساءه سَمِيعُ‏
و أما قوله: على سمعهم فالمراد منه على أسماعهم. و فيه ثلاثة أوجه أحدها: أن السمع بمعنى المصدر، و المصدر يوحّد يراد به الجميع. و الثاني أن يكون المعنى على مواضع سمعهم، فحذفت المواضع كما تقول: هم عَدْلٌ أي ذوو عَدْلٍ.
و الوجه الثالث: أن يكون إضافته السمع إليهم دالًا على أسماعهم؛ كما قال:
في حَلْقكم عَظْم و قد شَجِينا
معناه: في حلوقكم. و مثله كثير في كلام العرب. و
رُوِي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال:
 «من سَمَّعَ الناس بعمله سَمَّعَ اللَّه به سَامِعُ خَلْقِه و حقّره و صغّره»
. و رواه بعضهم:
أسَامِعَ خَلْقِه. قال أبو عبيد: قال أبو زيد:
يقال سَمَّعْتَ بالرجل تسميعاً إذا ندَّدت به و شهَّرته و فضحته. قال: و مَن روى سامعُ خَلْقِه فهو مرفوع أراد: سَمَّعَ اللَّه سامعُ خلقه به أي فضحه. و من رواه أسَامِع خلقه فهو منصوب، و أسَامِع جمع أسْمُع و هو جمع السَّمْع، ثم أسَامِعُ جمع الأَسْمُع. يريد إن اللَّه ليسمع أسماع خلقه بهذا الرجل يوم القيامة. و السُّمْعَةُ: ما

75
تهذيب اللغة2

سمع ص 74

سَمَّعْتَ به من طعام أو غيره رياءً.
و سَمَّعْت بفلان في الناس إذا نوَّهتَ بذكره. و
حدّثنا أبو القاسم بن مَنيع قال:
حدّثنا محمد بن ميمون قال: حدّثنا سفيان قال: حدثنا الوليد بن حرب عن سَلمة بن كُهَيل عن جندب البَجَليّ قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «من سمَّع يسمّع اللَّه به، و من يُراء يراءِ اللَّه به»
. زاد هذا الجنيد عن سفيان بإسناده. أبو عبيد عن أبي زيد في المؤلف: شتَّرت به تشتيراً- بالتاء- و ندَّدت به و سمَّعت به و هجَّلت به إذا أسمعته القبيح و شتمته. قال الأزهري: من التسميع بمعنى الشتم و إسماع القبيح‏
قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «من سمَّع يُسمِّع اللَّه به»
أبو عبيد عن الأصمعي أو الأموي:
السّمَعْمَعُ: الصغيرُ الرأس. و رَوَى شمر عن ابن الكلبي أن عَوَانَة حَدَّثه أن المغيرة سأل ابن لِسَان الحُمَّرة عن النساء، فقال:
النساء أربع: فربيع مُرْبع. و جَميعٌ تَجمع.
و شيطانٌ سَمَعْمَع. و يروى سُمَّعَ، و غُلٌّ لا يُخْلَع. قال: فَسِّرْ. قال: الربيع المُرْبعُ:
الشابَّة الجميلة، التي إذا نظرْت إليها سرّتك، و إذا أقسمت عليها أبَرّتك. و أمَّا الجميع التي تَجمع فالمرأة تَزَوَّجُها و لك نَشَبٌ و لها نَشَبٌ فتجمع ذلك. و أمَّا الشيطان السَّمَعْمَع فهي الكالحة في وجهك إذا دَخَلْتَ، المولولِة في أثرك إذا خرجتَ. قال شمر: و قال بعضهم امرأة سَمَعْمَعَة كأنها غُول. قال: و الشيطان الخبيث يقال له سَمَعْمَع. قال: و أما الغُلّ الذي لا يُخْلع فبنت عمك القصيرة الفوهاء، الدَمِيمة السوداء، التي قد نَثَرتْ لك ذا بطنِها. فإن طلّقتها ضاع ولدك، و إن أمسكْتها أمسكْتها على مثل جَدْع أنفك. و قال الليث: السَّمَعْمَع من الرجال: المنكمش الماضي. قال: و غُولٌ سَمَعْمَعٌ و امرأة سَمَعْمَعةٌ كأنها غولٌ أو ذئبةٌ. و المِسْمَعان الأذنان، يقال: إنه لطويل المِسْمَعَين. و قال الليث: السميعان من أدوات الحرّاثين: عودان طويلان في المِقْرَن الذي يُقْرن به الثَوْران لحراثة الأرض. و قال أبو عبيد عن أبي زيد:
امرأةٌ سُمْعُنَّة نُظْرُنَّة، و هي التي إذا سَمِعتْ أو تبصّرتْ فلم تر شيئاً تظنَّتْ تَظَنِّياً أي عمِلتْ بظنّ. قال و قال الأحمر أو غيره:
سِمْعَنَّةٌ نِظْرَنَّةٌ. و أنشد:
إنَّ لنا لكَنَّهْ مِعَنَّة             مِفَنَّهْ سِمْعَنَّةً نِظْرَنَّهْ‏
إلَّا ترهْ تَظُنَّهْ             كالذئب وَسْطَ العُنَّهْ‏

و قال أبو زيد: يقال فعلتُ ذلك تَسْمِعَتَكَ و تَسْمِعَةً لك أي لِتَسْمَعَهُ. و في حديث قَيْلَة أن أختها قالت: الويلُ لأختي، لا تخبرها بكذا فتخرجَ بين سمع الأرض و بصرها.
قال أبو زيد: يقال خرج فلان بين سَمْعِ الأرض و بصرها إذا لم يَدْرِ أين يتوجَّه.
و قال أبو عبيد: معنى قولها: تخرج أختي معه بين سمع الأرض و بصرها: أن الرجل يخلو بها ليس معها أحد يسمع كلامها أو يبصرها إلّا الأرض القَفْر، ليس أن الأرض لها سَمْع و لكنها وَكّدت الشناعة في خلوتها بالرجل الذي صحبها. و قيل معناه: أن تخرج بين سَمْع أهل الأرض‏

76
تهذيب اللغة2

سمع ص 74

و أبصارهم، فحذفت الأهل كقول اللَّه جلّ و عزّ: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] أي أهلها.
و قال ابن السكيت: يقال لقِيته يمشي بين سَمْع الأرض و بصرها أي بأرضٍ خلاءٍ ما بها أحد. قلت: و هذا يقرب من قول أبي عبيد، و هو صحيح. و قال بعضهم: غولٌ سُمَّعٌ: خفيف الرأس. و أنشد شمر البيت:
فليست بإنسان فينفعَ عقلُه             و لكنها غولٌ من الجنّ سُمَّعُ‏
و السَّمَعْمَع و السَمْسَام من الرجال: الدقيق الطويل. و امرأةٌ سَمَعْمَعة سَمْسامة. و أنشد غيره:
وَيْلٌ لأجمال العجوز مِنِّي             إذا دنوتُ و دَنَوْنَ مِنِّي‏
 كأنني سَمَعْمَع من جِنّ‏
و أمّ السَّمْعِ و أمّ السَّمِيعِ: الدماغ. قال:
نَقَبْنَ الحَرّة السوداء عنهم             كنقب الرأس عن أُمّ السَّمِيعِ‏
و يُقال في التشبيه: هو أَسْمَعُ من الفرس و القُرَاد و فرخ العُقاب و القُنْفُذ.
معس:
أهمله الليث. و
في الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم مرَّ على أسماء بنت عُمَيس و هي تَمعَسُ إهاباً لها.
تَمْعَسُ أي تَدْبُغ. و أصل المَعسْ: الدلك للجِلْد بعد إدخاله في الدِبَاغ.
و قال ابن السكيت: قال الأصمعي: بعثت امرأة من العرب بنتاً لها إلى جارتها: أن ابعثي إلي بنَفْسٍ أو نَفْسَيْنِ من الدباغ أمعَسُ به مَنِيئتي فإني أفِدَةٌ. و المَنِيئَة المَدْبغة. و النَفْسُ: قَدْر ما يُدْبَغ به من ورق القَرَظ أو الأرْطَى. و أنشدني المنذري و ذكر أن العباس أخبره عن ابن الأعرابي أنه أنشده:
يُخْرِجُ بين الناب و الضُرُوس             حمراءَ كالمنيئة المَعُوسِ‏
أراد: شِقْشِقة حمراء، شبّهها بالمنيئة المحرّكة في الدباغ.
و قال آخر:
و صاحبٍ يَمْتَعِسُ امْتِعَاساً
و المَعْسُ: النكاح، و أصله الدلك: قال الراجز:
فشِمْتُ فيها كعمود الحِبْسِ             أمْعَسُهَا يا صاحِ أيّ مَعْسِ‏
و الرجل يَمْتَعِسُ أي يمكّن استه من الأرض و يُحرّكها عليه.
مسع:
أهمله الليث. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: المَسْعِيُّ من الرجال:
الكثير السيرِ القويّ عليه.
و قال أبو عُبَيد قال الأصمعيّ: يقال للشمَال: نِسْع و مِسْعٌ.
أبواب العين و الزاي‏
ع ز ط
استعمل من وجوهها: [طزع‏].
طزع:
يقال: رجلٌ طَزِعٌ و طَزِيعٌ و طَسِعٌ و طَسِيعٌ؛ و هو الذي لا غَيْرة له و قد طَزِع طَزَعَاً.
ع ز د
أهملت وجوهه.

77
تهذيب اللغة2

دعز ص 78

دعز- عزد
 [دعز]:
و ذكر ابن دريد حرفين: دعز، عزد. قال: الدَّعْز: الدفع يقال دَعَزَ المرأة إذا جامعها.
 [عزد]
و قال غيره معه: العَزْد و العَصْد الجماع.
و قد عَزَدَهَا عَزْداً إذا جامعها.
 (ع ز ت) (ع ز ظ)، (ع ز ذ)، (ع ز ث).
أهملت [وجوهها].
باب العين و الزاي مع الراء
 [ع ز ر]
عزر، عرز، زرع، زعر: مستعملة.
رعز، رزع: مهملان.
عزر:
قال اللَّه جلّ و عز: وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ‏
 [الفتح: 9] و قال: وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ‏
 [المائدة:
12] جاء في التفسير في قوله تعالى:
ل (تُعَزِّرُوهُ)
: أي لتنصروه بالسيف. و مَن نصر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقد نصر اللَّه تعالى.
و قال أبو عبيدة في قوله: وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ‏
 [المائدة: 12] قال: عظَّمتموهم. و قال غيره: عَزَّرْتُمُوهُمْ‏
: نصرتموهم.
و قال إبراهيم بن السّرِيّ: و هذا هو الحق و اللَّه أعلم. و ذلك أن العَزْر في اللغة:
الردّ و تأويل عزَّرْت فلاناً أي أدَّبته إنما تأويله: فعَلتُ به ما يَرْدَعه عن القبيح؛ كما أن نكَّلت به تأويله: فعَلت به ما يجب أن يَنْكُل معه عن المعاودة. فتأويل عَزَّرْتُمُوهُمْ‏
 نصرتموهم، بأن تردّوا عنهم أعداءهم. و لو كان التعزير هو التوقير لكان الأجود في اللغة الاستغناء به. و النُصْرة إذا وجبت فالتعظيم داخل فيها؛ لأن نُصْرة الأنبياء هي المدافعة عنهم، و الذبّ عن دينهم و تعظيمهم و توقيرهم.
قال: و يجوز: تَعْزُرُوه من عَزَرته عَزْراً بمعنى عَزَّرْته تعزيراً. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العَزْرُ: النصرُ بالسيف.
و العَزْرُ: التأديب دون الحَدّ. و العَزْرُ:
المنعُ و العَزْرُ: التوقيف على باب الدين.
قلت: و حديث سَعْدٍ يدلُ على أن التعزير هو التوقيف على الدين؛ لأنه‏
قال: لقد رأيتني مع رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم و ما لنا طعام إلا الحُبْلَة و ورق السَمُر، ثم أصبحتْ بنو أسد تعزّرني على الإسلام، لقد ضللتُ إذاً و خاب عملي.
و قال ابن الأعرابي أيضاً: التعزير في كلام العرب: التوقير.
و التعزير: النصر باللسان و السيف.
و التعزير: التوقيف على الفرائض و الأحكام. و قال أبو عبيد: أصل التعزير التأديب. و لهذا يسمى الضرب دون الحَدّ تعزيراً، إنما هو أدبٌ. قال: و يكون التعزير في موضع آخر: تعظيمَك الرجل و تبجيلَه: و قال ابن الأعرابيّ: معنى قول سعدٍ: أصبحتْ بنو أسدٍ تعزرني على الإسلام أي توقِّفني عليه. قلت و أصل العَزْر الردّ و المنع. و قال الليث: العَزِيرُ بلغة أهل السواد هو ثمن الكَلأ و الجميع العزائر. يقولون: هل أخذت عَزِير هذا الحَصِيد؟ أي هل أخذت ثمن مراعيها؛ لأنهم إذا حصدوا باعوا مراعيها. و عُزَير:
اسم نبيّ. و قال ابن الأعرابي: هي العَزْوَرَة و الحَزْوَرَةُ و السَرْوَعَة و القائدة:

78
تهذيب اللغة2

عزر ص 78

الأكمة. أبو عمرو: مَحَالة عَيْزَارَة:
شديدة الأسر. و قد عَيْزَرَهَا صاحبها.
و أنشد:
فابْتَغِ ذات عَجَل عَيَازِرَا             صَرَّافَةَ الصوت دَمُوكا عَاقِرَا
و العَزَوَّرُ: السّي‏ء الخُلُق عن أبي عمرو.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: العَيْزَارُ الغُلَام الخفيف الروح النشيط. و هو اللَقْنُ الثَقْفُ و هو الريشة، و المماحل و المماني.
عَزْوَرُ: موضع قريب من مكَّة. قال ابن هَرْمَة:
و لم ننس أظعاناً عَرَضْن عشيةً             طوالع من هَرْشَى قواصد عَزْوَرَا
و العَيَازِرُ: بقايا الشجر الذي أُخذت أعاليه بالقطع و الأكل.
عرز:
أبو عبيد عن أبي زيد: المُعارَزة:
المعاندة و المجانبة و أنشد للشمّاخ:
و كلُّ خليل غيرِها ضم نفسِه             لوصل خليل صارِمٌ أو مُعَارِزُ
شمر: المُعَازِرُ: المُعَاتِبُ و قال الليث:
العَارزُ: العاتبُ. قال: و العَرَز- و الواحدة عَرَزة- و هي شجرة من أصاغر الثُمَام و أدقّ شجره، له ورق صغار متفرِّقة. و ما كان من شجر الثُمَام من ضَرْبه فهو ذو أمَاصِيخ، يمصوخةٌ في جوف أمصوخة، تنقلع العليا من السفلى انقلاع العِفَاص من رأس المُكْحُلة. و قال غيره: العَرْز:
الانقباض، و قد اسْتَعْرزَ الشي‏ءُ أي انقبض و اجتمع. و يقال: عَرَزت لفلان عرزاً، و هو أن تقبِض على شي‏ء في كفّك و تضم عليه أصابعك و تُرِي منه شيئاً صاحبَك لينظر إليه و لا تريه كله. و في «نوادر الأعراب» أعرزتني من كذا أي أعوزْتني منه. و روى أبو تراب للخليل قال: التعريز كالتعريض في الخصومة.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العُرَّازُ المغتابون للناس. قال: و العَرَز: شجر الثُمام.
زرع:
الليث: الزَرْع: نبات كل شي‏ء يُحْرَث.
و اللَّه يَزْرعه أي يُنَمِّيه حتى يبلغ غايته.
و يقال للصبيّ: زرعه اللَّه أي أنبته.
و المُزْدَرِع: الذي يزدرع زَرْعاً يتخصَّص به لنفسه و المُزْدَرَعُ موضع الزراعة. و قال الشاعر:
و اطلبْ لنا مِنْهُمُ نخلًا و مُزْدَرَعاً             كما لجيراننا نَخْلٌ و مُزْدَرَعٌ‏
مُفْتَعَلٌ من الزرع. و مَنِيُّ الرجل: زَرْعُهُ.
و قال النضر: الزِرِّيعُ: ما ينبت في الأرض المستحيلة، مما يتناثر فيها أيام الحصاد من الحَبِّ.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الزَرَّاعُ:
النمّام الذي يَزْرع الأحقادَ في قلوب الأحِبَّاء. أزْرعَ الزرعُ: أحصد. و لا ينزرع أي لا ينبت. و كل بَذْر أردت زرعه فهو زُرْعَة. و الزَرّاعات: مواضع الزرع كالمَلّاحات مواضع المِلْح. قال جرير:
فقَلَّ غَنَاءٌ عنك في حرب جعفرٍ             تُغَنِّيك زَرَّاعَاتُهَا و قصُورهَا
و المَزْرَعَةُ المَزْرَعَة. و زُرعَ لفلان بعد

79
تهذيب اللغة2

زرع ص 79

شقاوة أي أصاب مالًا بعد حاجة. و تَزَرَّعَ إلى الشي‏ء: تسرع. و يقال للكلاب: أولاد زارع. قال:
و أخرج منه اللَّه أولاد زارع             مُوَلَّعة أكنافها و جُنُوبها
و المَزْروعان من بني كعب بن سعد لَقَبان لا إسمان.
زعر:
الليث: الزَعَر في شَعر الرأس و في ريش الطائر: قلّةٌ و رِقَّة و تفرّق. و ذلك إذا ذهبت أصولُ الشَعر و بقي شكيره. و قال:
ذو الرمة يصف الظليم:
كأنه خَاضِبٌ زُعْرٌ قوادمه             أجْنَى له باللِوَى آءٌ و تَنَوُّمُ‏
و قد زَعِرَ رأسه يَزْعَرُ زَعَراً. أبو عبيد: في خُلُقه زَعَارَّةٌ- بتشديد الراء مثل حَمارة الصيف- أي شَرَاسة و سوء خُلُق و ربما قالوا: هو زَعِرَ الْخُلُق. و منهم من يخفِّف فيقول في خُلُقه زَعَارَة، و هي لغة.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الزَعَر: قِلَّة الشَعَر. و منه قيل للأحداث: زُعْرَان.
و قال ابن شُمَيل: الزُعْرُورُ: شجرة الدُبّ.
و قال غيره الزعرور ثم شجر، منه أحمرُ و أصفر، له نوًى صُلْبٌ مستدير. و قال أبو عمرو: الفُلْك: الزُعْرور. رواه أبو العباس عن عمرو عن أبيه.
باب العين و الزاي مع اللام‏
 [ع ز ل‏]
عزل، علز، زلع، زعل، لعز: مستعملة.
عزل:
العَزْل: عَزْل الرجل الماءَ عن جاريته إذا جامعها لئلَّا تحمل. و
في حديث أبي سعيد الخُدْرِيّ أنه قال: بينا أنا جالس عند رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه إنا نصيب سَبْياً فنحب الأثمان، فكيف ترى في العَزْل؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا عليكم ألّا تفعلوا ذلك فإنها ما من نَسَمة كتب اللَّه أن تخرج إلا و هي خارجة» و في حديث آخر: «ما عليكم ألَّا تفعلوا».
قلت من رواه‏
 «لا عليكم ألا تفعلوا»
فمعناه عند النحويين:
لا بأس عليكم ألا تفعلوا، حذف منه (بأس) لمعرفة المخاطب به. و من رواه‏
 «ما عليكم ألا تفعلوا»
فمعناه أي شي‏ء عليكم ألا تفعلوا، كأنه كرِه لهم العَزْل و لم يحرِّمه. قلت و في‏
قوله: «نُصِيبُ سَبْياً فنحبّ الأثمان فكيف ترى في العزل»
كالدلالة على أن أمّ الوَلَد لا تباع.
و يقال: اعزِلْ عنك ما يَشِينك أي نَحِّه عنك. و كنتُ بمَعْزِلٍ من كذا و كذا أي كنت بموضع عُزْلةٍ منه و كنتُ في ناحية منه. و اعتزلت القوم أي فارقتهم و تنحَّيت عنهم. و قومٌ من القَدَريَّة يلقَّبون المعتزِلة، زعموا أنهم اعتزلوا فئتي الضلالة عندهم، يعنون أهلَ السّنة و الجماعةِ و الخوارجَ الذين يستعرِضون الناس قتلًا. و العَزَلُ في ذنَب الدابّة: أن يَعزِل ذَنَبَه في أحد الجانبين، و ذلك عادةٌ لا خِلْقة. و فرسٌ أعزلُ الذَنَب إذا كان كذلك. و منه قول امرى‏ء القيس:
بِضَافٍ فُوَيْقَ الأرض ليس بأَعْزَلِ‏
و قال النضر: الكشَفُ أن ترى ذَنَبَه زائلًا عن دُبُره. و هو العَزَل.

80
تهذيب اللغة2

عزل ص 80

و قال الليث: الأعزل من الدواب: الذي يميل بذَنَبه عن دُبُره. و الأعزل من الرجال: الذي لا سلاح معه. و أنشد أبو عبيد:
و أرى المدينة حين كنت أميرها             أمِنَ البري‏ء بها و نام الأعْزَلُ‏
و في نجوم السماء سِمَاكَانِ: أحدهما السِمَاك الأعزل، و الآخر السماك الرامح.
فأمَّا الأعزل فهو من منازل القَمَر، ينزل القمر و هو شآمٍ و سُمّي أعزل لأنه لا شي‏ء بين يديه من الكواكب؛ كالأعزل الذي لا سلاح معه. و يقال: سُمِّي أعزل لأنه إذا طلع لا يكون في أيامه ريحٌ و لا بَرْدٌ.
و قال أوْس بن حَجَر:
كأنّ قُرُون الشمس عند ارتفاعها             و قد صادفتْ قَرْناً من النجم أعْزَلَا
 تردَّد فيه ضوؤها و شعاعها             فاحْصِنْ و أزْيِنْ لامرى‏ءٍ إن تَسَرْبَلَا

أراد إن تسربل بها، يصف الدرع أنك إذا نظرت إليها وجدتها صافية برّاقةً، كأنّ شعاع الشمس وقع عليها في أيام طلوع الأعزل و الهواءُ صافٍ. و قوله: تردَّد فيه يعني في الدرع فذكّره للَّفظ، و الغالب عليها التأنيث. و قال الطرِمَّاح:
 محاهُنّ صَيّبُ نَوْء الربيع             من الأنجم العُزْلِ و الرامحهْ‏
و عَزْلاء المزادة: مَصَبّ الماءِ منها في أسفلها حيث يُستفرغ ما فيها من الماء، و جمعها العَزَالِي؛ سمّيت عزلاء لأنها في أحد خُصْمَيِ المزادة لا في وسطها، و لا هي كفمها الذي منه يُسْقَى فيها، و يقال للسحابة إذا انهمرت بالمطر الْجَوْد: قد حَلَّتْ عَزَالِيهَا، و أرسلت عَزَالِيهَا.
و المِعْزَالُ من الناس: الذي لا ينزل مع القوم في السَفَر، و لكن ينزل وحده. و هو ذمّ عند العرب بهذا المعنى. و يكون المِعْزَال: الذي يستبِدّ برأيه في رَعْي أُنُف الكَلأ، و يتّبع مساقط الغيث، و يَعْزُبُ فيها، فيقال له: مِعْزَابه و مِعْزال. و منه قوله:
و تلوى بلَبُون المِعْزَابَة المِعْزَالِ‏
و هذا المعنى ليس بذمّ عندهم لأن هذا من فعل الشجعان و ذوي البأس و النَجْدة من الرجال. و يجمع الأعزل من الرجال الذي لا سلاح معه: عزلًا و أعْزَالًا. و منه قول الفِنْد الزِمّاني- و اسمه شَهْل-:
رأيت الفتية الأعْزَا             ل مثل الأيْنُق الرُعْلِ‏
فجمع الأعزل على أعزال، و كأنه جَمْع العُزُلِ. و قد جاء في الشِعر: عُزَّلًا. و منه قول الأعشى:
غير مِيل و لا عواوير في الهي             جا و لا عُزَّلٍ و لا أكْفَالِ
و قال أبو منصور: الأعزال جمع العُزُل على فُعُل كما يقال: جُنُب و أجناب و مياه أسدام جمع سُدُم.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال:
الأعزل من اللحم يكون نصيبَ الرجل الغائب. و الجمع عُزْلٌ. قال: و الأعزل من الرمال: ما انعزل عنها أي انقطع.

81
تهذيب اللغة2

عزل ص 80

و يقال لسائق الحمار: اقْرع عَزَلَ حمارك أي مؤخِّره. و العَزَلَة: الحَرْقَفة. و الأعزل:
الناقص إحدى الحَرْقَفتين. و أنشد:
قد أعجلت ساقتها قرع العَزَلْ‏
أبو داود عن ابن شميل: مرّ قتادة بعمرو ابن عبيد فقال: ما هذه المُعْتَزِلَةُ: فسُمُّوا المعتزلة.
و هو عمرو بن عبيد بن باب.
و فيه يقول القائل:
 بَرِئتُ من الخوارج لستُ منْهم             من العُزَّالِ منهم و ابن بَاب‏
و عازلة: اسم ضَيْعة كانت لأبي نُخَيلة الْحِمَّاني. و هو القائل فيها:
عازلة عن كل خير تُعْزَل             يابسة بطحاؤها تُفَلْفِلُ‏
 للجنّ بين قارَتَيْها أفكل             أقبل بالخير عليها مقبلُ‏
و مقبل: اسم جبل بأعلى عازلة.
علز:
قال الليث: العَلَزُ: شِبه رِعْدة تأخذ المريض و الحريص على الشي‏ء. تقول:
ما لي أراك عَلِزاً. و أنشد:
عَلَزَان الأسِير شُدَّ صِفَادا
قلت: و الذي ينزل به الموت يوصف بالعَلَز، و هو سياقه نفسَه. يقال: هو في عَلَز الموت.
و قال الأصمعي: عَلِزَ الرجل يَعْلَزُ عَلَزاً إذا غَرِضَ. قلت: معنى قوله: غَرِضَ ههنا أي قَلِق.
أبو عبيد عن أبي عمرو: العِلَّوص و العِلَّوز جميعاً: الوجع الذي يقال له اللَوَى.
و عَالِز: اسم موضع و يقال للبظْر إذا غَلُظَ:
عِلْوَذّ و عِلْوَدّ. و العِلْوَز: الجنون. و أعلزني أي أعوزني.
زلع:
في الحديث أن المُحْرِم إذا تزلّعَتْ رجلُه فله أن يَدْهُنها.
تزلّعَتْ أي تشقّقت. قال ذلك أبو عبيد و غيره.
و قال الليث: الزُّلُوع: شُقُوق تكون في ظهر القدم و باطنِه، يقال زَلَعَتْ رِجْلُهُ و قدمُهُ. قال: و الزَلْعُ استلابٌ في خَتْل؛ تقول زَلَعْتُهُ و ازدلعته. و قال المفضل:
ازدلع فلان حَقِّي إذا اقتطعته. و قال:
ازْدَلَعْتُ الشجرة إذا قطعتها. و هو افتعال من الزَلْع. و الدال في ازدلعت كانت في الأصل تاءً.
و قال الليث: أزْلَعْتُ فلاناً في كذا أي أطْعَمْتُهُ.
و قال ابن دريد: الزَيْلَعُ خَرَز معروف.
قال: و زَيْلَعُ: موضع. و قال زَلِعَتْ جراحته إذا فسدتْ.
و قال النضر: الزُلُوع و السُلوع: صُدوع في الْجَبَل في عُرْضه.
و قال أبو عبيد: زَلَعْتُ رِجْله بالنار أزْلَعُهَا.
المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي يقال: زلعته و سلقته و دثثته و عصوته و هروته و فأوته بمعنى واحد رجل أزلع: قصير الشفتين في استحالة عن وضَح الفم.
و امرأة زَلْعاء وَلْعاء: واسعة الفرج).
زعل:
أبو عبيد: الزَعَل: النشاط. و قال الليث الزَعِلُ النشيط الأشِر. و حِمَار زَعِل. و قد أزْعَلَهُ الرِعْيُ. و قال أبو ذؤيب:

82
تهذيب اللغة2

زعل ص 82

أكل الْجمِيم و طاوعَتْهُ سَمْحَجٌ             مثلُ القناة و أزْعَلَتْهَا الأَمْرُعُ‏
و قال أبو زيد: الزَعَلُ و العَلَزُ: التضوُّر.
و قال الليث: الزَعْلة من الحوامل: التي تلد سنة و لا تلد سنة، كذلك تكون ما عاشت.
لعز:
الليث: لَعَز فلان جاريته يَلْعَزُهَا إذا جامعها. قال: و هو من كلام أهل العراق. و قال ابن دريد: اللعْز: كناية عن النكاح، بات يَلْعَزها. قال: و في لغة قوم من العرب لَعَزَت الناقةُ فصيلها إذا لَطِعته بلسانها.
باب العين و الزاي مع النون‏
 [ع ز ن‏]
عنز، نزع، عزن. [مستعملة].
عزن:
أبو العباس عن ابن الأعرابي: أعزن الرجل إذا قاسم نصيبه فأخذ هذا نصيبه و هذا نصيبه. قلت: و كأن النون مبدلة من اللام في هذا الحرف.
عنز:
أبو عبيد: العَنَزَة: قَدْرُ نصف الرُمْح أو أكبر شيئاً و فيها زُجٌ كزُجّ الرمح. و قال الليث: العَنَزَة- و الجميع العَنَزُ- يكون بالبادية، دقيقُ الخَطْم. و هو من السِبَاع يأخذ البعير من قِبَل دُبُره، و قلّما يُرَى.
و يزعمون أنه شيطان. قلت: العَنَزة عند العرب من جنس الذئاب، و هي معروفة، و رأيت بالصَمَّان ناقة مُخِرَتْ من قِبَل ذَنبها ليلًا: فأصبحت و هي ممخورة قد أكلت العَنَزَة من عجزها طائفة و الناقة حَيّة، فقال راعي الإبل- و كان نُمَيريًّا فصحياً- طرقها العَنَزَةُ فمخرهَا و المَخْرُ: الشق و قلَّما تظهر العَنَزَة لخُبْثها. و من أمثال العرب المعروفة: ركبتْ عَنْز بِحِدْج جملًا. و فيها يقول الشاعر:
شَرَّ يوميها و أغواه لها             ركِبتْ عنزٌ بحِدْج جَمَلَا
و قال أبو عبيد: قال الأصمعي: أصله أن امرأة من طَسْم يقال لها عَنْزٌ، أُخِذَتْ سَبِيّة فحملوها في هودج و ألطفوها بالقول و الفعل. فعند ذلك قالت: شرَّ يَوْمَيْهَا و أغواه لها. تقول شرُّ أيامي حين صرت أُكرَم للسِبَاء، يضرب مثلًا في إظهار البِرّ باللسان و الفعلِ لمن يراد به الغوائل.
و عُنَيْزَة من أسماء النساء تصغير عَنَزَة أو عَنْزَةٍ. و قبيلةٌ من العرب ينسب إليها فيقال: فلان العَنَزِي. و القبيلة اسمها عَنَزَة، و العَنْزُ الأنثى من المِعْزَى. و أنشد ابن الأعرابي:
أَبُهَيُّ إنّ العَنْز تمنع ربها             مِن أن يُبَيِّتَ جاره بالحَائِلِ‏
أراد يا بُهَيَّة فرخّم. و المعنى: أن العَنْز يتبّلغ أهلها بلبنها فتكفيهم الغارةَ على مال الجار المستجير بأصحابها. و حَائل:
أرض بعينها أدخل عليها الألف و اللام للضرورة. و قال الليث: و كذلك العَنْز من الأوعال و الظباء. قال: و العنْزُ: ضربٌ من السمك يقال له: عَنْز الماء. قلت:
و سألني أعرابيّ عن قول رؤبة:
و أرَمٍ أعيسُ فوق عَنْزِ
فلم أعرفه. فقال: العَنْز القارة السوداء.
و الأرَم: عَلَم يبنى فوقها. و جعله أعيس لأنه بُني من حجارة بيض ليكون أظهر لمن‏

83
تهذيب اللغة2

عنز ص 83

يريد الاهتداء به على الطريق في الفلاة.
و عُنَيْزَة: موضع في البادية معروفٌ، و قال الليث: العَنْز في قول رؤبة، صخرة تكون في الماء، و الذي قاله الأعرابيّ أصحّ.
و قال الليث: العَنْز من الأرض: ما فيه حُزُونة من أكمة أو تَلّ أو حجارة. و قال غيره: يقال نَزَل فلان معتنِزاً إذا نزل حَرِيداً في ناحية من الناس. و رأيته مُعْتَنِزاً و منتبِذاً إذا رأيته متنحِّياً عن الناس. و قال النضر:
رجلٌ مَعَنَّزُ الوجه إذا كان قليل لحم الوجه. و أنشد:
 مُعَنَّز الوجه في عِرْنينه شَمَمُ‏
و قال أبو داود: سمعت أعرابياً يقول لرجل: هو معنَّز اللحية، و فسّره أبو دواد:
بَزْرِيش كأنه شبّه لحيته بلحية التيْس. و من أمثال العرب: حَتْفَها تحمل ضأنٌ بأظلافها. و قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا لا تَكُ كالعَنْز تبحث عن المُدْية، يضرب مثلًا للجاني على نفسه جناية يكون فيها هلاكه، و أصله أن رجلًا كان جائعاً بالفلاة فوجد عَنْزاً و لم يجد ما يذبحها به، فبحثت بيديها و أثارت عن مُدْيةٍ، فذبحها بها. و من أمثالهم في الرجُلين يتساويان في الشرف: قولهم: هما كَرُكْبَتَي العَنْز، و ذلك أن ركبتيها إذا أرادت أن تَرْبض وقعتا معاً. و نحوُ ذلك قولهم: هما كعِكْمَي العَيْر. و يروى هذا المثل عن هَرِم بن سِنَان أنه قاله لعلقمة و عامر حين سافرا إليه فلم ينفِّر واحداً منهما على صاحبه، و من أمثالهم لقِي فلان يوم العَنْز، يضرب مثلًا للرجل يَلْقي ما يُهلكه.
نزع:
أبو عبيد: الأنزع: الذي انحسر الشَعَرُ عن جانبَيْ جَبهته. و النَّزَعتان: ناحيتا منحسِر الشَعَرِ عن الجبينين. و قد نَزِعَ الرجل يَنْزَع نَزَعاً. و العرب تحبّ النزَع و تتيّمن بالأنزع، و تذمّ الغَمَم و تتشاءم بالأغَمّ، و تزعم أن الأغمّ القفا و الجبينِ لا يكون إلَّا لئيماً. و منه قول هُدْبَة بن خَشْرمَ:
لا تنكحي إنْ فرّق الدهر بيننا             أغمَّ القفا و الوجهِ ليس بأنزَعا
قال أبو عبيد. و النزائع من الخيل: التي نَزَعت إلى أعراق. و يقال: التي انتُزِعت من أيدي قوم آخرين. قال: و قال الأصمعي: بئرٌ نزوع إذا نُزِعَ منها الماء باليد نَزْعاً. قال: و قال أبو عمر: هي النَّزَيع و النَّزُوع.
و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال رأيتُني أنْزِع على قَلِيب.
معناه: رأيتني في المنام أسقِي بيدي من قَلِيب يقال: نزع بيده إذا استقى بدَلْوٍ عُلّق فيها الرشَاءُ. و
في حديث آخر أنه صلّى اللّه عليه و سلّم صلَّى يوماً بقوم فلمّا سلَّم من صلاته قال: «ما لي أنازَع القرآنَ».
و ذلك أن بعض المؤمنين جهر خلفه فنازعه قراءته، فنهاه عن الجهر بالقراءة في الصلاة خَلْفه. و المُنَازعة في الخصومة:
مجاذبة الحُجَج فيما يَتنازع فيها الخَصْمان.
و منازعة الكأس: معاطاتها. قال اللَّه تعالى: يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ‏
 [الطور: 23] و يقال نازعني فلان بنانه أي صافحني، و المنازعة المصافحة.
و قال الراعي:

84
تهذيب اللغة2

نزع ص 84

ينازعننا رخص البنان كأنما             ينازعننا هُدَّاب رَيْط معضَّد
سَلَمة عن الفرّاء قال: المَنْزَعة: الصخرة التي يقوم عليها الساقي قال و المَنْزَعة:
القوس الفَجْواء. و المَنْزَعة. قوّة عزم الرأي و الهمّة. و يقال للرجل الجيّد الرأي: إنه لجيّد المَنْزَعة. و أما المِنْزَعة بكسر الميم فخشبة عريضة نحو المِلْعَقة، تكون مع مُشتار العسل ينزِع بها النحلَ اللاصق بالشَهْد و تسمّى المِحْبَضَة. و يقال للإنسان إذا هوى شيئاً و نازعته نفسه إليه:
هو يَنْزِع إليه نِزَاعاً. و نَزَع في القوس يَنْزِع نَزْعاً إذا مَدّ و تَرها. قال اللَّه جلّ و عزّ:
وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً
 [النازعات: 1] قال الفرّاء:
تَنْزع الأنفسَ من صدور الكفّار، كما يُغْرِق النازع في القوس إذا جَذَب الوَتر. و قال ابن السكيت: قال الكسائي: يقولون لتعلمنّ أينا أضعف مِنْزعة. و المِنزعة: ما يرجع إليه الرجل من رأيه و تدبيره، جاء به ابن السكيت في باب مِفْعَلة و مَفعلة قال:
و قوله يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً
 أي يتعاطون، و الأصل فيه يتجاذبون. و قال ابن عباس و ابن مسعود في قوله: وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً
. هي الملائكة. و يقال: فلان يَنْزِع نَزْعاً إذا كان في السياق عند الموت. و كذلك هو يسوق سَوقاً. و يقال نَزَعَ الرجل عن الصِبَا، ينزِع نزوعاً إذا كفّ عنه. و ربما قالوا: نَزْعاً.
و يقال نَزَع فلان إلى أبيه يَنْزِع إذا أشبهه، و نَزَعَ إلى عِرْق، يَنْزِع، و قد نَزَعَ شَبَهَهُ عِرْق.
و
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم إنما هو عِرْق نَزَعَه.
و نُزَّاعُ القبائل: غرباؤهم الذين يجاورون قبائل ليسوا منهم الواحد نَرِيع. و يقال للرجل إذا استنبط معنى آية من كتاب اللَّه: قد انتزع معنًى جيّداً، و نَزَعَهُ مثله إذا استخرجه.
و المِنْزَعُ: السهم الذي يُرْمَى به. و منه قول أبي ذؤيب:
فأنفذ طُرَّتَيه المِنْزَعُ‏
و قال ابن السكيت: انتزاع النيَّة: بُعْدها، أخبرني بذلك المنذري عن الحراني عنه.
قال أبو منصور: و منه نزع فلان إلى وطنه. النزائع الغرباء و كذلك النُزّاع الواحد نزيع و نازع. و شرابٌ طيّب المِنْزَعة إذا كان طيّب الخِتام، و هو ساعة ينزعه عن فيه. و قيل في قوله: خِتامُهُ مِسْكٌ [المطففين: 26] إنهم إذا شرِبوا الرحِيق ففنِي ما في الكأس و انقطع الشُّرب انختم ذلك بريح المسك و طيبِه و اللَّه أعلم. و قال الليث: يقال للخيل إذا جَرَت: لقد نَزَعت سنَناً. و أنشد:
و الخيل تنزِع قُبًّا في أعنّتها             كالطير تنجو من الشُؤْبُوبِ ذي البَرَدِ
و النَّزَعَة: الرُمَاة، واحدهم نازع. و منه المثل عاد الرميُ على النَّزَعة يضرب مثلًا للذي يَحيق به مَكْرُه. أبو عبيد عن الأموي: أنْزَعَ القوم فهم مُنْزِعون إذا نزعَتْ إبلُهم إلى أوطانها. و أنشد:
فقد أهافوا زعموا و أنْزَعُوا
و يقال هذه أرض تنازِع أرضنا إذا كانت تتاخمها. و قال ذو الرمّة:
لَقًى بين أجمادٍ و جَرْعاء نَازَعَتْ             حِبالا بهنّ الجازئات الأوابد

85
تهذيب اللغة2

نزع ص 84

و النزائع من الرياح: هي النُكْب، سمّيتْ نزائع لاختلاف مَهَابِّها. و قال الليث: غَنَمٌ نُزُعٌ إذا حَنّت فاشتهت الفَحْل. و بها نزاع و شاةٌ نَازِع. ابن السكيت: النَّزَعة نبتٌ معروف. ابن الأعرابي: أنزع الرجل إذا ظهرت نزعاته.
باب العين و الزاي مع الفاء
 [ع ز ف‏]
عزف، عفز، زعف، فزع: مستعملة.
عزف:
يقال عَزَفَتْ نَفْسُه عن الشي‏ء إذا انصرفت عنه عُزُوفاً. و رجلٌ عَزُوف عن اللهو إذا لم يشتههِ، و عَزُوفٌ عن النساء إذا لم يَصْبُ إليهنّ. و قال الفرزدق:
عَزَفْتَ بأعشاشٍ و ما كِدت تَعْزِفُ‏
و العَزِيفُ: صوت الرِمَال إذا هبّت بها الرياح. و العرب تجعل العَزِيف أصوات الجِنّ. و في ذلك يقول قائلهم:
و إنّي لأجتاب الفلاة و بينها             عوازفُ جِنّانٍ و هام صَوَاخِدُ
و هو العَزْف أيضاً و العُزْف: الحَمَام الطُورانية في قول الشمَّاخ:
حتى استغاث بأحوى فوقه حُبُك             يدعو هديلًا به العُزْف العزاهيل‏
و هي المهملة. و العُزْف: التي لها صوت و هَدِير. و عَزَف الدُفّ: صوته. و قال الراجز:
للخَوْتع الأزرقِ فيها صاهلْ             عَزْف كعزف الدُفّ ذي الجَلَاجلْ‏
و المَعَازِف: قال الليث: هي الملاعب التي يُضرب بها، يقولون للواحد: عَزْفٌ و للجميع مَعَازف رواية عن العرب، فإذا أُفرد المِعْزَف فهو ضَرْبٌ من الطنابير يتَّخذه أهل اليمن و غيره يجعل العُود مِعْزَفاً.
و في حديث أمّ زَرْع: «إذا سمعن صوت المَعَازف أيقَنّ أنهن هوالك». قلت:
و العَزّاف: جبل من جبال الدهناء قد نزلتُ به. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي:
عَزَفَتْ نفسُه أي سَلَتْ. و عَزَفَ الرجل يَعْزِف إذا أقام في الأكل و الشرب.
و أعْزَفَ سمع عَزِيف الرمال.
عفز:
أهمله الليث. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العَفْز: الجَوْز الذي يؤكل. و قال أبو عمرو: مثله في العَفْز.
و قال ابن الأعرابي: يقال للجوز عَفْزٌ و عَفَازٌ. و الواحدة عَفْزة و عَفَازَة. قال و العَفَازَة: الأكمَة، يقال: لقيته فوق عَفَازَة أي فوق أكمَة. و قال ابن دريد: العَفْز:
الملاعبة، يقال: باتَ يُعافز امرأته أي يغازلها. قلت هو من قولهم: بات يعافسها. فأبدل السين زاياً.
زعف:
أهمله الليث. و هو مستعمل صحيح.
رَوَى أبو عبيد عن الكسائي موت زُعَاف و ذُعَاف و ذُؤَاف بمعنًى واحد. قال: و قال الأصمعي: الموت الزعَاف: الوَحِيُّ. و قد أزعفته إذا أقْعَصْته. و كذلك ازدعفته. أبو عبيد عن أبي عمر: المُزْعِفُ: السمّ القاتل. و قال غيره: سيفٌ مُزْعِفٌ: لا يُطْنِي. و كان عبد اللَّه بن سَبْرة أحد الفتّاك في الإسلام، و كان له سيف سمّاه المزعِفَ. و فيه يقول:

86
تهذيب اللغة2

زعف ص 86

علوت بالمُزْعِف المأثورِ هامتَه             فما استجاب لداعيه و قد سَمِعَا
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الزُّعُوف:
المَهَالك. عمرو عن أبيه قال: من أسماء الحيّة المِزعافة و المِزعامة.
فزع:
قال اللَّه تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ‏
 [سبإ: 23] اتّفق أهل التفسير و أهلُ اللغة أن معنى قوله فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ‏
كُشِف الفزع عن قلوبهم، و تأويل الآية
أنّ ملائكة سماء الدنيا كان عهدُهم قد طال بنزول الوَحْي من السموات العُلا، فلمَّا نزل جبريل بالوحي على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أوّلَ ما بُعث نبيًّا ظنّت الملائكة الذين في السماء الدنيا أن جبريل نزل لقيام الساعة، ففزِعوا له، فلمَّا تقرَّر عندهم أنه نزل لغير ذلك كُشِف الفَزَع عن قلوبهم فأقبلوا على جبريل و من معه من الملائكة، و قالُوا لهم ما ذا قالَ رَبُّكُمْ؟. قالُوا قال اللَّه الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.
و الذين فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ‏
 ههنا ملائكة السماء الدنيا. و قيل: إن ملائكة كلّ سماء فَزِعوا لنزول جبريل عليه السّلام و من معه من الملائكة، فقال كل فريق منهم لهم: ما ذا قالَ رَبُّكُمْ؟ و قال الفرّاء: المُفَزَّعُ يكون جَبَاناً، و يكون شُجَاعاً، فمن جعله مفعولًا به قال: بمثله تَنْزِل الأفزاع. و من جعله جَبَاناً جعله يَفْزَع من كل شي‏ء. قال: و هذا مثل قولهم للرجل: إنه لمُغَلَّبٌ، و هو غالبٌ، و مُغَلَّبٌ و هو مغلوب. قلت:
و يقال: فَزَّعْتُ الرجل و أفزعته إذا رَوَّعته.
و قال الليث: الفَزَع: الغَرَق. و قد فَزعَ يَفْزَع فَزَعاً فهو فَزعٌ. و فلان لنا مَفْزَعٌ. و امرأةٌ لنا مَفْزَع. معناه: إذا دَهِمنا أمر فَزِعنا إليه أي لجأنا إليه و استغثنا به. و قد يقال: فلان مَفْزَعة بالهاء يستوي فيه التذكير و التأنيث إذا كان يُفْزَع منه. و رجلٌ فَزَّاعة: يُفَزِّع الناسَ كثيراً. قلت: و العرب تجعل الفَزع فَرَقاً، و تجعله إغاثةً للفَزِع المروَّع، و تجعله استغاثة. فأمّا الفَزع بمعنى الاستغاثة فإنه‏
جاء في حديث يرويه ثابت عن أنسٍ: أنه فَزِع أهل المدينة ليلًا، فركب النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فَرَساً لأبي طلحة عُرْياً، فلمَّا رجع قال: «لن تُراعوا، لن تُراعوا، إني وجدته بَحْراً»
. معنى قوله فزِع أهل المدينة أي استَصْرخوا، و ظنّوا أن عدوًّا أحاط بهم، فلمَّا قال لهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «لن تُرَاعوا» سَكَن ما بهم من الفَزَع. و أما الحُجّة في الفزع أنه بمعنى الإصراخ و الإغاثة فقول كَلْحَبة اليربوعي حيث يقول:
فقلت لكأسٍ ألجميها فإنما             حَلَلْنا الكَثِيب من زَرُودَ لنفزَعَا
معناه: لنغيث و نُصْرِخ مَن استغاث بنا.
و قال بعضهم: أفزعت الرجل إذا رَوّعته، و أفزعته أي أغَثْته. و هذه الألفاظ كلّها صحيحة، و معانيها عن العرب محفوظة.
و يقال: فَزِعْتُ إلى فلان إذا لجأت إليه، و هو مَفْزَع لمن فزِع إليه أي مَلْجأ لمن التجأ إليه.
باب العين و الزاي مع الباء
 [ع ز ب‏]
عزب، زعب، زبع، بزع: مستعملة.
عزب:
قال اللَّه جلّ و عزّ: عالِمِ الْغَيْبِ لا

87
تهذيب اللغة2

عزب ص 87

يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ‏
 [سبإ: 3] معناه لا يغيب عن علمه شي‏ء. و فيه لغتان: عَزَبَ يَعْزُبُ و يَعْزِبُ إذا غاب. و رجلٌ عَزَبٌ لا أهل له. أبو عبيد عن الفرّاء: امرأة عَزَبَة: لا زوج لها. و قال الكسائي مثله. و قال ابن بُزُرْج- فيما قرأت له بخطّ أبي الهيثم-: رجلٌ عَزَبٌ، و رجلان عَزَبان، و قومٌ أعزابٌ، و امرأةٌ عَزَبة و نسوةٌ عَزَبَاتٌ و نساءٌ عُزَّابٌ: لا أزواج لهنّ، و إن كان معهنّ أولادهنّ. و قال النضر: قال المنتجِع: يقال امرأة عَزَبٌ بغير هاء. قال و لا تقل: امرأة عَزَبَة. و أنشد في صفة امرأة جعلها عَزَباً بغير هاء:
إذا العَزَبُ الهوجاء بالعطر نَافَحَتْ             بَدَتْ شمس دَجْنٍ طلَّةً لم تَعَطّر
أبو حاتم عن الأصمعي: رجلٌ عَزَبٌ، و لم يَدْرِ كيف يقال للمرأة. قال أبو حاتم: و يقال للمرأة أيضاً عَزَبُ. و أنشد:
يا من يَدُلُّ عَزَباً على عَزَبْ             على ابنة الحُمَارِس الشيخ الأزَبْ‏
قال: و لا يقال رجل أعزب. و أجاز غيره:
رجل أعزب. و يقال: إنه لعَزَب لَزَب و إنها لعَزَبة لَزَبة. و يقال عَزَبَ يَعْزُبُ و تعزَّب بعد التأهّل. و قالوا: رجلٌ عَزَبٌ للذي يَعْزُب في الأرض. و قال الليث: المِعْزَابة: الذي طالت عُزُوبته، حتى ما له في الأهل من حاجة. قال و ليس في الصفات مِفعالة غير هذه الكلمة. قلت: قال الفرّاء: ما كان من مفعال كان مؤنَّثه بغير هاء، لأنه انعدل عن النعوت انعدالًا أشدّ من انعدال صَبُور و شَكُور و ما أشبههما ممّا لا يؤنَّث، و لأنه شُبِّه بالمصادر، لدخول الهاء فيه. يقال امرأة مِحْماق و مِذْكار و مِعْطار. قال: و قد قيل رجل مجذامة إذا كان قاطعاً للأمور جاء على غير قياس. و إنما زادوا فيه الهاء لأن العرب تُدخل الهاء في المذكَّر على جهتين: إحداهما المدح و الأخرى الذمّ إذا بولغ في الوصف. قلت و المِعزبة دخلتها الهاء للمبالغة أيضاً. و هو عندي: الرجل الذي يُكْثِر النهوض في ماله العزِيبِ يتتبَّعُ مساقط الغيث و أُنُف الكلأ. و هو مدح بالغٌ على هذا المعنى. قال الليث: و يقال أعْزَبَ عن فلان حِلْمُه يَعْزُب عُزُوباً، و أعزب اللَّه حِلْمه أي أذهبه اللَّه و أنشد:
و أعزبتَ حلمي بعد ما كان أعْزَبَا
قلت: جعل أعزب لازماً و واقعاً. و مثله أملق الرجل إذا أعدم، و أملق مالَه الحوادثُ. و قال الليث: العَازِبُ من الكلأ: البعيدُ المُطْلِب. و أنشد:
و عَازِبٍ نَوّر في خلائه‏
قال: و أعزب القوم: أصابوا عازِباً من الكلأ. قلت: و عَزَبَ الرجل بإبله إذا رعاها بعيداً من الدار التي حلّ بها الحيُّ لا يأوي إليهم. و هو مِعْزَابٌ و مِعْزابَةٌ و كلّ منفرد عَزَبٌ. و مُعَزِّبَةُ الرجل: امرأة يأوي إليها فتقوم بإصلاح طعامه و حِفظ أداته. و يقال ما لفلانٍ مُعَزِّبَة تُقَعّدُه. و قال أبو سعيد الضرير: ليس لفلان امرأة تُعَزِّبه أي تُذْهِبُ عُزْبته بالنكاح، مثل قولك: هي تمرِّضه أي تقوم عليه في مَرَضه. و في «نوادر الأعراب»: فلان يعزّب فلاناً و يُرَبِّض فلاناً و يَرْبِضه: يكون له مثل الخازن. و العَزِيبُ:

88
تهذيب اللغة2

عزب ص 87

المال العَازِبُ عن الحيّ، سمعته من العرب. و من أمثالهم: إنما اشتريتُ الغنم حِذارَ العازبة، و العازبة: الإبل. قاله رجل كانت له إبل فباعها و اشترى غنماً لئلا تَعْزُبَ، فعَزَبتْ غَنَمُه فعاتب على عزوبها.
يقال ذلك لمن ترفّق أهون الأمور مئونةً، فلزمه فيه مشقَّةٌ لم يحتسبها. و هِراوة الأعْزاب: فرسٌ كانت مشهورة في الجاهليّة، ذكرها لَبِيد و غيره من قدماء الشعراء. عمرو عن أبيه: يقال لامرأة الرجل: هي محصّنته و مُعَزّبته و حاصِنته و حاضِنته و قابِلته و لحافه و قال ابن شميل في قوله: ستجدونه معزّباً قال: هو الذي عَزَب عن أهله في إبله أي غاب.
و العَزِيب: المال العازب عن الحيّ.
زعب:
قال شمر: جاء فلان بقِرْبة يَزْعَبُهَا أي يحملها مملوءة، و يَزْأبها: كذلك. و قال الفرّاء: قِربة مزعوبة و مَمْزورة: مملوءة.
و أنشد:
من الفُرْنِيّ يَزْعَبُهَا الجميلُ‏
أي يملؤها. و مطرٌ زاعِبٌ: يزعَبُ كل شي‏ء أي يملؤه و أنشد يصف سيلًا:
ما حازت العُفْر من ثُعَالة             فالرَوْحَاءُ منه مزعوبة المُسُلِ‏
أي مملوءة. و قال الأصمعي: مرّ السيل يَزْعَبُ إذا جَرَى. و مرَّ يَزْعَبُ بِحِمْله إذا مَرّ سريعاً. و
رُوِي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال لعمرو بن العاص: «إني أرسلت إليك لأبعثك في وجهٍ يسلّمك اللَّه و يغنّمك، و أزْعَبُ لك زَعْبَة من المال»
. قال أبو عبيد قال الأصمعي: قوله: أزعبُ لك زَعبة من المال أي أعطيك دُفْعة من المال. قال و الزَّعْبُ: هو الدفع. و جاءنا سيل يَزْعَبُ زعْباً أي يتدافع. و قال الليث:
زَعَبْتُ الإناء إذا ملأته. و الرجل يَزْعَبُ المرأة إذا جامعها فملأ فرجها بفرجه.
و قال غيره: الزَّعِيبُ و النعيبُ: صوت الغراب، و قد زَعَبَ و نَعَبَ بمعنًى واحد.
و زَعَبَ الرجل في قَيْئه إذا أكثر حتى يدفع بعضُه بعضاً. و زَعَبَتِ القِرْبةُ إذا دفعتْ ماءها. و قال المبرّد: الزَّاعِبِيُّ من الرماح:
منسوب إلى رجل من الخَزْرَج يقال له:
زاعِب كان يَعْمل الأسنّة. قال: و قال الأصمعيّ: الزَّاعِبيُّ الذي إذا هُزَّ كأنّ كعوبه يجري بعضُها في بعض لِلِينه. و هو من قولك مرّ يَزْعَبُ بِحملِه إذا مرّ مرًّا سهلًا و أنشد:
و نَصْلٌ كنَصْلِ الزَّاعِبيِّ فَتِيق‏
قال أراد: كنصل الرمح الزاعبيّ. و قال ابن شميل: الزاعبية: الرِمَاح كلّها. و قال شمر في قوله:
زَعَبَ الغرابُ و ليته لم يَزْعَب‏
يكون زَعَبَ بمعنى زعم أبدل الميم باءً، مثل عَجْب الذنَب و عَجْمه. و قال ابن السكيت: الزُّعْب: اللئام القصار.
واحدهم زُعْبُوبٌ على غير قياس. و أنشد الفرَّاء في الزُّعب:
من الزُّعبِ لم يضرب عدوًّا بسيفه             و بالفأس ضَرَّابٌ رؤوسَ الكرانِفِ‏
و روى أبو تراب عن أعرابي من قيس أنه قال هذا البيت:
مجتزى‏ء بزِعْبه و زِهْبِه‏

89
تهذيب اللغة2

زعب ص 89

أي بنفسه. و زعَبَ لي زُعْبَةً من ماله و زَهَبَ لي زُهْبَةً إذا أعطاه قطعة و افرة.
و أعطاه زِهْباً من ماله فازدهبه و زِعباً فازدعبه أي قطعةً. و قال الأصمعي:
ازْدَعَبَ الشي‏ء إذا حمله، و مرّ به فازدعبه أي حَمَله.
زبع:
الزَّبْع أصل بناء التزبُّع. أبو عبيد عن الأصمعي قال: المُتَزَبِّعُ: الذي يؤذي الناس و يشارّهم و قال متمِّم:
و إنْ تلقه في الشَرْب لا تلق فاحشاً             لدى الكأس ذا قاذورة مُتَزَبِّعا
و
في الحديث أن معاوية عزل عمرو بن العاص عن مصر، فضرب فُسْطَاطه قريباً من فسطاط معاوية، و جعل يتزبّع لمعاوية.
قال أبو عبيد: التزبّع هو التَّغَيُّظ و كل فاحش سيّى‏ء الخلق مُتَزَبِّعٌ.
و قال أبو عمرو: الزَّبِيع: الرجل المدَمْدِم في غضب. و هو المتزبّع.
و قال الليث: الزَّوْبَعة: اسم شيطان.
و يكون الإعصار أبا زَوْبَعَةَ، يقولون فيه شيطان مارد.
و قال ابن دريد: زَوْبَعَةُ: ريح تدور و لا تقصد وجهاً واحداً، و تحمل الغبار، أُخِذَت من التزبع.
و روي عن المفضل: الزوبعة مشية الأحرد. قلت: و لا أدري من رواه عن المفضّل، و لا أعتمد هذا الحرف و لا أحُقّه.
بزع:
عمرو عن أبيه قال: البَزِيع: الظريف.
و قال الليث: يقال: غلامٌ بَزِيعٌ، و جاريةٌ بَزِيعَةٌ إذا وُصِفا بالظَرْف و المَلَاحة و ذَكَاء القلب. و لا يقال إلا للأحداث. قال:
و بَوْزَع: اسم رَمْلة من رمال بني سعدٍ.
قلت: و بَوْزَع: اسم امرأة، و كأنه فَوعل من البَزِيع.
باب العين و الزاي مع الميم‏
 [ع ز م‏]
عزم، زمع، زعم، مزع، معز: مستعملة.
عزم:
قال اللَّه جلّ و عزّ: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ
 [محمد: 21] سمعت المنذري يقول:
سمعت أبا الهيثم يقول في قوله تعالى:
فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ
 هو فاعل معناه المفعول، و إنما يُعْزَم الأمر و لا يَعزِم، و العزم للإنسان لا للأمر. قال: و هكذا كقولهم: هَلَك الرجلُ و إنما أُهْلِكَ.
و قال الزجّاج في قوله: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ
فإذا جدّ الأمرُ و لزم فرضُ القتال. قال: هذا معناه. و العرب تقول: عَزَمتُ الأمر و عزمتُ عليه. قال اللَّه تعالى: وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏
 [البقرة: 227].
و قال الليث: العَزْمُ ما عَقَد عليه قلبُك من أمرٍ أنك فاعله. و تقول: ما لفلان عزيمة، أي لا يثبت على أمرٍ يعزِم عليه.
و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «خير الأمور عوازمها»
. و له معنيان: أحدهما: خير الأمور ما وكّدت عَزْمَك و رأيك و نِيّتك عليه، و وَفَيت بعهد اللَّه فيه.
و
روي عن عبد اللَّه بن مسعود أنه قال: إن اللَّه عز و جل يحبّ أن تؤتى رُخَصه، كما يحبّ أن تؤتى عزائمه.
قال أبو منصور:

90
تهذيب اللغة2

عزم ص 90

عزائمه: فرائضه التي أوجبها و أمرنا بها.
و رَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
العَزْمِيُّ من الرجال: المُوفِي بالعهد.
و المعنى الثاني في‏
قوله «خير الأمور عوازمها»
أي فرائضها التي عَزَم اللَّه عليك بفعلها. و أما قول اللَّه جل و عزَّ في قصة آدم: وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
 [طه: 115] فإن الفرّاء قال: لم نجد له صَرِيمة و لا حَزْماً فيما فَعَل.
و قال أبو الهيثم: الصَرِيمة و العَزِيمة واحدة، و هي الحاجة التي قد عزمْتَ على فعلها. يقال: طَوَى فلان فؤاده على عَزِيمة أمرٍ إذا أسَرّها في فؤاده.
و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العرب تقول: ما له مَعْزِمٌ و لا مَعْزَم و لا عَزِيمة و لا عَزْمٌ و لا عُزْمَانٌ.
و قال بعضهم في قوله: وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
 أي رأياً معزوماً عليه. و العَزِيمُ و العَزِيمة واحد، يقال: إن رأيه لذو عَزِيم.
و قال الليث: العَزِيمة من الرُقَى: التي يُعْزَمُ بها على الجنّ و الأرواح.
و قال غيره: عَزَمْتُ عليك لتفعلنَّ أي أقسمتُ. و عَزْمُ الراقِي و الحَوّاء كأنه إقسام على الداء و الحَيّة.
و قال الليث: الاعتزام: لزوم القَصْد في الحُضْر. و أنشد لرؤبة:
إذا اعتزمن الرَهْو في انتهاضِ‏
و الرحل يَعْتزِم الطريقَ: يمضي فيه و لا ينثني، و قال الأُرَيْقِط:
معتزماً للطُرُق النواشط
و عزائم السجود: ما عُزِمَ على قارى‏ء آيات السجود أن يسجد للَّه فيها. و الفَرَس إذا وُصِف بالاعتزام فمعناه تجليحُه في حُضْره غير مجيب لراكبه إذا كَبَحه. و منه قول رؤبة:
 مُعْتَزِم التجليح ملّاخ المَلَقْ‏
حدثنا محمد بن مُعَاذ عن عبد الجبار عن سُفْيَان عن إسماعيل بن أبي خالد قال:
سمعت قيساً يقول: سمعت الأشعث يقول لعمرو بن معديكرب: أما و اللَّه لئن دنوتُ لأضرطنّك، قال: كلّا و اللَّه إنها لعَزُوم مُفزعة.
أراد بالعزوم اسْته.
أراد أن لها عَزْماً و ليست بواهية فتضرِط و إنما أراد نفسه. و قوله: مفزَّعة: بها تنزل الأفزاع فتجليها. عزوم: ذات صرامة و حَزْم.
قال شمر: العزوم الصَبور المجدّة الصحيحة العَقْد. قال: و الدُبُر يقال لها:
أمّ عَزْم، يقال: كذبته أمُّ عزمِهِ. شمر:
عزمت عليك أي أمرتك أمراً جِداً، و هي العَزْمة. و عزائم السجود: ما أمِر السجود فيها. قال الأصمعي: العَزُوم من الإبل التي قد أسنَّت و فيها بقية من الشباب.
و قال ابن الأعرابي: العَزْمِيُّ: بيَّاع الشجِير. قال و العُزُمُ: عَجَم الزبيب واحدها عَزْمٌ. قال و العَزُومُ و العَرْزَمُ:
الناقة الهَرِمَة الدِلْقِم. قال و العَزْم: الصَبْرُ في لغة هُذَيل. يقولون: ما لي عنك عَزْمٌ أي صبرٌ.
و قال جلّ و عزّ: وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
 [طه:
115].

91
تهذيب اللغة2

عزم ص 90

أخبرني ابن مَنيع عن عليّ بن الجَعْد عن شُعْبة عن قَتَادة في قوله تعالى: وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
 قال: صبراً.
و قال ابن الأعرابي: العُزُمُ: العجائز واحدتهنّ عَزُوم. قال و العَزْمُ: شَجِير الزَبِيب.
و قال أبو زيد: عُزْمَةُ الرجل: أُسْرته و قبيلته، و جماعها العُزَمُ.
و قال أبو عمرو: العَزَمَةُ: المصحّحون للمودّة.
و قال ابن شميل في قوله: عَزْمَة من عَزَمَات اللَّه قال: حقٌّ من حقوق اللَّه أي واجب مما أوجبه اللَّه. و قال في قوله تعالى: كُونُوا قِرَدَةً* [البقرة: 65] هذا أمر عَزْم. و قوله: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران: 79] هذا فَرْضٌ و حُكْمٌ.
زمع:
الأصمعي: الزَّمَعُ: رِعْدة تعتري الإنسان إذا همّ بأمر و رجلٌ زَمِيعٌ، و هو الشجاع الذي إذا أزْمَعَ الأمرَ لم يَنْثَنِ عنه.
و المصدر: الزَّمَاعُ.
أبو عبيد عن الكسائي: أزْمَعتُ الأمر، و أنكر أزْمَعْتُ عليه. قال شمر: و غيره يجيز أزمعت عليه. أبو عبيد: الزَّمَعُ:
الزيادة الناتئة فوق ظِلْف الشاة.
الأصمعي: الزَّمُوع من الأرانب: التي تقارِب عَدْوَهَا و كأنها التي تَعْدُو على زَمعتها. و هي الشَعَرات المُدَلّاة في مؤخِّر رِجْلها. أبو عمر: يقال منه: قد أزْمَعَتْ أي عَدَتْ.
و قال أبو زيد: الزَّمَعَةُ: الزائدة من وراء الظِلْف، و جمعها زَمَع.
و قال الليث: الزَّمَعُ: هَنَات شِبْهُ أظفار الغنم في الرُسْغ، في كل قائمة زَمَعَتَانَ كأنما خُلِقتا من قِطَع القُرُون. قال:
و ذكروا أن للأرنب زَمَعات خَلْف قوائمها.
و لذلك تنعت فيقال لها: زَمُوع. قال:
و يقال: بل الزَّمُوع من الأرانب النشيطةُ السريعة، تَزْمَعُ زَمَعَاناً أي تخف و تسرع.
قال: و يقال لرُذالة الناس: إنما هم زَمَعٌ، شُبِّهُوا بزَمَع الأظلاف.
و قال الليث: الزَّمَّاعة بالزاي: التي تتحرك من رأس الصبيِّ في يافوخه. قال: و هي الرمّاعة و اللَمَّاعة. قلت: المعروف فيها الرَمَّاعَة بالراء، و ما علمت أحداً روى الزَّمَّاعة غير الليث و اللَّه أعلم.
و قال ابن شميل: الزَّمَعُ: الأُبَنُ تخرج في مخارج العناقيد. و قد أزْمَعَت الحَبَلَةُ إذا أعظمت زَمَعَتها و دنا خروج الحِجنة منها و الحِجنة و النامية شُعَب. إذا عظمت الزَّمَعة فهي البَنِيقة. و أكمحت الزَّمَعة إذا ابيَضَّت و خرج عليها مثل القُطْن، و ذلك الإكماح، و الزَّمَعة أول شي‏ء يخرج منه فإذا عظم فهو بَنِيقة.
و قال الليث: أزمَع النَبْتُ إزماعاً إذا لم يَسْتَوِ العُشْب كله و كان قِطَعاً متفرّقة و بعضه أفضل من بعض.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الزَّمْعِيُّ:
الخسيس. و الزَّمْعِيُّ: السريع الغضب.
و هو الداهية من الرجال.
سَلَمة عن الفرّاء قال: قَزَعَ قَزَعَاناً و زَمَع‏

92
تهذيب اللغة2

زمع ص 92

زَمَعَاناً و هو مَشيٌ متقارِبٌ.
و قال ابن الأعرابي: جاء فلان بالأزامع أي بالأمور المُنكَرات. قال: و الزَّمَعُ من النبات: شي‏ء ههنا و شي‏ء ههنا مثل القَزَع في السماء. قال: و الرَشَم من النبات مثل الزمَع: رَشَمَةٌ ههنا وَ رَشَمَةٌ ههنا.
و في «نوادر الأعراب»: زُمْعَةٌ من نَبْت و رُمْعَةَ من نبت و زُوعَة من نبت و لُمْعَة من نبت و رُقْعة من نبت بمعنى واحد.
زعم:
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
الزَّعْمُ يكون حقًّا و يكون باطلًا. و أنشد في الزَّعْم الذي هو حَقّ:
و إنّي أذينُ لكم أنه             سيُنجزكم ربّكم ما زَعَمْ
قال: و البيت لأُمَيَّة. و قال الليث: سمعت أهل العربية يقولون: إذا قيل: ذَكَر فلان كذا و كذا فإنما يقال ذلك لأمر يُسْتَيقَنُ أنه حَقّ، فإذا شُكّ فيه فلم يُدْرَ لعلّه كذِب أو باطل قيل: زعم فلان. قال: و كذلك تفسّرُ هذه الآية: فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ‏
 [الأنعام: 136] أي بقولهم الكذبَ.
و سمعت المنذريّ يقول: سمعت أبا الهيثم يقول: تقول العرب قال إنه، و زَعَم أنه، فكسروا الألف مع قال، و فتحوها مع زَعم؛ لأن زعم فِعْل واقع بها أي بالألف متعدّ إليها؛ ألا ترى أنك تقول: زعمتُ عبد اللَّه قائماً، و لا تقول: قلتُ زيداً خارجاً، إلا أن تُدخِل حرفاً من حروف الاستفهام فتقول: هل تقولُه فعل كذا، و متى تقولني خارجاً؟ و أنشد:
قال الخليط غداً تَصَدُّعُنَا             فمتى تقول الدارَ تَجْمعُنَا
فمعناه فمتى تظنّ و متى تزعم.
و قال ابن السكيت في قوله:
عُلِّقْتُهَا عَرَضاً و أقتُلُ قومها             زَعْماً لَعَمْرُ أبيك ليس بمزعَمِ‏
قال يقول: كان حُبّها عَرَضاً من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه. فيقول:
عُلِّقْتُهَا و أنا أقتل قومها، فكيف أحبّها و أنا أقتلهم أم كيف أقتلهم و أنا أحبّها! ثم رجع على نفسه مخاطِباً لها فقال: هذا فِعل ليس بفعل مثلي. قال: و الزَّعْمُ إنما هو في الكلام. يقال: أمرٌ فيه مُزَاعَم أي أمرٌ غير مستقيم، فيه منازعة بعدُ. قلت:
و الرجل من العرب إذا حدّث عمّن لا يحقق قولَه يقول: و لا زَعَمَاتِه و منه قوله:
لقد خَطَّ رُومِيٌّ و لا زعماتِهِ‏
أبو عبيد عن الأصمعي: الزَّعُوم من الغنم التي لا يُدْرَى أبها شَحم أم لا. و منه قيل: فلانٌ مُزَاعِم و هو الذي لا يوثَق به.
عمرو عن أبيه قال: الزَّعُوم: القليلة الشحم، و هي الكثيرة الشحم. و هي المُزْعِمة. قال فمن جعلها القليلة الشحم فهي المزعومة، و هي التي إذا أكلها الناس قالوا لصاحبها توبيخاً له: أزَعَمْت أنها سمينة. و قال أبو سعيد: أمرٌ مُزْعِم أي مُطمِع و تزاعم القوم على كذا تزاعُماً إذا تظافروا عليه. قال: و أصله أنه صار بعضهم لبعض زعيماً. و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ و الزعيمُ غارِم»
. و قال اللَّه تبارك و تعالى: وَ أَنَا بِه‏

93
تهذيب اللغة2

زعم ص 93

زَعِيمٌ‏
 [يوسف: 72] قلت: و ما علمت المفسّرين اختلفوا في قوله وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ‏
. قالوا جميعاً: معناه: و أنا به كفيل، منهم سَعِيد بن جُبَير و غيره. أبو عبيد عن الكِسائيّ قال: زَعَمتُ به أزعمُ به زَعْماً و زَعَامَةً أي كفَلتُ به. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال:
زَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً إذا كفَلَ. و زَعِمَ يَزْعَم زَعَماً إذا طمِع و قال لَبِيد:
تَطير عدائدُ الأشراك شَفْعاً             و وِتْراً و الزَّعَامة للغلامِ‏
قال أبو العباس: الزَّعَامة يقال: الشرف و الزعامة يقال الشرف و الرياسة. قال و قال غير ابن الأعرابي: الزَّعَامة: الدِرْع.
و زعيم القوم سيّدهم و المتكلِّم عنهم.
و قال الفرّاء: زعيم القوم سيّدهم و مِدْرَهُهم و قال الليث: يقال زُعْم و زَعْمٌ. قال:
و الزُّعْمُ تميميّة. و الزَّعْمُ حجازية. قال:
و تقول: زعمتْ أني لا أحبّها، و زعمتْني لا أحبّها، يجي‏ء في الشِعر. فأمَّا في الكلام فأحسن ذلك أن تُوقِع الزَّعْم على (أن) دُون الاسم. و أنشد:
فإن تزعُميني كنت أجهل فيكمُ             فإني شَرَيت الحِلْم بعدكِ بالجهل‏
قال: و يقال: زعِم فلان في غير مَزْعَم أي طَمِعَ في غير مطمَع. قال و التزعّم:
التكذب و أنشد:
فأيّها الزاعِم ما تَزَعّمَا
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الزَّعْمِيُّ الكذَّاب و الزَّعْمِي الصادق.
و قال شمر: روي عن الأصمعي أنه قال:
الزَّعْم الكذب. قال الكميت:
إذا الإكام اكتست مآليها             و كان زَعْمَ اللوامع الكَذِبُ‏
يريد السراب. قال شمر: و العرب تقول أكذب من يَلْمَع. و قال شُرَيح: زعموا كنيةُ الكذب. و قال شمر: الزعم و التزاعم أكثر ما يقال فيما يُشَكُّ فيه و لا يُحَقَّق. و قد يكون الزعم بمعنى القول. و يروى للجعديّ يصف نوحاً:
نُودِيَ قُمْ و اركبنْ بأهلك إنَّ             اللَّه موْفٍ للناس ما زَعَمَا
فهذا معناه التحقيق. و المِزْعَامَة الحيّة.
و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء قال الكسائيّ: إذا قالوا: عُزمَةٌ صادقة لأتينَّك رفعوا، و حَلْفَةٌ صادقة لأقومنَّ قال: و ينصبون يميناً صادقة لأفعلنَّ. قال: و الزَّعْم و الزُّعم و الزِّعم ثلاث لغات.
معز:
المَعْزُ و المعَزُ: ذوات الشعرِ من الغَنَم.
و يقال للواحد مَاعِز. و يجمع مِعْزىً و مَعيزاً و أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: مِعْزى تُصْرَفُ إذا شُبِّهَتْ بمِفْعَل. قال و أصله فِعْلَى فلا تصرف.
قال: و هو المعتمد عليه. قال: و كذلك دُنْيَا لا تصرف: لأنها فُعْلَى. قلت الميم في المِعْزَى أصليّة. قال: و من صرف دُنْيا شبَّهها بفُعْلَل، و الأصل ألَّا تصرف.
و يقال: رجل ماعِز إذا كان حازماً مانعاً ما وراءه شَهْماً، و رجلٌ ضائن إذا كان ضعيفاً أحمق. قال ذلك ابن حبيب. ثعلب عن‏

94
تهذيب اللغة2

معز ص 94

ابن الأعرابي قال: المعْزِيّ: البخيل الذي يجمع و يَمْنَع. و قال الليث: الرجل الماعِز: الشديد عَصْبِ الخَلْق: يقال ما أمعزه من رجل، أي ما أشدَّه و أصلبه.
و الأمْعُوز: جماعة الثياثل من الأوعال.
و قال غيره: رجل مَعَّاز: صاحب مِعْزى.
و قال الأصمعي: عِظَام الرمل ضوائنه، و لِطَافه: مواعزه. و قال: رجل ضائن:
كثير اللحم. و رجل ماعِز إذا كان معصوباً. و ما أمعز رأيه إذا كان صُلْب الرأي. الرياشي عن الأصمعيّ قال الأمْعَز: المكان الكثير الحَصى و المَعْزاء مثله. و تجمع أمَاعِز و مَعْزاوات. و ربما جُمعت على مُعْزٍ و أنشد الليث:
جَمادٌ بها البَسْبَاسُ يُرْهِصُ مُعْزهَا             بناتِ اللبون و الصلاقمةَ الحمُرَا
و قال مثمر قال ابن شميل: المَعْزَاء:
الصحراء فيها إشرافٌ و غلِظٌ، و هي طينٌ و حَصًى مختلطانِ غير أنها أرض صُلْبة غليظة الموطى‏ء، و إشرافها قليل لئيم تقود أدنى من الدعوة و هي مَعِرَة من النبات.
أبو عبيد عن أبي زيد: الأُمْعُوز: الثلاثون من الظِباء إلى ما زادت. و قال ابن شميل: المِعْزِى للذكور و الإناث، و المَعْزُ مثلها و المعيز مثلها و كذلك الضِئين.
مزع:
في الحديث: «ما عليه مُزْعَةُ لَحْمٍ»
معناه: ما عليه حُزّة لحم و كذلك ما في وجهه لحادة لحْم‏
روى ابن المبارك عن معمر عن عبد اللَّه بن مسلم عن حمزة بن عبيد اللَّه عن ابن عمر قال: لا تزال المسألة تأخذكم حتى يلقى اللَّه ما في وجهه مُزْعةُ لحم‏
و يقال: مَزَّعَ فلان أمره تمزيعاً إذا فرّقه. و قال الكسائي- فيما رَوَى عنه أبو عبيد- ما عليه مُزعَة لحم في باب النفي. و قال الليث المِزْعَة من الريش و القطن كالمِزقة و البِتْكة و جمعها مِزَعٌ و مزَاعَة الشي‏ء: سُقَاطتهُ. ثعلب عن ابن الأعرابي: المَزْعِيُّ النمّام و يكون السيّار بالليل و القنافذ تَمْزَع بالليل مَزْعاً إذا سعت فأسرعتْ. و أنشد الرياشي لعَبْدة بن الطَبِيب:
قومٌ إذا دَمَسَ الظلام عليهم             حَدَجوا قنافذ بالنميمة تمزعُ‏
تضرب مثلًا للنمّام. و مزّع اللحم تمزيعاً إذا قطَّعه و قال خُبَيب:
و ذلك في ذات الإله و إن يشأ             يبارك على أوصال شِلْو ممزَّع‏
و قال الليث: يقال مَزَعَ الظبْيُ يمزَعُ إذا أسرع في عَدْوه. و المرأة تمزّع القطن بيدها إذا زَبَّدَتهُ تقَطّعه ثم تؤلفه فتجوّده بذلك. و قال ابن الأعرابي: القُنْفُذ يقال له: المزَّاع. و يقال للظبي إذا عَدَا: مَزَعَ و قَزعَ. عمرو عن أبيه: ما ذقتُ مُزعَةَ لحم و لا حِذْفَةً و لا حِذبة و لا لحبَةً و لا حِرْباءة و لا يَرْبوعةً و لا مَلاكاً و لا مَلوكاً بمعنى واحد.
أبواب العين و الطاء
ع ط د
استعمل من وجوهه: [عطد].
عطد:
أبو العباس عن ابن الأعرابي: سَفَر عَطَوَّدٌ: شاقٌ شديد. و في «نوادر

95
تهذيب اللغة2

عطد ص 95

الأعراب»: جَبَلٌ عَطَوَّدٌ و عَطَرَّدٌ و عَصَوَّدٌ أي طويل. و قال ابن شميل: هذا طريق عَطَوَّدٌ أي بيِّن يذهب فيه حيثما شاء. و قال الليث: العَطَوَّد السفر الشاقّ الشديد.
و أنشد:
فقد لقينا سَفَراً عَطَوَّدَا             يترك ذا اللون البصيصِ أسْوَدَا
قال: و بعضٌ يقول: عَطَوَّط. و قال الفرّاء:
العَطَوَّدُ: الطويل.
و قال أبو عبيد: العَطَوَّدُ الانطلاق السريع.
و يقال ذهب يوماً عَطَوَّداً أي يوماً أجمع و أنشد:
أقِم أديم يومها عَطَوَّدَا             مثل سُرَى ليلتها أو أبْعَدَا
 (ع ط ت)، (ع ط ظ):
مهملات.
 [باب العين و الطاء مع الذال‏]
ع ط ذ
عذط، ذعط. [مستعملات‏].
عذط:
أبو العباس عن ابن الأعرابي:
العِذْيوْطُ هو: الزُمَّلق و الزَلق و هو الثَمُوت و الثَّتّ. و قال: العِذيَوطَة من النساء: التي تحدث إذا أُتِيَتْ و هي التيتاءة و يقال: رجل تيتاء إذا كان كذلك و قال شمر: العِذيَوط الذي إذا غشي المرأة أكسل أو أحدث.
و قال الليث: العِذْيَوْط: الذي إذا أتى أهله أبدَى. و الجميع العذاويط و العذاييط.
و قد عَذْيطَ الرجلُ يُعَذيطُ عَذْيطَةً. و يجمع أيضاً على عِذْيَوْطِين. و منهم من يقول عِظْيَوْط بالظاء.
ذعط:
الأصمعيّ: الذاعط: الذابح، ذَعَطَه إذا ذبحه. و قال الهُذَليّ:
إذا وردوا مصرهم عوجلوا             من الموت بالهِمْيَغ الذاعِطِ
و قال الليث: الذَّعْط: الذبح نفسه. و قد ذعطْته بالسكين، و ذَعَطَته المنيةُ و سَحَطته.
 [باب العين و الطاء مع الثاء]
ع ط ث‏
استعمل من وجوهه: ثطع، ثعط.
ثطع:
أبو العباس عن سَلَمة عن الفرّاء قال:
الثُّطَاعِي مأخوذ من الثُّطاع و هو الزُكام.
و قال الليث: ثُطِعَ فهو مثطوع. و هو مثل الزكام و السعال.
ثعط:
عمرو عن أبيه: ثَعِط اللحمُ ثَعَطاً إذا أنتن. و أنشدني أبو بكر الإيادي:
يأكل لحماً بائتاً قد ثَعِطَا             أكثر منه الأكل حتى خَرِطَا
قال و خَرِط به أي غَصّ به. و قال أبو عمرو: إذا مَذِرت البَيْضة فهي الثَّعِطَة.
و قال بعض شعراء هُذيل يهجو نساء:
يُثَعّطْنَ العَراب و هن سُودٌ             إذا خَالسْنَهُ فُلُحٌ فِدَامُ‏
العَرَاب: فثم الخَزَم، واحدته عَرَابة.
يُثَعّطْنَه: يرضَحْنَه و يَدْقُقْنه. فُلح: جمع الفَلْحَاء: الشفةِ. فدَام: هَرِمَات.
باب العين و الطاء مع الراء
 [ع ط ر]
عطر، عرط، طعر: مستعملة.
رعط، رطع، طرع: مهملة.

96
تهذيب اللغة2

عطر ص 97

عطر:
قال الليث: العِطْر: اسم جامع لهذه الأشياء التي تعالج للطيب. و بَيَاعه:
العَطّار، و حِرْفته: العِطارة. و رجلٌ عَطِر و امرأةٌ عَطرَة إذا تعاهدا أنفسهما بالطيب.
و قال غيره: رجلٌ عَطِر و امرأةٌ عَطِرَة إذا كانا طيّبَيْ ريح الجِرْمِ و إن لم يتعطّرا.
و قال ابن الأعرابي: رجلٌ عاطِرٌ، و جمعه عُطُر، و هو المحِبّ للطِيبِ. و قال: رجلٌ عاطِر و عَطِر و مِعطار و مِعطِير. و المرأة مثله. و زاد غيره: يقال امرأة عَطِرة مَطِرة بَضّة مَضَّة. قال: و المَطِرة: الكثيرة السِوَاك، و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: ناقة مِعْطَرة و مِعطار و عِرْمِسٌ أي كريمة. و روى أبو العباس عن عمرو عن أبيه: تأطَّرت المرأةُ و تعطّرت إذا أقامت في بيت أبويها و لم تتزوَّج.
و قرأت في كتاب «المعاني» للباهليّ في قول الراجز:
لهْفي على عَنْزين لا أنساهُما             كأنَّ ظِل حَجَرٍ صغراهما
و صَالِغٌ مُعْطَرة كبراهما
قال مُعطَرة: حمراء. و جعل الأخرى ظل حجر لأنها سوداء. قال شمر: ناقة عَطَّارة و عطِرة و تاجرة إذا كانت نافقة في السوق.
و قال أبو عبيدة: يقال: بطني أعْطِري و سائري فذري يقال ذلك لمن أتاك بما لا يحتاج إليه و يمنعك ما تحتاج إليه، كأنه في التمثيل رجل جائع أتى قوماً فطيَّبوه.
عرط:
أهمله الليث. و قال أبو الحسن اللِحْياني: العَقْرب يقال لها أُمّ العِرْيَط.
و يقال عَرَط فلان عِرض فلان و اعترطه إذا اقترضه بالغِيبة و أصل العَرْطُ: الشقّ حتى يَدْمَى.
طعر:
روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الطَّعْرُ إجبار القاضي الرجلَ على الحكم. قلت: و هذا مما أهمله الليث.
و هو حرف غريب لم يروِه غير أبي عُمَر صاحب كتاب «الياقوت».
و قال ابن دريد في «كتابه»: طَعَرَ فلان جاريته طَعْراً و رَطَعَها رَطْعاً، يكنَى به عن الجماع. و لم أسمعها لغيره و لا أدري ما صحتها. قال: و قال: اعترط الرجلُ إذا أبعَدَ في الأرض.
باب العين و الطاء مع اللام‏
 [ع ط ل‏]
عطل، علط، لعط، لطع، طعل، طلع:
مستعملات.
طعل:
أهمل الليث طعل. و روى أبو عُمَر عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الطاعِل:
السهم المقوَّم. و الطَّعْل: القَدْح في الأنساب. قلت: و هما حرفان غريبان لم أسمعهما لغيره.
لعط:
أهمله الليث أيضاً، و هو معروف. قال النضر بن شُمَيْل- فيما قرأت بخطّ شَمِر له-: اللُّعْطُ: ما لَزِق بنجَفة الجَبَل. يقال:
خذ اللُّعْطَ يا فلان. و مرّ بفلان لَاعِطاً أي مَرّ مُعَارِضاً إلى جَنْب حائط أو جَبَل.
و ذلك الموضع من الحائط و الجبل يقال له: اللُّعْطُ. و المَلَاعِطُ: المراعِي حول البيوت. يقال: إبل فلان تَلْعَط المَلَاعِط أي ترعى قريباً من البيوت و أنشد شمر:

97
تهذيب اللغة2

لعط ص 97

ما راعني إلا جَنَاحٌ هابطا             على البيوت قَوطَه العُلابطَا
ذات فُضُول تَلْعَطُ المَلَاعِطَا

قال: و جَنَاح: اسم راعي غَنَم. و جعل هابطاً ههنا واقعاً و قال غيره: لَعَطني فلان بحقّي لَعْطاً أي لوانِي به و مَطَلَنِي. و روى أبو عُمَر عن ثعلب عن ابن الأعرابي:
ألْعَطَ الرجلُ إذا مشى في لُعْط الجبل و هو أصله.
و يقال لَعْط الجبل أيضاً. و رأيته لاعِطاً أي ماشياً في جَنْب الجَبَل. أبو عبيد عن أبي زيد: نَعْجة لَعْطَاء و هي التي بِعُرْض عُنُقها لُعْطَة سوداء و سائرها أبيض. قلت: و هذه الحروف كلها صحيحة و قد أهملها الليث.
عطل:
أبو عبيد عن الفرّاء: امرأة عاطِل بغير هاء: لا حُلِيّ عليها. قال: و امرأة عُطُلٌ مثلها. و أنشدنا القَنانيّ:
و لو أشرَفَت من كُفَّة السِتْر عاطلًا             لقلتَ غزالٌ ما عيه خَضَاضُ‏
و قال الشمّاخ:
يا ظبيةً عُطُلًا حُسَانَةَ الجِيد
و قوسٌ عُطُل: لا وَتَر عليها. و الأعطال من الخيل: التي لا أرسان عليها. و قال الليث: عَطِلَتِ المرأة تَعْطَلُ عَطَلًا و عُطُولًا و تَعَطَّلَت إذا لم تَلْبَس الزِينة و إذا تُرِك الثَغْرُ بلا حامٍ يحميه فقد عُطِّلَ. و المواشي إذا أهمِلَتْ بلا راع فقد عُطِّلَت و كذلك الرعيّة إذا لم يكن لها والٍ يسوسها فهم مُعَطَّلون، و قد عُطِّلُوا أي أهمِلوا. و بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ
 لا يُسْتقى منها و لا ينتفع بمائها.
و تعطيل الحدود: ألَّا تقام على مَن وجبت عليه. و عُطِّلَت الغَلّات و المزارع إذا لم تُعْمَرْ و لم تُحْرَث. و سمعتُ العرب تقول:
فلان ذو عُطْلة إذا لم تكن له صنعة يمارسها. و دَلْوٌ عَطِلَة: إذا تَقَطع و ذَمُها فتعطَّلت من الاستقاء بها و
في حديث عائشة في صفة أبيها: فرأب الثَأْي و أوذم العطِلة
، أرادت أنَّه ردّ الأمور إلى نظامها و قوَّى أمر الإسلام بعد ارتداد الناس، و أوهى أمر الردَّة حتى استقامت له الناس.
و العَطِيل: شِمْراخ من شماريخ فُحّال النخل يؤبَر به. سمعته من أهل الأحساء.
و العَطَل: تمام الجسم و طولُه. و امرأة حَسَنة العَطَل إذا كانت حسنة الجُرْدَة.
و قال أبو عمرو: ناقة حسنة العَطَل و هي ناقة عَطِلة إذا كانت تامَّة الجسم و الطول.
و نوق عَطِلَات. و قال لبيد:
فلا نتجاوز العَطِلات منها             إلى البَكْر المقارب و الكَزُومِ‏
و قال الليث: شاة عَطِلَة: يعرف في عُنُقها أنها غزيرة. و العَيْطَل: الناقة الطويلة في حُسْن مَنْظَر و سِمَن. و قال ابن كُلْثوم:
ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أدماء بِكْر             هِجان اللون لم تقرأ جَنِيناً
و قال الليث: امرأة عَيْطَلٌ: طويلة من النساء في حُسْن جسم. و امرأة عَطِلة ذات عَطَلٍ أي حُسن جسمٍ. و أنشد أبو عمرو:
وَرْهَاءُ ذاتُ عَطَلٍ وَسِيمُ‏
و رأيت بالسَّوْدَة من ديارات بني سعد جبلًا منيفاً يقال له: عَطَالَة و هو الذي يقول فيه القائل:

98
تهذيب اللغة2

عطل ص 98

خليليّ قُومَا في عَطَالَة فانْظُرَا             أناراً تَرَى من ذي أبانين أم برْقَا
و قال شمر: التعطّل: ترك الحُليّ:
و المِعْطال من النساء: التي تُكثر التعطّل.
و قال ابن شميل: المعطال من النساء:
الحسناء التي لا تبالي ألّا تتقلّد قِلَادة لجمالها و تمامها. قال و مَعَاطِل المرأة:
مواقع حُليّها. و قال الأخطل:
زَانَتْ مَعَاطِلها بالدُرّ و الذهبِ‏
قال و يقال: امرأة عَطْلَاء: لا حليّ عليها.
علط:
أبو عبيد: سمعت الأصمعيّ يقول ناقة عُلُط: بلا خِطام. قال أبو عبيد: و قيل ناقة عُلُطٌ لا سِمَةَ عليها. و قال الأحمر:
العِلَاط سِمَة في العُنُق بالعَرْض و قد عَلَطْتها أعْلُطُها عَلْطاً. و قال غيره: عِلَاطا الحمامة طوقها في صَفْحَتَيْ عنقها بسوادٍ.
و أنشد:
من العُلْط سفعاء العِلاطين بادرتْ             فُرُوعَ أشَاءٍ مَطلِع الشمس أسحَما
و قال ابن السكيت: العُلْطَة: القِلادة.
و أنشد:
جاريةٌ من شِعْب ذي رُعَينِ             حَيَّاكة تمشي بعُلطَتَين‏
و قال أبو زيد: عَلطتُ البعير عَلْطاً إذا وَسَمْتَه في عُنُقه. قال: و علَّطته تعليطاً إذا نزعتَ حَبْله من عنقه. و هو بعير عُلُطٌ من خِطَامه. و قال ابن دريد: العُلْطَةُ سواد تخطّه المرأة في وجهها تتزيَّن به. و كذلك اللُعْطة. قال: و لُعْطة الصقر: سُفْعَةٌ في وجهه. أبو العباس عن ابن الأعرابي:
العُلُطُ: الطوال من النوق. و العُلُط أيضاً:
القِصَار من الحَمِير. قلت: و هذا من «نوادر ابن الأعرابي». و قال: الإعلِيط:
و عاء ثمر المَرْخ. و أنشد:
كإعليط مَرْخٍ إذا ما صَفِرْ
شبّه به أُذُن الفرس. و قال الليث: عِلَاط الإبْرة: خيطها. و عِلاط الشمس: الذي كأنّه خيط إذا نظرْت إليها. و كذلك النجوم. و أنشد:
و أعلاط النجوم مُعَلَّقَاتٌ             كحبل الفَرْق ليس له انتصابُ‏
قال: الفَرْق: الكتَّان. قلت: و لا أعرف الفرق بمعنى الكتّان. و قال غيره: أعلاط الكواكب هي النجوم المسمّاة المعروفة كأنها معلوطة بالسِمَاتِ. و قال بعضهم:
أعلاط الكواكب هي الدَرَاريّ التي لا أسماء لها من قولهم: ناقة عُلُط: لا سِمَة عليها و لا خِطام. و نوق أعلاط.
و الأعلوَّاط: ركوب الرأس و التقحم على الأمور بغير رَوِيَّة. يقال: اعلوَّطَ فلان رأسَه، و اعلوَّط الجملُ العنَّاقةَ يَعلوِّطها إذا تسدَّاها ليضربها. و هو من باب الأفعوّال مثل الأخروّاط و الاجلوَّاذ.
طلع:
يقال: طلعَت الشمسُ تطلُع طُلُوعاً و مَطْلعاً فهي طالِعَة. و كذلك طلع الفجر و النجم و القمر. و المطلِع: الموضع الذي تطلع عليه الشمس و هو قوله تعالى: حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى‏ قَوْمٍ‏
 [الكهف: 90]. و أمَّا قول اللَّه جلّ و عزّ:
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
 [القدر: 5] فإن الكسائي قرأها (هي حتى مَطْلِعِ الفجر)

99
تهذيب اللغة2

طلع ص 99

بكسر اللام. و كذلك روى عبيد عن أبي عمرو بكسر اللام. و قرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر و اليزيديّ عن أبي عمرو و عاصم و حمزة هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
 بفتح اللام. و قال الفرّاء: أكثر القرّاء على (مَطْلَعِ)
. قال: و هو أقوى في قياس العربية؛ لأن المطلَع بالفتح هو الطلوع، و المطلِع بالكسر هو الموضع الذي يُطْلَع منه، إلا أن العرب تقول: طلعت الشمس مطلِعاً فيكسرون و هم يريدون المصدر.
و قال: إذا كان الحرف من باب فَعَلَ يَفْعُل- مثل دَخَلَ يدخُل و خَرَجَ و ما أشبههما- آثرت العرب في الاسم منه و المصدر فتح العين إلا أحرفاً من الأسماء ألزموها كسر العين في مفعِل. من ذلك المسجِد و المطلِع و المغرِب و المشرِق و المَسْقِط و المفرِق و المَجْزِرُ و المسكِنُ و المرفِقُ و المنسِك و المنبِتُ فجعلوا الكسر علامة للاسم، و الفتح علامة للمصدر. قلت أنا: و العرب تضع الأسماء مواضع المصادر، و لذلك قرأ من قرأ (هي حتى مَطْلِعِ الفجر) لأنه ذهب بالمطلِع- و إن كان اسماً- إلى الطلوع مثل المطلَع. و هذا قول الكسائي و الفرّاء. و قال بعض البصريين: من قرأ (مَطْلِعِ الفجر) بكسر اللام فهو اسم لوقت الطلوع. قال ذلك الزجّاج. و أحسبه قول الخليل أو قول سيبويه. و قال الليث: يقال طلع فلان علينا من بعيد. قال: و طَلْعته: رؤيته. يقال حيّا اللَّه طَلْعَتَك. قال: و اطَّلَعَ فلان إذا أشرف على شي‏ء، و أطلع غيره. و قول اللَّه جلّ و عزّ: قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ* فَاطَّلَعَ‏
 [الصافات: 54، 55] القرّاء كلهم على هذه القراءة، إلا ما رواه حسين الجُعْفِيّ عن أبي عمرو أنه قرأ (هل أنتم مُطْلِعونِ) ساكنة الطاء مكسورة النون- فأُطلِعَ بضم الألف و كسر اللام على فأُفْعِلْ قلت:
و كسر النون في (مُطْلِعُونِ) شاذ عند النحويّين أجمعين، و وجهه ضعيف. و وجه الكلام على هذا المعنى: هل أنتم مُطْلِعيَّ و هل أنتم مُطْلِعُوه بلا نون؛ كقولك: هل أنتم آمِروه و آمِريّ. و أما قول الشاعر:
هم القائلون الخير و الآمِرُونَهُ             إذا ما خَشُوا من محدَث الأمر مُعظَمَا
فوجه الكلام: و الآمرون به. و هذا من شواذّ اللغات. و القراءة الجيّدة الفصيحة هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ* فَاطَّلَعَ‏
 [الصافات: 54، 55]. و معناها: هل تحبون أن تتطلَّعوا فتَعْلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار فاطَّلع المسلم فرأى قَرِينَه فِي سَواءِ الْجَحِيمِ أي في وسط الجحيم. و إن قرأ قارى‏ء: (هل أنتم مُطْلِعونَ) بفتح النون فأطْلَع فهي جائزة في العربيّة، و هي بمعنى هل أنتم طَالِعُون و مطّلعُون. يقال: طَلَعْتُ عليهم و اطّلعت عليهم بمعنًى واحدٍ. و قال ابن السكيت: يقال: نخلة مُطْلِعَة إذا طالت النخلةَ التي بحذائها فكانت أطول منها. و قد أطْلَعْتُ من فوق الجبل و اطّلَعْتُ بمعنًى واحد.
و قال أبو زيد: يقال أطْلَعَ النخلُ الطَّلْع إطْلَاعاً، و طَلَعَ الطَّلْع يَطْلُع طلوعاً، و طَلَعْتُ على أمرهم أطلُع طُلُوعاً، و اطّلعتُ عليهم اطّلاعاً و طَلَعْتُ في الجبل أطلُعُ طلوعاً إذا أدبرت فيه حتى لا يراك‏

100
تهذيب اللغة2

طلع ص 99

صاحبك و طلَعتُ على صاحبي طلوعاً إذا أقبلت عليه. أبو عبيد في باب الحروف التي فيها اختلاف اللغات و المعاني:
طلِعْت الجبل أطلَعُه، و طَلَعت على القوم أطْلُع. قال: و قال أبو عبيدة فيهما جميعاً:
طَلَعت أطْلُع و أقرأني الإيَاديّ عن شمر لأبي عبيد عن أبي زيد في باب الأضداد:
طَلَعت على القوم أطْلُع طُلُوعاً إذا غِبت عنهم حتى لا يَرَوك، و طَلَعت عليهم إذا أقبلت إليهم حتى يروك. قلت: و هكذا رَوَى الحرّاني عن ابن السكيت: طَلَعت عليهم إذا غِبْت عنهم، و هو صحيح جُعِل عَلَى فيه بمعنى عن كما قال اللَّه جلَّ و عزّ:
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ [المطففين: 1، 2] معناه إذا اكتالوا عن الناس و من الناس، كذلك قال أهل اللغة أجمعون. و أخبرني المنذري عن أبي الحسن الصَيْدَاوِيّ عن الرياشيّ عن الأصمعي قال: الطِّلْعُ: كل مطمئن من الأرض ذاتِ الربْوة إذا أطْلَعْتَه رأيت ما فيه. و من ثمّ يقال أطْلِعْنِي طِلْعَ أمرك.
و يقال: أطلَع الرجل إطلاعاً إذا قاء.
و قال الليث: طليعة القوم: الذين يبعثون ليطّلعوا طِلْع العدوّ. و يسمّى الرجل الواحد طليعة و الجميع طليعة و الطلائع الجماعات. قلت: و كذلك الرَبِيئة و الشِّيفة و البَغِيَّة بمعنى الطليعة، كل لفظة منها تصلح للواحد و الجماعة.
و
رُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال عند موته: لو أنَّ لي ما في الأرض جميعاً لافتديت به من هَوْل المُطّلَع.
قال أبو عبيد قال الأصمعي: المُطَّلَع هو موضع الاطّلاع من إشرافٍ إلى الانحدار، فشبّه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك. قال: و قد يكون المُطَّلَع المَصْعَد من أسفل إلى المكان المُشْرِف. قال:
و هذا من الأضداد.
و منه‏
حديث عبد اللَّه بن مسعود في ذكر القرآن: «لكل حرف حَدّ و لكل حَدّ مُطَّلَع»
معناه: لكل حَد مَصْعَدٌ يُصْعد إليه، يعني:
من معرفة علمه. و منه قول جرير:
إني إذا مُضَرٌ عَلَي تحدَّبتْ             لاقيتُ مُطَّلَعَ الجبال وُعُورا
و يقال: مُطَّلَعُ هذا الجبل من كذا و كذا أي مَصْعَده و مأتاه.
و قد
رُوي في حديث عمر هذا أنه قال: لو أن لي طِلَاعَ الأرض ذهباً لافتديت به من هول المُطَّلَع.
قال أبو عبيد: و طِلَاع الأرض: مِلْؤها حتى يطالع أعلى الأرض فيساويه، و منه قول أوس بن حَجَر يصف قوساً و أن مَعْجِسها يملأ الكفّ فقال:
كَتُومٌ طِلَاع الكفّ لا دون مِلئها             و لا عَجْسُهَا عن موضع الكفّ أفْضَلَا
و قال الليث: طِلَاع الأرض في‏
قول عمر:
ما طلعَتْ عليه الشمس من الأرض.
و القول ما قاله أبو عبيد. و قال الليث:
و الطلاع هو الاطّلاع نفسه في قول حُمَيد بن ثور:
و كان طِلَاعاً من خَصاصٍ و رِقْبَةً             بأعين أعداء و طَرْفاً مُقَسَّمَا

101
تهذيب اللغة2

طلع ص 99

قلت: قوله: و كان طِلَاعاً أي مُطالعة يقال طالعته مطالعة و طِلَاعاً. و هو أحسن من أن تجعله اطِّلَاعاً؛ لأنه القياس في العربية.
و قال الليث: يقال: إن نفسك لطُلَعَةٌ إلى هذا الأمر، و إنها لَتَطَّلِعُ إليه أي لِتُنَازِع إليه. و امرأة طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ: تنظر ساعة ثم تختبى‏ء ساعة. و قول اللَّه جلّ و عزّ: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
 [الهمزة: 6، 7] قال الفرّاء: يقول يبلغ ألَمُها الأفئدة. قال و الاطِّلَاع و البلوغ قد يكونان بمعنًى واحد. و العرب تقول متى طَلَعْتَ أرضنا أي متى بلغْتَ أرضنا. و قال غيره: تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
 توفِي عليها فتحرقها، من اطّلعت إذا أشرفت. قلت:
و قول الفرّاء أحَبّ إليّ و إليه ذهب الزجّاج. و يقال: طَلَعْتُ الجبل إذا عَلَوته أطْلُعُهُ طُلُوعاً و فلان طَلَّاع الثَنَايا و طَلَّاع أنْجُد إذا كان يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته و تجاربه و جَوْدة رأيه و الأنجد جمع النَجْد و هو الطريق في الجبل، و كذلك الثَنِيَّة.
و من أمثال العرب: هذه يمين قد طَلَعَتْ في المخارم و هي اليمين التي تجعل لصاحبها مَخْرَجاً. و من هذا قول جرير:
و لا خير في مال عليه ألِيَّة             و لا في يمين غيرِ ذات مخارِمِ‏
و المخارِم: الطرق في الجبال أيضاً، واحدها مَخْرِمٌ. و الطالِعُ من السهام: الذي يقع وراء الهَدَف، و يُعْدَلُ بالمُقَرْطِس.
و قال المرّار:
لها أسهمٌ لا قاصراتٌ عن الحَشَى‏
و لا شاخصاتٌ عن فؤادي طوالِعُ‏

أخبَر أن سهامها تصيب فؤاده و ليست بالتي تَقْصُر دونه أو تجاوزه فتخطئه.
و قال ابن الأعرابي: رُوي عن بعض الملوك أنه كان يسجد للطالع معناه: أنه كان يخفض رأسه إذا شخص سَهْمُه فارتفع عن الرَمِيَّة، فكان يطأطى‏ء رأسه ليتقوّم السهمُ فيصيب الدارة. و يقال اطَّلَعْتُ الفجرَ اطّلاعاً أي نظرت إليه حين طلع.
و قال:
نسيمُ الصَبَا من حيث يُطّلَعُ الفجرُ
و حكى أبو زيد: عافى اللَّه رَجُلًا لم يتطّلع في فيك، أي لم يتعقب كلامك. و يقال:
فلان بِطِلْعِ الوادي، و فلان طِلْعَ الوادي، بغير الباء. قال: و استطلَعْتُ رأي فلان إذا نظرت ما رأيه. و طَلَعَ الزرع إذا بدا يَطلع إذا ظهر نباته. و أطْلَعَتِ النخلةُ إذا أخرجت طَلْعَهَا. و طَلْعُهَا: كُفُرَّاها قبل أن تنشقّ عن الغَرِيض. و الغَريض يسمّى طَلْعاً أيضاً. و حكى ابن الأعرابي عن المفضّل الضّبيّ أنه قال: ثلاثة تؤكل و لا تُسَمِّن، فذكر الجُمَّار و الطَّلْع و الكَمْأة، أراد بالطَّلْع: الغَرِيض الذي ينشَقّ عنه كافوره، و هو أول ما يُرَى من عِذْق النخلة.
الواحدة: طَلْعَة. و قال ابن الأعرابي:
الطَّوْلَعُ الطُّلَعَاء و هو القي‏ء. عمرو عن أبيه: من أسماء الحيّة الطِّلْع و الطِلّ.
و أخبرني بعض مشايخ أهل الأدب عن بعضهم أنه قال: يقال أطْلَعْت إليه معروفاً مثل أزْلَلْتُ.
و قال شمر: يقال ما لهذا الأمر مُطَّلَعٌ و لا

102
تهذيب اللغة2

طلع ص 99

مَطْلَع أي ما له وجه و لا مَأْتًى يُؤْتَى منه.
و يقال مَطْلَع هذا الجبل من مكان كذا أي مَصْعَدة و مأتاه. و أنشد أبو زيد:
ما سُدَّ من مَطْلَع ضاقت ثنِيّته             إلّا وَجَدتُ سواء الضِّيق مُطَّلَعا
و يقال أطلعَني فلان و أرهقني و أذْلقني و أقحمني أي أعجلني. و طُوَيْلع: رَكِيّة عادِيّة بناحية الشواجن عَذْبة الماء قريبة الرِشاء و طَلَّعْتُ كيله أي ملأته جِدّاً حتى تَطَلَّع أي فاض قال:
كنت أراها و هي توقى محلباً             حتى إذا ما كيلها تَطَلَّعَا
و قَدَح طِلاع: ممتلى‏ء. و عين طِلَاعة:
ممتلئة. قال:
أمَرُّوا أمرهم لِنَوًى شَطُونٍ             فنفسي من ورائهم شَعَاعُ‏
و عيني يوم بانوا و استمرُّوا             لنِيَّتهم و ما رَبَعُوا طِلَاعُ‏
و طَلَعْتُ الجَبَل: علوته. و أطْلَعْتُ منه:
انحدرت نحو فَرَعتُ الجبل عَلوته و أفرعتُ انحدرتُ و مَرَّ مُطَّلِعاً لذلك الأمر أي غالباً له و مالكاً. و هو على مَطْلع الأكمة أي ظاهر بَيِّنٌ. و هذا مَثَل يضرب للشي‏ء في التقريب. يقال: الشرّ يُلقَى مَطَالِع الأكم، أي ظاهر بارز. قال ابن هَرْمة:
صادتك يوم المَلَا من مَصْغَرٍ عَرَضاً             و قد تُلَاقِي المنايا مَطلِعَ الأكمِ‏
و طَلْعُ الشمس: طُلُوعُهَا. قال:
باكر عَوفاً قبل طَلْعِ الشمس‏
لطع:
الليث: لَطِعَ الإنسان الشي‏ء يَلْطَعُهُ لَطْعاً إذا لحسَه بلسانه. قال: و الألطع: الرجل الذي قد ذهبت أسنانه، و بقيت أسناخها في الدُرْدُر. قال و يقال بل اللَّطَعُ: رِقّة في شَفَة الرجل الألطع و امرأة لَطْعَاء.
و أخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء: امرأة لَطْعَاء بيّنة اللَّطَع إذا انسحقت أسنانها فلصِقت باللِثَة، و قد لَطَعت الشي‏ء ألْطَعُهُ لَطْعاً إذا لعِقته. قال:
و قال غيره لَطِعْتُهُ بكسر الطاء. و قيل:
امرأة لطعاء: قليلة لحم الرَكَب.
و في «نوادر الأعراب». لَطَعتُه بالعصا.
قال و الطِعْ اسمه أي أثبِتْهُ، الطَعْهُ أي امحُه. و كذلك اطلِسْهُ. و قال ابن دريد:
اللطْع بياض الشفة و اللطَع قلة لحم الفرج و اللطَعُ أن تتحاتّ الأسنان. و اللطْعُ لَطْعُكَ الشي‏ء بلسانك و لَطَعْتُه بالعصا: ضربته و لَطَعت عينَه: ضربتها و لطمتها. و لطَعتُ الغَرَض: رَمَيته فأصبته و لَطَعت البئرُ:
ذهب ماؤها. و الناقة اللطعَاء: التي ذهب فمها من الهَرَم. و لَطِعَ إصبعه و لعِق إذا مات. و لَطَعَ الشرابَ و التطعه: شرِبه.
قال: و لَطْعَةُ الذئب على صوته و صنعَة السُرفة و الدَّبرَ. و اللطَع: الحَنَك و الجميع:
ألطاع.
باب العين و الطاء مع النون‏
 [ع ط ن‏]
عطن، عنط، نعط، نطع، طعن:
مستعملات.
عطن:
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل.
أخبرني المنذريّ عن الحرّاني عن ابن السكيت قال: العَطَن:

103
تهذيب اللغة2

عطن ص 103

مَبْرَك الإبل حول الماء. و قد عَطَنَت الإبلُ على الماء و عَطَّنَت، و أعْطَنْتُها أنا إذا سقيتها ثم أنحتها في عَطَنِهَا لتعود فتشرب. و أخبرني عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: قومٌ عُطَّانٌ و عَطَنَةٌ و عُطُونٌ و عَاطِنُون إذا نزلوا في أعطان الإبل. و لا يقال: إبل عُطَّان. و
في حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «رأيتُني أنزِعُ على قَلِيب، فجاء أبو بكر فاستقى و في نَزْعه ضَعْفٌ و اللَّه يغفر له، فجاء عمر فنَزَعَ فاستحالت الدَلْو في يده غَرْباً فأروى الظَمِئة حتى ضَرَبت بعَطَن»
قال ابن السكيت: قوله: «ضَرَبت بعَطَنٍ» يقال ضَرَبَت الإبلُ بعَطَنٍ إذا رَوِيَتْ ثم بَرَكَتْ على الماء. و أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعيّ في تفسير قوله:
 «ثم ضَرَبَتْ بعَطَنٍ» بنحوٍ ممّا قاله ابن السكيت. و قال الليث: كل مَبْرَك يكون مَألفاً للإبل فهو عَطَنٌ لها بمنزلة الوطن للغنم و البقر قال: و معنى مَعَاطِن الإبل في الحديث: مواضعها. و أنشد:
و لا تكَلِّفُنِي نفسي و لا هَلَعِي             حِرْصاً أُقيم به في مَعْطِن الهُونِ‏
قلت ليس كل مُنَاخ للإبل يسمّى عَطَناً و لا مَعْطِناً. و أعطان الإبل و مَعَاطنها لا تكون إلّا مَبَارِكَها على الماء. و إنما تُعْطِن العربُ الإبلَ على الماء حين تَطْلُع الثريّا، و يرجع الناس من النُجَع إلى المحاضِر، و تُعْطَنُ يوم وِرْدها فلا يزالون كذلك إلى وقت طلوع سهيل في الخريف، ثم لا يُعْطِنُونهَا بعد ذلك، و لكنها تَرِد الماء فتشرب شَرْبتها و تَصْدُر من فَوْرها.
و
في حديث عمر أنه دخل على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و في بيته أُهُبٌ عَطِنَةٌ.
قال أبو عبيد:
العَطِنَة: المُنْتِنة الريح. قلت: و يقال عَطَنْتُ الجِلْد أعْطِنُهُ عَطْناً إذا جعلتَه في الدبَاغ و تركته فيه حتى يتمرّط شَعَرُه و يُنْتِن، فهو معطونٌ و عَطِينٌ. و قد عَطِن الجِلد عَطَناً إذا أنْتَنَ و أمْرَق عنه وَبَرُه أو صُوفه.
و يقال للذي يُسْتَقْذَر: ما هو إلّا عطِينة، من نَتْنه. و قال أبو زيد: عَطِن الأديم إذا أنْتَنَ و سقط صوفه في العَطْن. و العَطْنُ أن يُجْعَل في الدِبَاغ.
قال أبو عبيد: و قال أبو زيد: موضع العَطِن العَطَنة قال: و العَطْنُ في الجِلد: أن يؤخذ الغَلْقة وَ هو ضربٌ من النبات يدبغ به أو فَرْثٌ يُلْقى فيه الجِلْد حتى يُنْتِن ثم يلقى بعد ذلك في الدِبَاغ. و فلان واسع العَطَن و البَلَد، و هو الرَحْب الذراعِ.
عنط:
أبو عبيد عن الأصمعي: العَنَطْنَطُ:
الطويل من الرجال. و قال الليث:
و اشتقاقه من عنَط و لكنه أُرْدِف بحرفين في عَجُزه. و أنشد:
 يَمْطو السُرَى بعُنُقٍ عَنَطْنَطِ
قال: و امرأة عَنَطْنَطَةٌ: طويلة العُنُق مع حُسْن قَوَام.
قال: و عَنَطُها: طول قَوَامها و عنقها لا يجعل مصدر ذلك إلا العَنَط. قال: و لو جاء في الشعر عَنَطْنَطَتُهَا في طول عنقها جاز ذلك في الشِعر. قال و كذلك أسدٌ غَشَمْشمٌ بين الغَشْم، و يومٌ عَصَبْصَبٌ بين العَصَابة. ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: أعْنَط:
جاء بولدٍ عَنَطْنَطٍ.

104
تهذيب اللغة2

طعن ص 105

طعن:
الليث: طعنه بالرمح يَطْعُنُهُ طَعْناً.
و طَعَنَ بالقول السَيّ‏ء يَطْعَن طَعَنَاناً. و احتجّ بقوله:
و أبى الكاشحون يا هندُ إلا             طَعَنَاناً و قول مالا يقال‏
ففرّق بين المصدرين، و غيره لم يفرّق بينهما. و أجاز لِلشاعر طعناناً في البيت؛ لأنه أراد: أنهم طعَنُوا فيه بالعيب فأكثروا، و تطاول ذلك منهم، و فَعَلَان يجي‏ء في مصادر ما يَتَطَاول و يتمادَى و يكون مناسباً للميل و الجَور. قال الليث:
و العَين مِن يَطْعُنُ مضمومة. قال: و بعضهم يقول: يَطْعُنُ بالرمح و يَطْعَنُ بالقول فيفرّق بينهما. ثم قال الليث: و كلاهما يَطْعُنُ.
و قال أبو العباس قال الكسائي: لم أسمع أحداً من العرب يقول يَطْعَنُ بالرمح و لا في الحسب، إنما سمعت يَطْعُنُ. قال:
و قال الفرّاء: سمعتُ أنا يطعَنُ بالرمح.
و قال الليث: الإنسان يَطْعُنُ في المغازة و نحوها إذا مضى فيها قلت: و يقال: طَعَنَ فلان في السِنّ إذا شخص فيها و طَعَنَ غُصْنٌ من أغصان الشجرة في دار فلان إذا مال فيها شاخصاً. و أنشدني المنذري عن أبي العباس لمُدْرِك بن حُصَين يعاتب قومه:
و كنتم كأُمٍّ لَبَّة طَعَنَ ابنها             إليها فما دَرَّتْ عليه بسَاعِدِ
قال: طَعَنَ ابنها إليها أي نهض إليها و شخص برأسه إلى ثَدْيها، كما يَطْعُن الحائط في دار فلان إذا شخص فيها.
و يقال: طَعَنَت المرأةُ في الحَيْضة الثالثة أي دخلتْ.
و قال بعضهم: الطَّعْنُ: الدخول في الشي‏ء.
و يقال طُعِنَ فلان فهو مطعون و طَعِين إذا أصابه الداء الذي يقال له: الطاعون.
و يقال: تَطَاعَن القوم في الحرب و اطَّعَنُوا إذا طَعَنَ بعضهم بعضاً: و التفاعل و الافتعال لا يكاد يكون إلا باشتراك الفاعلين فيه؛ مثل التخاصم و الاختصام، و التعاور و الاعتِوار. و رجلٌ طِعِّين: حاذق بالطِعَان في الحرب.
نطع:
أبو عبيد عن الكسائي: هو النَّطْع و النَّطَعُ و النِّطْعُ و النِّطَعُ. و جمعه أنطاع.
و قال الليث: النِّطَعُ: ما ظهر من الغار الأعلى، و هي الجِلدة المُلْزَقة بعظم الخُلَيْقَاء فيها آثار كالتحْزيز، و الجميع النُّطوع. و التَّنَطُّع في الكلام: التعمُّق فيه، مأخوذ منه قلت: و
في الحديث: «هلك المتنطِّعون»
و هم المتعمّقون الغالُون.
و يكون: الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم تكبّراً؛ كما
قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «إنّ أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهِقون»
. و سأفسّره في موضعه.
و قال أبو سعيد: يقال وَطئنا نِطَاعَ بني فلان أي دخلنا أرضهم.
قال و جَنَاب القوم نِطاعهم. قلت: و نَطَاعِ بوزن قَطَامِ: ماءة في بلاد بني تميم قد وَرَدتُهَا يقال شَرِبَتْ إبلُنا من ماء نَطَاعِ، و هي رَكيّة عَذْبة الماء غزيرته. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: النُّطُعُ: المتشدّقون في‏

105
تهذيب اللغة2

نطع ص 105

كلامهم و قال ابن الفرج: سمعت أبا السَمَيْدَع يقول: تَنَطَّعَ في الكلام و تَنَطَّسَ إذا تأنّق فيه.
و قال ابن الأعرابي: النُّطَاعَةُ و القُطَاعَةُ و العُضَاضَة: اللُقْمة يؤكل نصفها ثم تردّ إلى الخِوَان و هو عيبٌ. يقال: فلان لاطِع ناطِع قاطِع.
نعط:
ناعِطٌ: حِصْن في رأس جبلٍ بناحية اليمن قديمٌ كان لبعض الأَذْواء.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: النُّعْطُ: المسافرون سفراً بعيداً، بالعَين.
قال و النُّعْطُ: القاطعو اللُقَم بنصفين فيأكلون نِصفاً و يُلقون النصف الآخر في الغَضَار. و هم النُّعُط و النُّطُعُ واحدهم ناعِط و ناطِع و هو السيّى‏ء الأدبِ في أكله و مروءته و عَطائه. قال: و يقال: نعَط و أنطع إذا قطع لُقْمة قال: و النُغُط بالغين:
الطِوال من الناس.
باب العين و الطاء مع الفاء
 [ع ط ف‏]
استعمل من وجوهه: عطف، و عفط، و أهمل باقي الوجوه.
عطف:
قال اللَّه جلّ و عزّ: ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏
 [الحج: 9] جاء في التفسير أن معناه: لاوياً عُنُقه. و هذا يوصف به المتكبِّر. فالمعنى: و من الناس من يجادل في اللَّه بغير علم ثانياً عطفه. و نصب ثانِيَ عِطْفِهِ‏
 [الحج: 9] على الحال و معناه التنوين؛ كقوله جلّ و عزّ: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95] معناه: بالغاً الكعبةَ. و عِطْفا الرجل: ناحيتاه عن يمين و شِمَال. و مَنْكِب الرجل: عِطْفه و إبطه عطفه و
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال:
 «سبحان من تعطَّف العِزَّ و قال به»
، معناه و اللَّه أعلم: سبحان منْ تَرَدَّى بالعِزّ، و العطاف: الرِدَاء. و المراد منه بهاء اللَّه و جلاله و جماله. و العرب تضع الرداء موضع البهجة و الحسن، و تضعه موضع النعْمة و البهاء. و سمّي الرداء عِطافاً لوقوعه على عِطْفَيِ الرجُل و هما ناحيتا عُنُقه. فهذا معنى تعطّفِه العِزَّ. و يجمع العِطَاف عُطُفاً و أعْطِفَةً. و المِعْطَف: الرداء و جمعه المعاطف. و هو مثل مئزر و إزار وَ مِلْحَف و لِحَاف و مِسْرَد و سِراد. و قال أبو زيد: امرأة عَطِيف و هي التي لا كِبْر لها اللينة الذليلة المِطواع فإذا قلت: امرأة عَطوف فهي الحانية على ولدها. و كذلك رجلٌ عَطُوفٌ. و يقال: عَطَفَ فلان إلى ناحية كذا يَعْطِفُ عَطْفاً إذا مال إليه، و انعطف نحوه. و عَطَفَ رأسَ بعيره إليه إذا عَاجَهُ عَطْفاً. و عَطَفَ اللَّه بقلب السلطان على رعيّته إذا جعله عَاطِفاً رحيماً. و يقال عَطَف الرجل وِساده إذا ثَنَاه ليرتفق عليه و يتّكى‏ء. وَ قال لَبيد:
وَ مَجُودٍ من صُبَابات الكَرَى             عَاطِف النمرق صَدْق المُبْتَذَلْ‏
ثعلب عن ابن الأعرابي: العُطُوف:
الأردية. و العُطوف الآباط. و عِطْفا كل إنسانٍ و دابّةٍ: شِقَّاه من لدن رأسه إلى و ركيه شمر عن ابن شميل: العِطَاف‏

106
تهذيب اللغة2

عطف ص 106

تَردّيك بالثوب على منكبيك كالذي يفعل الناس في الحرّ و قد تعطف بردائه. قال:
و العطاف الرداء و الطيلسان و كل ثوب تَعَطَفُهُ أي تَردَّى به فهو عطاف.
و قال الليث: العَطاف: الرجل الحَسن الْخُلُق العَطُوف على الناس بفضله. و ظبية عَاطِف إذا رَبضتْ فعَطفتْ عُنقها. و كذلك الحاقِف من الظباء. و ناقةٌ عطوفٌ إذا عَطِفَتْ على بَوّ فرئمته. و الجميع العُطُف. و يقال فلان يتعاطف في مِشيته بمنزلة يتهادى و يتمايل من الخُيَلاء و التبختُر. وَ يقال: عَطَفْتُ رأس الخَشَبة فانعطف إذا حَنَيته فانحنى.
و العَطُوف- و بعضٌ يقول: العاطوف- مِصْيدة، سمّيتْ به لانعطاف خشبتها.
و قال غيره: العطائف: القِسيّ، الواحدة عطِيفَة، كما سمّوها حنِيَّةً و جمعها حَنيُّ.
قال و العطف: عطف أطراف الذَيل من الظهارة على البِطانة. و قال ذو الرمة في العطائف القسِيّ:
و أصفر بلَّى و شيَه خفقانُه             عَلَى البِيض في أغمادها و العطائف‏
أصفر يعني بردا يظلّل به. و البيض السيوف و العطَّاف في صفة قِداح الميسر.
و يقال: العَطُوف: و هو الذي يَعطف على القداح فيخرج فائزاً.
و قال الهذلي يصف ماء وَرده:
فخضخضتُ صُفْنِيَ في جَمَّهِ             خِيَاض الْمدَابر قِدحاً عطُوفاً
و قال القتيبي في كتاب «الميسر»:
العَطوف: القِدْح الذي لا غُرْم فيه و لا غُنْم له، و هو أحد الأغفال الثلاثة في قِداح الميسر، سُمّي عطُوفاً لأنه يُكَرُّ في كل رَبَابه يضرب بها. قال و قوله: قِدحاً عطوفاً واحد في معنى جميع، و منه قوله:
حتى يخضخض بالصُفْن السبيخ كما             خاض القِدَاح قَمِيرٌ طامِعٌ خَصِلُ‏
السبيخ: ما نَسَل من ريش الطير التي ترد الماء. و القمير: المقمور. و الطامِع: الذي يطمع أن يعود إليه ما قُمِرَ. و يقال: إنه ليس يكون أحد أطمع من مقمور، خَصِل:
كثير خِصَال قَمْرِهِ.
و أما قول ابن مقبل:
و أصفرَ عطَّاف إذا راح رَبُّهُ             غدا ابنا عِيانٍ بالشِوَاء المُضَهَّبِ‏
فإنه أراد بالعَطَّاف قِدْحاً يعطِف عن مآخذ القِداح وَ ينفرد.
وَ قال ابن شميل: العَطَفة هي التي تَعَلَّقُ الْحَبَلَةُ بها من الشجر. و أنشد:
تَلَبَّسَ حُبُّها بدمِي و لحمِي             تَلَبُّسَ عطْفةٍ بفروع ضَالِ‏
قال النضر: إنما هي عطَفَة فخفّفها ليستقيم له الشِعْر. عمرو عن أبيه قال: مِن غريب شجر البَرّ العَطْفُ واحده عطَفَة.
و قال ابن الأعرابي: يقال تَنَحَّ عن عطْف الطريق و عطْفِه و علَبِهِ و دَعسِهِ و قَرِيّه وَ قَرِقِه و قَارِعته.
و روى بعضهم عن المؤرِّج أنه قال في حَلْبة الخيل إذا سوبق بينها و في أساميها:
هو السَّابق، و المصَلّى، و المسَلّى، و المجلِّي، وَ التالي و العاطف، و الحظيّ، وَ المؤمَّل، وَ اللَطِيم، وَ السُكَيْت.

107
تهذيب اللغة2

عطف ص 106

و قال أبو عبيد: لا يعرف منها إلا السابق وَ المصَلّى ثم الثالث وَ الرابع إلى العاشر وَ آخرها السُكَيت وَ الفِسْكِل. قلت: وَ قد رأيت لبعض العراقيين هذا الذي رُوي عن المؤرج، وَ لم أجد الروَاية ثابتة عن المؤرج من جهة مَن يوثق به فإن صحَّت الروَاية عنه فهو ثقة، و قد جاء به ابن الأنباري. وَ العطَفة من خرَز النساء تتعلّقها طلب محبة أزوَاجها. وَ سميت بذلك تفاؤلًا بها. و قوسٌ عَطُفٌ: ليّنة الانعطاف. قال:
فظل يمطو عُطُفاً رُجُوماً
و قيل للقوس: عُطفٌ لأنها معطوفة، فُعُل بمعنى مفعولة، كما قيل: قوس عُطُلٌ أي مُعَطَّلَة لا وَتَر عليها، و قلبٌ فُرُغٌ أي مفرَّغ من الحزن، و نحو ذلك كثير. و العَطَفُ:
وجع في العُنق من تعادى الوسادة عِطف الرجل. و
قوله في وصف النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: و في أشفاره عَطَفٌ‏
أي انعطافٌ. و عطَّفتُه ثوبي أي جعلته عِطافاً له. و قال ابن كُرَاع:
و إذا الرِكَابُ تكلفتها عُطِّفَتْ             ثمرَ السياط قطوفها و سِيَاعَهَا
أي جُعِلَتِ السياطُ عُطفاً لها جُنُوبها، و إنما تُضْرَبُ بالثمر لأنها لا تدرَك فتضربَ بِالسياط. و ثمر السياط: أطرافها. و عِطاف من أسماء الكلب. قال:
فصَبَّحَهُ عند السروق عُدَيَّة             أخو قَنَصٍ يُشْلى عِطَافاً و أجذلَا
عفط:
قال الليث: العَفْطُ و العَفِيط نَثْر الشاة بأنوفها كما يَنْثِر الحمار، و العرب تقول:
ما لفلان عَافِطَة و لا نافِطة فقال الأصمعي: العَافِطَة: الضائنة، و النافِطة:
الماعزة. و قال ابن السكيت: قال غير الأصمعي من الأعراب: العافطَة: الماعزة إذا عَطَست. و قال الليث: قال أبو الدُقَيش العافِطة: النعجة، و النافِطة: العَنْز، و قال غيره: العافِطة: الأَمَة، و النافِطة: الشاة، لأن الأمَة تَعْفِط في كلامها، كما يَعْفِط الرجلُ العِفْطِيّ و هو الألكن الذي لا يُفْصح و هو العَفَّاط، و قد عَفَطَ في كلامه عَفْطاً و عَفَتَ عَفْتاً، و هو عَفَّاتٌ عَفَّاط.
و لا يقال على جهة النسبة إلّا عِفْطِي.
قلت: الأعْفَتُ و الألْفَتُ: الأعسر الأخرق. و عَفَتَ الكلامَ إذا لواه عن وجهه. و كذلك لَفَته. و التاء تبدل طاءً لقرب مخرجيهما. و قال أبو عمرو:
العَافِط الذي يصيح بالضأن لتأتِيَه. و قال بعض الرجّاز يصف غنماً:
يحار فيها سَالِى‏ءٌ و آقِطُ             و حالبان و مَحَاحٌ عَافِطُ
و يقال حاحيت بالمِعْزَى حِيحاء و دعدعت بها دعدعة إذا دعوتها.
و قال أبو تراب: سمعت عَرّاماً يقول:
عَفَق بها وعَفَط بها إذا ضَرَط.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال:
العَفْطُ الحُصَاص للشاة، و النَّفْطُ:
عُطَاسُها.
باب العين و الطاء مع الباء
 [ع ط ب‏]
عطب، عبط، طبع، طعب، بعط:
مستعملة.
عطب:
قال الليث: العَطَبُ: هلاك الشي‏ء

108
تهذيب اللغة2

عطف ص 106

و المال و عَطِبَ البعيرُ إذا انكسر أو قام على صاحبه، و أعْطَبتُهُ أنا: أهلكته. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العَوْطَبُ أعمقُ موضع في البحر. و قال في موضعٍ:
العَوْطَبُ: المطمئنّ بين الموجتين. قال:
و العَطْبُ: لِين القطن و الصوف يقال:
عَطَبَ يَعطُبُ عَطْباً و عُطُوباً. و هذا الكبش أعطَبُ من هذا أي ألين. أبو عبيد عن الأصمعي: هو العُطْبُ و العُطُبُ للقُطُن.
و قال الليث: يقال إني لأجد ريح عُطْبَة أي أجد ريح قطنة محترِقة.
و قال أبو سعيد: التعطيبُ، علاج الشراب ليطيب ريحُه. يقال: عَطْبَ الشرابَ تعطيباً. و أنشد بيت لَبيد:
يَمُجُّ سُلَافاً من رحيق مُعَطَّبِ‏
و رواه غيره:
... من رحيق مُقَطَّبِ‏
، و هو الممزوج، و لا أدري ما مُعَطَّب.
و المعَاطِبُ: المهالك واحدها معطب.
عبط:
قال الليث: العَبْطُ: أن تَعْبِط ناقةً فتنحرها من غير داء و لا كَسْر. يقال:
عَبَطَها يَعبِطُها عَبْطاً، و اعْتَبَطَها اعتِباطاً.
و قال ابن بُزُرْجَ- فيما وجدت له بخط أبي الهيثم-: العِبِيط من كلّ اللحم و ذلك ما كان سليماً من الآفات إلا الكسر. قال:
و لا يُقال للّحم الدَوِي المدخول من آفةٍ:
عَبِيط، و يقال للدابة عبيطة و معتبَطة، و اللحم نفسه عبيط أي سليم إلا من كسر.
و يقال مات فلان عَبْطَة، أي شابًّا صحيحاً. و اعتبطه الموتُ. و قال أمَيَّة بن أبي الصَلْت:
من لم يمت عَبْطَة يَمُتْ هَرَماً             للموت كأسٌ فالمرء ذائقها
و يقال لحمٌ عَبيط و معبوط إذا كان طريًّا لم يُنَيِّبْ فيه سَبُعٌ و لم تُصبه عِلة. و قال لَبيد:
و لا أَضَنُّ بمعبوطِ السَنَام إذا             كان القُتارُ كما يُسْتَرْوَحُ القُطُرُ
و قال الليث: زعفران عبيط: يشبّه بالدم العبيط. قال: و يقال: عَبَطَتْه الدواهي أي نالته من غير استحقاق. و قال الأُريقط:
بمنزلِ عَفٍّ و لم يخالِط             مُدَنّسَاتِ الرِيَبَ العَوَابِطِ
و يقال: عَبَط فلان الأرض عَبْطاً و اعتبطها إذا حفر موضعاً لم يكن حُفِر قبل ذلك.
و قال المرَّار العَدَوي:
ظَلَّ في أعلى يَفَاعٍ جازلا             يعبط الأرض اعتباط المحتَفِر
أبو عبيد: العَبْط: الشقُ. و منه قول القطامي:
و ظلّت تعبُط الأيدي كلُوماً
و ثوبٌ عبيط أي مشقوق و جمعه عُبُط.
و منه قول أبي ذؤيب:
         فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ             كنوافذ العُبُطِ التي لا تُرْقَعُ‏
و أخبرني المنذريّ أن أبا طالب النحوي أنشده في كتاب «المعاني» للفرّاء: كنوافذ العُطُب.
ثم قال و يروى كنوافذ العُبُط. قال و العُطُب: القطن، و النوافذ: الجيوب يعني جُيُوب الأقمصة. و أخبر أنها لا تُرقَع،

109
تهذيب اللغة2

عبط ص 109

شبّه سعة الجراحات بها. قال: و من رواها: العُبُط أراد بها: جمع عبيط، و هو الذي يُنحر لغير علّة، و إذا كان كذلك كان خروج الدم أشدّ. أبو عبيد عن أبي زيد:
اعتبط فلان عليّ الكذبَ، و عَبَطَ يَعْبِط إذا كذب. و رَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العابط الكذّاب. و العَبْطُ:
الكذب. و العَبْطُ: الغِيبة. و العَبْط الشَقُّ و يقال عَبَط الحمارُ الترابَ بحوافره إذا أثاره، و الترابُ عبيطٌ. و عَبَطَتِ الريح وجهَ الأرض إذا قَشَرتْهُ. و عَبَطْنَا عَرَق الفرس أي أجريناه حتى عَرِقَ. و قال الجعدي:
و قد عَبَطَ الماءَ الحميمَ فأسْهَلَا
طبع:
الحرّاني عن ابن السكيت قال: الطَّبْع مصدر طَبَعْتُ الدرهم طَبْعاً. و الطِّبْعُ النهر و جمعه أطباع، عن الأصمعي. و أنشد للبيد:
فَتَولَّوْا فاتراً مَشْيُهمُ             كروايا الطِّبْع همَّت بالوحَلْ‏
و يجمع الطِّبعُ بمعنى النهر على الطُّبوع، سمعته من العرب. و الطَّبْع: ابتداءُ صنعة الشي‏ء. تقول: طَبَعْتُ اللَبِن طَبْعاً و طَبَعْتُ السيف طَبْعاً و الطَّبَّاع: الذي يأخذ الحديدة فيطَبَعُها و يُسَوِّيها إمّا سِكّيناً و إمّا سيفاً و إما سِناناً. و حِرْفَتُه الطِّبَاعَة. و طَبَعَ اللَّه الخَلْق على الطبائع التي خلقها فأنشأهم عليها، و هي خلائقهم. و يجمع طَبْع الإنسان طِبَاعاً، و هو ما طُبِعَ عليه من طِبَاع الإنسان في مأكله و مشربه و سهولة أخلاقه و حُزُونتها و عُسرها و يُسرها و شدّته و رخاوته و بُخْله و سخائه. و يقال طَبَعَ اللَّه على قلب الكافر- نعوذ باللَّه منه- أي ختم عليه فلا يعي وَعْظاً و لا يوفَّق لخير. و الطَّابَع:
الخاتَم. و قال أبو إسحاق النحوي: معنى طَبَعَ في اللغة و خَتَم واحدٌ و هو التغطية على الشي‏ء و الاستيثاق من أن يدخله شي‏ء؛ كما قال أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: 24] كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ [المطفيين: 14] معناه: غَطّى على قلوبهم، و كذلك طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ*
 [النحل:
108]. قلت: فهذا تفسير الطبع- بتسكين الباء- على القلب. و أما طَبَع القلب بِحركة الباء- فهو تلطُّخه بالأدناس.
و أصل الطَّبَع: الصدأ يكثر على السيف و غيره. قال ابن السكيت: و ذكر أن الأصمعي و غيره أنشده هذه الأرجوزة:
إنا إذا قلّتْ طخارير القَزَعْ             و صدر الشارب منها عن جُرَعْ‏
نَفْحَلها البِيضَ القليلاتِ الطَّبَعْ             من كل عَرَّاصٍ إذا هُزَّ اهْتَزَعْ‏

و
في الحديث: «نعوذ باللَّه من طَمَع يَهْدي إلى طبَع».
قال أبو عبيد: الطبَع الدنس و العيب، وَ كلُّ شَيْن في دِين أو دُنيا فهو طَبَع. و يقال منه: رجلٌ طَبِعٌ. و منه‏
قول عمر بن عبد العزيز: لا يتزوجُ من الموالي في العرب إلّا الأشِر البَطِر. و لا يتزوج من العرب في الموالي إلّا الطمِعُ الطَّبَعُ.
و قال أبو عبيد قال أبو عبيدة: المُطَبَّعُ:
المَلآن و أنشد غيره:
و أين وَسْق الناقة المُطَبَّعَه‏

110
تهذيب اللغة2

طبع ص 110

قال: المُطَبَّعَةُ: المثقّلة. قلت: و تكون المطبَّعَة الناقة التي مُلئتْ شَحْماً و لحماً فتَوثَّق خَلْقُها.
و قال الليث: طَبَّعْتُ الإناء تطبيعاً، و قد تطبَّع النهرُ حتى إنّه ليتدفّق. قال: و الطَّبْع مَلؤك السِقَاء حتى لا مَزِيد فيه من شدّة مَلْئه. و قال في قول لبيد:
كرَوَايَا الطِّبْع هَمَّت بالوَحَلْ‏
إن الطِّبْع كالمِلْ‏ء. قال: و لا يقال للمصدر: طَبْع؛ لأن فِعله لا يخفّف كما يخفف فعل ملأت. قال و يقال: الطِّبْع في بيت لبيد: الماء الذي يُمْلأ به الرواية.
قلت: و لم يعرف الليث الطِّبْع في بيت لبيد، فتحيّر فيه، فمرّةً جعله المِل‏ء و هو ما أخذ الإناءُ من الماء، و مرّةً جعله الماء، و هو في المعنيين غير مصيب. و الطِّبْع في بيت لبيد ما قاله الأصمعي أنه النهر.
و سُمِيّ النهر طِبْعاً لأن الناس ابتدءوا حفره، و هو بمعنى المفعول كالقِطْف بمعنى المقطوف و النِكث بمعنى المنكوث من الصوف، و أمَّا الأنهار الكبار التي شَقّها اللَّه تعالى في الأرض شَقًّا- مثل دِجْلة و الفُرَات و النّيل و ما أشبهها- فإنها لا تسمَّى طُبُوعاً، إنما الطُّبُوع: الأنهار التي أحدثها بنو آدم و احتفروها لمرافقهم.
و قول لَبيد: هَمَّتْ بالوحَل يدلّ على ما قال الأصمعي؛ لأن الروايا إذا أوقرت بالمزايد مملوءةً ماء ثم خاضت أنهاراً فيها وَحَل عَسُر عليها المشي فيها و الخروج منها. و ربما ارتطمت فيها ارتطاماً إذا كثر الوحَل. فشَبّه لبيد القوم الذين حاجّوه عند النعمان بن المنذر فأدحض حججهم حتى ذلّوا فلم يتكلّموا بروايا مثقلة خاضت أنهاراً ذات وَحَل فتساقطتْ فيها و اللَّه أعلم. و قال شمر: يقال طَبِع إذا دَنِس و عِيبَ و طُبع و طُبِّعَ إذا دُنِّس و عِيبَ. قال و أنشدتنا أم سالم الكلابيّة:
و يحمدها الجيرانُ و الأهلُ كلُّهم             و تبغِض أيضاً عن تُسَبَّ فتُطْبَعَا
قال: ضمّت التاء و فتحت الباء. و قالت:
الطَّبْع: الشَين فهي تبغِض أن تُطْبَع أي تُشان. و قال ابن الطَثْريّة:
و عَنْ تخلطي في طيّب الشِرب بيننا             من الكَدِر المأبيّ شِرباً مُطَبَّعا
أراد: و أن تخلطي و هي لغة تميم. قال:
و المطَبَّع: الذي قد نُجِّسَ. و المأبيّ الماء الذي يأبى شُرْبه الإبل. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الطَّبْعُ المثال، يقال اضربه على طَبْع هذا و على غِراره و صِيغته و هِدْيته أي على قدره. و في «نوادر الأعراب»: يقال قد قَذَذت قفا الغلام إذا ضربته بأطراف الأصابع، فإذا مكَّنت اليد من القفا قلت طَبَعْتُ قفاه. و الطَّبُّوع: دابّة من الحشرات شديدة الأذى بالشأم.
و لفلان طابِعٌ حَسَنٌ أي طبيعةٌ حسنةٌ. قال الرُؤَاسِيّ:
له طابِعٌ يجري عليه و إنما             تَفَاضَلُ ما بين الرجال الطَّبَائِعُ‏
أي تتفاضل.
و طُبْعَان الأمير: طينُه الذي يُختم به الكتب.

111
تهذيب اللغة2

بعط ص 112

بعط:
قال الليث: يقال أبعَط الرجلُ في كلامه إذا لم يرسله على وجهه. و قال رؤبة:
و قلتُ أقوالَ امرى‏ءٍ لم يُبْعِطِ             أعْرِضْ عن الناس و لا تَسَخَّطِ
و قال الأصمعي و أبو زيد: يقال أبعط فلان في السَّوم إذا جاوز فيه القَدْر. و كذلك طمح في السوم و أشطّ فيه.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال:
هو المُعْتَنِز و المُبْعِطُ و الصُنْتُوت و الفَرِدُ و الفَرَدُ و الفَرْدُ و الفَرُود. و روى أبو العباس عن سلمة عن الفرّاء أنه قال: يبدلون الدال طاء، فيقولون: ما أبعط طَارَك يريدون ما أبْعَدَ دَارَك. و يقال بَعَطَ الشاة و سَحَطَهَا و ذَمَطَها و بَرخَها و ذَعَطَها إذا ذبحها.
طعب:
أهمله الليث. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال: ما به من الطَّعْبِ أي ما به من اللذة و الطِّيب.
باب العين و الطاء مع الميم‏
 [ع ط م‏]
عطم، عمط، طعم، طمع، مطع، معط:
مستعملات.
عطم:
أهمله الليث. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العُطْمُ: الصوف المنفوش. قال و العُطُم: الهَلْكَى واحدهم عَطِيم و عاطِم.
عمط:
أهمله الليث و قال غيره: اعتبط فلان عِرْض فلان و اعتمطه إذا وقع فيه و قَصَبه بما ليس فيه.
طعم:
قال اللَّه جلّ و عزّ: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي‏
 [البقرة: 249] قال أبو إسحاق: معناه: من لم يتطعَّم به.
و قال الليث: طَعْمُ كل شي‏ء ذَوقه قال:
و الطَّعْمُ الأكل بالثنايا. و تقول إن فلاناً لحسن الطَّعْم و إنه ليَطعَمُ طَعْماً حَسَناً.
قال: و الطُّعْمُ: الحَبُّ الذي يُلْقَى للطير.
و قال الأصمعي فيما روى عنه الباهلي:
الطعْمُ: الطعام، و الطَّعم: الشهوة. وَ هو الذوق. وَ أنشد لأبي خِرَاش الهذليّ:
أردُّ شُجاع البطن لو تعلمينه             وَ أوثر غيري من عيالك بالطُّعْم‏
أي بالطعام. ثم أنشد قول أبي خراش في الطَّعْمِ:
و أغتبِقُ الماء القَرَاح فأنتهي             إذا الزاد أمسى للمزَلَّج ذا طَعْم‏
قال: ذا طَعم أي ذا شهوة. قال وَ رجل ذو طَعمٍ أي ذو عقلٍ وَ حزمٍ. وَ أنشد:
فلا تأمري يا أم أسماء بالتي             تُجِرُّ الفتى ذا الطَّعْم أن يتكلَّما
وَ يقال: ما بفلان طَعْمٌ وَ لا نَوِيصٌ أي ليس له عقلٌ وَ لا به حَراك. وَ قيل في قول اللَّه تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي‏
 أي من لم يَذُقه. يقال طعم فلان الطَّعَام يطعَمُه طَعْماً إذا أكله بمقدم فيه و لم يُسرِف فيه.
و طَعِمَ منه إذا ذاق منه. و إذا جعلته بمعنى الذوق جاز فيما يؤكل و يشرب. و الطَّعَام:
اسمٌ لما يؤكل، و الشراب: اسمٌ لما يُشرب. و يجمع الطعام أطْعِمة ثم أطعمات‏

112
تهذيب اللغة2

طعم ص 112

جمع الجمع. و أهلَ الحِجَاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عَنَوا به البُرَّ خاصةً. قال أبو حاتم: يقال لَبَنٌ مُطَعِّمٌ و هو الذي أخَذ في السِقَاء طعماً و طِيباً. و هو ما دام في العُلْبة مَحْضٌ و إن تغيّر. و لا يأخذ اللبنُ طعماً و لا يُطَعِّمُ في العُلْبة و الإناء أبداً. و لكن يتغيّر طعمه من الإنقاع. و يقال فلان طَيّبُ الطِّعمة و فلان خبيث الطِّعمة إذا كان من عادته ألّا يأكل إلّا حلالًا أو حراماً. و يقال: جعل السلطانُ ناحية كذا طُعْمة لفلان أي مَأكَلةً له. و يقال: في بستان فلان من الشجر المُطْعِم كذا أي من الشجر المثمِر الذي يؤكل ثمره. و يقال: اطَّعَمَت الثمرةُ على افتعَلَت أي أخَذَت الطَّعْم. و يقال: فلان مُطْعَمُ للصيد و مُطْعَمُ الصيد إذا كان مرزوقاً منه. و منه قول امرى‏ء القيس:
مُطعَم للصيد ليس له             غيرَها كسْبٌ على كِبَره‏
و قال ذو الرمة:
«وَ مُطْعَمُ الصيد هَبَّال لبغيته»
و قال الليث: رجل مِطعام: يكثر إطعام الناس، و امرأة مطعام بغير هاء و رجل مطعم: شديد الأكل و امرأة مِطْعَمَة. قال و المُطْعِمَتَان من رِجْل كل طائر: هما المتقدّمان المتقابلتان. و المُطْعِمة من الجوارح هي الإصبعُ الغليظة المتقدمة فاطَّرد هذا الاسم في الطير كلها. قال و قوسٌ مُطْعَمة: يصاد بها الصيد، و يكثر الصواب عنها. و أنشد:
و في الشِمَال من الشِرْيان مُطْعَمة             كبدَاء في عَجْسها عَطْفٌ و تقويمُ‏
سمِّيتْ كذلك لأنها تُطْعَم الصيد. قال:
و المطعِمُ من الإبل: الذي تجد في مخِّه طعم الشحم من سمنه. و كل شي‏ء وُجِد طعمهُ فقد أطعِم. قال و قول اللَّه تعالى:
وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي‏
 [البقرة: 249] جَعَل ذواق الماء طَعْماً: نهاهم أن يأخذوا منه إلّا غَرْفَةً و كان فيها رِيّهم و رِيّ دوابّهم. و قال غيره: يقال إنك مُطْعَمٌ مَوَدّتي أي مرزوق مَوَدّتي. و قال الكميت:
بلَى إنَّ الغواني مُطْعَمات             مَوَدّتَنا و إن وَخَطَ القَتيرُ
أي يُحِبّهنّ و إن شِبْنَا. أبو زيد: إنه لمتطاعِم الخَلْق أي متتابع الخَلْق. و يقال هذا رجل لا يَطَّعِمُ بتثقيل الطاء أي لا يتأدّب و لا يَنْجَع فيه ما يُصلحه، و لا يَعْقِل.
و يقال: فلان تُجْبَى له الطُّعَمُ أي الخراج و الإتاوات. و قال زهير:
مما تُيَسَّرُ أحياناً له الطُّعَمُ‏
و قال الحسَن: القِتال ثلاثة: قتال على كذا، و قتال لكذا، و قتال على هذه الطُّعْمَة يعني الفَيْ‏ء و الخَرَاج. و قال أبو سعيد:
يقال لك غَثُّ هذا و طَعُومُه أي غَثُه و سَمِينه. و ناقةٌ طَعُوم: بها طِرْق، و جَزُورٌ طَعُومٌ: سمينة. و قال ابن السكيت عن الفراء: جزور طَعُوم و طَعِيم إذا كانت بين الغَثّة و السمينة. و قال أبو عبيدة: مُسْتَطْعم الفرس: ما تحت مَرْسِنِه إلى أطراف جحافله. قال و يستحبُّ للفرس لُطْفُ مُسْتَطعَمه. و يقال استطعمْت الفرسَ إذا طلبت جَرْيه. و أنشد أبو عبيدة:

113
تهذيب اللغة2

طعم ص 112

تدارَكه سعيٌ و ركضُ طِمِرَّة             سَبُوحٍ إذا استطعمتها الجري تَسْبَحُ‏
و قال النضر: أطعمتُ الغُصْن إطعاماً إذا و صلت به غصناً من غير شجره. و قد أطعمته فطَعِمَ أي وصلته به فقبل الوصل.
و أطعَمتُ عينه قذًى فَطَعَمْتُه. و يقال: طَعِمَ يَطْعَمُ مَطْعَماً و إنه لطيبُ المَطْعَم كقولك طيّبُ المأكل. و
رُوي عن ابن عباس أنه قال في زمزم: إنه طعَامُ طُعْمٍ و شفاء سُقْمٍ‏
، قال ابن شميل: طعامُ طُعْمٍ أي يَشبع منه الإنسان. و يقال: إني طاعِم عن طعامكم أي مستغنٍ عن طعامكم. و يقال:
هذا الطعام طعام طُعْمٍ أي يَطْعَم مَن أكله أي يشبع، و له جُزْء من الطعام ما لا جُزء له. و ما يَطْعَمُ آكل هذا الطعام أي ما يشبع. قال: و الطُّعْمُ أيضاً: القُدْرَة.
يقال: طَعِمْتُ عليه أي قَدَرت عليه. و قال أبو زيد: يقال أخَذ فلان بمَطْعَمة فلان إذا أخذ بحَلْقِه يَعْصُره. و لا يقولونها إلّا عند الخَنْق و القتال. و المُطْعَمة: المأدُبة و التطاعم: إدخال الفم في الفم، كما يَفعل الحمامُ عند التقبيل. و قال:
كما تَطَاعم في خضراء ناعمةٍ             مُطَوّقان صباحاً بعد تغريدِ
و
نُهِيَ عن بيع الثمرة حتى تُطْعِم‏
أي تُدْرِك و تأخذ الطَّعْم.
طمع:
الحَرّاني عن ابن السكيت: رجلٌ طمِعٌ و طَمُعٌ بمعنًى واحدٍ. و الطَّمَع: ضدّ اليأس. و قال عمر بن الخطاب: تعلَّمُنَّ أن الطمع فقر، و أن اليأس غنًى. و يقال: ما أطمع فلاناً، على التعجب من طَمَعه.
و قال الليث: يقال: إنه لَطمُع الرجلُ بضمّ الميم في التعجّب؛ كقولك: إنه لحسن الرجُلُ. و ربما قالوا: إنه لطَمْعَ الرجُلُ، و كذلك التعجّب في كل شي‏ء مضمومٌ؛ كقولك: لخرُجَت المرأة فلانة إذا كثر خروجها، و لقَضُوَا القاضي فلان، و نحو ذلك أجمع، إلّا ما قالوا في نِعم و بئس فإن الرواية جاءت فيهما بالكسر. و امرأة مِطماع و هي التي تُطمِعُ و لا تمكِّن.
و المَطْمَعُ: ما طَمِعْتَ فيه. و يقال: إن قول المخاضعة من المرأة المَطْمَعة في الفساد أي ممَّا يُطمِع ذا الرِيبة فيها. و قال اللحياني: أخذ القومُ أطماعَهُم أي أرزاقهم، الواحد طمَعٌ. و فعلتُ ذاك طَمَاعِيَةً في كذا- مِثال علانية- أي طمعاً فيه. قال الهذلي:
أما و الذي مسّحتُ أركان بيته             طماعِيَةً أن يغفر الذنبَ غَافِرُهْ‏
و المُطْمِعُ: الطائر الذي يوضع في وسط الشَبَك ليصاد بدلالته الطيورُ.
معط:
المَعْطُ: الجَذْب. يقال ضرب فلان يده إلى سيفه فامتعطه من غِمده، و امتعده إذا استلّه. و مَعَطَ شعره إذا نتفه. و رجل أمْعَط أمْرَط: لا شَعر على جسده. و ذئبٌ أمعط قد امَّرَطَ شَعرُه عنه. و الأنثى مَعْطَاء.
و لصٌّ أمعَط: يشبّه بالذئب الأمعط لخُبْثه.
و لُصُوص مُعْط. و قال الليث: يقال مَعِطَ الذئب و لا يقال مَعِطَ شَعره و قد امَّعَطَ شعره إذا مَعَطَه الداء. قال: و يقال: إنه لطويل مُمَّعِطُ كأنه قد مُدَّ. قلت:
المعروف في الطول المُمَّغِط بالغين‏

114
تهذيب اللغة2

معط ص 114

معجمة، كذلك رواه أبو عبيد عن الأصمعي و لم أسمع مُمَّعطِ بهذا المعنى لغير الليث، إلا ما قرأته في كتاب «الاعتقاب» لأبي ترابٍ، قال: سمعت أبا زيد و فلان بن عبد اللَّه التميمي يقولان:
رجلٌ مُمَّغِط و مُمَّعِط أي طويل. قلت: و لا أبعد أن يكونا لغتين، كما قالوا: لَعَنَّكَ و لَغَنَّك بمعنى لعلّك، و المعَصُ و المَغَصُ:
البِيض من الإبل، و سُرُوعٌ و سُرُوغٌ للقُضْبان الرَخْصة. و قال الليث: المَعْطُ ضربٌ من النكاح يقال: مَعَطها إذا نكحها. و آل أبي مُعيط في قريش معروفون. و أمعَط: اسم موضعٍ ذكره الراعي في شعره فقال:
بقاعِ أمْعَطَ بين السهل و الصبرِ
ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: من أسماء السَوْءة المَعْطَاء و الشَعْراء و الدَفْراء.
و مَعَطت الناقة بولدها: رَمَتْ به عند الولادة. و الذئب يكنى أبا مُعْطَةَ. و مَعَطَ بها و مَرَطَ إذا خرجت منه ريح. و أرضٌ مَعْطَاء: لا نبت فيها.
مطع:
قال الليث: المَطْعُ: ضربٌ من الأكل بأدنى الفم. يقال: هو مَاطِع إذا كان يأكل بالثنايا و ما يليها من مقاديم الأسنان: و هو القَضْم أيضاً. و قال غيره: فلان مَاطِع ناطِع بمعنًى واحدٍ. و الممطِعَة: الضَرْع التي تشخُب أطباؤها لَبَناً.
أبواب العين و الدال‏
 [باب العين و الدال مع التاء]
ع د ت‏
استعمل من وجوهها: [عتد].
عتد:
قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً
 [يوسف: 31] أي هيّأت و أعدّت. و قال الليث: العَتَاد: الشي‏ء الذي تُعِدّه لأمرٍ ما و تهيئُه له. قال: و يقال: إنّ العُدَّة إنما هي العُتْدَةُ، و أعَدّ يُعِدّ إنما هو أعتَد يُعْتِد، و لكن أدغمت التاء في الدال.
قال: و أنكر آخرون فقالوا: اشتقاق أعَدّ من عين و دالين؛ لأنهم يقولون: أعدَدْناه فيُظهرون الدالين. و أنشد:
 أعددت للحرب صارِماً ذكراً             مجرَّب الوقع غير ذي عَتَبِ‏
و لم يقل: أعتدت. قلت: و جائز أن يكون الأصل أعددت ثم قلبت إحدى الدالين تاء، و جائز أن يكون عتد بناء على حِدةٍ، و عَدَّ بناء مضاعفاً. و هذا هو الأصوب عندي.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ
 [ق: 23] قال بعض المفسّرين: عَتِيدٌ
 أي حاضر. و قال بعضهم: قريبٌ. و يقال:
أعتَدت الشي‏ء فهو مُعْتَدُ، و عتِيد. و قد عَتُدَ الشي‏ءُ عَتَادَةً فهو عتِيد: حاضر. قاله الليث. قال: و من هنالك سُمِّيت العَتِيدة التي فيها طِيب الرجُل و أدهانه. و قوله:
هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ
 في رفعه ثلاثة أوجه عند النحويين. أحدها أنه على إضمار التكرير، كأنه قال: هذا ما لديّ هذا عتِيد و يجوز أن ترفعه على أنه خبر بعد خبر، كما تقول:
هذا حُلْو حامض. فيكون المعنى: هذا شي‏ء لديّ عتيد.
و يجوز أن يكون بإضمار هو، كأنه قال:
هذا ما لدي هو عتيد و العَتِيدة طَبْل العرائس أُعتِدت تحتاج إليه العَرُوس من‏

115
تهذيب اللغة2

عتد ص 115

طيب و أداة و بَخُور و مُشْط و غيره، أدخل فيها الهاء على مذهب الأسماء.
و
في الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم نَدَب الناسَ إلى الصدقة. فقيل له: قد مَنَع خالد بن الوليد و العبّاس عمّ النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أمّا خالد فإنهم يظلمون خالداً، إنّ خالداً جعل رَقيقه و أعْتُدَه حُبُساً في سبيل اللَّه. و أمّا العباس فإنها عليه و مثلُها معه.
و الأعتُدُ يجمع العَتَاد: و هو ما أعدّه الرجل من السلاح و الدوابّ و الآلة للجهاد. و يجمع أعتِدَةً أيضاً.
و يقال: فرسٌ عَتِدٌ و عَتَدٌ و هو المُعَدّ للركوب. و منه قول الشاعر:
راحوا بصائرُهُم على أكتافهم             و بصيرتي يعدو بها عَتِدٌ وَ أي‏
و سمعت أبا بكر الإيادي يقول: سمعت شمراً يقول: فرسٌ عَتِدٌ و عَتَدٌ: مُعَدٌّ مُعْتَدٌ؛ و هما لغتان. و قال ابن السكيت: فرسٌ عتِد و عَتَد و هو الشديد التامّ الخَلْق المُعَدّ للجري. قال و مثله رجل سبِطٌ و سَبَطٌ و شَعَر رَجِل و رَجَلٌ و ثغْر رَتِل و رَتَل أي مفلّج. أبو عبيد عن أبي زيد قال: العَتُود من أولاد المعز: ما رَعَى و قَوي و جمعه أعتِدَة و عِدَّان، و أصله عِتْدَان، إلّا أنه أدغم قال: و هو العَرِيض أيضاً. و أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال:
إذا أجذع الجَدْيُ أو العَنَاق سمِّي عَرِيضاً و عَتُوداً. و قال ابن شميل: ولد المِعْزَى إذا أجذع فهو عَرِيض، فإذا أثْنَى فهو عَتُود.
و قال الليث: العَتُود: الجَدْي إذا استَكْرَش. و يقال: بل هو إذا بلغ السِفَاد و الجميع العِدان. و ثلاثة أعتِدَة. و أصل عِدّان عِتْدَان. و أنشد أبو زيد:
و اذكر غُدَانَة عِدّاناً مُزَنَّمَةً             من الحَبَلَّقِ تُبْنَى حولها الصِّيَرُ
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَتَاد:
القَدَح و هو العَسْف و الصَحْن. و قال شمر:
أنشدني أبو عدنان و ذكر أنّ أعرابياً من بني العنبر أنشده هذه الأرجوزة:
يا حَمْزَ هل شَبِعْتَ من هذا الخَبَطْ             أم أنت في شكٍّ فهذا مُنْتَقَدْ
صَقْبٌ جسيمٌ و شديدُ المعتَمَدْ             يعلو به كل عَتُودٍ ذاتَ وَدْ
عروقها في البحر يعمى بالزَبَدْ
قال العَتود السِدْرة أو الطَلْحة قال: عَتْوَد- على بناء جَهْور-: مأسدة. قال ابن مقبل:
جلوساً به الشمّ العجافُ كأنهم             أسود تَبْرجٍ أو أسودٌ بعتودا
 [باب العين و الدال مع التاء] ع د ت‏
دعت:
سقط من النسخة. و قد ذكره ابن دريد فقال: الدَعْت: الدفع العنيف. دَعَته يدعَته دَعْتاً، بالدال و الذال.
ع د ظ
استعمل من وجوهها: [دعظ].
دعظ:
قال الليث: الدَّعْظُ: إيعاب الذكر كله في فرج المرأة يقال دَعَظَها به، و دعظه فيها إذا أدخله كلّه فيها. و قال ابن السكيت في «الألفاظ»- إن صحّ له-

116
تهذيب اللغة2

دعظ ص 116

الدِّعْظاية القصير. و قال في موضع آخر من هذا الكتاب: و من الرجال الدِّعْظَاية، و قال أبو عمرو الدِعْكَاية و هما الكثير اللحم، طالا أو قصُرا. و قال في موضع آخر: الجعْظَاية بهذا المعنى.
ع د ذ
أهملت وجوهه.
 [باب العين و الدال مع الثاء]
ع د ث‏
دعث، عدث، ثعد، دثع. [مستعملات‏].
دعث:
أبو عبيد عن الأُمويّ: أول المَرَض الدَّعْثُ، و قد دُعِثَ الرجل. و قال شمر:
قال محاربٌ: الدَّعْثُ تدقيقك التراب على وجه الأرض بالقَدَم أو باليد أو غير ذلك، تَدْعَثُهُ دَعْثاً. قال و كل شي‏ء وَطِي‏ء عليه فقد اندَعث و مَدَرٌ مَدْعُوثٌ. قال: و قال أبو عمرو الشيباني: الدَّعْث: بقيّة الماء.
و أنشد:
و منهَلٍ ناءٍ صُوَاه دَارِسِ             وَرَرْتُهُ بِذُبَّل خوامِسِ‏
 فاسْتَفْنَ دِعْثاً بَالِدَ المَكَارِسِ             دَلَّيْتُ دلوي في صَرًى مُشَاوِسِ‏
المَكَارِسِ مواضع الكِرْس و الدِمْن. قال:
المُشاوِس، الذي لا يكاد يُرى من قِلَّتِه، بَالِد المكارِس قديم الدِمْن. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الدِّعْثُ و الدِئْثُ: الذَحْل.
عدث:
عُدْثان: اسمٌ. قال ابن دريد في كتاب «الاشتقاق» له: العَدْث سهولة الخُلُق، و به سُمِّي الرجل عُدْثَان.
دثع:
قال ابن دريد: الدَّثْع الوَطْء الشديد، لغة يمانيَة. قال: و الدَّعْثُ: الأرض السهلة. و يقال: الدَّعْث و الدَّثْع واحد.
قلت: أرجو أن يكون ما قال أبو بكر محفوظاً، و لا أحُقّه يَقِيناً.
ثعد:
أبو عبيد عن الأصمعي قال: إذا دخل البُسْرَة الإرطابُ و هي صُلبة لم تنهضم بعد فهي جُمْسَة، فإذا لانت فهي ثَعْدَة و جمعها ثَعْدٌ.
باب العين و الدال مع الراء
 [ع د ر]
عدر، عرد، ردع، رعد، درع، دعر:
مستعملات.
عدر:
ثعلب عن ابن الأعرابي: العَدَّار:
المَلَّاح. قال: و العَدَر: القِيلَة الكبيرة.
قلت: أراد بالقِيلة الأدَر، و كأنّ الهمزة قُلبت عيناً فقيل: عَدِرَ عَدَراً، و الأصل:
أدِرَ أدَراً. و قال ابن دريد: العُدْرَة الجُرْأة و الإقدام و قد سَمّت العرب عُدَاراً. و قال الليث: العَدْرُ: المَطَر الكثير. و أرضٌ معدورة ممطورة و نحوَ ذلك.
قال شمر: قال: و عَنْدَرَ المطر فهو مُعندِرٌ.
و أنشد:
مُهْدَودراً مُعَنْدراً جُفَالا
عمرو عن أبيه: العادِر الكذّاب. قال:
و هو العاثِر أيضاً.
عرد:
الليث: العَرْدُ: الشديد من كل شي‏ء الصُلْب المنتصب. يقال: إنه لعَرْد مَغْرِزِ العُنق. و قال العجّاج:
عَرْدَ التراقي حَشْوَراً مُعَقْرَبا

117
تهذيب اللغة2

عرد ص 117

و يقال: قد عَرَدَ النابُ يَعْرِدُ عُرُوداً إذا خرج كله و اشتدّ و انتصب، قاله أبو عمرو. و عَرَدَ الشجر عُرُوداً و نَجَم نُجُوماً أوّلَ ما يَطْلُع. و قال العجّاج:
 و عُنقاً عَرْداً و رَأْساً مِرْأَسَا
و قال الأصمعي: عَرْداً: غليظاً، مِرْأَساً:
مِصَكًّا للرؤوس. قال: وَ عَرَدَتْ أنيابُ الجمل إذا غَلُظت و اشتدّت. قال ذو الرمة:
يُصَعِّدْنَ رُقشاً بين عُوج كأنها             زِجَاجُ القَنَا منها نَجِيمٌ و عَارِدُ
و قال في «النوادر»: عَرَدَ الشَجَرُ و أَعْرَدَ إذا غَلُظ و كَبُر.
الفرّاء: رمحٌ متَلٌّ و رمحٌ عُرُدٌّ وَ وَتَرٌ عُرُدٌّ.
و أنشد:
و القوس فيها وَتَر عُرُدٌّ             مِثْلُ ذراع البَكْر أو أشَدُّ
و يروى: مثل ذراع البَكْر.
شبّه الوتر بذراع البعير في توتّره. و قال ابن بُزُرْجَ: إنه لقويٌّ عُرُدٌّ شديد. قال:
و العَارِد: المُنْتَبِذُ. و أنشد:
ترى شؤون رأسه العَوَارِدَا
أي منتبِذة بعضُها من بعض. و قال ابن الأعرابي: العَرَادَة: شجرة صُلْبة العُود.
و جمعها عَرَاد. و أخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن أبي الهيثم أنه قال: تقول العرب: قيل للضَبِّ: وِرْداً وِرْداً، فقال:
أصبح قلبي صَرِداً             لا يشتهي أن يَردا
إلَّا عِرَاداً عَرِدَا             وَ عَنْكَثاً مُلتبِدَا
و صلِّياناً بَرِدَا
قال: و عَرَادَ: نَبْت عَرِد صُلبٌ منتصبٌ.
أبو عبيد عن الأصمعي: العَرَاد: نبت، واحدته عَرَادة. و به سُمّي الرجل.
و قال الليث: العَرَادَة: نَبْت طيّب الريح.
قلت: قد رأيت العَرادَة في البادية، و هي صُلْبة العُود منتشرة الأغصان و لا رائحة لها. و الذي أراد الليث العَرادة فيما أحسب، فإنها بَهَار البَرّ.
أبو عبيد: عَرَّدَ الرجل عن قِرْنه إذا أحجم و نَكَل. قال: و التعريد: الفِرار. و قال الليث: التعريد: سرعة الذهاب في الهزيمة. و أنشد لبعضهم:
لما استباحُوا عَبدَ رَبَّ وَ عرَّدَت             بأبي نَعَامة أمُّ رَأْلٍ خَيْفَق‏
يذكر هزيمة أبي نعامة الْحَرُوريّ قطري.
و قال أبو نصر: عَرّدَ السهْمُ تعريداً إذا نَفَذ من الرَمِيَّة. و قال ساعدة الهُذَليّ:
فجالت و خالت أنه لم يقع بها             و قد خَلّهَا قِدِحٌ صَويبٌ مُعَرِّدُ
مُعَرِّدٌ أي نافذ، خَلَّها أي دخل فيها، صَويبٌ: صائبٌ قاصِد. و عَرَّدَ النجم إذا مال للغروب بعد ما يُكبّد السماء؛ قال ذو الرمّة:
و هَمَّت الجوزاء بالتعريد
و قال الليث: العَرَادَة: الجَرَادة الأنثى.
و العَرَّادَة: شِبْه مَنْجَنيق صغير. و الجميع العَرَّدَات. و نِيقٌ مُعَرِّدٌ: مرتفع طويل. و قال الفرزدق:
فإني و إيّاكم و مَن في حبالكم             كمن حَبْله في رأس نِيق مُعَرِّد

118
تهذيب اللغة2

عرد ص 117

و قال شمر في قول الراعي:
بأطيَبَ من ثوبين تأوي إليهما             سُعَادُ إذا نجم السماكين عَرَّدَا
أي ارتفع. و قال أيضاً:
فجاء بأشوال إلى أهل خُبَّةٍ             طُرُوقاً و قد أقعى سُهَيْل فَعَرَّدا
قال: أقعى: ارتفع ثم لم يبرح. و يقال:
قد عَرَّد فلان بحاجتنا إذا لم يقضها.
و قال الليث و غيره: العَرْد الذَكَر إذا انتشر و اتمهَلَّ و صَلُبَ.
أبو العباس عن ابن الأعرابي عَرِد الرجل إذا هرب. و عَرِد إذا قوِي جسمه بعد المرض.
درع:
الدِّرْع دِرْعُ المرأة مذكّر. و دِرْع الحديد تؤنّث. و تصغيرهما معاً دُرَيْع بغير هاء.
ابن السكيت: هي دِرْع الحديد و الجمع القليل أدْرُع و أدراع. فإذا كثرتْ فهي الدروع، و هو دِرع المرأة لقميصها و جمعه أدراع. و رجلٌ دَارِع عليه دِرْع.
و قال الليث: ادَّرَع الرجل و تَدَرَّعَ إذا لبِس الدِّرْع. و الدُّرَّاعَة: ضربٌ من الثياب التي تُلبس. و المِدْرَعة ضربٌ آخر، و لا تكون إلّا من صوفٍ. فرّقوا بين أسماء الدِّرع و الدُّرَّاعة و المِدْرَعة لاختلافها في الصنعة؛ إرادة الإيجاز في المنطق. قال و يقال:
لصُفَّة الرَحْل إذا بدا منها رأسا الواسِط و الآخِرة: مُدَرَّعَة. أبو عبيد عن أبي زيد في شِيات الغنم من الضأن: إذا اسودّت العُنُق من النعجة فهي دَرْعَاء. و قال الليث: الدَّرَع في الشاة: بياض في صدرها و نحرها و سواد في الفخذ. قال: و الليالي الدُّرَعُ هي التي يَطْلُع القمر فيها عند وجه الصبح و سائرها أسود مظلم. و قال أبو سعيد: شاة دَرْعاء: مختلفة اللون. و قال ابن شميل الدَّرْعاء: السوداء غير أن عنقها أبيض، و الحمراء و عنقها أبيض فتلك الدرعاء.
قال: و إن ابيضّ رأسها مع عُنقها فهي دَرْعاء أيضاً. قلت: و القول ما قال أبو زيد. سُمِّيت دَرْعَاء إذا اسودّ مُقَدّمها تشبيهاً بالليالي الدُّرع، و هي ليلة سِتّ عشرة و سبع عشرة و ثمانيَ عشرة اسودّتْ أوائلها و ابيضّ سائرها فسُمِّينَ دُرَعاً لم يختلف فيها قول الأصمعي و أبي زيد و ابن شميل. و أخبرني المنذري عن المبرّد عن الرياشي عن الأصمعي أنه قال في ليالي الشهر بعد الليالي البيض: و ثلاث دُرَع. و كذلك قال أبو عبيد غير أنه قال: القياس: دُرْعٌ جمع دَرْعَاء. فقال أبو الهيثم فيما أفادني عنه المنذري: ثلاث دُرَعٌ، و ثلاث ظُلَم جمع دُرْعَة و ظُلْمَة لا جمع دَرْعَاء و ظلماء.
قلت: هذا صحيح و هو القياس.
و روى أبو حاتم عن أبي عبيدة أنه قال:
الليالي الدُّرْع هي السود الصدور البيض الأعجاز من آخر الشهر، و البِيض الصدور السود الأعجاز من أول الشهر. و كذلك غَنَم دُرْعٌ للبيض المآخير السُّود المقاديم، أو السود المآخير البيض المقاديم. قال:
و الواحد من الغنم و الليالي دَرْعَاء، و الذكر أدرع. و قال أبو عبيدة: و لغة أخرى: ليالٍ دُرَع بفتح الراء الواحدة دُرْعَة. قال أبو حاتم: و لم أسمع ذلك من غير أبي‏

119
تهذيب اللغة2

درع ص 119

عبيدة.
ثعلب عن ابن الأعرابي: ماء مُتَدرّع إذا أُكل ما حوله من المرعى فتباعد قليلًا و هو دون المُطْلِب. و قال الهجيمي: أدرَعَ القومُ إدرَاعاً، و هم في دُرْعَةٍ إذا حَسَر كلؤهم عن حوالَيْ مياههم. و نحوَ ذلك قال ابن شميل. قال و إذا جاوزْت النصف من الشهر فقد أدْرَع، و إدراعُه: سواد أوّله.
و قال ابن بُزُرْجَ: يقال للهجين إنه لمعَلهَجٌ و إنه لأدْرع. قال شمر و قال أبو عبيدة و ابن الأعرابي: يقال دَرَعَ في عنقه حبلًا ثم اختنق. قلت: و أقرأني الإيادي لأبي عبيد عن الأموي: التذريع- بالذال- الخنقُ، و قد ذَرَّعَه إذا خنقه. قلت: و أما شمر فإنه روى لأبي عبيدة و ابن الأعرابي:
ذَرَع في عنقه حبلًا ثم اختنق، بالذال. أبو عبيد: الاندرَاع التقدم. و أنشد للقطامي:
أمامَ الخيل تندرع اندراعَا
قال أبو زيد: ذرَّعته تذريعاً إذا جعلت عُنقه ثِنْيَ ذراعك و عضدك فخنقته، و هو الصواب.
و قال غيره: اندرأ يفعل كذا و كذا و اندرع أي اندفع. و أنشد:
و اندرعت كلُّ علَاة عَنْس             تَدَرُّعَ الليل إذا ما يُمسِي‏
و حكى شَمِر عن القزمُليّ قال: الدِّرع:
ثوبٌ تجوب المرأة وَسَطه، و تجعل له يدين و تخيط فرجيه، فذلك الدِّرْع.
و دُرِّعَت الصبيّةُ إذا أُلبست الدِّرع. ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: دُرعَ الزرعُ إذا أُكل بعضه. و قال بعض الأعراب: عُشْبٌ دَرِعٌ نَزَع و نَمِغٌ و ذَمِطٌ و وَلخٌ إذا كان غَضًّا.
و ادَّرَعَ فلان الليلَ إذا دخل في ظلمته ليسري و الأصل فيه ادترع كأنه ليس ظلمة الليل فاستتر به.
دعر:
قال شمر: العُود النَخِر الذي إذا وضع على النار لم يَسْتوقد و دَخِن فهو دُعَرٌ و أنشد لابن مقبل:
باتت حَوَاطِبُ ليلى يلتمسن لها             جَزْل الجِذَى غير خَوَّارٍ و لا دُعَرِ
قال: و حَكى أبو عدنان عن أبي مالك:
هذا زَنْد دُعَر، و هو الذي لا يورِي و أنشد:
مُؤْتَشِبٌ يكبو به زَنْد دُعَرْ
و قال ابن كَثْوَةَ: الدُّعَر من الحطب البالي و هو الدَّعِر أيضاً. و قال الليث: الدُّعَر:
ما احترق من الحطب فطَفِى‏ء قبل أن يشتدّ احتراقه. و الواحدة دُعَرَة. و هو من الزناد: ما قد قُدِحَ به مراراً حتى احترق طَرَفه فصار دُعَراً لا يُورِي. قال و الدَّعَارَة: مصدر الداعر، و هو الخبيث الفاجر. قلت: و سمعت العرب تقول لكل حطبٍ يُعَثِّنُ إذا استُوقِد به دُعَرٌ. و قال ابن شميل: دَعِرَ الرجلُ دَعَراً إذا كان يسرق و يزني و يؤذي الناس و هو الدَّاعِر. و قال أبو المِنْهال: سألت أبا زيد عن شي‏ء فقال: مالك و لهذا هذا كلام المَدَاعِير.
و يقال للنخلة إذا لم تقبل اللِقَاح: نخلة داعِرة و نخيل مَدَاعِير، فتزاد تلقيحاً و تبخّق. قال: و تبخيقها، أن توطأ عُسُفُهَا حتى تسترخي، فذلك دواؤها. ثعلب عن‏

120
تهذيب اللغة2

دعر ص 120

ابن الأعرابي: يقال للون الفيل: المُدَعَّر.
قال ثعلب و المُدعّر: اللون القبيح من جميع الحيوان. و الدّعَّار المُفْسِد.
ردع:
أبو عبيد عن الأصْمَعي الرُّدَاع الوجع:
في الجسد و أنشدنا:
فواحزَنَا و عاودني رُدَاعِي‏
و قال الأصمعي: المرتدِع من السهام:
الذي إذا أصاب الهَدَف انفضح عودُه.
و قال ابن الأعرابي: رُدِعَ إذا نُكِس في مرضه. و قال كُثَير:
و إني على ذاك التجلّد إنني             مُسِرّ هُيَامٍ يَسْتَبِلّ وَ يُرْدَعُ‏
و قال أبو العيال الهذليّ:
ذكرت أخي فعاودني             رُدَاع السُقْم و الوصبُ‏
الرُّدَاع: النُكْس، قد ارتدع في مرضه.
و
في حديث عمر بن الخطاب أن رجلًا أتاه فقال له: إني رميت ظبياً محرماً فأصبت خُشَشَاءَهُ فركب رَدْعَه فأسِنَ فمات.
قال أبو عبيد: قوله ركب رَدْعَه يعني أنه سقط على رأسه.
قال و إنما أراد بالرَدْع: الذم، شبّهه برَدْع الزعفران. و ركوبُه إياه: أن الدم سال فخَرّ الظبيُ عليه صريعاً، فهذا معنى قوله:
ركب رَدْعَه.
و قال أبو عبيد: ليس يُعرف ما ذكر أبو عبيد، و لكنّ الرَّدْع العُنُق، رُدِعَ بالدم أو لم يُرْدَع. يقال: اضرب رَدْعَهُ كما يقال اضرب كَرْدَهُ. قال و سُمِّي العُنُق رَدْعاً لأنه بها يَرتدع كلُّ ذي عُنُقٍ من الخيل و غيرها.
و قال ابن الأعرابي: ركب رَدْعَهُ إذا وقع على وجهه، و ركب كُسْأَه إذا وقع على قفاه.
قال شمر: و قال ابن الأعرابي في قولهم:
ركب رَدْعَه أي خرّ صريعاً لوجهه، غير أنه كلّما همّ بالنهوض ركب مقاديمه. و قال أبو دُوَادٍ:
فعلّ و أنهل مِنْها السنا             نَ يركبُ منها الرَّدِيعُ الظِلَالا
قال: و الرَّدِيع: الصريع يركب ظِلّه.
و قال شمر: الرَّدْعُ على أربعة أوجه:
الرَّدْعُ: الكَفّ. رَدَعته: كففته. و الرَّدْع:
اللَطْخ بالزعفران. و ركب رَدْعَه: مقاديمه و على ما سال من دمه و الرَّدْع: رَدع النَصْل في السهم، و هو تركيبه و ضربك إيَّاه بحجر أو غيره حتى يدخل. و قيل:
ركب رَدْعَه إن الرَّدْع كلّ ما أصاب الأرض من الصريع حين يَهْوي إليها، فما مَسّ الأرض منه أولًا فهو الرَّدْع، أيّ أقطاره كان. قال: و يقال رُدِعَ بفلان أي صُرِع، و أخذ فلاناً فَرَدَعَ به الأرض إذا ضَرَبَ به الأرض. و يقال: رَدَع الرجل المرأة إذا وطئها.
و قال الليث: الرَّدْعُ: أن تردَعَ ثوباً بطيب أو زعفران، كما تردَع الجاريةُ صَدْرَ جَيْبها بالزعفران بمل‏ء كفّها.
و قال امرؤ القيس:
حُوراً يُعَلّلْنَ العَبِيرَ رَوَادِعاً             كَمَهَا الشقائق أو ظِبَاء سَلَام‏

121
تهذيب اللغة2

ردع ص 121

السلَام: الشجر.
و أما قول ابن مقبل:
يجري بديبَا جَتَيْه الرشح مُرْتَدِعُ‏
ففيه قولان. قال بعضهم: منصبغ بالعَرَق الأسود، كما يُرْدَع الثوبُ بالزعفران.
و قال خالد: مُرْتدِع قد انتهت سِنّه. يقال قد ارتدع الجمل إذا انتهت سِنّه. و أقرأني المنذري لأبي عبيد- فيما قرأ على أبي الهيثم- الرديع الأحمق بالعين غير معجمة. و أما الإيادي فإنه أقرأنيه عن شمر: الردِيغ بالغين معجمة. قلت:
و كلاهما عندي من نعت الأحمق.
و قال الليث: يقال خَرّ في بئر فركب رَدْعه إذا هَوَى فيها. و ركب فلان رَدْع المَنِيَّة.
قال و الرَّدْع: مقاديم الإنسان إذا كانت في ذلك منيّته.
و أنشد قول الأعشى في رَدْع الزعفران و هو لَطْخه:
و رَادعَة بالطيب صفراء عندها             لجسّ الندامى في يد الدرع مُفْتَقُ‏

و قيل ركب رَدْعَه إذا رُدِع فلم يرتدع، كما يقال: ركب النَّهْيَ. عمرو عن أبيه:
المِردَع: الرجل الذي يمضي في حاجته فيرجع خائباً، و المِرْدَع: السهم الذي يكون في فُوقه ضِيق، فيُدقّ فُوقُه حتى يتفتَّح. قال: و يقال فيه كله بالغين، قال و الرَّدْع: الدقّ بالحجر. و المِرْدَع الكَسْلان من الملاحين.
رعد:
قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ‏
 [الرّعد: 13].
قال ابن عباس: الرَّعْد: مَلَك يسوق السحاب، كما يسوق الحادي الإبل بحُدَائه.
و
سئل وهب بن منبِّه عن الرعد فقال: اللَّه أعلم.
و قال ابن الأنباري: قال اللغويون:
الرعد: صوت السحاب و البَرْق ضوء و نور يكونان مع السحاب. قالوا: و قول اللَّه عز و جل: وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ‏
 [الرّعد: 13] ذِكْره الملائكة بعد الرعد يدل على أن الرعد ليس بمَلَك. و قال: الذين قالوا: الرعد ملك: ذكر الملائكة بعد الرعد و هو من الملائكة كما يذكر الجنس بعد النوع.
و
قال عِكْرِمة و طاوس و مجاهد و أبو صالح و أصحاب ابن عباس: الرَّعْد: مَلَكٌ يسوق السحاب‏
، و
سئل عليّ عن الرعد فقال:
مَلك، و عن البرق فقال: مَخَاريق بأيدي الملائكة من حديد.
و قال الليث: الرَّعْد: مَلَك اسمه الرَّعْد يسوق السحاب بالتسبيح، قال و مِن صَوته اشتُقّ فِعل رَعَدَ يَرعُدُ، و منه الرِّعْدَة و الارتعاد. قال: و رجلٌ رِعْدِيد: جَبَان.
قال و كل شي‏ء يترجرج من نحو القَرِيس فهو يَتَرعدَد كما تترعدَد الأَلْية.
و أنشد للعجَّاج:
فهي كرعديد الكَثِيب الأَهْيَم‏
و قال الأخفش: أهل البادية يزعمون أن الرَّعد هو صوت السحاب. و الفقهاء يزعمون أنه مَلَك.

122
تهذيب اللغة2

رعد ص 122

أبو عبيد عن الأصمعي: يقال: رَعدَت السماء و برقَتْ، وَ رعد له و بَرَق له إذا أوعده. و لا يجيز أَرْعَد و لا أبرق في الوعيد و لا في السماء. و كان أبو عبيدة يقول: رَعَد و أَرْعدَ و بَرَقَ و أَبْرَقَ بمعنًى واحدٍ، و يحتجّ بقول الكُمَيت:
أَبْرِق و أرعد يا يزي             د فما و عِيدُك لي بضائرْ
و لم يكن الأصمعي يحتج بشعر الكُمَيت.
و قال الفرَّاء: رَعَدت السماء و برَقَت، رَعداً و رُعوداً و بَرْقاً و بُرُوقاً، بغير ألف. قال:
و يقال للمرأة إذا تزيَّنتْ و تهيّأتْ: أبرَقَتْ.
قال: و يقال للسماء المنتظَرة إذا كثر الرعد و البرق قبل المطر: قد أرعدت و أبرقت، و يقال في كله: رَعدَتْ و بَرَقَتْ. قال: وَ إذا أوعدَ الرَجل قيل: قد أرْعدَ وَ أَبْرَقَ، وَ رَعَدَ وَ بَرقَ.
و قال ابن أحمر:
فابْرُقْ بأرضِك ما بدا لك و ارْعُدِ
و قال النضر: جارية رِعْدِيدة: تارّة ناعمة، و جَوَارٍ رَعَادِيد.
أبو عبيد عن الفراء: في الطعام رُعَيْدَاء ممدود و هو ما يُرْمَى به إذا نُقِّيَ.
و قال ابن الأعرابي: كثيب مُرْعَد أي مُنْهَال و قد أُرعِد إرعَاداً و أنشد:
و كفل يرتجّ تحت المِجْسَدِ             كالدِعْصِ بين المُهُدَات المُرْعَدِ
أي ما تمهّد من الرمل. و رجلٌ رِعديد إذا كان جَبَاناً. و رعشِيش مثله. و جمعهما الرعاديد و الرعاشيش. و هو يرتعد و يرتعش.
باب العين و الدال مع اللام‏
 [ع د ل‏]
عدل، علد، دلع، دعل: مستعملة.
عدل:
قال اللَّه جلّ و عزّ: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً
 [المَائدة: 95].
قال الفراء: العَدْل: ما عَادلَ الشي‏ء من غير جنسِه. و العِدْل: المِثل، مثل المِحْمَل و ذلك أن تقول: عندي عِدْلُ غلامك و عِدْل شاتك إذا كانت شاةٌ تعدِل شاةً أو غلام يَعدل غلاماً. فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العين فقلت: عَدْل.
و ربما قال بعض العرب: عِدلُه، و كأنه منهم غلط؛ لتقارب معنى العَدْل من العِدْل. و قد اجتمعوا على أنّ واحد الأعدال عِدْلٌ. قال و نُصب قوله (صِياماً) على التفسير، كأنه: عَدلُ ذلك من الصيام، و كذلك قوله: مِلْ‏ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً [آل عِمرَان: 91] أخبرني بجميع ذلك المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء.
و قال الزجّاج: العَدلُ و العِدْل واحد في معنى المِثْل. قال: و المعنى واحد، كان المِثلُ من الجنس أو من غير الجنس.
قال أبو إسحاق: و لم يقولوا: إن العرب غلِطت. و ليس إذا أخطأ مخطى‏ء وجب أن يقول: إن بعض العرب غلِط.
و أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَدْلُ: الاستقامة. و قال‏

123
تهذيب اللغة2

عدل ص 123

عَدْلُ الشي‏ء و عِدْلُه سواء أي مثله.
قال و أخبرني ابن فهم عن محمد بن سلّام عن يونس قال: العَدْلُ: الفِدء في قوله جلّ و عزّ: وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها
 [الأنعام: 70].
قال و سمعت أبا الهيثم يقول: العِدْلُ:
المِثل: هذا عدله: و العَدْلُ: القِيمة يقال:
خذ عَدْله منه كذا و كذا أي قيمته. قال:
و يقال لكلّ من لم يكن مستقيماً: حَدْلٌ و ضدّه عَدْلٌ. يقال: هذا قَضَاء عَدْلٌ غير حَدْلٍ. قال و العِدْلُ: اسم حِمْل مَعدُولٍ بحمل أي مُسَوًّى به. و العَدْل: تقويمك الشي‏ء بالشي‏ء من غير جنسه حتى تجعله له مِثلًا. و قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏
 [الطلاق: 2].
قال سعيد بن المسيّب: ذَوَيْ عقل.
و
قال إبراهيم: العَدْل الذي لم تظهر منه ريبة.
و
كتب عبد الملك إلى سَعيد بن جُبَير يسأله عن العَدْل، فأجابه: إن العَدْل على أربعة أنحاء: العَدْل في الحكم: قال اللَّه تعالى:
وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ‏
 «1» [النساء: 58] و العَدل في القول؛ قال اللَّه تعالى: وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
 [الأنعام: 152]. و العَدل: الفِدْية؛ قال اللَّه: وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ‏
 [البَقَرَة:
123]. و العَدْل في الإشراك قال اللَّه جلّ و عزّ: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏
 [الأنعَام: 1]. و أمّا قوله جلّ و عزّ: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ‏
 [النِّساء: 129].
قال عَبِيدة السَلْماني و الضحَّاك: في الحُبّ و الجماع.
و قوله سبحانه: وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها
 [الأنعَام: 70]
كان أبو عبيدة يقول معناه و إن تُقسط كل أقساطٍ لا يُقبل منها.
قلت: و هذا خطأ فاحش و إقدام من أبي عُبِيدة على كتاب اللَّه. و المعنى فيه:
لو تفتدي بكل فِداء لا يقبل منها الفداء يومئذ. و مثله قوله: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ [المعَارج: 11] الآية أي لا يقبل ذلك منه و لا يُنْجيه. و قولهم:
رجلٌ عَدْل معناه ذو عدل ألا تراه. قال في موضعين: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏
 [الطلاق: 2]، فنُعِتَ بالمصدر. و قيل:
رجل عَدْلٌ، و رجلان عَدْلٌ و رجال عَدلٌ، و امرأة عَدْلٌ، و نِسْوة عَدْلٌ، كل ذلك على معنى: رجال ذوِي عَدلٍ و نسوة ذوات عَدل.
و العَدْل: الاستقامة. يقال: فلان يَعدِل فلاناً أي يساويه. و يقال ما يعدِلك عندنا شي‏ء أي ما يقع عندنا شي‏ء مَوْقعك. و إذا مال شي‏ء قلت: عَدلتُه أي أقمتُه فاعَتَدَلَ أي استقام و من قرأ قول اللَّه جلّ و عزّ: خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ‏
- بالتخفيف- فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ [الانفِطار: 7، 8].
قال الفراء: من خفّف فوجهه- و اللَّه أعلم- فصرفك إلى أيّ صورة شاء إما حَسَن و إما قبيح و إما طويل و إما قصير. و من قرأ:
 (فَعَدَّلك) فشدد- و هو أعجب الوجهين إلى‏
__________________________________________________
 (1) في المطبوعة (و إن حكمت فاحكم بينهم بالعدل) و هي ليست بآية.

124
تهذيب اللغة2

عدل ص 123

الفراء و أجودهما في العربية- و معناه:
جعلك مُعْتَدِلًا مُعْدَّلَ الخَلْق. قال:
و اخترتُ (عَدّلك)؛ لأن (في) للتركيب أقوى في العربيِّة من أن تكون (في) للعَدْلِ؛ لأنك تقول: عَدَلْتُكَ إلى كذا و صَرفتُك إلى كذا. و هذا أجود في العربية من أن تقول: عَدلتك فيه و صرفتك فيه.
قلت: و قد قال غير الفرّاء في قراءة مَن قرأ: فَعَدَلَكَ‏
- بالتخفيف-: إنه بمعنى:
فسوّاك و قوّمك، من قولك: عَدلتُ الشي‏ء فاعتدل أي سوّيتهُ فاستوى.
و منه قوله:
و عَدَلْنَا مَيْل بَدْرٍ فاعْتَدَل‏
أي قوّمناه فاستقام. و قرأ عاصم و الأعمش بالتخفيف فَعَدَلَكَ‏
، و قرأ نافِع و أهل الحجاز. (فَعَدَّلَكَ) بالتشديد. و قوله: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً
 [المائدة: 95] قرأها الكسائي و أهل المدينة بالفتح، و قرأها ابن عامر بالكسر: (أو عِدْلُ ذلك صياماً) و قال الليث: العَدْل من الناس: المرضِيّ قولُه و حُكمه. قال: و تقول إنه لعَدْلٌ بيّن العَدْل و العَدَالة. قال: و العَدْلُ: الحُكم بالحقّ.
يقال هو يقضي بالحقّ و يعدل و هو حَكَم عَادلٌ: ذو مَعْدَلةٍ في حكمه و قال شمر:
قال القُزْملي: سألت عن فلانٍ العُدَلَة أي الذين يُعَدُّلُونَه. و قال أبو زيد: يقال رجل عُدَلَة و قوم عُدَلَة أيضاً و هم الذين يزكّون الشهود. و قال يونس: جائز أن يقال: هما عَدْلَان و هم عُدُول، و امرأة عَدْلة. و قال الكلابيون: امرأة عَدْلٌ و قومٌ عُدُل. و قال يونس عن أبي عمرو: الجيّد امرأةٌ عَدْلٌ، و قومٌ عَدْلٌ، و رجلٌ عَدْلٌ. و قال الباهليّ:
رجلٌ عَدْل و عَادِل: جائز الشهادة. و امرأة عَادِلة: جائزة الشهادة. و قال الأصمعي:
يقال عَدَلت الجُوَالق على البعير أعدِله عَدْلًا يُحمل على جَنْب البعير و يُعْدَل بآخر. و
في الحديث: «مَن شرب الخمر لم يقبل اللَّه منه صَرْفاً و لا عَدْلًا أربعين ليلة»
. قال بعضهم: الصَرْف الحيلة.
و العَدل: الفِدْية. قال يونس بن عُبَيد:
الصرف الحيلة، و يقال منه فلان يتصرّف أي يحتال. قال اللَّه عز و جل: فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَ لا نَصْراً [الفرقان: 19] و قال ابن عباس: الصَرْف: الدِية، و العَدْلُ: السَّوِيَّة، و قال شمر: أخبرني ابن الحَرِيش عن النضر بن شميل قال:
العَدْلُ: الفريضة. و الصرف: التطوّع.
و قال مجاهد في قوله تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏
 [الأنعام: 1] أي يُشركون. و قال الأحمر: عَدَل الكافر بربه عَدْلًا و عُدُولًا إذا سَوَّى به غيره فعَبَدَهُ.
و قال الكسائي: عَدَلت الشي‏ء بالشي‏ء أعدِله عُدُولًا إذا ساويته به. و عَدل الحاكِم في الحكم عَدْلًا. و قال شمر: أما قول الشاعر:
أ فذَاكَ أم هي في النَجَا             ء لمن يُقَاربُ أو يُعَادِلْ‏
يعني: يُعَادِل بين ناقته و الثَوْر، قال: و قال ابن الأعرابي المعادلة: الشكّ في الأمرين و أنشد:
و ذو الهمّ تُعْديه صَرَامَةُ هَمِّهِ             إذا لم تُمَيّثْهُ الرُّقَى و يُعَادِل‏

125
تهذيب اللغة2

عدل ص 123

يقول يعَادِل بين الأمرين أيُّهما يَركبُ، تُمَيِّثه: تُذَلِّله المَشُورَات، و قول الناس:
أين تذهب، و قال المرَّار:
فلما أن صَرَمَتْ و كان أمْرِي             قويماً لا يميل به العُدُولُ‏
قال عَدَل عنِّي يَعْدِلُ عُدولًا لا يميل به عن طريقه الميْلُ.
و قال الآخر:
إذا الهَمُّ أمْسَ وَهْو داء فأَمضِهِ             و لست بمُمْضيه و أنت تُعَادِله‏
قال: معناه: و أنت تشكّ فيه.
رَوى أبو عبيد عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم حين ذكر المدينة فقال:
 «من أحدث فيها حَدَثاً أو آوى مُحْدِثاً لم يقبل اللَّه منه صَرْفاً و لا عَدْلًا»
، قال أبو عبيد رُوي عن مكحول أنه قال الصرف التوبة و العدل: القدية. و قال أبو عبيد:
قوله «من أحدث فيها حَدَثاً»
فإن الحدث كل حَدّ يجب للَّه تعالى على صاحبه أن يقام عليه.
ثعلب عن ابن الأعرابي العَدَلُ مُحرّك:
تسوية الأوْنَين، و هما العِدْلان.
و قال الليث: العَدْل أن تعدِل الشي‏ء عن وجهه، تقول، عَدَلْتُ فلاناً عن طريقه، و عَدَلْتُ الدابة إلى موضع كذا فإذا أراد الاعوجاج نفسه قال: هو يَنْعَدِل أي يعوجّ. و قال في قوله:
و إني لأنْحِي الطَرْف من نحو أرضها             حياءً و لو طاوعتُهُ لم يُعَادِل‏
قال: معناه، لم ينعَدِل قلت معنى قوله لم يعادل أي لم يَعْدِل بنحو أرضها أي بقصدها نحواً و لا يكون يُعَادِل بمعنى ينعدل.
و قال الليث: المعتدِلة من النوق: الحسَنَة المتّفقة الأعضاء بعضُها ببعض. و روى شمر عن محارب:
قال: المُعْنَدِلة من النوق و جعله رباعيًّا من باب عَندَل. قلت و الصواب المعتدلة بالتاء.
و روى شمر عن أبي عدنان أنّ الكناني أنشده:
و عَدَل الفَحل و إن لم يُعْدلِ             و اعْتَدَلَتْ ذاتُ السَنَام الأَمْيَل‏
قال: اعتدال ذات السَّنَام الأميَل استقامة سَنامها من السِمَن بعدما كان مائلًا.
قلت: و هذا يدلّ على أن قول محارب:
المُعْنَدِلة غير صحيح، و أن الصواب:
المُعْتَدِلة، لأن الناقة إذا سمِنتْ اعتدلت أعضاؤها كلُّها من السنام و غيره. و مُعَنْدِلة من العَنْدَل و هو الصُلب الرأس و ليس هذا الباب له بموضعٍ، لأن العَنْدل رباعي خالص. شمر العَدِيل: الذي يُعَادِلك في المحمِل و العَدْل: نقيض الجَوْر.
و
روي عن عمر بن الخطاب أنه قال:
الحمد للَّه الذي جعلني في قومٍ إذا مِلْتُ عَدَلُوني كما يُعْدَل السهم في الثِقاف‏
، أي قَوَّموني.
شمر عن أبي عدنان: شرب حتى عَدَّل أي امتلأ. قلت و كذلك عَدَّنَ و أوَّن بمعناه.
و يقال أخذ الرجل من مَعْدَل الباطل أي في طريق الباطل و مذهبه، و يقال انظروا

126
تهذيب اللغة2

عدل ص 123

إلى سُوء مَعَادِلِهِ، و مذموم مداخله، أي إلى سوء مذاهبه و مسالكه، و قال زهير:
و سُدِّدَتْ ... عليه سِوَى             قَصْد الطريق مَعَادِلُهْ‏
و يقال عَدَّلْتُ أمتعة البيت إذا جعلتها أعدالًا مستوِية للاعتكام يوم الظعْن.
و عَدَّل القسَّام الأنصباء للقَسْم بين الشركاء إذا سوّاها على القِيم. و أمّا قول ذي الرمّة:
إلى ابن العامريّ إلى بلالٍ             قطعتُ بنَعْفِ مَعقُلة العِدَالا
فالعرب تقول: قطعْتُ العِدَال في أمري، و مضيت على عزمي، و ذلك إذا مَيَّلَ بين أمرين أيُّهما يأتي، ثم استقام به الرأي فعزم على أوْلَاهُما عنده، و يقال أنَا في عِدَال من هذا الأمر أي في شك منه:
أأمضي عليه أم أتركه، و قد عَادَلت بين أمرين أيَّهما آتي أي ميِّلت و فرسٌ معتدل الغُرّة إذا توسّطَت غُرَّتُه جبهته، فلم نصب واحدة من العينين و لم تَمل على واحد من الخدّين، قاله أبو عبيدة.
أبو عبيد عن الأصمعي:
العَدَوليّ من السفن منسوب إلى قرية بالبحرين يقال لها: عَدوْلَى.
قال وَ الخُلْجُ سفنٌ دونَ العَدوْلِيَّة.
وَ قال شمر: قال ابن الأعرابي قول طرَفة:
عَدَوْليَّة أو من سفين ابن نَبْتَل‏
قال نسبها إلى ضِخَم و قِدَم، يقول: هي قديمة أو ضخمة.
و قال الليث: العَدْوَلِيَّة نُسِبَتْ إلى موضع كان يسمى عَدَوْلَاة و هو بوزن فَعَوْلَاة.
و ذكر عن الكلبي أنه قال: عَدَوْلَى ليسوا من ربيعة و لا مضر و لا ممّن يعرف من اليمن، إنما هم أمّة على حِدَة، قلت:
و القول في العَدَوْليّ ما قاله الأصمعي.
ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال لزوايا البيت: المعَدَّلات و الدراقيع و المُزَوَّيات و الأخصام و الثَفنات. و قال في قول اللَّه:
فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ
 [الانفطار: 7، 8] أي فقوّمك. و من خفّف أراد: عَدَلَك من الكفر إلى الإيمان، و هما نعمتان. و هذا قول ابن الأعرابي.
و قال ابن السكيت عن ابن الكلبي في قول الناس للشي‏ء الذي يُئِسَ منه: وُضِعَ على يَدَيْ عَدْلٍ قال: هو العَدْل بن جَزْء بن سعد العَشِيرة، و كان وَلي شُرَط تُبَّع، فكان تُبَّع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فقال الناس وُضِعَ على يَدَي عَدْلٍ.
علد:
قال أبو عمرو و الأصمعي: الأعلاد:
مضائغ في العُنُق من عَصَب، واحدها عَلْد. و قال رؤبة يصف فحلًا:
قَسْبَ العَلَابيّ جُرَازَ الأعلاد
و قال ابن الأعرابي: يريد عَصَب عُنُقه.
و القَسْبُ: الشديد اليابس.
و قال الليث: العَلْدُ الصُلْب الشديد، كأنَّ فيه يُبْساً من صلابته.
أبو عبيد عن الأموي: العِلْوَدُّ: الكبير.
قال: و قال أبو عبيدة: كان مُجَاشع بن دارم عِلْوَدّ العنق.
و قال أبو عمرو: العِلْوَدّ من الرجال:

127
تهذيب اللغة2

علد ص 127

الغليظ الرقبة.
و قال ابن شميل: العِلْوَدّة من الخيل: التي تنقاد بقوائمها و تجذِب بعنقها القائدَ جَذْباً شديداً، و قلَّما يقودها حتى يسوقها سائق من ورائها، و هي غير طَيِّعة القِيَاد و لا سَلِسة. و أما قول الأسود بن يَعْفَرُ:
و غُودِرَ عِلْوَدٌّ لهَا مُتَطَاوِل             نبيل كجُثمان الجُرَادة نَاشِرُ
فإنه أراد بعلْوَدّها: عنقها، أراد: الناقة و الجُرَادة: اسم رملة بعينها.
و قال الراجز:
أيُّ غلامٍ لَشِ عِلْوَدّ العُنُق             ليس بكيَّاسٍ و لا جَدٍّ حَمِقْ‏
قوله: لشِ أراد: لك لغة لبعض العرب و أنشدني المنذري في صفة الضبّ لبعضهم:
كأنهم ضَبَّان ضَبّا عَرَادَةٍ             كبيران عِلْوَدَّانِ صُفْر كُشَاهُمَا
عِلودّان: ضخمان.
و قال أبو عبيدة: اعْلَوَّدَ الرجل بعدي إذا غَلُظ.
و قال أبو زيد: رجل عِلْوَدّ و امرأة عِلْوَدَّة، و هو الشديد ذو القَسْوة. و بعير عِلْوَدّ و ناقة عِلْوَدَّةٌ، و هي الهَرِمة.
و قال الليث: سَيِّدٌ عِلْوَدٌّ: رَزِين ثخين.
و فِعْلُهُ عَلْوَدَ يُعَلْوِدُ إذا لزم الشي‏ء مكانه فلم يُقدر على تحريكه.
دعل:
أهمله الليث و لم يذكره شمر في «كتابه» و روى أبو عُمَر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: الدَّعَل: المخاتلة بالعين.
و هو يُدَاعِلُهُ أي يخاتله. و قال في موضع آخر: الداعِل الهارِب.
دلع:
أبو عبيد عن أبي زيد: دَلَع لِساني، و دَلَعْتُه أنا. قال: و بعضهم يقول أدلَعتُهُ.
و قال ابن بُزُرْج: دَلَعْت اللسان و أدلعته.
و قاله ابن الأعرابي.
و قال الليث: دَلَع اللسان يَدْلَعُ دُلُوعاً إذا خرج من الفم و استرخى. و أدلع الرجلُ لسانَه. و قد يقال اندلَعَ لسانه قال: و
جاء في الأثر عن بَلْعَمَ أن اللَّه لعنه فأدلع لسانه فسقطت أسَلَتُه على صدره، فبقيت كذلك.
و يقال للرجل المندَلِث البطنِ أمامه: مُنْدَلِع البَطْن.
و قال نُصَير- فيما روى له أبو تراب:
اندَلَعَ بطن المرأة و اندلق إذا عظُم و استرخى و قال غيره: اندلَع السيف من غِمْده و اندلق. و ناقة دَلُوع: تتقدَّم الإبل.
و قال الربيع: الدَّلِيع: الطريق السهل في مكان حَزْن لا صَعُود فيه و لا هَبُوط.
و روى أبو عُمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الدَّوْلَع: الطريق البَيّن.
و روى شمر عن محارب: طريق دَلَنَّع- و جمعه دَلَانِع- إذا كان سهلًا.
و قال شمر قال الهُجَيمي: أحمقٌ دالِعٌ، و هو الذي لا يزال دالِع اللسان، و هو غاية الحُمْق. قال: و قال أبو عمرو: الدَّوْلَعة:
صَدَفة متَحوّيَة إذا أصابها ضَبْح النار خرج منها كهيئة الظفر فيُسْتَلُّ قدر إصبع، و هو هذا الأظْفار الذي في القُسْط. و أنشد للشَمَرْدَل:

128
تهذيب اللغة2

دلع ص 128

دَوْلَعَة تستلُّها بظفرها
علد (علند):
و قال الليث في باب العَلْد:
العَلَنْدَى: البَعِير الضخم الطويل. و الجميع العَلَانِد و العَلَادِي و العَلَنْدَيَاتُ و أحسنه العَلَانِد على تقدير قلانس.
و قال النضر: العَلَنْدَاة من الإبل: العظيمة الطويلة. و لا يقال: جمل عَلَنْدَى. قال و العَفَرْنَاة مثلها، و لا يقال: جمل عَفَرْنَى.
و قال الليث: العَلَنْدَاة: شجرة طويلة لا شوك، لها من العضاهِ قلت: لم يُصِبْ الليث في صفة العَلَنْدَاة؛ لأن العلنداة شجرة صُلْبة العيدان جاسية لا يَجْهَدها المالُ و ليست من العضاه و كيف تكون من العِضَاهِ و لا شوك لها و العِضَاهُ من الشجر ما كان له شوك، صغيراً كان أو كبيراً، و العَلَنْدَاة ليست بطويلة. و أطولها على قدر قَعْدَة الرجُل. و هي مع قِصَرها كثيفة الأغصان مجتمعة.
باب العين و الدال مع النون‏
 [ع د ن‏]
عند، عدن، دعن، دنع [ندع‏]: مستعملة.
عدن:
قال اللَّه جلّ و عزّ: جَنَّاتِ عَدْنٍ*
 [التّوبَة: 72]
رُوى عن ابن مسعود أنه قال: جَنَّاتِ عَدْنٍ*
: بُطْنَان الجنّة.
قلت و بُطْنَانها: وسطها. و بُطْنان الأودية:
المواضع التي يسترِيض فيها ماء السيل.
فيَكْرُم نباتُها، واحدها بَطْنٌ. قلت:
و العَدْنُ مأخوذ من قولك: عَدَنَ فلان بالمكان إذا أقام به، يَعْدِن عُدُوناً، قاله أبو زيد و ابن الأعرابيّ. قال شمر: و قال القُزْمُلِيّ: اسم عَدْنَان مشتق من العَدْن، و هو أن تلزم الإبلُ المكانَ فتألفَه و لا تبرحه. تقول تركتُ إبل بني فلان عَوَادِن بمكان كذا و كذا. قال: و منه المَعْدِن، و هو المكان الذي يثبت فيه الناس و لا يتحوّلون عنه شتاءً و لا صيفاً. قلت:
و مَعْدِن الذهب و الفضّة سُمِّي مَعْدِناً لإنبات اللَّه جلّ و عزّ فيه جوهرهما و إثباته إيّاه في الأرض حتى عَدَنَ أي ثبت فيها. قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْزُونٍ [الحِجر: 19]، و فُسِّرَ الموزون على وجهين: أحدهما أن هذه الجواهر كلّها ممّا يوزَن، مثل الرَصَاص و النُحاس و الحديد و الثمنين أعني الذهب و الفضة، كأنه قَصَدَ قصْد كل شي‏ء يُوزَن و لا يُكَال.
و قيل: معنى قوله: مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْزُونٍ أنه المقَدّر المعلوم وزنُه و قدرُه عند اللَّه تعالى. و قال أبو مالك: يقال: عَدَنَتْ إبلُ فلان بمكان كذا و كذا أي صَلحَتْ بذلك المكان. و عَدَنَتْ مَعِدَته على كذا و كذا أي صَلحَتْ. و قال الليث: المَعْدِن مكان كل شي‏ء يكون فيه أصله و مُبتدؤه؛ نحو معدن الذهب و الفضة و الأشياء. و يقال: فلان مَعدِن للخير و الكرم إذا جُبِل عليهما. قال:
و العَدْن: إقامة الإبل في الحَمْض خاصَّةً.
و قال أبو زيد: عَدَنَت الإبِلُ في الحَمْض تَعْدِن عُدُوناً إذا استمرأت المكانَ و نَمَتْ عليه، و لا تَعْدِن إلا في الحَمْض.
و قال أبو مالك: يكون في كل شي‏ء. أبو عبيد: العَدَّان: الزمان، و أنشد بيت الفرزدق:

129
تهذيب اللغة2

عدن ص 129

أ تبكي على عِلْجٍ بمَيْسَان كافِرٍ             ككِسْرَى على عِدَّانِهِ أو كقَيْصَرَا
يخاطب مسكيناً الدارميّ لمّا رثى زياداً، و فيها يقول البيت:
أقول له لمّا أتاني نَعِيُّهُ             به لا بظبي في الصرائم أعْفَرَا
و قال أبو عمرو في قوله:
و لا على عَدَّان مُلك محتَضَر
أي على زمانه و إبّانه. قلت: و سمعت أعرابيًّا من بني سعدٍ بالأحساء يقول: كان أمر كذا و كذا على عِدّان ابن بورٍ، و ابن بور كان والياً بالبحرين قبل استيلاء القرامطة- أبادهم اللَّه- عليها. يريد: كان ذلك أيام ولايته عليها. و قال الفرّاء: كان ذلك على عِدَّان فِرْعون. قلت: من جعل عِدَّان فِعلَاناً فهو من العَدّ و العِدَاد. و من جعله فِعلالًا فهو من عَدَن. و الأقرب عندي أنه من العَدّ؛ لأنه جُعِل بمعنى الوقت. و العَيْدان من النخل ما طال و أمَّا العَدَان- بفتح العين- فإن الفرّاء حكى عن المفضّل أنه قال: العَدَان: سبع سنين.
يقال: مكثنا في غلاء السعر عَدَانَيْنِ، و هما أربع عشرة سنة، الواحد عَدَانٌ.
و هو سبع سنين. و أمَّا قول لبيد:
و لقد يعلم صحبي كلهم             بعَدَان السِيف صَبري وَ نَقَلْ‏
فإن شمراً رواه بِعَدَان السِيف. و قال:
عَدَان: موضع على سِيف البحر. و رواه أبو الهيثم بِعِدان السيف بكسر العين.
قال: و يروى بعَدَانِي السيف. و قال:
أرادُوا: جمع العَدِينة فقلبوا و الأصل بعَدَائن السيف فأخّر الياء، و قال عَدَانِي.
و روى أبو عُمَر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: عَدان النهر- بفتح العين-:
ضَفّته، و كذلك عِبْره و مِعبَره و بِرْغيله. و قال أبو عمرو: العَدَانة: الجماعة من الناس، و جمعه عَدَانات. و أنشد:
بَني مَالكٍ لدَّ الحُضَينُ وراءكم             رجالًا عَدَاناتٍ و خَيْلًا أكاسِما
و قال ابن الأعرابي: رجال عَدانَات:
مقيمون. و قال: روضة أُكْسُوم إذا كانت ملتفّةً بكثرة النبات. أبو عبيد عن الفرّاء:
عَدّنتُ به الأرضَ و وَجَنْتُ به الأرض و مَرّنتُ به الأرض إذا ضربْتَ به الأرض.
عمرو عن أبيه قال: العَدِين: عُرًى مُنَقَّشة تكون في أطراف عُرَى المزادة، واحدتها عَدِينة. و قال ابن الأعرابي: العَدِينة: رقعة منقَّشَة تكون في عروة المَزَادة. و قال ابن شميل: الغَرْبُ يُعَدَّن إذا صغُر الأدِيم و أرادوا توفيره زادوا له عَدِينَة أي زادوا في ناحية منه رُقعة، و الخُفُّ يُعَدَّن: يزاد في مؤخّر الساق منه زيادة حتى يتّسع.
قال: و كل رقعة تزاد في الغَرْب فهي عَدِينَة، و هي كالبَنِيقة في القميص.
و أنشد:
و الغَرْبَ ذا العَدِينة الموَعَّبَا
و الموعّب: الموسَّعُ الموَفّر. و قال أبو سعيد في قول المخبَّل:
خَوَامِس تنشقّ العصا عن رؤوسها             كما صَدَع الصخر الثِقالَ المُعَدِّنُ‏
قال: المُعَدِّن: الذي يُخرِج من المعدِن‏

130
تهذيب اللغة2

عدن ص 129

الصخر ثم يكسِّرها يبتغي فيها الذهب.
و عَدَّنَ الشاربُ إذا امتلأ، مثل أَوَّنَ و عَدَّلَ. و عَدَنُ أبْيَن: بلد على سِيف البحر في أقصى بلاد اليمن.
عند:
قال اللَّه جلّ و عزّ: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
 [ق: 24]
قال قتادة: العنيد:
المُعرِض عن طاعة اللَّه تعالى. و قال الزجاج: عَنَدَ أي عَنَدَ عن الحقّ.
و
رُوِي عن ابن عباس أنه سئل عن المستحاضة فقال: إنه عِرْقٌ عانِد أو رَكْضة من الشيطان.
قال أبو عبيد: العِرْق العانِد:
الذي عَنَدَ و بَغَى؛ كالإنسان يُعَانِد، فهذا العِرْق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته، و أنشد للراعي:
و نحن تركنا بالفُعَالِيِّ طَعنَة             لها عَانِد فوق الذراعين مُسْبِلُ‏
و قال شمر: العَانِد: الذي لا يَرْقأَ. قال:
و أصله من عُنود الإنسان إذا بَغَى و عَنَدَ عن القصد. و أنشد:
و مَجَّ كل عانِدٍ نَعُورِ
أبو عبيد: عَنَدَ العِرْق و أَعْنَدَ إذا سال.
و قال الكِسائي: عَنَدَت الطعنةُ تَعْنُدُ و تَعْنِد إذا سال دمها بعيداً من صاحبها، و هي طعنة عانِدة. قال: و عَنَدَ الدمُ يَعْنِدُ إذا سال في جانب. رواه ثعلب عن سلمة عن الفرّاء أن الكسائي قاله. أبو حاتم عن الأصمعي: عَنَدَ فلان عن الطريق يَعْنِدُ عُنُوداً إذا تباعد. و يقال: فلان يعانِد فلاناً أي يفعل مثل فعله، و هو يعارضه و يباريه.
قال: و العامّة يفسّرُونه: يعانِدُه: يفعل خلاف فعله. قال: و لا أعرف ذلك و لا أُثبته، و أنشد:
و قد يحبّ كلُّ شي‏ء وَلَدَهْ             حتى الحُبَارَى و تَدِفُّ عَنَدَهْ‏
أي معارضة للولد. قلت: تعارِضه شفقةً عليه. شمر عن أبي عدنان عن الأصمعي:
يقال عَانَدَ فلان فلاناً إذا جانَبَه. و دمٌ عَانِد: يسيل جَانِباً. قلت أنا: المُعَانِد هو المعارِض بالخلاف لا بالوفاق. و هذا الذي يعرفه العوامّ. و قد يكون العِنَاد معارضةً بغير الخلاف؛ كما قال الأصمعي. و استخرجه من عَنَدِ الحُبَارَى جعله اسماً من عانَد الحُبَارَى فَرخَهُ إذا عارضه في الطيران أوَّلَ ما ينهض كأنه يعلّمه الطيران شفَقة عليه. و قال الليث:
عَنَدَ الرجل يَعْنِد عُنُوداً و عَاندَ مُعَانَدَةً، و هو أن يعرف الشي‏ءَ و يأبى أن يقبله؛ ككفر أبي طالب، كان كفره مُعَانَدَة؛ لأنه عرَف و أقرّ و أنِف أن يقال: تبع ابن أخيه، فصار بذلك كافراً.
و أمَّا العَنِيد فهو من التجبّر، يقال: جبّار عَنِيد. قال: و العَنُود من الإبل الذي لا يخالطها، إنما هو في ناحية أبداً.
و
روى شمر بإسنادٍ له رَفَع الحديث فيه إلى عمر أنه وصف نفسه بالسياسة فقال: إني أَنْهز اللَفُوت و أضُمّ العَنُود و أُلْحِق القَطُوف و أزجُر العرُوض.
قال: العَنُود: التي تُعَانِد عن الإبل تطلب خيار المَرْتَع تتأنَّف، و بعض الإبل يرتع ما وجَد. و قال ابن الأعرابي و أبو نصر: هي التي تكون في طائفة الإبل أي في ناحيتها. و قال القيسيُّ: العَنُود من الإبل: التي تعانِد

131
تهذيب اللغة2

عند ص 131

الإبل فتعارضها. قال: فإذا قادتهن قُدُماً أمامهنّ فتلك السلوف. أبو عُمَر عن ثعلب عن ابن الأعرابي: أعنَدَ الرجل إذا عارض إنساناً بالخِلاف، و أَعْنَدَ إذا عارض بالاتّفاق. قال: و منه قوله: حتى الحُبَارَى و يُحبّ عَندَه أي اعتراضه. و قال ابن شميل: عَنَدَ الرجل عن أصحابه يعنِد عُنوداً إذا ما تركهم و اجتاز عليهم، و عَنَدَ عنهم إذا ما تركهم في سَفَرٍ و أخذ في غير طريقهم أو تخلَّف عنهم. و العُنُود كأنه الخلاف و التباعد و التَرك لو رأيت رجلًا بالبصرة من أهل الحجاز لقلت: شَدَّ ما عَنَدْت من قومك أي تباعدت عنهم.
و سحابةٌ عَنُود: كثيرة المطر. و جمعه عُنُدٌ و قال الراعي:
دِعْصاً أرذَّ عليه فُرَّقٌ عُنُدٌ
و قدح عَنُود و هو الذي يخرج فائزاً على غير وجهة سائر القِدَاح. و يقال: استعنَدني فلان من بين القوم أي قَصَدَني. و عَانَد، البعيرُ خِطامه أي عَارَضَه. أبو عبيد عن أبي زيد: ما لي عن ذلك الأمر عُنْدَدٌ و لا مُعْلَنْدَدٌ، أي ما لي منه بُدّ. و كذلك قال ابن الأعرابي. و قال أبو عمرو: العَنْدُدُ:
الحِيلة. أبو عبيد عن أبي زيد: أعنَدَ الرجل في قَيْئه إعناداً إذا أتبع بعضَه بعضاً. و قال الليث: عِنْدَ: حرفُ صفةٍ يكون موضعاً لغيره، و لفظه نصبٌ؛ لأنه ظَرْف لغيره و هو في التقريب شِبه اللِزْق.
و لا يكاد يجي‏ء في الكلام إلا منصوباً؛ لأنه لا يكون إلا صفة معمولًا فيها أو مضمراً فيها فِعلٌ، إلّا في حرف واحد.
و ذلك أن يقول القائل لشي‏ء بلا عِلم: هذا عِندي كذا و كذا، فيقال: أوَلك عِندٌ فيُرفع.
و زعموا أنه في هذا الموضع يراد به القلب و ما فيه من معقول اللبّ. قلت: و أرجو أن يكون ما قاله الليث في تفسير (عند) قريباً مما قاله النحويون. الفرّاء: العرب تأمر من الصفات بعليك و عندك و دونك و إليك. يقولون: إليك إليك عَنّي يريدون:
تأخّر، كما يقولون: وراءك وراءك. فهذه الحروف كثيرة. و زعم الكسائيّ أنه سمع:
البعيرَ بينكما فخذاه، فنصب البعير. و أجاز ذلك في كل الصفات التي تفرد. و لم يجزه في اللام و لا الباء و لا الكاف.
و سمع الكسائي العرب تقول: كما أنْتِني يريد: انتظرني في مكانك. أبو زيد يقال:
إنّ تحت طِرِّيقتك لعِنْدَاوَة. و الطِّرِّيقة:
اللين و السكون. و العِنْدَاوَة: الجفْوة و المكر. و قال الأصمعي: معناه: إن تحت سكونك لنَزْوةً و طِماحاً. و قال غيره:
العِنداوة الالتواء و العَسَرُ. و قال: هو من العَدَاء. و همزه بعضهم فجعل النون و الهمزة زائدتين، على بناء فِنْعَلْوَة. و قال غيره: عِنْدَأْوة فِعْلَلْوَة.
دنع:
الليث: رجلٌ دَنيعة من قوم دَنَائع. و هو الفَسْل الذي لا لُبّ له و لا عقل: و أنشد شمر لبعضهم:
فله هنالك لا عليه إذا             دَنِعَتْ أنوفُ القوم للتّعْسِ‏
يقول له الفضل في هذا الزمان لا عليه إذا دُعِي على القوم. و دَنِعَتْ أي دَقّت‏

132
تهذيب اللغة2

دنع ص 132

و لَؤُمَتْ. و رواه ابن الأعرابي و إن رَغِمَتْ.
ابن شميل: دَنِعَ الصبي إذا جُهِدَ و جاع و اشتهى. و قال ابن بزرج: دَنِع وَرَثِع إذا طمِعَ.
عمرو عن أبيه قال: الدنيع: الخسيس.
ندع:
ثعلب عن ابن الأعرابي: أندَعَ الرجل إذا تبع أخلاق اللئام و الأنذال. قال:
و أدنع إذا تبع طريقة الصالحين.
دعن:
قرأت بخط أبي الهيثم في تفسير شعر ابن مقبل لأبي عمرو: يقال: أُدعِنت الناقةُ و أُدعِن الجمل إذا أطيل ركُوبه حتى يهلك، رواه بالدال و النون. و قد أهمل اللّيث و شمر دعن.
باب العين و الدال مع الفاء
 [ع د ف‏]
عدف، عفد، فدع، دفع: مستعملة.
عدف:
أبو عبيد: العَدْف: الأكل. قال: و قال الأحمر: ما ذقت عَدُوفاً و لا عَلُوساً و لا أَلُوساً. و قال أبو حسّان: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: ما ذقت عَدوفاً و لا عَدُوفَة. قال: و كنت عند يزيد بن مَزْيَدْ الشيباني فأنشدته بيت قيس بن زهير:
و مُجَنَّبات ما يَذُقْن عَدُوفة             يَقْذفن المُهُرات و الأمهارِ
بالدال، فقال لي يزيد من مَزْيَد: صحَّفتَ يا أبا عمرو. و إنما هي عَذوفة بالذال.
قال: فقلت له: لم أصحِّف أنا و لا أنت.
تقول رَبيعة هذا الحرف بالذال، و سائر العرب بالدال. أبو عبيد عن أبي زيد:
العِدْفَة: ما بين العشرة إلى الخمسين و جمعها عِدَفٌ. قال شمر: و قال ابن الأعرابي مثله، قال: و العَدَف: القَذَى.
و قال الليث: العَدُوف: الذَوَاق اليسير من العَلَف. قال: و العِدْفة كالصَّنِفَة من قطعة ثوبٍ. و عِذْفَة كل شجرة: أصلها الذاهب في الأرض، و جمعها عِدَفٌ.
و أنشد:
 حَمَّال أثقالِ دِيَاتِ الثَأَى             عن عِدَف الأصْل و كُرَّامِهَا
قال: و يقال: بل هو عن عَدَف الأصل جمع عَدَفَة أي يلمّ ما تفرّق منه.
و يقال: عَدَفَ له عِدْفَةً من ماله إذا قطع له قِطعة من ماله. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَدَف و العائر و الغُضَابُ: أذى العين. و قال ابن السكيت: العَدْفُ الأَكْل يقال ما ذَاق عَدْفاً. و العَدَفُ القَذَى.
عفد:
أهمله الليث. و قال أبو عمرو:
الاعتفاد: أن يُغلق الرجل الباب على نفسه، فلا يَسأل أحداً حتى يموت جوعاً.
و أنشد:
و قائلةٍ ذا زمان اعتفادْ             و مَن ذاك يَبْقى على الاعتفَادْ
و قد اعْتَفَدَ يَعْتَفِدُ اعتِفاداً.
و قال شمر: قال محمد بن أنس: كانوا إذا اشتدّ بهم الجوع و خافوا أن يموتوا أغلقوا عليهم باباً، و جعلوا حَظِيرة من شجرة يدخلون فيها ليموتوا جوعاً. قال: و لقي رجل جارية تبكي فقال لها: ما لك؟ قلت:
نريد أن نَعْتَفِد. قال: و قال النظّار بن هاشم الأسَديّ:

133
تهذيب اللغة2

عفد ص 133

صاحَ بهم على اعتِفَادٍ زمانْ             مُعْتَفِدٌ قَطّاع بينِ الأقرانْ‏
قال شمر: و وجدته في «كتاب ابن بزرج»:
اعتقد الرجل- بالقاف- و آطم و ذلك أن يغلق عليه باباً إذا احتاج حتى يموت.
قال: و وجدته في «كتاب أبي خَيرة»: عَفَدَ الرجل و هو يَعْفِد. و ذلك إذا صفّ رجليه فوثب من غير عَدْوٍ.
دفع:
قال الليث: الدَّفْع معروف. يقول: دفع اللَّه عنك المكروه دَفْعاً، و دافع عنك دِفاعاً. قال و الدَّفْعَة: انتهاء جماعة قوم إلى موضع بمرّة. و الدُّفْعَة ما دَفَعْتَ من سِقَاء أو إناء فانصبَّ بمرَّةٍ. و قال الأعشى:
و سَافَتْ من دَمٍ دُفَعَا
و كذلك دُفَع المطر و نحوِه. قال: و الدُّفَّاع:
طَحْمة الموج و السيل. و أنشد قوله:
جَوَاد يَفيض على المعتَفِين             كما فاضَ يَمٌّ بدُفَّاعِهِ‏
و قال ابن شميل: الدوافع: أسافل المِيث حيث تَدْفَعُ في الأودية، أسفلُ كل مَيْثاء دافِعَة.
و قال الليث: الدَّافِعَة: التَّلْعَة تَدفَع في تلعَة أخرى من مسايل الماء إذا جرى في صَبب و حدور من حَدَبٍ، فترى له في مواضع قد انبسط شيئاً أو استدار ثم دفع في أخرى أسفل منه، فكلّ واحد من ذلك دَافِعَة.
و الجميع الدَّوَافِع. قال: و مَجْرَى ما بين الدافعتين مِذْنَبٌ. و قال غيره: المَدَافِع:
المجاري و المسايل. و أنشد ابن الأعرابي:
 شِيبِ المبارك مدروسٌ مَدَافِعُهُ             هَابي المراغِ قليلِ الوَدْق مَوْظُوبِ‏
قال شمر قال أبو عدنان: المدروس:
الذي ليس في مَدْفِعِه آثار السيل من جدوبته. و الموظوب: الذي قد وُظِبَ على أكله أي ديم عليه. و قال أبو سعيد:
مدروس مَدَافِعُهُ: مأكول ما في أوديته من النبات. هابي المراغِ: ثائرٌ غُبَاره. شِيبٌ:
بيضٌ.
و قال الليث: الاندفاع: المضيّ في الأرض كائناً ما كان. و قال في قول الشاعر:
أيها الصُلصُل المُغِذُّ إلى المَدْ             فَعِ من نهر مَعقلٍ فالمذَارِ
أراد بالمَدْفَع اسم موضعٍ. قال: و المُدَفَّع:
الرجل المحقور الذي لا يُقْرَى إن ضاف، و لا يُجْدَى إن اجتدى. و يقال: فلان سيّد قومه غير مُدَافَعٍ أي غير مزاحَمٍ في ذلك و لا مدفوع عنه. و يقال: هذا طريق يدفع إلى مكان كذا أي ينتهي إليه. و دُفِعَ فلان إلى فُلان أي انتهى إليه.
و يقال غشيتْنا سحابة فدفَعْناها إلى بني فلان أي انصرفت عنا إليهم. و الدافع:
الناقة التي تَدْفع اللبَنَ على رأس ولدها، إنما يكثر اللبن في ضَرْعها حين تريد أن تصنع. و كذا الشاة المِدفاع. و المصدر الدَّفْعة.
و قال أبو عبيدة: قوم يجعلون المفْكِه و الدافع سواءً. يقولون: هي دَافِع بولد،

134
تهذيب اللغة2

دفع ص 134

و إن شئت قلت: هي دافِع بلبن، و إن شئت قلت: هي دافِع بضَرْعها، و إن شئت قلت: هي دافِع و تسكت. و أنشد:
و دافِع قد دَفَعَتْ للنَّتْجِ             قد مَخضَتْ مَخَاض خَيْل نُتْجِ‏
و قال النضر: يقال دفعت بلبنها و باللبن إذا كان ولدها في بطنها، فإذا نُتِجت فلا يقال: دَفَعَتْ. و قال أبو عمرو: الدُّفَّاع:
الكثير من الناس و من السير و من جَرْي الفرس إذا تدافع جَرْيُه. و فرسٌ دَفَّاعٌ.
و قال ابن أحمر:
إذا صَلِيتُ بدفَّاع له زَجَلٌ             يُوَاضِخُ الشَدَّ و التقريب و الخَبَبَا
و يروى بدُفَّاعٍ يريد الفرس المتدافِع في جريه.
و قال الأصمعي: بعيرٌ مُدَفَّعٌ: كالمُقْرم الذي يودَّع للفِحْلة فلا يُرْكَبُ و لا يُحْمَل عليه.
و قال الأصمعي: هو الذي إذا أُتِي به ليحمل عليه. قيل: ادفع هذا أي دَعْه إبقاء عليه.
و أنشد غيره لذي الرمّة:
وَ قَرَّبْنَ للأظعان كل مُدَفَّعِ‏
قال: و يقال: جاء دُفَّاع من الرجال و النساء إذا ازدحموا فركب بعضهُم بعضاً.
أبو زيد: يقال دَافَع الرجلُ أمرَ كذا و كذا إذا أولع به و انهمك فيه. و يقال دَافَع فلان فلاناً في حاجته إذا ماطله فيها فلم يقضها.
و في «كتاب شمر» قال أبو عمرو:
المَدَافِع: مجاري الماء.
و قال ابن شميل: مَدْفَع الوادي: حيث يدفع السيل و هو أسفله حيث يتفرّق ماؤه.
و قال الأصمعي: الدوَافِع: مَدَافِع الماء إلى المِيث، و الميث تدفع إلى الوادي الأعظم.
فدع:
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الأفدع:
الذي يمشي على ظهر قدميه.
أبو نصر عن الأصمعي: هو الذي ارتفع أَخْمَص رجله ارتفاعاً لو وطى‏ء صاحبُها على عصفورٍ ما آذاه قال: و في رجله قَسَطٌ و هو أن تكون الرِجل ملساء الأسفل كأنها مَالَجٌ.
و قال الليث: الفَدَعُ: مَيْل في المفاصل كلّها، كأن المفاصل قد زالت عن مواضعها، و أكثر ما يكون في الأرساغ.
قال: و كلّ ظلِيم أفدَع؛ لأن في أصابعه اعوجاجاً.
و قال رؤبة:
عن ضَعفِ أطنابٍ و سمْكٍ أَفْدَعَا
فجعل السّمْك المائل أَفْدَع. و أنشد شمر لأبي زُبَيد:
مُقَابَل الخَطْوِ في أَرْسَاغِهِ فَدَعُ‏
قال: و أنشدني أبو عدنان:
يومٌ من النَثْرة أو فَدْعَائِهَا             يُخْرِج نَفْسَ العَنْزِ من وَجْعَائِهَا
قال: يعني بفدعائها: الذراع تُخرج نَفْس العَنْز من شدّة القُرِّ.
قال ابن شميل: الفَدَعُ في اليد: أنْ تراه يطأ على أم قِردَانِهِ فيشخص صدر خُفه،

135
تهذيب اللغة2

فدع ص 135

جملٌ أفَدع و ناقةٌ فَدْعاء. و لا يكون الفدع إلا في الرُسْغ جُسْأة فيه.
و قال غيره: الفَدَع: أن يصطك كعباه و يتباعد قدماه يميناً و شِمالًا.
قلت: أصل الفَدَع الميل و العَوَج، فكيفما مالت الرِجْل فقد فَدِعَتْ.
باب العين و الدال مع الباء
 [ع د ب‏]
عبد، عدب، دعب، بعد، بدع:
مستعملة.
عبد:
أبو عبيد عن الفرّاء: ما عَبَّد أَن فعل ذاك و ما عَتَّم و ما كذّب معناه كله:
ما لبَّث. قال: و يقال امتَلّ يعدو، و انكدر يعدُو، و عَبّدَ يَعدُو إذا أسرع بعض الإسراع.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
 [الزّخرُف: 81].
قال الليث: العَبَد: الأنفُ و الحمِيَّة من قول ليُستحيا منه و يُستنكف. قال: و قوله:
فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
 أي الآنفين من هذا القول. قال: و يُقرأ: (فأنا أول العَبدِين) مقصور من عَبِدَ يَعْبَدُ فهو عَبِد. قال: و بعض المفسرين يقول: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
 أي كما أنه ليس للرحمن ولد أنا لست بأول من عبد اللَّه.
قلت: و هذه آية مشكلة. و أنا ذاكر أقاويل السلف فيها، ثم مُتبعها بالذي قال أهل اللغة و أُخبِر بأصَحِّها عندي و اللَّه الموفق.
فأما القول الذي ذكره الليث أوّلًا فهو قول أبي عبيدة، على أني ما عَلِمتُ أحداً قرأ:
 (فأنا أول العَبِدين) و لو قرى‏ء مقصوراً كان ما قاله أبو عبيدة محتملًا. و إذْ لم يقرأ به قارى‏ء مشهورٌ لم يُعبَأ به.
و القول الثاني: ما روي عن ابن عُيَيْنَة أنه سئل عن هذه الآية فقال: معناه: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
 [الزّخرُف: 81]، يقول: فكما أني لستُ أوّل من عَبَدَ اللَّه فكذلك ليس للَّه ولد. و هذا القول يقارب ما قاله الليث آخِراً، و أضافه إلى بعض المفسرين.
و
قال السُّدي: قال اللَّه تعالى لمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم:
قُلْ لهم: إِنْ كانَ- على الشرط- لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ كما تقولون لكنت أوّل من يطيعه و يعبده.
و قال الكلبي: إن كان ما كان.
و
قال الحسَنُ و قتادة: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ على معنى ما كان فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
: أوّلُ من عَبَدَ اللَّه من هذه الأمّة.
و قال الكسائي: قال بعضهم: إِنْ كانَ أي ما كان لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
:
الآنفين، رجلٌ عَابِد و عَبِدٌ و آنِف و أنِفٌ.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
 [الزّخرُف: 81] أي الغِضاب الآنفين و يقال: فأنا أول الجاحدين لِمَا تقولون. و يقال: أنا أول من يعبده على الوحدانية مخالَفةً لكم.
و
روي عن عليّ أنه قال: عَبِدتُ فصَمَتُ‏
أي أنِفْتُ فسَكَتُّ.
و قال ابن الأنباريّ: معناه: ما كان للرحمن ولد و الوقف على الولد، ثم‏

136
تهذيب اللغة2

عبد ص 136

يبتدى‏ء: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ
 له، على أنه لا ولد له. و الوقف على (الْعابِدِينَ)
 تامّ.
قلت: قد ذكرتُ أقاويل مَن قدّمنا ذكرهم، و فيه قول أحسن من جميع ما قالوا و أَسْوغ في اللغة، و أبعد من الاستكراه و أسرع إلى الفهم.
رَوَى عبد الرازق عن مَعْمَر عن ابن أبي نَجِيع عن مجاهد في قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
 [الزّخرُف:
81] يقول: إن كان للَّه ولد في قولكم فأنا أول من عَبَدَ اللَّه وحده و كذّبكم بما تقولون.
قلت: و هذا واضح. و ممّا يزيده وضوحاً أن اللَّه جلّ و عزّ قال لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم: قُلْ يا محمد للكفار إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ في زعمكم فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ‏
 إلهَ الخلق أجمعين الذي لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، و أولّ الموحِّدين للرب الخاضعين المطيعين له وحده؛ لأن من عَبَدَ اللَّه و اعترف بأنه معبوده وحده لا شريك له فقد دَفَعَ أن يكون له ولد. و المعنى: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ في دعواكم فاللَّه جلّ و عزّ واحد لا شريك له، و هو معبودي الذي لا ولد له و لا والد.
قلت: و إلى هذا ذهب إبراهيم بن السَرِيّ و جماعة من ذوي المعرفة، و هو القول الذي لا يجوز عندي غيره.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ‏
 [الشُّعراء: 22] الآية.
قلت: و هذه الآية تقارِب التي فسّرنا آنفاً في الإشكال، و نذكر ما قيل فيها و نخبر بالأصحّ الأوضح ممَّا قيل.
أخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال:
قال الأخفش في قوله: وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ‏
 قال: يقال: إن هذا استفهامٌ، كأنه قال: أوَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ! ثم فَسَّر فقال: أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ‏
 فجعله بدلًا من النعمة.
قال أبو العبّاس: و هذا غلط؛ لا يجوز أن يكون الاستفهام يُلْقى و هو يُطْلَبُ، فيكون الاستفهام كالخبر. و قد استُقبح و معه (أم) و هي دليل على الاستفهام. استقبحوا قول امرى‏ء القيس:
تروح من الحَيّ أم تَبْتَكِرْ
قال بعضهم: هو أتروح من الحيّ أم تبتكر فحذف الاستفهام أوّلًا و اكتفى بأم. و قال أكثرهم: بل الأول خبر و الثاني استفهام.
فأمَّا و ليس معه (أم) لم يقله إنسان.
قال أبو العباس: و قال الفرّاء: وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ، لأنه قال: وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ لنعمتي أي لنعمة تربيتي لك، فأجابه فقال: نعم هي نعمة عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ‏
 و لم تستعبدني. يقال: عَبَّدَتُ العَبِيد و أعبدتهم أي صيّرتُهم عبيداً، فيكون موضع (أَنْ) رفعاً و يكون نصباً و خفضاً.
من رَفَع ردّها على النعمة، كأنه قال:
و تلك نعمة تعبيدك بني إسرائيل و لَمْ تُعَبِّدْني. و من خفض أو نصب أضمر اللام. قلت: و النصب أحسن الوجوه، المعنى: أن فرعون لمّا قال لموسى: قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ [الشعراء: 18] فاعتَدّ فرعونُ على‏

137
تهذيب اللغة2

عبد ص 136

موسى بأن ربّاه وليداً منذ وُلِد إلى أن كَبِر، فكان من جواب موسى له: تلك نعمة تَعتدّ بها عليّ لأنك عَبّدتَ بني إسرائيل و لو لم تُعبْدهم لكفَلني أهلي و لم يُلْقوني في اليمّ، فإنما صارت نعمة لِمَا أقدمت عليه ممَّا حظره اللَّه عليك.
و قال أبو إسحاق الزجّاج: المفسّرون أخرجوا هذه على جهة الإنكار أن تكون تلك نعمة، كأنه قال: و أيّ نعمة لك عليّ في أن عَبَّدت بني إسرائيل و اللفظ لفظ خبر. قال: و المعنى يخرج على ما قالوا على أن لفظه لفظ الخبر. و فيه تبكيتٌ للمخاطَب كأنه قال له هذه نعمة أن اتخذتَ بني إسرائيل عَبيداً، على جهة التهكّم بفرعون. و اللفظ يوجب أن موسى قال له: هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيداً و لم تتخذني عَبداً، و قال الشاعر في أعبَدت الرجل بمعنى عَبَّدته:
علام يُعْبِدُني قومي و قد كثرت             فيهم أباعِر ما شاءوا و عُبْدانُ‏
و أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال:
المُعَبَّد: المُذَلَّل. و المُعَبّد: البعير الجَرِبُ.
و أنشد لَطَرفة:
و أفردت إفراد البعير المعُبَّدِ
قال و المُعَبَّد: المكرَّم في بيت حاتم حيث يقول:
تقول ألا تُبقي عليك فإنني             أرى المال عند الممسكين مُعَبَّدَا
أي مُعَظَّماً مخدُوماً. قال: و أخبرني الحرّاني عن ابن السكيت: يقال اسْتَعْبَده و عَبَّدَه أي أخذه عَبْداً و أنشد قول رؤبة:
يَرْضَوْنَ بالتعبيد و التأمِيّ‏
قال: و يقال: تَعَبَّدت فلاناً أي اتّخذته عَبداً، مثل عَبَّدته سَوَاء. وَ تَأَمَّيْتُ فلانةَ أي اتخذتها أَمَةً.
و قال الفرّاء: يقال: فلان عَبْدٌ بَيِّنُ العُبُودة و العُبُودِيَّة و العَبْدِيّة. و تَعَبَّد اللَّه العَبْد بالطاعة أي استعبده.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ‏
 [المائدة: 60] قرأ أبو جعفر و شَيْبَة و نافِع و عاصِم و أبو عمرو و الكسائي: وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ‏
قال الفرّاء: هو معطوف على قوله وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ و من عَبَدَ الطاغوت.
و قال الزجاج: قوله وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ‏
 نَسَقٌ على مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ المعنى: من لعنه اللَّه و من عبد الطاغوت. قال و تأويل وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ‏
 أي أطاعه- يعني الشيطان- فيما سوّل له و أغواه. قال: و الطاغوت هو الشيطان.
قال في قول اللَّه تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ
 [الفَاتِحَة: 5]: إياك نطيع الطاعة التي نخضع معها.
قال: و معنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع. و يقال طريقٌ مُعَبَّدٌ إذا كان مذلَّلًا بكثرة الوطء، و بعيرٌ مُعَبَّد إذا كان مَطْليًّا بالقَطِران. و قرأ: (و عَبُدَ الطاغوتِ)

138
تهذيب اللغة2

عبد ص 136

يحيى بن وَثّابٍ و الأعمش و حمزة.
قال الفرّاء: و لا أعلم له وجهاً إلا أن يكون عَبُدَ بمنزلة حذُر و عَجُل.
و قال نُصَير الرازيّ: (عَبُدٌ) وَهمٌ ممَّن قرأه، و لسنا نعرف ذلك في العربيَّة.
و رُوي عن النخعي أنه قرأ: (و عُبُدَ الطاغوتِ) و ذكر الفرّاء أن أُبَيَّاً و عبد اللَّه قرءا (و عبدوا الطاغوت).
و رُوي عن بعضهم أنه قرأ: (و عُبَّاد الطاغوت) و بعضهم (و عَابِدَ الطاغوت).
و رُوي عن ابن عباس: (و عُبِّدَ الطاغوت).
و رُوي عنه أيضاً: (و عُبَّدَ الطاغوت).
قلت: و القراءة الجيّدة التي لا يجوز عندنا غيرها هي قراءة العامّة التي بها قرأ القُرّاء المشهّرون. وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ‏
 [المائدة: 60] على التفسير الذي بيّنته من قول حُذَّاق النحويين.
قلت: و أما قول أوس بن حجر:
أبَنِي لبيني أن أُمَّكُمُ             أَمَةٌ و إن أباكم عَبُدُ
فإنه أراد: و إن أباكم عَبْد فثقَّله للضرورة، فقال: عَبُدُ.
و قال الليث: العَبد: المملوك.
و جماعتهم: العَبِيد، و هم العِبَاد أيضاً؛ إلَّا أنّ العامّة اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد اللَّه و المَماليك، فقالوا: هذا عَبْد من عباد اللَّه، و هؤلاء عبيد مماليك.
قال: و لا يقال: عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً إلّا لمن يَعْبُدُ اللَّه. و من عَبَدَ مِن دونه إلهاً فهو من الخاسرين.
قال: و أما عَبْدٌ خَدَمَ مولاه فلان يقال:
عَبَدَه.
قال الليث: و من قرأ: (وَ عَبُدَ الطاغوتُ) فمعناه صار الطاغوتُ يُعْبَد، كما يقال:
فَقُهَ الرجل و ظَرُفَ. قلت: غَلِط الليث في القراءة و التفسير. ما قرأ أحد من قُرَّاء الأمصار و غيرهم (وَ عَبُدَ الطاغوتُ) برفع الطاغوت، إنما قرأ حمزة: (وَ عَبُدَ الطاغوتِ) و هي مهجورة أيضاً.
قال الليث: و يقال للمشركين: هم عَبَدَة الطاغوتِ. و يقال للمسلمين: عِبَاد اللَّه يَعْبُدُون اللَّه. و ذكر الليث أيضاً قراءة أخرى ما قرأ بها أحد و هي (و عابدو الطاغوت) جماعة.
و كان رَحِمه اللَّهُ قليل المعرفة بالقراءات. و كان نَوْلُه ألّا يحكي القراءات الشاذَّة، و هو لا يحفظها القارى‏ء قرأ بها و هذا دليل على أن إضافته كتابه إلى الخليل بن أحمد غير صحيح، لأن الخليل كان أعقل و أورع من أن يسمِّى مثل هذه الحروف قراءات في القرآن، و لا تكون محفوظة لقارى‏ء مشهور من قُرّاء الأمصار و دليل على أن الليث كان مغفَّلًا و نسأل اللَّه التوفيق للصواب.
و قال الليث: يقال أعبَدني فلان فلاناً أي ملّكني إيّاه.
قلت: و المعروف عند أهل اللغة: أعبَدت فلاناً أي استعبدته. و لست أنكر جواز ما ذكره الليث إن صحَّ لثقة من الأئمة، فإن السماع في اللغات أولى بنا من القول بالحَدْس و الظنّ و ابتداع قياسات لا تستمر

139
تهذيب اللغة2

عبد ص 136

و لا تطّرد.
و قال الليث: العِبِدَّى: جماعة العَبيد الذين وُلِدُوا في العُبُودَة، تعبيدةً ابنَ تعبيدة، أي في العُبُودة إلى آبائه.
قلت: هذا غَلَط. يقال: هؤلاء عِبِدَّى اللَّه أي عِبَادُه.
و
في الحديث الذي جاء في الاستسقاء:
 «و هذه عِبِدّاك بِفناء حَرَمك».
قال الليث: و العبادِيد: الخيل إذا تفرّقتْ في ذهابها و مجيئها، و لا تقع إلا على جماعة: لا يقال للواحد عِبْدِيد.
قال و يقال في بعض اللغات: عبابيد، و أنشد:
و القوم آتوك بَهزٌ دون إخوتهم             كالسيل يركب أطراف العبَابِيد
قال: و هي الأطراف البعيدة، و الأشياء المتفرقة. و هم عَباديد أيضاً.
قلت: و قال الأصمعي: العبابيد: الطُرُق المختلفة.
و رَوَى أبو طالب عن أبيه عن الفرّاء أنه قال:
العَبَاديد و الشماطِيط لا يُفْرد له واحد.
قال: و قال غيره: و لا يُتكلم بهما في الإقبال، إنما يتكلم بهما في التفرق و الذهاب.
قال: و قال الأصمعي: يقال صاروا عَبابِيد و عَبَادِيد أي متفرّقين.
و قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ قَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ‏
 [المؤمنون: 47] أي دائنون، و كل من دان لملكٍ فهو عَابد له.
و قال ابن الأنباري: فلان عَابِد و هو الخاضع لربّه المستسلم لقضائه المنقاد لأمره. و قوله اعْبُدُوا رَبَّكُمُ*
 [البقرة: 21] أي أطيعوا ربّكم. و قيل في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ
 [الفاتحة: 5]: إيّاك نوحِّد، و العابد الموحِّد. و الدراهم العَبْديَّة كانت دراهم أفضل من هذه الدراهم و أكثر وزناً. و أما بيت بشر:
مُعَبَّدةُ السقائف ذات دُسْرٍ             مُضَبَّرةٌ جوانبها رَداحُ‏
فإن أبا عبيدة قال: المعَبَّدة: المطليَّة بالشحم أو الدُهْن أو القار. و قيل مُعَبَّدة:
مُقَيرة. و قال شمر: يقال للعبيد مَعْبَدَة.
و أنشد للفرزدق:
و ما كانت فُقَيم حيث كانت             بيثرب غيرَ مَعْبَدَة قُعُودِ
قلت: و مثل معبَدة جمع العبْد مشيْخة جمع الشيخ، و مسْيفة جمع السيف. أبو عبيد عن أبي زيد: أعبَدَ القوم بالرجُل إذا ضربوه، و قد أُعْبِدَ به إذا ذهبتْ راحلته، و كذلك أُبْدِعَ به. أبو عبيد عن أبي عمرو:
ناقة ذات عَبَدَة أي لها قوّة شديدة. و قال شمر: العَبَدَة البقاء يقال ما لثوبك عَبَدَة أي بقاء سُمِّي عَلْقمة بن عَبَدَة و قال أبو دوادٍ الإياديُ:
إنْ تُبتذل تُبتذل من جندلٍ خِرسٍ             صَلَابةٍ ذات أَسدارٍ لها عَبَدَه‏
و قيل أراد بالعَبَدَة: الشدّة. و قال شمر:
يُجمع العَبْدُ عَبيداً و مَعْبُودَاء و عِبِدَّى و مَعْبَدَة و عُبْدَاناً و عِبْدَاناً و أنشد:

140
تهذيب اللغة2

عبد ص 136

تركت العِبدّى يَنْقُرون عجانَهَا
و قال اللحياني: عَبَدت اللَّه عِبَادَةً و مَعْبَداً و المُعَبَّدُ: الطريق الموطوء في قوله:
وَظيفاً وظيفاً فوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ
و أنشد شمر:
وَ بَلد نائي الصُوَى مُعَبَّد             قطعتُه بذاتِ لَوْثٍ جَلْعَدِ
قال: أنشدنيه أبو عدنان و ذكر أن الكلابيّة أنشدته و قالت: المُعَبَّد: الذي ليس فيه أثَر و لا عَلم و لا ماء. و قال شمر: المُعَبَّدُ من الإبل: الذي قد عُمَّ جِلدُه كلّه بالقَطران من الجَرَب. و يقال: المُعَبَّدُ: الأجرب الذي قد تساقط وَبَره فأُفرد عن الإبل ليُهْنَأَ. و يقال: هو الذي عَبَّده الجَرَب أي ذَلّلَهُ. و قال ابن مقبل:
و ضَمَّنتُ أرسانَ الجياد مُعَبَّداً             إذا ما ضربنا رأسه لا يُرَنَّحُ‏
قال: و المعَبَّد ههنا الوتِد و يقال أنوم من عَبّود. قال المفضل بن سلمة: كان عبود عبداً أسود حطاباً فَغَبَر في محتطبه أسبوعاً لم ينم ثم انصرف و بقي أسبوعاً نائماً فضرب به المثل و قيل: نام نوم عبّود و قال أبو عدنان: سمعت الكلابيّين يقولون:
بعيرٌ مُتَعَبِّدٌ و مُتَأَبِّد إذا امتنع على الناس صعوبةً فصار كآبِدة الوَحْش. قال و يقال:
عَبِدَ فلان: إذا ندِم على شي‏ء يفوته و يلوم نفسه على تقصير كان منه. و قال النضر:
العَبَدُ طول الغضب. و قال أبو عبيد قال الفرّاء: عَبِدَ عليه و أحِن عليه و أمِد و أبِد أي غضِب. و قال الغَنَوِيّ: العَبَدُ: الحزَنُ و الوَجْد. و قيل في قول الفرزدق:
أولئك قوم إن هجوني هجوتهم             و أعْبَدُ أن أهجو كُلَيباً بدَارِمِ‏
أعْبَدُ: أي آنف. و قال ابن أحمر يصف الغَوّاص:
فأرسَل نفسه عَبَداً عليها             و كان بنفسه أرِباً ضَنِينَا
قيل: معنى قوله: عَبَداً أي أنَفَاً. يقول:
أنِفَ أن تفوته الدُرَّة. و قال شمر: قيل للبعير إذا هُنِى‏ءَ بالقَطِران: مُعَبَّدٌ لأنه يتذلَّل لشهوته للقطران و غيره، فلا يمتنع.
و التعبُّد: التذلّل. قال: و المعَبَّد: المذلَّل.
يقال: هو الذي يُتركُ و لا يُركبُ. ثعلب عن ابن الأعرابي يقال: ذهب القوم عَبَادِيد و عَبَابِيد إذا ذهبوا متفرّقين، و لا يقال:
أقبلوا عَبَادِيد. قال: و العَبَادِيد: الآكام.
و قال الزّجاج في قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏
 [الذّاريَات:
56] الآية، المعنى: ما خلقتهم إلّا لأدعوهم إلى عبادتي و أنا مُرِيد العِبَادَة منهم، و قد علم اللَّه قبل أن يخلقهم من يَعْبُدُه ممّن يكفر به، و لو كان خلقهم ليُجبرهم على عبادته لكانوا كلهم عُبَّاداً مؤمنين. قلت: و هذا قول أهل السنّة و الجماعة. و قال ابن الأعرابي: المعَابد:
المسَاحِي و المُرُور، واحدها مِعْبَدٌ. قال عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ:
إذ يَحْرُثْنَه بالمَعَابِدِ
و قال أبو نصر: المعَابد: العَبيد. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العَبْدُ:
نبات طيّب الرائحة. و أنشد:

141
تهذيب اللغة2

عبد ص 136

حَرَّقها العَبد بعنظوانِ             فاليومُ منها يومُ أَرْوَنانِ‏
قال: و العَبْد تَكْلَف به الإبلُ؛ لأنه مَلْبَنَة مَسْمَنة، و هو حادٌّ المِزَاج، إذا رعته الإبل عطشت فطلبت الماء، و أخبرني المنذري عن ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء: يقال صُكّ به في أم عُبَيد، و هي الفَلَاة و هي الرّقّاصَة. قال: و قلت للقَنَاني: ما عُبَيد؟
فقال: ابن الفلاة. و أنشد قول النابغة:
مُنَدَّى عُبَيدان المحلِّى‏ء باقِرَهْ‏
قال: يعني به الفَلَاة. و قال أبو عمرو:
عُبَيْدان: اسم وادي الحَيّة، و ذكر قصَّتها و استشهد عليها بشعر النابغة. و العِبَاد:
قوم من أفناء العرب، نزلوا بالحِيرة و كانوا نصارى، منهم عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ. و قد سَمَّت العرب عَبَّاداً و عُبَادة و عُبَاداً و عَبِيداً و عَبيدة و عَبَدَة و مَعْبَداً و عُبَيْداً و عابداً و عَبْدان و عُبَيْدان تصغير عَبدان.
عدب:
أهمله الليث و هو معروف. روى أبو عبيد عن أبي عبيدة و الأصمعي أنهما قالا: العَداب: مُسْتَرق الرمل حيث يذهب مُعْظمها و يبقى شي‏ء منها. و أنشد:
و أقفر المُودِس من عَدَابها
يعني الأرض التي قد أنبتت أول نبت ثم أيسرت.
و قال ابن أحمر:
كثَور العَداب الفَرد يضربه الندَى             تعَلّى الندى في مَتْنه و تحدّرا
ثعلب عن ابن الأعرابي: العَدُوبُ: الرمل الكثير. و العَدابُ: ما استَرَقّ من الرمل.
شمر عن ابن الأعرابي قال: العُدَبيّ من الرجال: الكريم الأخلاقِ. و قال كَثير:
سَرَت ما سَرَت من ليلها ثم عَرَّسَتْ             إلى عُدَبيٍّ ذي غَناء و ذي فَضْلِ‏
و قال الرياشي في العُدبيّ مثله. و هو حرف صحيح غريب.
بدع:
قال اللَّه جلّ و عزّ: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ‏
 [الأحقاف: 9] الآية. أخبرني المنذري عن الحَرّاني عن ابن السكيت قال: البِدْعة: كلّ مُحْدَثة. و يقال: سِقَاء بَدِيع أي جديد. و كذلك زِمام بديع.
و أفادني المنذريّ لأبي عُمَر الدُوريّ عن الكسائي أنه قال: البِدْع في الشرّ و الخير.
و قد بَدُعَ بَدَاعَةً و بُدُوعاً. و رجلٌ بِدْع و امرأة بِدْعَةٌ إذا كان غاية في كل شي‏ء، كان عالماً أو شريفاً أو شجاعاً. و قد بُدِعَ الأمر بَدْعاً و بَدَعُوهُ و ابتَدَعُوه. و رجل بِدْع و رجالٌ أَبْدَاع و نساءٌ بدعٌ و أبْداع شمر عن ابن الأعرابي: البِدْع من الرجال الغُمْر قال أبو عدنان: المبتدع الذي يأتي أمراً على شِبْه لم يكن ابتدأه إيّاه قلت: و معنى قول اللَّه تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ‏
 أي ما كنتُ أول مَنْ أرسِل، قد أرسِل قبلي رُسُلٌ كثير.
و
في الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إن تِهامة كبَديع العسَل: حلُوٌ أوّله، حُلوٌ آخِره»
. البَديع: السِقَاء الجديد و الزِقّ الجديد.
و شبّه تهامة بزِقّ العَسَل لأنه لا يتغيّر هواؤها، فأوله و آخره طيب، و كذلك العَسَل لا يتغير. و أمّا اللبن فإنه يتغيّر.
و تهامة في فصول السنة كلِّها طيِّبة عَذاةٌ،

142
تهذيب اللغة2

بدع ص 142

و لياليها أطيب الليالي، لا تؤذِي بحَرٍّ مُفرِط و لا قُرٍّ مؤذٍ. و منه قول امرأة من العرب وصفتْ زوجها فقال: زوجي كليلِ تهامة، لا حَرّ و لا قُرّ و لا مخافة و لا سآمة. و قول اللَّه جلّ و عزّ: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ*
 [البَقَرة: 117] أي خالقهما. و بَديعٌ من أسماء اللَّه و هو البَديع الأوَّل قبل كل شي‏ء. و يجوز أن يكون من بَدَعَ الخَلْقَ أي بدأه. و يجوز أن يكون بمعنى مُبْدع.
و قال الزجاج: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ*
 منشئهما على غير حِذَاء و لا مثال. و كلّ مَن أنشأ ما لم يسبَق إليه قيل له: أَبْدَعْتَ.
و لهذا قيل لمن خالف السّنة: مُبْتَدِع. لأنه أحدث في الإسلام ما لم يسبقه إليه السَّلَف.
و
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بإسنادٍ صحيح أنه قال: «إيَّاكم و مُحْدَثَات الأمور، فإن كل مُحْدَثة بِدْعة، و كل بدعة ضلالة»
. قلت: و قول اللَّه تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ*
 بمعنى مُبْدعهما؛ إلا أن (بديع) مِن بَدَع لا مِن أَبْدَعَ. وَ أَبْدَعَ أكثر في الكلام من بَدَعَ و لو استُعمل بَدَعَ لم يكن خطأ، فبَدِيع فَعِيل بمعنى فَاعِل مثل قدير بمعنى قادر. و هو صفة من صفات اللَّه؛ لأنه بدأ الخلق على ما أراد على غير مثالٍ تَقَدّمه.
و البَديع من الحِبال: الذي ابتدى‏ء فَتْله، و لم يكن حبْلًا فنكِث ثم غُزِلَ و أعيد فتله.
و منه قول الشماخ:
و أُدْمج دَمْج ذي شَطَنٍ بَدِيعِ‏
و أنشد الأعرابيّ في السّقاء:
 نَضْحَ البَدِيعِ الصَفَق المُصَفَّرا
يعني المزاد الجديد الذي يسرّب أول ما يسقَى فيه فيخرج ماؤه أصفر، و هو الصَّفَق.
قلت: و البَديع بمعنى السِّقاء أو الحبْل فعِيل بمعنى مفعول.
و
رَوَى عبد اللَّه بن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أن رجلًا أتاه فقال: يا رسول اللَّه إنّي قد أُبْدِعَ بي فاحملني.
قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة يقال للرجل إذا كَلَّتْ رِكَابه أو عَطِبتْ و بقي منقطعاً به:
قد أُبدِع به.
قال: و قال الكسائي مثله، و زاد فيه:
أبدَعَتِ الركابُ إذا كَلَّتْ و عَطِبَتْ.
و قال بعض الأعراب: لا يكون الإبداع إلّا بظَلْعٍ، يقال أبدَعَتْ به راحلته إذا ظَلَعتْ.
قال أبو عبيد: و ليس هذا باختلاف، و بعضه شبيه ببعضٍ.
و قال اللحياني: يقال أَبْدَعَ فلان بفلان إذا قَطَعَ به و خَذَله و لم يقم بحاجته و لم يكن عند ظنّه به.
و قال أبو سعيد: أُبْدِعَتْ حُجَّة فلان أي أُبْطِلَتْ، وَ أَبْدَعَتْ حجّته أي بَطَلَتْ.
و قال غيره: أَبْدَعَ بِرُّ فلان بشكري و أبدَع فضله و إيجابه بوصفي إذا شكره على إحسانه إليه، و اعترف بأن شكره لا يفي بإحسانه.
و قال الأصمعي: بَدِعَ يَبْدَعُ فهو بَدِيعٌ إذا سَمِنَ.

143
تهذيب اللغة2

بدع ص 142

و أنشد لبَشِير بن النِكْث أحد الرُجَّاز:
فبَدِعَتْ أَرْنَبُهُ و خِرْنُقُهْ‏
أي سمِنتْ‏
وَ قال الليث: قرى‏ء: (بديعَ السماوات و الأرض) [البقرة: 117] بالنصب على وجه التعجب لِمَا قال المشركون، على معنى بدْعاً ما قلتم و بديعاً اخترقتم، فنصبه على التعجّب و اللَّه أعلم أهو كذلك أم لا. فأمّا قراءة العامة فالرفع، و يقولون: هو اسم من أسماء اللَّه.
قلت ما علمت أحداً من القرّاء قرأ:
 (بديعَ) بالنصب، و التعجُّبُ فيه غير جائز.
و إن جاء مثله في الكلام فنصبه على المدح كأنه قال اذكر بديع السماوات شمر عن ابن الأعرابي: البِدْع من الرجال الغُمْرُ.
بعد:
قال الليث: بَعْدُ كلمة دالّة على الشي‏ء الأخير. تقول: بعدَ هذا، منصوبٌ. فإذا قلت: أمَّا بعدُ فإنك لا تضيفه إلى شي‏ء، و لكنك تجعله غاية نقيضاً لقَبْل.
قال اللَّه تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ
 [الرُّوم: 4] فرفعهما لأنهما غايةٌ مقصودٌ إليها، فإذا لم يكونا غاية فهما نَصْبٌ لأنهما صفة.
و قال أبو حاتم: قالوا: قَبل وَ بَعد من الأضداد.
و قال في قول اللَّه تعالى: وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ‏
 [النَّازعات: 30] أي قبل ذلك. قلت و الذي حكاه أبو حاتم عمَّن قاله خطأ، قبل و بعدُ كلّ واحد منهما نقيض صاحبه، فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر، و هو كلام فاسد.
و أمَّا قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
 [النَّازعات: 30] فإن السائل يَسأل عنه فيقول: كيف قال: بَعْدَ ذلِكَ‏
 و الأرض أُنشى‏ء خَلْقها قبل السماء، و الدليل على ذلك قول اللَّه تعالى: قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فُصّلَت: 9] فلمَّا فرغ من ذكر الأرض و ما خَلَق فيها قال اللَّه: ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ [فصلت: 11] و ثُمَّ لا يكون إلا بَعد الأول الذي ذُكِر قبله. و لم يختلف المفسّرون أن خَلْق الأرض سَبَق خَلق السماء.
و الجواب فيما سأل عنه السائل أن الدَحْوَ غيرُ الخلق، و إنَّما هو البَسْط، و الخَلق هو الإنشاء الأوَّل. فاللَّه جلّ و عزّ خلق الأرض أوَلًا غير مَدْحُوَّة. ثم خلق السماء، ثم دَحا الأرض أي بَسَطها.
و الآيات فيها مؤتلِفة و لا تناقض بحمد اللَّه فيها عند من يفهمها. و إنما أُتِيَ الملحِد الطاعن فيما شاكلها من الآيات من جهة غباوته و غِلظ فهمه، و قلَّة علمه بكلام العرب.
و قال الفرّاء في قوله جلّ و عزّ: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ
 [الرُّوم: 4] القراءة بالرفع بلا نونٍ لأنهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شي‏ء لا محالة، فلما أدّتا عن معنى ما أضيفتا إليه و سُميتَا بالرفع، و هما في موضع جرّ ليكون الرفع دليلًا على ما سقط. و كذلك ما أشبههما؛

144
تهذيب اللغة2

بعد ص 144

كقوله:
إن تأت من تحت أجئها من علو
و قال الآخر:
إذا أنا لم أومن عليك و لم يكن             لقاؤك إلّا مِن وراءُ وراءُ
فرفع إذ جعله غاية و لم يذكر بَعدَه الذي أضيف إليه.
قال الفرّاء: و إن نويت أن تُظهر ما أضيف إليه و أظهرته فقلت: للَّه الأمر من قبلِ و من بَعدِ جاز، كأنك أظهرت المخفوض الذي أضفت إليه قَبْلَ و بَعد.
و قال الليث: البُعد على معنيين: أحدهما ضِدّ القُرب. تقول منه: بَعُدَ يَبْعُد بُعْداً فهو بَعيد. و تقول: هذه القرية بَعِيدٌ، و هذه القرية قريبٌ و لا يراد به النعتُ، و لكن يراد بهما الاسم. و الدليل على أنهما اسمان قولك: قريبُه قريبٌ و بَعيده بَعيدٌ.
قال و البُعْدُ أيضاً من اللعْن كقولك: أَبْعَدَه اللَّه أي لا يُرثَى له فيما نَزَل به. و كذلك بُعْداً له و سُحْقاً. و نَصَب بُعْداً على المصدر و لم يجعله اسماً، و تميم ترفع فتقول: بُعْدٌ له و سُحْقٌ؛ كقولك: غلامٌ له و فرسٌ.
و قال الفرّاء: العرب إذا قالت: دارك منّا بَعِيدٌ أو قريبٌ، أو قالوا: فلانة منا قريبٌ أو بَعِيدٌ ذكَّروا القريب و البَعيد؛ لأن المعنى هي في مكان قريب أو بَعيد، فجُعل القريب و البَعِيد خَلَفاً من المكان.
قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ
 [هُود: 83] و قال وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزَاب: 63] و قال إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] قال: و لو أُنِّثَتا و بُنِيتَا على بَعُدَت منك فهي بعيدة، و قرُبَت فهي قريبة كان صواباً. قال: و من قال قريبٌ و بعيدٌ و ذكّرهما لم يُثَنِّ قريباً و بعيداً، فقال: هما منك قريبٌ و هما منك بعيدٌ. قال: و مَن أنثهما فقال: هي منك قريبة و بعيدة ثنَّى و جمع فقال: قريبات و بعيدات. و أنشد:
عَشِيَّةَ لا عفراء منك قريبة             فتدنو و لا عفراء منك بعيد
قال: و إذا أردت بالقريب و البعيد قَرَابة النسب أنّثت لا غير، لم يختلف العرب فيها.
و قال الزجّاج في قول اللَّه جلّ و عزّ: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ: إنما قيل: قريبٌ لأن الرحمة و الغفران و العفو في معنى واحدٍ. و كذلك كلّ تأنيث ليس بحقيقيّ.
قال: و قال الأخفش: جائز أن تكون الرحمة ههنا بمعنى المَطَر.
قال: و قال بعضهم- يعني الفرّاء-: هذا ذُكِّر ليفصل بين القريب من القُرْب و القريب من القرابة. و هذا غلط، كل ما قَرُبَ في مكان أو نسَبٍ فهو جارٍ على ما يصيبه من التأنيث و التذكير.
و قوله جلّ و عزّ: أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ
 [هُود: 95] قرأ الكسائيّ و الناس:
كَما بَعِدَتْ‏
 قال و كان أبو عبد الرحمن السُلَمِيّ يقرؤها: (بَعُدَتْ)، يجعل الهلاك و البُعد سواء، و هما قريبٌ من السواء؛ إلا

145
تهذيب اللغة2

بعد ص 144

أن العرب بعضهم يقول: بَعُدَ، و بعضهم:
بَعِدَ مثل سَحِقَ و سَحُق. و من الناس من يقول بَعُدَ في المكان و بَعِدَ في الهلاك.
و قال يونس: العرب تقول: بَعِدَ الرجل و بَعُدَ إذا تَبَاعَدَ في غير سَبّ. و يقال في السبّ: بَعِدَ و سَحِق لا غير.
و قال ابن عباس في قوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
 [فُصّلَت: 44] بعيد قال: سألوا الردّ حين لا رَدّ. و قال مجاهد: أراد: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
 من قلوبهم.
و قال بعضهم: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
 من الآخرة إلى الدنيا. و قوله جلّ و عزّ: وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
 [سبأ: 53] قال:
قولهم: ساحِرٌ، ... كاهِنٍ ...، شاعِرٌ*. و قال الزجّاج في قوله جلّ و عزّ في سورة السجدة: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
 أي بعيد من قلوبهم يَبعد عندهم ما يتلى عليهم. و قال الليث: يقال: هو أبْعَدُ و أَبْعَدُون و أقرب و أقربون و أباعد و أقارب. و أنشد:
من الناس من يغشى الأباعِدَ نفعُه             و يشقى به حتى الممات أقارِبُهْ‏
فإنْ يَكُ خيراً فالبعيد يناله             و إِنْ يَكُ شَرّاً فابن عمّك صَاحِبُهْ‏
و قال حُذّاق النحويين: ما كان من أفعَل و فُعلَى فإنه تدخل فيه الألف و اللام كقولك: هو الأَبْعَدُ و البُعْدَى و الأقرب و القُرْبَى و قال ابن شميل: قال رجل لابنه إنْ غَدوتَ على المِرْبَد ربِحْتَ عَناءً و رجعْتَ بغير أَبْعدَ أي بغير منفعة.
و قال أبو زيد: يقال: ما عندك أَبْعَد.
و إنك لَغَير أَبْعَدَ أي ما عنده طائل إذا ذمّه.
و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي إنه لذو بُعْدَة أي ذو رأيٍ و حَزْمٍ، و إنك لغير أبعَد أي لا خير فيك ليس لك بُعْدُ مَذهبٍ و قال صخر الغيّ:
الموْعِد ينافي أن تُقَتِّلهم             أفناء فَهْم و بيننا بُعَدُ
أي أفناء فهم ضروب منهم بُعَد جمع بُعْدة. و قال الأصمعي: أتانا فلان من بُعْدَة أي من أرض بعيدة. و أنشد ابن الأعرابي:
يكفيك عند الشّدة البئيسَا             و يعتلي ذا البُعْدة النُحُوسا
ذا البُعدَة: الذي يُبعِد في المعاداة. و قال ابن الأعرابي: رجل ذو بُعْدة إذا كان نافذ الرأي ذا غَوْرٍ و ذا بُعْدِ رأي. و قال النضر في قولهم: هلك الأبعد قال: يعني صاحبَه. و هكذا يقال إذا كُنِيَ عن اسمه و يقال للمرأة هلكت البُعْدَى. قلت: هذا مِثل قولهم: فلا مرحباً بالآخَر إذا كنَى عن صاحبه و هو يذمّه. أبو عبيد عن أبي زيد:
لقِيته بُعَيْدات بَيْن إذا لقيته بعد حين ثم أمسكت عنه ثم أتيته. و أنشد شمر:
وَ أَشعَث مُنَقَّد القميص دعوته             بُعَيْداتِ بَيْنٍ لا هِدانٍ و لا نِكْسِ‏
و قال غيره: إنها لتضحك بُعَيْدات بينٍ أي بين المرّة ثم المرّة في الحِين. و قال الأصمعي: هم مني غيرُ بَعَدٍ أي ليسوا ببعيد. و انطلِقْ يا فلان غير بَاعِدٍ أي لا ذهبت‏

146
تهذيب اللغة2

بعد ص 144

أبو عبيد عن الكسائي: تنحّ غير باعِدٍ أي غير صاغرٍ، و تنحّ غير بعيد أي كن قريباً.
و قول الذبياني:
فضلًا على الناس في الأدنى و في البَعَدِ
قال أبو نصر: في القريب و البعيد. قال:
و العرب تقول: هو غير بَعَد أي غير بعيد.
و رواه ابن الأعرابي: في الأدنى و في البُعد قال: بَعيدٌ و بُعُدٌ. و قال الليث: البِعاد يكون من المباعدة. و يكون من اللعْن؛ كقولك: أَبْعَدَه اللَّه.
و قول اللَّه جلّ و عزّ مخبراً عن قوم سبأ:
رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا
 [سَبَإ: 19]. قال الفراء: قراءة العوامّ: (باعِدْ)
. و يقرأ على الخبر: (ربُّنا باعَدَ) و (بَعَّدَ). و (بَعِّدْ) جَزْمٌ.
و قرى‏ء (رَبَّنَا بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا) و (بَيْنَ أَسْفارِنا) قال الزجّاج: من قرأ (باعِدْ)
 و (بَعِّدْ) فمعناهما واحد. و هو على جهة المسألة. و يكون المعنى: أنهم سئموا الراحة و بطِروا النعمة، كما قال قوم موسى: فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ [البقرة: 61] الآية. و من قرأ؛ (بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا) بالرفع فالمعنى بَعُدَ ما يتصل بسفرنا. و من قرأ: (بَعُدَ بَيْنَ أسفارنا) فالمعنى بَعُدَ ما بين أسفارنا و بَعُدَ سَيْرنا بين أسفارنا قلت: قرأ أبو عمرو و ابن كثير: (بَعِّد) بغير ألفٍ. و روى هشام بن عمّار بإسناده عن عبد اللَّه بن عامر: (بَعِّدْ) مثل أبي عمرو.
و قرأ يعقوب الحضرميّ: (رَبُّنَا باعَدَ) بالنصب على الخبر. و قرأ نافع و عاصم و الكسائي و حمزة: (باعِدْ)
 بالألف على الدُعَاء.
و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه كان يُبعِد في المَذْهب‏
معناه: إمعانه في ذهابه إلى الخلاء، و أبعَدَ فلان في الأرض إذا أمْعن فيها. و قال أبو زيد: يقال للرجل: إذا لم تكن من قُربان الأمير فكن من بُعْدانِه، يقول: إذا لم تكن ممن يقترب منه فتَبَاعَدْ عنه لا يُصِبْك شَرُّه. و قال ابن شميل:
رَاوَدَ رجل من العرب أعرابيّة عن نفسها فأبت إلّا أن يجعل لها شيئاً، فجعل لها درهمين، فلمَّا خالطها جعلت تقول: غمزاً و درهماك لك، فإن لم تغمز فبُعْدٌ لك، رَفَعت البُعْدَ، يضرب مثلًا للرجل تراه يعمل العمل الشديد.
دعب:
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال لجابر بن عبد اللَّه و قد تزوج: «أ بِكراً تزوجتَ أم ثيباً؟» فقال: بل ثيباً. فقال: «فَهَلَّا بكراً تداعِبها و تداعبك».
قال أبو عبيد:
الدعَابة: المُزاح. قال و قال: اليزيديّ:
رجل دَعَّابة. و بعضهم يقول رَجُلٌ دَعِبٌ.
و حكى شمر عن ابن شميل: يقال:
تدعّبت عليه أي تدلّلت، و إنه لدَعِبٌ و هو الذي يتمايل على الناس و يَرْكبهم بثَنِيَّته أي بناحيته. و إنه ليَتَدَاعَب على الناس أي يركبهم بمُزَاحٍ و خُيَلاء و يغمّهم و لا يَسُبُّهم.
و إنما الدَّعِب: اللعَّابة.
و قال الليث: يقال هو يَدْعَبُ دَعْباً إذا قال قولًا يُستملَح؛ كما يقال: مزح يمزح.
و قال الطرمَّاح:
و استطربَت ظُعْنُهُمْ لمّا احزألّ بهم             مع الضحى ناشِطٌ من داعِبَاتِ دِد

147
تهذيب اللغة2

دعب ص 147

يعني اللواتي يمزَحن و يلعبن و يُدَأَدِدْن بأصابعهنّ. و الدَدُ هو الضرب بالأصابع في اللعب. قال: و منهم مَن يروي هذا البيت: مِنْ دَاعِبٍ دَدِدِ، يجعله نعتاً للداعب و يَكْسَعه بدالٍ أخرى ليتمّ النعت؛ لأن النعت لا يتمكّن حتى يصير ثلاثة أحرف، فإذا اشتقّوا منه فعلًا أدخلوا بين الدالين الأُوليين همزة لئلا تتوالى الدالات فيثقل، فيقولون: دَأْدَدَ يُدَأْدِدُ دَأْدَدَةً. قال:
و على قياسه قول الراجز- و هو رؤبة-:
يُعِدُّ ذَأْداً و هَديراً زَعْدَبَا             بَعْبَعَةً مَرّاً وَ مَرّاً بأْبَبَا
و إنما حكى جَرْساً شِبْه بَبَبْ، فلم يستقم في التصريف إلّا كذلك.
و قال آخر يصف فحلًا:
يسوقها أَعْيَسُ هَدَّار بَبِبْ             إذا دعاها أقبلتْ لا تَتَّئِبْ‏
قال الليث: فأمَّا المداعبة فعلى الاشتراك كالممازحة، اشترك فيها اثنان أو أكثر.
قال و الدُّعْبُوبُ: النشيط.
و أنشد قول الراجز:
يا رُبَّ مُهْر حَسَنٍ دُعْبُوبِ             رَحْب اللبَانِ حَسَنِ التقريب‏
قال: و الدّعبُوب: الطريق المذلَّل الذي يسلكه الناس. قال: و الدُعْبُوبة: حَبّة سوداء تؤكل، و هي مثل الدُّعَاعة. و قال بعضهم: بل هي أصلُ بقلةٍ يقشَرُ فيؤكل.
و قال أبو عبيدة و الفراء و ابن شميل:
الدُّعْبُوب: الطريق المسلوك الموطوء. قال الفراء: و كذلك الذليل الذي يطؤه كلّ واحد. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الدُّعبُوبُ: و الدُعْبُوث و الدُعثوت من الرجال المأبون المخنَّث.
و أنشد:
يا فتى ما قتلتُمُ غير دُعْبُو             ب و لا مِن قُوَارة الهِنَّبْرِ
قال: و ليلة دعبوبٌ: ليلةُ سَوْءٍ شديدة و أنشد:
و ليلة من مُحاق الشهر دعبوبِ‏
و قال أبو صخر:
و لكنْ تقرّ العين و النفس أن ترى             بعقدته فَضْلات زُرْق دَوَاعِبِ‏
قالوا: دَوَاعِب: جَوَارٍ، ماءٌ دَاعِبٌ يَسْتَنَّ سَيلُه. قلت: لا أدري دواعب أو ذواعب و يُنْظَر في شِعر أبي صخر. عمرو عن أبيه: الدُّعَابُ و الطَّثْرَج و الحَرام و الحَذَال من أسماء النمل. أبو العباس عن ابن الأعرابي الدُّعْبُبُ المَزّاح و هو المغنّي المجيد و الدُّغْبُبْ الغلام الشَّابُّ البَضّ.
دبع: دبع مهمل و اللَّه أعلم.
باب العين و الدال مع الميم‏
 [ع د م‏]
عدم، عمد، دمع، معد، [دعم- مدع‏]:
مستعملات.
عدم:
قال الليث: العَدَم: فِقدان الشي‏ء و ذهابه. يقال: عَدِمته أعدَمه عدماً.
و العُدْم لغة فيه. قال: و رأيناهم إذا ثَقَّلوا قالوا: العَدَم و إذا خففوا قالوا: العُدْم، و رجلٌ عَدِيم: لا مال له. و أعْدَمَ الرجل:
صار ذا عَدَم قال: و يقول الرجل لحبيبه:

148
تهذيب اللغة2

عدم ص 148

عَدِمْتُ فقدك و لا عدمت فضلك و لا أعدَمَني اللَّه فضلك أي لا أذهَبَ عنّي فضلك. و قال لَبِيد- أنشده- شمر:
و لقد أغْدُو و ما يُعْدِمني             صاحب غير طويل المُحْتَبَلْ‏
قال أبو عمرو: أي ما يَفْقِدْني فرسي.
و قال ابن الأعرابي: و ما يُعْدِمُني أي لا أعْدَمُهُ و قال أبو عمرو: يقال إنه لعديم المعروف و إنها لعديمة المعروف و أنشد:
إنّي وجدت سُبَيْعَة ابنة خالِدٍ             عند الجَزُور عديمةَ المعروف‏
و قال: عَدِمتُ فلاناً و أَعْدَمَنِيه اللَّه. و رجل عَدِيم لا مال له. و أعدم الرجُل فهو معدِم و عَدِيم. و قال ابن الأعرابي: رجُل عَدِيم:
لا عقل له، و رجُل مُعْدِم: لا مال له، و قال غيره: فلان يَكْسب المعدومَ إذا كان مجدوداً ينال ما يُحْرَمه غيرُه. و يقال: هو آكلكم للمأدوم، و أكسبكم للمعدوم، و أعطاكم للمحروم. و قال الشاعر يصف ذئباً:
كَسُوبٌ له المعدومَ مِنْ كسَب واحدٍ             مُحَالِفُهُ الإقتار ما يتموّل‏
أي يكسب المعدوم وحده و لا يتموّل.
ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال عَدِمَ يَعْدَمُ عَدَماً و عُدْماً فهو عَدِمٌ، و أعدم إذا افتقر، و عَدُمَ يَعْدُم عَدَامَةً إذا حَمُقَ فهو عَدِيم أحمق و أنشد أبو الهيثم قول زهير:
و ليس مانع ذي قربى و لا رحم             يوماً و لا مُعْدِماً من خابط ورقا
قال: معناه أنه لا يفتقر من سائل يسأله ماله فيكون كخابط ورقاً. قال الأزهري:
و يجوز أن يكون معناه و لا مانعاً من خابط ورقاً أعدمْته أي منعته طَلَبَته.
عمد:
قال اللَّه جلّ و عزّ: إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ
 [الفَجر: 7] سمعت المنذريّ يقول: سمعت المبرّد يقول: رجل طويل العِمَاد إذا كان مُعَمَّداً أي طويلًا. قال: و قوله إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ
 أي ذات الطُول و نحوَ ذلك قال الزجّاج. قال: و قيل: ذاتِ الْعِمادِ
: ذات البِنَاء الرفيع. و قال الفرّاء: ذاتِ الْعِمادِ
 أي أنهم كانوا أهل عَمَد ينتقِلون إلى الكَلأ حيث كان؛ ثم يرجعون إلى منازلهم. و قال الليث: يقال لأصحاب الأْخْبِيَة الذين لا ينزلون غيرها: هم أهل عَمُود و أهل عماد. و الجميع منهما العُمُدُ. قال: و قال بعضهم: كلّ خِبَاء كان طويلًا في الأرض يُضرب على أعمدة كثيرة فيقال لأهله:
عليكم بأهل ذلك العَمُود، و لا يقال: أهل العَمَد. و أنشد:
و ما أهل العَمُودِ لنا بأهلٍ             و لا النَعَمُ المُسام لنا بمال‏
و قال في قول النابغة:
يبنون تَدْمُرَ بالصُفّاح و العَمَد
قال: العَمَد: أساطين الرُخَام. و أمَّا قول اللَّه جلّ و عزّ: إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ
 [الهمزة: 8، 9] قرئت (في عُمُد) و هو جمع عِمَاد و عَمَدٌ و عُمُدٌ، كما قالوا: إهابٌ و أَهَبٌ و أُهُبٌ. و معناه: أَنها في عُمُدٍ من النار. قال ذلك أبو إسحاق الزجّاج. و قال الفراء: العُمُد و العَمَد جميعاً جمعان للعمود مثل أديم و أَدَم‏

149
تهذيب اللغة2

عمد ص 149

و أُدُم، و قَضِيم و قَضَم و قُضُم. و قال اللَّه جلّ و عزّ: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها
 [لقمَان: 10] قال الفراء: فيه قولان: أحدهما أنه خلقها مرفوعة بلا عَمَد، و لا تحتاجون مع الرؤية إلى خَبَر.
و القول الثاني أنه خلقها بعمَد، لا ترون تلك العمد. و قيل: العمَد التي لا ترى لها قدرته. و قال الليث: معناه: أنكم لا ترون العمد، و لها عَمَد. و احتجّ بأن عَمدها جبل قاف المحيط بالدنيا، و السماء مثل القبّة أطرافها عَلَى قاف. و هو من زَبَرْجَدة خضراء. و يقال إنّ خضرة السماء من ذلك الجبل، فيصير يوم القيامة ناراً تَحْشر الناس إلى المحْشَر.
و
في حديث عمر بن الخطاب في الجالب: يأتي أحدهم به عَلَى عَمُود بطنه.
قال أبو عبيد: قال أبو عمرو: عَمُود بطنه هو ظَهْره. يقال: إنه الذي يُمْسِك البطن و يقوّيه، فصار كالعمود له الجالب الذي يجلب المتاع إلى البلاد. يقول: يُترك و بيعَه و لا يتعرض له حتى يبيع سِلْعته كما شاء، فإنه قد احتمل المشقّة و التعب في اجتلابه و قاسى السفر و النصب.
قال أبو عبيد: و الذي عندي في عمود بطنه أنه أراد: أنه يأتي به على مشقّة و تَعب و إن لم يكن ذلك على ظهره إنما هو مَثل له. و قال الليث: عمود البطن شِبه عِرْق ممدود من لدن الرَهابة إلى دُوَين السُرّة في وسطه يشق من بطن الشاة.
قال: و عمود الكبد: عِرْق يسقيها. و يقال للوتين: عمود السَحْر. قال: و عمود السنان: ما توسَّط شَفْرتيه من عَيْره الناتى‏ء في وسطه.
و قال النضر: عمود السيف: الشَطِيبة التي في وسط مَتْنه إلى أسفله. و ربما كان للسيف ثلاثة أعمدة في ظهره، و هي الشُطَبُ و الشطائب. و عمود الأُذُنُ:
مُعظمها و قِوامها. و عمود الإعصار:
ما يَسْطع منه في السماء أو يستطيل على وجه الأرض.
و
في حديث ابن مسعود أنه أتى أبا جهل يوم بدر و هو صَرِيع، فوضع رجله عَلَى مُذَمَّرِه ليجهِز عليه، فقال له أبو جهل:
أعْمَدُ من سيّد قتله قومه!
قال أبو عبيد:
معناه: هل زاد عَلَى سيّد قتله قومه! هل كان إلا هذا؟ أي أن هذا ليس بعاد.
قال: و كان أبو عبيدة يحكي عن العرب:
أعمد من كيلِ مُحِقّ أي هل زاد عَلَى هذا! و قال ابن مَيَّادة:
تُقَدَّم قيسٌ كلَّ يوم كريهة             و يُثنى عليها في الرخاء ذنوبها
و أعمدُ من قومٍ كفاهم أخوهم             صِدَام الأعادي حين فُلَّت نيوبها
يقول: هل زدنا عَلَى أن كَفَينا إخوتنا.
و قال شمر في قوله (أعمَدُ من سَيّد قتله قومه): هذا استفهام، أي أعجب من رجل قتله قومه. قلت: كان في الأصل أأعمد من سَيّد فخففت إحدى الهمزتين. و أما قولهم: أعمد من كيل محقّ فإني سمعته في رواية ابن جَبَلة و رواية عليّ عن أبي عبيد (محقّ) بالتشديد، و رأيته في كتاب قديم مسموع: أعمد من كيلٍ مُحِق‏

150
تهذيب اللغة2

عمد ص 149

بالتخفيف من المَحق، و فُسِّر: هل زاد على مكيال نُقِصَ كَيْلُه أي طُفِّفَ. و حسبت أن الصواب هذا. و قال ابن شميل: عمود الكَبِد: عرقان ضَخْمان جَنَابتي السُّرة يميناً و شِمالًا، يقال: إن فلاناً لخارجٌ عموده من كَبِدِه من الجوع.
أبو عبيد: عَمدتُ الشي‏ء: أقمته، و أعمدته: جعلت تحته عَمَداً.
الحرّاني عن ابن السكيت قال: العَمْد مصدر عمَدت للشي‏ء أعمِد له عمْداً إذا قصدت له. و عَمدت الحائط أعمِده عمْداً إذا دَعمته. قال و العَمَد- مُثَقّل- في السنَامِ و هو أن ينشدخ انشداخاً. و ذلك إذا رُكِب و عليه شحْم كثير. يقال بعير عَمِدٌ.
و قال لَبيد:
فبات السيل يركب جانبيه             من البَقَّار كالعَمِد الثَقَالِ
قال: العَمِد: البعير الذي قد فسد سَنَامه.
قال: و منه قيل: رجل عميد و معمود أي بلغ الحُبُّ منه. قال و يقال: عَمِد الثرى يَعمَد عَمداً إذا كان تراكب بعضُه على بعض و نَدِيَ، فإذا قبضت منه على شي‏ء تعقَّد و اجتمع من نُدُوَّته. قال الراعي يصف بقرة وحشيّة:
حتى غَدَت في بياض الصبح طيّبة             ريح المباءة تخْدِي و الثرى عَمِدُ
أراد: طيبةَ ريح المباءة، فلمَّا نوّن (طيّبة) نصب (ريح المباءة).
أبو عبيد عن أبي زيد: عَمِدت الأرضُ عمداً إذا رسخ فيها المَطَر إلى الثَرَى حتى إذا قبضْت عليه في كفّك تعقّد و جَعُدَ.
و قال الليث: العَميد: الرجل المعمود الذي لا يستطيع الجلوس من مرضه، حتى يُعمَدَ من جوانبه بالوسائد. و منه اشتُقّ القَلْب العميد. قال: و الجُرح العَمِدُ:
الذي يُعْصَر قبل أن ينضج بَيضُه فيَرِم.
و القول ما قاله ابن السكيت في العميد من الهوى: أنه شُبِّه بالسَنَام الذي انشدخ انشداخاً.
و قال الليث: العَمْدُ: نقيض الخطأ.
قلت: و القتل على ثلاثة أوجه: قتل الخطأ المحْض، و قتل العمد المحض و قتل شِبْه العَمْد فالخطأ المحض: أن يرمي الرجلُ بحجر يريد تنحيته عن موضعه. و لا يقصد به أحداً، فيصيب إنساناً فيقتله. ففيه الدِيَة على عاقلة الرامي، أخماساً من الإبل، و هي عشرون ابنة مَخَاض و عشرون ابنة لَبُون و عشرون ابن لبون، و عشرون حِقّة، و عشرون جَذَعة. و أما شِبه العَمْد فأن يضرب الإنسانَ بعمود لا يقتل مِثْلُه، أو بحجر لا يكاد يموت مَن أصابه، فيموت منه ففيه الدِيَة مغلَّظة. و كذلك العَمْد المحض: فيهما ثلاثون حِقّةً، و ثلاثون جَذَعة، و أربعون ما بين ثَنِيَّة إلى بازلِ عامِها، كلُّها خَلِفَة. فأمَّا شِبْه العمد فالدِيَة فيه على عاقلة القاتل. و أما العَمْد المحض فهو في مال القاتل. شمر عن ابن شميل: المعمود: الحزين الشديد الحُزن. يقال: ما عَمَدَك أي ما أحزنك.
قال و يقال للمريض أيضاً: معمود. و يقال له: ما يَعْمِدك؟ أي ما يوجعك. و عمدني‏

151
تهذيب اللغة2

عمد ص 149

المرضُ أي أضناني. و قال شمر: قال ابن الأعرابي: سأل أعرابيّ أعرابيًّا و هو مريض فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أمَّا الذي يَعْمِدني فحُصْرٌ و أُسْرٌ. قال: يعمده:
يُسْقطه و يفْدحه و يشتدّ عليه و أنشد:
ألا مَن لهمٍّ آخِرَ الليل عَامِد
معناه: مُوجع.
و أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده لسِماك العامليّ:
ألا من شجتْ ليلة عامدهْ             كما أبدأ ليلة واحدهْ‏
و قال ما معرفة فنصب أبداً على خروجه من المعرفة كان جائزاً.
قال الأزهري و قوله: ليلة عامدة أي مُمِضّة موجعة.
و قال النضر: عَمِدتْ أَلْيتاه من الركوب و هو أن تَرِما و تَخْلَجا.
و قال شمر: يقال إن فلاناً لعَمِدُ الثَرَى أي كثير المعروف.
و قال غيره: عَمَدت الرجل أعمِده عَمْداً إذا ضربته بالعمود، و عَمَدته إذا ضربت عمود بَطنه.
و قال أبو زيد: يقال فلان عُمدة قومه إذا كانوا يعتمدونه فيما يَحْزُبهم. و كذلك هم عُمْدتنا. و العَمِيد: سيّد القوم. و منه قول الأعشى:
حتى يصير عميدُ القوم متَّكئاً             يدفع بالراح عنه نِسوة عُجُلُ‏
و يقال: استقام القوم على عَمُود رأيهم أي على الوجه الذي يعتمدون عليه.
و قال ابن بزرْج: يقال: حَلَس به و عَرِسَ به و عَمِد به و لَزِبَ به إذا لَزِمه.
و قال الليث: العُمُدُّ: الشابّ الممتلى‏ء شباباً، و هو العُمُدَّانيّ و الجمع العُمُدَّنِيُّون.
و امرأةٌ عُمُدَّانِيَّة: ذات جسم و عَبَالة. و يقال عَمّدت السيل تعميداً إذا سدَدت وجه جِرْيته حتى يجتمع في موضع بتراب أو حجارة. شمر: يقال للقوم: أنتم عُمدّتنا أي الذين نعتمد عليهم. و كذلك الاثنان، و المرأة و الواحد و المرأتان. و عمود الصبح هو المستطير منه. و اعتمد فلان ليلته إذا ركبها يسري فيها. و اعتمد فلان فلاناً في حاجته و اعتمد عليه.
و قال أبو تراب: سمعتُ الغَنَوي يقول:
العَمَدُ و الضَمَدُ: الغضب.
قلت: و هو العَبَدُ و الأبَدُ أيضاً.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال العَمود و العِمَاد وَ العُمْدَةُ و العُمْدَان: رئيس العسكر و هو الزُوَير. و يقال لرِجْلي الظليم:
عَمُودان.
و قال ابن المظفر: عُمْدان: اسم جبل أو موضع. قلتُ: أُراه أراد: غُمَدان بالغين فصحّفه. و هو حِصْن في رأس جبل باليمن معروف. و كان لآل ذي يَزَن. قلت: و هذا كتصحيفه يوم بُعَاث وَ هو من مشاهير أيام العرب، فأخرجه في كتاب الغين و صَحَّفه.
دمع:
أبو عُبَيد عن الأصمعيّ: دمِعَتْ عينُه، بكسر الميم.
و قال الكسائيّ و أبو زيد: دَمَعت عينه بفتح الميم لا غير.

152
تهذيب اللغة2

دمع ص 152

أبو عبيد عن الأحمر: مِن سِمَات الإبل الدُّمُع، و هي في مجرى الدمْع. و بعير مَدْموع، و جَفْنة دامعة: ممتلئة، و قد دَمَعَت. و رَزِمت و قال لَبيد:
إذا جاء وِرْدٌ أُسْبلت بدُمُوع‏
يعني الْجَفْنَة.
أبو عبيد: من الشِجَاج الدامعة. و هو أن يسيل منها دَمٌ. و ثَرى دَامِع و مكان دامع و دَمَّاع إذا كانَ نَدِيّاً. وَ قَدَحٌ دَمْعَان إذا امتلأ فجعل يسيل من جوانبه.
و قال الليث: الدَّمْع: ماء العين.
و المَدمَع: مجتمع الدَّمْع في نواحي العين و جمعه مدامع. يقال: فاضت مدامعُه.
قال و الماقِيَان من المدامع، و المُؤْخِران كذلك. و امرأة دَمِعة: سريعة الدَّمْعة و البكاء و ما أكثَر دَمْعَتها، التأنيث للدَّمْعَة.
و قال ابن شميل: الدِّمَاع مِيسَم في المناظِر سائل إلى المَنْحِرْ، و ربما كان عليه دِمَاعَانِ. و الدُّمَّاعُ دُمّاع الكَرْم، و هو ما سال منه أيَّام الربيع.
و قال أبو عدنان: من المياه المدامع، و هي ما قَطَر من عُرْض جَبَل. قال:
و سألت العُقَيْليّ عن هذا البيت:
و الشمسُ تدمَع عيناها و مَنخِرُها             و هنّ يخرجن من بِيدٍ إلى بِيدِ
فقام أزعم أنها الظَّهِيرة إذا سال لُعَاب الشمس.
و قال الغَنَويّ: إذا عطِشت الدوابّ ذَرَفت عيونُها و سالت مناخرها. قال و الدمْع:
السيلان من الراوُوق وَ هو مِصْفاة الصَّبَّاغ.
قال و الإدْماع: مَلْ‏ء الإناء. يقال أَدْمِع مُشَقَّرك أي قَدَحك، قاله ابن الأعرابي.
دعم:
ابن شميل: يقال دَعَم الرجلُ المرأة بأيْره يَدْعَمُها و دَحَمَها. و الدعْم و الدحْمُ:
الطعن و إيلاجه أجمع.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الدُّعْمِيُّ: الفرس الذي في لَبَّته بياض. و الدُّعْمِيُّ: النجَّار.
أبو عبيد عن أبي زيد: إذا كانت زَرَانيق البئر من خشب فهي دِعَم. الليث:
الدعْمُ: أن يميل الشي‏ء فتَدْعمه بِدِعامٍ، كما تُدعَمُ عُرُوش الكَرْم و نحوِه.
و الدِّعَامة: اسم الخشبة التي تُدعم بها.
و المَدْعوم: الذي يميل فيريد أن يقع، فتدعَمَهُ ليستقيم. و أما المعمود فالذي تحامل الثقلُ عليه من فوق، كالسقف فعُمد بالأساطين المنصوبة. و الدِّعامتان:
خشبتا البكَرة. وَ دُعْمِيّ: اسم أبي حَيٍّ من ربيعة. و في ثقيف دُعْمِي آخر. و يقال للشي‏ء الشديد الدَّعام: إنه لدُعميُّ:
و أنشد:
اكْتَدَ دُعميّ الحوامِي جَسْرَبا
و يقال: لفلان دعْمٌ أي مال كثير. وَ جارية ذات دعْمٍ إذا كانت ذات شحم و لحم.
و قال الراجز:
لا دَعْمَ لي لكن بلَيْلي دَعْمُ             جارية في وركيها شحمُ‏
قوله: لا دَعْمَ لي أي لا سَمِن بي يَدْعمني أي يقوّيني: و دُعْميّ الطريق: مُعظمه.
و قال الراجز يصف الإبل:
و صَدَرَتْ تَبْتَدِر الثنيَّا             تركب من دُعْمِيها دُعْمِيّا

153
تهذيب اللغة2

دعم ص 153

و دُعمّيها: وسطها، دُعمِيّاً أي طريقاً موطوءاً.
عمرو عن أبيه قال: إذا كان في صدر الفرس بياض فهو أدْعَم، و إذا كان في خواصره فهو مُشَكَّل.
معد:
قال الليث: المَعِدَة: التي تستوعب الطعام من الإنسان. و المِعْدَةُ لغة، و قد مُعِدَ الرجل فهو ممعود إذا دَوِيَت مِعدتُه فلم يستمرى‏ء ما يأكله. و المَعْدُ كالجَذْب، تقول: مَعَدْتُه مَعْداً.
و قال الراحز:
هل يُرْوِيَنْ ذَوْدَكَ نَزْعٌ مَعْدُ             و ساقيان سَبِطٌ و جَعْدُ
قال ابن بزرج: نزْعٌ مَعْدٌ: سريع. و بعضٌ يقول: شديد، و كأنه ينزع من أسفل قَعْر الركيَّة. و يقال امتعد فلان سيفه منْ غِمده إذا استلّه و اخترطه، و جاء إلى رمحه و هو مركوز فامتَعَدَه. و جعل أحد السّاقيين جَعْداً و الآخر سَبِطاً لأن الجَعْد منهما أسود زنجيّ، و السَّبْط روميّ و إذا كانا هكذا لم يشتغلا بالحديث عن صنعتهما، و يقال: مَعَد في الأرض يَمْعَد إذا ذهب.
و ذنبٌ مِمْعَدٌ و ماعِد إذا كان يَجْذِب العَدْوَ جَذْباً.
و قال ذو الرمّة يذكر صائداً شبّهه في سرعته بالذئب:
كأنما أطماره إذا عَدَا             جَلَّلْن سِرْحان فلاةٍ مِمْعَدَا
أبو عبيد: المُتَمَعْدِدُ: البعيد. و قال مَعْن بن أَوْس:
قِفَا إنها أمست قِفَاراً و مَن بها             و إن كان مِن ذي وُدِّنَا قد تَمَعْدَدا
أي تباعد.
و قال شمر: قوله: المتمعدد البعيد لا أعلمه إلا من مَعَدَ في الأرض أي ذهب فيها، ثم صيّره تَفَعْلُلًا منه، وَ أنشد:
وَ خارِبان خَرَباً فمعَدَا             لا يَحْسِبَان اللَّه إلا رَقَدَا
و
في حديث عمر: اخشوشِنوا و تَمَعْددوا
و قال أبو عبيد: فيه قولان: يقال هو من الغِلَظ أيضاً. و منه يقال للغلام إذا شبّ و غلُظ: قد تَمَعْدَد.
و قال الراجز:
رَبَّيْتُه حتى إذا تَمَعْدَدا
و يقال تَمَعْدَدُوا: تشبّهوا بعيش مَعَدّ، و كانوا أهل قَشَف و غِلَظ في المعاش.
يقول: فكونوا مثلهم و دَعُوا التنَعُّم و زيّ العَجَم. و هكذا هو
حديث له آخر: عليكم باللِبسة المَعدِّية.
و قال الليث: التَمَعْدُد: الصبر على عيش مَعَدّ في الحضَر و السَّفَر. يقال: قد تَمَعْدَد فلان.
قال و إذا ذكرت أن قوماً ممن تحوّلوا عن مَعَدّ إلى اليمن ثم رجعوا قلت: تَمَعْدَدوا.
قال و المعَدّ- الدال شديدة-: اللحم الذي تحت الكتِف أو أسفلَ منها قليلًا و هو من أطيب لحم الجَنْب. و تقول العرب في مَثَل يضربونه: قد يأكل المَعَدَّين أكْلَ السَوْء.
قال و هو في الاشتقاق يخرج على مَفْعل، و يخرج على فَعَلّ على مثال (عَبَنّ) و عَلَدّ،

154
تهذيب اللغة2

معد ص 154

و لم يُشتقّ منه فِعل. أبو عبيد عن الأصمعي: المَعَدَّان: موضع رجلي الراكب من الفرس. أبو عبيد عن الكسائي: من أمثالهم: أن تسمع بالمُعَيْديّ خير من أن تراه.
و سمعت المنذريّ يقول سمعت أبا الهيثم يقول: تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه.
قال: و سمعت أبا طالب يقول: الكلام المختار: أن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه.
قال و بعضهم يقول: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. و إن شئت قلت: لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
قال أبو عبيد: كان الكسائيّ يرى التشديد في الدال فيقول المعَيْديّ.
و يقول: إنما هو تصغير رجُل منسوب إلى مَعدّ، يضرب مثلًا لمن خَبَره خير من مَرآته.
و كان غير الكسائي يرى تخفيف الدال و يشدّد ياء النسبة مع ياء التصغير.
و قال ابن السكيت: يقال في مثل: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. و هو تصغير مَعَدّيّ، إلّا أنه إذا احتمعَتْ تشديدة الحرف و تشديدة ياء النسبة مع ياء التصغير خَفَّفت تشديدة الحرف.
و قال الشاعر:
ضلَّت حُلُومُهُمُ عنهم و غرّهُمُ             سَنُّ المعيدِيّ في رَعْي و تعْزيب‏
يضرب لرجل الذي له صِيت و ذِكر، فإذا رأيته ازدريت مَرْآته. و كأنّ تأويله تأويل أمر. كأنه قال: اسمع به و لا تَره.
و قال شمر: المعَدّ: موضع رجل الفارس من الدابة، و من الرجُل مثله.
و أنشد بيت ابن أحمر:
فإمّا زلّ سَرجٌ عن مَعَدِّ             و أجدر بالحوادث أن تكونا
قال الأصمعي يخاطب امرأته فيقول إن زَلّ عنك سَرْجي فبِنْتِ بطلاقٍ أو بموتٍ فلا تتزوجي هذا المطروق و هو قوله:
فلا تَصِلي بمطروقٍ إذا ما             سَرَى في القوم أصبح مُستكينا
و قال ابن الأعرابي معناه: إن عُرِّي فرسي من سرجه و مُتّ.
فَبلِّي يا غَنِيَّ بأَرْيَحِيىِّ             من الفتيان لا يمسي بطينا
و أنشد شمر في المَعَدِّ من الإنسان:
و كأنما تحت المعَدّ ضئيلة             ينفي رقادك سمُّها و سِمَامها
يعني الحيّة. و المعْد و المغْد: النَتْف، بالعين و الغين.
مدع:
روى ثعلب عن ابن الأعرابي:
المَدْعيِّ: المتّهم في نسبه قلت: كأنه جعله من الدعوة في النسب. و ليست الميم أصلية.
أبواب العين و التاء
ع ت ظ
مهمل.
ع ت ذ
استعمل من وجوهه: [ذعت‏].

155
تهذيب اللغة2

ذعت ص 156

ذعت:
قال الليث: ذَعَتَ فلان فلاناً في التراب ذَعْتاً إذا مَعَكه فيه مَعْكاً.
و قال أبو تراب: قال أبو زيد: ذَأَتَه ذَأْتاً، و ذَعَتَه ذَعْتاً، و هو أشدّ الخَنْقِ.
و قال ابن شميل: ذَعَتَه يَذْعَتُه ذَعْتاً إذا خَنَقه. و كذلك زَمَتَه زَمْتاً إذا خنقه.
ع ت ث‏
مهمل.
باب العين و التاء مع الراء
 [ع ت ر]
عتر، عرت، ترع، تعر، رتع:
مستعملات.
عتر- [عرت‏]:
أبو عبيد عن أبي عُبَيدة:
الرُمح العاتر: المضطرب، مثل العاسِل.
و قد عَتَر و عَسَل.
و قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: و من الرماح العَرّات و العَرَّاص، و هو الشديد الاضطراب. و قد عَرِت يَعْرَت و عَرِص يَعْرَص. قلت: قد صح عَتَر و عَرَت و دلّ اختلاف بنائهما على أن كل واحد منهما غير الآخر.
و قال الليث في عَتر الرمح يَعْتِر مثله.
و
في حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: لا فَرَعة و لا عَتِيرة.
قال أبو عبيد: العَتِيرة هي الرَجَبيّة، و هي ذَبيحة كانت تُذبح في رجب يتَقرَّب بها أهل الجاهليّة، ثم جاء الإسلام فكان على ذلك حتى نُسِخَ بعدُ.
قال: و الدليل على ذلك‏
حديث مِخْنَف بن سُلَيْم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:
 «إن على كل مسلم في كلّ عام أَضْحاةً و عَتِيرة»
. و قال أبو عبيد: الحديث الأوّل ناسخ لهذا يقال منه: عَتَرتُ أعتِر عَتْراً.
و قال الحارث بن حِلِّزة يذكر قوماً أخذوهم بذَنْب غيرهم فقال:
عَنَنَاً باطلًا و ظُلماً كما             تُعْتَرُ عن حَجْرة الربيض الظِباءُ
قال: و قوله: كما تُعْتَر يعني العَتِيرَة في رجب، و ذلك أن العرب في الجاهلية كانت إذا طلب أحدهم أمراً نَذر: لئن ظفِر به ليذبحنّ من غَنَمه في رجب كذا و كذا، و هي العتائر، فإذا ظفِر به فربّما ضنّ بغنمه- و هي الربِيض- فيأخذ عدَدها ظباءً فيذبحها في رجب مكانَ تلك الغنم، فكانت تلك عتائره فضرب هذا مثلًا.
يقول: أخذتمونا بذنب غيرنا، كما أُخِذت الظباء مكان الغنم.
و قال الليث في العتائر نحواً ممّا فسَّر أبو عبيد، و أنشد:
فخرّ صريعاً مثل عاتِرة النُّسْكِ‏
قال: و إنما هي معتورة، و هي مثل عِيشَةٍ راضِيَةٍ* [الحَاقَّة: 21] و إنما هي مَرْضيّة.
و قال زهير في العِتْر:
كمَنْصِب العِتْر دمَّى رأسَه النُسُكُ‏
أراد بمنصب العِتْر صنماً كان يقرَّبُ له عِتْرٌ أي ذِبْح فيُذبَح له و يصيب رأسُه من دم العِتْر.
الحرّاني عن ابن السكيت قال: العَتْر

156
تهذيب اللغة2

عتر عرت‏ ص 156

مصدر عَتَر الرمح يَعْتِر عَتْراً إذا اضطرب.
قال: و العَتَّر مصدر عَتَر يَعْتِر عَتْراً إذا ذَبَح العَتِيرة. و هي ذبيحة كانت تُذْبح في رجبٍ للأصنام و العتْر: المذبوح. قال و العِتْر أيضاً: ضرْبٌ من النبت. و العتْر: الأصل، و منه قولهم: عادت لِعِتْرها لمِيسُ.
ثعلب عن ابن الأعرابي: العِتْرة: الرِيقة العَذْبة. و العِتْر: القطعة من المِسْك.
و العِتْرة: شجرة تنبت عند وِجَار الضبّ، فهو يُمَرِّسها فلا تَنْمي. و يقال: هو أذلّ من عِتْرة الضبّ.
وَ
رَوى شَرِيك عن الركين عن القاسم بن حسّان عن زيد بن ثابت قال: قال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إني تارك فيكم الثَقَلين خَلْفي: كتابَ اللَّه و عِترتي، فإنهما لن يتفرقا حتى يردَا عليّ الحوض»
. قال محمد بن إسحاق: و هذا حديث حسن صحيح، و رفعه نحوه زيد بن أرقم و أبو سعيد الخُدْرِيّ. و
في بعضها: «إني تارك فيكم الثَقَلين: كتاب اللَّه و عِتْرتي أهل بيتي.
فجعل العِترة أهل البيت.
و قال أبو عبيد: عِتْرة الرجل و أُسْرته و فَصِيلته: رَهْطُه الأدنَوْن.
و قال ابن السكيت: العِتْرة مثل الرَهْط.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العِتْرة ولد الرجل و ذُرّيته و عَقِبهُ من صُلْبه. قال فعِتْرة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: ولد فاطمة البَتُولِ عليهم السّلام.
و روى ابن الفرج عن أبي سعيد قال:
العِتْرة: ساق الشجرة. قال: و عِترة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: عبد المطلب و وَلده. قال:
و مِن أمثالهم: عادت لعِتْرها لَميس و لعِكْرها أي أصلها.
و قال ابن المظفر: عِتْرة الرجل: أقرباؤه من وَلد عَمّه دِنْيا. و قيل: عِتْرة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:
أهل بيته، و هم آله الذين حُرّمَت عليهم الصَّدَقة المفروضة و هم ذوو القربى الذين لهم خمس الخمس المذكور في سورة الأنفال قال الأزهري و هذا القول عندي أقربها و اللَّه أعلم. و عِترة الثغر إذا رَقّت غُرُوب الأسنان و نقِيَت و جرى عليها الماء يقال: إن ثغرها لذو أُشرة و عِتْرة قال و عِتْرة المِسْحاة: خشبتها التي تسمَّى يد المِسحاة.
و احتجّ القتيبيّ في أن عترة الرجل أهل بيته الأقربون و الأبعدون بحديث‏
رُوي عن أبي بكر أنه قال: نحن عِترة رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم التي تفقَّأَت عنه.!
قال الأزهري: و رَوَى عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة عن عبد اللَّه قال: لما كان يوم بدرٍ و أخذ رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم الأُسَارى قال:
ما ترون في هؤلاء؟ فقال عمر: كذَّبوك و أخرجوك، ضَرِّبْ أرقابهم. فقال أبو بكر يا رسول اللَّه: عِترتُك و قومك، تجاوزْ عنهم يستنقذْهم اللَّه بك من النار
، في حديث طويل.
و قال أبو عبيد في غير هذا: العِتْر واحدها عِتْرة: شجر صغار.
و أخبرني المنذري عن أبي الحسن الأسَدي عن الرياشي قال: سألت الأصمعي عن العِتْر فقال: هو نبتٌ ينبت، مثل‏

157
تهذيب اللغة2

عتر عرت‏ ص 156

المَرْزَنْجوش متفرَّقاً. قال: و أنشدنا بيت الهذليّ:
و ما كنتُ أخشى أن أعيش خلافَهم             لستّة أبيات كما ينبت العِتْر
يقول: هذه الأبيات متفرقة مع قلَّتها كتفرّق العِتْر في منبته.
و قال ابن المظفر: العِتْر: بقلة إذا طالت قُطِعَ أصلها فيخرج منه لَبَن. ثم ذكر بيت الهذليّ لأنه إذا قُطِع نبتت من حواليه شُعَبٌ ستّ أو ثلاث.
قلت: و القول ما قاله الأصمعي.
و قال الليث: عِتْوَارَة اسم حيّ من كَنَانَة و أنشد:
من حَيّ عِتْوَار و من تَعَتْوَرا
و قال المبرّد: العَتْوَرَة: الشِدّة في الحرب.
و بنو عِتْوَارة سُمِّيَتْ بهذا لقوّتها. قال و عِتْوَر: اسم وادٍ خشِن المَسْلَك.
ثعلب عن ابن الأعرابي: العَتَر: الشِّدة و القوّة في جميع الحيوان. قال: و العُتُر:
الفُرُوج المُنْعِظة واحدها عَاتِر و عَتُور.
و العَتّار: الرجل الشجاع، و الفَرس القويّ على السَّير، و من المواضع: الوحشُ الخشِن.
و قال المبرّد: جاء على فِعْوَل من الأسماء خِرْوَع و عِتْوَر و هو الوادي الخشِن التُرْبةِ.
و بنو عِتْوَارة كانوا أُولِي صَبْرٍ و خشونة في الحروب.
ترع:
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «إن منبري هذا على تُرْعَة من تُرعِ الجنّة»
. قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: التُّرْعة:
الروضة تكون على المكان المرتفِع خاصّة، فإذا كانت في المكان المطمئنّ فهي رَوْضة.
قال أبو عبيد: و قال أبو زياد الكلابي:
أحسنُ ما تكون الروضة على المكان الذي فيه غِلظٌ و ارتفاع. و أنشد قول الأعشى:
ما رَوْضة من رياض الحَزْن مُعْشبة             خضراء جاد عليها مُسْبلٌ هَطِل‏
روى أبو يعلى عن الأصمعي عن حمّاد بن سَلَمَة أنه قال: قرأت في مصحف أبيّ بن كعب: (و تَرَّعَتْ الأبواب). قال الأزهري:
هو في موضع وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ [يوسف: 23].
قال أبو عبيد: و قال أبو عمرو: التُّرعَة:
الدَّرَجة. قال أبو عبيد: و قال غيرهم:
التُّرعَة: الباب، كأنه قال: منبري على باب من أبواب الجنّة. قال ذلك سَهْل بن سعد الساعديّ، و هو الذي رَوَى الحديث. قال أبو عبيد: و هو الوجه عندنا.
و روى أبو العباس عن عمرو عن أبيه التُّرْعَة: مَقَام الشاربة من الحوض، و التُّرعَة: الباب، و التُّرعَة: المِرْقاة من المنبر.
و
في حديث آخر أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إن قَدَمَيَّ على تُرْعَة من تُرْعِ الحوض».
قلت: ترعة الحوض: مَفتَح الماء إليه.
و منه يقال أَتْرَعْتُ الحوض إتراعاً إذا ملأتَهُ و أترعْتُ الإناء مثله، فهو مُتْرعٌ و سحابٌ تَرِع كثير المطر.

158
تهذيب اللغة2

ترع ص 158

قال أبو وَجْزَة:
كأنما طرَقَتْ ليلى مُعَهَّدَةً             من الرياض ولاها عَارِض تَرعُ‏
و قال الليث: التَّرَع: امتلاء الشي‏ء، و قد أترعت الإناء، و لم أسمع تَرِعَ الإناء، و لكن يقال: تَرِعَ الرجل ترعاً إذا اقتحم الأمر مَرَحاً، و إنه لمُتَتَرِّع إلى الشرّ، و أنشد:
الباغي الحرب يسعى نحوها ترِعاً             حتى إذا ذاق منها جاحِماً بَردَا
أبو عبيد عن الكسائي: هو تَرِعٌ عَتِل و قد تَرِعَ تَرَعاً و عَتِل عَتَلًا إذا كان سريعاً إلى الشرّ.
قال أبو عبيد: و المتترِّع الشرّير، يقال تَتَرَّع فلان إلينا بالشرّ إذا تسرّع. أبو العباس عن ابن الأعرابي: حوضٌ تَرِعٌ و مُتْرِعٌ أي مملوءٌ. قال و التَّرِع: السفيه السريع إلى الشرّ، و نحو ذلك رَوَى الحَرّاني عن ابن السكيت قال: رجل تَرِعٌ إذا كانت فيه عَجَلة، و قد تَرِع تَرَعاً، و هذا حوضٌ تَرِعٌ أي مملوء.
و قال ابن الأعرابي: التَّرَّاع: البوّاب، و التُّرْعَة: الباب.
و روى أبو زيد عن الكلابيين: فلان ذو مَتْرَعة إذا كان لا يغضب و لا يَعْجَل.
قلت: و هذا ضدّ الترِع.
رتع:
قال اللَّه جلّ و عزّ مخبِراً عن إخوة يوسف و قولهم لأبيهم يعقوب عليه السّلام أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ‏
 [يوسف: 12].
قال الفرّاء: يَرْتَعْ‏
، العين مجزومة لا غير؛ لأن الهاء في قوله أَرْسِلْهُ معرفة و غَداً معرفة فليس في جواب الأمر و هو يَرْتَعْ‏
 إلّا الجزم. قال: و لو كان بدل المعرفة نكرة كقولك: أرسِل رجلًا يرتع جاز فيه الرفع و الجزم، كقول اللَّه جلّ و عزّ (ابعث لنا ملكاً يقاتلْ في سبيل الله) [البقرة:
246] و يقاتلُ، الجزم لأنه جواب الشرط، و الرفع على أنه صلة للملِك كأنه قال:
ابعث لنا الذي يقاتل.
و أخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال:
الرَّتْعُ: الرَعيُ في الخِصْب. قال: و منه قولهم: القَيْدُ و الرَّتَعَة، و يقال: الرَّتَعة.
قال: و معنى الرَّتْعَة: الخِصْب. و من ذلك قولهم هو يَرتَع أي إنه في شي‏ء كثير لا يُمْنَع منه فهو مخصبٌ.
قلت: و العرب تقول: رَتَع المالُ إذا رَعَى ما شاء، و أرْتَعْتُها أنا. و الرَّتْع لا يكون إلا في الخِصْب و السِعَة. و إبل رِتَاع و قوم مرتِعون و راتعون إذا كانوا مخاصيب.
و قال أبو طالب: سَمَاعي من أبي عن الفرّاء: القَيْد و الرَّتَعة، مُثقّل. قال: و هما لغتان: الرَّتْعَة و الرَّتَعَة.
قال أبو طالب: و أوّل من قال القيد و الرتْعة عمرو بن الصَّعِق بن خويلد بن نُفَيل بن عمرو بن كلاب، و كانت شاكرُ من هَمْدَان أسروه فأحسنوا إليه و روّحوا عنه، و قد كان يوم فارق قومه نحيفاً فهَرَب من شاكِرَ فلما وصل إلى قومه قالوا: أَيْ عمرو خرجْتَ من عندنا نحيفاً و أنت اليوم بادِنٌ، فقال: القيد و الرتْعَة فأرسلها مثلًا.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الرَّتْع: الأكل‏

159
تهذيب اللغة2

ترع ص 158

بشَرَهِ، يقال: رَتَعَ يَرْتَع رَتْعاً و رِتَاعاً، و الرَّتَّاع: الذي يتتبّع بإبله المراتع المخصِبَة.
و قال شمر: يقال أتيت على أرض مُرْتِعَة و هي التي قد طمِع ما لها من الشِبَع، و قد أرتع المالُ و أرتَعَت الأرضُ و غيثٌ مُرْتِع:
ذو خِصْبٍ. و قولهم فلان يرتع قال أبو بكر معناه: هو مُخصب لا يَعْدَم شيئاً يريده.
و قال أبو عبيدة: معنى يَرْتَعْ‏
: يلهو.
و قال في معنى قوله: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ‏
 أي يلهو و يَنعَم. و قال غيره: معناه: يسعى و ينبسط. و قيل معنى قوله يَرْتَعْ‏
: يأكل. و احتجّ بقوله:
و حبيب لي إذا لاقيته             و إذا يخلو له لحمي رَتَعْ‏
معناه: أكله. و من قرأ (نرتع) بالنون أراد:
ترتع إبلنا:
تعر:
أهمله الليث و روى أبو عبيد عن الأموي: جُرْح تغار بالغين إذا كان يسيل منه الدم.
قال أبو عبيد: و قال غيره: جُرْحٌ نَعَّار بالنون و العين.
قلت: و سمعت غير واحد من أهل العربية بهراة يزعم أن (تغار) بالغين تصحيف، فقرأت في «كتاب أبي عُمَر الزاهد» رواية عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: جُرْحٌ تَعّار بالتاء و العين و تَغّار بالتاء و الغين و نَعّار بالنون و العين بمعنى واحد، و هو الذي لا يرقأ فجعلها كلّها لغاتٍ و صحّحها. و العين و الغين في تعّار و تغّار تعاقبا، كما قالوا: العَبِيثة و الغبِيثة بمعنى واحد.
قلت: و تِعَار: اسم جبل في بلاد قيس.
و قد ذكره لبيد:
إلّا يرمرم أو تِعَار
ثعلب عن ابن الأعرابي: التعَر: اشتعال الحرب.
باب العين و التاء مع اللام‏
 [ع ت ل‏]
عتل، تلع، تعل: مستعملة.
علت، لتع، لعت: مهملة.
عتل:
قال اللَّه جلّ و عزّ: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى‏ سَواءِ الْجَحِيمِ‏
 [الدّخَان: 47] و قال في موضع آخر: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ‏
 [القلم: 13] قرأ عاصم و حمزة و الكسائي:
فَاعْتِلُوهُ‏
 بكسر التاء، و كذلك قرأ أبو عمرو. و قرأ ابن كَثِير و نافع و ابن عامر و يعقوب: (فاعتُلوه) بضمّ التاء. قلت: هما لغتان فصيحتان، يقال: عَتَلَهُ يَعَتِله و يَعتُله.
و
رَوَى الأعمش عن مجاهد في قوله خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ‏
 أي خذوه فاقصِفوه كما يُقصَف الحَطَب.
و قال أبو مُعَاذ النحويّ: العَتْل: الدَفْع و الإرهاق بالسَّوْق العنيف. و أخبرني المنذريّ عن الحرّاني عن ابن السّكّيت:
عَتَلْتُهُ إلى السجن و عَتَنْتُه فأنا أعْتِلُه و أعْتُلُه و أعْتِنُه و أعْتُنُه إذا دفعتَه دَفْعاً عنيفاً.
و قال الليث: العَتْلُ: أن تأخذ بتَلْبيب الرجل فتعتِلَه، أي تجرّه إليك و تذهب به‏

160
تهذيب اللغة2

عتل ص 160

إلى حَبْس أو بَلِيَّة. و أَخَذ فلان بِزِمام الناقة فعتَلها إذا قادها قَوْداً عنيفاً.
و يقال: لا أَتَعَتَّل معك شِبْراً أي لا أبرح مكاني و لا أجي‏ء معك.
و أمّا قوله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ‏
 [القلم: 13] جاء في التفسير أن العُتُلّ ههنا: الشديد الخصومة، و جاء في التفسير أيضاً أنه: الجافي الخُلُقِ اللئيمُ الضَرِيبةِ، و هو في اللغة: الغليظ الجافي. أبو عبيد عن أبي عمرو: العَتَلَة: بَيْرَم النَجّار.
و قال الليث: هي حديدة كأنها حَدّ فأسٍ عريضة في أصلها خشبة، تُحفر بها الأرض و الحيطان، ليست بمُعَقَّفَةٍ كالفأس، و لكنها مستقيمة مع الخشبة.
قال: و رجل عُتُلٌّ: أكول مَنُوع.
و قال أبو عبيد: العَتَلُ: القسِيّ الفارسية.
و قال أُمية:
يَرمُونَ عن عَتَل كأنها غُبُطٌ             بزَمْخَرٍ يُعجل المَرمِيّ إعجالًا
قال: واحدتها عَتَلة.
أبو عبيد عن الكسائي: إنك لعَتِلٌ إلى الشرّ أي سريع، و قد عَتِل عتَلًا.
الحرّاني عن ابن السّكّيت: العَتِيل: الأجير بلغة طي‏ء، و جمعه العُتَلَاء.
و قال ابن شميل: العَتَلَة: المدَرَة الكبيرة تتقلّع من الأرض إذا أثيرت.
و قال ابن الأعرابي: العَاتِل الجِلْوَاز، و جمعه عُتُلٌ. قال: و العَتِيل: الأجير و جمعه عُتُلٌ أيضاً. و في «النوادر»: داءٌ عَتِيل شديد و العتيل: الخادم.
تلع:
من أمثال العرب: فلان لا يمنَع ذنَبَ تَلْعه يضرب للرجل الذليل الحقير.
و التَّلْعَة: واحدة التِّلَاع.
قال أبو عبيد: و هي مجاري الماء من أعالي الوادي. قال: و التلاع أيضاً:
ما انهبط من الأرض. قال و هي من الأضداد.
و أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال في مَثل: ما أخاف إلا من سَيْلِ تَلْعَتِي أي من بني عمّي و ذوي قرابتي. قال: و التَّلْعَة: مَسِيل الماء؛ لأن من نزل التَّلْعَة فهو على خَطَر: إن جاء السيل جَرف به. قال: و قال هذا و هو نازل بالتَّلْعة فقال: لا أخاف إلا من مَأَمَنِي. و قال شمر: التِلاع: مسايل الماء تسيل من الأسناد و النِجَاف و الجبال حتى تنصبّ في الوادي. قال و تَلْعة الجبل: أن الماء يجي‏ء فيخُدّ فيه و يحفره حتى يخلُص منه. قال: و لا تكون التِلَاع في الصحارى. قال و التَّلْعة ربما جاءت من أبعد من خمسة فراسخ إلى الوادي. قال:
و إذا جَرَت من الجبال فوقعت في الصحارى حَفَرت فيها كهيئة الخنادق. قال و إذا عظمت التَّلْعَة حتى تكون مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهي مَيْثاء. و قال ابن شميل: من أمثالهم في الذي لا يوثق به:
إني لا أثق بسَيل تَلْعتك أي لا أثق بما تقول و ما تجي‏ء به. قلت: فهذه ثلاثة أمثال جاءت في التَّلْعة. و قال الليث:
التَّلْعة: أرض ارتفعت و هي غليظة يتردّد فيها السيل، ثم يَدْفع منها إلى تَلْعَة أسفل‏

161
تهذيب اللغة2

تلع ص 161

منها. و هي مَكَرَمة من المنابت.
أبو عبيد: التَّتَلُّع: التقدّم. و أنشد لأبي ذؤيب:
فَوَردْنَ و العَيُّوقُ مقعدَ رابى‏ءُ الض             رباء فوق النجم لا يتَتَلَّعُ‏
الأصمعي: الأتلع: الطويل. قال أبو عبيد: و أكثر ما يراد بالأتلع: طول عُنُقه.
و قال الليث: يقال: هو أتلع و تَلِع للطويل العُنُق. قال: و رجل تَلِعٌ: كثير التلفّت.
قال: و رجل تَلِعُ بمعنى التَرِع. قال:
و يقال: لزم فلان مكانه فما يَتَتَلَّعُ و ما يَتَتَالَع أي لا يرفع رأسه للنهوض، و إنه ليَتَتَالع في مشيه إذا مَدّ عنقه و رفع رأسه. قال:
و يقال: تَلَع فلان رأسه إذا أخرجه من شي‏ء كان فيه، و هو شبه طَلَع، إلّا أنّ طلع أعمّ. و تَلَع الثورُ إذا أخرج رأسه من الكِنَاس. قلت: المعروف في كلام العرب أتلع رأسه إذا أطلعه فنظر؛ و تلع الرأسُ نفسُه. و قال الشاعر:
كما أتلعَت من تحت أَرْطى صريمةٍ             إلى نَبْأة الصوت الظباءُ الكوانِس‏
و يقال: تَلَع النهار إذا ارتفع يَتْلَع تلُوعاً.
و جِيدٌ تَلِيع: طويل. و مُتَالِع: جبل بناحية البحرين بين السَوْدة و الأحساء. و في سفح هذا الجبل عَين يسيح ماؤها، يقال لها:
عين مُتَالِع.
تعل:
أهمله الليث و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: التعَل: حرارة الحلق الهائجة.
و أما عَلَتَ فمهمل.
باب العين و التاء مع النون‏
 [ع ت ن‏]
عتن، عنت، نتع، نعت: مستعملة.
عتن:
أهمل الليث عتن و هو مستعمل، أخبرني المنذريّ عن الحَرّانيّ عن ابن السكّيت قال: يقال: عَتَله إلى السِجْن و عَتَنه يَعْتِنه و يَعْتُنه عَتْناً إذا دفعه دَفْعاً عَنيفاً. أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ قال:
العُتُن: الأشِدَّاء، جمع عَتُونٍ، و عاتِنٍ إذا تشدّد على غريمه و آذاه.
عنت:
قال اللَّه عزّ و جلّ: لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ‏
 [النِّساء: 25] نزلت الآية فيمن لم يستطع طَوْلًا أي فَضْل مالٍ ينكح به حُرّة، فله أن ينكح أمَة، ثم قال: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ‏
. و هذا يوجب أن من لم يخش العَنَت و وجد طَوْلًا لحُرَّة أنه لا يحلّ له أن ينكح أَمَة. و اختلف الناس في تفسير العَنَت. فقال بعضهم: معناه:
ذلك لمن خاف أن يحمله شدّة الشَّبَق و الغُلْمة على الزنى فيلقى العذاب العظيم في الآخرة، و الحَدَّ في الدنيا. و قال بعضهم:
معناه: أن يعشق أَمَة، و ليس في الآية ذكر عشق، و لكن ذا العِشقِ يلقى عَنَتاً. و قال أبو العباس محمد بن يَزيد الثُمَاليّ: العَنَت ههنا: الهلاك. و أخبرني المنذريّ عن أبي الهَيْثَم أنه قال: العَنَت في كلام العرب:
الجَوْر و الإِثْم و الأَذَى. قال: فقلت له:
آلتعنُّت من هذا؟ قال: نعم، يقال: تعنت فلان فلاناً إذا أدخل عليه الأَذَى. و قال أبو إسحاق الزجَّاج: العَنَت في اللغة: المَشَقَّة الشديدة؛ يقال: أكمَة عَنُوت إذا كانت شاقَّة

162
تهذيب اللغة2

عنت ص 162

المَصْعَد. قلت: و هذا الذي قاله أبو إسحاق صحيح، فإذا شَقَّ على الرجل العُزْبة و غلبته الغلْمة و لم يجد ما يتزوّج به حُرّة فله أن ينكح أَمَة؛ لأن غلبة الشهوة و اجتماعَ الماء في صُلْب الرجل ربما أدّى إلى العِلَّة الصعبة، و اللَّه أعلم.
و قول اللَّه عزّ و جلّ: وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ‏
 [البقرة: 220] معناه: و لو شاء اللَّه لشدَّد عليكم و تعبَّدكم بما يَصعب عليكم أداؤه؛ كما فَعل بمن كان قبلكم.
و قد يوضع العَنَت موضع الهلاك، فيجوز أن يكون معناه: لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ‏
 أي أهلككم بحكم يكون فيه غير ظالم. و قول اللَّه عزّ و جلّ: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ‏
 [التّوبَة: 128] معناه: عزيز عليه عَنَتكم، و هو لقاء الشدّة و المشقّة. و قال بعضهم:
معناه: عزيز عليه أي شديد ما أعنتكم أي ما أوردكم العَنَت و المَشَقَّة. و قوله عزّ و جلَّ: وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ‏
 [الحُجرَات:
7] أي لو أطاع مثل المُخْبِر الذي أخبره بما لا أصل له- كان سعى بقوم من العرب إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنهم ارتدّوا- لوقعتم في عَنَت أي فساد و هلاك. و هو قوله عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ [الحُجرَات: 6] الآية.
و قال الليث: يقال: أعنت فلان فلاناً إعناتاً إذا أدخل عليه عَنَتاً أي مَشَقَّة.
قال: و تعنَّته تعنُّتاً إذا سأله عن شي‏ء أراد به اللَبْس عليه و المشَقَّة.
قال: و العَظْم المجبور يصيبه شي‏ء فَيُعْنِته.
قلت: معناه: أنه يَهيضه، و هو كسر بعد انجبار، و ذاك أشدّ من الكسر الأوّل.
و قال ابن شُمَيل: العَنَت: الكسر، و قد عنِتَت يده أو رجله أي انكسرت. و كذلك كل عظم. و أنشد:
فداوِ بها أضلاع جنبيك بعدما             عَنِتن و أعيتك الجبائر من عَلُ‏
و قال النَضْر: الوَثْ‏ءُ ليس بعَنَت، لا يكون العَنَت إلا الكسر. و الوَثْ‏ء: الضرب حتى يَرْهَص الجلدَ و اللحم و يصل الضرب إلى العظم من غير أن ينكسر.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
الإعنات: تكليف غير الطاقة.
و يقال: أعْنت الجابر الكسيرَ إذا لم يَرفُق به، فزاد الكسرَ فساداً. و كذلك راكب الدابَّة إذا حمله على ما لا يحتمله من العُنْف حتى يَظْلعَ فقد أعْنته. و قد عنِتَت الدابَّة. و جُملة العَنَت الضرر الشاقّ المؤذي. و العُنْتُوت: العَقَبة الكَئُود الشاقَّة، و هي العَنُوت أيضاً، قاله ابن الأعرابيّ و غيره.
قال: و عُنْتُوت القوس: هو الحَزّ الذي تدخل فيه الغانة، و الغانة: حَلْقة رأس الوَتَر.
و قال ابن الأنباريّ: أصل العَنَت التشديد و تعنَّته إذا ألزمه ما يصعُب عليه.
نعت:
قال الليث: النَّعْت: وصفك الشي‏ء تَنْعته بما فيه و تبالغ في وصفه.
قال: و كلّ شي‏ء كان بالغاً تقول له: هذا

163
تهذيب اللغة2

نعت ص 163

نَعْت أي جيّد بالغ.
قال: و الفرس النَّعْت: الذي هو غاية في العِتْق. و ما كان نعتاً و لقد نَعُتَ ينعُت نَعَاتة. فإذا أردت أنه تكلَّف فعله قلت:
نعِت.
قال: و استنعتُّه أي استوصفتُه. و جمع النعت نُعُوت.
و قال غيره: فرس نَعْت و مُنْتَعِت إذا كان موصوفاً بالعِتْق و الجَودة و السَبْق.
و قال الأخطل:
إذا غرّق الآلُ الإكامَ علونه             بمنتعِتات لا بغالٍ و لا حُمُرْ
و المنتعِت من الدوابّ و الناس: الموصوف بما يفضّله على غيره من جنسه. و هو مفتعل من النعت. يقال: نعتّه فانتعت؛ كما يقال: وصفته فاتّصف. و منه قول أبي دُواد الإياديّ:
جار كجار الحُذَاقيّ الذي اتّصفا
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: أنْعَتَ إذا حَسُن وجههُ حتى يُنْعَت.
نتع:
قال ابن المظفّر: نَتَع العَرَق نُتُوعاً. و هو شِبه نَبَع نُبوعاً، إلا أن نَتَع في العَرَق أحسن.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال أنتع الرجلُ إذا عرق عَرَقاً كثيراً.
و قال شمر: قال خالد بن جَنْبة في المتلاحِمة من الشِجَاج: و هي التي تشقّ الجِلد فتزِلّه فينتِعُ اللحم و لا يكون للمسْبار فيه طريق.
قال: و النَّتْع: ألَّا يكون دونه شي‏ء من الجِلد يواريه، و لا وراءه عَظْم يخرج قد حال دون ذاك العظم، فتلك المتلاحمة.
 [باب العين و التاء مع الفاء]
ع ت ف‏
استعمل من وجوهه: عتف، عفت.
عتف:
أهمل الليث و غيره عتف.
روى أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ قال:
العُتُوف: النَتْف.
و قال أبو بكر محمد بن دُرَيد: مضى عِتْف من الليل و عِدْف من الليل أي هَوِيّ.
عفت:
قال الليث بن المظفّر: عَفَت فلان الكلامَ عَفْتاً، و هو أن يَلْفِته و يكسره.
و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: امرأة عفتاء و عفكاء و لَفْتاء، و رجل أعفت أعفك ألْفت، و هو الأخرق.
و قال في موضع آخر: الألْفت: الأعسر، و كذلك الأَعْفت. قال: و إنما سُمّي ألْفت لأنه يعمل بجانبه الأميل. قال: و كلّ ما رميته إلى جانبك فقد لَفَتَّه. أبو عُبَيد عن أبي زيد: عَفَت فلان عظم فلان، يَعْفِته عَفْتاً: إذا كسره. قلت: العَفْت و اللفت: اللَيّ الشديد و كل شي‏ء ثَنَيتَه فقد عَفَتَّه تعفِته عَفْتاً. و إنك لتَعْفِتني عن حاجتي أي تثَنيني عنها.
و يقال للعصِيدة: عَفِيتة و لَفيتة.
و قال الأصمعيّ: العِفَّتانيّ: الرجل الجَلْد القويّ، رواه عنه أبو نصر؛ و أنشد:
بعد أزابي العفِتَّانّي الغَلِث‏

164
تهذيب اللغة2

عفت ص 164

قلت: و مال عفتان في كلام العرب سِلِّجان يقال ألقاه في سلجانه أي حَلْقه.
 [باب العين و التاء مع الباء]
ع ت ب‏
عتب، تبع، تعب، بتع: مستعملة.
عتب:
قال اللَّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ‏
 [فُصْلَت: 24].
و قال أبو مُعَاذ النحويّ: قرى‏ء: (و إن يُسْتَعْتَبوا).
قال: و معناه: إنْ أقالهم اللَّه و ردّهم إلى الدنيا لم يُعتِبوا، يقول: لم يعملوا بطاعة اللَّه؛ لِمَا سبق لهم في علم اللَّه من الشقاء، و هو قول اللَّه جل و عزّ: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الأنعَام:
28].
قال: و مَن قرأ: وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ‏
 فمعناه: إن يستقيلوا ربهم لم يُقِلْهُم؛ تقول استعتبت فلانا فما أعتبني؛ كقولك: استقلته فما أقالني. قلت: و هذا الذي قاله أبو معاذ في القراءتين حسن إن شاء اللَّه.
و قال ابن شُمَيل و ابن المظفّر: العَتْب:
المَوْجِدة؛ تقول: عَتَب فلان على فلان عَتْباً و مَعْتِبة إذا وَجَد عليه. و قد أعتبني فلان أي ترك ما كنت أجِد عليه من أجله، و رجع إلى ما أرضاني عنه بعد إسخاطه إيّاي عليه.
و
قال أبو عُبيد: رُوي عن أبي الدرداء أنه قال: معاتبة الأخ خير من فَقْده.
قال فإن استُعتِب الأخ فلم يُعْتِب فإن مثلهم فيه قولهم: لك العُتْبى بأن لا رضِيت، و هذا فعل محوّل عن موضعه؛ لأن أصل العُتْبى رجوع المستعتَب إلى محبّة صاحبه، و هذا على ضدّه. يقول:
أُعتِبك بخلاف رضاك.
و أنشد لبِشْر:
غَضِبت تميم أن تَقَتّل عامر             يوم النِسَار فأُعْتِبوا بالصَيْلم‏
أُعتِبوا أي أُرضوا بالاصطلام.
و قال آخر:
فدع العتاب فربّ شرْ             رٍ هاج أولَه العتابُ‏
و العُتْبى: اسم على فُعْلى يوضع موضع لإعتاب، و هو الرجوع عن الإساءة إلى ما يُرْضي العاتب.
و قال الليث: استعتَب فلان إذا طلب أن يُعْتَب أي يُرضَى.
قال: و استَعتَب أيضاً بمعنى أعتب.
و أنشد:
فألفيته غير مستعتِب             و لا ذاكرِ اللَّه إلا قليلا
قال الأزهري: قوله: غير مستعتِب أي غير مستقيل أي طالب أن يقال و قوله: و لا ذاكر اللَّه إلا قليلًا أي و لا ذاكرٍ اللَّه، فحذف التنوين.
قال: و التعتب و المعاتبة و العِتاب كل ذلك مخاطبة المدلّين أخلّاءهم طالبين حُسْن مراجعتهم و مذاكرة بعضهم بعضاً ما كرهوه ممّا كَسَبهم الموجِدةَ.

165
تهذيب اللغة2

عتب ص 165

قال: و يقال: ما وجدت في قوله عُتْباناً و ذلك إذا ذكر أنه أعتبك و لم تر لذلك بياناً. قال: و قال بعضهم: ما وجدت عنه عَتْباً و لا عِتَاباً بهذا المعنى. قلت: لم أسمع العتب و العتبان و العتاب بمعنى الإعتاب، إنما العتب و العتبان: لومك الرجلَ على إساءة كانت له إليك فاستعتبته منها. و كلّ واحد من اللفظين يخلص للعتاب، فإذا اشتركا في ذلك و ذكَّر كلُّ واحد منهما صاحبَه ما فَرَطَ منه إليه من الإساءة فهو العِتاب و المعاتبة. و أمّا الإعتاب و العُتْبى فهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يُرضِي العاتب. و الاستعتاب:
طلبك إلى المسي‏ء أن يرجع عن إساءته.
و يكون الاستعتاب الاستقالة.
أبو عُبيد عن الأصمعيّ: العَتَبة أُسْكُفّة الباب التي توطأ.
و قال الليث: كل مَرْقاة من الدَرَج عَتَبة.
و كذلك العَتَب في الثنايا الشاقَّة، واحدتها عَتَبة.
و قال ابن شُمَيل: العَتَبة في الباب هي الأعلى. قال: و الخشبة التي فوق الأعلى:
الحاجب قال: و الأُسْكُفّة هي السفلى.
و العارضتان: العِضَادتان. و يقال: ما في طاعة فلان عَتَبٌ أي الْتواء و لا نَبْوة، و ما في مودّته عتَب إذا كانت خالصة لا يشوبها فساد. و يقال: حُمِل فلان على عَتَبة كريهة، و على عَتَب كَريه من البلاء و الشرّ.
و قال الشاعر:
يُعْلَى على العَتَب الكريه و يوبَس‏
و قال ابن السكيت في قول علقمة:
لا في شظاها و لا أرساغها عَتَب‏
أي عيب. و هو من قولك: لا يُتَعتّب عليه في شي‏ء. و الفحل المعقول أو الظالع إذا مشى على ثلاث قوائم كأنه يَقْفِز يقال:
يَعْتِب عَتَباناً.
أبو عبيد عن الكسائيّ: عَتَب عليه من العِتابِ، يَعتِب يعتُب، و كذلك من المشي على ثلاث قوائم. و تقول: عتِّب لي عَتَبة في هذا الموضع إذا أردت أن تَرقى به إلى موضع تصعد فيه.
و قال الليث: إذا أُعنت العظم المجبور قيل: قد أُعتِب و أُتعب.
و قال أبو عبيد: يقال: اعتَتَب فلان عن الشي‏ء إذا انصرف عنه.
و منه قول الكُمَيت:
فاعتتب الشوقُ عن فؤادي و الش             عر إلى من إليه مُعْتَتَب‏
و أنشد المازنيّ قول الحُطَيئة:
إذا مخارم أَحناء عَرَضْن له             لم يَنْبُ عنها و خاف الجور فاعتَتَبا
يقول: لم ينبُ عنها و لم يخف الجَوْر.
و اعتتب أي رجع من قولهم: لك العُتْبى أي لك الرجوع ممّا تكره إلى ما تُحِبّ.
و عَتَبة الوادي: جانبه الأقصى الذي يلي الجَبَل. و يقال للرجل إذا مَضَى ساعة ثم رجع: قد اعتَتَب في طريقه اعتِتاباً، كأنه عَرَض عَتَبٌ فتراجع.
و قال أبو سعيد في قول الأعشى:
و ثَنَى الكفّ على ذي عَتَب             يصل الصوت بذي زِير أبَح‏

166
تهذيب اللغة2

نعت ص 163

قال: العَتَب: الدَسْتَانات. و قيل: العَتَب:
العيدان المعروضة على وجه العود، منها تُمد الأوتار إلى طَرَف العُود. و من أمثال العرب: أَوْدَى كما أَوْدَى عَتِيب.
قال ابن الكلبيّ: هو عَتِيب بن أسلم بن مالك، و هم حَيّ كانوا في دِين مَلِك أَسَرهم و استعبدهم، و كانوا يقولون: إذا كبِر صبيانُنا افتكونا، فلم يزالوا كذلك حتى هلكوا، فصاروا مَثَلًا لمن هلك و هو مغلوب. و منه قول عَدِيّ بن زيد:
يُرَجِّيها و قد وقعت بقُرّ             كما ترجو أصاغرَها عَتِيبُ‏
و قال الليث: عَتِيب: قبيلة. قال: و عُتْبة و عَتَّاب و عِتْبان و معتِّب من أسماء الرجال.
و عَتَّابة من أسماء النساء.
أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ قال: العرب تكنِي عن المرأة بالعَتَبة و النَعْل و القارُورة.
و البَيْت و الدُمْية و الغُلّ و القَيْد. قال:
و العِتْب: الرجل الذي يعاتِب صاحبه أو صديقه في كل شي‏ء إشفاقاً عليه و نصيحة له. و العَتوب: الذي لا يعمل فيه العتاب.
و يقال: فلان يَستعتِب من نفسه، و يستقبل من نفسه، و يَستدرك من نفسه إذا أدرك بنفسه تغييراً عليها بحسن تقدير و تدبير.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: الثُبْنَة: ما عتَّبته من قُدّام السراويل.
و
في حديث سلمان أنه كان عَتَّب سراويله فتشمّر.
تعب:
قال الليث: التَّعَب: شدّة العَنَاء، و قد تعِب يَتْعَب تَعَباً. و أتعب الرجلُ رِكابَه إذا أعجلها في السَوْق أو السَيْر الحَثِيثِ.
قال: و إذا أُعِنت العظم المجبور فقد أُتعِب.
و قال ذو الرمة:
إذا ما رآها رأية هِيض قلبُه             بها كانتياض المتعَب المُتَتَمم‏
و يقال: أتعب فلان نفسَه في عمل يمارسه إذا أنصبها فيما حمَّلها و أعملها فيه.
أبو العباس عن سَلَمة عن الفرّاء قال:
أتعب فلان القَدَح إذا ملأه مَلأ يفيض، فهو مُتْعَب.
تبع:
يقال: تبع فلان فلاناً و اتَّبعه؛ قال اللَّه تعالى في قصّة ذي القَرْنين: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً*
 [الكهف: 89]، و قرى‏ء: (اتَّبَعَ سبباً).
قال أبو عُبَيد: و كان أبو عمرو بن العلاء يقرأ: (اتَّبَعَ سبباً) بتشديد التاء، و معناها:
تَبع. قال: و هي قراءة أهل المدينة، و كان الكسائيّ يقرؤها: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً*
 مقطوعة الألِف، و معناها: لحِق و أدرك.
قال أبو عُبيد: و يقال: أتبعت القوم مثال أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحِقتهم.
قال: و اتَّبعتهم مثل افتعلت إذا مرّوا بك فمضيت معهم، و تبِعتهم تَبَعاً مثله. و يقال:
ما زلت أتّبعهم حتى أَتْبعتهم، أي حتى أدركتهم.
قال أبو عُبيد: و قراءة أبي عمرو أحبّ إليّ من قراءة الكسائيّ.
و قال الفرّاء: أتْبع أحسن من اتّبع؛ لأن الاتّباع: أن يسير الرجل و أنت تسير وراءه، فإذا قلت: أتْبعته فكأنك قَفَوته.
و قال الليث: تبِعت فلاناً و اتّبعته سواء.

167
تهذيب اللغة2

تبع ص 167

و أتبع فلان فلاناً إذا تبعه يريد به شرّاً، كما أتبع الشيطانُ الذي انسلخ من آيات اللَّه فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ، و كما أتبع فرعون موسى. قال: و أما التَّتبُّع فأن يتتبَّع في مُهْلة شيئاً بعد شي‏ء. و فلان يتتبَّع مساوى‏ء فلان و أثَره، و يتتبَّع مَدَاقّ الأمور، و نحو ذلك. قال: و التَّبَع: ما تبع أثر شي‏ء فهو تَبَعه.
و أنشد قول أبي دُوَاد الإياديّ في صفة ظَبْية:
و قوائم تَبَع لها             من خَلْفها زَمَع معلَّقْ‏
و قال غيره: يقال لجمع التابع: تَبَع، كما يقال لجمع الحارس: حَرَس و لجمع الخادم: خَدَم. قال: و التابع: التالي.
و قال الفرّاء في قول اللَّه جلّ و عزّ:
فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً
 [الإسراء: 69].
قال: التبيع في موضع تابع أي تابع بالثأر لإغراقنا إيّاهم. و قيل: معنى قوله:
تَبِيعاً
 أي مطالباً. و منه قول اللَّه جلّ و عزّ: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ‏
 [البَقَرة: 178] يقول: على صاحب الدم اتّباع بالمعروف أي المطالبة بالدِية، و على القاتل أداء إليه بإحسان. و رفع قوله: (فَاتِّباعٌ)
 على معنى: فعليه اتباع بالمعروف. و الآية مستقصى تفسيرها في المعتلّات من العين في باب عفا يعفو عند ذكر قوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ [البَقَرَة: 178].
و
في حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «الظلم لَيُّ الواجِد، و إذا أُتبِع أَحَدُكم على مَلي‏ء فليَتَّبِع»
معناه: و إذا أحيل أحدكم على ملي‏ء فليحتَلْ، من الحوالة.
و
في حديث مسروق عن مُعاذ بن جَبَل أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بعثه إلى اليمن، فأمره في صَدَقة البَقَر أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تَبِيعاً، و من كل أربعين مُسِنّة.
أبو عُبيد عن أبي فَقْعَس الأسَديّ قال:
ولد البقرة أوَّلَ سنة تَبِيع ثم جَذَع ثم ثنِيّ ثم رَباعٍ ثم سَدَس ثم صالغ.
و قال الليث: التَّبِيع: العِجْل المُدْرِك، إلا أنه يتبع أُمَّه بَعْدُ. و العَدَد ثلاثة أَتبِعة، و الجميع الأتابيع جمع الجمع. و بقرة مُتْبع: خَلْفها تَبِيع. و خادم مُتْبع: يتبعها ولدها حيثما أقبلت و أدبرت.
قلت: قول الليث: التبيع: المدرك وَهَم، لأنه يدرك إذا أثْنى أي صار ثنِيّاً، و التبيع من البقر يسمّى تَبِيعاً حين يستكمل الحول، و لا يسمّى تَبِيعاً قبل ذلك، فإذا استكمل عامين فهو جَذَع، فإذا استوفى ثلاثة أعوام فهو ثَنِيّ، و حينئذٍ يُسِنّ، و الأنثى مُسِنّة، و هي التي تؤخذ في أربعين من البقر. و يقال للأنثى: تَبِيعة و للذكر تَبيع.
و قال الليث: يقال للذي له عليك مال يتابعك به أي يطالبك به: تَبِيع. قال:
و تابع فلان بين الصلاة و بين القراءة إذا وَالَى بينهما، ففعل هذا على أثر هذا بلا مُهْلة بينهما. و كذلك رَمَيته فأصبتُه بثلاثة أسم تِباعاً أي وِلاءً. قال: و التَّبِعة و التِّبَاعة: اسم للشي‏ء الذي لك فيه بغية

168
تهذيب اللغة2

تبع ص 167

شِبْهُ ظلامة و نحو ذلك.
قلت: و يقال: فلان تِبْع نساء أي يتبعهنّ، و حِدْث نساء يحادثهنّ، و زير نساء:
يزورهنّ، و خِلْبُ نساء إذا كان يخالبهنّ.
و الخِلْب أيضاً: حِجاب القلب.
و أمّا قول الجُهَنِيَّة:
يرِد المياه حَضِيرة و نفيضَة             وِرْد القَطَاة إذا اسمألّ التُّبَّعُ‏
فإن أبا عُبَيد و ابن السكيت قالا: التُّبَّع:
الطلّ، و اسمئلاله: قُلُوصه نِصْفَ النهار و ضمورُه.
و قال أبو سعيد الضرير: التُّبَّع: هو الدَبَران في هذا البيت، سمّي تُبّعاً لاتّباعه الثريّا.
قلت: و قد سمعت بعض العرب يسمّي الدَبَران التابع و التُّوَيْبع. و ما أشبه ما قال الضرير بالصواب، لأن القَطَا تَرِد المياه ليلًا، و قلَّما ترِدها نهاراً، لذلك يقال: أدَلّ من قطاة، و قول لَبيد يدلّ على ذلك:
فوردنا قبل فُرّاط القَطا             إن من وِرْدِيَ تغليسَ النَهَلْ‏
و قال الليث: التُّبَّع: ضرب من اليعاسيب من أعظمها و أحسنها، و جمعه التبابع.
قلت: و أمَّا تُبَّعٌ الملك الذي ذكره اللَّه في كتابه فقال: وَ قَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ‏
 [ق: 14] فقد
روينا عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال:
 «ما أدري أ تبّع كان لعِيناً أم لا»
. و قال الليث: كان تُبَّع ملِكاً من الملوك و كان مؤمناً، و كان فيهم تبابعة. قال:
و يقال: إن ثبت اشْتُقّ لهم هذا الاسمُ من تُبَّع و لكن فيه عجمة و لُكْنة، و يقال: هم اليوم من وضائع تُبَّع بتلك البلاد.
و
في حديث أبي واقد الليثيّ: تابعْنا الأعمال فلم نجد شيئاً أبلغ في طلب الآخرة من الزهد في الدنيا.
قال أبو عبيد قال أبو زيد و غيره: قوله: تابعنا الأعمال يقول: أحكمناها و عرفناها و يقال للرجل إذا أتقن الشي‏ء و أحكمه: قد تابع عمله.
و روى أبو العباس عن سَلَمة عن الفرّاء أنه قال: يقال تابع فلان كلامه و هو تبيع الكلام إذا أحكمه. وَ فرس متتابع الخَلْق أي مُسْتَوٍ.
و قال حُمَيد بن ثور:
ترى طَرَفيه يعسِلان كلاهما             كما اهتزّ عُود الساسَم المتتابع‏
قال النابغة الذبيانيّ:
من لؤلؤ متتابع متَسَرّد
و قال غيره: فلان متتابع العِلْم إذا كان علمه يشاكل بعضُه بعضاً لا تفاوت فيه.
و غُصن متتابع إذا كان مستوِياً لا أُبَن فيه.
و يقال: تابع المرتعُ المالَ فتتابعت أي سمَّن خَلْقها فسمِنت و حَسُنت.
و قال أبو وَجْزة السعديّ:
حرْفٌ مُليكية كالفحل تابعها             في خِصْب عامين إفراق و تهميل‏
و ناقة مُفرِق أي تمكث سنتين أو ثلاثاً لا تَلْقَح. و يقال: هو يتابع الحديث إذا كان يَسْرده.
و أمَّا قول سلامان الطائيّ:
أخِفن اطّناني إن سَكتن و إنني             لفي شغل عن ذَحلي اليُتَتَبَّع‏

169
تهذيب اللغة2

تبع ص 167

فإنه أراد: ذحليَ الذي يُتَتبَّع، فطرح الذي و أقام الألف و اللام مقامه، و هي لغة لبعض العرب.
و قال ابن الأنباريّ: إنما أقحم الألف و اللام على الفعل المضارع لمضارعته الأسماء.
و
في حديث زيد بن ثابت حين أمره أبو بكر الصدّيق بجمع القرآن قال: فعلِقت أتتبّعُه من اللخاف و العُسُب‏
أراد أنه كان يتتبّع ما كُتب منه في اللخاف و العُسُب، و ذلك أنه استقصى جَمع جميع القرآن من المواضع التي كُتب فيها، حتى ما كُتب في اللِخاف- و هي الحجارة- و في العُسُب، و هي جريد النخل، و ذلك أن الرَقّ أعوزهم حين نزل على رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فأمر كُتَّاب الوحي بإثباته فيما تيسَّر من كتِف و لَوْح و جِلْد و عَسِيب و لَخفَة. و إنما تتبَّع زيد بن ثابت القرآن و جمعه من المواضع التي كُتب فيها و لم يقتصِر على ما حفِظ هو و غيره- و كان من أحفظ الناس للقرآن- استظهاراً و احتياطاً، لئلا يسقط منه حرف لسُوء حفظ حافظه، أو يتبدّل حرف بغيره. و هذا يدلّك أن الكتابة أضبط من صدور الرجال و أحرى ألّا يسقط معه شي‏ء، فكان زيد يتتبَّع في مُهْلة ما كتب منه في مواضعه و يضمّه إلى الصحف، و لا يثبت في تلك الصحف إلا ما وجده مكتوباً كما أُنزِل على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أملاه على مَن كتبه، و اللَّه أعلم.
و
في حديث أبي موسى الأشعريّ أنه قال:
اتّبعوا القرآن و لا يتبعنَّكم القرآن فإنه من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنَّة و من يتّبعه القرآن يزُخّ في قفاه حتى يقذف به في نار جهنم.
قال أبو عُبيد قوله: اتبعوا القرآن يقول:
اجعلوه إمامكم ثم اتلوه؛ كما قال اللَّه عزّ و جلّ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ [البَقَرَةَ: 121] أي يتّبعونه حق اتباعه.
و أما قوله: و لا يتبعنَّكم القرآن فإن بعض الناس يحمله على معنى: لا يطلبنكم القرآن بتضييعكم إيّاه، كما يطلب الرجل صاحبه بالتبعة.
قال أبو عبيد: و هذا معنى حسن يصدّقه‏
الحديث الآخر: «إن هذا القرآن شافع مشفَّع، و ماحل مصدَّق»
، فجعله يمحل بصاحبه إذا لم يتّبع ما فيه.
قال أبو عبيد: و فيه قول آخر أحسن من هذا، قوله: لا يتبعنكم القرآن: لا تَدَعوا العمل به فتكونوا قد جعلتموه وراء ظهوركم؛ كما فعل اليهود حين نبذوا ما أُمِروا به وراء ظهورهم. و هذا قريب من المعنى الأول؛ لأنه إذا اتّبعه كان بين يديه، و إذا خالفه كان خَلْفه.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ، قال: التُّبَّع: سيد النحل، و التُّبَّع: الظِلّ.
و من أمثال العرب السائرة: أتْبع الفرسَ لجامَها، يضرب مَثَلًا للرجل يؤمر برَب الصَنيعة و إتمام الحاجة.
بتع:
في حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه سئل عن البِتْع فقال: «كلّ شراب مسكِر فهو حرام»
.

170
تهذيب اللغة2

بتع ص 170

قال أبو عُبيد: البِتْع: نَبِيذُ العَسَل، و هو خَمْر أهل اليمن.
و قال الليث: البِتَع: الشديد المفاصِل و المَوَاصِل من الجسد.
قلت: و غيره يجعل البَتَع طول العُنُق، يقال: عُنُق بَتِع و بَتِعه.
و قال الراجز:
كل علاة بِتع دليلها
و قال الآخر:
يرقى الدَسِيعُ إلى هادٍ له بَتِعٍ‏
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
البَتِع: الطويل العُنق، و التلِع: الطويل الظهر.
قال ابن شميل: من الأعناق البَتَع و هو الغليظ الكثير اللحم الشديد. قال: و منها المرهَف و هو الدقيق، و لا يكون إلّا لعتيق.
و يقال: البَتَع في العُنق: شدّته، و التَلَع:
طوله. و يقال: بَتِع فلان عليّ بأمر لم يؤامرني فيه إذا قطعه دونك.
و قال أبو وَجْزَة السَعْديّ:
بان الخليط و كان البينُ بائجةً             و لم نخفْهم على الأمر الذي بَتِعوا
بتعوا أي قطعوا دوننا. و يقال: عُنُق أبتع و بَتِع.
و روى أبو تراب عن أبي مِحْجَن قال:
الانبتاع و الانبتال: الانقطاع.
و قال أبو زيد: جاء القوم أجمعون أبصعون أبتعون بالتاء، و هذا من باب التأكيد.
باب العين و التاء مع الميم‏
 [ع ت م‏]
عتم، عمت، متع: مستعملة.
عتم:
أخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي: قال عَتَم الليل و أعتم إذا مَرَّ منه قِطعة. و قال: إذا ذهب النهار و جاء الليل فقد جَنَح الليلُ.
و
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «لا يغلبنَّكُمُ الأعراب على اسم صلاتكم العِشاء، فإن اسمها في كتاب اللَّه العشاء، و إنما يُعْتَم بِحِلاب الإبل»
. قوله: «إنما يُعْتَم بحلاب الإبل» معناه: لا تسمّوها صلاة العَتَمة؛ فإن الأعراب الذين يَحْلبون إبلهم إذا أعتموا- أي دخلوا في وقت العَتَمة،- سَمَّوها صلاة العتمة، و سمَّاها اللَّه في كتابه صلاة العِشاء، فسَمُّوها كما سمّاها اللَّه، لا كما سمّاها الأعراب. و عَتَمة الليل: ظَلَام أوّله عند سقوط نُور الشَفَق. يقال: عَتَم الليل يَعْتِم. و قد أعتم الناسُ إذا دخلوا في وقت العَتَمة. و أهل البادية يريحُون نَعَمَهم بُعَيد المغرب، و يُنيخونها في مُرَاحها ساعة يستفيقونها، فإذا أفاقت- و ذلك بعد مَر قِطعة من الليل- أثاروها و حلبوها. و تلك الساعة تُسمى عَتَمة. و سمعتهم يقولون:
استعتِموا نَعَمكم حتى تُفيق ثم احتلِبوها.
و يقال: قعد فلان عندنا قدرَ عَتَمة الحلائب أي احتبس قدر احتباسها للإفاقة. و أصل العَتْم في كلام العرب المُكث و الاحتباس؛ يقال: ضرب فلان فلاناً فما عَتَّم و لا عَتَّب و لا كَذَّب أي لم يتمكّث و لم يتباطأ في ضربه إيّاه. و قِرًى‏

171
تهذيب اللغة2

عتم ص 171

عاتم أي بطي‏ء. و قد عَتَم قِراه، و أعتمه صاحبه أي أخّره.
و قال الشاعر:
فلمّا رأينا أنه عاتِم القِرَى             بخيل ذكرنا ليلة الهَضْب كَرْدما
و روى سَلَمة عن الفرّاء أنه قال: يقال: قد أعتمتَ حاجتَك أي أخّرتها، و عتمت حاجتُك. و لغة أخرى: أعتمت حاجتك أي أبطأتْ.
و أنشد قوله:
معاتِيمُ القِرَى سُرُف إذا ما             أجَنَّت طَخْيةُ الليل البهيم‏
و قال الطِرِمّاح يمدح رَجلًا:
متى يَعِد يُنْجز و لا يكتبل             منه العطايا طولُ إعتامها
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العُتُم يكون فعالهم مدحاً، و يكون ذمّاً جمع عاتِم و عَتُوم، فإذا كان مدحاً فهو الذي يَقْرِي ضِيفانه الليل و النهار، و إذا كان ذمّاً فهو الذي لا يَحْلُب لبن إبل مُمْسياً حتى ييأس من الضيف.
و قال الليث بن المظفّر: يقال: عَتَم الرجلُ يعتِم إذا كَفّ عن الشي‏ء بعد المضيّ فيه، و أكثر ما يقال: عَتَّم تعتيماً.
و
في الحديث أن سَلْمان غرس كذا و كذا وَدِيّاً و النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يناوله و هو يَغْرِس، فما عَتَّمت منها ودِيَّة
أي ما أبطأت حتى علِقَت.
و قال الليث: العَتَمة هو الثُلُث الأول من الليل بعد غيبوبة الشَفَق؛ يقال أعتم الرجل إذا صار في ذلك الوقت. و عتَّموا تعتيماً إذا ساروا فوردوا في ذلك الوقت، و كذلك إذا صدروا في تلك الساعة.
و قال غيره: ناقة عَتُوم، و هي التي لا تزال تُعَشَّى حتى تذهب ساعة من الليل، و لا تُحلب إلَّا بعد ذلك الوقت.
و قال الراعي:
أُدِرُّ النَسَا إذ لا تدُرّ عَتُومها
و روى ابن هانى‏ء عن أبي زيد الأنصاريّ أنه قال: العرب تقول للقمر إذا كان ابن ليلته: عَتَمَةُ سُخَيله، حلَّ أهلها برُمَيلهْ، أي قدر احتباس القمر إذا كان ابن ليلة ثم غروبه قدر عَتَمة سَخْلة يرضع أمّه ثم يَحتبس قليلًا ثم يعود لرضاع أمّه، و ذلك أنَّ تفوُّق السَخْل أمَّه فُواقاً بعد فُواق يقرب و لا يطول. و إذا كان القمر ابن ليلتين قيل له: حديث أَمَتين، بكذب وَ مَيْن. و ذلك أن جديثهما لا يطول لشُغلما بمهْنة أهلهما و إذا كان ابن ثلاث قيل: حديث فتيات، غير مؤتلفات. و إذا كان ابن أربع قيل: عَتَمة رُبَع، غير جائع و لا مرضَع. أرادوا أن قدر احتباس القمر طالعاً ثم غروبَه قدرُ فواق هذا الرُبَع أو فواق أُمّه. و قال ابن الأعرابي: عَتَمة أمّ الرُبَع. و إذا كان ابن خمس قيل: حديث و أُنْس، و يقال: عَشَاء خِلفات قُعْس و إذا كان ابن ست قيل: سِرْ و بِتْ. و إذا كان ابن سبع قيل: دَلْجة الضَبُع. و إذا كان ابن ثمان قيل: قمر إضْحِيان. و إذا كان ابن تسع قيل يُلتقط فيه الجَزْع. و إذا كان ابن عشر قيل له: مخنِّق الفجر. و العُتُم من الزيتون: ما ينبت في الجبال.

172
تهذيب اللغة2

عتم ص 171

و قال الهذليّ:
من فوقه شُعَب قُرّ و أسفله             جَيْ‏ء تنطَّق بالظَيَّان و العَتَم‏
و ثمره الزَغْبَج.
و قال ابن الأعرابي: العُتُم: الزيتون البَرّي لا يحمل شيئاً. و قال ذلك الليث.
عمت:
قال الليث: العَمْت: أن يَعْمت الصوف، فتُلفّ بعضه على بعض مستطيلًا أو متّخذاً حَلْقة، كما يفعله الغَزَّال الذي يغزِل الصوف فيلقيه في يده. و الاسم العَمِيت، و ثلاثة أعمِتة ثمّ عُمُت. و أنشد:
يظَلّ في الشاء يرعاها و يحلبُها             و يَعْمِت الدهرَ إلَّا رَيْثَ يَهْتَبِدُ
و يقال: عَمَّت العَمِيت يُعَمته تَعميتاً. أبو العباس عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه أنه أنشده:
فظلّ يَعْمِت في قَوْط و راجلة             يَكْفِتُ الدهرَ إلّا رَيْثَ يَهْتَبِد
قال: يعمت: يغزل، من العَمِيتة و هي القِطعة من الصوف، و قال: يَكْفِت: يجمع و يحرص، إلّا ساعة يقعد يطبخ الهَبِيد.
و الراجلة: كَبْش الراعي يحمل عليه متاعه.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
العَمِيت: الحافظ العالِم الفطِن. و أنشد:
و لا تَبَغَّ الدهرَ ما كُفِيتا             و لا تُمَارِ الفَطِن العَمِيتا
و يقال: فلان يَعْمِت أقرانه إذا كان يقهرهم و يلفُّهم، يقال ذلك في الحَرْب و جَودة الرأي و العلم بأمر العدوّ و إثخانه. و من ذلك قيل للَفائف الصوف عُمُت، واحدها عَمِيت: لأنها تُعْمَت أي تُلَفّ. و قال الهذليّ يؤبّن رجلًا:
يلُفّ طوائف الفُرسا             ن و هْو بلَفِّهم أَرِبُ‏
متع:
ذكر اللَّه عزّ و جلّ المتاع و التمتّع و الاستمتاع و التمتيع في مواضع من كتابه، و معانيها- و إن اختلفت- راجعة إلى أصل واحد. و أنا مفسّر كل لفظة منها على ما يصحّ لأهل التفسير و لأهل اللغة؛ لئلا تشتبه على مَن أراد علمها، و لأقرِّبها على من قرأها، و الموفّق للصواب ربّنا جلّ و عزّ.
فأمّا المتاع في الأصل فكلّ شي‏ء ينتفَع به و يُتبلَّغ به و يتزوَّد؛ و الفناء يأتي عليه في الدنيا. و قول اللَّه جلّ و عزّ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ‏
 [البَقَرة: 196] و صورة المتمتّع بالعمرة إلى الحج: أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحج، فإذا أحرم بالعمرة بعد إهلاله شوّالا فقد صار متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ. و سُمّي متمتّعاً بالعمرة إلى الحج لأنه إذا قدِم مكّة و طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المَرْوة حَلّ من عمرته و حلق رأسه و ذبح نُسكه الواجب عليه لتمتّعه، و حلّ له كلُّ شي‏ء كان حرم عليه في إحرامه: من النساء و الطِيب، ثم يُنشى‏ء بعد ذلك إحراماً جديداً للحجّ وقت نهوضه إلى مِنًى أو قبل ذلك، من غير أن يجب عليه الرجوعُ إلى الميقات الذي أنشأ منه عُمْرته، فذلك تمتّعه بالعمرة إلى الحجّ أي انتفاعه و تبلّغه بما انتفع به: من حِلَاق و طِيب و تنظُّف و قضاء تَفَث و إلمام بأهله‏

173
تهذيب اللغة2

متع ص 173

إن كانت معه؛ و كلّ هذه الأشياء كانت محرَّمة عليه، فأبيح له أن يُحِلّ و ينتفع بإحلال هذه الأشياء كلها، مع ما سقط عنه من الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه بالحجّ، و اللَّه أعلم، و من ههنا قال الشافعيّ: إن المتمتّع أخفّ حالًا من القارن، فافهمه.
و أمَّا قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏
 [البَقَرَة:
241]، و قال في موضع آخر: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏
 [البَقَرَة: 236]. قلت: و هذا التمتيع الذي ذكره اللَّه للمطلقات على وجهين، أحدهما واجب لا يسعه تركه، و الآخر غير واجب يستحبّ له فعله.
فالواجب للمطلَّقة التي لم يكن زوجها حين تزوّجها سَمَّى لها صَداقاً، و لم يكن دخل بها حتى يطلّقها، فعليه أن يمتّعها بما عزّ و هان من متاع ينفعها به: من ثوب يُلبِسها إيّاه، أو خادِم يَخدمها أو دراهم أو طعام. و هو غير موقّت؛ لأن اللَّه عزّ و جلّ لم يحصره بوقت، و إنما أمر بتمتيعها فقط؛ و قد قال: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ‏
. و أما المتعة التي ليست بواجبة و هي مستحبَّة من جهة الإحسان و المحافظة على العهد فأن يتزوّج الرجل امرأة و يسمّي لها صداقاً، ثم يطلّقها قبل دخوله بها و بعده، فيستحب أن يمتّعها بمُتْعة سوى نصف المهر الذي وجب عليه لها إن لم يكن دخل بها، أو المهر الواجب كله إن كان دخل بها، فيمتّعها بمُتْعة ينفعها بها، و هي غير واجبة عليه، و لكنه استحباب ليدخل في جملة المحسنين أو المتّقين، و اللَّه أعلم. و العرب تسمي ذلك كلُّه مُتْعة و مَتَاعاً و تَحْميماً و حَمّاً.
و أمَّا قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ‏
 [البقرة: 240] فإن هذه الآية منسوخة بقول اللَّه جلّ و عزّ:
وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً [البقرة: 234] فمُقام الحول منسوخ باعتداد أربعةِ أشهر و عَشْرِ، و الوصيَّة لهنّ منسوخة بما بيَّن اللَّه من ميراثها في آية المواريث. و قرى‏ء وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ و (وصيةٌ) بالرفع و النصب. فمن نصب فعلى المصدر الذي أريد به الفعل، كأنه قال: ليوصوا لهنَّ وصيّةً. و مَن رفع فعلى إضمار: فَعَلَيهم وصيّةٌ لأزواجهم. و نصب قوله: (مَتاعاً)
 على المصدر أيضاً، أراد متّعوهن متاعاً.
و المتاع و المُتْعة اسمان يقومان مقام المصدر الحقيقيّ، و هو التمتيع، أي انفعوهنّ بما توصون به لهنّ من صلة تَقُوتهنّ إلى تمام الحَوْل.
و أما قول اللَّه جلَّ و عزَّ في سورة النساء بعقب ما حَرَّم من النساء فقال: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ [النِّساء: 24] أي عاقدين النكاح الحلال غير زناة فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً
 [النِّساء: 24] فإن‏

174
تهذيب اللغة2

متع ص 173

أبا إسحاق الزجّاج ذكر أن هذه آية قد غلِط فيها قوم غَلَطاً عظيماً لجهلهم باللغة، و ذلك أنهم ذهبوا إلى أن قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً
 من المُتْعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام؛ و إنما معنى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ‏
: فما نكحتموهُ منهن على الشريطة التي جَرَت في الآية أنه الإحصان، أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ أي عاقدين التزويج، أي فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ‏
 على عقد التزويج الذي جرى ذكره فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً أي مُهُورهنّ. فإن استمتع بالدخول بها آتى المهر تاماً، و إن استمتع بعقد النكاح آتى نصف المهر. قال:
و المتاع في اللغة: كل ما انتُفِع به، فهو متاع. قال: و قوله: وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ‏
 [البقرة: 236] ليس بمعنى:
زوّدوهن المُتَع؛ إنما معناه: أعطوهن ما يستمتعن به. و كذلك قوله: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏
 [البَقَرة: 241]. قال: و من زعم أن قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ‏
 [النِّساء: 24] المتعة التي هي الشرط في التمتّع الذي يفعله الرافضة فقد أخطأ خطأ عظيماً؛ لأن الآية واضحة بيّنة.
قلت: فإن احتجّ محتجّ من الروافض بما
يروى عن ابن عبَّاس أنه كان يراها حلالًا، و أنه كان يقرؤها: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّى)
فالثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها حلالًا؛ ثم لمَّا وقف على نهي النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عنها رجع عن إحلالها؛
حدَّثناه محمد بن إسحاق، قال: حدثنا الحسن ابن أبي الربيع، عن عبد الرزاق، عن ابن جُرَيج عن عطاء، قال: سمعت ابن عباس يقول: ما كانت المُتْعة إلَّا رحمة رحم اللَّه بها أمَّة محمد، فلو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنى أحد إلّا شَفى، و اللَّه لكأني أسمع قوله: «إلا شَفًى» عطاء القائل. قال عطاء: فهي التي في سورة النساء: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ‏
 إلى كذا و كذا من الأجَل، على كذا و كذا شيئاً مسمَّى. فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعَمْ، و إن تفرقا فنعَمْ، و ليس بنكاح.
قلت: و هذا حديث صحيح، و هو يبيِّن أن ابن عباس صحّ له نهي النبيَّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن المتعة الشرطيَّة، و أنه رجع عن إحلالها إلى تحريمها. و قوله: «إلّا شَفى» أي إلا أن يُشْفي أي يُشرف أي على الزنى و لا يواقِعه، أقام الاسم- و هو الشَفَى- مُقام المصدر الحقيقيّ، و هو الإشفاء على الشي‏ء، و حَرْف كلّ شي‏ء شفاه، و منه قول اللَّه عزّ و جلّ: عَلى‏ شَفا جُرُفٍ هارٍ [التوبة: 109]: و أشفى على الهلاك إذا أشرف عليه. و إنما بيَّنت هذا البيان لئلا يغُرّ بعضُ الرافضة غِرّ من المسلمين فيُحِلّ له ما حرّمه اللَّه جلّ و عزّ على لسان رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم؛ فإن النهي عن المُتعة الشرطية صحّ من جهات لو لم يكن فيه غير ما رُوِي عن علي بن أبي طالب و نهيه ابن عباس عنها لكان كافياً. و اللَّه المسدّد و الموفّق، لا شريك له و لا نَدِيد.
و أمّا قول اللَّه جلَّ و عزَّ: وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى‏ أَجَل

175
تهذيب اللغة2

متع ص 173

مُسَمًّى [هُود: 3] فمعناه: أي يبقيكم بقاء في عافية إلى وقت وفاتكم، و لا يستأصلكم بالعذاب، كما استأصل أهل القُرَى الذين كفروا. و مَتَّع اللَّه فلاناً و أمتعه إذا أبقاه و أنسأه إلى أن ينتهي شَبَابه. و منه قول لَبِيد يصف نخلًا نابتاً على الماء حتى طال طِواله في السماء، فقال:
سُحُق يمتّعها الصَفَا و سَريُّه             عُمّ نواعم بينهن كُرُوم‏
و الصَفا و السرِيّ: نهران يتخلَّجان من نهر محلِّم الذي بالبحرين يَسْقِي قرى هَجَر كلها.
و قول اللَّه عزَّ و جلَّ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ‏
 [النُّور: 29] جاء في التفسير أنه عنى ببيوت غير مسكونة الخانات و الفنادق التي ينزلها السابلةُ و لا يقيمون فيها إلا مُقامك ظاعن. و قيل: عنى بها الخرابات التي يدخلها أبناء السبيل للانتفاض من بول أو خَلَاء. و معنى قوله: فِيها مَتاعٌ لَكُمْ‏
 [النُّور: 29] أي منفعة لكم تقضون فيها حوائجكم مستترين عن أبصار الناس، فذلك المتاع. و اللَّه أعلم بما أراد. و قال ابن المظفر: المتاع من أمتعة البيت: ما يَستمتِع به الإنسان في حوائجه، و كذلك كلّ شي‏ء. قال: و الدنيا متاع الغرور يقول: إنما العيش متاع أيام ثم يزول، أي بقاء أيام. و يقال: أمتع اللَّه فلاناً بفلان إمتاعاً أي أبقاه اللَّه ليستمتع به فيما يحبّ من الانتفاع به و السرور بمكانه. و يقول الرجل لصاحبه: ابغني مُتْعة أعيش بها أي ابغ لي شيئاً آكله، أو زاداً أتزوّده، أو قوتاً أقتاته. و منه قول الأعشى يصف صائداً:
من آل نَبهان يبغي صحبه مُتَعا
أي يبغي لأصحابه صيداً يعيشون به.
و المُتَع جمع مُتْعَة. قال الليث: و منهم من يقول: مِتْعة، و جمعها مِتَع. و رَوَى عمرو عن أبيه أنه قال: المُتْعة، الزاد القليل، و جمعها مُتَع. قلت: و كذلك قول اللَّه عزَّ و جلَّ: يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ‏
 [غافر: 39] أي بُلْغة يُتبلَّغ به لا بقاء له. و يقال: لا يُمتعِني هذا الثوب أي لا يَبْقَى لي، و منه أمتع اللَّه بك. و يقال:
مَتَع النهار متُوعاً إذا ارتفع حتى بلغ غاية ارتفاعه قبل أن يزول. و منه قول الشاعر:
و أدركْنا بها حَكَم بن عمرو             و قد متع النهارُ بنا فزالا
و يقال للحبل الطويل ماتع. و نبيذ ماتع إذا اشتدَّت حمرته. و قال أبو عمرو: الماتع من كل شي‏ء: البالغ في الجودة الغاية في بابه؛ و أنشد:
خذه فقد أُعطيتَه جيّداً             قد أُحكمت صيغتُه ماتِعا
أبو عبيد عن الأحمر مَتَعت بالشي‏ء:
ذهبت به. قال: و منه قيل: لئن اشتريتَ هذا الغلام لتَمْتَعَنَّ منه بغلام صالح أي لتذهبنَّ. و قال أبو زيد: أمتعت بأهلي و مالي أي تمتعت به. قال: و منه قول الراعي:
خليطين من شَعبين شتَّى تجاورا             زماناً و كانا بالتفرق أمتعا
و قال الكسائي: طالما أُمْتِع بالعافية، في‏

176
تهذيب اللغة2

متع ص 173

معنى: مُتِّع و تمتَّع. الحَرّانيّ عن ابن السكيت: قال أبو عمرو: أمتعت عن فلان أي استغنيت عنه. و قال الأصمعيّ في قول الراعي:
.. و كانا بالتفرق أمتعا
قال: ليس من أحد يفارق صاحبه إلا أمتعه بشي‏ء يَذكره به. و كان ما أمتع به كلّ واحد من هذين صاحبه أن فارقه.
و قول اللَّه جلّ و عزّ: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ‏
 [التّوبَة: 69] قال الفَرّاء: استمتعوا يقول:
رَضُوا بنصيبهم في الدنيا من أنصابهم في الآخرة، و فعلتم أنتم كما فعلوا. و نحوَ ذلك قال الزجاج. و قال غيرهما: معناه:
استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا.
و أنشد المازنيّ هذا البيت:
و منّا غداةَ الروعْ فِتْيان نَجْدةٍ             إذا امتَعَت بعد الأكفّ الأشاجع‏
قال: زعم عُمَارة بن جرير أنهم يقولون:
نَبيذ ماتع إذا كان أحمر، و قوله: إذا امتَعَت أي إذا احمرت الأكفّ و الأشاجع من الدم.
أبواب العين و الظاء
 (ع ظ ذ)- (ع ظ ث)
مهملان.
 [باب العين و الظاء مع الراء]
ع ظ ر
استعمل منه: عظر، رعظ.
عظر:
أبو عبيد عن أبي الجرّاح قال: إذا كَظَّ الرجلَ شُرْبُ الماء و ثقُل في جَوفه فذلك الإعظار، و قد أعظرني الشرابُ. أبو العباس عن ابن الأعرابي: العِظَار:
الامتلاء من الشراب. و قال شمر:
العَظَارِيّ: ذكور الجراد. و أنشد:
غداً كالعَمَلَّس في حُذْله             رؤوس العَظَاري كالعُنْجُد
و العملَّس: الذئب، و حُذْله: حُجْزة إزاره، و العُنْجُد: الزبيب. و قال ابن الأعرابي:
العُظرُ جمع عَظُور، و هو الممتلى‏ء من أيّ الشراب كان. و قال أبو عمرو: العِظْير:
القصير من الرجال. و قال الأصمعيّ:
العِظْير: القويّ الغليظ، و أنشد:
تُطَلِّح العظير ذا اللَوْتِ الضَبِث‏
و قال ابن دريد: العِظْير: الكَزَ الغليظ.
رعظ:
أبو عبيد عن الأصمعي: الرُّعْظ:
مَدْخَل النَصْل في السهم، و جمعه أرعاظ.
و من أمثال العرب: إن فلاناً ليكسِر عليك أرعاظ النَبْل، يضرب للرجل الذي يشتدّ غضبه. و قد فسّر على وجهين. أحدهما أنه أخذ سهماً و هو غضبان شديد الغضب فكان يَنْكُت بنصله الأرض و هو واجم نَكْتاً شديداً حتى انكسر رُعْظ السهم. و القول الثاني أنه مثل قولهم: إنه ليَحْرِق عليك الأُرَّم أي الأسنان، أرادوا أنه كانَ يَصْرِف بأنيابه من شدَّة غضبه حتى عَنِتَت أسناخُها من شدَّة الصَرِيف، شبّه مداخل الأنياب و منابتها مداخل النِصال من النبال. و قال أبو خَيرة: سهم مرعوظ، وصفه بالضعف و قال الليث: الرُّعْظ: الذي يُدخل فيه سِنْخ النصل. و أنشد:

177
تهذيب اللغة2

رعظ ص 177

يَرْمي إذا ما سَدَّد الأرعاظا             على قسيّ حُرْبظت حِرباظا
و سهم مرعوظ إذا انكسر رُعْظُه فشُدّ بالعَقَب فوقه، و ذلك العَقَب يسمَّى الرِصَاف.
 [باب العين و الظاء مع اللام‏]
ع ظ ل‏
استعمل من وجوههن: عظل، ظلع، لعظ.
عظل:
روي عن عمر بن الخطّاب أنه قال لقوم من العرب: أشعر شعرائكم مَن لم يعاظل الكلام و لم يتّبع حُوشِيّه.
قوله: لم يعاظل الكلام أي لم يَحمل بعضه على بعض، و لم يتكلّم بالرَجِيع من القول و لم يكرّر اللفظ و المعنى. و حُوشيِّ الكلام:
وَحْشِيّه و غريبه. و من أيّام العرب المعروفة يوم العَظَالَى و هو يوم معروف.
و يقال أيضاً: يوم العَظَالَى، سمي اليوم به لركوب الناس فيه بعضهِم بعضاً.
و قال الأصمعيّ: ركب فيه الثلاثة و الاثنان الدابَّة الواحدة. و تعظّل القوم على فلان إذا تركَّبوا عليه يضربونه.
و قال الليث: عَظَل الجراد و الكلاب كل ما يلازم في السِفاد، و الاسم العِظَال؛ و أنشد:
كلاب تَعَاظَلُ سودُ الفِقَا             حِ لم تحم شيئاً و لم تصطد
قال: و جَرَاد عَظْلَى: متعاظلات؛ و أنشد:
يا أمَ عمرو أبشري بالبُشْرَى             موتٌ ذَرِيعٌ و جَرَاد عَظْلَى‏
قلت: أراد أن يقول: يا أم عامر فلم يستقم البيت فقال: يا أمّ عمرو. و أم عامر: كُنْية الضبَعُ، و العرب تضرب بها المَثَل في الحُمْق. و يجي‏ء الرجال إلى وِجارها فيسُدّ فمه بعد ما يدخله لئلا ترى الضوء، فتَحمل الضبْع عليه، فيقول لها:
خامري أم عامر، أبشري برجال قَتْلَى، و جَرَاد عَظْلَى، فتذِلّ له، حتى يَكْعَمها، ثم يجرّها و يستخرجها. و تعاظلت الجرادُ إذا تسافدت. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: سَفَد السَبُع و عاظل.
قال: و السِباع كلّها تُعاظل. و الجراد و العظاء تعاظل و يقال: تعاظلت السباع و تشابكت. قال: و العُظُل: هو المجبوسون، مأخوذ من المعاظلة. و قال ابن شميل: يقال: رأيت الجراد رُدَافَى و رُكَابَى و عُظَالَى إذا اعتظلت. و ذلك أن ترى أربعة و خمسة قد ارتدفت.
ظلع:
أبو عبيد عن أبي عمرو قال: الظالع:
المتَّهَم. قال: و منه قوله:
ظالم الرب ظلع‏
قلت: هذا بالظاء لا غير. و أما الضالع- بالضاد- فهو المائل، و قد ضَلَع يَضْلَع.
و يقال: ضَلْعك مع فلان أي مَيْلك معه.
و أخبرني أبو الفضل المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: يقال:
ارْقَ على ظَلْعك، فيقول: رقِيت رُقِيّاً.
و يقال: ارقأ على ظَلْعك- بالهمزة- فيقول: رقأت، و معناه: أَصلِحْ أمرك أوّلًا. و يقال: قِ على ظَلْعك، فيجيبه:
وَقَيت، أقِي، وقيّاً. و روى ابن هانى‏ء عن‏

178
تهذيب اللغة2

ظلع ص 178

أبي زيد: تقول العرب: اقْأ على ظَلْعك، أي كُفّ فإني عالم بمساويك. و في «النوادر»: فلان يرقأ على ظَلْعه أي يسكت على دائه و عيبه. و قال ابن المظفر: الظَلْع كالغَمْز، و قد ظَلَع في مشيه، يظْلَع، ظَلْعاً و قال كثير:
و كنتُ كذات الظَلْع لمّا تحاملت             على ظَلْعها يوم العِثَار استقلَّت‏
و يقال: هذه دابَّة ظالع و بِرْذون ظالع، بغير هاء فيهما. و رَوَى أبو عُبيد عن الأصمعيّ في باب تأخير الحاجة ثم قضائها في آخر وقتها: من أمثالهم في هذا: إذا نام ظالع الكلاب، قال: و ذلك أن الظالع منها لا يقدر أن يعاظِل مع صِحاحها لضعفه، فهو يؤخّر ذلك و ينتظر فراغ آخرها فلا ينام، حتى إذا لم يبق منها شي‏ء سَفَد حينئذٍ ثم ينام. و نحو ذلك قال ابن شميل في كتاب «الحروف». و قال ثابت بن أبي ثابت في كتاب «الفروق»: من أمثال العرب: إذا نام ظالع الكلاب، و لا أفعل ذلك حتى ينام ظالع الكلاب. قال:
و الظالع من الكلاب: الصارف. يقال صَرَفَت الكلبة و ظلعت و أجعلت و استطارت إذا اشتهت الفحل. قال:
و الظالع من الكلاب لا تنام، فتضرب مَثَلًا للمهتم بأمره الذي لا ينام عنه و لا يهمله.
و أنشد خالد بن يزيد قول الحطيئة يخاطب خيال امرأة طَرَقَه:
تسدّيتِنا من بعد ما نام ظالع ال             كلاب و أخبى نارَه كلُّ موقِد
قال أبو الهيثم: قال بعضهم: ظالع الكلاب: الكلبة الصارف، يقال: ظَلَعت الكلبة و صَرَفت، لأن الذكور يتبعْنها و لا يدعْنها تنام، حكاه عن ابن الأعرابيّ.
قال: و قال غيره: ظالع الكلاب: الذي ينتظرها أن تسفِد ثم يسفد بعدها. قال الأزهري: و القول ما قاله الأصمعيّ في ظالع الكلاب، و هو الذي أصابه ظَلْع أي غَمْز في قوائمه فضعف عن السِفَاد مع الكلاب. قال: و قوله: ارقَأ على ظلعك أي تصعّد في الجبل و أنت تعلم أنك ظالع، لا تجهدْ نفسك.
لعظ:
قال ابن المظفر: يقال: هذه جارية ملعّظة إذا كانت سمينة طويلة. قلت: و لم أسمع هذا الحرف مستعملًا في كلام العرب لغيره، و أرجو أن يكون ضبطه.
 [باب العين و الظاء مع النون‏
ع ظ ن‏]
عظن، عنظ، ظعن، نعظ: مستعملة.
عظن:
أهمله الليث: و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: أعظن الرجل إذا غَلُظ جِسمه. قال و أنعظ إذا اشتهى الجماع.
و لا أحفظ أعظن لغير ابن الأعرابيّ. و هو ثقة مأمون.
عنظ:
قال ابن المظفّر: العُنْظُوان: نَبْت.
قال: و نونه زائدة، إذا استكثر منه البعير وَجِع بَطْنُه. قال: و أصل الكلمة عين و ظاء و واو. قال: و العُنْظُوانة: الجرادة الأنثى. و العُنْظُب: الذكر. و روى أبو عُبَيد عن الفرّاء أنه قال: العُنْظُوان:
الفاحش من الرجال، و امرأة عُنْظُوانة.

179
تهذيب اللغة2

عنظ ص 179

قلت: و يقال للرجل البَذِي‏ء و الفاحش:
إنه لعِنْظِيان، و المرأة: عِنْظِيانة. و مثله رجل خِنْظِيان و امرأة خِنْظِيانة، و هو يُعَنْظِي و يُخَنْذِي و يُخَنظى. و قال الراجز يصف امرأة:
باتت تعنظي بِكَ سَمْع الحاضر
أي تُسمِّع بكِ و تفضحك بشنيع الكلام بمَسْمع من الحاضر. و العُنْظُوان: ضرب من الحَمْض معروف يشبه الرِمْث غير أن الرمث أسبط منه ورقاً و أمرأ، و أنجع للنَعَم. و عُنْظُوان: ماء لبني تميم معروف.
ظعن:
الحرّانيّ عن ابن السكيت: يقال: هذا جمل تَظَّعِنه المرأةُ أي تركبه في سفرها و في يوم ظَعْنها. و قال اللَّه عزَّ و جلَّ: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ‏
 [النّحل: 80] و قرى‏ء: (ظَعَنِكم). و الظَّعْنُ: سير البادية لنُجْعة أو حضور ماء أو طلب مَرْتَع أو تحوّل من ماء إلى ماء أو من بلد إلى بلد.
و قد ظَعَنوا يَظْعَنون. و قد يقال لكل شاخص لسفر في حجّ أو غزو أو مسير من مدينة إلى أخرى: ظاعِن، و هو ضدّ الخافض، يقال: أ ظاعن أنت أم مقيم؟
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
الظعنة: السَفْرة القصيرة. أبو عُبيد عن الكسائيّ: الظَّعُون: البعير الذي يُعتمل فيُحمل عليه. قال: و الظِّعَان: الحبل الذي يشدّ به الحِمْل. أبو عبيد عن أبي زيد قال: الظعائن: هي الهوادج، كان فيها نساء أو لم يكن، الواحدة ظَعِينة، قال: و إنما سمّيت النساء ظعائن لأنهنّ يكنّ في الهوادج. و قال ابن السكيت:
قال أبو عمرو يقال للبعير الذي تركبه الظعينةُ الظَّعُون. قال: و الظِّعَان: النِسْعة التي يُشدّ بها الهوادج. قال: و الظعائن:
النساء في الهوادج. أبو عبيد عن الأصمعي: ظعينته و زوجه و قعيدته و عِرْسه. و قال الليث: الظعينة: المرأة لأنها تَظْعن إذا ظعن زوجها و تقيم بإقامته. قال: و يقال هو الجمل الذي يُركب، و تسمى المرأة ظعينة لأنها تركبه.
قال: و أكثر ما يقال الظعينة للمرأة الراكبة. و أنشد قوله:
 تبصر خليلي هل ترى من ظعائن             لمية أمثال النخيل المخارف‏
قال: شبَّه الجمال عليها هوادج النساء بالنخيل. قال ابن السكيت: يقال: هذا جَمَل تظَّعِنه المرأة أي تركبه يوم ظعنها مع حَيّها.
نعظ:
قال الليث: يقال: نعَظ ذَكَر الرجل يَنْعَظ نَعْظاً و نُعُوظاً؛ و أنعظ الرجل إنعاظاً، و أنعظت المرأة إنعاظاً إذا اهتاجت. قال:
و إنعاظ الرجل: انتشار ذَكرِه. و أنشد أبو عبيدة:
إذا عَرِق المهقوع بالمرء أنعظت             حليلتُه و ازداد رَشْحاً عجانُها
و قال ابن الأعرابي: أنعظ الرجل إذا اشتهى الجماع، و أنعظت المرأة إذا اشتهت أن تُجامَع و قال أبو عُبيدة: إذا فتحت الفرس ظَبْيَتها و قبضَتْها و اشتهت أن يضربها الحِصان قيل: انتعظت انتعاظاً.
 [باب العين و الظاء مع الفاء]

180
تهذيب اللغة2

ع ظ ف 181

ع ظ ف‏
استعمل من وجوهه: فظع.
فظع:
قال ابن المظفر: فَظُع الأَمرُ يفظُع فَظَاعة فهو فَظِيع. و قد أفظعني هذا الأمرُ و فَظِعت به. و استفظعته إذا رأيتَه فظيعاً، و أفظعته كذلك. قال: و أَفْظع الأمرُ فهو مُفْظِع.
و قال أبو زيد: فظِعت بالأمر أفظَع به فَظَاعة إذا هَالَك و غلبك فلم تثِق بأن تطيعه. و قال أبو وَجْزة:
ترى العِلَافيّ منها موفِداً فظِعاً             إذا احزألَّ به من ظهرها فِقَر
قال: فظِعاً أي ملآن، و قد فَظِع يَفْظَع فَظَعاً إذا امتلأ.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الماء الفَظِيع: هو الماء الصافي الزُلَال، و ضده المُضَاض و هو الشديد الملوحة.
 [باب العين و الظاء مع الباء]
ع ظ ب‏
استعمل من وجوهه: عظب.
عظب:
قال الليث: عَظَب الطائرُ، و هو يَعْظِب عَظْباً، و هو سرعة تحريك الزِمِكيّ. و رواه أبو تراب للأصمعي: حَظَب على العمل و عَظَب إذا مَرَن عليه. و قال: و قال أبو نصر: عَظَبت يدُه إذا غلظت على العمل.
قال: و عَظَب جِلدُه إذا يبِس.
و قال عثمان الجعفري: إن فلاناً لحسن العُظُوب على المصيبة إذا نزلت به يعني أنه حسن التبصّر جميل العَزَاء.
و قال مبتكر الأعرابي: عَظَب فلان على مالِه و هو عاظب إذا كان قائماً عليه؛ و قد حَسُن عُظُوبه عليه. ثعلب عن ابن الأعرابي: العَظُوب: السمين. يقال:
عَظِب يَعْظَب عَظْباً إذا سمِن.
و في «النوادر»: كنت العام عَظِباً و عاظباً و عذياً و شظفاً و صاملًا و شذياً و شذباً، و هو كله نزوله الفلاةَ و مواضعَ اليبس.
 [باب العين و الظاء مع الميم‏]
ع ظ م‏
استعمل من وجوهه: عظم، مظع.
عظم:
قال اللَّه عزَّ و جلَّ: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً
 [المؤمنون: 14] و يقرأ: (فكسونا العظم لحماً) و التوحيد و الجمع ههنا جائزان؛ لأنه يعلم أن الإنسان ذو عظام، فإذا وحّد فلأنه يدلّ على الجمع، و لأن معه اللحم لفظه لفظ الواحد. و قد يجوز من التوحيد إذا كان في الكلام دليل على الجمع ما هو أشدَّ من هذا قال الراجز:
في حَلْقكم عَظْم و قد شَجِينا
يريد: في حلوقكم عظام.
و قال عزَّ و جلَّ: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ‏
 [يس: 78] قال: (الْعِظامَ)
 و هي جمع ثم قال: (رَمِيمٌ) فوحد. و فيه قولان؛ أحدهما: أن العظام و إن كانت جمعاً فبناؤها بناء الواحد لأنها على بناء جِدار و كتاب و جِراب و ما أشبهها، فوحد النعت للفظ؛ و قال الشاعر:
يا عمرو جيرانكم باكرُ             فالقلب لا لاه و لا صابر

181
تهذيب اللغة2

عظم ص 181

و الجيران جمع جار، و الباكر نعت للواحد و جاز ذلك لأن الجِيران لم يُبن بناءُ الجمع، و هو على بناء عِرفان و سِرْحان و ما أشبهه. و القول الثاني أن الرميم فعيل بمعنى مرموم، و ذلك أن الإبل تَرُمّ العظام أي تَقْضُمها و تأكلها، فهي رِمَّة و مرمومة و رَميم. و يجوز أن يكون رميم من رمَّ العظمُ إذا بَلِيَ يرِمَّ فهو رامّ و رميم أي بال. و من صفات اللَّه عزّ و جلّ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ*
، و يسبّح العبد رَبَّه فيقول: سبحان ربّي العظيم.
و
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «أمّا الركوع فعظموا فيه الربّ»
أي اجعلوه في أنفسكم ذا عظمة و عَظَمة اللَّه لا تكيف و لا تُحَدّ و لا تمثَّل بشي‏ء. و يجب على العباد أن يعلموا أنه عظيم كما وصف نفسَه و فوق ذلك بلا كيفيَّة و لا تحديد. و عَظَمة الذراع:
مَستغلَظها.
و قال أبو عُبَيد: عَظَمة اللسان: مستغلَظه فوق العَكَدة، قال: و عَكَدته: أصله. و إن لفلان عَظَمة عند الناس أي حُرْمة يعَّظم لها. و له معاظم مثله. و قال مرقّش:
و الخال له معاظم و حُرَمْ‏
و إنه لعظيم المَعَاظِم أي عظيم الحُرْمة.
و يقال: عظُم يعظُم عِظَماً فهو عظيم. و أما عَظْم اللحم فبتسكين الظاء، يجمع عِظاماً و عِظَامة. و قال الراجز:
وَيْلٌ لبُعْران أبي نعامَهْ             منك و من شَفْرتك الهُذَامَهْ‏
إذا ابتركت فحفرت قامَهْ             ثم نثرت الفَرْث و العِظَامَهْ‏

و مثله الفِحالة و الذِكارة و الحجارة و النِقَادة- جمع النَقَد- و الجِمَالة جمع الجَمَل؛ قال اللَّه: جِمالَتٌ صُفْرٌ [المُرسَلات: 33] هي جمع جمالة و جمال.
و قال الليث: العَظَمة: التعظّم و النّخْوة و الزَهْو.
قلت: أمَّا عظمة اللَّه فلا توصف بما وصفها به الليث. و إذا وُصف العبد بالعَظَمة فهو ذَمّ؛ لأن العظمة في الحقيقة للَّه عزَّ و جلَّ، و أمَّا عظمة العبد فهو كِبْره المذموم و تجبُّره. و عُظْم الشي‏ء و مُعظمه:
جُلّه و أكبره.
قال ابن السكيت: العرب تقول: عَظُم البطن بطنُك، و عَظْم البطن بطنك بتخفيف الظاء، و عُظْم البطن بطنك، يسكّنون الظاء و ينقلون ضمّتها إلى العين، و إنما يكون النقل فيما كان مدحاً أو ذمّاً.
و قال الليث: استعظمت الأمر إذا أنكرته يقال و العَظِمية: المُلِمَّة إذا أعضلت. قال:
و يقال: لا يتعاظمني ما أتيت إليك من عظيم العظِيمة. و سمعت خبراً فأعظمته.
قال ابن السكيت: يقال: أصابنا مَطَر لا يتعاظمه شي‏ء أي لا يعظم عنده شي‏ء.
و قال اللحيانيّ: يقال: أعظمني ما قلتَ لي أي هالني و عَظُم عليّ. و يقال:
ما يُعْظِمني أن أفعل ذاك أي ما يَهُولني، و رماه بمُعْظِم أي بعَظيم، و قد أعظم الأمرُ فهو مُعْظِم و العظمة: ما يلي المرفق من مستغلظ الذراع و فيه العضلة. و العَضَلة، و النصف الآخر الذي يلي الكفّ يقال له الأسَلة و دخل في عُظْم الناس و عَظْمهم‏

182
تهذيب اللغة2

عظم ص 181

أي في مُعْظَمهم.
قلت: و يقال: تعاظمني الأمر و تعاظمته إذا استعظمته. و هذا كما يقال: تهيَّبني الشي‏ء و تهيَّبته.
أبو عبيد عن الفرّاء قال العُظْمة، شي‏ء تعظَّم به المرأة رِدْفها من مِرْفقة و غيرها.
و هذا في كلام بني أسَد، و غيرهم يقول:
العِظَامة بكسر العين.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: عَظْم الرجْل:
خَشَبة بلا أَنساع و لا أداة. و ذو عظم:
عِرْض من أعراض خَيْبَر، فيه عيون جارية و نخيل عامرة و عَظَمات القوم. سادتهم و ذوو شرفهم. و وصف اللَّه عذاب النار فقال: عَذابٌ عَظِيمٌ*
 [البَقَرَة: 114] و كذلك العذاب في الدنيا، و وصف كيد النساء، فقال: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ‏
 [يُوسُف: 28].
و هذا على الاستفظاع له. و اللَّه أعلم.
مظع:
الليث: المُظْعة: بقيَّة من الكلأ.
قال: و الريح تُمظّع الخشبة حتى تستخرج نُدُوَّته.
و قال غيره: مَظَعْت الخشبة إذا قطعتها رَطْبة ثم وضعتها بلِحَائها في الشمس حتى تتشرب ماءها، و يُترك لِحَاؤها عليها لئلا يتصدَّع و يتشقَق. و قال أوس بن حَجَر يصف رجلًا قطع شجرة يتَّخِذ منها قوساً:
فمظَّعها حولين ماءَ لحائها             تُعالَى على ظهر العَرِيش و تُنزَلُ‏
أبو العباس عن عمرو عن أبيه: يقال للرجل إذا روَّى دسَمَ الثريد: قد روّغه و مرَّغه و مظّعه و مَرْطله و سَغْبله.
و قال الليث: يقال: مظَّع فلان وَتَره تمظيعاً إذا ملَّسه و يَبّسه. و كذلك الخشبة.
و لقد تمظَّع فلان ما عندك أي تلحَّسه كله.
الأصمعي: فلان يتمظَّع الظِلّ أي يتتبَّعه من موضع إلى موضع.
أبواب العين و الذال‏
ع ذ ث‏
مهمل.
 [باب العين و الذال مع الراء]
 [ع ذ ر]
عذر، ذرع، ذعر: مستعملة.
عذر:
قال اللَّه عزَّ و جلَّ: قالُوا مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ‏
 [الأعراف: 164] نزلت في قوم من بني إسرائيل وَعظوا الذين اعتدَوا في السبت من اليهود، فقالت طائفة منهم:
لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ [الأعراف:
164]، فقالوا- يعني الواعظين-: مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ‏
. المعنى: قالوا: موعظتنا إيَّاهم معذِرة إلى ربكم. فالمعنى: أنهم قالوا:
الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء و لعلّهم يتّقون. و يجوز النصب في مَعْذِرَةً
 فيكون المعنى: نعتذر معذرة بوعظنا إيّاهم إلى ربّنا. و المَعْذِرة: اسم على مفعِلة من عَذَر، يعذِر، و أقيم مُقَام الاعتذار؛ كأنهم قالوا: موعظتنا اعتذار إلى ربّنا، فأقيم الاسم مُقام الاعتذار.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ‏
 [التّوبَة: 90]
رَوَى الضحّاك عن ابن عباس أنه قرأ: (و جاء المُعْذِرون من الأعراب). و قال: لعن اللَّه‏

183
تهذيب اللغة2

عذر ص 183

المعذِّرين‏
قلت: يذهب ابن عبّاس إلى أن المُعْذِرين هم الذين لهم عُذْر و المعذّرون- بالتشديد- الذين يعتذرون بلا عذر، و كأنهم المقصرون الذين لا عُذْر لهم و العرب تقول: أعذر فلان أي كان منه ما يُعذَر به.
و منه قولهم: قد أعذر من أنذر. و يكون أعذر بمعنى اعتذر اعتذاراً يُعذَر به.
و منه قول لَبيد يخاطب ابنتيه:
فقوما فقولا بالذي قد علمتما             و لا تخمِشا وجهاً و لا تحلقا الشَعَرْ
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما             و من يبك حولًا كاملًا فقد اعتذرْ

فجعل الاعتذار بمعنى الإعذار، و المعتذِر يكون مُحِقاً و يكون غير مُحِقّ؛ و المعاذير يشوبها الكذب.
و اعتذر رجل إلى عمر بن عبد العزيز، فقال له: عَذَرتك غير معتذِر.
و يقول: عذرتك دون أن تعتذر
و قرأ يعقوب الحضرميّ وحده: (و جاء المُعْذِرون) ساكنة العين، و سائر قرّاء الأمصار قرءوا: وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ‏
 [التوبة:
90] بفتح العين و تشديد الذال، ممن قرأ الْمُعَذِّرُونَ‏
 فهو في الأصل: المعتذرون، فأدغمت التاء في الذال لقرب المخرجين، و معنى المعتذرين: الذين يعتذرون، كان لهم عذر أو لم يكن، و هو ههنا شبيه بأن يكون لهم عذر. و يجوز في كلام العرب:
المعِذّرون بكسر العين؛ لأن الأصل:
المعتذرون فأسكنت التاء و أدغمت في الذال و نُقِلت حركتها إلى العين، فصار الفتح في العين أولى الأشياء، و من كسر العين جرّه لالتقاء الساكنين، و لم يُقرأ بهذا.
و يجوز أن يكون الْمُعَذِّرُونَ‏
: الذين يعذّرون يوهمون أن لهم عذراً و لا عذر لهم.
و أخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سَلَّام الجُمَحيّ عن يونس النحويّ أنه سأله عن قوله تعالى: وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ‏
 [التوبة: 90] فقال: قلت ليونس: (المُعْذرون) مخفّفة كأنها أقيس؛ لأن المُعْذِر: الذي له عُذْر، و المعذّر: الذي يعتذر و لا عذر له. فقال يونس: قال أبو عمرو بن العلاء: كِلَا الفريقين كان مسيئاً، جاء قوم فعذَّروا، و جَلَّح آخرون فقعدوا.
و أخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في قوله: وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ‏
. قال: معناه:
المعتذرون.
و يقال: عذَّر الرجل يَعِذّر عِذّاراً في معنى اعتذر.
و يجوز عِذِّر يَعِذّر فهو مُعِذِّر، و اللغة الأولى أجودهما.
قال: و مثله هَدّى يَهدّى هِدّاءً إذا اهتدى.
و هِدَّى يهِدِّي.
قال اللَّه جل و عزّ: أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‏ [يُونس: 35].
قلت: و يكون الْمُعَذِّرُونَ‏
 بمعنى المقصّرين على مفعِّلين من التعذير و هو التقصير. يقال:
قام فلان قيام تعذير فيما استكفيتُه إذا لم‏

184
تهذيب اللغة2

عذر ص 183

يبالغ و قصّر فيما اعتُمد عليه. و
في الحديث أن بني إسرائيل كانوا إذا عُمِل فيهم بالمعاصي نهاهم أحبارهم تعذيراً، فعمَّهم اللَّه بالعقاب، و ذلك إذا لم يبالغوا في نهيهم عن المعاصي و داهنوهم و لم ينكروا أعمالَهم بالمعاصي حقّ الإنكار.
و
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «لن يهلك الناس حتى يُعْذِروا من أنفسهم».
قال أبو عبيد: قال أبو عُبيدة: يقول حتى تكثر ذنوبهم و عيوبهم.
قال: و فيه لغتان، يقال أعذر الرجل إعذاراً إذا صار ذا عيب و فساد.
و كان بعضهم يقول: عَذَر يَعْذِر بمعناه، و لم يعرفه الأصمعيَّ.
قال أبو عبيد: و لا أرى أخذ هذا إلَّا من العُذْر، يعني: يعذِروا من أنفسهم باستيجابهم العقوبة فيكون لمن يعذّبهم العذرُ في ذلك.
قال: و هو
كالحديث الآخر: «لن يهلِك على اللَّه إلا هالك»
، و منه قول الأخطل:
فإن تك حَرْبُ ابنَيْ نِزَارٍ تواضعت             فقد عَذَرْتنا في كلاب و في كعب‏
و يروى: أعذرتْنا أي جعلَتْ لنا عذراً فيما صنَعْنا. و منه قول الناس: من يَعْذِرني من فلان. و قال ذو الإصبع العَدْوانيّ:
 عذَيرَ الحيّ من عَدْوا             ن كانوا حَيَّة الأرض‏
أي هاتِ عَذِير الحيّ من عَدْوان أي من يَعْذِرني، كأنه قال: هات من يَعْذِرني.
و منه قوله:
عَذِيرَك مِن خليلك من مراد
و هذا يروى عن عليّ رضي اللَّهُ عَنْه.
و قال الليث:
يقال: مَن عَذِيري من فلان أي مَن يَعْذِرني منه، كأنه يخبر بإساءته إليه و استيجابه المجازاة، فيقول: من يَعْذِرني منه إذا جازيتُه بسوء فعله. قال: و عذير الرجل:
ما يروم و ما يحاول ممَّا يُعْذَر عليه إذا فعله. قال العجَّاج يخاطب امرأته:
جاريَ لا تستنكري عذيري             سَعْيي و إشفاقي على بعيري‏
و ذلك أنه عزم على السفر فكان يرُمّ رَحْل راحلتِه لسفره، فقالت له امرأته: ما هذا الذي تَرُمّ؟ فخاطبها بهذا الشعر، أي لا تنكري ما أحاول. و قال شمر: قال أبو عبيدة: أَعْذَر فلان من نفسه أي أُتِي من قِبَل نَفْسه. قال: و عَذّر يُعَذّر من نفسه أي أُتِي من نفسه. قال يونس: هي لغة للعرب. قال: و قال خالد بن جَنْبة. يقال:
أَما تُعْذِرني من هذا بمعنى: أما تُنْصفني منه، يقال: أعذِرني من هذا أي أنصِفني منه. و يقال: لا يُعْذِرك من هذا الرجل أحد، معناه: لا يُلزِمه الذنبَ فيما تضيف إليه و تشكوه به. و منه قولهم: من يَعذرني من فلان أي من يقوم بعُذْري إن أنا جازيته بسُوء صنيعه فلا يُلزمني لوماً على ما يكون منّي إليه. و يقال: اعتذر فلان اعتذاراً و عِذْرة و مَعْذِرة من ذنبه فعذَرته.
قال: و تعذَّر عليَّ هذا الأمرُ إذا لم يستقم.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: عذيري من فلان أي من يَعْذِرني. و نصبه على إضمار هلمّ معذرتَك إيَّاي. قال: و العذير أيضاً:

185
تهذيب اللغة2

عذر ص 183

الحال، و جمعه عُذُر، و ربما خُفِّفَ فقيل:
عُذْر. و قال حاتم:
و قد عذرتْني في طِلابكم العُذْرُ
قال: و العُذْرة: الناصية، و جمعها عُذَر.
و قال طَرَفة:
و هِضَبَّاتٍ إذا ابتل العُذْر
و العُذْرة: وَجَع في الحلق، يقال منه:
رجل معذور. و قال جرير:
غَمْز الطبيب نغانغ المعذور
و يقال: فلان أبو عُذْر فلانة إذا كان افْترعها و قال الأصمعيّ: أعذرْت الغلام و الجارية و عَذَرتهما، لغتان إذا خُتِنا. و قال الراجز:
تلوية الخاتن زُبّ المُعْذَر
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العُذْرة:
خاتَم البِكر، و العُذْرة: وَجَع الحَلْق، و العُذْرة: العَلَامة. و قال أبو الحسن اللِحياني: للجارية عُذْرتان، إحداهما تخفِضها، و هو موضع الخفض من الجارية، و العُذْرة الثانية قِضَّتها، سمّيتا عُذْرة بالعَذْر و هو القطع؛ لأنها إذا خُفِضت قطعت نَوَاتها، و إذا افْتُرِعَتْ انقطع خاتم عُذْرتها. و يقال لقُلْفة الصبيّ أيضاً عُذْرة. و
في الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم استعذر أبا بكر من عائشة، كأنه عَتَب عليها بعض الأمر فقال لأبي بكر: «اعذِرني منها إن أدّبتُها».
و قال أبو زيد: سمعت أعرابيَّيْن تميميَّاً و قيسيّاً يقولان: تعذّرت إلى الرجل تعذُّراً في معنى اعتذرت اعتذاراً. و قال الأحوص بن محمَّد الأنصاريّ:
طريد تلافاه يزيد برَحْمَةٍ             فلم يُلْفَ من نَعمائه يتعذَّر
أي يعتذر، يقول: أنعم عليه نعمة لم يحتج إلى أن يعتذر منها. و يجوز أن يكون معنى قوله يتعذر أي يذهب عنها. و قال ابن بُزُرْج: يقال: تعذّروا عليه أي فرّوا عنه و خَذَلوه. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: قولهم: اعتذرت إليه هو قَطْع ما في قلبه، يقال: اعتذرتِ المياهُ إذا تقطَّعت، و اعتذرت المنازلُ إذا دَرَسَتْ، و مررت بمنزل معتذر: بالٍ. و قال لَبِيد:
شهورَ الصيف و اعتذرت إليه             نِطافُ الشيطين من الشِمال‏
و قال ابن أحمر في الاعتذار بمعنى الدُرُوس:
قد كنتَ تعرف آيات فقد جَعَلت             أطلالُ إلْفِك بالوَدْكاء تعتذر
و أُخِذ الاعتذار من الذنب من هذا؛ لأنّ من اعتذر شابَ اعتذارَه بكذب يعفي على ذَنْبه. قال: و إنما سُمِّيت البِكْر عَذْراء من ضِيقها، و منه يقال: تعذَّر عليَّ هذا الأمرُ.
قال المنذري: و قال أبو طالب المفضَّل بن سلَمَة: الاعتذار قَطْع الرجل عن حاجته، و قَطْعه عمَّا أمْسك في قلبه. قال:
و الاعتذار: مَحْو أثر الموجِدة من قولهم:
اعتذرتِ المنازلُ إذا دَرَسَت. أبو عُبَيد عن الأصمعيّ يقال لأثر الجُرْح: عاذر. و قال ابن أحمر:
و بالظهر مني من قَرَا الباب عاذر

186
تهذيب اللغة2

عذر ص 183

أبو عبيد عن أبي زيد: الإعذار: ما صُنع من الطعام عند الخِتان، و قد أعذرت.
و أنشد:
كلَّ الطعام تشتهي ربيعَهْ             الخُرْسَ و الإعذارَ و النقيعَهْ‏
سَلَمة عن الفرّاء قال: العَذِيرة: طعام الخِتان. قال: و عَذَرْت الغلامَ و أعذرته.
و
في حديث عليّ رضي اللَّهُ عنه أنه عاتب قوماً فقال: ما لكم لا تنظفون عَذِرَاتكم!
قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: العَذِرة أصلها فِنَاء الدار، و إيّاها أراد عليّ. قال أبو عبيد: و إنما سُمِّيت عَذِرة الناس بهذا لأنها كانت تُلْقَى بالأفنية، فكُني عنها باسم الفِناء؛ كما كني بالغائط- و هي الأرض المطمئنَّة- عنها. و قال الحطيئة يذكر الأفنية:
لعمري لقد جرّبتكم فوجدتكم             قِباح الوجوه سَيّئي العَذِرات‏
و المعاذر جمع مَعْذِرة، و من أمثالهم:
المعاذر مكاذب. و قال اللَّه عزَّ و جلَّ:
وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ‏
 [القِيَامَة: 15] قال بعضهم: و لو أدلى بكلّ حُجَّة يَعتذِر بها.
و جاء في التفسير أيضاً: و لو ألقى ستوره، المعاذير: الستور بلغة أهل اليمن، واحدها مِعْذار. و يقال: أعذر فلان في ظهر فلان بالسياط إعذاراً إذا ضربه فأثَّر فيه شَتَمه فبالغ في شتمه حتى أثر به فيه، و قال الأخطل:
و قد أعذرن في وَضَح العِجَانِ‏
و ترك المَطَرُ به عاذراً أي أثراً، و العِذَار:
سِمَة. و قال الأحمر: من السِمَات العُذُر، و هي سِمَة في موضع العِذَار، و قد عُذِر البعير فهو معذور. و قال ابن الأعرابيّ في قول الشاعر:
و مخاصمٍ قاومتُ في كَبَد             مثل الدِهَان فكان لي العُذْرُ
قال: العُذْر: النُجْحُ. ولي في هذا الأمر عُذْر و عُذْرَى و مَعْذِرة أي خروج من الذنب. و يقال في الحرب: لمن العُذْر أي النُجْح و الغَلَبة. و قال الأصمعيّ: خلع فلان مُعَذَّره إذا لم يُطع مُرْشداً، و أراد بالمعذَّر: الرَسَن ذا العِذارين. و العَذْراء:
الرَمْلة التي لم توطأ. و دُرَّة عَذْراء: لم تُثْقب. و يقال: ما عندهم عَذِيرة أي لا يَعْذرون، و ما عندهم غَفِيرة أي لا يَغفرون. و عذراء: قرية بالشام معروفة.
و العَذَارَى: هي الجوامع كالأغلال تجمع بها الأيدي إلى الأعناق، واحدتها عذراء.
و قال اللحيانيّ: هي العَذِرة و العَذِبة لِمَا سقط من الطعام إذا نُقِّي. و يقال: اتخذ فلان في كَرْمه عِذَاراً من الشجر أي سِكَّة مصطفَّة. و عذارا الحائط و الوادي:
جانباه. و قال أبو سعيد: يقال للرجل إذا عاتبك على أمر قبل التقدّم إليك فيه: و اللَّه ما استعذرت إليّ و ما استنذرت، أي لم تقدِّم إليَّ المعذرة و الإنذار. و الاستعذار:
أن تقول له: اعذِرني منك. و عذار اللجام: ما وقع منه على خدّي الدَّابة.
و قال النضر: عذارُ اللجام: السَّيْران اللذان يُجمعان عند القفا. و قال الكسائي:
أعذرْت الفرس: جعلت له عِذَاراً. و قال ابن الأعرابيّ: عَذَرت الفَرَس: جعلت له‏

187
تهذيب اللغة2

عذر ص 183

عِذَاراً. و قال ابن المظفَّر: عَذَرت الفرس فأنا أَعْذِره بالعِذَار و أعذرته إذا جعلت له عِذَاراً، و عذَّرته تعذيراً بالعِذار. قال:
و العِذَار: طعام البِنَاء و أن يستفيد الرجل شيئاً جديداً يتَّخذ طعاماً يدعو عليه إخوانه. و عذَّر فلان تعذيراً للخِتان و نحوه. و حِمَار عذَوَّر، و هو الواسع الجَوْف. و مُلْك عذَوَّر: واسع عريض.
و العُذْرة: نجم إذا طلع اشتدَّ غَمّ الحَرّ، و هي تطلع بعد الشعْرى و لها وَقْدَة و لا ريح لها و تأخذ بالنَفْس ثم يطلع سهيل بعدها.
و قال المازنيّ: العواذير: جمع العاذر و هو الأَثَر. و قال أبو وَجْزة السعديّ:
إذا الحَيّ و الحَوْم المُيَسِّر وَسْطنا             و إذ نحن في حال من العيش صالح‏
و ذو حَلَق نُقْضَى العواذيرُ بينه             يلوح بأخطار عظام اللقائح‏

و قال الأصمعيّ: الحَوْم: الإبل الكثيرة، المُيَسِّر: الذي قد جاء لَبَنه. و ذو حَلَق يعني إبلًا مِيسَمُها الْحَلَق. و العواذير: جمع عاذور، و هو أن يكون بنو الأب ميسَمُهم واحداً فإذا اقتسموا ما لهم قال بعضهم لبعض: أَعْذِر عنّي، فيخطّ في المِيسم خَطاً أو غيره ليعرف بذلك سِمَة بعضهم من بعض. و العاذُور أيضاً: ما يُقطع من مَخْفِض الجارية. و قال اللَّه عزَّ و جلَّ: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً* عُذْراً أَوْ نُذْراً
 [المرسلات: 5، 6] فيه قولان. أحدهما:
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً للإعذار و الإنذار، و القول الثاني: أنهما نصبا على البدل من قوله:
ذِكْراً. و فيه وجه ثالث و هو أن تنصبهما بقوله: ذِكْراً المعنى:
الملقيات إن ذكرت عُذْراً أَوْ نُذْراً
. و هما اسمان أُقيما مُقام الإعذار و الإنذار، و يجوز تخفيفهما معاً و تثقيلهما معاً.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العُذُر جمع العاذر و هو الأبداء يقال: قد ظهر عاذِره، و هو دَبُوقاؤه. و العُذُر جمع عِذَار و هو المستطِيل من الأرض. و العِذَار:
استواء شَعَر الغلام، يقال: ما أحسن عِذاره أي خَطَّ لِحيتِه. و العَذَر: العلامة، يقال: أَعْذِر على نصيبك أي أعلِم عليه.
و قال أبو مالك عمرو بن كِرْكِرة: يقال:
ضربوه فأعذروه أي ضربوه فأثقلوه.
ذعر:
الليث: ذُعِر فلان ذُعْراً فهو مَذْعوراً أي أُخيف. و الذُّعْر: الفَزَع، و هو الاسم.
و رجل متذعّر. ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الذَّعَر: الدَهَش من الحياء. قال:
و الذَّعْراء و الذُّعْرة: الفُنْدُورة. و قال في موضع آخر: الذُّعرة: أم سُؤيد. و الذَّعْرة:
الفَزْعة. و قال ابن بزرج: ذَعَرته و أذعرته بمعنى واحد و أنشد:
غَيران شَمَّصَه الوُشاةُ فأذعروا             وَحْشاً عليك وجدتَهنَّ سُكُونا
و العرب تقول للناقة المجنونة: مذعورة، و نُوق مذعَّرة: بها جُنون.
ذرع:
في الحديث أن رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم أذرع ذِراعيه من أسفل الجُبَّة إذراعاً
، قال النضر: أذرع ذراعيه أي أخرجهما. و رجل ذَرِيع اليد بالكتابة أي سريع اليد. الحرّانيّ عن ابن السكيت: هذا ثوب سَبْع في‏

188
تهذيب اللغة2

ذرع ص 188

ثمانية فقالوا: سبع لأن الأذرع مؤنَّثة، تقول: هذه ذراع، و قلت: ثمانية لأن الأشبار مذكّرة. و قال الليث: الذراع من طَرَف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى.
و قد ذَرَعت الثوب و غيره أَذْرَعه فأنا ذارع و هو مذروع. و الرجل يذرِّع في سِبَاحته تذريعاً. قال: و الذِّرَاع: اسم جامع في كل ما يسمَّى يداً من الروحانيين ذوي الأبدان. قال: و مذاريع الدابَّة: قوائمها، واحدها مذراع، و يقال: مذراع، و ثَوْر مَوْشِيّ المذَارع. و مذارع الأرض:
نواحيها. أبو عبيد عن أبي عمرو قال:
المذارع: هي البلاد التي بين الريف و البَر؛ مثل القادسيَّة و الأنبار، و هي المَزَالِف أيضاً. و قال الليث: موت ذَريع:
سريع فاشٍ، لا يكاد الناس يتدافنون.
و الذِّرَاع: سِمَة بني ثعلبة من اليمَن. قال:
و ذِراع العامل صَدْر القناة. قال:
و الذَّرِيعة: حَلْقة يعلَّم عليها الرَّمْي.
و الذريعة: جَمَل يَستتِر به الرامي من الصيد فيرميه. و يسيَّب الجَمَل مع الصيد حتى يأتلفا، و يمشي الصيَّاد إلى جَنْبه فيرمي الصيدَ إذا أكثبه. أبو عبيد: الذَّرَع: ولد البقرة الوحشيَّة، و أُمّه مُذْرِع.
و قال الليث: هنّ المُذْرِعات أي ذوات ذِرْعان. قال: و أذرعات: بلد تنسب إليه الخمر.
و أنشد بعضهم:
تنوّرتُها من أذرعاتٍ و أهلها             بيثربَ أدنى دارِها نظر عال‏
قال: و هذا أكثر الرواية. و قد أنشد بالكسر بغير تنوين من أذرعات، فأمّا الفتح فخطأ، لأن نصب تاء الجميع و فتحه و حفضها كسر. قال و الذي أجاز الكسر بلا صَرْف فلأنه اسم لفظه لفظ جماعة لواحد. و القول الجيد عند جميع النحويين الصرف، و هو مثل عَرَفات، و القُرّاء كلهم في قوله: مِنْ عَرَفاتٍ [البقرة: 198] على الكسر و التنوين، و هو اسم لمكان واحد، و لفظه لفظ جمع. أبو الهيثم:
المذرَّع من الناس: الذي أُمّه أشرف من أبيه. قال: و الهَجِين: الذي أبوه عربي و أمّه أَمَة. و أنشد هو أو غيره:
إذا باهليّ تحته حنظليَّة             له ولد منها فذاك المذرَّعُ‏
و إنما سمّي مذرَّعاً تشبيهاً بالبَغْل، لأن في ذراعيه رَقْمين كرَقْمَتَيْ ذِرَاع الحِمَار نَزَع بهما إلى الحمار في الشّبَه، و أُمّ البغل أكرم من أبيه. الذوارع الزِقاق، واحدها ذارع. و قال الأعشى:
 و الشاربون إذا الذوارع أُغْليت             صَفْو الفِضَال بطارف و تِلاد
أبو عبيد: امرأة ذِرَاع إذا كانت خفيفة اليدين بالغَزْل. و يقال: ذرَّع فلان لبعيره إذا قَيَّده بفضل خِطامه في ذراعيه، و العرب تسمّيه تذريعاً. و يقال: ضقت بالأمر ذَرْعاً و ذِرَاعاً، نصبت ذرْعاً لأنه خرج مفسراً محوَّلًا؛ لأنه كان في الأصل ضاق ذرعي به، فلمَّا حُوّل الفعل خرج قوله ذَرْعاً مفسراً. و مثله قَرِرْت به عَيناً و طِبت به نَفْساً.
و الذَّرْع يوضع موضع الطاقة. و الأصل فيه‏

189
تهذيب اللغة2

ذرع ص 188

أن يَذْرَع البَعِيرُ بيديه في سَيره ذَرْعاً على قَدْر سَعَة خَطْوه، فإذا حملته على أكثر من طَوْقه قلت: قد أبطرت بعيرك ذَرْعَه، أي حملته من السير على أكثر من طاقته حتى يَبْطَر و يَمُدَّ عنقه ضَعْفاً عمَّا حُمِل عليه.
و من أمثال العرب السائرة: هو لك على حَبْل الذراع، أي أُعَجِّله لك نَقْداً.
و الحَبْل عِرْق في الذراع، و يقال: ما لي به ذَرْع و لا ذِرَاع أي ما لي به طاقة. و فَرَس ذَريع: شريع واسع الخَطْو. و فرس مذرّع إذا كان سابقاً، و أصله الفرس يلحق الوحشيّ و فارسُه عليه، فيطعُنه طعَنْة تفور بالدم فتلطِّخ ذراعي الفرس بذلك الدم فيكون علامة لسبْقه. و منه قول تميم بن أُبَيْ بن مقبل يصف الخيل فقال:
خلال بيوت الحيّ منها مذرَّع‏
و الضَبُع مُذَرَّعة لسواد في أذرعها و منه قول الهذلي:
مذرَّعة أُمَيْمَ لها فَلِيل‏
و ذرعات الدابَّة: قوائمه. و منه قول ابن خذَّاق العبديّ يصف فرساً:
فأمْست كتيس الرَبْل تعدو إذا عدت             على ذَرِعات يعتلينَ خُنُوسا
أي على قوائم يعتلين مَن جاراهن و هنّ يخْنِسْن بعض جريهنّ أي يُبْقين منه، يقول: لم يَبْذلن جميع ما عندهن من السَير. و يقال: فلان ذَريعتي الليلة أي سبَبي و وُصلتي الذي به أتسبَّب إليك، أُخِذ من الذَّرِيعة. و هو البعير الذي يستتِر به الرامي من الصيد و يخاتله حتى يُكْثِبُه فيرميه.
و قال أبو وَجْزَة يصف امرأة:
طافت به ذات ألوان مشبّهة             ذَريعة الجِنّ لا تعطي و لا تدعُ‏
أراد كأنها جِنّية لا يُطمَع فيها و لا يُعلَم ما في نفسها. أبو عُبيد عن الأمويّ:
التذريع: الخَنِق، و قد ذرَّعته إذا خَنَقته.
و قال أبو زيد: ذرّعته تذريعاً إذا جعلت عُنُقه بين ذراعك و عضدِك فخَنَقْته. و قال الأصمعي: تذرَّع فلان الجريدَ إذا وضعه على ذراعه فشَطَّبه. و منه قول قيس بن الخَطيم:
ترى قَصَد المُرّان تُلْقَى كأنها             تَذَرُّعُ خِرصانٍ بأيدي الشواطب‏
قال: و الخِرْصان أصلها القضبان من الجريد، و الشواطب جمع الشاطبة. و هي المرأة التي تقشُر العَسِيب ثم تلقيه إلى المنقّية فتأخذ كلّ ما عليه بسكّينها حتى تتركه رقيقاً، ثم تلقيه المنقّية إلى الشاطبة ثانية فتشطُبه على ذراعها و تتذرّعه. و كل قضيب من شجرة خُرْص. و هذا كله قول الأصمعيّ حكاه عنه ابن السكيت. قال:
و قال أبو عبيدة: التذرّع، قدر ذراع ينكسر فيسقط. قال: و التذرّع و القِصَد عنده واحد. قال: و الخِرْصان: أطراف الرماح التي تلي الأسِنَّة، الواحد خِرْص و خُرْص و خَرْص. قلت: و قول الأصمعيّ أشبههما بالصواب. و يقال: ذرع البعير يده إذا مدَّها في السير. و يقال اقصِد بذرعك أي لا تَعْدُ بك قدرَك.
و قال ابن شميل: مذارع الوادي: أضواجه و نواحيه. و يقال: هذه ناقة تذارع بُعْد

190
تهذيب اللغة2

ذرع ص 188

الطريق أي تمدّ باعها و ذراعها لتقطعه.
و هي تذارع الفلاة و تَذْرعها إذا أسرعت فيها كأنها تقيسها. و قال الراجز يصف الإبل:
و هن يَذْرَعن الرَقَاق السَمْلَقا             ذَرْع النواطي السُحُل المرقَّقا
و النواطي: النواسج، الواحدة ناطية.
و يقال: ذَرَّع فلان بكذا إذا أقرَّ به، و به سمّي المذرِّع أحد بني خَفَاجة بن عُقَيل و كان قتل رجلًا من بني عَجْلان ثم أقرَّ بقتله فأقيد به فسمّي المذرِّع. و في «نوادر الأعراب»: أنت ذرَّعت بيننا هذا و أنت سحلته، يريد: سبَّبْته، و رجل ذَرِع: حَسَن العِشرة و المخالطة. و منه قول خَنْساء:
جَلْد جميل مُخِيل بارع ذَرع             و في الحروب إذا لاقيت مسعار
و يقال: ذراعته مذارعة إذا خالطته. أبو زيد: الإذراع: كثرة الكلام و الإفراطُ فيه، و قد أذرع إذا أفرط في الكلام. و يقال ذَرَعه القي‏ء إذا سَبَق إلى فيه، و قد أذرعه الرجل إذا أخرجه. أبو عبيد عن أبي زيد: ذَرَّع فلان تذريعاً إذا حرَّك ذِرَاعه في السعي و استعان بها. ثعلب عن ابن الأعرابيّ:
اندرع و انذرع و اندر أو رَعَف و استرعف إذا تقدّم. قال: و الذَّرِع: الطويل اللسان بالشرّ. و هو السَيَّار الليلَ و النهار.
 [باب العين و الذال مع اللام‏]
ع ذ ل‏
عذل، لذع، ذعل [ذلع]: مستعملة.
عذل:
قال الليث: العَذْل: اللَوْم. و قال غيره:
العَذَل مثله. و هو مصدر عَذَل يَعْذِلُ عَذْلًا و عَذَلًا. و العُذَّال جمع العاذل. و العواذل من النساء جمع العاذلة، و يجوز العاذلات.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
العَذْل: الإحْراق، فكأن اللائم يُحْرِق بعَذْله قلب المعذول. قال: و قول العرب:
هذه أيّامٌ مُعْتَذِلات إذا كانت نهاية في الحر من هذا.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: هذه أيام معتذلات- بذال معجمة- إذا كانت شديدة الحَرّ.
و أنشد أبو نصر عن الأصمعيّ:
لوَّامة لامت بلومٍ شِهَبِ‏
قال: الشِهَب أراد: الشهاب، كأن لومها يحرقه.
و قال ابن الأعرابيّ أيضاً: العُذُل: الأيَّام الحارَّة. قال: و جمع العاذل- العِرْقِ- عُذُل أيضاً. و
في حديث ابن عبّاس أنه سئل عن المستحاضة، فقال: ذاك العاذل يغذو.
قال أبو عُبَيد: العاذل: هو اسم العِرْق الذي يسيل منه دم الاستحاضة.
أبو عُبَيد عن الأحمر: عَذَلْنا فلاناً فاعتذل أي لام نَفْسَه و أعْتب.
و قال ابن السكيت: سمعت الكِلابيّ يقول: رَمَى فلان فأخطأ ثم اعتذَل أي رمى ثانية.
و روى أبو العباس عن سَلَمة عن الفرّاء أنه قال: سمعت المفضّل الضّبيّ يقول: كانت‏

191
تهذيب اللغة2

عذل ص 191

العرب تقول في الجاهلية لشعبان: عاذل، و لشهر رمضان: ناتق، و لشوال: وَعِل، و لذي القَعْدة: وَرْنة، و لذي الحِجَّة: بُرَك، و لمحرّم: مؤتمر، و لصَفَر: ناجر، و لربيع الأول: خَوّان، و لربيع الآخِرِ: وَبْصان.
و لجمادي الأولى: رُنَى، و للآخرة:
حُنَين، و لرجب: الأصمّ.
لذع:
قال الليث: لَذَع يَلْذَع لَذْعاً. و هي حُرْقة كحُرْقة النار. قال: و لذعتُ فلاناً بلساني.
قال: و القَرْحة إذا قيَّحت تلتذع، و القَيْح يلذعها. قال: و الطائر يَلْذَع الجناحَ إذا رفرف ثم حَرّك شيئاً قليلًا جناحيه.
أبو عبيد: اللَّوْذَعِيّ: الحَدِيد الفؤادِ. و قال الهذليّ:
فما بالُ أهل الدار لم يتفرّقوا             و قد خَفَّ عنها اللوذعيُّ الحُلاحِلُ‏
و قيل: هو الحَديد النفْس. و يقال: لَذَع فلان بعيره في فخذه لَذْعة أو لَذْعتين بطَرَف المِيسَم. و جمعها اللَّذَعات.
ذعل:
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
الذَّعَل: الإقرار بعد الجحود. قلت: و هذا حرف غريب ما رأيت له ذكراً في الكتب.
ذلع:
قال بعض المصحِّفين: الأذلعيّ- بالعين- الضخم من الأيور الطويلُ. قلت:
و الصواب: الأذْلغِيّ، بالغين لا غير.
 [باب العين و الذال مع النون‏]
ع ذ ن‏
أهملت وجوهها ما خلا: الإذعان- [عذن‏].
ذعن:
قال اللَّه جلّ و عزَّ: وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ‏
 [النُّور: 49].
قال ابن الأعرابيّ: (مُذْعِنِينَ)
 مقرّين خاضعين.
و قال أبو إسحاق: جاء في التفسير:
مسرعين. قال: و الإذعان في اللغة:
الإسراع مع الطاعة، تقول: قد أذعن لي بحقّي معناه: قد طاوعني لِما كنت ألتمِسه منه، و صار يُسرع إليه.
و قال الليث: الإذعان: الانقياد، أذعن إذا انقاد و سَلِس بناؤه: ذَعِن يذْعن ذَعَناً.
و ناقة مذعان: سَلِسة الرأس منقادة لقائدها. قال: و قوله: مُذْعِنِينَ‏
: منقادين.
عذن:
أهمله الليث. و روى إسحاق بن الفرج عن عَرّام أنه قال: العذَانة: الإست.
و العرب تقول: كَذَبت عَذّانته و كذّانته بمعنى واحد.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ:
أعذن الرجل إذا آذى إنساناً بالمخالفة.
 [باب العين و الذال مع الفاء]
ع ذ ف‏
عذف، ذعف: مستعملان.
ذعف:
قال الليث: الذُّعَاف: سمّ ساعة.
و طعام مذعوف: جُعل فيه الذعاف.
أبو عُبَيد عن الكسائيّ: موت ذُؤاف و ذُعاف. و أنشد:
سقتهنّ كأساً من ذُعَاف و جَوْزلا
و حيَّة ذَعْف اللعَاب: سريعة القتل.
عذف:
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ:

192
تهذيب اللغة2

عذف ص 192

العُذُوف: السكوت. قال: و الذُّعُوف:
المرارات.
أبو عمرو: ما ذقت عَذُوفاً و لا عَدُوفاً أي ما ذقت شيئاً. و قد مرَّ تفسيره فيما تقدم.
 [باب العين و الذال مع الباء]
ع ذ ب‏
عذب، بذع، ذعب: مستعملة.
عذب:
قال الليث: عَذُب الماء يَعْذُب عُذُوبة فهو عَذْب: طيب. و أعذب القوم إذا عَذُب ماؤهم. قال: و استعذَبوا إذا استقوا ماء عَذْباً. و عذب الحمار يَعذُب عُذوباً فهو عاذب و عَذُوب إذا لم يأكل العَلَف من شدّة العطش. قال: و يَعْذُب الرجل عن الأكل فهو عاذب: لا صائم و لا مفطر.
و أعذبته إعذاباً، و عذَّبته تعذيباً. كقولك فطمته عن هذا الأمر. و كل من مَنعته شيئاً فقد أعذبته و عذّبته. قال: و عذَّبته تعذيباً و عذاباً من العذاب. و عَذَبة السوط:
طَرَفه، و أطراف السيور عَذَبها و عَذَباتها.
و عَذَبة قضيب الجَمَل: أسَلَته المستدِقّ في مقدَّمه. و الجميع العَذَب. و عَذَبة شِرَاك النعل: المرسلةُ من الشراك. و العُذَيب:
ماء معروف بين القادسية و مُغِيثة. و
في حديث عليّ أنه شَيَّع سريَّة فقال: أَعذِبوا عن النساء.
قال أبو عبيد: يقول: امنعوا أنفسكم عن ذكر النساء و شَغْل القلوب بهنّ؛ فإن ذلك يكسركم عن الغَزْو. و كلّ مَن منعته شيئاً فقد أعذبته.
و قال عَبِيد بن الأبرص:
و تبدّلوا اليَعْبُوب بعد إلههم             صنما فقِرّوا يا جَدِيل و أَعْذِبوا
قال و العاذب و العَذُوب سواء.
و يقال للفرس و غيره: بات عَذُوباً إذا لم يأكل شيئاً و لم يشرب لأنه ممتنع من ذلك. و أنشد:
فبات عَذُوباً للسماء كأنه             سُهَيل إذا ما أفردته الكواكب‏
يصف ثوراً وَحْشياً بات فَرِداً لا يذوق شيئاً.
قال: و العَذُوب: الذي ليس بينه و بين السماء سُترة. و كذلك العاذب. قلت:
و قول أبي عبيد في العَذُوب و العاذب: أنه الذي لا يأكل و لا يشرب أصوب من قول الليث: إن العَذُوب: الذي يمتنع عن الأكل لعطشه.
و يقال: أعذب عن الشي‏ء إذا امتنع، و أعذب غيره إذا منعه فيكون لازماً و واقعاً، مثل أملق إذا افتقر، و أملق غيره.
أبو عبيد: العَذَبة: الخَيط الذي يُرفع به الميزان، و عَذَبة اللسان: طَرَفه.
و قال غيره: العَذَب: ما يخرج على أثَر الولد من الرَحِم. و أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: العَذَابة: الرَحِم.
و أنشد:
و كنت كذاتِ الحيض لم تُبقِ ماءها             و لا هي من ماء العَذَابة طاهر
قال: و العذابة: رَحِم المرأة.
و قال اللحياني: استعذبت عنك: أي انتهيت.

193
تهذيب اللغة2

عذب ص 193

و يقال: مررت بماء ما به عَذَبة أي لا رِعْيَ فيه و لا كلأ.
و يقال: اضرب عَذَبة، الحوض حتى يظهر الماء أي اضرب عَرْمَضه.
و قال الكسائيّ: العَذَبة: الغُصْن و جمعها عَذَب. و عَذَب النوائح هي المآلي: و هي المعاذب أيضاً واحدها معذبة. و عَذُوبات الناقة: قوائمها.
و قال ابن الأعرابيّ: عذَّبت السوط فهو معذَّب إذا جعلت له عِلَاقة.
قال: و عَذَبة السوط: عِلَاقته.
و قال أبو زيد: يقال للجِلدة المعلَّقة خَلْف مُؤْخِرة الرحل من أعلاه عَذَبة و ذوَابة.
و أنشد:
قالوا صدقت و رفَّعو لمطيّهم             سَيْراً يُطير ذوائبَ الأكوار
عمرو عن أبيه: يقال لخِرْقة النائحة عَذَبة و مِعْوَز. و جمع العذبة معاذب على غير قياس.
بذع:
قال ابن المظفّر: البَذَع: شبه الفَزَع.
و المبذوع كالمذعور.
و يقال: بُذِعوا فابذعَرُّوا أي فزعوا فتفرّقوا. قلت: و ما سمعت هذا لغير الليث.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: البَذْع: قَطرْ حُبْ الماء.
قال و هو المَذْع أيضاً. يقال: مَذَع و بَذَع إذا قَطَر.
ذعب:
أهمله الليث.
و روى أبو تراب للأصمعيّ أنه قال: رأيت القوم مذعاً بيِّن كأنهم عُرْف ضِبْعان، و مثعابِّين بمعناه، و هو أن يتلو بعضُهم بعضاً قلت: و هذا عندي مأخوذ من انثعب الماء و انذعب إذا سال و اتصل جريانه في النهر.
 [باب العين و الذال مع الميم‏]
ع ذ م‏
استعمل من وجوهه: عذم، مذع.
عذم:
قال ابن المظفّر: العَذْم: الأخذ باللسان و اللومُ، و قد عَذَم يَعْذِم عَذْما إذا عَنَف في لومه. و العَذِيمة: الملامة.
و قال الراجز:
يظلّ من جاراه في عذائم             من عُنْفُوان جَرْيه العُفاهِم‏
و فرس عَذُوم أي عَضُوض. قال: و العُذّام:
شجر من الْحَمْض يَنْتمى‏ء، و انتماؤه:
انشداخ ورقه إذا مسِسَتْه، و له ورق كورق القاقلّ، و الواحدة عُذَّامة. و أخبرني المنذريّ عن الصَيْداويّ عن الرياشيّ أنه قال: العَذْم: العَضُ. و ذكر عن عُمَارة بإسناد له أنه قال: العَذْم: المَنْع، يقال:
لأعْذِمنَّك عن ذلك. قال: و المرأة تَعْذِم الرجل إذا أربع لها بالكلام أي تشتمه إذا سألها المكروه، و هو الإرباع. أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العُذُم: البراغيث، واحدها عَذُوم. و العُذُم: اللوّامون و المعاتِبون. و في «النوادر»: عَذَمته عن كذا و كذا و أعذمته أي منعته.
مذع:
أهمله الليث. و قال أبو عبيد: قال الكسائي: إذا أخبر الرجل ببعض الخبر و كتم بعضاً قلت: مَذَع يَمْذَع مَذْعاً و ماش‏

194
تهذيب اللغة2

مذع ص 194

يميش مَيْشاً. و قال غيره: يقال للكذّاب:
المَذَّاع، و قد مَذَع إذا كَذَب. و قال المفضل مَذَع فلان يميناً إذا حَلَف. أبو العباس عن ابن الأعرابي: المَذْع: سيلان المزادة. المَذْع: السيلان من العيونِ التي تكون في شَغَفَات الجبال. و قال أبو زيد:
المَذّاع، الكذوب الذي لا وفاء له و لا يَحفظ أحداً بظهر الغَيْب.
أبواب العين و الثاء
 [باب العين و الثاء مع الراء]
ع ث ر
عثر، ثعر، رعث، رثع، ثرع: مستعملة.
عثر:
قال اللَّه جلّ و عزّ: فَإِنْ عُثِرَ عَلى‏ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً
 [المَائدة: 107] معناه: فإن اطُّلع على أنهما قد خانا. و قال اللَّه جلَّ و عَزَّ وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ‏
 [الكهف: 21] معناه: و كذلك أَطْلعنا. و قال الليث: عَثَر الرجل يَعْثُر عُثُوراً إذا هجم على أمر لم يهجُم عليه غيره و أعثرت فلاناً على أمر أي أطلعته. و عَثَر الرجل يَعْثُر عَثْرة، و عَثَر الفرس عِثَاراً. و عيوب الدوابّ تجي‏ء على فِعَال؛ مثل العِثار و العِضَاض و الخِراط و الضِرَاح و الرِمَاح و ما شاكلها. أبو عُبيد عن أبي عمرو: العَثَرِيّ: العِذْي، و هو ما سقته السماءُ. قلت: العَثَرِيّ من الزروع: ما سُقِي بماء السيل و المطر و أُجرِي إليه الماءُ في المسايلِ و حُفر له عاثور أي أتيّ يُجْرى فيه الماء إليه.
و جمع العاثور عواثير. و من هذا يقال:
وقع فلان في عاثور شرّ و عافور شرّ إذا وقع في وَرْطة لم يحتسبها و لا شَعَر بها.
و أصله الرجلُ يمشي في ظُلْمة الليل فيتعثّر بعاثور المَسِيل أو في خدّ خَدَّه سيلُ المطر فربما أصابه منه وَثْ‏ء أو عَنَت أو كسر.
و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «إن قريشاً أهل أمانة، مَن بغاها العواثر كبَّه اللَّه لمنخره»
. قوله: «من بغاها العواثر» أي بغى لها المكايد التي تَعْثُر بها كالعاثور الذي يُخَدّ في الأرض فتعثّر به الإنسان إذا مَرَّ به ليلًا و هو لا يشعر به فربما أَعْنته.
و أخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: يقال: جاء فلان رائقاً عَثَّرِيّاً بتشديد الثاء إذا جاء فارغاً قال أبو العباس: و هو غير العَثَريّ الذي جاء في الحديث، لأن الذي في الحديث مخفّف الثاء، و هذا مشدّد الثاء، و نحو ذلك قال أبو الهيثم في العِذْي: إنه العَثَريّ بتخفيف الثاء، و كان شمر يشدّد الثاء فيه، و الصواب تخفيفها؛ كما قال أبو العباس و أبو الهيثم. و روى شمر عن ابن الأعرابيّ أنه قال: رجل عَثَريّ: ليس في أمر الدنيا و لا في أمر الآخرة. و قال الليثي في قول الراجز: «و بلدة كثيرة العاثور» قال: يعني المتالِف. أبو عبيد: العِثْيَر: الغُبَار. قال:
و أنشده الأمويّ:
ترى لهم حول الصِقَعْل عِثْيره‏
يعني الغبار. و قال الليث: العِثْيَر: الغبار الساطع. و أما قولهم: ما يرى لفلان أَثَرٌ و لا عَيْثَرٌ فإنه مبنيّ على مثال فَيْعَل. و روى الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العَلَاء أنه قال: بُنيَتْ سَيْلَحُون: مدينة باليمن في‏

195
تهذيب اللغة2

عثر ص 195

ثمانين أو سبعين سنة، و بنيت بَرَاقِش وَ معين بِغُسالة أيديهم، فلا يرى لسَيْلحين أَثَرٌ و لا عَيْثَرٌ، و هاتان قائمتان. و أنشد قول عمرو بن معديكرب:
دعانا من بَرَاقِش أو مَعِين             فأَسمع و اتلأَب بنا مليع‏
و مَلِيع: اسم طريق. و قال الأصمعيّ:
العَيْثَر تبع لأثر. قال: و أما العِثْيَر فهو الغبار. و قال الرياشي: العَيْثَر: أخفى من الأَثَر، يقال: إن العَيْثَر: عَين الشي‏ء و شخصه في قوله: ماله أثر و لا عَيْثر و أنشد:
لعمر أبيك يا صخر بن عمرو             لقد عيثرت طيرك لو تعيفُ‏
يريد: لقد أبصرت و عاينت. و قال الليث:
العَيْثَر: ما قَلَبْت من تراب أو مَدَر أو طين بأطراف أصابع رجليك إذا مشيتَ و لا يرى من القَدَم أثر غيره، فيقال: ما رأيت له أثراً و لا عَيْثراً. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: العثْر: الكذِب، يقال فلان في العَثْر و البائن، يريد: في الحق و الباطل.
و قال ابن الأعرابي يقال: كانت بين القوم عَيْثَرة و غَيْثَرة شديدة، و كأن العَيْثرة دون الغَيْثرَة. و قال الأصمعي:
تركت القوم في غَيْثرة و عَيْثرة أي في قتال دون القتال. قال و يقال: ما رأيت له أثراً و لا عَيْثراً. قال: و العَيْثَر: الشخص العَثَر الاطلاع على سِرِّ الرجل. و عَثَّر: موضع و هو مأسَدة، جاء على فَعَّل مثل بَقَّمَ.
و قال أبو سعيد في قول الأعشى:
فبانت و قد أورثت في الفؤا             د صَدْعاً يخالط عَثَّارها
قال: عثَّارها هو الأعشى عَثَر بها فابتُليَ بهواها و تزوّد منها صَدْعاً في فؤاده.
و عُثَارى: اسم واد.
ثعر:
رَوَى أبو الزبير عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «إذا مُيّز أهل الجنَّة من أهل النار أُخرِجوا قد امْتُحِشوا فيُلْقَون في نهر الحياة فيخرجون بيضاً مثل الثعارير»
. و الثعارير في هذا الحديث: رؤوس الطراثيث، تراها إذا خرجت من الأرض بيضاً شُبّهوا في البياض بها. و رَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: الثعارير: الثآليل واحدها ثُعرور. قال: و الثَّعَر: كثرة الثآليل. قال:
و الثُّعْرور أيضاً: ثَمَر الذُؤْنُون و هي شجرة مُرَّة. و يقال لرأس الطُرْثُوث: ثُعْرور، و كأنه كَمَرة ذَكَر الرجل في أعلاه. و قال الليث: الثُّعْرورة: الرجل القصير.
و قال ابن الأعرابيّ في موضع آخر:
الثُّعْرور: قِثّاء صغار. قال: و هو الثُؤلول، و هو قُرَاد الثَدْي و هو حَلَمته. قال:
و الثعارير: نبات يشبه الهِلْيَوْن. و قال الليث: الثَّعْر: لغة في الثُّعْر، و هي شجرة السمّ إذا قُطِر منه في العين مات صاحبه وَجَعاً.
رعث:
رُوي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه كان يحلِّي بنات فلان- و كنّ في حجْره- رِعَاثاً من ذهب.
قال أبو عبيد: قال أبو عمرو: واحد الرَّعَاث رعَثَة و رَعْثة، و هو القُرْط. قال:
و الرَّعْث في غير هذا: العِهْن من الصوف.
و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن‏

196
تهذيب اللغة2

رعث ص 196

الأعرابيّ قال: الرَّعَثة في أسفل الأُذُن الشَنْف في أعلى الأذن. و قال الليث:
الرَّعْثة: رَعْثة الديك و هي لِحْيته قال:
وَ رَعثتَا المِعْزَى: زَنَمتاها. و رَعَثَتِ العَنْزُ رَعْثاً إذا ابيضَّت أطراف زَنَميتيْها. قال:
و كلّ مِعْلاق كالقُرْط و نحوه يعلَّق من أذن أو قلادة فهو رِعَاث. قال: و الرُّعُث:
ذَبَاذب من العِهْن تعلَّق من الهوادج زينةً لها، واحدها رَعْثة. قال: و الرَّعْثة التَلْتَلة تتخَّذ من جُف الطَلْعة يُشرب بها. و حُكِي عن بعضهم أنه قال: يقال لراعوفة البئر:
راعوثة. قال: و هي الأُرْعُوفة و الأُرْعُوثة.
و تفسيره في العين و الراء. و بَشَّار المُرَعَّث سمّي مُرَعثاً لِرَعَاث كانت في أذنه.
ثرع:
أهمله الليث. و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: ثَرِع الرجل إذا طَفَّل على قوم.
رثع:
أبو عبيد عن الكسائي: رجل راثع و هو الذي يرضى من العطيّة بالطفيف، و يخادن أخدان السَوْء.
و قد رَثِع رَثَعاً. و قال الليث: رجل رَثِع و راثع: حريص ذو طَمَع.
 [باب العين و الثاء مع اللام‏]
ع ث ل‏
علث، عثل، ثعل، لعث: مستعملة.
علث:
أبو عبيد عن الفرّاء قال: المعلوث:
- بالعين-: المخلوط. قال: و قد سمعناه بالغين: مغلوث، و هو معروف. الحَرّانيّ عن ابن السكيت قال: العَلْث: أن يُخلط البُرّ بالشعير، يقال: عَلَث الطعامَ يَعْلِثه عَلْثاً. و منه اشتقّ عُلاثة. قال: و العَلَث:
شدّة القتال. يقال: قد عَلِث بعضُ القوم ببعض قلت: و الذي ذكره ابن السكيت بالعين يجوز في جميع ما ذكر في الغين.
يقال: طعام مغلوث و غَلِيث و عَلِيث و رجل غَلِث: ملازم لمن طالب قتال أو غيره، و هو صحيح كله. و عُلَاثة: اسم رجل، و هو الذي يَجمع من ههنا و ههنا. و قد عَلَث. قال: و يقال: اعتلث الزَنْدُ إذا لم يورِ، و اعتاص عِلَاثة. و أنشد:
فإني غير معتِلث الزِّنَاد
أي غير صَلْد الزناد. و يقال: اعتلث فلان زَنْداً إذا أخذه من شجر لا يُدرى أيُورى أم لا. و المعتلث من السِهَام: الذي لا خبر فيه، قاله ابن شميل. أبو زيد: إذا خُلط البُرّ بالشعير فهو عَليث. و حكى النضر عن الجعديّ: غَلَثوا البُرّ بالشعير أي خلطوه، و هو الغَلِيث. و قال أبو الجرّاح: الغَليث:
أن يخلط الشعير بالبرّ للزراعة ثم يحصدان و يجمعان معاً. و الجِرْبة: المزرعة، و أنشد:
جفاه ذوات الدَرّ و اجتزّ جِرْبَةً             عليثاً و أعْيا دَرُّ كل عَتُوم‏
عثل:
أهمله الليث. و قال الفرّاء: يقال:
عَثَمَتْ يَدُه و عثَلَت تَعْثُل إذا جَبَرت على غير استواء. و أنشد غيره:
ترى مُهجَ الرجال على يديه             كأن عظامه عَثَلت بجَبْر
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العَثَل:
ثَرْب الشاة، و هو الخِلْم و السِمْحاق. و قال أبو الهيثم: رجل عِثْوَلّ قِثْوَلّ إذا كان عَيِيّا

197
تهذيب اللغة2

عثل ص 197

فَدْماً ثقيلًا. قال: و قال لي أعرابيّ و لصاحب لي كان يستثقله، و كنا معاً نختلف إليه، فقال لي: أنت قُلْقُل بُلْبُل، و صاحبك هذا عِثْوَلٌّ قِثْوَلٌّ. ثعلب عن ابن الأعرابيّ: العَثُول: الأحمق، و جمعه عُثُل.
ثعل:
أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم قال:
الثُّعْل: زيادة طُبْي على سائر الأطباء، و زيادة سِنّ على سِنّ. و أنشد:
ذمّوا لنا الدنيا و هم يرضعونها             أفاويق حتى ما يدرُّ لها ثُعْلُ‏
و قال الأصمعيّ: رجل أثعل إذا كان زائد السنّ. و تلك السن الزائدة يقال لها الراءول. الليث: رجل أثعل و امرأة ثعلاء و قد ثَعِل ثَعَلًا و هو زيادة سنّ أو دخول سن تحت سنّ في اختلاف من المَنْبت.
قال: و الأثعل: السيّد الضخم إذا كان له فضول. قال: و الثَّعُول: الشاة التي تُحلب من ثلاثة أمكنة أو أربعة للزيادة التي في الطُبْي. الأصمعي: وِرد مُثْعِل إذا ازدحم بعضه على بعض من كثرته. الليث الأنثى من الثعالب يقال لها ثُعَالة. قلت: و يقال لجمع الثعلب ثعالب و ثعالى بالباء و الياء.
و منه قول الشاعر:
لها أشارير من لحم تُتَمرُه             من الثعالى و وَخْز من أرانيها
أراد: من الثعالب و من أرانبها. و قال الليث: الثُّعْلُول: الرجل الغضبان و أنشد:
و ليس بِثُعْلُول إذا سِيل و اجتُدِي             و لا برماً يوماً إذا الضَّيْف أوهما
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: في أسنانه ثَعَل و هو تراكب بعضها على بعض. و قيل:
أخبث الذئاب الأَثْعل و في أسنانه شَخَس و هو اختلاف النِبتة. ابن شميل: الثعلب:
الذكر، و الأنثى ثعلبة. و يقال لكل ثعلب إذا كان ذكراً: هذا ثُعَالة، كما ترى بغير صرف، و لا يقال للأنثى: ثُعَالة، و يقال للأَسَد: أُسامة بغير صرف، و لا يقال للأنثى: أُسامة. و بنو ثُعَل: حَيّ من أحياء طيّ‏ء. و بَلَد مَثْعَلة: كثير الثعالب.
لعث:
أهمله الليث. و قال غيره: الألعث:
الثقيل البطي‏ء من الرجال، و قد لعِث لَعَثاً و قال أبو وَجْزة السعديّ:
و نفضتُ عني نومَها فسرْيتها             بالقوم من تَهِمٍ و ألعثَ و انِ‏
و التهِم و التهِن: الذي قد أثقله النُعَاس.
 [باب العين و الثاء مع النون‏]
ع ث ن‏
عثن، عنث، نثع: مستعملة.
عثن:
في حديث سُرَاقة بن مالك أنه طلب النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أبا بكر حين خرجا مهاجِرَين، فلمَّا بَصُر بهما دعا عليه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فساخت قوائم فرسه في الأرض، فسألهما أن يخلّيا عنه، فخرجت قوائمها، و لها عُثَان.
قال أبو عبيد: العُثان أصله الدُخَان. و جمع العُثَان عَوَاثن، و كذلك جمع الدخان دواخن على غير قياس. و أراد بالعثان ههنا الغُبَار شبَّهه بالدخان، كذلك قال أبو عمرو بن العلاء. و يقال: عَثَنَت المرأة بدخنتها إذا استجمرت، و عَثَنْت الثوب‏

198
تهذيب اللغة2

عثن ص 198

بالطِيب إذا دخنته عليه حتى عَبِق به.
و طعام مَعْثون و عَثِن و مَدْخون و دَخِن إذا فسد لدخان خالطه و يقال للرجل إذا استوقد بحطب رَطْب ذي دُخَان: لا تُعَثِّن علينا. و قال الليث: عُثْنون اللحية:
طَرَفها. و عثانين الرياح: أوائلها. و عثانين السحاب: ما تدلَّى من هَيْدبها. و عُثْنون البعير: شُعَيرات عند مذبحه. و عُثْنون التَيْس: ما تدلَّى من الشعر تحت مَذْبحه.
و قال أبو زيد: العُثْنُون: ما فَضَل من اللحية بعد العارضين من باطنهما. و يقال لما ظهر منها: السَبَلة. و قد يجمع بين السَبَلة و العَثْنُون فيقال لهما: عُثْنُون و سَبَلة.
أبو عبيد عن الكسائيّ: عَثْنت في الجبل و عَفَنت إذا صَعِدت فيه. و قال ابن شميل:
العَثَن: الصَنَم الصغير، و الوثن: الكبير، و الجماعة: الأَعثان و الأوثان. و يقال:
عَثَن فلان بيننا تعثيناً أي خلَّط و أثار الفساد. و قال أبو تراب: سمعت زائدة البكريّ يقول: العرب تدعو ألوان الصوف العهن، غير بني جعفر فإنهم يدعونه العِثْن بالثاء. قال: و سمعت مدرك بن غَزْوان الجعفريّ و أخاه يقولان: العِثْن: ضرب من الخُوصة يرعاه المال إذا كان رَطْباً، فإذا يبِس لم ينفع. و قال مبتكِر: هي العِهْنة، و هي شجرة غبراء ذات زهر أحمر
عنث:
الليث العُنْثُوة: يَبيس الحَلِيّ خاصّة إذا اسودَّ و بَلِيَ و يقال له: عُنْثة أيضاً. و شَبَّه الشاعر شعرات اللِمَّة به بعد الشيب فقال:
عليه من لِمَّته عَنَاثِي‏
قلت: عَنَاثي الحليّ: ثمرتها إذا ابيضّت و يَبِست قبل أن تسودَّ و تَبْلَى، هكذا سمعت من العرب. و شبَّه الراجز بياض لِمَّته ببياضها.
نثع:
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: أنثع الرجلُ إذا قاء. و أنثع إذا خرج الدم من أنفه غالباً له. أبو عُبَيد عن أبي زيد: أنثع القَيْ‏ء مِن فيه إنثاعاً، و كذلك الدم من الأنف.
 [باب العين و الثاء مع الفاء]
ع ث ف‏
استعمل من وجوهه: عفث.
عفث:
و قد أهمله الليث. و
في الحديث أن الزُبَير بن العوّام كان أعفث.
أخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ: رجل أعفث: لا يواري شَوَاره أي فرجه. و قال غيره: هو الكثير التكشّف إذا جلس.
 [باب العين و الثاء مع الباء]
ع ث ب‏
عبث، ثعب، بثع، بعث: مستعملة.
عبث:
قال اللَّه جلّ و عزّ: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً
 [المؤمنون: 115] أي لَعِباً.
و قد عبِث يَعْبَث عَبَثاً فهو عابث: لاعب بما لا يعنيه و ليس من باله. قلت: نَصَب عَبَثاً
 لأنه مفعول له، المعنى: خلقناكم للعبث.
أبو عُبيد عن الفرّاء: عَبَثْتُ الأقِط أَعْبَثُه عَبَثاً وَ مِثْته، و دُفته. قال أبو عبيد: و فيه لغة أخرى: غَبثته بالغَين. قال: و قال الأموي: الغَبِيثة بالغين: طعام يُطْبخ‏

199
تهذيب اللغة2

عبث ص 199

و يجعل فيه جَرَاد و هو الغَثِيمة أيضاً.
الحرّانيّ عن ابن السكيت قال: العَبْث:
مصدر عَبَث الأَقِط يَعْبَثه عَبْثاً إذا خلط رَطْبه بيابسه. و هي العَبِيثة. قال: و العَبَث أن يَعبَث بالشي‏ء. قال: و عَبَثَت المرأة أقِطها إذا فرَّغَتْه على المُشَرّ اليابس ليحمِل يابسه رَطْبُه. قال: و قال أبو عُبَيدة: في نسب بني فلان عَبِيثة: أي مؤتشِب، كما يقال: جاء بعَبِيثة في وِعَائه أي بُرّ و شعير قد خُلِطا.
و قال الليث: العَبِيث في لغةٍ: المَصْل.
و العَبْث: الخَلْط، و هو بالفارسيَّة: ترفْ تَرِين. قال و تقول: إن فلاناً لفي عَبِيثة من الناس و لَوِيثة من الناس، و هم الذين ليسوا من أب واحد، تهبَّشُوا من أماكن شَتى.
و أنشد:
عَبِيثَة من جُشَم و جَرْم‏
و يقال مررنا على غَنَم بني فلان عَبِيثة واحدة أي اختلط بعضها ببعض.
ثعب:
أبو عبيد عن أبي عمرو: الثَّعَب: مَسِيل الوادي، و جمعه ثُعْبان.
و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء قال: الثَّعْب و الوَقِيعة و الغَدِير كلّ ذا من مجامع الماء.
و قال الليث: الثَّعْب: الذي يجتمع في مَسِيل المَطَر من الغُثاء.
قلت: لم يجوّد الليث في تفسير الثَّعْب، و هو عندي: المسيل نفسه، لا ما يجتمع في المَسِيل من الغُثَاء.
و قال الليث: ثَعَبت الماء ثَعَباً إذا فَجَرْته فانثعَب كانثعاب الدم من الأنف. قال و منه اشتُقّ مَثْعَب المَطَر. قال و الثُعْبان:
الحيَّة الضخم الطويل الذكر قال:
الأَثْعَبيّ: الوجه الضخم في حُسْن و بياض.
قلت: و منهم من يقول: وجه أُثْعبانيّ.
قال: و الثُّعْبة: ضَرْب من الوَزَغ يسمَّى سامَّ أبرص، غير أنها خضراء الرأس و الحَلْق جاحظة العينين، لا تلقاها أبداً إلَّا فاتحة فاها. و هي من شرّ الدوابّ. و جمعها ثُعَب.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: من أسماء الفأر البِرّ و الثُّعْبة و العَرِم.
و قال ابن دريد: الثُّعْبة: دابَّة أغلظ من الوَزَغة تلسع، و ربما قَتَلت. قال: و مَثَل من أمثالهم: ما الخَوَافِي كالقِلَبة، و لا الخُنَّاز كالثُّعَبَة. قال و الخُنّاز:
الوَزَغة.
و قال ابن شميل: الحيَّات كلها ثعبان، الصغير و الكبير و الإناث و الذُكران.
و قال أبو خيرة: الثعبان الحيَّة الذكر، و نحو ذلك قال الضحاك في تفسير قوله تعالى: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ*
 [الأعرَاف:
107].
و قال قُطْرب: الثعبان: الحيَّة الذكر الأصفر الأشقر، و هو من أعظم الحيَّات.
و قال أبو تراب: قال الخليل: الثُّعْبان:
ماء الواحد ثَعب. قال: و قال غيره: هو الثغب بالغين.
و قال شمر: قال بعضهم: الثعبان من‏

200
تهذيب اللغة2

ثعب ص 200

الحيَّات ضخم عظيم أحمر يصيد الفأر.
و قال: و هي ببعض المواضع تستعار للفأر، و هي أنفع في البيت من السنانير.
و قال حُمَيد بن ثَور:
شديداً توقّيه الإمامَ كأنما             يَرى بتوقّيه الخِشاشة أرقما
فلما أنته أنشبت في خِشاشه             زِماماً كثعبان الحَمَاطة محكما

قال الأزهري: و مَثْعب الحوض: صُنْبُوره و هو ثَقْبه الذي يخرج منه الماء. قال:
و روي عن ثعلب في قوله تعالى و تشبيهه عصا موسى بثعبان مبين في موضع، و قد شبَّهها في موضع آخر بالجان فقيل الثعبان: أضخم الحَيَّات جُثّة، و الجانّ:
أخفُ الحيَّات و ألطفها غَلْقاً فكيف شبّهت العصا مرة بالثعبان و مرَّة بالجانّ؟ فقال شبَّهها في ضخمها بالثعبان، و في خفَّتها بالجان و نحو ذلك قال الزجاج.
بثع:
أبو زيد: بَثِعت لِثَةُ الرجل تَبْثَع بُثُوعاً إذا خرجت و ارتفعت حتى كأنَّ بها وَرَماً، و ذلك عيب و إذا ضحك الرجل فانقلبت شفته فهي باثعة أيضاً.
و قال الليث: البَثَغ ظهور الدم في الشفتين و غيرهما من الجَسَد. قال: و هو البَثَغ- بالغين- في الجسد.
قلت: لم أسمع البَثَغ- بالغين- لغيره.
بعث:
قال الليث: بَعَث البعير فانبعث إذا حللت عِقَاله و أرسلته لو كان باركاً فأثرته.
قال: بعثته من نومه فانبعث. قال و البَعْث: بَعْث الجُنْد إلى العَدُوّ. قال و البَعْث يكون نَعْتاً للقوم يُبْعثون إلى وجه من الوجوه؛ مثل السفَر و الرَكْب. بَعيث:
اسم رجل. قلت: هو شاعر معروف من بني تميم؛ و بَعيث لقب له، و إنما بعَّثَه قولُه:
تبعَّث مني ما تبعَّث بعد ما استمرْ
قلت: و بُعاث- بالعين-: يوم من أيام الأوس و الخزرج معروف ذكره الواقدي و محمد بن إسحاق في «كتابيهما». و ذكر ابن المظفّر هذا في كتاب «الغين» فجعله يوم بُغَاث فصحّفه. و ما كان الخليل رَحِمَه اللَّه يخفي عليه يومُ بعاث؛ لأنه من مشاهير أيَّام العرب، و إنما صحَّفه الليث و عزاه إلى خليل نفسِه، و هو لسانه. و اللَّه أعلم.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا
 [يس: 52] هذا وقف التَمَام و هو قول المشركين يوم النُشُور و قوله جلّ و عزّ: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس: 52] قول المؤمنين و هذا رفع بالابتداء و الخبر ما وَعَدَ الرَّحْمنُ و قرى‏ء (يا ويلنا مِن بَعْثِنا من مرقدنا) أي مِن بَعْث اللَّه إيانا من مرقدنا.
و البعث في كلام العرب على وجهين أحدهما الإرسال؛ كقول اللَّه تعالى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى‏*
 [الأعراف: 103] معناه: أرسلنا. و البَعْث: إثارة بارِكٍ أو قاعد. تقول بعثت البعير فانبعث أي أثرته فثار. و البَعْث أيضاً: الإحياء من اللَّه للموتى. و منه قوله جلّ و عزّ: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ‏
 [البَقَرَة: 56] أي‏

201
تهذيب اللغة2

بعث ص 201

أحييناكم.
و
في حديث حذيفة: «إن للفتنة بَعْثات و وَقَفات فمن استطاع أن يموت في وَقفاتها فليفعل»
. و قال شمر في قوله: «بعثات» أي إثارات و هَيْجات. قال: و كلّ شي‏ء أثرتَه فقد بعثتَه. و بعثت النائم إذا أهْبَبتَه. قال:
و البَعْث: القوم المبعوثون المُشْخصون.
و يُقَال: هم البَعْث بسكون العين.
و في «النوادر»: يقال: ابْتَعَثْنا الشام عَيْراً إذا أرسلوا إليها رِكَاباً للميرة. و باعِيثاء:
موضع معروف. الأصمعيّ: رجل بَعِث:
لا يكاد ينام، و ناقة بَعِثة: لا تكاد تَبْرُك.
 [باب العين و الثاء مع الميم‏]
ع ث م‏
عثم، مثع، ثعم: مستعملة.
عثم:
أبو عبيد عن الكسائي: عَثَمت يَدُه تعثِم، و عثَمتها أنا إذا جَبَرتها على غير استواء. و قال أبو زيد في العثم مثله.
و قال الفرّاء: تَعْثُم- بضم الثاء- و تعْثُل مثله.
و قال الليث: العَثْم: إساءة الجَبْر حتى يبقى فيه أَوَد كهيئة المَشَش. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَيْثُوم: الأنثى من الفِيلة.
و قال أبو عبيد: العَيْثُوم: الضَبُع و الذكر ضِبْعان.
و قال الليث: العَيْثوم: الضخم الشديد من كل شي‏ء. و يقال للفيلَة الأنثى عَيْثوم.
قال: و يقال للفيل الذكر: عَيْثُوم و جمعُه عَيَاثيم.
و قال الشاعر:
و قد أسير أمام الحيّ تحملني             و الفضلتين كِنَازُ اللحم عَيثوم‏
وصف ناقته فجعلها عَيْثُوماً. قال:
و العَيْثام: شجر يقال له البيضاء، الواحد عَيْثامة. أبو عبيد عن عمرو: العَثْمْثَم:
الشديد العظيم من الإبل. و قال الليث:
العَثمْثَم من الإبل: الطويل في غِلَظ، و الجمع عَثَمْثَات. قال: و الأسد عَثَمْثَم، يقال ذلك من ثِقَل وَطْئه. بَغْل عَثَمْثَم:
قويّ. و قال الجعديّ يصف جملًا:
أتاك أبو ليلى يجوب به الدُجَى             دُجَى الليل جَوّابُ الفلاة عَثَمْثَم‏
أبو العباس عن ابن الأعرابي: إني لأعْثِم له شيئاً من الرَجَز أي أنتف. و قال ابن الفرج: سمعت جماعة من قيس يقولون:
فلان يَعْثِم و يَعْثِن أي يجتهد في الأمر و يُعْمِل نَفْسه فيه. و قال ابن شميل: العَثْم في الكسر و الجرح: تداني العظم حتى هَمّ أن يَجْبُر و لم يَجْبُر بعد كما ينبغي. يقال:
أجبَر عظمُ البعير؟ فيقال: لا ولكنه عَثَم و لم يَجْبُر. و قد عَثَمَ الجرح و هو أن يُكْنب و يَجْلُب و لم يبرأ بعد. ثعلب عن ابن الأعرابي: العُثْمُ جمع عاثم و هم المُجبَّرون، عَثَمه إذا جَبَره. عمرو عن أبيه قال: العُثْمان: الجانّ، جاء به في باب الحيَّات: أبو عبيد ابن عمرو: العَثْمْثَم:
الشديد العظيم من الإبل. قال الأزهري:
عُثمان: فُعْلان من العَثْم.
ثعم:
الليث: الثَّعْم: النَزْعُ و الجرُّ. و يقال:
تثعَّمتْ فلاناً أرضُ بني فلان إذا أعجبَتْه‏

202
تهذيب اللغة2

ثعم ص 202

و جرَّته إليها، و نحوُ ذلكَ كذلك. قلت و لا أبعده من الصواب و ما سمعت الثعْم في شي‏ء من كلامهم غير ما ذكره الليث.
مثع:
أهمله الليث و هو معروف. روى أبو عبيد عن أبي عمرو قال: المَثَع: مشية قبيحة للنساء و قد مَثَعث تَمْثَع. و قال شمر: تَمْثَع و تَمْثُع: و أنشد:
كالضبع المثعاء عنَّاها السُدُم‏
قال: المَثْعاء: الضبع المُنْتِنة.
أبواب العين و الراء
 [باب العين و الراء مع اللام‏]
ع ر ل‏
استعمل من وجوهه: رعل.
رعل:
أبو حاتم عن الأصمعيّ: الأَرْعل:
الأحمق، و أنكر الأرعن. قال: و مَثَل للعرب: زاده اللَّه رَعَالة، كلَّما ازداد مَثَالة: أي كلَّما ازداد غِنى زاده اللَّه حُمْقاً.
و قد رَعِل يَرْعل فهو أرعل. و عُشْب أرعل إذا انثنى و طال، و أنشد:
أرعل مجَّاج الندى مَثّاثا
و ناقة رعلاء، و هو أن يُشَقّ أُذُنُها ثم يُتْرَك نائساً. و قال الفِنْد الزِمَّاني:
رأيت الفِتية الأعزا             ل مثل الأيْنُق الرُّعْل‏
و في «النوادر»: شجرة مُرْعِلة و مُقْصِدة أي رَطْبَة. فإذا عَسَتْ رَعْلتها فهي مُمْشِرة إذا غَلظت. أبو عبيد عن الأصمعيّ يقال لفحل الدَقَل: الراعل. قال: و الرِّعَال:
الدَّقَل من النخيل واحدتها رَعْلة. قال:
و قال أبو شَنْبَل الأعرابيّ: استرعلت الغَنَمُ إذا تتابعت في السير. و روي عن الأحمر:
من السمات في قَطْع الجِلْد الرَّعْلة، و هو من يُشقَّ من الأذن شي‏ء ثم يترك معلَّقاً.
قال أبو عبيد: و يسمّى ذلك المعلّق الرَّعْل. قلت: و كلّ شي‏ء متدلّ مسترخٍ فهو أَرْعَل. و يقال للقلفاء من النساء إذا طال موضع خَفْضها حتى يسترخي:
أرعل. و منه قول جرير:
رَعَثاتِ عُنْبُلها الغِدَفْل الأرعل‏
أراد بعُنْبُلها بَظْرها. و الغِدَفل: العريض الواسع. و قال الليث الرَّعْل: شدَّة الطعن، يقال: رَعَله بالرمح، و أرعل الطعنَ. قال:
و الرَّعْلة: القَطِيع من الخيل تكون في أوائلها، و هو الرَّعِيل. و تجمع الرَّعَلة رِعَالًا. و قال امرؤ القيس:
و غارةٍ ذات قيروان             كأن أسرابها الرِّعَالُ
و قال بعضهم: يقال للقطعة من الفرسان:
رَعْلة، و لجماعة الخيل: رَعيل.
و المُسْتَرعِل: الذي ينهض في الرعيل الأول. و أنشد أبو عبيد و ابن الأعرابي قول تأبَّط شَرّاً:
 متى تبغني ما دمتُ حيّاً مسلَّماً             تجدني مع المسترعل المُتَعَبْهِل‏
و قال الليث: الرَّعْلة النعامة، سميت بذلك لأنها لا تكاد تُرَى إلا سابقة للظليم.
قال: و تجمع الرَّعْلة من الخيل أرعالًا ثم أراعيل. قال: و الرَّعْلة: هي القُلْفة. و هي أيضاً: الجِلدة من أذن الشاة تُشَقّ فتترك نائسة معلَّقة في مؤخر الأُذُن. و قال‏

203
تهذيب اللغة2

رعل ص 203

قُطْرُب: الرِّعْل: ذكر النَحْل، و به سمّي رِعْل بن ذَكْوان. و قال أبو زيد: رَعَله بالسيف رَعْلًا إذا نفحه به، و هو سيف مِرْعَل و مِخْذَم. ثعلب عن ابن الأعرابيّ عن المفضل: هو أخبث من أبي رِعْلة و هو الذئب، و كذلك أبو عِسْلَة. و قال ابن الأعرابي: العرب تقول للأحمق: كلما ازددت مَثَالة، زادك اللَّه رعالة. قال:
و الرعالة: الرعونة، و المَثَالة: الغِنى.
 [باب العين و الراء مع النون‏]
ع ر ن‏
رعن، رنع، عرن، نعر: مستعملة.
عرن:
أبو عبيد عن الأصمعيّ: العَرَن: قَرْح يخرج بقوائم الفُصْلان و أعناقها. قلت:
و أما عَرَن الدوابّ فهو غير عَرَن الفِصْلان، و هو جُسُوء في رُسْغ رجل الدابَّة و موضع ثُنَنها من أُخُر لشي‏ء يصيبه من الشُقَاق أو المَشَقّة من أن يرمح جَبلًا أو حجراً. و قال الليث: العَرَن مثل السَّحَج يكون في الجِلد فيُذهِب الشعر فهو عَرِن و به عَرَن و عُرْنة و عِرَان، على لفظ العِضَاض و الخِرَاط.
أبو عبيد عن الأصمعيّ قال: الخِشاش:
ما كان من عود أو غيره يجعل في عَظْم أنف البعير. قال: و العِرَان: ما كان في اللحم فوق الأنف. و قد عرنت البعير، فهو معرون. قلت: و أصل هذا من العَرَن و العِرَين و هو اللحم. قال أبو عبيد: قال الأمويّ و العَرِين: اللحم و أنشد لغادية الدُبَيريَّة:
موشَّمة الأطراف رَخْص عَرِينها
و قال الأصمعيّ العِرَان: عُود يجعل في وَتَرَة الأنف، و هو ما بين المنخرين، و هو الذي يكون للبَخَاتيّ. و قال الليث:
العِرْنين: الأنْف، و جمعه عَرَانين. قلت:
و عرانين الناس: وجوههم و أشرافهم.
و عرانين السحاب: أوائل مَطَره. و منه قول امرى‏ء القيس يصف غيثاً:
كأن ثبيراً في عرانين وَبْله             من السيل و الغُثَّاء فلكَةُ مِغْزَل‏
أبو العباس عن ابن الأعرابي و عن عمرو و عن أبيه قالا: الظِمْخ واحدتها ظِمْخة، و هو العِرْن واحدته عِرْنة: شجرة على صورة الدُلْب تُقطع منه خُشُب القصَّارين التي تدفن، و يقال لبائعها: عَرّان. و قال ابن السكيت: يقال: سِقَاء معرون: مدبوغ بالعِرْنة و هو خَشَب الظِمْخ. قال: و هو شجر خشِن يشبه العَوْسجَ إلّا أنه أضخم منه، و هو أثِيث الفَرْع و ليس له سوق طوال، يُدَقّ ثم يطبخ فيجي‏ء أديمه أحمر.
قال: و قال أبو عمرو: العِرْنة: عروق العَرَتُن. و قال شمر: العَرتُن- بضم التاء-:
شجر واحدتها عَرَتُنة. و قال غيره: يقال منه أدِيم مُعَرْتَن. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العَرِين: صِياح الفاختة.
و العَرِين: اللحم المطبوخ. و العرين:
الفِناء. و العَرِين: الشَوْك و
في الحديث:
دُفِن بعض الخلفاء بعرين مكَّة
أي في فنائها. و العران: القتال. و العران: الدار البعيدة. و قال أبو عبيد: العران: البعد، يقال: دارهم عارنة أي بعيدة. و أنشد قول ذي الرُمَّة:

204
تهذيب اللغة2

عرن ص 204

ألا أيها القلب الذي برَّحت به             منازل مَيّ و العِرَان الشواسِعُ‏
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: أعرن الرجل إذا تشقَّقت سيقان فِصْلانه. و أعرن إذا وقعت الحِكَّة في إبله. و أعرن إذا دام على أكل العَرَن و هو اللحم المطبوخ.
و قال الليث: العَرَين: مأوى الأسد.
و قال الطِرِمّاح يصف رَحْلًا:
أحمّ سراةِ أعلى اللون منه             كلون سراة ثعبان العَرِين‏
و قيل: العرين: الأجمة ههنا.
و قيل الليث: عُرَينة: حيّ من اليَمَن.
و عَرِين: حيّ من تميم و لهم يقول جرير:
عَرِين من عُرَينة ليس مِنّا             برئت إلى عُرَينة من عَرِين‏
و قال أبو عمرو: العَرَن: رائحة لحم له غمَر؛ يقال: إني لأجد رائحة عَرَنِ يدك.
قال: و هو العَرَم أيضاً.
أبو عبيد عن الفراء قال: إذا كان الرجل صِرّيعاً خبيثاً قيل: هو عِرْنة لا يُطاق.
و قال ابن أحمر يصف ضعفه:
و لست بعِرْنة عَرِك سلاحي             عصا مثقوفَة تقص الحمارا
يقول: لست بقويّ. ثم ابتدأ فقال:
سلاحي عصا أسوق بها حماري و لست بِمُقرِن لقِرني.
و قال أبو عبيد: يقال: هذا ماء ذو عُرانية إذا كثروا و ارتفع عُبَابه.
قال: و منه قول عديّ بن زيد العِبَاديّ:
كانت رياح و ماء ذو عُرانية             و ظُلمة لم تدع فَتْقاً و لا خَلَلا
و عِرْنان: اسم واد معروف. و بطن عُرَنة:
وادٍ بِحذَاء عرفات.
رعن:
الرَّعْن: الأنْف العظيم من الجَبَل تراه متقدّماً. و منه قيل للجيش العظيم: أرْعن، شبّه بالرَّعْن من الجبل. قلت: و قد جعل الطِرِمّاح ظلمة الليل رَعُونا. شبّهها بجبل من الظلام في قوله يصف ناقة تشقّ به ظُلَم الليل:
تشُقّ مُغَمِّضات الليل عنها             إذا طرقت بمِرْداس رَعُون‏
و مغمِّضات الليل: دياجيرُ ظُلَمِها. بمرداس رعون: بجَبَل من الظلام عظيم.
و يقال: الرَّعُون: الكثير الحركة.
و قال الليث: الرَّعْن من الجبال ليس بطويل، و جمعه رُعُون.
و يقال: بل هو الطويل.
و قال رؤبة:
يعدلُ عنه رَعْنُ كل صُدّ
قال: و رَعُن الرجلُ يرْعُن رَعَناً و رُعُونة فهو أرعن: أهوج. و المرأة: رَعْناء.
قال: و رُعِن الرجل فهو مَرعون إذا غُشي عليه.
و أنشد:
كأنه من أوار الشمس مرعون‏
أي مَغْشِيّ عليه. و رُعَيْن: اسم جبل باليمن فيه حِصْن ينسب إليه. و ذو رُعَين: ملك من الأذواء معروف. و كان يقال للبصرة:

205
تهذيب اللغة2

رعن ص 205

الرَّعْناء لِما يكثر بها من وَمَد البحر و عكِيكه.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا
 [البَقَرَة: 104] كان الحسن يقرؤها: (لا تقولوا راعناً) بالتنوين.
و الذي عليه قراءة القُرَّاء: راعِنا
 غير منوّن.
و قيل في راعِنا
 غير منوّن ثلاثة أقوال قد فسّرناها في معتلّ العين عند ذكرنا المراعاة و ما يُشتقّ منها.
و
قيل: إن (راعنا) كلمة كانت تجري مجرى الهُزْء فنُهِي المسلمون أن يَلْفِظوا بها بحضرة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و ذلك أن اليهود لعنهم اللَّه كانوا اغتنموها فكانوا يَسُبّون بها رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم في نفوسهم، و يتستّرون من ذلك بظاهر المراعاة منها، فأمِروا أن يخاطبوه بالتعزير و التوقير.
و قيل لهم: لا تَقُولُوا راعِنا
 كما يقول بعضكم لبعض وَ قُولُوا انْظُرْنا أي انتظرنا.
و أما قراءة الحسن (راعناً) بالتنوين فالمعنى:
لا تقولوا: حُمْقاً، من الرعونة.
نعر:
الحرّانيّ عن ابن السكيت: نَعَر الرجل يَنْعَر نَعِيراً، من الصوت. قال: و
قال الأصمعيّ في حديث ذكره: ما كانت فتنة إلا نَعَر فيها فلان‏
أي نَعَق فيها. و إن فلاناً لنعَّار في الفِتَن. و قد نَعَر العِرْق بالدَم يَنْعَرُ، و هو عِرْق نعَّار بالدم إذا ارتفع دَمُه.
و نَعِر الفرس و الحمار يَنْعَرُ نَعراً إذا دخلت في أنفه النُّعَرة. أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال: من أين نَعَرت إلينا؟ أي من أي أقبلت. و قال شمر: الناعر: على وجهين: الناعر: المصوّت، و الناعر:
العِرْق الذي يسيل دماً. و قال المخبَّل السعديّ:
إذا ما هُم أصلحوا أمرهم             نَعَرت كما يَنْعَر الأخدع‏
يعني: أنه يُفسِد على قومه أمرهم. أبو عبيد عن الأصمعيّ: إن في رأسه لنُعَرة أي كبْراً. قال: و النَّعرة أيضاً: ذبابة. قال و قال الأُموي: إن في رأسه لنَعَرة- بفتح النون- أمراً يهُمّ به. قال: و يقال للمرأة و لكل أنثى: ما حملت نَعَرة قط- بالفتح-:
أي ما حملت مَلقوحاً أي ولداً. و يقال:
نَعَر الجرح بالدم إذا فار، يَنْعَر. و جرح نَعَّار: لا يكاد يَرْقأ. و نَعَر الرجل و غيره يَنْعِر إذا صوَّت. أبو عمرو: النَّعِر: الذي لا يستقرّ في مكان. الأحمر: النُّعَرة:
ذبابة تسقط على الدواب فتؤذيها. و منها يقال: حمار نَعِر.
و قال ابن مقبل:
ترى النُّعَرات الخُضْر حول لَبَانه             أُحَاد و مثنَى أصعقتها صواهلُهْ‏
أي قتلها صهيله. و قال الليث: نَعَر يَنْعِر نَعِيراً، و هو صوت الخيشوم. قال:
و النُّعَرة: هي الخيشوم، و منها يَنْعِر الناعر.
قال: و جرح نَعُور بصوته من شدَّة خروج دمه منه. قال: و النُّعَرة: ذبابة الحمير الأزرق. و النُّعَرة: ما أجنَّت الْحمرُ في أرحامها، شبه بالذباب، و أنشد:
و الشَدَنيات يساقطن النُّعَر
قال: و امرأة نعَّارة: صَخَّابة. و يقال غَيْرى‏

206
تهذيب اللغة2

نعر ص 206

نَعْرى للمرأة. قلت: نَعْرى لا يجوز أن يكون تأنيث نَعْران و هو الصخَّاب؛ لأن فعلان و فَعْلى يجيئان في باب فَعِل يَفْعَل و لا يجي‏ء في باب فَعَل يَفعِل. و أمَّا قول الليث في النعير: إنه صوت في الخيشوم، و قوله: النُّعَرة: الخَيشوم فما سمعته لأحد من الأئمّة، و ما أُرى الليث حفِظه.
و يقال: سَفَر نَعُور إذا كان بعيداً. و منه قول طرفة:
و مثلي- فاعلمي يا أم عمرو-             إذا ما اعتاده سفر نَعُور
و هِمَّة نَعُور: بعيدة و النعُور من الحاجات:
البعيدة. و نَعَرت الرِيح إذا هبَّت مع صوت، و رياح نواعر، و قد نَعَرت نُعَاراً.
و النَّعْرة: مثل البَغرة من النَوْء إذا اشتدّ به هبوب الريح و منه قوله:
عمِل الأنامل ساقطٍ أوراقهُ             متزحّر نَعَرَت به الجوزاء
و يقال: لأُطيرنّ نُعَرتك أي كِبْرك و جهلك من رأسك. و الأصل في ذلك أن الحمار إذا نَعِر ركب رأسه. فيقال لكل من ركب رأسه: فيه نُعَرة.
رنع:
أهمله الليث. و قال شمر: قال الفرّاء:
كان لنا البارحة مَرْنَعة و هي الأصوات و اللعب. و قال غيره: يقال للدّابة إذا طَرَدت الذباب برأسها: رَنَعت. و أنشد شمر لمصاد بن زهير:
سما بالرانعات من المطايا             قويّ لا يضلّ و لا يجورُ
أبو عبيد عن الكسائي: أصبنا عنده مَرْنعة من طعام أو شراب، كما تقول: أصبنا مَرْنعة من الصيد أي قطعة. سَلَمة عن الفرّاء: قال: المَرْنَعَة: الروضة. و قال أبو عمرو: هي المرنعة و المرغدة للروضة.
و في «النوادر»: يقال: فلان رانع اللون، و قد رَنَع لونهُ يَرْنَع رُنُوعاً إذا تغيَّر و ذَبَل.
 [باب العين و الراء مع الفاء]
ع ر ف‏
عرف، عفر، رفع، رعف، فرع، فعر:
مستعملات.
عرف:
الليث: عَرَف يَعْرف عِرْفاناً و مَعْرِفة.
و أمر عارف: معروف عَرِيف. قلت: لم أسمع أمر عارف أي معروف لغير الليث.
و الذي حصَّلناه للأئِمَّة: رجل عارف أي صَبُور. قال أبو عبيد و غيره: يقال: نزلت به مصيبة فوُجِد صَبُوراً عارفاً. قلت:
و نفس عارفة- بالهاء- مثله. و قال غيره:
فصبرتُ عارفة لذلك حُرَّة             ترسو إذا نفسُ الجَبَان تَطَلَّعُ‏
و نفس عَرُوف: صبور. إذا حُمِلت على أمر احتملَتْه. و أنشد ابن الأعرابي:
فآبُوا بالنساء مردَّفاتٍ             عوارفَ بعد كِنٍّ و ائتحاح‏
أراد: أنهن أقررن بالذلّ بعد النِعمة.
و يروى:
... (و ابتحاح)
. فمن رَوَى:
 ... (و ائتجاح)
فهو من الوِجَاح و هو السِتْر.
و من رَوَى:
... (و ابتحاح)
فهو من البحوحة، و هكذا رواه ابن الأعرابي. و يقال: اعترف فلان إذا ذَلَّ و انقاد. و انشد الفرّاء:
أتضجرين و المطِيّ معترف‏

207
تهذيب اللغة2

عرف ص 207

أين تعترف و تصبر. و ذكّر (معترف) لأن لفظ المطيّ مذكَّر. و أمَّا قول اللَّه جلّ ذكره وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً
 [المُرسَلات: 1] فقال بعض المفسّرين فيها: إنها أُرسلت بالمعروف، و العرف و العارفة و المعروف واحد، و هو كلّ ما تعرفه النفْس من الخير و تَبْسَأ به و تطمئنّ إليه. قال اللَّه جلّ و عزّ خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ‏
 [الأعرَاف: 199]. و قيل في قوله: وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً
 [المرسلات: 1]:
إنها الملائكة أُرسلت متتابعة كعُرف الفرس. و قرئت (عُرْفاً)
 و (عُرُفاً) و المعنى واحد. و قيل الْمُرْسَلاتِ: هي الرُسُل. أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: عَرَف الرجل إذا أكثر من الطِيب، و عرِف إذا ترك الطيب. و قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ‏
 [التَّحْريم: 3] و قرى‏ء (عَرَف بعضه) بالتخفيف.
قال الفراء: من قرأ: (عَرَّفَ)
 بالتشديد فمعناه: أنه عرَّف حَفْصة بعضَ الحديث و ترك بعضاً. قال: و كأنّ من قرأ (عَرَف) بالتخفيف قال: غَضِب من ذلك و جازى عليه؛ كما تقول للرجل يسي‏ء إليك: و اللَّه لأعرفنَّ لك ذلك. قال: و قد- لعمري- جازى حفصةَ بطلاقها. قال الفرّاء: و هو وجه حسن، قرأ بذلك أبو عبد الرحمن السُلَميّ. قلت: و ذهب أبو إسحاق إبراهيم ابن السريّ في معنى (عَرَّفَ)
 و (عَرَف) إلى نحو ممَّا قاله الفرّاء. قلت: و قرأ الكسائي و الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: (عَرَفَ بعضه) خفيفةً. و قرأ حمزة و نافع و ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر اليحصبيّ عَرَّفَ بَعْضَهُ‏
 بالتشديد.
و أما قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ‏
 [محَمَّد: 6] فإن الفرّاء قال:
يعرَّفون منازلهم إذا دخلوها، حتى يكون أحدهم أعرف بمنزله في الجنة منه بمنزله إذا رجع من الجمعة إلى أهله. و قلت:
و هذا قول جماعة من المفسّرين، و قد قال بعض اللغويين: إن معنى عَرَّفَها لَهُمْ
 أي طيَّبها، يقال: طعام معرَّف أي مطيَّب. و قال الأصمعي في قول الأسود بن يعفر يهجو عِقَال بن محمد بن شفين:
فتُدخَل أيد في حناجر أُقْنِعت             لعادتها من الخَزِير المعرَّف‏
أُقنعت أي مُدَّت و رُفِعت للَّقْم. و اللَّه أعلم بما أراده. و قال أبو العباس: قال بعضهم في قول اللَّه عزّ و جلّ: وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ‏
: و هو وضعك الطعام بعضَه على بعض من كثرته. و خَزِير معرَّف: بعضه على بعض.
و قال ابن الأعرابي: العَرْف: الرائحة، تكون طيّبة و غير طيّبة. و أما قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ نادى‏ أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ‏
 [الأعراف: 48] فالأعراف في اللغة: جمع عُرْف، و هو كل عال مرتفع.
و قال بعض المفسّرين: الأعراف: أعالي سُور بين أهل الجَنَّة و أهل النار.
و أصحابها قوم استوت حسناتهم و سيّئاتهم، فلم يستحقُّوا الجنَّة بالحسنات،

208
تهذيب اللغة2

عرف ص 207

و لا النارَ بالسّيئات، فكانوا على الحِجَاب الذي بين الجَنَّة و النار. قلت: رَوَى ذلك جرير بن حازم عن قَتَادة عن ابن عباس، حدَّثني بذلك أبو الحسن الخُلْديّ عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن جرير. و قال قوم: هم ملائكة، و معرفتهم كُلًّا بِسِيماهُمْ أنهم يعرفون أهل الجنة بإسفار وجوههم، و أهلَ النار باسوداد وجوههم. و قال أبو إسحاق: و يجوز أن يكون جمعه على الأعراف على معرفة أهل الجنة و أهل النار. و اللَّه أعلم بما أراد. و يقال: عَرَف الرجل ذنبه إذا أقرَّ به. و قال أعرابي: ما أعرف لأحد يصرعني، أي لا أقِرّ به. و يقال: أتيت فلاناً متنكّراً ثم استعرفت أي عرَّفته مَن أنا. و قال مزاحم العُقَيليّ:
فاستعرِفا ثم قولا إن ذا رحمٍ             هَيْمانَ كلَّفَنا من شأنكم عَسِراً
فإن بغَتْ آية تستعرفان بها             يوماً فقولا لها العُودُ الذي اختُضرا

أبو عبيدة: اعترفت القوم: سألتهم.
و أنشد قول بشْر:
أسائلةٌ عُمَيرةُ عن أبيها             خلال الركب تعترف الركابا
و أمّا
الحديث الذي جاء في اللقطة: «فإن جاء من يعترفها»
فمعناه: معرفته إيَّاها بصفتها و إن لم يرها في يدك.
و قال الفرّاء: رجل عَرُوفة بالأمر أي عارف.
أو ناقة عَرْفاء إذا كانت مذكَّرة يُشْبه الجِمال.
و قيل لها: عَرْفاء لطول عُرْفها و الضَبُع يقال لها: عَرْفاء لطول عُرْفها. و المعارف:
الوجوه. و قال الهذليّ:
متكورين على المعارف بينهم             ضرب كتعطيط المزاد الأثجل‏
و المَعْرَف واحد. و قيل: ناقة عرفاء:
مشرِفة السَنَام. و معارف الأرض: ما عُرِف منها. و سَنَام أعرف: طويل. و يقال للرجل إذا ولّى عنك بودّه: قد هاجت معارف فلان، و معارفه: ما كنت تعرفه من ضنّه بك. و معنى هاجت: أي يَبِست كما يهيج النبات إذا يبس. و أعراف الرياح و السحاب: أوائلها و أعاليها. الحرَّانيّ عن ابن السكيت: أصابت فلاناً عَرْفة، و هي قُرْحة تخرج في بياض الكفّ. و هو رجل مَعْروف إذا أصابته العَرْفة. قال: و هو يوم عَرَفة غير منوَّن، و لا يقال: العرفة. و قد عرَّف الناسُ إذا شهدوا عرفة. و هو المعرَّف للموقف بعرفات. و الأعراف:
ضرب من النخل. و أنشد بعضهم:
يغرس فيها الزاد و الأعرافا             و النابجيَّ مُسْدِفاً إسدافاً
و يقال للحازي عرَّاف. و للقُناقِن: عَراف.
و للطبيب عرَّاف لمعرفة كل منهم بعلمه.
و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «من أتى عَرَّافاً أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد»
، أراد بالعَرَّاف: الحازي أو المنجّم الذي يدَّعي علم الغيب الذي استأثر اللَّه بعلمه. و عريف القوم: سيِّدهم، و قد عَرَف عليهم يَعْرُف عَرافة. و قال علقمة بن عَبَدة:

209
تهذيب اللغة2

عرف ص 207

بل كلّ حيّ و إن عزُّوا و إن كرُموا             عريفهم بأثافي الشرّ مرجوم‏
و العُرُفَّان: دويْبَّة صغيرة تكون في رمال عالج و رمال الدَهْنى. و يقال: اعرورف الدم إذا صار له من الزَبد شِبْه العُرْف.
و قال الهذليّ:
مستنَّة سنَنَ الفَلو مِرشَّة             تنفي التراب بقاحِز معرورف‏
يصف طعنة فارت بدم غالب. و يقال:
اعرورف فلان للشرّ كقولك: اجْثَألّ و تشزّن.
و قال الليث: العُرْف: عُرْف الفرس:
و مَعْرَفة الفرس: أصل عُرْفه. و قال غيره:
هو اللحم الذي ينبت عليه العُرْف.
ثعلب عن ابن الأعرابي: العُرْف:
المعروف، بالضمّ. و العِرْف- بالكسر-:
الصبر، و أنشد:
قل لابن قيس أخي الرقيَّات             ما أحسن العِرْف في المصيبات‏
و قال: أعرف فلان فلاناً وَ عرَّفه إذا وقَفَه على ذنبه ثم عفا عنه.
رعف:
أبو عبيد عن الأصمعيّ: رَعَف يَرْعَف، و رَعَفَ يَرْعُف، هكذا رواه عنه.
و قال أبو عبيد: الرَّعْف: السَبْق رَعَفت أَرْعُف.
و قال الأعشى:
به تَرعُف الألفُ إذا أرسلت             غداةَ الصباح إذا النَقْعُ ثارا
قلت: و قيل للدم الذي يخرج من الأنف:
رُعاف لسَبْقه علْمِ الراعف.
و قال عُمَر بن لَجَأ:
حتى ترى العُلْبة من إذرائها             يَرعُف أعلاها من امتلائها
و قال الليث: الراعف: أنف الجبل، و جمعه الرواعف. و الراعف: طَرَف الأرْنَبة. و
في حديث عائشة أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم سُحِر و جعل سِحْره في جُفّ طَلْعة و دُفِن تحت راعوفة البئر.
قال أبو عبيد: راعوفة البئر: صخرة تُترك في أسفل البئر إذا احتُفرت، تكون نابتة هناك، فإذا أرادوا تَنْقية البئر جلس المنقي عليها.
قال: و يقال: بل هو حَجَر ناتى‏ء في بعض البئر يكون صُلْباً لا يمكنهم حفره فيتركُ على حاله. و يقال: هو حجر يكون على رأس البئر يقوم عليه المستقي.
قال الليث: و يقال له: أرْعُوفة.
شمر عن خالد بن جَنْبة قال: راعوفة البئر: النَطَّافة. قال: و هي مثل عين على قدر جُحْر العقرب نيط في أعلى الركيَّة فيجاوزونها في الحَفْر خمس قِيَم و أكثر، فربما وجدوا ماء كثيراً تَبَجُّسه. قال:
و بالروبنج عين نَطَّافة عَذْبة و أسفلها عين زُعَاق، فتسمع قطران النَطاقة فيها: طرَقْ طرَقْ.
قال شمر: من ذهب بالراعوفة إلى النطَّافة فكأنه أخذه من رُعَاف الأنف و هو سيلان دمه و قَطَرانُه. و يقال ذلك لسيلان الذَنِين.
و أنشد قوله:

210
تهذيب اللغة2

رعف ص 210

على منخريه سائفاً أو معشّراً             بما انفضّ من ماء الخياشيم راعف‏
و قال شمر: من ذهب بالراعوفة إلى الحجر الذي يتقدّم طيّ البئر- على ما ذكر عن الأصمعي- فهو من رَعَف الرجل أو الفرس إذا تقدّم و سَبَق. و كذلك استرعف.
سَلَمة عن الفرّاء قال: الرُّعَافِيّ: الرجل الكثير العطاء مأخوذ من الرعاف و هو المطر الكثير.
و قال غيره: يقال للمرأة لُوثي على مراعفك أي تلثَّمي و مراعفها: الأنف و ما حوله.
و قال أبو عبيدة: بينا نحن نذكر فلاناً رَعَف به الباب أي دخل علينا من الباب.
أبو حاتم عن الأصمعيّ يقال: رَعَف يَرعَف و يَرعُف. و لم يعرف رُعِف و لا رَعُف في فعل الرعاف.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الرعوف:
الأمطار الخِفاف. قال: و يقال للرجل إذا استقطر الشَحْمةَ و أخذ صُهَارتها: قد أودف و استودف، و استرعف و استوكف و استدام و استدمى كله واحد.
عفر:
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه كان إذا سجد جافي عَضُديه حتى يَرى مَنْ خَلْفه عُفرة إبطيه.
قال أبو عبيد: قال أبو زيد و الأصمعيّ: العُفْرة: البياض، و لكن ليس بالبياض الناصع الشديد، و لكنه لون الأرض. و منه قيل للظباء: عُفْر إذا كانت ألوانها كذلك، و إنما سميت بعَفَر الأرض و هو وجهها و يقال: ما على عَفَر الأرض مِثله أي ما على وجهها. و
روي عن أبي هريرة أنه قال: لدَمُ عفراء أحبّ إليّ في الأضحية من دم سوداوين.
قال: و يقال:
عفَّرت فلاناً في التراب إذا مرّغته فيه، تعفيراً. قال أبو عبيد: و التعفير في غير هذا يقال للوحشيَّة: هي تعفّر ولدها.
و ذلك إذا أرادت فطامه قطعت عنه الرضاع يوماً أو يومين. فإن خافت أن يضرّه ذلك ردَّته إلى الرضاع أياماً ثم أعادته إلى الفِطَام، تفعل ذلك مرات حتى يستمرّ عليه، فذلك التعْفير، و الولد معفَّر.
قال أبو عبيد: و الأمّ تفعل مثل ذلك بولدها الإنْسِيّ. و أنشد بيت لَبِيد يذكر بقرة وَحْشية و ولدها:
لمعفَّر قَهْد تنازع شِلْوه             غُبْس كواسب ما يُمَنّ طعامُها
قلت: و قيل في تفسير المعفَّر في بيت لَبيد: إنه ولدها الذي افترسه الذئاب الغُبْس فعفَّرته في التراب أي مرَّغته. و هذا عندي أشبه بمعنى البيت. و قال الليث:
يقال: عَفَرته في التراب عفراً و أنا أعفره و هو منعفر الوجه في التراب و معفَّر الوجه و قد عفَّرته تعفيراً. و قال: اعتفرته اعتفاراً إذا ضربت به الأرض فمغَثْته. و قال الشاعر يصف شَعَر امرأة طال حتى مَسَّ الأرض:
تهلِك المِدْراة في أكنافه             و إذا ما أرسلته يعتفِرْ
أي يسقط شعرها على الأرض، جعله من عَفَرته فاعتفر. و
روي أن رجلًا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال له: إني ما قرِبت أهلي مذ

211
تهذيب اللغة2

عفر ص 211

عَفَار النخل و قد حَمَلت، فلاعن بينهما.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: عَفَار النخل:
تلقيحها و إصلاحها، يقال: قد عَفَروا نخلهم يعفِرون. ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العَفَار: أن تترك النخيل بعد التلقيح أربعين يوماً لا تسقى. قال: و العفَّار:
لقّاح النخيل. أبو حاتم عن الأصمعي:
العَفر: سُقي الزرع بعد إلقاء الحَبّ.
قلت: عفر الزرع: أن يسقى سَقْية ينبت عنه، ثم يترك أياماً لا يسقى فيها حتى يعطش، ثم يسُقى فيصلح على ذلك.
و أكثر ما يفعل ذلك بخِلْف الصيف و خضراواته. و قيل في قول اللَّه جَل و عز ذكره: أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها [الواقعة: 71، 72]: إنها المَرْخ و العَفَار، و هما شجرتان فيهما نار ليس في غيرهما من الشجر، و يسوَّى من أغصانهما الزِنَاد فيُقْتدح بها. و قد رأيتهما في البادية. و العرب تضرب المَثَل بهما في الشرف العالي فتقول: في كل الشجر نار، و استَمجَد المَرْخ و العَفَار. استَمْجَد:
استكثر. و ذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر ناراً، و زنادهما أسرع الزناد وَرْياً، و العُنَّاب من أقلّ الشجر ناراً، و قال المبرد: يقال: رجل مَعَافرِيّ. و مَعَافر بن مُرّ أخو تميم بن مرّ. قال: و نسب على الجمع لأن مَعَافر اسم لشي‏ء واحد؛ كما تقول لرجل من بني كلاب أو من الضباب: كلابيّ و ضِبابيّ. فأَمَّا النسب إلى الجماعة فإنما توقع النسب على واحد؛ كالنسب إلى المساجد تقول: مسجديّ، و كذلك ما أشبه. و تقول: بُرْد مَعافريّ؛ لأنه نسب إلى رجل اسمه معافر. و قال أبو زيد: من الظباء العُفْر و هي التي تسكن القِفاف و صَلَابة الأرض و هي حُمْر.
و كذلك قال أبو زياد الكلابيّ. أبو عبيد:
اليَعْفور: ولد البقرة الوحشيَّة. و قال الليث: اليعفور: الخِشْف سمّي يعفوراً لكثرة لزوقه بالأرض.
و قال أبو عبيد: قال أبو زيد: يقال للسَوِيق الذي لا يُلَتّ بالأُدْم عَفِير.
و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال: أكل فلان خبزاً قَفَاراً و عَفَاراً و عفيراً أي بلا شي‏ء معه.
و قال: عليه العَفَار و الدبَار و سوء الدار.
أبو عبيد عن الفرّاء قال: العفير من النساء: التي لا تُهدي شيئاً؛ قال الكميت:
و إذا الخُرَّد اغْبررْن من المحْ             ل و صارت مِهداؤهن عفيرا
أبو عُبَيد: العِفْرية- خفيفة- على مثال فِعللة، و هو من الإنسان: شَعَر الناصية، و من الدابّة: شَعَر القَفَا. قال و قال:
الأصمعيُ: العِفْرية النِفْرية؛ الرجل الخبيث المنكَر. و مثله العَفِر. و امرأة عَفِرة. قلت:
و يقال: لعِفْرية الرأس: عِفْراةٌ. و قال اللَّه عزَّ و جلَّ: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ‏
 [النَّمل: 39] قالوا: العفريت: النافذ في الأمر المبالغ فيه مع خُبْث و دهاء يقال: رجل عِفْر و عفريت و عِفْرية و عُفَارية بمعنى واحد. و قال الفرّاء: من قال:
عِفْرية فجمعه عفارٍ، و من قال: عفريت جمعه عفاريت.

212
تهذيب اللغة2

عفر ص 211

و جاز أن يقول: عفارٍ؛ كقولهم في جمع الطاغوت: طواغيت و طواغٍ. و قال شمر:
امرأة عِفِرَّة و رجل عِفِرّ بتشديد الراء.
و أنشد في صفة امرأة غير محمودة الصفة:
و ضِبَّرة مثل الأتان عِفِرَّة             ثجلاء ذات خواصر ما تشبع‏
قال الليث: و يقال للخبيث: عِفِرِّيّ أي عِفِرّ، و هم العِفِرِّيُّون. قال: و أسد عَفَرْنى و لَبُؤة عَفَرْناة إذا كانا جريئين. قال: و أمّا لَيْثُ عِفِرِّين فَإن العرب تسمِّي به دوَيْبة يكون مأواها التراب و السهل في أصول الحيطان تدوِّر دُوّارة، ثم تندس في جوفها: فإذا هجت رَمَت بالتراب صُعُداً.
قال و يقال للرجل ابن الخمسين: ليثُ عِفِرين إذا كان كاملًا.
أبو عبيد عن الأصمعيّ و أبي عمرو:
يقال: إنه لأشجع من ليث عفرّين هكذا قالا في حكاية المَثَل و اختلفا في التفسير.
فقال أبو عمرو: هو الأسد.
و قال الأصمعيّ: هو دابَّة من الحرباء يتعرّض للراكب.
قال: و هو منسوب إلى عِفِرّين: اسم بلد و نحوَ ذلك.
رَوَى أبو حاتم عن الأصمعيّ يقال: إنه دابّة مثل الحرباء يتحدّى الراكب و يضرب بذَنَبه.
و قال الليث: العِفْر: الذكر الفحل من الخنازير.
أبو عبيد عن الأحمر: لقيته عن عُفْر أي بعد حين.
و عن أبي زيد: لقيته عن عُفْر: بعد شهر و نحوه.
و أما قول المرّار:
على عُفُر من عن تناء و إنما             تَدانى الهوى من عن تناء و عن عفر
و كان هجر أخاه في الحبس بالمدينة فيقول: هجرت أخي على عُفْر أي على بعد من الحيّ و القرابات أي و نحن غُرَباء و لم يكن ينبغي لي أن أهجره و نحن على هذه الحالة. قالوا: و العُفْر: البعد.
و يقال: العُفْر: قلَّة الزيارة، يقال: إلا عن عُفْر أي بعد قلَّة زيارة، و يقال: دخلْت الماء فما انعفرتْ قدماي أي لم تبلغا الأرض. و منه قول امرى‏ء القيس:
وتر الضبّ حفيفاً ماهراً             ثانياً بُرْثُنه ما ينْعفرْ
و بُرْد معافري: منسوب إلى مَعَافر اليمن.
ثم صار اسماً لها بغير نسبة فيقال: مَعافر.
أبو سعيد: تعفّر الوحشيّ تعفُّراً إذا سمن.
و أنشد:
و مجرُّ منتحر الطليْ تعفّرت             فيه الفِرَاء بجِزع واد مُمكِن‏
قال: هذا سحاب يمرّ مرّاً بطيئاً لكثرة مائه. كأنه قد انتحر لكثرة مائه و طليّه:
مناتح مائه بمنزلة أطلاء الوحش و تعفّرت:
سمنت. و الفِراء: حُمُر الوحش.
و الممكن: الذي أمكن مرعاه. و قال ابن الأعرابي: أراد بالطليّ نَوْء الحَمَل و نَوْء الطَلِيّ و الحَمَل واحد عنده. قال: و منتحِر أراد أنه نحره فكان النَوْء بذلك المكان من‏

213
تهذيب اللغة2

عفر ص 211

الحَمَل. قال: و قوله: واد ممكن يُنْبت المَكْنان و هو نَبْت من أحرار البقول.
و يقال: رماني عن قَرْن أعفر أي رماني بداهية. و منه قول ابن أحمر:
و أصبح يرمي الناس عن قرن أعفرا
و ذلك أنهم كانوا يتّخذون القرون مكان الأسِنَّة، فصار مثلًا عندهم في الشدَّة؛ تنزل بهم. و يقال للرجل إذا بات ليلته في شِدّة تُقْلقه: كنت على قَرْن أعفر. و منه قول امرى‏ء القيس:
كأني و أصحابي على قرن أعفرا
أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال للحمار الخفيف: فلْو و يَعْفور و هِنْبِر و زِهْلِق. و عَفَارة: اسم امرأة. و منه قوله:
بانت لتحزننا عَفَارة
سميت عَفَارة بالعَفَار من الشجر الواحدة عَفَارة. و عُفَير من أسماء الرجال.
فرع:
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «لا فَرَعة و لا عَتِيرة»
. قال أبو عبيد: قال أبو عمرو: هي الفَرَعة و الفَرَع، بنصب الراء.
قال: و هو أوَّل ما تلِده الناقة. و كانوا يذبحون ذلك لآلهتهم في الجاهلية فنهُوا عنه. و قال أوس بن حَجَر يذكر أَزْمَة في شدة البَرد:
و شُبّه الهَيْدَب العَبَام من الأق             وام سَقْباً مجَللًا فَرَعا
أراد: مجلَّلًا جِلد فَرَع فاختصر الكلام؛ كقوله: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82]:
أهل القرية. و يقال: قد أفرع القوم إذا فعلت إبلهم ذلك. أبو عبيد عن أبي عمرو: فرَّع الرجل في الجبل إذا صَعِد فيه و فرّع إذا انحدر. قال: و قال مَعْن بن أوس في التفريع:
 فساروا فأما جل حَيّي ففرّعوا             جميعاً و أما حَيّ دَعْد فصعَّدا
قال شمر: و أفرع أيضاً بالمعنيين. و رواه شمر: (فأفرعوا) أي انحدروا. و قال الشمّاخ:
لا يدركنَّكَ إفراعي و تصعيدي‏
قال: إفراعي: انحداري. شمر: استفرع القوم الحديث و افترعوه إذا ابتدءوه. و قال الشاعر يرثي عبيد بن أيُّوب:
و دلَّهتني بالحزن حتى تركتني             إذا استفرع القومُ الأحاديثَ ساهيا
و
روي عن رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «فرّعوا إن شئتم و لكن لا تذبحوه غَرَاة حتى يَكْبَر»
. قال شمر: و قال أبو مالك: كان الرجل في الجاهلية إذا تمّت إبله مائة بعير قدَّم بَكْراً فنحره لصنمه. و ذلك الفرع و أنشد:
إذا لا يزال قتيل تحت رايتنا             كما تشحَّط سَقْبُ الناسك الفَرَعُ‏
قال شمر: و قال يزيد بن مُرَّة: من أمثالهم: أول الصيد فَرَع. قال: و هو مشبَّه بأول النتاج. أبو عبيد عن الأصمعي:
من القِسِيّ القَضيب و الفَرَع. فالقضيب:
التي عُملت من غصن واحد غير مشقوق.
و الفَرَع: التي عملت من طَرَف القضيب.
و يقال: افترعت الجارية إذا ابتكرتها.

214
تهذيب اللغة2

فرع ص 214

و يقال له افتراع لأنه أول جماعها. ثعلب عن ابن الأعرابيّ: أفرع: هبط، و فرّع:
صَعِد. و قال كثيِّر:
إذا أفرعت في تَلْعة أصعدت بها             و من يطلب الحاجات يُفرِع و يصعد
قال: و فَرَع إذا علا. و أنشد:
أقول و قد جاوزن من صحن رابغ             صحاصح غُبْراً يَفْرَع الآل آلُها
أبو عبيد عن الأصمعيّ: الفَرَعة: القَمْلة العظيمة. و الفَرَعة أيضاً: أعلى الجبل، و جمعها فِراع. و منه قيل: جبل فارع إذا كان أطول ممّا يليه. و به سمّيت المرأة فارِعة.
و
في الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فَرَع بين جاريتين من بني عبد المطلب‏
أي حَجَز و فرق بينهما، يقال: فَرَعت بين المتخاصمين أَفْرَعُ إذا حجزت بينهما.
و قال أبو تراب: فرَّع بين القوم و فرّق بمعنى واحد. و
رَوَى في ذلك حديثاً بإسناد له عن أبي الطُفَيل قال: كنت عند ابن عباس فجاء بنو أبي لَهَب يختصمون في شي‏ء بينهم، فاقتتلوا عنده في البيت، فقام يفرّع بينهم‏
أي يحجِز بينهم.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الفارع:
عَوْن السلطان، و جمعه فَرَعة.
قلت: هو مثل الوازع، و جمعه وَزَعة أيضاً.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: فَرَعت فرسي أَفْرَعه أي قَدَعته. قال: و قال أبو عمرو:
الفرع أيضاً: القِسْم.
و قال أبو زيد: تفرّع فلان القومَ إذا ركبهم و شتَمهم.
و قال غيره: تفرَّع فلان القوم إذا علاهم.
و قال الشاعر:
و تفرّعنا من ابني وائل             هامة العِزّ و جُرْثوم الكرم‏
و يقال: رجل فارع، وَنقاً فارع: مرتفع طويل.
و قال أبو سعيد: الفَرَعة: جِلْدة تزاد في القِرْبة إذا لم تكن و فراء تامَّة. أبو عبيد:
أفرعت المرأة: حاضت. و أفرعت إذا رأت دَماً قبل الولادة.
و قال الأعشى:
صددت عن الأعداء يوم عُبَاعب             صدودَ المذاكي أفرعتها المساحِلُ‏
أي أدْمتها اللُجُم كما تدمى الحائض أبو عبيدة: الفوارع: تلاع مشرفات المسايل.
و رجل فَرْع قومه أي شريف قومه.
و قال أبو سعيد في قول الهذليّ:
و ذكّرها فَيْحُ نجم الفرو             ع من صَيْهَد الحَرّ برد الشَمَال‏
قال: هي فروع الجوزاء، بالعين. قال:
و هو أشدّ ما يكون الحرّ. فإذا جاءت الفروغ- بالغين- و هي من نجوم الدَلْو- كان الزمان حينئذٍ بارداً، و لا فَيْح يومئذٍ.
الليث: أعلى كل شي‏ء: فَرْعه. و فَرَع فلان فلاناً إذا علاه. و فرعت رأس الجَبَل:
علوته. قال: و الفَرَع: المال الطائل المُعَدّ. و قال الشاعر:

215
تهذيب اللغة2

فرع ص 214

فمنَّ و استبقى و لم يعتصرْ             من فرعه مالًا و لا المكسِر
قال: المكسر: ما تكسَّر من أصل ماله.
قال: و فَرِعَ الرجل يفرع فَرَعاً: كثر شعره، و هو أفرع. و رجل مُفْرع الكتف إذا كان مرتفع الكتف. و يقول: أفرعت بفلان فما أحمدته أي نزلت به و فرعت أرض بني فلان أي جَوَّلت فيها فعلمت عِلْمها.
و فارعة الطريق: حواشيه. و تفرعت بني فلان: تزوّجت في الذُروة منهم و السَنام.
و كذلك تذرَّيتهم و تنصَّيتهم. و المُفْرَع:
الطويل من كل شي‏ء.
و
روي عن الشعبي أنه قال: كان شُرَيح يجعل المدبَّر من الثُّلُث، و كان مسروق يجعله فارعاً من المال.
قال شمر: قال أبو عدنان: قال بعض بني كلاب: الفارع: المرتفع العالي الهي‏ء الحسن. و كذلك الفاع من كل شي‏ء.
عمرو عن أبيه يقال: أفرع العروسَ إذا قضى حاجته من غشيانه إياها. و أفرعت الفرس إذا كبحتَه باللجام فسال الدم.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
الفارع: العالي. و الفارع: المتسَفل. قال:
و فرعت إذا صعدت، و فرعت إذا نزلت.
فعر:
أهمله الليث. و قال ابن دريد: الفَعْر لغة يمانية، و هو ضرب النَبْت، زعموا أنه الهَيْشَر، و لا أَحُق ذاك.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: الفعر: أكل الفَعَارير، و هو صغار الذآنين.
قلت: و هذا يقوّي قول ابن دريد.
رفع::
قال اللَّه جلّ و عزّ في صفة القيامة:
خافِضَةٌ رافِعَةٌ
 [الواقعة: 3] قال الزجّاج:
المعنى: أنها تخفض أهل المعاصي و ترفع أهل الطاعة. و الرفع: ضد الخفض.
و
في الحديث: «إن اللَّه يرفع القِسْط و يخفض»
. قلت: و تأويله:- و اللَّه أعلم- أنه يرفع القِسْط- و هو العَدْل- فيُعليه على الجَوْر و أهله، و مرة يخفضه فيُظهر أهل الجَوْر على أهل العدل ابتلاء لخَلْقه. و هذا في الدنيا، و العاقبة للمتقين. و يقال: ارتفع الشي‏ء ارتفاعاً بنفسه إذا علا.
و قال ابن المظفَّر: بَرْق رافع: ساطع.
و أنشد:
صاح أ لم تَحزُنك ريح مريضة             و بَرْق تلألأ بالعقيقين رافع‏
قال: و المرفوع من سَيْر الفرس و البِرذَوْن دون الحُضْر و فوق الموضوع يقال: ارفع من دابَّتك، هكذا كلام العرب. و رَفُع الرجل يرفُع رَفَاعة فهو رفيع إذا شَرُف، و امرأة رفيعة. و الحمار يُرفِّع و في عَدوه ترفيعاً، أي عدا عَدْواً بعضه أرفع من بعض. و كذلك لو أخذت شيئاً فرفعت الأول فالأول قلت رفعته ترفيعاً.
و الرِّفعة: نقيض الذِلَّة.
و قال الأصمعي: رَفَعَ القوم فهم رافعون إذا أصعدوا في البلاد.
و قال الراعي:

216
تهذيب اللغة2

رفع ص 216

دعاهن داع للخريف و لم تَكُن             لهنّ بلاداً فانتجعن روافعا
أي مصعِدات، يريد: لم يَكن البلاد التي دعتهنّ لهنّ بلاداً. و الرُّفَاعة: شي‏ء تعظم به المرأة عَجِيزتها. و الجميع رفائع.
و قال الراعي:
عِرَاض القطا لا يتّخذن الرفائعا
القطا: الأعجاز و الأصل فيه قطاة الدابَّة.
و الرِّفاع: حَبْل القيد يأخذه المقيَّد بيده يرفعه إليه، حُكِي ذلك عن يونس النحويّ؛ و رفعت فلاناً إلى الحاكم أي قدَّمته إليه. و رفعت قِصَّتي: قدَّمتها.
و قال الشاعر:
و هم رفعوا في الطعن أبناء مَذْحج‏
أي قدَّموهم للحرب. و يقال للتي رفعت لبنها فلم تدُرّ: رافع، بالراء. و أما الدافع فهي الَّتي دفعت اللِبَأ في ضَرْعها.
و قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: رَفع البعير و رفعته أنا و هو السير المرفوع.
الحرّاني عن ابن السكيت قال: يقال: جاء زمنُ الرِّفاع و الرَّفاع إذا رُفع الزرع، حكاه عن أبي عمرو.
قال: و قال الكسائيّ: لم أسمع الرِّفاع، بالكسر. قال: و الرَّفَاع: أن يُحصِد الزرع و يُرفع.
و قال الفرّاء: في صوته رُفاعة و رَفَاعة إذا كان رفيع الصوت.
و يقال: رافعت فلاناً إلى الحاكم إذا قدَّمته إليه لتحاكمه.
و قال النابغة الذبيانيّ:
و رفَّعته إلى السِّجْفَين فالنضد
أي بلغت بالحَفْر و قدَّمته إلى موضع السجْفَين، و هما سِتْرا رُوَاق البيت.
قال: و هو من قولك: ارتفَع إليّ أي تقدم، قال: و ارفعه إلى الحاكم أي قدِّمه، و ليس من الارتفاع الذي هو بمعنى العُلُوّ.
قال ذلك كلَّه يعقوب بن السكيت، و أنشد قوله:
و هم رفعوا بالطعن أبناء مَذْحِج‏
و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «كل رافعة رفعت علينا من البلاغ فقد حرّمتها أن تُعْضَد أو تُخْبط إلا لعصفور قَتَب أو مَسَد مَحالَة».
قال عبد اللَّه بن مسلم: معنى‏
قوله: «كل رافعة رفعت علينا من البلاغ»
يريد: كلّ جماعة مبلّغة تبلّغ عنا و تذيع ما تقوله.
و هذا كما تقول: رفع فلان على العامل إذا أذاع خبره. و حُكي عنه أن كل حاكية حكت عنَّا و بلَّغت فلْتحكِ أني قد حرّمتها- يعني المدينة- أن يُعضد شجرها. و في «النوادر»: يقال: ارتفع الشي‏ء بيده و رفعه.
قلت: المعروف في كلام العرب: رفعت الشي‏ء فارتفع، و لم أسمع ارتفع واقعاً بمعنى رفع، إلا ما قرأته في «نوادر الأعراب».
ابن السكيت: إذا ارتفع البعير عن الهَمْلجة فذلك السير المرفوع، يقال: رفع البعيرُ يَرْفَع فهو رافع. و الروافع إذا رفعوا في‏

217
تهذيب اللغة2

رفع ص 216

سيرهم، و رفعت الدابَّة في سيرها. و دابة مرفوع.
 [باب العين و الراء مع الباء]
ع ر ب‏
عرب، عبر، ربع، رعب، برع، بعر:
مستعملات.
عرب:
قال ابن المظفّر: العَرَب العاربة:
الصريح منهم.
قال: و الأعاريب: جماعة الأعراب.
و قال غيره: رجل عربيّ إذا كان نسبه في العرب ثابتاً و إن لم يكن فصيحاً. و جمعه العَرَب؛ كما يقال: رجل مجوسيّ و يهوديّ، و الجمع بحذف ياء النسبة:
المجوس و اليهود. و رجل مُعْرِب إذا كان فصيحاً و إن كان عجميّ النسب. و رجل أعرابيّ- بالألف- إذا كان بدويّاً صاحب نُجْعة و انتواء و ارتياد للكلأ و تتبّع لمساقط الغيث، و سواء كان من العرب أو من مواليهم. و يجمع الأعرابيّ على الأعراب و الأعاريب. و الأعرابيّ إذا قيل له يا عربيّ فَرِح بذاك و هَشّ له. و العربيّ إذا قيل له:
يا أعرابيّ غضِب له. فمن نزل البادية أو جاور البادين و ظَعَنَ بظَعنهم و انتوى بانتوائهم فهم أعراب، و من نزل بلاد الريف و استوطن المدن و القُرَى العربية و غيرها مما ينتمي إلى العرب فهم عرب و إن لم يكونوا فصحاء.
و قول اللَّه جلّ و عزّ: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا
 [الحُجرَات:
14] هؤلاء قوم من بوادي العرب قدِموا على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة طمعاً في الصدقات لا رغبة في الإسلام، فسمَّاهم اللَّه الأعرابَ، و مثلهم الذين ذكرهم اللَّه في سورة البَحُوث: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً
 [التوبة: 97] الآية.
قلت: و الذي لا يفرق بين العرب و الأعراب و العربيّ و الأعرابيّ ربما تحامل على العرب بما يتأوّله في هذه الآية، و هو لا يميز بين العرب و الأعراب. و لا يجوز أن يقال للمهاجرين و الأنصار: أعراب، إنما هم عرب؛ لأنهم استوطنوا القُرَى العربية و سكنوا المُدُن، سواء منهم الناشى‏ء بالبَدْو ثم استوطن القرى و الناشى‏ء بمكة ثم هاجر إلى المدينة. فإن لحقت طائفةٌ منهم بأهل البَدْو بعد هجرتهم و اقتَنوا نَعَماً و رعَوا مساقط الغيث بعد ما كانوا حاضرة أو مهاجرة قيل: قد تعرّبوا أي صاروا أعراباً بعد ما كانوا عَرَباً.
و قال أبو زيد الأنصاريّ يقال: أعرب الأعجمي إعراباً، و تعرّب تعرُّباً و استعرب استعراباً كلّ هذا للأغْتَم دون الصبيّ.
قال: و أفصح الصبِيّ في منطقه إذا فهمت ما يقول أوّلَ ما يتكلم. و أفصح الأغتم إفصاحاً مثله. و يقال للعربي: أفصِحْ لي إن كنت صادقاً أي أَبِنْ لي كلامك.
قال: و يقال: عرَّبت له الكلام تعريباً و أعربته له إعراباً إذا بيَّنته له حتى لا يكون فيه حَضْرمة. قال: و فَصُح الرجل فَصَاحة و أفصح كلامُه إفصاحاً. قلت: و جعل اللَّه جلّ و عزّ القرآن المنزَّل على النبي المرسل محمد صلّى اللّه عليه و سلّم عربياً لأنه نَسَبه إلى العرب‏

218
تهذيب اللغة2

عرب ص 218

الذين أنزله بلسانهم، و هم النبي و المهاجرون و الأنصار الذين صيغة لسانهم لغة العرب في باديتها و قراها العربيّة.
و جعل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عربيّاً لأنه من صريح العرب. و لو أن قوماً من الأعراب الذين يسكنون البادية حضروا القُرَى العربية و غيرها و تَناءوْا معهم فيها سُمُّوا عرباً و لم يسمُّوا أعراباً. و يقال: رجل عربيّ اللسان إذا كان فصيحاً.
و قال الليث: يجوز أن يقال: رجل عَرَبانيّ اللسانيّ. قال: و العرب المستعربة هم الذين دخلوا فيهم بعد فاستعربوا. و قلت أنا: المستعربة عندي: قوم من العجم دخلوا في العرب فتكلموا بلسانهم و حَكَوا هَيئاتهم و ليسوا بُصَرحاء فيهم.
و قال الليث: تعرّبوا مثل استعربوا.
و كذلك قال أبو زيد الأنصاري. قلت:
و يكون التعرّب أن يرجع إلى البادية بعد ما كان مقيماً بالحَضَر فيلحَق بالأعراب.
و يكون التعرّب المُقام في البادية. و منه قول الشاعر:
تعرَّب آبائي فهلَّا وقاهم             من الموت رَمْلَا عالجٍ زَرُودِ
يقول: أقام آبائي بالبادية و لم يحضروا القُرَى.
و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «الثيب يُعْرب عنها لسانُها و البكر تُستأمَر في نفسها»
. و قال أبو عبيد: هذا الحرف جاء في الحديث: يُعْرِب، بالتخفيف.
و قال الفرّاء: إنما هو يُعرِّب، بالتشديد يقال: عرَّبت عن القوم إذا تكلمت عنهم و احتججت لهم. قلت: الإعراب و التعريب معناهما واحد، و هو الإبانة.
يقال: أعرب عنه لسانُه و عَرَّب أي أبان و أفصح. و يقال: أعرِبْ عما في ضميرك أي أبِنْ. و من هذا يقال للرجل إذا أفصح في الكلام: قد أَعْرب.
و منه قول الكميت:
وجدنا لكم في آل حاميمَ آيةً             تأوّلها مِنّا تَقِي و مُعْرِبُ‏
تقِيّ: يتوقّى إظهاره حِذارَ أن يناله مكروه من أعدائكم. و معرب أي مفصح بالحق لا يتوقّاهم. و الخطاب في هذا لبني هاشم حين ظهروا على بني أميَّة، و الآية قوله جلّ و عزّ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ [الشّورى: 23].
و أمَّا
حديث عمر بن الخطاب: «ما لكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس ألَّا تعرِّبوا عليه»
فليس هذا من التعريب الذي جاء في خبر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و إنما هو من قولك: عرَّبت على الرجل قولَه إذا قبَّحته عليه.
قال أبو عبيد: و قال الأصمعي و أبو زيد الأنصاريّ في قوله: «ألَّا تعربوا عليه» معناه: ألَّا تفسدوا عليه و لا تقبّحوه.
و منه قول أوس بن حَجَر:
و مثل ابن عَثْم إن ذُحول تُذُكّرت             و قتلى تِيَاسٍ عن صِلاح تعرِّب‏
و يروى: يعرّب. يعني أن هؤلاء الذين‏

219
تهذيب اللغة2

عرب ص 218

قُتِلوا منا و لم نتَّئر بهم و لم نقتل الثأر إذا ذكر دماؤهم أفسدت المصالحة و منعتْنا عنها. و الصِلَاح: المصالحة.
و أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: التعريب التبيين في قوله: «الثيب تُعرِب عن نفسها». قال:
و التعريب: المَنْع في قول عمر: «ألا تعربوا» أي لا تمنعوا. و كذلك قوله: «عن صِلَاح تعرب» أي تمنع. قال: و التعريب:
الإكثار من شرب العَرَب، و هو الماء الكثير الصافي. قال: و التعريب: أن يتَّخذ فرساً عربيّاً. قال: و التعريب: تمريض العَرِب، و هو الذرِب الَمعِدة.
و قال أبو عبيد: و قد يكون التعريب من الفُحْش، و هو قريب من هذا المعنى.
و قال ابن عباس في قول اللَّه جلّ و عزّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ [البَقَرَة: 197]:
و هو العرَابة في كلام العرب. قال:
و العِرَابة كأنه اسم موضوع من التعريب، و هو ما قبح من الكلام يقال منه: عرّبت و أعربت. و منه حديث عطاء: أنه كره الإعراب للمُحْرِم. و قال رؤبة يصف نساء يجمعن العَفَاف عند الغرباء و الإعراب عند الأزواج، و هو ما يستفحش من ألفاظ النكاح و الجماع فقال:
و العُرْبُ في عفافة و إعراب‏
و هذا كقولهم: خير النساء المتبذِلة لزوجها، الخِفرة في قومها، و العُرُب:
جمع العَرُوب من قول اللَّه جلّ و عزّ:
عُرُباً أَتْراباً
 [الواقعة: 37] و هن المتحبّبات إلى أزواجهنّ. و قيل: العُرُب الغَنِجات.
و قيل: العُرُب المغتَلمات، و كلّ ذلك راجع إلى معنى واحد.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي:
العَرُوب من النساء: المطيعة لزوجها المتحبّبة إليه. قال: و العَرُوب أيضاً:
العاصية لزوجها، الخائنة بفرجها، الفاسدة في نفسها. و أنشد:
فما خلفٌ من أم عمران سَلْفَعٌ             من السود ورهاءُ العنان عَروبُ‏
و قال مجاهد في قول اللَّه جلّ و عزّ: عُرُباً أَتْراباً
 قال: عواشق، و قال غيره: هي الشكلات بلغة أهل مكَّة، و المَغْنوجات بلغة أهل المدينة.
و قال أبو عبيد: العَرِبة مثل العَرُوب في صفات النساء.
و قال أبو زيد الأنصاريّ: فعلت كذا و كذا فما عرَّب عليَّ أحد أي ما غيَّر عليَّ أحد.
و قال شمر: التعريب: أن يتكلم الرجل بالكلمة فيُفحش فيها أو يخطى‏ء فيقول له الآخر: ليس كذا و لكنه كذا للذي هو أصوب، أراد معنى‏
حديث عمر: «ألَّا تعربوا عليه»
. قال شمر: و العِرْب مثل الإعراب من الفحش في الكلام.
أبو عبيد عن أبي زيد: عرِبتْ مَعِدته عَرَباً و ذرِبت ذَرباً فهي عَرِبة و ذَرِبة إذا فسدت.
قلت: و يحتمل أن يكون التعريب على من يقول بلسانه المنكر من هذا لأنه يفسد عليه كلامه كما فسدت مَعِدته.
و قال الليث: العَرَب: النشاط و الأَرَن.

220
تهذيب اللغة2

عرب ص 218

و أنشد:
كل طِمِرٍّ غَذَوانٍ عَرَبُهْ‏
و يروى: عَدَوان. و قال الأصمعي:
العِرْب: يبيس البُهْمَى و الواحدة عِرْبة و التعريب: تعريب الفرس، و هو أن يُكْوَى على أشاعر حافره في مواضع ثم يُبْزغ بمبزَغ بَزْغاً رقيقاً لا يؤثّر في عَصَبه ليشتدّ أَشْعره. قلت: و أشاعر الفرس: ما بين حافره و منتهى شعر أرساغه. و رجل مُعْرِب: معه فرس عربيّ. و فرس مُعْرِب:
إذا خلصت عربيَّته. و قال الجعديّ:
و يصهل في مثل جوف الطوِيّ             صهيلًا تبيَّنَ للمُعْرِب‏
أبو عبيد عن الكسائيّ: المعرب من الخيل: الذي ليس فيه عِرْق هجين، و الأنثى مُعْرِبة.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: قال:
العَبْرَب: السُمَّاق. قال: و قِدْر عَرَبْرَبِيَّة و هي السُمَّاقيَّة. و العَرُوبة: يوم الجمعة.
و كان يقال له في الجاهلية: يوم العَرُوبة، و العَرَاب: حَمْل الخَزَم، و هو شجر يُفتل من لِحَائه الحِبَال، و الواحدة عَرَابة، تأكله القرود و ربما أكله الناس في المجاعة.
و عرِب السَنَامُ عَرَباً إذا ورم و تفتَّح.
و يقال: ما في الدار عرِيب أي ما بها أحد. و العُرَيب: تصغير العرب. و يقال:
ألقى فلان عَرَبُونه إذا أحدث. و عرِيب:
حيّ من اليمن.
و قال الفرّاء: أعربت إعراباً و عرَّبت تعريباً إذا أعطيت العُربان. قلت: و يقال له:
العَرْبون.
و
رُوي عن عطاء أنه كان ينهى عن الإعراب في البيع.
و قال شمر: الإعراب في البيع: أن يقول الرجل للرجل: إن لم آخذ هذا البيع بكذا فلك كذا و كذا من مالي.
و قال أبو زيد: عرِب الجرح عَرَباً و حبِط حَبَطاً إذا بقيت له آثار بعد البُرْء.
و العَرَبات: طريق في جبل بطريق مصر.
و اختلف الناس في العرب أنهم لِمَ سُمُّوا عرباً.
فقال بعضهم: أول من أنطق اللَّه لسانه بلغة العرب يَعْرُب بن قَحْطان و هو أبو اليَمَن، و هم العرب العاربة. و نشأ إسماعيل بن إبراهيم صلى اللَّه عليهما معهم فتكلم بلسانهم، فهو و أولاده العرب المستعرِبة.
و قال آخرون: نشأ أولاد إسماعيل بعَرَبة و هي من تِهامة فنُسِبوا إلى بلدهم.
روينا عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «خمسة أنبياء من العرب. و هم: إسماعيل، محمد، شعيب، صالح، هود صلّى اللَّه عليهم»
. و هذا يدلّ على أن لسان العرب قديم.
و هؤلاء الأنبياء كلهم كانوا يسكنون بلاد العرب. فكان شُعيب و قومه بأرض مَدْيَن.
و كان صالح و قومه ثمود ينزلون بناحية الحِجْر.
و كان هود و قومه- و هم عاد- ينزلون الأحقاف من رمال اليمن. و كانوا أهل عَمَد.
و كان إسماعيل بن إبراهيم و النبي‏

221
تهذيب اللغة2

عرب ص 218

المصطفى محمد صلى اللَّه عليهما من سُكّان الحَرَم. و كلّ من سكن بلاد العرب و جزيرتها و نطق بلسان أهلها فهم عَرَب:
يَمَنُهم و مَعَدّهم. و الأقرب عندي أنهم سُمّوا عرباً باسم بلدهم: العَرَبات.
و قال إسحاق بن الفرج: عَرَبة: باحة العرب، و باحة دار أبي الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام. قال: و فيهما يقول قائلهم:
و عَرْبة أرض ما يُحِلّ حرامَها             من الناس إلّا اللوذعيُّ الحُلاحل‏
يعني النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أحِلت له مكَّةُ ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة.
قال: و اضطُرّ الشاعر إلى تسكين الراء من عَرَبة فسكَّنها.
و أنشد قول الآخر:
و رُجّت باحة العَرَبات رَجاً             ترقرقُ في مناكبها الدماء
كما قال: و أقامت قريش بعرَبة فتَنَّخَتْ بها و انتشر سائر العرب في جزيرتها، فنُسبوا كلهم إلى عَرَبة؛ لأن أباهم إسماعيل صلّى اللّه عليه و سلّم بها نشأ (و ربل أي كثر أولاده) فيها فكثروا. فلمَّا لم تحتملهم البلاد انتشروا و أقامت قريش بها.
و
روينا عن أبي بكر الصديق أنه قال:
قريش هم أوسط العرب في العرب داراً، و أحسنه جِواراً و أعربه ألْسنة.
و
قال قتادة: كانت قريش تجتبي- أي تختار- أفضل لغات العرب، حتى صار أفضل لغاتها لغة لها فنزل القرآن بها.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال:
العرَّاب: الذي يعمل العرابات، واحدتها عرابة، و هي شُمُل ضُرُوعِ الغنم.
قال: و العَرِيبة: الغريبة من الإبل و غيرها.
و روى أبو العباس عنه أيضاً أنه قال:
العَرَبة: النفْس.
قال: و عَرِب الرجل إذا غرِق في الدنيا.
و عَرِب إذا فصُح بعد لُكْنة في لسانه.
رعب:
قال ابن المظفر: الرُّعْب: الخوف.
و تقول رَعَبت فلاناً رَعْباً و رُعْبَاً لغتان فهو مرعوب و رَعِيب. و رعَّبته فهو مُرَعَّب، و هو مُرْتَعِب أي فزِع.
قال: و الحَمَام الراعِبيّ يُرعّب في صوته ترعيباً، و هو شدّة الصوت تقول: إنه لشديد الرعْب.
و قال رؤبة:
و لا أجيب الرَّعْب إن دعيتُ‏
و يروى:
.. إن رُقيت‏
. أراد بالرَّعْب الوَعِيد، إن رُقِيتُ: أي خُدعت بالوعيد لم أنَقَدْ و لم أخَف. أبو عبيد: الترْعيب: السَنَام المقطَّع.
و قال شمر: ترعيبه: ارتجاجه و سِمَنه و غِلظه، كأنه يرتجّ من سمنه.
و يقال: أطعَمنا رُعبُوبة من سَنَام عنده.
و هو الرُّعَيْب. و كأن الجارية قيل لها:
رُعْبُوبة من هذا.
و قال الليث: جارية رُعْبوبة: تارّة شَطْبة.
و يقال: رُعْبوب. و الجميع الرعابيب.
و قال الأصمعيّ: الرُّعْبُوبة: البيضاء.
و أنشد الليث:

222
تهذيب اللغة2

رعب ص 222

ثم ظلِلنا في شواء رُعْبَبه             مُلَهْوَج مثل الكشى نُكَشِّبُه‏
و قال غيره: يقال لأصل الطلعة: رُعْبُوبة أيضاً.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: جاءنا سيل راعب و قد رعب الواديَ إذا ملأه- بالراء- و أمَّا الزاعب فهو الذي يَدْفع بعضُه بعضاً.
و قال الليث: التِّرْعابة: الفَرُوقة.
أبو العباس عن عمرو عن أبيه قال:
المَرْعَبة: القَفْرة المُخيفة.
برع:
أبو عبيد: البارع: الذي قد فاق أصحابه في السُودَد. و قد بَرَع يَبْرُع وَ بَرُع يَبْرُع براعة فهو بارع.
و قال غيره: فلان يتبرَّع بالعطاء أي يتفضّل بما لا يجب عليه.
و قال ابن الأعرابي: البَرِيعة: المرأة الفائقة الجمال و العقل.
و قال غيره: يقال: بَرَعه و فَرَعه إذا علاه و فاقه و كلّ مُشْرِف بارعٌ فارع.
ربع:
في الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم مرّ بقوم يَرْبَعُون حجراً فقال: «عُمّال اللَّه أقوى من هؤلاء».
و في بعض الحديث: «يَرْتَبِعون حجراً».
قال أبو عبيدة: الرَّبْع: أن يشال الحَجَرُ باليد، يُفعل ذلك لِتعرف به شدَّة الرجل.
يقال ذلك في الحجر خاصَّة. قال: و قال الأمويّ مثلَه في الرَّبْع.
و قال: المِربَعة: عَصاً يحمل بها الأثقال حتى توضع على ظهور الدوابّ.
و أنشدنا:
أين الشِظاظان و أين المِرْبَعَهْ             و أين وَسْقُ الناقة الجَلَنْفَعَهْ‏
ابن السكيت: رابعت الرجل إذا رفعت معه العِدْل بالعصا على ظهر البعير.
و قال الراجز:
يا ليت أم العَمْر كانت صاحبي             مكانَ من أنشا على الركائب‏
و رابعتني تحت ليل ضارب             بساعد فَعْم و كفّ خاضِب‏

و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال لعديّ بن حاتم قبل إسلامه: «إنك تأكل المِرْباع و هو لا يَحِلّ في دينك».
قال أبو عبيد: المِرْباع: شي‏ء كانوا في الجاهلية، يغزو بعضهم بعضاً، فإذا غنموا أخذ الرئيس ربع الغنيمة فكان خالصاً له دون أصحابه.
و قال عبد اللَّه بن عَنَمة:
لك المرباع فيها و الصفايا             و حكمك و النَشِيطة و الفُضُول‏
و قال غيره: رَبَعت القوم أَرْبَعهم رَبْعاً إذا أخذت ربع أموالهم أو كنت لهم رابعاً.
و الرَّبْع أيضاً: مصدر رَبَعت الوَتَر إذا فتلته على أربع قُوًى.
و يقال: وَتَر مربوع. عمرو عن أبيه:
الرُوميّ: شِرَاع السفينة الفارغة، و المُرْبع:
شراع المَلأَى. قال: و المتلمِّظة: مقعد الاستيام و هو رئيس الركّاب.
أبو عبيدة عن الأصمعيّ: الرَّبْع: هو الدار بعينها حيث كانت. و المَرْبَع: المنزل في الربيع خاصَّة.

223
تهذيب اللغة2

ربع ص 223

و قال شمر: الرُّبُوع: أهل المنازل أيضاً.
و قال الشماخ:
تصيبُهمُ و تخطئني المنايا             و أَخْلُف في رُبُوع عن ربوع‏
أي في قوم بعد قوم.
و قال الأصمعي: يريد: في ربع من أهلي أي في مسكنهم بعد ربع.
و قال أبو مالك: الربع مثل السَكْن و هما أهل البيت. و أنشد:
فإن يك رَبْع من رجالي أصابهم             من اللَّه و الحَتْم المُطل شَعُوب‏
و قال ابن الأعرابي: الرَّبَّاع: الرجل الكثير شِرَى الرُّبُوع، و هي المنازل.
و قال شمر: الربع يكون المنزل، و أهلَ المنزل.
قال: و أمَّا قول الراعي:
فعُجنا على رَبْع بربع تعوده             من الصيف حَشَّاء الحنين نَئُوج‏
فإن الربع الثاني طَرَف الجبل. و الرِّبْع من أظماء الإبل: أن ترد الماءَ يوماً و تدعه يومين ثم ترد اليوم الرابع. و إبل روابع، و قد وردت رِبْعاً. و أربع الرجلُ إذا وردت إبله رِبْعاً. و الرِّبْع: الحُمَّى التي تأخذ كل أربعة أيّام، كأنه يُحَمّ فيهما ثم يحمّ اليومَ الرابع. يقال: رُبع الرجل و أُرْبع.
و قال الهذليّ:
من المُرْبِعِين و من آزل             إذا جَنَّه الليل كالناحط
أبو حاتم عن الأصمعيّ: أربعت الْحُمَّى زيداً إذا أخذته رِبْعاً، و أغَبَّته إذا أخذتْه غِبَّاً. و رجل مُغِبّ و مُرْبِع- بكسر الباء- و أنشد:
من المربِعين و من آزل‏
بكسر الباء، فقيل له: لِمَ قلت: أربعت الحُمَّى زيداً. ثم قلت: من المُرْبِعين؟
فجعلته مرَّة مفعولًا و مرَّة فاعلًا، فقال:
يقال: أَرْبَع الرجلُ أيضاً.
أبو عبيد عن الكسائي: يقال: أربعت عليه الحُمَّى و من الغِبّ: غَبّت. قلت: كلام العرب: أربعت عليه الحُمَّى، و الرجُل مُرْبَع، بفتح الباء.
و قال الأصمعيّ أيضاً: يقال: أَرْبع الرجلُ فهو مُرْبع إذا وُلِد له في فَتَاء سِنه. و ولده رِبْعيّون.
و قال الراجز:
إن بنِيَّ غِلْمة صِيْفِيّونْ             أفلح مَن كان له رِبعيّون‏
و قال ابن السكيت: يقال: قد رَبَع الرجل يَرْبَع إذا وقف وَ تحبَّس.
و قال الليث: يقال: اربَعْ على ظَلْعك، وَ اربَعْ على نَفْسك وَ اربع عليك، كل ذلك وَاحد معناه: انتظر. وَ قال الأحوص:
ما ضرّ جيراننا إذا انتجعوا             لو أنهم قبل بينهم رَبَعوا
وَ قال آخر:
أَرْبَع عند الورود في سُدُم             أنقع من غُلَّتي وَ أجزاؤها
قال: معناه: أُلقي في ماء سُدُم وَ ألهج فيه.

224
تهذيب اللغة2

ربع ص 223

وَ
في صفة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه كان أطول من المربوع وَ أقصر من المشذَّب.
فالمشذَّب:
الطويل البائن. وَ المربوع: الذي ليس بطويل وَ لا قصير. و كذلك الرابعة فالمعنى: أنه لم يكن مُفْرِط الطول، وَ لكن كان بين الرَّبْعة وَ المشذَّب. وَ المربوع من الشعْر: الذي ذهب جزء من ثمانية أجزاء من المديد و البسيط التامّ. وَ المثلوث:
الذي ذَهَب جزءان من ستة أجزاء.
و الرَّبْعة: الجوفة. وَ يقال: رجل رَبْعة وَ امرأة رَبْعة وَ رجال وَ نساء رَبَعات بتحريك الباء وَ خولف به طريق ضَخْمة وَ ضَخَمات لاستواء نعت الرجل و المرأة في قولك:
رجل رَبْعة وَ امرأة رَبعة فصار كالاسم، و الأصل في باب فَعْلة من الأسماء مثل تَمْرة و جَفْنة أن يجمع على فَعَلات مثل تَمرات و جَفَنات، وَ ما كان من النعوت على فَعْلة مثل شاة لَجْبَة و امرأة عَبْلة أن يجمع على فَعْلات بسكون العين. وَ إنما جمع رَبْعة على رَبَعات و هو نعت لأنه أشبه الأسماء لاستواء لفظ المذكّر و المؤنّث في وَاحده.
وَ قال الفرّاء: من العرب من يقول: امرأة رَبْعة وَ نسوة رَبْعات، و كذلك رجل رَبْعة و رجال رَبْعُون، فيجعله كسائر النعوت وَ يقال: ارتبع البعيرُ يرتبع ارتباعاً، و الاسم الرَّبعة، و هو أشدّ عَدْو البعير.
و أنشد الأصمعيّ لبعض الشعراء:
و اعرورت العُلُطَ العُرْضِيّ تركضه             أُمّ الفوارس بالدِئداء وَ الرَّبعَهْ‏
وَ قال أبو يحيى بن كُناسة في صفة أزمنة السنة وَ فصولها- وَ كان علَّامة بها-: اعلم أن السنة أربعة أزمنة: الربيع الأوَل، وَ هو عند العامَّة: الخريف. ثم الشتاء ثم الصيف، وَ هو الربيع الآخر، ثم القَيْظ.
قال: وَ هذا كله قول العرب في البادية.
قال: وَ الربيع الأوَّل الذي هو الخريف عند الفرس يدخل لثلاثة أيام من أيلُول. قال وَ يدخل الشتاء لثلاثة أيام من كانون الأول، قال: وَ يدخل الصيف الذي هو الربيع عند الفُرس لخمسة أيام تخلو من آذار، و يدخل القيظ الذي هو صيف عند الفرس لأربعة أيام تخلو من حَزِيران.
قال أبو يحيى: و ربيع أهل العراق موافق لربيع الفُرْس، و هو الذي يكون بعد الشتاء. و هو زمان الوَرْد، وَ هو أعدل الآوِنة، وَ فيه تُقْطَع العُرُوق، وَ يُشرب الدوَاء.
قال: وَ أهل العراق يُمطَرون في الشتاء كله، وَ يُخصِبون في الربيع الذي يتلو الشتاء، وَ أما أهل اليمن فإنهم يُمطَرون في القَيْظ وَ يُخْصبون في الخريف الذي يسمّيه العرب الربيع الأول.
قلت: و سمعت العرب تقول لأول مطر يقع بالأرض أيام الخريف: ربيع، و يقولون: إذا وقع ربيع بالأرض بعثنا الرواد و انتجعنا مساقط الغيث. و سمعتهم يقولون للنخيل إذا خُرِفت و صُرمت: قد تربَّعت النخيلُ، و إنما سمّي فصل الخريف خريفاً لأن الثمار تُخترَف فيه، و سمته العرب ربيعاً لوقوع أول المطر فيه. و يقال للفَصِيل الذي يُنْتَج في أول النتاج: رُبَع‏

225
تهذيب اللغة2

ربع ص 223

و جمعه رباع. و منه قول الراجز:
و علبة نازعتها رِبَاعي‏
سُمِّي رُبعاً لأنه إذا مَشَى ارتفع و رَبَع أي وَسَّع خَطْوه و عَدَا. و رِبْعِيّ كل شي‏ء:
أوله: رِبْعيّ الشباب و رِبْعِيّ النِّتَاج. يقال سَقْب رِبْعيّ، و سِقاب رِبْعِيَّة: وُلِدت في أول النِتاج. و قال الأعشى:
و لكنها كانت نوًى أجنبيَّة             توالي ربِعيّ السقاب فأصحبا
هكذا سمعت العرب تنشِده. و فسّروا لي توالي السقاب أنه من الموالاة، و هو تمييز شي‏ء من شي‏ء، يقال: و الينا الفِصْلان عن أمّهاتها فتوالت، أي فصلناها عنها عند تمام الحول. و يشتد الموالاة و يكثر حَنِينها في أثر أمّهاتها، و يُتَّخذ لها خَنْدق تحبس فيها، و تُسَرَّح الأمهات في وجه من مراتعها. فإذا تباعدت عن أولادها سُرِّحت الأولاد في جهة غير جهة الأمَّهات فترعى وحدها فتستمرّ على ذلك و تُصْحِب بعد أيام. أخبر الأعشى أن نَوَى صاحبتِه اشتدَّت عليه فحنَّ إليها حَنينَ رِبْعيّ السقاب إذا وُولي عن أمّه، و أخبر أن هذا الفَصيل يستمرّ على الموالاة و يُصحِب، و أنه دام على حنينه الأول و تمَّ عليه و لم يُصحب إصحاب السَقْب. و إنما فسرت هذا البيت لأن الرواة لمَّا أشكل عليهم معناه تخبّطوا في استخراجه و خلّطوا و لم يعرفوا منه ما يَعرف مَن شاهد القوم في باديتهم، و العرب تقول: لو ذهبت تريد وِلاء ضَبَّة من تميم لتعذَّر عليك موالاتهم منهم لاختلاط أنسابهم. و قال الشاعر:
و كنا خُلَيطى في الجمال فأصبحت             جِمالي تُوالَى وُلَّهاً من جمالِكِ‏
تُوالى أي تُمَيَّز منها. و جاء
في دعاء الاستسقاء: «اسقنا غيثاً مَرِيعاً مُرْبِعاً»
. فالمَريع: المُخْصِب الناجع في المال.
و المُرْبِع: المُغْني عن الارتياد لعمومه و أن الناس يربعون حيث كانوا فيقيمون للخِصْب العامّ. و قال ابن المظفر: يقال:
أَرْبعت الناقةُ إذا استغلق رحمُها فلم تَقبل الماء. ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء: يُجمع ربيع الكلأ و ربيع الشهور أَرْبِعة. و يجمع ربيع النهر أَرْبِعاء. قال: و العرب تذكر الشهور كلها مجرَّدة إلا شهري ربيع و شهر رمضان. و في الحديث في المزارعة قال:
 «و يشترط ما سَقَى الرَّبيع» يريد النهر، و هو السَعِيد أيضاً. أبو عبيد عن الفرّاء: الناس على سَكَناتهم و نَزَلاتهم و رِبَاعتهم و رَبَعاتهم يعني على استقامتهم. و قال الأصمعيّ:
يقال: ما في بني فلان أحد يُغْني رِبَاعتُه غير فلان كأنه أمره و شأنه الذي هو عليه.
قال الأخطل:
ما في معدّ فتى يغني رِبَاعَتُه             إذا يهمّ بأمر صالح فَعَلا
اللِّحيانيّ: قعد فلان الأُرْبَعاء و الأَرْبُعَاوَى أي متربّعاً. ثعلب عن ابن الأعرابي قال:
الخيل تُثْنِي و تُرْبِعُ و تُقْرِح، و الإبل تُثْني و تُرْبِع و تُسْدِس و تبزُل، و الغنم تُثني و تُربِعُ و تُسْدِس و تَصْلُغ. قال و يقال للفرس إذا استتمَّ سنتين: جَذَع. فإذا استتمّ الثالثة فهو ثَنِيّ، و ذلك عند إلقائه رواضعه. فإذا استتمّ الرابعة فهو رَبَاعٍ. قال: أثنى إذا

226
تهذيب اللغة2

ربع ص 223

سقطت رواضعه و نبت مكانه سِنّ. فنبات تلك السِنِّ هو الإثناء. ثم تسقط التي تليها عند إرباعه فهي رَبَاعِيته فتنبت مكانها سِنّ فهو رَبَاعٌ و الجميع رُبْع و أكثر الكلام رَبَع و أرباع. فإذا حان قُرُوحه سقط الذي يلي رباعيته فينبت مكانه قارِحُه و هو نابه، و ليس بعد القروح سقوط سنّ و لا نبات سنّ. و قال غيره: إذا طعن البعير في السنة الخامسة فهو جَذَع، فإذا طَعَن في السادسة فهو ثَنِيّ، فإذا طَعَن في السابعة فهو رَبَاعٍ، و الأنثى رَبَاعية فإذا طعن في الثامنة فهو سدوس و سدِيس، فإذا طعن في التاسعة فهو بازل. و قال ابن الأعرابي: تُجْذِع العَنَاق لسنة و تُثْني لتمام سنتين، و هي رَبَاعية لتمام ثلاث سنين و سَدَس لتمام أربع سنين صالغ لتمام خمس سنين. و قال أبو فَقْعس الأسَديّ: وَلَد البقرة أوَّلَ سنة تبِيع، ثم جَذَع، ثم ثنِيّ، ثم رباعٍ، ثم سَدَس، ثم صالغ. و هو أقصى أسنانِه، روى ذلك أبو عبيد عنه. و قال الأصمعيّ:
للإنسان من فوق ثَنيَّتان و رباعِيتان بعدهما و نابان و ضاحكان و ستة أرحاء من كل جانب و ناجِذان و كذلك من أسفل. و قال أبو زيد: يقال لكل خُفّ و ظِلْف ثنيَّتان من أسفل فقط. و أمّا الحافر و السِبَاع كلها فلها أربع ثنايا. و للحافر بعد الثنايا أربع رَباعِيات و أربعة قوارح و أربعة أنياب و ثمانية أضراس. الليث: يوم الأربعاء بكسر الباء ممدود. و منهم من يقول:
أربَعاء بنصب الباء، و أربعاوان و أَرْبعاوات، حمل على قياس قصباء و ما أشبهها. و من قال: أَرْبِعاء حمله على أسعِداء. و يقال: رُبِعت الأرض فهي مربوعة إذا أصابها مطر الربيع. و أنشد غيره:
بأفنان مربوع الصَرِيمة مُعْبِل‏
قال: و الربيعة: بَيْضة السلاح. و كذلك قال ابن الأعرابي و مرابيع النجوم: التي يكون بها المطر في أول الأنواء. و قال أبو زيد: استربع الرملُ إذا تراكم فارتفع.
و أنشد:
مستربع من عَجَاج الصيف منخول‏
ابن السكيت: ربيع رابع إذا كان مُخْصِباً.
و استربع البعيرُ للسَيْر إذا قَوِي عليه.
و رجل مستربع بعمله أي مستقِل به قويّ عليه. و قال أبو وَجْزة:
مستربع بسُرَى الموماة هيَّاج‏
و أما قول صخر:
كريم الثنا مستربع كل حاسد
فمعناه: أنه يَحمل حسده و يقدر عليه.
و هذا كله من رَبْع الحجر و إشالته.
و تربعت الناقة سَنَاماً طويلًا أي حملته:
و أما قول أبي وجزة:
حتى إذا ما إيالات جرت بُرُحاً             و قد رَبَعن الشَوَى من ماطرٍ ماج‏
فإن معنى رَبَعن: أَمْطَرن من قولك: ربُعنا أي أصابنا مطر الربيع. و أراد بقوله: (من ماطر) أي من عَرَق (ماج): مِلْح. يقول:
أمطرت قوائمهن من عرقهنّ. و المرتَبِع من الدوابّ: الذي رعى الربيع فسمِن و نشِط، و يقال: تربّعنا الحَزْن و الصَمَّان أي رعينا بقُولها في الشتاء. و تربت الإبلُ بمكان‏

227
تهذيب اللغة2

ربع ص 223

كذا أي أقامت به و أنشدني أعرابيّ:
تربَّعت تحت السُمِيّ الغُيَّمِ             في بلد عافى الرياض مُبْهِم‏
عافى الرياض أي رياضه عافية لم تُرع.
مُبْهِم: كثير البُهْمَى. و أمّا قول الشاعر:
يداك يد ربيع الناس فيها             و في الأخرى الشهور من الحرام‏
فإنه أراد أن خصِب الناس في إحدى يديه لأنه يَنْعَش الناس بسَيْبه، و أن في يده الأخرى الأمن و الحِيطة و رَعْي الذِمام.
و أمّا قول الفرزدق:
أظنّك مفجوعاً برُبْع منافق             تلبّسَ أثواب الخيانة و الغَدْر
فإنه أراد أن يمينه تقطع فيذهب ربع أطرافه الأربعة. و أما قول الجعديّ:
و حائل بازل تربَّعت الصي             ف طويلَ العِفاء كالأُطُم‏
فإنه نصب الصيف لأنه جعله ظرفاً، أي تربَّعت في الصيف سَنَاماً طويل العَفَاء أي حملتْه، فكأنه قال: تربَّعت سَنَاماً طويلًا كثير الشحم. و قال ابن السكيت في قول لبيد يصف الغيث:
كأنَّ فيه لما ارتفقْتُ له             رَيْطاً و مِرْباع غانِم لَجَبا
قال: ذكر السحاب. و الارتفاق: الاتّكاء على المرفق. يقول: اتكأت على مَرْفِقي أشيمه و لا أنام. شبَّه تَبوُّج البَرْق فيه بالرَيْط الأبيض. و الرَيْطة: مُلاءة ليست بملفَّقة. و أراد بمرباع غانم صوب رَعْده.
شبَّهه بمرباع صاحب الجَيش إذا عُزِل له رُبع النَّهْب من الإبل فتحانَّت عند الموالاة، فشبَّه صوت الرعد فيه بحنينها.
قال: و في بني عُقَيل رَبِيعتان: رَبِيعة بن عُقَيل، و هو أبو الخُلَعاء، و ربيعة بن عامر بن عُقَيل، و هو أبو الأبرص و قُحافة و عَرْعَرة و قُرّة. و هما ينسبان: الرِبيعيِّينِ.
و يقال لولد الناقة يُنْتَج في أول النتاج:
رُبَع، و الأنثى رُبَعة. و الجميع رِبَاع. و إذا نسب إليه فهو رُبَعيّ. و إذا نسب إلى الربيع قيل: ربيعيّ. و إذا نسب إلى ربيعةِ الفَرس فهو رَبعيّ. و اليرابيع: جمع اليَرْبوع.
و ترابيع المتن: لحمه، و لم أسمع لها بواحد. و قال ابن الأعرابيّ: الربَّاع:
الكثير شِرَى الرباع و هي المنازل. قال:
و الرَّبِيعة: الروضة. و الربيعة: المزادة.
و الربيعة بيضة الحرب. و الرَّبِيعة: العَتِيدة.
و الرَّبِيعَة: الحَجَر الذي يشال.
و أنشد الأصمعي قول الشاعر:
فوه ربيع و كفُّه قَدَح             و بطنه حين يتّكي شَرَبَهْ‏
يَسَّاقط الناس حوله مرضا             و هو صحيح ما إن به قَلَبَهْ‏

أراد بقوله: فوه ربيع أي نهر لكثرة شربه و جمعه أربِعاء. و منه‏
الحديث: إنهم كانوا يُكْرون الأرض بما ينبت على الأربعاء.
و قال ابن هانى‏ء: قال أبو زيد: يقال:
بيت أُرْبَعاواء على أفعلاواء، و هو البيت على طريقتين و ثلاث و أربع و طريقة واحدة، فما كان على طريقة فهو خِبَاء، و ما زاد على طريقة فهو بيت. و الطريقة:
العمد الواحد، و كل عمود طريقة و ما كان‏

228
تهذيب اللغة2

ربع ص 223

بين عمودين فهو مَتْن.
بعر:
البَعْر لكلّ ذي ظِلْف و لكل ذي خُفّ من الإبل و الشاء و بَقَر الوحش و الظباء، ما خلا البقر الأهلي فإنها تَخْثِي، و هو خِثْيها.
و الأرانب تَبْعَر أيضاً. و المِبعار: الشاة و الناقة تباعِر حالبها، و هو البِعار، و يُعدّ عيباً؛ لأنها ربما ألقت بَعَرها في المِخْلَب. و مباعر الشاء و الإبل: حيث تُلقى البَعَر مَنه، واحدها مَبْعَر. الأصمعي:
البعير من الإبل بمنزلة الإنسان: يقع على الجمل و الناقة إذا أجْذَعا. يقال: رأيت بعيراً، و لا تبالي ذكراً كان أو أنثى، و يجمع البعير أبعرة في الجمع الأقلّ، ثم أباعر و بُعراناً. و بنو تميم يقولون: بِعير، بكسر الباء. و شِعير، و سائر العرب يقولون: بَعير، و هو أفصح اللغَتَيْن.
و يجمع البعر أبعاراً. و هي البَعْرة الواحدة.
ثعلب عن ابن الأعرابي: البُعَيرة: تصغير البَعْرة و هي الغَضْبة في اللَّه عزّ و جلّ.
و قال أبو عمرو: البَعَر: الفَقْر التامّ الدائم. و قال ابن هانى‏ء: من أمثالهم:
أنت كصاحب البَعْرة. و كان من حديثه أن رجلًا كانت له ظِنَّة في قومه فجمعهم ليستبرئهم و أخذ بَعْرة، فقال: إني رام ببعرتي هذه صاحب ظِنَّتي. فجفَل لها أحدهم و قال: لا ترمني بها، فأقرَّ على نفسه، فذهبت مثلًا. يقال عنه المَزْرِبة على مَن أقرَّ على نفسه.
عبر:
قال اللَّه جلّ و عزّ: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ‏
 [يُوسُف: 43] سمعت المنذريّ يقول: سمعت أبا الهيثم يقول: العابر:
الذي ينظر في الكتاب فيعبُره أي يعتبر بعضه ببعض حتى يقع فهمُه عليه. و لذلك قيل: عَبَر الرؤيا، و اعتبر فلان كذا. و قال غيره: أُخذ هذا كله من العِبْر و هو جانب النهر. و فلان في ذلك العِبر أي في ذلك الجانب. و عبرت النهر و الطريق عُبُوراً إذا قطعته من هذا الجانب إلى ذلك الجانب، فقيل لعابر الرؤيا: عابر لأنه يتأمَّل ناحتي الرؤيا فيتفكر في أطرافها و يتدبّر كلّ شي‏ء منها و يَمضي بفكره فيها من أول ما رأى النائم إلى آخر ما رأى. و قال أبو العباس أحمد بن يحيى في قول اللَّه جلّ ذكره:
إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ‏
: دخلت اللام في قوله: لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ‏
: لأنه أراد: إن كنتم للرؤيا عابرين و إن كنتم عابرين الرؤيا، و تسمَّى هذه اللام لام التعقيب لأنها عقَّبت الإضافة. أبو عبيد عن أبي زيد: عَبَرت النهر و الطريق عُبُوراً، و عَبَرت الرؤيا عَبْراً و عِبارة. و استعْبرتُ فلاناً رؤياي، و عَبَرت الكتاب أعبُره عَبْرا إذا تدبّرته في نفسك و لم ترفع به صوتك. و
رُوي عن أبي رَزِين العُقَيلي أنه سمع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «الرؤيا على رِجْل طائر، فإذا عُبِّرت وقعت، فلا تقصّها إلا على وادّ أو ذي رأي».
قال الزجاج: إنما قال: لا تقصّها إلا على وادّ أو ذي رأي لأن الوادّ لا يجب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحبّ. و إن لم يكن عالماً بالعبارة لم يَعْجَل لك بما يَغُمّك، لا أن تعبيره يزيلها عمَّا جعلها اللَّه عليه.
و أما ذو الرأي فمعناه: ذو العلم بعبارتها، فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها، أو بأقرب ما يعلمه منها. و لعله أن يكون في تفسيرها

229
تهذيب اللغة2

عبر ص 229

موعظة ترْدعك عن قبيح أنت عليه، أو يكون فيها بُشرى، فتحمد اللَّه على النعمة فيها. و قال اللَّه عزّ و جلّ: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ
 [الحَشر: 2] أي تدبّروا و انظروا فيما نزل بُقريظة و النَضِير، فقايسوا أفعالهم و اتّعِظوا بالعذاب الذي نزل بهم. و قال أبو زيد: يقال: عَبِر الرجلُ يَعْبر عَبَراً إذا حزِن. و فَلان عُبْر أسفار إذا كان قوياً على السفر. و العُبْر أيضاً: الكثير في كل شي‏ء.
و رأى فلان عُبْر عينه في ذلك الأمر ما يُسْخِنُ عَيْنه. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العُبْر من الناس: القُلْف، واحدهم عَبُور. و العُبْر: السحائب التي تسير سَيْراً شديداً. و العُبْر: الثَكْلى. و العَبْر: الناقة القويَّة على السَفَر. و العُبْر: البكاء بالحزن، يقال: لأمّه العُبْر و العَبَر. قال:
و العِبَار: الإبل القويّة على السير، يقال للناقة هي عُبْر سَفَر.
أبو عبيد عن الكسائي: أعبرت الغنم إذا تركتَها عاماً لا تجزُّها. و غلام مُعْبَر إذا كاد أن يحتلم و لم يُخْتَن. و ناقة عِبْر أسفار: تُقطع الأسفار عليها بالكسر.
أبو عبيدة: العَبِير عند أهل الجاهلية:
الزعفران. و قال ابن الأعرابي: العَبِيرة:
الزعفرانة.
و قال الليث: العَبِير: ضرب من الطيب قال: و المَعْبَر: شطّ نهر هو للعبور.
و المِعْبرة: سفينة يعبَر عليها النهر. و عبّر فلان عن فلان تعبيراً إذا عَيّ بحجَّته فتكلم عنه بها. قال: و عبَّرت الدنانير تعبيراً إذا وزنتها ديناراً ديناراً. و أمَّا قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ‏
 فمعناه: إلا [النِّساء: 43] مسافرين؛ لأن المسافر قد يُعوزه الماء. و قيل: إلا مارين في المسجد غير مريدين الصلاة. و قال الليث: العِبْرة: الاعتبار بما مضى.
و الشعرى العَبُور، و هما شعريان. إحداهما الغُمَيضاء، و هو أحد كوكبي الذراعين.
و أمَّا العَبُور فهي مع الجوزاء تكون نيّرة.
سمّيت عُبُوراً لأنها عَبَرت المَجَرَّة و هي شأمية. و تزعم العرب أن الأخرى بكت على أثرها حتى غمِصَت فسمّيت الغُمَيصاء. و قال الليث: عَبْرة الدمع:
جَرْيه. قال: و الدمع نفسه يقال له: عَبْرة.
و منه قوله:
و إن شفائي عَبْرة إن سفَحتها
و رجل عَبْران و امرأة عَبْرى إذا كانا حزينين. أبو عبيد عن الأصمعيّ: من أمثالهم في عناية الرجل بأخيه و إيثاره إيَّاه على نفسه قوله: لك ما أبكي و لا عَبْرة بي، يضرب مثَلًا للرجل يشتدّ اهتمامه بشأن أخيه. و يقال: عبّر بفلان هذا الأمرُ إذا اشتدّ عليه. و منه قول الهذليّ:
ما أنا و السيرَ في مَتْلف             يعبّر بالذكر الضابط
و يقال: عَبَر فلان إذا مات فهو عابر، كأنه عبر سبيل الحياة. و أنشد أبو العباس:
فإن نَعْبُر فإن لنا لُماتٍ             و إن نغبُر فنحن على نذور
سَلمة عن الفراء: العَبَر: الاعتبار.
و العرب تقول: اللهم اجعلنا ممَّن يعبَر الدنيا و لا يعبُرها أي ممّن يعتبر بها

230
تهذيب اللغة2

عبر ص 229

و لا يموت سريعاً حتى يرضيك بالطاعة.
و قال الأصمعيّ: يقال في الكلام: لقد أسرعت استعبارك الدراهم أي استخراجك إيّاها. و يقال: عَبَرت الطير أعبُرها و أعبِرها إذا زجرتها. و قال ابن شميل:
عبرت متاعي أي باعدته. و الوادي يعبر السَيْل عنا أي يباعده. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العَبَّار: الجَمَل القويّ على السير. و المُعْبَر: التَيس الذي تُرك عليه شعره سنواتٍ فلم يُجَزّ. و قال بِشْر بن أبي خازم:
جَزيز القفا شبعان يربض حَجْرَةً             حديث الخصاء وارم العَفْل مُعْبَرُ
و قال اللحياني: العَبُور من الغنم: فوق العظيم من إناث الغنم. يقال: لي نعجتان و ثلاث عبائر. و غلام مُعْبَر إذا كبر و لم يُخْتن. و إنه لينظر إلى عَبَر عينه إذا كان ينظر إلى ما يُعْبِر عينه أي يُسْخِنها. و قال الأصمعي: العُبْريّ من السِدْر: ما كان على شطوط الأنهار. و قال اللحياني العُمْريّ و العُبْريّ من السِدر الذي يَشرب من المياه.
قال: و الذي لا يشرب من المياه و يكون بَرّيّاً يقال له الضال. و روى ابن هانى‏ء عن أبي زيد: يقال للسِدْر و ما عظم من العوسج: العُبْرِيّ. و قال أبو سعيد: العُبْريّ و العُمْريّ: القديم من السِدْر.
 [باب العين و الراء مع الميم‏]
ع ر م‏
عمر، عرم، رمع، رعم، مرع، معر:
مستعملات.
عمر:
قال اللَّه جلّ و عزّ في كتابه المنزل عليه:
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ‏
 [الحِجر:
72]
رَوَى أبو الجوزاء عن ابن عباس في قوله: لَعَمْرُكَ‏
 يقول: بحياتك. قال:
و ما أقسم اللَّه تعالى بحياة أحد إلّا بحياة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم.
و أخبر المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: النحويون ينكرون هذا، و يقولون:
معنى لَعَمْرُكَ‏
: لَدِينُك الذي تعمر.
و أنشد:
أيها المنكح الثريا سهيلًا             عَمْرَكَ اللَّه كيف يلتقيان‏
قال: عَمْرَك اللَّه أي عبادتك اللَّه، فنصب.
و أنشد:
عمركِ اللَّه ساعة حدثينا             و ذرِينا من قول مَن يؤذينا
فأوقع الفعل على اللهَ في قوله: عَمْرَك اللَّه.
قال: و تدخل اللام في (لعمرك)، فإذا أدخلتها رفعت بها فقلت: لَعَمْرُك، و لعمر أبيك. قال: فإذا قلت: لعمر أبيك الخير نصبت الخير و خفضت فمن نصب أراد أن أباك عَمرَ الخير يَعْمُره عَمْراً و عمارة، و نصب الخير بوقوع العَمْر عليه، و مَنْ خفض الخير جعله نعتاً لأبيك. أبو عبيد عن الكسائي: عَمْرَك اللَّه، لا أفعل ذاك نَصَب على معنى: عمَّرتك اللَّه أي سألت اللَّه أن يعمّرك، كأنه قال: عمَّرت اللَّه إياك.
قال: و يقال: بأنه يمين بغير واو.
و قد يكون عَمْرَ اللهِ، و هو قبيح قال:
و العَمْر و العُمر واحد. و سمّي الرجل عَمْراً تفاؤلًا أن يبقى. و عَمْرَك اللَّه مثل ناشدتك اللَّه.

231
تهذيب اللغة2

عمر ص 231

و قال أبو عبيد: سألت الفرّاء لِمَ ارتفع لَعَمْرُكَ
 [الحجر: 72] فقال: على إضمار قسم ثان، كأنه قال: و عَمْرِك فلعمرُك عظيم، و كذلك لحياتك مثله.
قال: و صدَّقَه الأحمر و قال: الدليل على ذلك قول اللَّه جلّ و عزّ: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ [النِّساء: 87] كأنه أراد:
و الله ليجمعنّكم فأضمر القَسَم. و قال أبو العباس أحمد بن يحيى: قال الأخفش في قوله: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ‏
: و عَيْشِك و إنما يريد به العُمْرُ.
و قال أهل البصرة: أضمر له ما يرفعه:
لعمرك المحلوفُ به. قال الفرّاء: الأَيمان يرفعها جواباتها: و قال: إذا أدخلوا اللام رفعوا. و قال المبرّد في قولك: عَمْرَ اللَّه:
إن شئت جعلت نصبه بفعل أضمرته، و إن شئت نصبته بواو حذفته: و عَمْرِكَ اللَّه. و إن شئت كان على قولك: عمّرتك اللَّه تعميراً، و نشدتُك اللَّه نَشْداً، ثم وضعت عمرك في موضع التعمير و أنشد فيه:
عَمْرتُكِ اللَّه إلّا ما ذكرتِ لنا             هل كنتِ جارتنا أيام ذي سَلَم‏
يريد: ذكّرتك. و قال الليث: تقول العرب: لعمرك، تحليف بعُمر المخاطَب.
قال: و قد نُهي عن أن يقال: لعمر اللَّه.
قال: و في لغة لهم: رَعَمْلُك يريدون:
لعمرك. قال: و تقول: إنك عمري لظريف. و أخبرني المنذري عن الحَرّانيّ عن ابن السكّيت قال: يقال: لعمرك و لعمر أبيك و لعمر اللَّه مرفوعة. قال:
و العَمْر و العُمْر لغتان فصيحتان، يقال: قد طال عَمْره و عُمره؛ فإذا أقسموا فقالوا:
لعَمرك و عمرِك و عمري فتحوا العين لا غير. قال: و أمَّا قول ابن أحمر:
ذهب الشباب و أَخلف العَمْر
فيقال: إنه أراد العُمر، و يقال: أراد بالعَمْر الواحدَ من عمور الأسنان و بين كل سِنَّين لحم متدلٍّ يسمّى العَمْر و جمعه عُمُور. و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال: عَمَرت ربّي أي عبدته. و فلان عامر لربّه أي عابد. قال:
و يقال: تركت فلاناً يعمُر ربَّه أي يعبده.
و قال اللَّه جلّ و عزّ: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها
 [هُود: 61] أي أذِن لكم في عمارتها و استخراج قُوتكم منها. و قوله جلّ و عزّ: وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ‏
 [فَاطِر: 11] و فُسّر على وجهين: قال الفرّاء: ما يطوَّل من عمر من عمر معمَّر و لا يُنقص من عُمره يريد آخر غير الأول، ثم كنّى بالهاء كأنه الأول. و مثله في الكلام: عندي درهم و نصفه، المعنى: و نصف آخر، فجاز أن يقول: نصفه؛ لأن لفظ الثاني قد يُظهر كلفظ الأول، فكنى عنه كنايةَ الأول.
قال: و فيها قول آخر: وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ‏
 يقول: إذا أتى عليه الليل و النهار و نقَصا من عمره. و الهاء في هذا المعنى للأول لا لغيره؛ لأن المعنى:
ما يطوَّل و لا يذهب منه شي‏ء إلَّا و هو مُحْصًى في كتاب، و كلٌّ حسن، و كأن الأوّل أشبه بالصواب، و هو قول ابن عباس، و الثاني قول سعيد بن جُبَير. و قال‏

232
تهذيب اللغة2

عمر ص 231

اللَّه جلّ و عزّ: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏
 [البَقَرَة: 196] و الفرق بين الحجّ و العمرة أن العمرة تكون في السنة كلها، و الحجّ لا يجوز أن يُحْرَم به إلّا في أشهر الحجّ:
شوّال و ذي القعدة و عَشْر من ذي الحجَّة.
و تمام العمرة أن يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المرة، و الحجّ لا يكون إلا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة. و العمرة مأخوذة من الاعتمار و هو الزيارة. يقال: أتانا فلان معتمراً أي زائراً. و منه قوله:
و راكبٌ جاء من تَثْليث معتمرُ
و يقال الاعتمار: القصد، و قال:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر
المعنى: حين قصد مغزًى بعيداً. و قيل:
إنما قيل للمُحْرِم بالعمرة: معتمِر لأنه قصد لعمل في موضع عامر، فلهذا قيل:
معتمِر. و مكان عامر: ذو عمارة. و يقال لساكن الدار: عامر و الجميع عُمَّار.
أبو عبيدة عن الأصمعيّ: عَمِر الرجلُ يَعْمَر عَمَراً أي عاش. و عَمَر فلان بيتاً يَعْمُره. و أنشد محمد بن سَلَّام كلمة جرير:
لئن عَمِرَت تَيْم زماناً بِغِرّة             لقد حُدِيث تَيمٌ حُدَاء عَصَبْصَبا
و قال اللحياني: دار معمورة: يسكنها الجِنّ. و يقال عَمرَ مالُ فلان يَعْمَر إذا كثر. و أتيت أرض بني فلان فأعمرتها أي وجدتها عامرة. المَعْمَر: الذي يقام به.
و قال طرفة:
يا لكِ من قُبَّرة بمَعْمَر
و قال آخر:
يَبْغينك في الأرض مَعْمَرا
أي منزلًا. و قال الليث: العَمْر: ضرب من النخل، و هو السَحُوق الطويل.
قلت: غلِط الليث في تفسير العَمْر، و العُمْر: نخل السُكّر يقال له: العُمْر، و هو معروف عند أهل البحرين. و أنشد الرياشيّ في صفة حائط نخل:
أَسْود كالليل تدجَّى أخضرُهْ             مخالط تعضوضُه و عُمُرُهْ‏
بَرْنيَّ عَيْدَانٍ قليلًا قَشَرُهْ‏
و العَضوض: ضرب من التَمر سَرِيّ. و هو من خير تُمْران هَجَر، أسود عَذْب الحلاوة. و العُمْر: نخل السُكّر، سَحُوقاً كان أو غير سَحوق. و كان الخليل بن أحمد من أعلم الناس بالنخيل و ألوانه.
و لو كان الكتاب من تأليفه ما فسّر العمر هذا التفسير. و قد أكلت أنا رُطَب العُمْر و رُطَب التعضوض و خَرَفتهما من صغار النخل و عَيْدانها و جَبّارها. و لو لا المشاهدة لكنت أحد المغترّين بالليث و خليلِه و هو لسانه.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال رجل عَمَّار إذا كان كثِير الصلاة كثِير الصيام.
و رجل عَمَّار مُوَقًّى مستور، مأخوذ من العَمَر و هو المِنديل أو غيره تغطِّي به الحُرَّة رأسها، و رجل عمَّار و هو الرجل القويّ الإيمان الثابت في أمره الثخين الوَرَع، مأخوذ من العَمِير، و هو الثوب الصفيق النسِيج القويّ الغَزْلِ الصبور على العمل.
قال: و العَمَّار الزيْن في المجالس مأخوذ

233
تهذيب اللغة2

عمر ص 231

من العَمْر و هو القُرْط و العَمّار: الطيّب الثناء و الطيب الروائح مأخوذ من العَمَار و هو الآس. قال: و عمَّار المجتمِع الأمر اللازم للجماعة الحِدِب على السلطان مأخوذ من العِمَارة و هي القبيلة المجتمِعة على رأي واحد. قال: و عمَّار: الرجل الحليم الوَقُور في كلامه و فعاله، مأخوذ من العَمارة، و هي العمامة. و عَمَّار مأخوذ من العَمْر و هو البقاء، فيكون باقياً في إيمانه و طاعته و قائماً بالأمر و النهي إلى أن يموت قال: و عَمَّار: الرجل يجمع أهلَ بيته و أصحابَه على أدب رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم و القيام بسُنّته، مأخوذ من العَمَرات و هي اللَحَمات التي تكون تحت اللحِي، و هي النغانغ و اللغاديد. و هذا كله محكيّ عن ابن الأعرابي.
و قال أبو عبيدة: في أصل اللسَان عَمْرَتان. و يقال عُمَيميرتان، و هما عظمان صغيران في أصل اللسان. و العَمِيرة:
كُوَّارة النَحْل.
و قال ابن الأعرابي: يقال كَثِير بَثِير بَجِير عَمِير، هكذا قال بالعين. قال:
و المعمور: المخدوم. و عمرت ربي و ججَته أي خدمْته. و يقال للصنَبُع: أمُّ عامر كأن ولدها عامر و منه قول الهذلي:
و كم من وجار كَجيْب القمِيص             به عامر و به فُرْعُل‏
و من أمثالهم: خامِري أمّ عامر، و يضرب مَثَلًا لمن يُخدع بلين الكلام. و يقال:
تركت القوم في عَوْمرة أي في صياح و جَلَبة.
و العمَارة: الحَيّ العظيم تنفرد بظَعْنها و إقامتها و نُجْعتها. و هو من الإنسان:
الصَدْر، سمّي الحيّ العظيم عِمارة بعمارة الصدر، و جمعها عمائر.
و منه قول جرير:
يجوس عمارة و يكفّ أخرى             لنا حتّى نجاوزها دليل‏
و
رُوِي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «لا تُعْمِروا و لا تُرقبوا، فمن أُعْمِر داراً أو أُرْقِبها فهي له و لورثته من بعده.
و قال أبو عبيد: هي العُمْرى و الرقْبى.
و العُمْرَى: أن يقول الرجل للرجل: داري هذه لك عمرك أو يقول: داري هذه لك عمري، فإذا قال ذلك و سلَّمها إليه كانت للمعمَر و لم ترجع إلى المعمِر إن مات.
و أمّا الرُقْبَى: فأن يقول الذي أرقبها: إن متَّ قبلي رجعت إليّ، و إن متُّ قبلك فهي لك. و أصل العمرى مأخوذ من العُمْر، و أصل الرقبى من المراقبة، فأبطل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم هذه الشروط و أمضى الهبة. و هذا الحديث أصل لكلّ من وهب هِبة فشرط فيها شرطاً بعد ما قبضها الموهوب له: أن الهِبَة جائزة و الشرط باطل.
و قال أبو إسحاق في قول اللَّه جلّ و عزَّ:
وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ
 [الطور: 4]:
جاء في التفسير أنه بيت في السماء بإزاء الكعبة، يدخله كلَّ يوم سبعون ألْفَ ملَكٍ يخرجون منه و لا يعودون إليه.
و قال الأصمعي: العُبْريّ و العُمْريّ: السِدْر الذي يَنْبت على الأنهار و يَشرب الماء.

234
تهذيب اللغة2

عمر ص 231

و قال أبو العَمَيْثل الأعرابيّ: العُبْريّ و العمريّ من السِدْر: القديمُ، على نهر كان أو غيره. قال: و الضال: الحديث منه.
و أنشد قول ذي الرمة:
قطعت إذا تجوّفت العواطي             ضروب السدر عُبريّاً وضالا
و قال: الظباء لا تكنِس بالسدر النابت على الأنهار.
و قال أبو سعيد الضرير: القول ما قال أبو العميثل، و احتجّ هو أو غيره بحديث محمد بن مَسْلَمة و مَرْحَب.
قال الراوي لحديثهما ما رأيت حرباً بين رجلين قطّ علِمتها مثلها. قال كلُّ واحد منهما إلى صاحبه عند شجرة عُمْريَّة، فجعل كلُّ واحد منهما يلوذ بها من صاحبه. فإذا استتر منها بشي‏ء خَذَم صاحبُه ما يليه حتى يخلُص إليه، فما زالا يَتَخَذَّمانها بالسيف حتى لم يبق فيها غُصْن، و أفضى كل واحد منهما إلى صاحبه‏
، في حديث طويل.
أبو عبيد عن أبي عبيدة: العَمَار: كلّ شي‏ء علا الرأسَ من عمامة أو قلنسوة أو غير ذلك. و يقال للمعتّم: مُعتمِر.
و قال بعضهم في قول الأعشى:
... و رفعنا عمارا
أي قلنا له: عمّرك اللَّه أي حيَّاك اللَّه.
و قال ابن السكيت: العامران في قيس:
عامر بن مالك بن جعفر، و هو مُلَاعِب الأسِنَّة، و هو أبو بَرَاء، و عامر بن الطُفَيل بن مالك بن جعفر. قال:
و العُمرَان أبو بكر و عُمَر، فغلّب عمر لأنه أخفّ الاسمين. قال: و قيل: سُنَّة العُمَرين قبل خلافة عمر بن عبد العزيز.
و قال أبو عبيدة نحوه. قال: فإن قيل:
كيف بدى‏ء بعمر قبل أبي بكر و هو قبله، و هو أفضل منه فإن العرب يفعلون مثل هذا، يبدءون بالأخسّ؛ يقولون: ربيعة و مُضَر، و سُلَيم و عامر، و لم يترك قليلًا و لا كثيراً.
و قال أبو يوسف: قال الأصمعي: حدثنا أبو هلال الراسبيّ عن قتادة أنه سئل عن عتق أمَّهات الأولاد، فقال: أعتق العُمَران فيمن بينهما من الخلفاء أمّهات الأولاد، ففي قول قتادة: العُمَران: عمر بن الخطَّاب و عمر بن عبد العزيز.
و قال أبو عبيد: يقال: عمر اللَّه بك منزلك و أعمر، و لا يقال: أعمر اللَّه منزله، بالألف.
و قال يعقوب بن السكيت: العَمْران:
عمرو بن جابر بن هلال بن عُقَيل بن سُمَيّ بن مازِن بن فزارة، و بَدْر بن عمرو بن جُؤَية بن لَوْذان بن ثعلبة بن عديّ بن فزارة و هما رَوْقا فزارة.
و أنشد لقُرَاد بن حَنَش يذكرهما:
إذا اجتمع العمران عمرو بن جابر             و بدر بن عمرو خِلت ذُبْيان تُبّعا
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: أبو عمرة:
كنيَة الجوع، و أبو عُمَير: كنية فرج الرجل.

235
تهذيب اللغة2

عمر ص 231

و قال الليث: الإفلاس يكنى أبا عَمْرة.
و قال ابن الأعرابي: كنية الجوع أبو عمرة، و أنشد:
إن أبا عمرة شرّ جار
و
قال ابن المظفر: كان أبو عمرة رسول المختار، و كان إذا نزل بقوم حلّ بهم البلاءُ من القتل و الحرب.
و يعْمُر الشُّدَّاخ أحد حكَّام العرب. ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: اليعامير: الجِداء، واحدها يَعْمُور. و أنشد:
مثل الذميم على قُزْم اليعامير
و جعل قطرب اليعامير شجراً، و هو خطأ.
و قال أبو الحسن اللحياني: سمعت العامريَّة تقول في كلامها: تركتم سامراً بمكان كذا و عامراً.
قال أبو تراب: فسألت مصعَباً عن ذلك فقال: مقيمين مجتمعين.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العَمَر ألَّا يكون للحُرَّة خِمار و لا صَوْقعة تغطّي رأسها، فتُدخل رأسها في كُمّها. و أنشد:
قامت تصلّي و الْخِمار من عَمَر
قال: و العَمْر حَلْقة القرط العليا، و الْخَوْق: حَلْقةُ أسفلِ القُرط. و العَمْرة:
خَرَزة الحُبّ. و العُمْرة: طاعة اللَّه جل و عزَّ.
معر:
قال ابن المظفّر: مَعِر الظُفُر يَمْعَر مَعَراً إذا أصابه شي‏ء فنصَل. قال: و يقال:
غضب فلان فتمعَّر لونُه إذا تغيَّر و عَلَتْه صُفرة.
و قال ابن الأعرابي: الممعور: المقطِّب غَضَباً للَّه.
و قال: يقال: معِر الرجل و أمعر و مَعَّر إذا فنِي زادُه.
و قال شمر: قال ابن شميل: إذا انفقأت الرهْصَة من ظاهر فذلك المَعَر، و قد مَعِرت مَعَراً، و جَمَل مَعر، و خُفّ مَعِر:
لا شعرَ عليه.
و
في الحديث: «ما أمعر حاجّ قطّ»
معناه:
ما افتقر. و أصله من مَعَر الرأس.
و قال أبو عبيد: الزَمِر و المَعِر: القليل الشعَر. و أرض معِرة إذا انجرد نَبْتها.
و أمعر القومُ إذا أجدبوا. و تمعّر رأسه إذا تمعَّط.
و أمعرت المواشي الأرضَ إذا رعت شجرها فلم تَدَع شيئاً يُرْعَى.
و قال الباهلي في قول هشام أخي ذي الرمة:
حتى إذا أمعروا صَفْقَيْ مباءتِهِم             و جرّد الخَطْبُ أثباج الجراثيم‏
قال: أمعروه: أكلوه. و أمعر الرجلُ إذا افتقر، فهو لازم و واقع. و مثله: أملق الرجل إذا افتقر، و أملقته الخطوب أي أفقرته.
رعم:
قال الليث: رَعمت الشاة تَرْعَم فهي رَعُوم. و هو داء يأخذها في أَنْفها فيسيل منه شي‏ء يقال له: الرُّعَام.
قال: و رَعُوم: اسم امرأة.
أبو عبيد عن أبي زيد: الرَّعُوم- بالراء-:
من الشاء التي يسيل مُخَاطها من الهُزَال و قد أَرْعمت إرعاماً إذا سال رُعَامُها و هو

236
تهذيب اللغة2

رعم ص 236

المُخَاط. و يقال: كِسْر رَعِم: ذو شحم.
و الرِّعْم: الشَحْم.
و قال أبو وجزة:
فيها كسورٌ رَعِمات و سُدُفْ‏
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الرَّعَام و اليعمور: الطلِيّ و هو العَرِيض. و يقال رَعَمْتُ الشمسَ إذا نظرت وجوبها. و قال الطِرِمَّاح:
و مُشيحٍ عَدْوه مِتْأقٌ             يَرْعَم الإيجاب قبل الظلام‏
أي ينتظر وجوب الشمس.
عرم:
الليث: عَرَم الإنسان يَعْرُم عَرَامة فهو عارم، و أنشد:
إن امرؤ يذُبّ عن محارمي             بَسْطةُ كَفّ و لسانٍ عارمِ‏
و عُرَام الجيش: حَدّهم و شِرَّتهم و كثرتهم.
و أنشد:
و ليلة هَول قد سَرَيت و فِتْيةٍ             هَدَيتُ و جمع ذي عُرام مُلَادِس‏
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: العَرِم: الجاهل، و قد عَرَم يَعْرُم و عَرُم و عَرِم.
و قال الفرّاء: العُرَاميّ من العُرّام و هو الجهل.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: يقال لقشور العَوْسج: العُرَام، و أنشد:
و بالثُمَام و عُرَام العَوْسَج‏
قال: و العَرِم: السَيْل الذي لا يطاق. قال اللَّه جلّ و عزّ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ‏
 [سَبَإ: 16] قال أبو عبيدة: العَرِم جمع العَرِمة و هي السِكْر و المُسنَّاة. و قيل: العَرِم: اسم واد.
و قيل: العَرِم ههنا: اسم الجُرَذ الذي بَثَق السِكْرَ عليهم، و هو الذي يقال له:
الخلْد. أبو العباس عن ابن الأعرابي: من أسماء الفأر البِرّ و الثُعْبة و العَرِم. و قيل:
العَرِم: المطر الشديد. و كان قوم سبأ في نَعْمة و نِعمة و جِنان كثيرة. و كانت المرأة منهم تخرج و على رأسها الزَبِيلِ فتعتمل بيديها و تسير بين ظهراني الشجر المثمر فيسقط في زَبِيلها ما تحتاج إليه من ثمار الشجر، فلم يشكروا نعمة اللَّه، فبعث اللَّه عليهم جُرَزاً و كان لهم سِكْر فيه أبواب يفتحون ما يحتاجون إليه من الماء، فنقبه ذلك الجُرَذ حتى بثق عليهم السِكْر فغرَّق جِنانَهم. و قال أبو العباس: قال ابن الأعرابي: يوم عارم: ذو نهاية في البَرْد نهارُه و ليلُه. و أنشد:
و ليلة إحدى الليالي العُرَّم             بين الذراعين و بين المِرْزَم‏
تهُمّ فيها العَنْز بالتكلُّم‏
أبو عُبَيد عن الأصمعيّ قال: الحيَّة العَرْماء: التي فيها نُقَط سود و بيض. و
قال أبو عبيد: و رُوِي عن مُعاذ بن جبل أنه ضحَّى بكبشين أعرمين.
و أنشد الأصمعيّ:
أبا مَعْقِل لا توطِئَنْكَ بَغَاضَى             رؤوسَ الأفاعي في مراصدها العُرْمِ‏
و حكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال:
الأقلف يقال له: الأعرم. و رَوَى عمرو عن أبيه أنه قال: العرامين: القُلْفان من الرجال. قال: و العُرمان: الأكَرَة،

237
تهذيب اللغة2

عرم ص 237

واحدهم أعرم. قلت: و نون العرامين و العُرْمان ليست بأصلية. يقال: رجل أعرم و رجال عُرْمان ثم عرامين جمع الجمع.
و سمعت العرب تقول لجمع القِعْدان من الإبل: القعادين، و القِعْدانُ جمع القَعُود، و القعادين نظير العرامين. و قال ابن الأعرابيّ: العريم: الداهية. و قال ابن شميل عن الهَمْداني: العَرِم و المِعْذار:
ما يُرْفع حول الدبرة. شمر عن ابن الأعرابي: العَرَمَة: أرض صُلْبة إلى جَنْب الصَّمان. و قال رؤبَة:
و عارض العِرْض و أعناق العَرَمْ‏
قلت: العَرَمة تتاخم الدَهْنى و عارض اليمامة يقابلها، و قد نزلْت بها. و قال ابن الأعرابي: كبش أعرم: فيه سواد و بياض.
و قال ثعلب: العَرِم من كل شي‏ء: ذو لونين. قال: و النمر ذو عَرَم. و كذلك بَيْضُ القطا عُرْم. و قال أبو وَجْزة:
باتت تباشر عُرماً غير أزواج‏
قال: و العَرَمة: الأنبار من الحِنطة و الشعير. و قال الليث: العُرْمة: بياض بَمَرمَّة الشاة الضائنة أو المعْزى. و كذلك إذا كان في أذنها نُقَط سود و الاسم العَرَم.
قال: و العَرَمة: الكُدْس المَدُوس الذي لم يُذَرّ، يجعل كهيئة الأَزَج ثم يُذرَّى. قال:
و العَرَمْرَم: الجيش الكثير. و العَرَم:
اللحم، قاله الفرَّاء. قال: و يقال: عَرَمت العظم أعرِمه إذا تعرّقتَه. و العُرَام و العُراق واحد. و يقال: أعْرُم من كلب على عُرَام.
و يقال: إن جزورَكم لطيّب العَرَمة أي طيّب اللحم. و يقال عَرَم الصبيّ ثدي أمّه إذا مَصّه. و أنشد يونس:
و لا تُلْفَيَنّ كذات الغلا             م إن لم تجد عارماً تعترمْ‏
أراد بذات الغلام: الأمّ المرضع إن لم تجد مَن يمتَصّ ثديها مصّته هي. قال:
و معناه: لا تكن كمن يهجو نفسه إذا لم يجد من يهجوه. و عارِمة: أرض معروفة.
و قال ابن الأعرابي: عَرْمى و اللَّه لأفعلن ذاك و عَرْمى و حَرْمى ثلاث لغات بمعنى:
أَمَا و اللَّه. و أنشد:
عَرْمى وجَدّك لو وجدتَ لهم             كعداوةٍ يجدونها تَغلي‏
و قال شمر: العَرَم: الكُدْس من الطعام، عَرَمةٌ و عَرَم. و قال بعض النَمريين: تجعل في كل سُلْفة من حبّ عَرَمة من دَمَال.
فقيل له: ما العَرَمة؟ فقال: جُثْوة منه يكون مزبلين حِمْلَ بقرتين.
رمع:
أبو العباس عن ابن الأعرابي: الرَّمِع:
الذي يتحرّك طَرَفُ أَنْفه من الغضب.
و يقال: جاءنا فلان رامعاً قِبرّاه، و القِبرّي:
رأس الأنف، و لأنفه رَمَعَان و رَمَعٌ و رَمْع.
و قال الليث: رَمَع يَرْمَع رَمْعاً و رَمَعاناً و هو التحرك الرَّمّاعة: ما يتحرَّك من رأس الصبيّ الرضيع من يافوخه من رقَّته.
قال: و الرمَّاعة: الاست لترمّعها أي تحرّكها.
قال: و اليَرْمَع: الحَصَى الأبيض التي تَلألأُ في الشمس، الواحدة يَرْمَعة.
و قال غيره: اليَرْمَع: الحزَّارة التي يَلعب بها الصبيان إذا أدِيرت سمعت لها صوتاً،

238
تهذيب اللغة2

رمع ص 238

و هي الخُذُروف.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الرَّمّاع: الذي يأتيك مغضَباً و لأنْفه رَمَعان أي تحرّك.
قال: و الرمَّاع الذي يشتكي صُلْبَه من الرُّمَاع و هو وجع يعترض في ظهر الساقي حتى يمنعه من السقي. و أنشد:
 بئس طعام العَزَب المرموع             حَوْءبة تُنْقِض بالضلوع‏
و يقال: قبحه اللَّه و أُمّاً رَمَعت به أي ولدته. أبو سعيد: هو يَرْمَع بيديه أي يقول: لا تجي‏ء، و يومى‏ء بيديه، و يقول:
تعال. و
في حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه غضِب غضباً شديداً حتى خُيِّل إلى من رآه أن أنفه يتمزَّع.
قال أبو عبيد: ليس يتمزّع بشي‏ء، و أنا أحسبه يترمَّع. و هو أن تراه كأنه يُرْعَد من شدّة الغضب. قلت: إن صحَّ يتمزَّع روايةً فمعناه: يتشقَّق، من قولك: مَزَّعت الشي‏ء إذا قسَّمته، و كل قطعة مُزْعة، و مزعت المرأة قطنها إذا أقطْعته ثم زبَّدته.
و قال أبو زيد: يقال: دَعْه يترمَّعْ في طُمَّنه أي دعه يتسَكَّع في ضلالته.
و قال غيره: معناه: دعه يتلطَّخ بخُرْئه.
مرع:
شمر عن ابن الأعرابي: يقال: أَمْرِع رأسك دُهْنه و أَمْرِغه أي أكثر منه و أوسعه.
و قال رؤبة:
كغصن بان عودُه سَرَعْرَع             كأن وِرْداً من دهان يُمْرَع‏
و
في حديث الاستسقاء أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم دعا فقال: «اسقِنا غيثاً مَرِيعاً»
، المَرِيع: ذو المراعة و الخِصْب، يقال: أمرع الوادي إذا أخصب.
و قال ابن مقبل:
و غيث مَرِيع لم يُجدَّع نباتُه             ولته أهاليل السمَاكِين مُعْشِب‏
لم يجدّع نباته أي لم ينقطع عنه المطر فيجدَّع كما يجدّع الصبيّ إذا لم يَرْوَ من اللبن فيسوء غذاؤه و يُهْزَل. و أمرع القوم إذا أصابوا الكلأ فأخصبوا. و أمرع المكان إذا أَكْلأَ.
ثعلب عن ابن الأعرابي المُرَعة: طائر طويل، واحدته مُرْعَة، و جمعها مُرَع.
و أنشد:
 سقى جارتَيْ سُعْدى و سُعدَى و رهطَها             و حيث الْتقى شرقٌ بسُعْدى و مغربُ‏
 بذي هَيْدب أيْما الرُبَا تحت وَدْقه             فتَرْوَى و أيْما كلّ واد فيَرْعَبُ‏
له مُرَع يخرجن من تحت وَدْقه             من الماء جُون ريشها يَتصبّب‏

عمرو عن أبيه: المُرَعة: طائر أبيض حسن اللون طيّب الطعم في قَدْر السُّمَانى، و جمعها مُرَع.
و قال ابن الأعرابي: المَرِع: الموضع المخصب، و قد أمرع المكان و مَرُع، و لم يأت مَرَع و يجوز مَرَّع.
و قال: مرِع الرجل إذا وقع في خصب، و مَرِع إذا تنعّم. ابن شميل: المُمْرِعة:
الأرض المعشِبة المُكْلِئة.
و قد أمرعت الأرض إذا شبع غَنَمُها، و أمرعت إذا أكلأت في الشجر و البقل.

239
تهذيب اللغة2

مرع ص 239

و لا تزال يقال لها: مُمْرِعة ما دامت مكلئة من الربيع و اليبيس.
و قال أبو عمرو: أمرعت الأرض إذا أعشبت. و مكان مُمْرِع مَرِيع.
و قال ابن الأعرابي: أمرع المكانُ لا غير.
و مَرَع رأسَه بالدُهْن إذا مَسَحه.
و قال أعرابيّ: أتت علينا أعوام أمْرُعٌ إذا كانت خِصْبة.
و قال في قول أبي ذؤيب:
مثلُ القناة و أزعلته الأَمْرُع‏
إنه عنى السنين المخصبة.
و قال الأعشى:
سلس مقلَّده أسيل             خدّه مرِع جنابُه‏
أبواب العين و اللام‏
 [باب العين و اللام مع النون‏]
ع ل ن‏
علن، لعن، نعل: مستعملة.
علن:
يقال: عَلِن الأمر يَعْلَن عَلناً، و عَلَن يَعْلُن إذا شاع و ظهر. و أعلنته أنا إعلاناً.
و قال الليث: أعلن الأمرُ إذا اشتهر.
قال: و تقول: يا رجل استعلِنْ أي أظهِرْهُ.
قال: و العِلَان: المعالنة إذا أعلن كل واحد لصاحبه ما في نفسه.
و أنشد:
و كفّي عن أذى الجيران نفسي             و إعلاني لمن يبغي عِلاني‏
و العَلَانية على مثال الكراهية و الفراهية:
ظهور الأمر.
لعن:
قال اللَّه جلّ و عزّ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ‏
 [البَقَرَة: 88] قال أهل اللغة:
لَعَنَهُمُ اللَّهُ*
 أي أبعدهم اللَّه. و اللعن:
الإبعاد.
و قال الشَّماخ:
ذعرتُ به القطا و نفيتُ عنه             مقام الذئب كالرجل اللَّعِين‏
أراد: مقام الذئب اللعين الطريد كالرجل.
و يقال: أراد: مقام الذئب الذي هو كالرجل اللعين، و هو المنفيّ. و الرجل اللعين لا يزال منتبِذاً عن الناس، شبَّه الذئب به. و كلّ من لعنه اللَّه فقد أبعده عن رحمته و استحقّ العذاب فصار هالكاً.
و قال الليث: اللعن: التعذيب.
قال: و اللَّعِين: المشتوم المسبوب و لعنه اللَّه أي عذّبه.
قال: و اللعنة في القرآن: العذاب.
قال: و اللعين: ما يُتَّخذ في المزارع كهيئة خَيَال يُذْعَر منه السباع و الطيور.
و قال غيره: اللعن: الطرد و الإبعاد. و من أبعده اللَّه لم تلحقه رحمته و خُلّد في العذاب. و المُلاعنة بين الزوجين إذا قذف الرجل امرأته أو رماها برجل أنه زنى بها فالإمام يلاعِن بينهما. و يبدأ بالرجل و يقفه حتى يقول: أشهد باللَّه أنها زنت بفلان و إنه لصادق فيما رماها به. فإذا قال ذلك أربع مرات قال في الخامسة: و عليه لعنة الله إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ فيما رماها به. ثم تقام المرأة فتقول أيضاً أربع مرات: أشهد

240
تهذيب اللغة2

لعن ص 240

بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ فيما رماني به من الزنى، ثم تقول في الخامسة: و عليها غضب اللَّه إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فإذا فرغَتْ من ذلك بانت منه و لم تحِلّ له أبداً.
و إ كانت حاملًا فجاءت بولد فهو ولدها و لا يلحق بالزوج؛ لأن السُنَّة نفته عنه، سمّي ذلك كله لِعَاناً لقول الزوج: عليه لعنة اللَّه إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ، و قول المرأة: عليها غضب اللَّه إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
و جائز أن يقال للزوجين إذا فعلا ذلك:
قد تلاعنا و لاعنا و الْتَعَنا.
و جائز أن يقال للزوج: قد التعن و لم تلتعن المرأة، و قد التعنت هي و لم يلتعن الرجل.
و رجل لُعَنة إذا كان يكثر لَعْن الناس.
و رجل لُعْنة إذا كان الناس يلعنونه لشرارته.
و الأول فاعل و هو اللُّعَنة، و الثاني مفعول و هو اللُّعْنة.
و كانت العرب تحيّي ملوكها في الجاهلية بأن تقول للملك: أبيتَ اللَّعْن، و معناه:
أبيت أيها الملِك أن تأتي أمراً تُلْعَن عليه.
و سمعْتُ العرب تقول: فلان يتلاعن علينا إذا كان يتماجن و لا يرتدع عن سوء و يفعل ما يستحق به اللعن.
و قال الليث: التلاعن كالتشاتم في اللفظ، غير أن التشاتم يستعمل في وقوع فعل كل واحد منهما بصاحبه. و التلاعن ربما استعمل في فعل أحدهما.
و رجل ملعَّن إذا كان يُلعَن كثيراً.
و قال الليث: الملعَّن: المعذَّب، و بيت زهير يدلُّ على غير ما قال الليث، و هو قوله:
و مرهَّق الضِيفان يحمد في الْ             لأْواء غير ملعَّن القِدر
أراد قِدْره لا تلْعن لأنه يُكثر لحمها و شحمها.
و
في الحديث: «اتّقوا الملاعن و أعِدّوا النُبَل»
. و الملاعن: جَوَادّ الطريق و ظلال الشجر ينزلها الناس نُهي أن يُتغَوّط تحتها فيتأذَّى السابلةُ بأقذارها و يلعنون مَن جلس للغائط عليها.
و قال شمر: أقرأنا ابن الأعرابي لعنترة:
هل تُبْلغَنِّي دارها شَدنيَّةٌ             لعِنت بمحروم الشراب مصرَّم‏
و فسّره فقال: سُبَّت بذلك فقيل: أخزاها اللَّه فما لها دَرّ و لا بها لَبَن.
قال: و رواه أبو عدنان عن الأصمعي:
لعنت لمحروم الشراب.
و قال يريد بقوله: بمحروم الشراب أي قُذفت بضَرْع لا لبن فيه مصرّم.
و قال الفراء: اللعن: المَسْخ أيضاً؛ قال اللَّه تعالى: أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ‏
 [النِّساء: 47] أي نمسخهم.
قال: و اللعين: المُخْزَى المهلَك أيضاً.
و
في الحديث: «لا يكون المؤمن لعَّاناً»
أي لا يكون كثير اللعن للناس.

241
تهذيب اللغة2

نعل ص 242

نعل:
أبو العباس عن سَلَمة عن الفرّاء قال:
النِّعَال: الأرَضون الصِلاب.
و أنشد:
قوم إذا اخضرّت نعالهم             يتناهقون تناهُق الحُمُر
قال أبو العباس: و منه‏
الحديث الذي جاء: «إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال»
يقول: إذا مُطرت الأرضون الصِلاب فتزلَّفت بمن يمشي فيها فصَلُّوا في منازلكم، و لا عليكم ألَّا تشهدوا الصلاة في مساجد الجماعات.
و قال الليث: النَّعْل: ما جعلته وِقَاية من الأرض. قال: و يقال: نَعِل يَنْعَل و انتعل إذا لبِس النعل. قال: و التنعيل: تنعيلك حافر البرذَوْن بطَبَق من حديد يقيه الحجارة. و كذلك تنعيل خُفّ البعير بالجِلْد لئلا يَحْفى. و يوصف حافر حمار الوحش فيقال: ناعل لصلابته. و رجل ناعل: ذو نعْل. فإذا قلت: منتعل فمعناه:
لابس نعلًا. و امرأة ناعلة. و من أمثالهم:
أطِرِّي فإنك ناعلة أراد: أدِلّي على المشي فإنك غليظة القدمين غير محتاجة إلى النَّعْلين. و قد ذكرت اختلاف الناس في تفسيره في كتاب الطاء. و يقال: أنعل فلان دابَّته إنعالًا فهو مُنْعَل و النَّعْل من جَفْن السيف الحديدةُ التي في أسفل قِرابه.
أبو عبيدة: من وَضَح الفرس الإنعال، و هو أن يحيط البياضُ بما فوق الحافر ما دام في موضع الرُسْغ، يقال: فرس مُنْعَل.
و قال أبو خَيْرة: هو بياض يَمُس حوافرَه دون أشاعره.
و قال أبو عمرو: النَّعْل: حديدة المِكْرَب، و بعضهم يسمّيه السِنّ.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: النَّعْل: العَقَب الذي يُلْبَس ظهر السِّيَة من القوس. قال:
و إذا قُطِعت الوَدِيَّة من أمّها بِكَرَبها قيل:
و دِيَّة منعَّلة.
أبو زيد يقال: رماه بالمُنْعَلات أي بالدواهي و تركت بينهم المُنعَلات.
ابن السكيت عن الأصمعيّ: النَّعل:
الذليل من الرجال و أنشد:
و لم أكن دارِجة و نَعْلا
و يقال: انتعل فلان الرَمْضاء إذا سار فيها حافياً. و انتعلت المطِيُّ ظِلالَها إذا عَقَل الظلُّ نصفَ النهار؛ و منه قول الراجز:
و انتَعَل الظلَّ فكان جوربا
و يروى: و انتُعِل الظلُّ. و انتعل الرجلُ إذا ركب صِلَاب الأرض و حِرَارها و منه قول الشاعر:
في كل إنى قضاه الليل ينتعل‏
شمر عن ابن الأعرابيّ: النعل من الأرض و الخُفُّ و الكُرَاعُ و الضِلَع كل هذه لا تكون إلا من الحَرَّة فالنعل منها شبيهة بالنعل فيها ارتفاع و صلابة. و الخُفّ أطول من النعل، و الكُرَاع أطول من الخُفّ، و الضِلَع أطول من الكُرَاع، و هي ملتوية كأنها ضِلَع.
و أنشدنا:
فِدًى لامرى‏ء و النعل بيني و بينه             شفى غيم نفسي من وجوه الحواثر

242
تهذيب اللغة2

نعل ص 242

النعل: نعل الجبل، و الغَيْم: الوِتْر و الذَحْل، و أصله العطش. و الحواثر من عبد القيس.
 [باب العين و اللام مع الفاء]
ع ل ف‏
علف، عفل، فلع، فعل، لفع، لعف:
مستعملات.
لعف:
أمّا لعف فإن الليث قد أهمله.
و قال ابن دريد في «كتابه»- و لم أجده لغيره-: تلعَّف الأسَد و البعيرُ إذا نظر ثم أغضى ثم نَظَر. و إن وُجد شاهد لما قال فهو صحيح.
علف:
قال ابن المظفر: عَلَف الرجل دابَّته يَعْلِفُه عَلْفاً. و العَلَف الاسم. و المِعْلَف:
موضع العَلَف و الشاءُ المعلَّفة: التي تسمَّن بما يُجمع من العَلَف و لا تُسْرح فترعى.
و قد علَّفتها إذا أكثرت تعهّدها بإلقاء العَلَف لها. و الدابَّة يَعْتلِف إذا أكل العَلَف، و يَستعلِف إذا طلب العَلَف بالحمحمة.
شمر عن ابن الأعرابي: العُلَّفة من ثمر الطلح: ما أخلف بعد البَرَمة، و هو شِبه اللوبياء و هو الحُبْلة من السَمُر، و هو السِنْف من المَرْخ كالإصبع. و أنشد قوله:
بجِيد أدماء تنوش العُلَّفا
و قد أعلف الطَلْحُ إذا خرج عُلَّفه.
أبو عبيد عن ابن الكلبي: أوّل مَن عَمِل الرِحَال من العَرَب عِلَاف، و هو زَبَّان أبو جَرْم، و لذلك قيل للرِحال: عِلَافيَّة.
و قال الليث: هي أعظم الرحال آخِرة و واسطاً و الجمع عِلَافيَّات، و شيخ عُلْفُوف جافٍ كثير اللحم و الشعر كبير السنّ. و منه قوله:
مأوى اليتيمِ و مأوَى كلّ نَهْبَلة             تأوي إلى نَهْبَل كالنَسْر عُلْفوفِ‏
أبو عبيد: العَلُوفة من المواشي:
ما يَعْلِفون.
أبو العباس عن عمرو عن أبيه: العِلْف:
الكثير الأكل. و العَلْف. الشرب الكثير.
و الغِلْف- بالغين-: الخصب الواسع.
و قال أبو عبيد: العُلفُوف: الجافي من الرجال و النساء.
عفل:
أخبرني المنذريّ عن المفضّل بن سَلَمة أنه قال في قول العرب: رمتني بدائها و انسلَّت: كان سبب ذلك أن سعد بن زيدِ مناة كان تزوّج رُهْمَ بنت الخزرج بن تَيْم اللَّه، و كانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد، و كان ضرائرها إذا ساببنها يقلن لها: يا عَفْلاء.
فقالت لها أمها: إذا ساببنك فابدئيهنَّ بعَفَالِ سُبِيَتِ فأرسلتها مثلًا فسابَّتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها.
فقالت لها رُهْم: يا عَفلاء، فقالت ضَرّتها: رمتني بدائها و انسلَّت.
قال: و بنو مالك بن سعد رهط العجَّاج كان يقال لهم: العُفَيلَى.
و أخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال العَفَلة: بُظَارة المرأة.
قال: و إذا مسّ الرجل عَفَل الكبش لينظر سِمَنه يقال: جسَّه و غَبَطه و عَفَله.

243
تهذيب اللغة2

عفل ص 243

و قال شمر: قال ابن الأعرابي: المَعْفَل:
نَبات لحم ينبت في قبُل المرأة، و هو القَرْن و أنشد:
ما في الدوابر من رجليّ من عَقَل             عند الرهان و ما أُكْوى من العَفَل‏
قال: و قال أبو عمرو الشيباني: القَرْن بالناقة مثل العَفَل بالمرأة، فيؤخذ الرَضْف فيُحْمَى ثم يُكوى به ذلك القَرَن. قال:
و العَفَل شي‏ء مدوّر يخرج بالفرج. و العَفَل لا يكون في الأبكار، و لا يصيب المرأة إلَّا بعد ما تلد.
و قال ابن دريد: العَفَل في الرجال: غِلَظ يحدث في الدُبُر، و في النساء: غِلَظ في الرَحِم. و كذلك هو في الدوابّ.
و قال الليث: عَفِلت المرأة عَفَلًا فهي عَفَلاء. و عَفِلت الناقة. و العَفَلة: الاسم، و هو شي‏ء يخرج في حيائها شِبه الأُدْرة.
أبو عبيد عن أبي عبيدة: العَفْل: شحم خُصْيَيْ الكبش و ما حوله.
و منه قول بشر:
حديث الخصاء وارم العَفْل مُعْبَر
قال و قالَ الكسائي: العَفَل: الموضع الذي يُجسّ من الشاة إذا أرادوا أن يعرفوا سِمَنَها من غيره. قال: و هو قول بشر.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العافل:
الذي يلبَس ثياباً قصاراً فوق ثياب طوال.
لفع:
أبو عبيد عن الأصمعيّ: التلفُّع: أن يشتمِل الإنسان بالثوب حتى يجلِّل جسده.
قال: و هو اشتمال الصمَّاء عند العرب.
و قال غيره: التفع بالثوب مثله.
و قال أوس بن حَجَر:
و هبَّت الشمألُ البَلِيلِ و إذ             بات كميعُ الفتاة ملتفِعا
و
في الحديث: كُنَّ نساءُ المؤمنين يَشهدن مع رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم الصبح ثم يرجعن متلفّعات بمُرُوطهنّ ما يُعْرَفن من الغَلَس‏
أي متجلِّلات لأكسِيَتهنّ. و المِرْط: كساء أو مِطْرف يُشتَمل به كالمِلْحَفة.
و يقال: لَفَّعْت المرأة إذا ضممتها إليك مشتمِلًا عليها.
و يقال لذلك الثوب: لِفَاع، و منه قول أبي كبير:
بُجُف بذلتُ لها خوافيَ ناهضٍ             حَشْر القوادم كاللِّفَاع الأطحل‏
أراد: كالثوب الأسود.
و يقال: تلفّع الرجلُ بالمشيب إذا شمِله الشيبُ، و قد لَفَع الشيبُ رأسه يَلْفَعُه إذا شمِله.
و أما قول كعب:
و قد تلفَّع بالقُور العساقيل‏
فالعساقيل: السراب ههنا، و هذا من المقلوب، المعنى: و قد تلفّعت القُور بالسراب، فقلبه.
و قال الليث: إذا اخضَرّت الأرض و انتفع المال بما يصيب من المرعى.
قيل: قد تلفّعت الإبلُ و الغنم.
قال: و لُفِّعت المزادةُ فهي ملفَّعة إذا قُلبت أو نقضت فجعل أطبَّتها في وسطها فذلك تلفيعها.

244
تهذيب اللغة2

لفع ص 244

و أمّا قول الحطيئة:
و نحن تلفَّعنا على عسكريهم             جهاراً و ما طِبي ببغي و لا فَخْرِ
أي اشتملنا عليهم.
و أمّا قول الراجز:
و عُلْبة من قادم اللِّفَاع‏
فاللفاع: اسم ناقة بعينها. و قيل: هو الخِلْف المقدم.
فلع:
قال ابن المظفر: فَلَع فلان رأسه بالحجر يَفْلَعه إذا شقَّه، فانفلع أي انشقّ. و الفِلْعة:
القِطْعة من السَنَام، و جمعها فِلَع و تفلَّعت البطّيخة إذا انشقّت، و تفلّع العَقِب إذا انشقّ.
و يقال للأمة إذا سُبَّت: لعن اللَّه فَلعتها، يعنون: مَشقّ جَهازها أو ما تشقّق من عقبها.
و يقال: رماه اللَّه بفالعة أي بداهية، و جمعها الفوالع.
و يقال: فلع رأسه بالسيف إذا فلاه بنصفين.
و قال شمر: يقال: فلخته و قفحته و سلعته و فلعته و فلغته، كل ذلك إذا أوضحته.
قال: و لفخته على رأسه لَفْخاً. و قال: فلع رأسه بالحَجَر إذا شدخه و شَقَّه. و فلع السَنَامَ بالسكّين إذا شقَّه.
و قال طُفَيل الغَنَويّ:
كما شُقّ بالموسى السنامُ المفَلَّع‏
فعل:
قال الليث: فَعَل يفعَل فَعْلًا و فِعْلًا، فالمصدر مفتوح و الاسم مكسور. قال:
و الفَعَال اسم الفعل الحَسَن؛ مثل الجود و الكرم و نحوه.
و روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: الفَعَال: فعل الواحد خاصَّة في الخير و الشرّ، يقال: فلان كريم الفَعال، و فلان لئيم الفِعال. قال و الفِعال- بكسر الفاء- إذا كان الفعل بين الاثنين.
قلت: و هذا الذي قاله ابن الأعرابي هو الصواب، لا ما قاله الليث؛ و قال: فلان حَسَن الفَعال، و فلان سي‏ء الفَعال. و لست أدري لم قصر الليث الفعَال على الحَسَن دون القبيح.
و قال المبرد أبو العباس: الفَعال يكون في المدح و الذمّ. قال: و هو مُخلَّص لفاعل واحد، فإذا كان من فاعلين فهو فِعال، و هذا هو الدُرّ الجيد.
و قال ابن الأعرابي: الفِعَال: العود الذي يجعل في خُرْت الفأس يُعمل به. قال:
و النجَّار يقال له فاعل.
و قال الليث: الفَعَلة قوم يعملون عمل الطِين و الحَفْر و ما أشبه ذلك من العمل.
و قال ابن مقبل في نصاب القَدوم، سَمَّاه فِعالًا:
و تَهْوِي إذا العِيسُ العِتاقُ تفاضلت             هُوِيّ قَدُوم القَيْن جال فِعالُها
يعني: نصابها.
و قال النحويون المفعولات على وجوه في باب النحو. فمفعول به، كقولك: أكرمت زيداً و أعنت عمراً و ما أشبهه. و مفعول له؛ كقولك: فعلت ذلك حِذارَ غضبك.
و يسمى هذا مفعولًا من أَجْلٍ أيضاً.

245
تهذيب اللغة2

فعل ص 245


و مفعول فيه. و هو على وجهين. أحدهما الحال و الآخر في الظروف. فأمّا الظرف فكقولك: نمت البيت و في البيت. و أمَّا الحال فكقولك: ضُرِب فلان راكباً، أي في حال ركوبه. و مفعول عليه؛ كقولك:
علوت السّطح و رقِيت الدرجة. و مفعول بلا صلة: و هو المصدر. و يكون ذلك في الفعل اللازم و الواقع؛ كقولك: حفِظت حِفظاً و فهمت فهماً. و اللازم كقولك:
انكسرت انكساراً. و العرب تَشتقّ من الفعل المُثُل للأبنية التي جاءت عن العرب؛ مثل فُعاله و فَعولة و أُفعول و مِفعيل و فِعليل و فُعْلول و فُعُّول و فِعَّل و فعْل و فُعَلة و مُفْعلل و فِعَيْل و فِعِيل و يقال: شِعْر مفتعَل إذا ابتدعه قائله و لم يَحذُه على مثال تقدَّمه فيه مَن قبله. و كان يقال: أعذب الأغاني ما افتُعِل، و أطرف الشعر ما افتُعِل؛ قال ذو الرُمَّة:
غرائب قد عُرفن بكل أفق             من الآفاق تُفتعل افتعالا
أي يبتدع بها غِناء بديع و صوت محدَث.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: افتعل فلان حديثاً إذا اخترقه. و أنشد:
ذكر شي‏ء يا سُلَيْمى قد مضى             وَوُشاةٍ ينطقون المفتعَلْ‏
و يقال لكل شي‏ء يسَوَّى على غير مثال تقدَّمه: مفتعَل. و منه قول لَبيد:
فرميت القوم رَمْياً صائباً             لَسْن بالعُصل و لا بالمفْتَعلْ‏
و يقال: عذبني وجع أسهرني فجاء بالمفتعَل إذا عانى منه ألمَاً لم يعهد مثله فيما مضى له. و فَعَال قد جاء بمعنى أفعلْ، و جاء بمعنى فاعلة، بكسر اللام.
 [باب العين و اللام مع الباء]
ع ل ب‏
علب، عبل، لعب، بلع، بعل:
مستعملات.
علب:
في الحديث: «لقد فَتَحَ الفُتوحَ قوم ما كانت حِلْية سيوفهم الذهب و الفضَّة، إنما حِلْيتها العَلَابي و الآنُك»
. العلابي جمع العِلْباء، و هو العَصَب، و به سمي الرجل عِلباء. و كانت العرب تشدّ بالعِلباء الرَطْبِ أجفان السيوف فتجِفّ عليها، و تشُدّ الرماح إذا تصدَّعت بها. و منه قول الشاعر:
ندعّسها بالسَمْهريّ المعلَّب‏
و قال القتيبي: بلغني أن العلابيّ:
الرَصَاص، و لست منه على يقين.
قلت: ما علمت أحداً قاله، و ليس بصحيح.
و قال شمر: قال المؤرّج: العِلَاب سمة في العِلباء. قال: و العَلْب تأثير كأثر العِلاب.
و قال شمر: أقرأني ابن الأعرابي لطُفَيل الغنويّ:
نهُوض بأشناق الديات و حَمْلِها             و ثِقْل الذي يَجْنِي بمنكبه لَعْب‏
قال ابن الأعرابي: لَعْب أراد به: عَلْب و هو الأثر.

246
تهذيب اللغة2

علب ص 246

و قال أبو نصر: يقول: الأمر الذي يجني عليه و هو بمنكبه خفيف.
و
في حديث ابن عُمَر أنه رأى رجلًا بأنْفه أثرَ السجود فقال: لا تَعْلُب صورتك‏
، يقول: لا تؤثر فيها أثراً بشدّة انتحائك على أنفك في السجود. و العُلُوب: الآثار واحدها عَلْب يقال ذلك في أثر المِيسم و غيره. و قال ابن الرقاع يصف الركاب:
يتبعْن ناجية كأن بدَفّها             من غَرْض نسْعَتِها علوبَ مواسم‏
و أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي يقال: لحم عَلِب و عَلْب و هو الصُلْب. قال: و العِلْب من الناس: الذي لا يُطمع فيما عنده من كلمة و لا غيرها، قال: و العِلْب من الأرض الغليظ الذي لو مطر دهْراً لم يُنبت خضراء. و كل موضع صُلْب خَشِن من الأرض فهو عِلْب.
أبو عبيد عن أبي عبيدة قال: المعلوب:
الطريق الذي يُعْلَب بجنبيه. و مثله الملحوب. و المعلوب: سيف كان للحارث بن ظالم. و يقال: إنه سمَّاه معلوباً لآثار كانت في مَتْنه: و يقال: سُمِّي معلوباً لأنه كان انحنى من كثرة ما ضَرَب به و فيه يقول:
أنا أبو ليلى و سيفي المعلوب‏
و قال ابن الأعرابي: العُلَب: جمع عُلْبة و هي الجَنبة و الدَسْماء و السمراء. قال:
و العِلْبة- و الجمع عِلَب- أُبْنة غليظة من الشجر تتخذ منه المِقطرة. و قال الشاعر:
في رجله عِلبة خشناء من قَرْظ             قد تيَّمته فبالُ المرء متبول‏
و قال أبو زيد: العُلُوب: منابت السِدر، الواحد عِلْب. قلت: و العُلْبة: جِلدة تؤخذ من جلد جَنْب البعير إذا سُلخ و هو فَطِير فتسوَّى مستديرة ثم تملأ رملًا سهلًا، ثم بضمّ أطرافها و تُخلّ بخِلال و يوكَى عليها مقبوضة بحبل و تترك حتى تجِفّ و تيبَس، ثم يُقطع رأسها و قد قامت قائمة لجفافها تُشبه قَصْعة مدوَّرة كأنها نُحِتت نَحْتاً أو خُرِطت خَرْطاً. و يعلّقها الراعي و الراكب فيحلُب فيها و يشرب بها. و تجمع عُلَباً و عِلاباً. و للبدويّ فيها رِفق خفَّنها و أنها لا تنكسر إذا حرّكها البعير أو طاحت إلى الأرض. و العِلاب أيضاً: سِمَة في طول عنق البعير. و قال الليث: عَلِب النبت يَعلَب عَلَباً فهو علِب إذا جَسَأ. و عَلِب اللحم و استعلب إذا غلظ و لم يكن هَشّاً.
و استعلبت الماشيةُ البقل، إذا ذَوَى فأجمَتْه و استغلظته. و العِلْب: الوعِل الضخم المُسِنّ. و العِلْب: عَصَب العنق الغليظ خاصة. و هما عِلْباءان و علباوان. و رُمْح مُعَلَّب إذا جُلز و لُوي بعَصَب العلب.
و علِب البعير عَلَباً فهو علِب و هو داء يأخذه في ناحيتَيْ عُنُقه فترِم رقبتُه. و قال شمر: يقال هؤلاء عُلبوبة القوم أي خيارهم.
قلت كقولهم: هؤلاء عَصَب القوم أي خيارهم. و رجل عِلْب: جافٍ غليظ.
عبل:
في حديث ابن عُمَر أنه قال لرجل: «إذا أتيتَ مِنًى فانتهيت إلى موضع كذا و كذا فإن هناك سَرْحة لم تُعْبَل و لم تُجْرد و لم تُسْرَف، سُرّ تحتها سبعون نبيّاً فانزِل‏

247
تهذيب اللغة2

عبل ص 247

تحتها»
. قال أبو عبيد: قوله: لم تُعبل، يقول: لم يسقط ورقها؛ يقال: عَبَلْت الشجرة عَبْلًا إذا حَتَتَّ عنها ورقها. و أعْبل الشجَرُ إذا طلع ورقه. قال: و قال أبو عبيدة: العَبَل: كلّ ورق مفتول كورق الأَثْل و الأرْطَى و الطَرْفاء. قال: و قال أبو عمرو: العَبَل: مِثل الورق و ليس بورق.
ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء قال: أعبل الشجر إذا رَمَى بورقه. قال: و السَرْو و النخل لا يُعبِلان و كل شجر ثبت ورقهُ شتاء وصيفاً فهو لا يُعْبل. قلت: و قد ذكر أبو عبيد عن أبي عمرو في «المصنَّف» نحواً من قول الفرّاء في أعبلت الشجرةُ إذا سقط ورقُها، ثم رَوَى عن اليزيديّ القول الأول: أعبلت الشجرة إذا طلع ورقها.
و قال الليث مثله. قلت أنا: و سمعت غير واحد من العرب يقول: غَضًى مُعْبِل و أرطًى معبل إذا طلع عَبَلُه. و هذا هو الصحيح و منه قول ذي الرمَّة:
إذا ذابت الشمس اتقى صَقَراتها             بأفنان مربوع الصَرِيمةَ مُعْبِل‏
و إنما يتَّقي الوحشيّ حَرّ الشمس بأفنان الأرطاة التي طلع ورقها، و ذلك حين يَكنِس في حمراء القيظ. و إنما يسقط ورقها إذا برد الزمان و لا يَكْنس الوحشيّ حينئذٍ و لا يتّقي حَرَّ الشمس. ثعلب عن ابن الأعرابي: العَبْل: الغليظ و الضخم، و أصله في الذراعين. و جارية عَبْلة، و الجمع عَبْلات لأنها نعت. و يقال: عَبَلتْه إذا رددته.
و أنشد:
ها إن رَميي عنهم لمعبولْ             فلا صريخ اليوم إلّا المصقول‏
كان يرمي عدوّه فلا يغني الرمي شيئاً، فقاتل بالسيف و قال هذا الرجز.
و المعبول: المردود. و قال النَضْر: أعبلت الأرطاةُ إذا نبت ورقها: و أعبلَتْ إذا سقط ورقها، فهي مُعْبل. قلت: جعل ابن شميل أعبلت الشجرة من الأضداد، و لو لم يحفظه عن العرب ما قاله لأنه ثقة مأمون.
أبو عبيد عن الأصمعي: الأعبل و العبلاء:
حجارة بيض. و قال الليث: صخرة عبلاء: بيضاء.
و أنشد في صفة ناب الذئب:
يَبْرُق نابُه كالأعبل‏
أي كحجر أبيض من حجارة المَرْو.
و يقال: رجل عَبْل و جارية عَبْلة إذا كانا ضخمين. و قد عَبُل الغلام عَبَالة. و قال أبو عمرو: العبلاء: مَعْدِن الصُفْر في بلاد قَيْس و قال أبو عُبَيْد عن الأحمر: ألقى عليه عَبَالَّته أي ثِقْله. و يقال للرجل إذا مات: قد عَبَلته عَبُول، مثل شَعَبته شَعُوب. و أصل العَبْل القطع المستأصِل، و أنشد:
 .. عابِلتي عَبول‏
و المِعْبَلة: النَصْل العريض و جمعها معابل.
و قال عنترة:
و في البَجْلي مِعْبلة وقيع‏
و قال الأصمعيّ: من النصال المِعْبلة، و هو أن يعرّض النصل و يطوّل. أبو العباس عن ابن الأعرابي: غلام عابل: سمين.

248
تهذيب اللغة2

عبل ص 247

و جمعه عُبُل. و امرأة عَبُول: ثَكُول و جمعها عُبُل. ابن شميل عن أبي خَيْرة قال: العبلاء الطَرِيدة في سواء الأرض حجارتها بيض كأنها حجارة القَدَّاح.
و ربما قدحوا ببعضها، و ليس بالمَرْو، و كأنها البَلُّور. و قال ابن شُمَيل: الأعبل:
حجر أخشن غليظ يكون أحمر و يكون أبيض و يكون أسود كل يكون، جبل غليظ في السماء.
لعب:
الليث: لعِب يلعَب لُعْباً و لَعِباً. و رجل تِلِعَّابة إذا كان يتلعّب. و رجل لُعبَة: كَثير اللعب. قال: و اللُّعْبة- جَزْم-: الذي يُلعِب به، كالشِطْرَنجة و نحوها. و قال الفرّاء: لعِبت لَعْبة واحدة. و رجل حسن اللِّعْبة- بالكسر-. و اللُّعْبة: ما يُلْعَب به.
الحرّانيّ عن ابن السكيت: تقول: لمن اللُّعْبة؟ فتضمّ أولها لأنها اسم. و تقول:
الشطرنج لُعْبة، و النَرْد لُعْبة. و كل ملعوب به فهو لُعْبة. و تقول: اقعد حتى أفرغ من هذه اللُّعْبة، و هو حسن اللِّعْبة؛ كما يقول:
حسن الجِلسة، و قد لعِبت لَعْبة واحدة.
ثعلب عن ابن الأعرابي: لَعَب الرجل يَلْعَب إذا سال لُعَابه. و قال الليث: لُعَاب الشمس: السَرَاب، و أنشد:
في قَرْقَر بلعاب الشمس مضروج‏
قلت لُعَاب الشمس: هو الذي يقال له:
مُخَاط الشيطان. و هو السَهَام- بفتح السين-، و يقال له: رِيق الشمس، و هو شِبْه الخيط تراه في الهواء إذا اشتدّ الحرّ و رَكَد الهواءُ. و من قال: إن لعاب الشمس السراب فقد أبطل، إنما السراب يُرَى كأنه ماء جارٍ نصفَ النهار. و إنما يعرف هذه الأشياء مَن لزِم الصحاري و الفلوات و سار في الهواجر فيها. و قال الليث: مُلَاعب ظلِّه: طائر يكون بالبادية. و الإثنان ملاعبا ظلّهما، و الثلاثة ملاعبات أظلالهن.
و تقول: رأيت ملاعبات أظلالٍ لهُنّ، و لا تقل: أظلالهن؛ لأنه يصير معرفة.
و كان عامر بن مالك أبو براء يقال له:
مُلَاعِب الأسنَّة، سمّي بذلك يوم السُوبان.
و لُعَاب الحَيَّة: سمّها. و اللُّعَاب: فرس من خيل العرب به معروف. و مَلَاعِب الصبيان و الجواري في الدار من ديارات العرب:
حيث يلعبون، الواحد مَلْعَب. و اللعاب:
الرجل الذي يكون له اللعب حِرْفة.
و لُعَاب النحل: ما تعسِّله. و قال أبو سعيد: استلعبت النخلةُ إذا أطلعت طَلْعاً و فيها بقيَّة من حَمْلها الأول. و قال الطرماح يصف نخلة:
ألحقتْ ما استلعبتْ بالذي             قد أنى إذ حان وقت الصرام‏
لَعُوب: اسم امرأة سميت لعوب لكثرة لعبها. و يجوز أن تسمّى لعوب لأنه يلعب بها. و اللعباء: سَبَخة معروفة بناحية البحرين بحذاء القَطِيف و سِيف البحر.
بلع:
أبو عبيد عن الكسائيّ: بَلِعت الطعام أبلَعه بَلْعاً و سَرِطته سَرْطاً إذا ابتلعته. و قال الليث: يقال: بَلِع الماء بلعاً إذا شرِبه.
قال: و ابتلاع الطعام: ألّا يَمْضُغه. قال:
و البُلَع الواحدة بُلْعة، و هي من قامة البَكْرَة: سَمّها و ثَقْبها. قال: و البالوعة و البَلَّوعة- لغتان- بئر تُحفر و يضيّق‏

249
تهذيب اللغة2

بلع ص 249

رأسها، يجري فيها ماء المطر. قال:
و (بالوعة) لغة أهل البصرة. و المَبْلَع:
موضع الابتلاع من الحَلْق. أبو عبيد عن أبي زيد: يقال للإنسان أوَّلَ ما يظهر فيه الشيب: قد بلَّع فيه الشيب تبليعاً. و سَعْد بُلَع: نجمان معترضان خفيّان ما بينهما قريب، يقال: إنه سمّي بُلَع؛ لأنه كأنه لقرب صاحبه منه يكاد يَبْلَعه، يعني الكوكب الذي معه. و بَلْعاء بن قيس:
رجل من كبراء العرب. و رجل بُلَع و مِبْلع وَ بُلَعة إذا كان كثير الأكل. و قال ابن الأعرابي: البوْلع: الكثير الأكل.
بعل:
و قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً
 [هُود: 72] قال الزجّاج: نصب (شَيْخاً) على الحال. قال: و الحال ههنا نَصْبها من غامض النحو. و ذلك إذا قلت:
هذا زيد قائماً فإن كنت تقصد أن تخبر من لم يعرف زيداً أنه زيد لم يجز أن تقول:
هذا زيد قائماً لأنه يكون زيداً ما دام قائماً، فإذا زال عن القيام فليس بزيد.
و إنما تقول للذي يعرف زيداً: هذا زيد قائماً، فتُعمِل في الحال التنبيه، المعنى انتبِه لزيد في حال قيامه، أو أشير لك إلى زيد في حال قيامه، لأن (هذا) إشارة إلى من حضر، فالنصب الوجه كما ذكرنا.
و من قرأ: (هذا بعلي شيخ) ففيه وجوه.
أحدها التكرير، كأنك قلت: هذا بعلي، هذا شيخ. و يجوز أن تجعل (شيخ) مبنِيّاً عن (هذا). و يجوز أن تجعل (بَعْلِي)
 و (شيخ) جميعاً خبرين عن (هذا) فترفعهما جميعاً ب (هذا)؛ كما تقول: هذا حلو حامض. و قوله عزَّ و جلَّ: أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ [الصَّافات: 125] قيل: إن بعلًا كان صَنَماً من ذهب يعبدونه. و قيل: أتدعون بعلًا أي ربّاً، يقال: أنا بَعْل هذا الشي‏ء أي ربّه و مالكه، كأنه قال: أتدعون ربّاً سوى اللَّه. و
ذكر عن ابن عبّاس أن ضالَّة أُنشِدت، فجاء صاحبها، فقال: أنا بعلها يريد أنا ربّها، فقال ابن عباس: هو من قول اللَّه جلّ و عزّ: أَ تَدْعُونَ بَعْلًا [الصَّافات: 125] أي ربّاً.
و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال في صَدَقة النخل: «ما سُقِي منه بَعْلًا ففيه العُشر»
. قلت: هذا ذكره أبو عبيد في كتاب «غريب الحديث» و سمعته في كتاب «الأموال»: «ما شرب منه بَعْلًا ففيه العُشر» و هذا لفظ الحديث، و الأول كتبه أبو عبيد: على المعنى. و قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: البَعْل: ما شرب بعروقه من الأرض من غير سَقي من سماء و لا غيره.
و أنشد لعبد اللَّه بن رَوَاحة:
هنالك لا أبالي نخل سَقْي             و لا بَعْل و إن عَظُم الإناءُ
قال أبو عبيد: و قال الكسائيّ في البعْل:
هو العِذْي، و هو ما سقته السماء. و قال ذلك أبو عبيدة. قلت: و قد ذكر القتيبيّ هذا في الحروف التي ذكر أنه أصلح الغلط الذي وقع فيها. و ألفيته يتعجّب من قول الأصمعيّ: البَعْل: ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقْي من السماء و لا غيرها، و قال: ليت شعري أينما يكون هذا النخل الذي لا يُسقى من سماء

250
تهذيب اللغة2

بعل ص 250

و لا غيرها، و توهَّم أنه يُصلح غَلطاً، فجاء بأطمّ غلط. و جهل ما قاله الأصمعيّ، و حمله جهله به على التخبّط فيما لا يعرفه، فرأيت أن أذكر أصناف النخيل لتقف عليها، فيصحَّ لك ما حكاه أبو عبيد عن الأصمعيّ. فمن النخيل السَقِيّ. و يقال:
المَسْقَوِيّ. و هو الذي يُسقَى بماء الأنهار و العيون الجارية. و من السقِيّ ما يُسقَى نَضْحاً بالدلاء و النواعير و ما أشبهها.
فهذا صنف. و منها العِذْي. و هو ما نبت منها في الأرض السهلة، فإذا مُطِرت نشِفت السهولةُ ماءَ المطر، فعاشت عروقُها بالثرى الباطن تحت الأرض، و يجي‏ء تمرها قَعقاعاً؛ لأنه لا يكون ريَّان كالسَّقِيّ. و يسمَّى التمر إذا جاء كذلك قَسْباً و سُحّاً. و الضرب الثالث من النخيل:
ما نبت ودِيُّه في أرض يقرب ماؤها الذي خلقه اللَّه تحت الأرض في رَقَّات الأرض ذات النَزّ، فرسخت عروقُها في ذلك الماء الذي تحت الأرض و استغنَتْ عن سَقْي السماء و عن إجراء ماء الأنهار إليها أو سَقْيها نَضْحاً بالدلاء.
و هذا الضرب هو البَعْل الذي فسّره الأصمعيّ. و تَمْر هذا الضرب من التُمْران لا يكون ريّان و لا سُحّاً و لكن يكون بينهما و هكذا فسّر الشافعيّ رَضِي اللَّهُ عَنه البَعْل في باب القَسْم، فيما أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي فقال: البَعْل: ما رَسَخ عروقه في الماء فاستغنَى عن أن يُسقى. قلت:
و قد رأيت بناحية البيضاء من بلاد جزيمةِ عبد القيس نخلًا كثيراً عروقها راسخة في الماء و هي مستغنية عن السَقْي و عن ماء السماء تسمَّى بَعْلًا. و
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه ذكر أيام التشريق فقال: «إنها أيام أكل و شُرْب و بِعَال»
. قال أبو عبيد: البِعَال:
النكاح و ملاعبة الرجل أهله. يقال للمرأة:
هي تباعِل زوجها بِعَالًا و مباعلة إذا فعلت ذلك معه. و قال الحطيئة:
و كم من حَصَان ذات بَعْل تركتَها             إذا الليل أدجى لم تجد من تُبَاعِلُهْ‏
أراد: أنك قتلْتَ زوجها أو أسرته. و يقال للرجل: هو بعل المرأة. و يقال للمرأة:
هي بَعْله و بعلته. و يجمع البعل بُعولة، قال اللَّه جلّ و عزّ: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ‏
 [البَقَرَة:
228]. و قال الليث في تفسير البعل من النخل ما هو أطمّ من الغلط الذي ذكرناه عن القتيبيّ. زعم أن البعل: الذكر من النخل، و الناس يسمّونه الفحل. قلت:
و هذا غلط فاحش. و كأنه اعتبر هذا التفسير من لفظ البعل الذي معناه الزوج.
قلت: و بعل النخيل: إناثها التي تُلَقَّح فتحمِل. و أما الفُحال فإن ثمره ينتفض، و إنما يلقَّح بطَلْعه طَلعُ الإناث إذا انشق.
و قال الليث أيضاً: البَعْل: الزوج. يقال:
بَعَل يَبْعَل بُعولة فهو باعل أي مستعلج قلت: و هذا من أغاليط الليث أيضاً.
و إنما سمّي زوج المرأة بعلًا لأنه سيّدها و مالكها، و ليس من باب الاستعلاج في شي‏ء. و روى سَلَمة عن الفرّاء و أبو عبيد عن الأصمعيّ: بعل الرجل يَبْعَل بَعلًا كقولك: دَهِش و خَرِق و عَقِر. و قال ابن الأعرابي: البعل: الضَجَر و التبرُّم بالشي‏ء.

251
تهذيب اللغة2

بعل ص 250

و أنشد:
بعِلت ابن غَزْوان بَعِلت بصاحب             به قبلك الإخوانُ لم تك تَبْعل‏
قال: و البَعْل: الصَنَم. و البعل: اسم ملِك. و البعل: الزوج، و قد بَعَل يَبْعل بعلًا إذا صار بعلًا لها.
و قال ابن دريد: أصبح فلان بَعلًا على أهله أي ثِقلًا عليهم. و قال ابن الأعرابي:
البَعَل: حسن العشرة من الزوجين.
و البِعال: حديث العروسين. و البِعال:
الجمال. و أنشد:
يا ربُّ بعل ساء ما كان بعل‏
و امرأة حسنة التبعل إذا كانت مطاوِعة لزوجها محِبَّة له. و استبعل النخلُ إذا صار بَعلًا راسخ العروق في الماء مستغنياً عن السقْي و عن إجراء الماء في نهر أو عاثور إليه.
 [باب العين و اللام مع الميم‏]
ع ل م‏
علم، عمل، لمع، لعم «1»، ملع، معل «2»: مستعملات.
علم:
حدّثنا محمد بن إسحاق السعديّ حدثنا سعد بن مَزْيد حدثنا أبو عبد الرحمن المُقْرِى في قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ‏
 [يُوسُف: 68]. فقلت: يا أبا عبد الرحمن ممن سمعت هذا؟ قال: من ابن عُيَينة، قلت: حَسْبي.
و
روي عن ابن مسعود أنه قال: ليس العلم بكثرة الحديث و لكن العِلم الخَشْية.
قلت: و يؤيّد ما قاله قولُ اللَّه جل و عز: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
 [فَاطِر: 28].
و قال بعضهم: العالِم هو الذي يعمل بما يعلم. قلت: و هذا يقرب من قول ابن عيينة. و قول اللَّه جلّ و عزّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*
 [الفَاتِحَة: 2]
رَوى عطاء بن السائب عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس في قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ*
 قال: رب الجِنّ و الإنس.
و
قال قتادة: ربّ الخلق كلِّهم.
قلت: و الدليل على صحَّة قول ابن عباس قول اللَّه جلّ و عزّ: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً
 [الفُرقان: 1] و ليس النبي صلّى اللّه عليه و سلّم نذيراً للبهائم و لا للملائكة، و هم كلّهم خَلْق اللَّه، و إنما بُعث محمد صلّى اللّه عليه و سلّم نذيراً للجنّ و الإنس.
و
روي عن وهب بن منبّه أنه قال: للَّه تعالى ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا منها عالم واحد؛ و ما العُمران في الخراب إلا كفُسْطاط في صحراء.
و قال الزجاج:
معنى الْعالَمِينَ*
: كلّ ما خلق اللَّه كما قال:
وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ‏ءٍ [الأنعَام: 164] و هو
__________________________________________________
 (1) سقط شرح المادة في المطبوعة، و جاء في «اللسان» (لعم): «انفرد بها الأزهري و قال: لم أسمع فيها شيئاً غير حرف واحد وجدته لابن الأعرابي، قال: اللَّعمُ اللُّعاب، بالعين، قال و يقال: لم يتلعثم في كذا أي لم يتمكث و لم ينتظر».
 (2) سقط شرح المادة في المطبوعة. و في العين (2/ 154): «معل: معلت الخصية إذا استخرجتها من أرومتها و صفنها». و انظر «اللسان» (معل- 13/ 145).

252
تهذيب اللغة2

علم ص 252

جمع عالَم. قال: و لا واحد لعالَم من لفظه؛ لأن عالَماً جَمْع أشياء مختلفة فإن جعل عالم لواحد منها صار جمعاً لأشياء متَّفقة. قلت: فهذه جملة ما قيل في تفسير العالم. و هو اسم بني على مثال فاعَل؛ كما قالوا: خاتم و طابَع و دانَقَ.
و أمَّا قول اللَّه جلّ و عزّ: وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
 [البَقَرَة: 102] تكلم أهل التفسير في هذه الآية قديماً و حديثاً. و أبين الوجوه التي تأولوا: أن المَلكين كانا يعلّمان الناس و غيرهم ما يُسألان عنه و يأمران باجتناب ما حَرُم عليهم، و طاعة اللَّه فيما أُمروا به و نهوا عنه. و في ذلك حكمة، لأن سائلًا لو سأل: ما الزنى؟ و ما اللواط؟ لوجب أن يوقف عليه و يُعلَم أنه حرام. فكذلك مَجَاز إعلام المَلَكين الناس السِحْر و أمْرهما السائل باجتنابه بعد الإعلام.
و ذكر أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: تَعَلَّمْ بمعنى اعلَمْ. قال: و منه قوله تعالى: وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ
 [البَقَرَة: 102] قال و معناه أن الساحر يأتي الملكين فيقول: أخبراني عما نهى اللَّه عنه حتى أنتهي. فيقولان: نهى عن الزنى، فيستوصفهما الزنى فيصفانه. فيقول: و عمَّا ذا؟ فيقولان: عن اللواط. ثم يقول:
و عماذا؟ فيقولان: عن السحر، فيقول:
و ما السحر؟ فيقولان: هو كذا فيحفظه و ينصرف، فيخالف فيكفر. فهذا يعلمان، إنما هو: يُعْلِمان. و لا يكون تعليم السحر إذا كان إعلاماً كفراً، و لا تعلُّمه إذا كان على معنى الوقوف عليه ليجتنبه كفراً؛ كما أن من عرف الربا لم يأثم بأنه عرفه، إنما يأثم بالعمل. قلت: و ليس كتابنا هذا مقصوراً على علم القرآن فنودع موضع المشكل كل ما قيل فيه و إنما نثبت فيه ما نستَصْوبه و ما لا يستغني أهلُ اللغة عن معرفته.
و مِنْ صفات اللَّه العليم و العالِم و العلَّام.
قال اللَّه جل و عز: وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ‏
 [يس: 81]
و قال: عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ*
 [الأنعام:
73].
و قال في موضع آخر: عَلَّامُ الْغُيُوبِ* [سَبَإ: 48] فهو اللَّه العالِم بما كان و ما يكون كَوْنه، و بما يكون و لمّا يكن بعد قبل أن يكون.
و لم يزل عالماً، و لا يزال عالِماً بما كان و ما يكون، و لا تخفى عليه خافية في الأرض و لا في السماء.
و يجوز أن يقال للإنسان الذي علَّمه اللَّه عِلماً من العلوم: عليم؛ كما قال يوسُف للمِلك: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ‏
 [يوسف: 55].
و قال اللَّه جلّ و عزّ: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
 [فَاطِر: 28] فأخبر- جلَّ و عزَّ- أن من عباده مَن يخشاه و أنهم هم العلماء.
و كذلك صفة يوسف كان عليماً بأمر ربّه و أنه واحد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ؛ إلى ما عَلَّمه اللَّه مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ* الذي كان يقضي به على الغيب، فكان عليماً بما علَّمه اللَّه.

253
تهذيب اللغة2

علم ص 252

و يقال: رجل علَّامة إذا بالغت في وصفه بالعلم. و العِلْم نقيض الجهل. و إنه لعالم، و قد علِم يعلَم عِلماً.
و يقال: ما علمت بخبر قدومك أي ما شَعَرت.
و يقال: استعلِمْ لي خبرَ فلان و أعْلِمنيه حتى أَعلمه.
و قول اللَّه تعالى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ‏
 [الرحمن: 1، 2] قيل في تفسيره: إنه جلّ ذكره يسَّره لأن يُذكَر.
و أما قوله: عَلَّمَهُ الْبَيانَ‏
 [الرحمن: 4] فمعناه: أنه علَّمه القرآن الذي فيه بيان كل شي‏ء.
و يكون معنى قوله: عَلَّمَهُ الْبَيانَ‏
: مميّزاً- يعني الإنسان- حتى انفصل من جميع الحيوان.
و قال جلّ و عزَّ وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ [الرحمن: 24].
قالوا الأعلام: الجبال، واحدها عَلَم.
و قال جرير:
إذا قطعنا علماً بدا علم‏
و قال في صفة عيسى: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ
 [الزخرف: 61] و هي قراءة أكثر القرَّاء.
و قرأ بعضهم: (و إنه لَعَلَمٌ للساعة) المعنى أن ظهور عيسى و نزوله إلى الأرض عَلَامة تدلّ على اقتراب الساعة.
و يقال لما يُبنى في جَوَادِّ الطريق من المنار التي يستدلّ بها على الطريق: أعلام، واحدها عَلَم. و العَلَم: الراية التي إليها يجتمع الجند. و العَلَم: عَلَم الثوب و رَقْمه في أطرافه. و المَعْلَم: ما جعل علامة و عَلَماً للطرق و الحدود؛ مثل أعلَام الحرَم و معالمه المضروبة عليه.
و
في الحديث: «تكون الأرض يوم القيامة كقُرْصة النَقيّ ليس فيها مَعْلَم لأحد»
. و ذكر سَلَمة عن الفرّاء: العُلام: الصَقْر.
قال: العُلَاميّ: الرجل الخفيف الذكيّ، مأخوذ من العُلَام.
و قال الليث: العُلَام: الباشِق، و هو ضرب من الجوارح. و أما العُلّام- بتشديد اللام- فإن أبا العباس رَوَى عن ابن الأعرابيّ أنه الحِنّاء. قلت: و هو صحيح.
و قال أبو عُبيد: المَعْلَم: الأثر، و جمعه المعالِم.
و يقال: أعلمت الثوب إذا جعلت فيه علامة أو جعلت له عَلَماً. و أعلمت على موضع كذا من الكتاب علامة.
أبو عبيد عن الأحمر: عالمَني فلان فعلَمتُه أَعْلُمُه- بالضمّ- و كذلك كل ما كان من هذا الباب بالكسر في يفعِل فإنه في باب المغالبة يرجع إلى الرفع؛ مثل ضاربته فضربته أضربه. و علمت يتعدى إلى مفعولين. و لذلك أجازوا علمتُنِي كما قالوا: ظننتُني و رأيتُني و حسِبتُني. تقول:
علمت عبدَ اللَّه عاقلًا.
و يجوز أن تقول: علمت الشي‏ء بمعنى عَرَفته و خَبَرته.
و قال اللحياني: عَلَمت الرجل أعْلُمُه عَلْماً إذا شققت شفته العليا، و هو الأعلم، و قد

254
تهذيب اللغة2

علم ص 252

عَلِمَ يَعْلَم عَلَماً فهو أعلم.
و البعير يقال له: أعلم لعَلَم في مِشْفره الأعلى. و إذا كان الشَقّ في شفته السُفلى فهو أفلح.
و قال ابن السكيت: العَلْم: مصدر عَلَمت شفته أعلُمها عَلْماً. و العَلَم: الشقّ في الشَفَة العليا.
و قال ابن الأعرابي: يقال للرجل المشقوق الشفة السفلى: أفلح، و في العليا: أعلم، و في الأنف: أخرم، و في الأُذُن: أخرب، و في الجَفْن: أشتر. و يقال فيه كله أشرم.
و يقال: عَلَمت عِمَّتي أَعْلِمها عَلْماً. و ذلك إذا لُثْتها على رأسك بعلامة تُعرف بها عِمّتك.
و قال الشاعر:
و لُثن السُبُوب خِمْرة قرشيَّة             دُبَيريّة يَعْلِمن في لَوْثها عَلْما
أبو عبيد عن الفرّاء العَيْلام: الضبعان، و هو ذكر الضِبَاع.
و قال الأمويّ و الفرّاء: العَيْلم: البئر الكثيرة الماء. و رجل مُعْلِم إذا عرف مكانه في الحرب بعلامة أعلمها. و أَعْلَم حمزةُ يوم بدر. و منه قوله:
فتعرّفوني إنني أنا ذاكُمُ             شاكٍ سلاحي في الحوادث مُعْلِم‏
و قِدْح مُعْلَم: فيه علامة.
و منه قول عنترة:
و لقد شربت من المدامة بعدما             ركد الهوا جربا لمَشُوف المعلَم‏
و قال شمر فيما قرأت بخطه في كتاب «السلاح» له: العَلْماء من أسماء الدروع.
قال: و لم أسمعه إلا في بيت زهير بن جَناب:
جَلَّح الدهر فانتحى لي و قِدْماً             كان يُنْحي القُوَى على أمثالى‏
يدرك التِمْسَح المولَّع في اللُجَّ             ة و العُصْمَ في رؤوس الجبال‏
و تصدَّى ليصرع البطل الأرْ             وَع بين العَلْماء و السربال‏

و روى غير شمر هذا البيت لعمرو بن قَمِيئة. و قال: بين العلهاء و السربال، بالهاء. و الصواب ما رواه شمر بالميم.
عمل:
قال اللَّه تعالى في آية الصدقات:
وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها
 [التّوبَة: 60] و هم السُعاة الذين يأخذون الصدقات من أربابها، واحدهم عامل و ساعٍ. و استُعمل فلان إِذا وَلِي عملًا من أعمال السلطان. و يقال:
أعمل فلان ذِهنه في كذا و كذا إذا دبره بفهمه. و عمِل فلان العمل يعمَله عَمَلًا فهو عامل. و لم يجى‏ء فعِلت أفعَل فَعَلًا متعدّياً إلَّا في هذا الحرف.
و في قولهم: هبلته أمّه هَبَلًا، و إلّا فسائر الكلام يجي‏ء على فَعْل ساكن العين؛ كقولك: سرِطت اللُقْمة سَرْطاً و بِلعته بَلْعاً و ما أشبهه. و العُمَالة: رِزْق العامل الذي جُعل له على ما قُلِّد من العمل، و عامل الرمح: صدره دون السنان، و يجمع عوامل.
و قال الليث: يقال: عاملت الرجل أعامله‏

255
تهذيب اللغة2

عمل ص 255

معاملة في المبايعة و غيرها. و العَمَلة:
القوم الذين يعملون بأيديهم ضروباً من العمل في طين أو حَفْر أو غيره.
و قال اللحياني: العُمْلة و العُمَالة: أَجْر العمل.
أبو عبيدة: عوامل الدابَّة: قوائمه، واحدها عاملة.
الكسائيّ: ناقة عَمِلة بيِّنة العَمَالة مثل اليَعْملة إذا كانت فارهة، و تجمع اليعملة من النوق: يَعْملات.
و قالت امرأة من العرب: ما كان لي عَمِلة إلَّا فسادكم، أي ما كان لي عمل.
و يقال: لا تتعمَّل في أمرك ذا، كقولك:
لا تتعَنَّ، و قد تعنَّيت للرأي تعنَّيت من أجلك.
و قال مزاحم العُقَيليّ:
تكاد مغانيها تقول من البِلى             لسائلها عن أهلها لا تعَمَّلِ‏
أي لا تتعَنَّ، فليس لك في السؤال فرَج.
و قال أبو سعيد: سوف أتعمَّل في حاجتك أي أتعنَّى.
و قال الجعديّ يصف فرساً:
و ترقبه بعاملة قَذوف             سريعٍ طَرْفها قلقٍ قَذَاها
أي ترقبه بعين بعيدة النظر. و المسافرون إذا مشَوا عَلَى أرجلهم يسمَّون بني العَمَل.
و أنشد الأصمعيّ:
فذكر اللَّه و سمَّى و نزل             بمنزل ينزله بنو عملْ‏
لا ضَفَف يَشْغَله و لا ثَقَلْ‏
نزل: أقام بمنًى، و رجل خبيث العِمْلة إذا كان خبيث الكسب و رجل عمول إذا كان كسُوباً.
و أنشد الفرّاء قول لَبيد:
أو مِسْحَل عمِلٌ عِضَادةَ سَمْحج             بَسَرَاتها نَدَب له و كُلُوم‏
فقال: أوقع (عمل) على (عصادة سَمْحج) قال: و لو كانت (عامل) كان أبين في العربيّة.
قلت: العضادة في بيت لَبيد جمع العَضُد.
و إنما وصف عَيْراً و أتانهُ و سَوقه إيّاها، فجعل (عمل) بمعنى مُعْمِل أو عامل، ثم جعله عَمِلًا و اللَّه أعلم.
و قال الليث: اعتمل الرجلُ؛ إذا عمِل لنفسه.
قلت: هذا كما يقال: اختدم إذا خدم نفسه، و اقترأ إذا قرأ السلام على نفسه.
و استعمل فلان غيره إذا سأله أن يعمل له.
و أعمل فلان رأيه. و يقال: استعمل فلان اللبِن إذا ما بنى به بناء. و يقال: عَمَّلت القوم عُمَالتهم إذا أعطيتهم إيَّاها.
و عاملة: قبيلة، إليها نسب عَدِيّ بن الرِقاع العامليّ. و المعاملة في كلام أهل العراق:
هي المساقاة في كلام الحجازيّين.
و
رُوِي عن الشعبيّ أنه أُتي بشراب معمول‏
، قال أبو العباس: المعمول في الشراب: الذي فيه اللبَن و العَسل و الثّلج.
لمع:
الليث: لَمَع البَرْقُ يَلْمَع إذا أضاء.
و ألمع الرجل بثوبه للإنذار.

256
تهذيب اللغة2

لمع ص 256

قال: و ألمعت الناقةُ بذَنَبها فهي مُلْمِع.
قال: و هي مُلْمِع: قد لَفِحَتْ. و هي تُلمع إلماعاً إذا حَمَلت، و لمَع ضَرْعها عند نزول الدِرَّة فيه.
قال: و إذا تحرّك ولدها في بطنها قيل:
ألمعت.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: إذا استبان حَمْل الأَتَان و صار في ضَرْعها لُمَع سَوَادٍ فهي مُلْمِع.
و قال في كتاب «الخيل»: إذا أشرق ضَرْع الفرس للحمل قيل: ألمعتْ.
قال: و يقال ذلك لكل حافر و للسباع أيضاً. قلت: لم أسمع الإلماع في الناقة لغير الليث، إنما يقال للناقة: مُضْرِع و مُرْمِد و مُرِدّ.
و قوله: ألمعت الناقة بذَنبها شاذّ، و كلام العرب: شالت الناقة بذنبها بعد لَقَاحها، و شَمَذت و اكتارت و عَسَرت. فإن فعلت ذلك من غير حَبَل قيل: أبرقت فهي مُبْرق.
و قال الليث: اللُّمَع: تلميع يكون في الحَجَر أو الثوب أو الشي‏ء يتلوّن ألواناً شتَّى. يقال: حَجَر ملمَّع. و واحدة اللُّمَع لُمْعة. يقال: لُمْعة من سواد أو بياض أو حمرة.
قال: و يقال: للبرق الخُلَّب الذي لا مَطَر فيه: يَلْمَع. و يقال: هو أكذب من يَلْمَع.
و يقال: اليَلْمَع: السراب قلت: و العرب تقول: وقعنا في لُمْعة من نَصِيّ و صِلِّيان أي في بُقعة منها ذاتِ وَضَح لِمَا نبت فيها من النَصِيّ. و يجمع لُمَعاً. و لُمعة جَسد الإنسان نَعْمتها و بَرِيق لونها.
و قال عَدِيّ بن زيد:
تُكذب النفوسَ لُمعتُها             و تحور بعد آثارا
و قال الليث: اليَلْمَعِيّ و الألمعيّ:
الكذّاب، مأخوذ من اليَلْمع و هو الشراب.
قلت: ما علمت أحداً قال في تفسير اليلمعي من اللغويين ما قاله الليث.
قال أبو عبيد عن أصحابه: الألْمعيّ:
الخفيف الظريف. و أنشد قول أوس بن حَجَر:
الأَلمعيّ الذي يظن لك الظَن             كأن قد رأى و قد سمعا
و قال ابن السكيت: رجل يَلْمعيّ و أَلْمَعيّ للذكيّ المتوقِّد.
و رَوَى شمر عن ابن الأعرابيّ أنه قال: الألمعيّ: الذي إذا لمع له أوّلُ الأمر عرف آخِره، يُكْتَفَى بظنّه دون يقينه. و هو مأخوذ من اللَّمْع و هو الإشارة الخفيَّة و النظر الخفيّ. قلت: و تفسير هؤلاء الأئمّة اليلمعيّ متقارب يصدّق بعضُه بعضاً. و الذي قاله الليث باطل؛ لأنه على تفسيره ذمّ، و العرب لا تضع الألمعيّ إلّا في موضع المدح.
و
في حديث عمر رحمه اللَّه أنه رأى عمرو بن حُريث فقال: أين تريد؟ قال:
الشأم. فقال: أمَا إنها ضَاحية قومك، و هي اللمَّاعة بالرُكْبان.
قال شمر: سألت السُلَميّ و التميميّ عنه فقالا جميعاً:
اللمّاعة بالركبان: تلمع بهم أي تدعوهم‏

257
تهذيب اللغة2

لمع ص 256

إليها و تطَّبيهم.
و قال شمر: يقال: لَمَع فلان البابَ أي برز منه. و أنشد:
حتى إذا عَنْ كان في التلمُّس             أفلته اللَّه بشِقّ الأنفس‏
مُلَمَّعَ البابِ رَثيم المَعْطِس‏
و قال شمر: يقال: ألمع بالشي‏ء أي ذهب به. و أنشد قوله:
و عَمْراً وجوناً بالمشقَّر ألْمَعا
قال: و يقال: أراد بقوله: ألمعا: اللذين معاً، فأدخل عليه الألف و اللام.
و قال أبو عدنان: قال لي أبو عبيدة:
يقال: هو الألمع بمعنى الألمعيّ.
قال: و أراد متممّ بقوله:
وجوناً بالمشقر ألمعا
أراد: أي جونا الألمع فحذف الألف و اللام.
قال شمر: و قال ابن بُزُرْج: يقال: لَمَعت بالشي‏ء و ألمعت به أي فته.
و يقال: ألمعْتُ بها الطريقَ فلمعت.
و أنشد:
ألْمِع بهنّ وضح الطريق             لَمْعَك بالكبساء ذات الحُوق‏
و قال ابن مقبل في لَمَع بمعنى أشار:
عَيْثي يلُبّ ابنه المكتوم إذا لَمَعت             بالراكبين على نَعْوان أن يقفا
عَيْثي بمعنى عَجَبى و مَرْحَى. و يقال للرجل إذا فزِع من شي‏ء أو غضب و حزِن فتغيّر لذلك لونُه: قد التُمِع لونُه.
و
في حديث ابن مسعود أنه رأى رجلًا شاخصاً بَصَرُه إلى السماء في الصلاة فقال: ما يدري هذا، لعل بصره سيُلْتَمع قبل أن يرجع إليه.
قال أبو عبيد: معناه: يُخْتَلس، يقال:
التمعنا القوم: ذهبنا بهم.
و قال القطامي:
زمان الجاهلية كل حيّ             أبَوْنا من فَصِيلتهم لِمَاعا
قال أبو عبيد: و من هذا يقال التمع لونُه إذا ذهب. قال: و اللُّمْعَة في غير هذا: هو الموضع الذي لا يصيبه الماءُ في الغُسْل و الوضوء.
و
في حديث لقمان بن عاد أنه قال: إن أرَ مطمعي فحِدَوّ تَلَمَّع، و إلَّا أرى مطمعي فوقّاع بصُلَّع.
قال أبو عبيد: معنى تلمَّع أي تختطف الشي‏ء في انقضاضها، و أراد بالحِدَوّ و الحدَأَة، و هي لغة أهل عكة. و يقال لَمَع الطائر بجناحينه إذا خَفَق بهما. و لَمَع الرجل بيديه إذا أشار بهما. و يقال لجناحي الطائر: مِلْمَعاه.
و قال حُميد يذكر قطاي:
لها مِلْمَعاه إذا أوغفا             يحُثّان جوّجزها بالوَحَى‏
أوغفا: أسرعا. و الوَحَى ههنا: الصوت، و كذلك الوَحَاة، أراد: حفيف جناحيها.
و قال أبو زيد: يقال ليافوخ الصبيّ ما كانت ليّنة: لامعة. جمعها: اللوامع فإذا اشتدَّت و عادت عظماً فهي اليافوخ.

258
تهذيب اللغة2

ملع ص 259

ملع:
أهمله الليث.
أبو عبيد: المَلْع: سرعة سير الناقة. و ناقة مَيْلَع: سريعة. و لا يقال: جمل مَيْلع.
قال: و قال أبو عبيدة: المَلِيع: الأرض التي لا نبات فيها.
و قال ابن الأعرابي: المَلِيع: الفَسِيح الواسع من الأرض البعيد المستوِي. و إنما سمّي مليعاً لمَلْع الإبل فيها و هو ذهابها.
و قال أبو عمرو: المَلِيع: الفضاء الواسع.
و قال ابن شميل: المَليع: كهيئة السِكَّة ذاهب في الأرض، ضيق قعره أقلّ من قامة، ثم لا يلبث أن ينقطع، ثم يضمحلّ إنما يكون فيما استوى من الأرض في الصحاري و متون الأرض، يقول الملِيعُ الغلْوتين أو أقلّ و الجماعة مُلُع. و قال المرّار الفَقْعَسِيّ فيه:
رأيت و دونهم هَضَبات أفعى             حُمُول الحيّ عالية مليعا
قال: تلِيع: مَدَى البصر أرض مستوية.
و من أمثال العرب: ذهبت به عُقَابٌ تُلَاع قال بعضهم: تُلَاع: أرض أضيف إليها.
و يقال: ملاع من نعت العقاب أضيفتْ إلى نعتها. و قال أبو عبيد: من أمثالهم في الهلاك: طارت بهم العنقاء، و أودَتْ بهم عُقَابٌ تلَاع و يقال ذلك في الواحد و الجميع. و قال أبو الهيثم عقاب ملاع هو العُقَيِّب الذي يصيد الجِرْذان، يقال له بالفارسية: موش خارّه. أخبرني بذلك المنذري عنه. و قال أبو زيد: من أمثالهم:
لأنت أخفُّ يداً من عُقَيِّب مَلاع يا فَتًى منصوب و هي عُقَاب تأخذ العصافيرَ و الجِرْذان لا تأخذ أكبر منها. قال:
و مَلاعُ: أرض. قال: و أصابه خرء بَقَاع يا فتى مصروف، هو أن يصيبه غبار و عَرَق فتبقى لُمَعُ من ذلك على جَسَده. و بَقَاع يعني بها أرض. و قال ابن الأعرابي:
يقال: مَلَع العَضِيل أُمّه و ملق أمّه إذا رضعها. و قال أبو تراب: ناقة مَيْلَع مَيْلُق إذا كانت سريعة. و قال شمر: المَيْلَع:
الناقة الخفيفة السريعة. و ما أسرع مَلْعها في الأرض و هو سرعة عَنَقها. يقال:
ما أسرع ما مَلَعت و امتلعت و أملعت و قد امتلع الجمل فسَبق و هو سرعة عَنَقه و أنشد:
جاءت به ميلعة طمرة
و أنشد الفرّاء:
و تهفو بهادٍ لها ملع             كما أقحم القادس الأردمونا
قال: الميلع: المضطرب ههنا و ههنا.
و الميلع: الخفيف. و القادس السفينة.
و الأرْدم: الملَّاح.
***

259
تهذيب اللغة2

ملع ص 259

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
المنهج العام لكتاب تهذيب اللغة
1- يتَّبع مخارج الحروف. و تأليفها:
ع ح ه خ غ/ ق ك/ ج ش ض/ ص س ز/ ط د ت/ ظ ذ ث/ ر ل ن/ ف ب م/ و ا ي.
و قد نظمها أبو الفرج سلمة بن عبد اللَّه المعافري في قوله:
يا سَائِلِي عَنْ حُرُوفِ العَيْنِ دُوْنَكَهَا             في رُتْبَةٍ ضَمَّهَا وَزْنٌ و إِحْصَاءُ
العَيْنُ و الحَاءُ ثُمَّ الهَاءُ و الخَاءُ             و الغَيْنُ و القَافُ ثُمَّ الكَافُ أَكْفَاءُ
و الجيْمُ و الشِّيْنُ ثُمَّ الضَّادُ يَتْبَعُهَا             صَادٌ و سِيْنٌ وَ زايٌ بَعْدَهَا طَاءُ
و الَّدالُ و التَّاءُ ثُمَّ الظَّاءُ مُتَّصِلٌ             بِالظَّاءِ ذَالٌ و ثَاءٌ بَعْدَهَا رَاءُ
و اللَّامُ و النُّونُ ثُمَّ الفَاءُ و البَاءُ             و المِيْمُ و الوَاوُ و المَهْمُوْزُ و اليَاءُ

2- يجري نظام أبواب الكتاب على الوجه التالي:
أولًا: المضاعف.
ثانياً: أبواب الثلاثي الصحيح.
ثالثاً: أبواب الثلاثي المعتل‏
رابعاً: أبواب اللفيف.
خامساً: الرباعي مرتباً على أبوابه.
سادساً: الخماسي بدون أبواب.

261