×
☰ فهرست و مشخصات
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة التحقيق ؛ ج‌1، ص : 3

الجزء الأوّل

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[مقدمة التحقيق]

«بشرى لرواد العلم و المعرفة»

يعتبر التراث الفكري الذي ترثه الشعوب من علمائها و مفكريها و المتقدمين بهم في ميادين الوعي و الثقافة من أغلى ما لديها رأس مال.

و الحديث الوارد فيما يرثه الأنبياء لأممهم:

«ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر».

يجد في الدرجة الثانية من دلالته مصداقا له في علماء الإسلام إذا ففي احياء آثارهم حياة الإسلام و المسلمين و امتداد لحياة القرآن و السنّة النبوية الشريفة و آثار الأئمة المعصومين عليهم السلام.

و من المؤسف جدا أن نرى بعض هذه الاثار القيمة قد انعدمت بمرور الزمان نتيجة غفلة بعض من ليس له إلمام بنتائجه و عواقبه الكئيبة، فلا يسعنا أن نفعل شيئا سوى أن نحمد اللّه على بقاء القسم الأعظم منها محفوظا و بعيدا عن الاضمحلال، و لكن لما لم تكن بعضها في متناول أيدي العلماء و المحققين أما لكونها بصورة‌

3
المعتبر في شرح المختصر1

«بشرى لرواد العلم و المعرفة» ؛ ج‌1، ص : 3

الجزء الأوّل

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[مقدمة التحقيق]

«بشرى لرواد العلم و المعرفة»

يعتبر التراث الفكري الذي ترثه الشعوب من علمائها و مفكريها و المتقدمين بهم في ميادين الوعي و الثقافة من أغلى ما لديها رأس مال.

و الحديث الوارد فيما يرثه الأنبياء لأممهم:

«ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر».

يجد في الدرجة الثانية من دلالته مصداقا له في علماء الإسلام إذا ففي احياء آثارهم حياة الإسلام و المسلمين و امتداد لحياة القرآن و السنّة النبوية الشريفة و آثار الأئمة المعصومين عليهم السلام.

و من المؤسف جدا أن نرى بعض هذه الاثار القيمة قد انعدمت بمرور الزمان نتيجة غفلة بعض من ليس له إلمام بنتائجه و عواقبه الكئيبة، فلا يسعنا أن نفعل شيئا سوى أن نحمد اللّه على بقاء القسم الأعظم منها محفوظا و بعيدا عن الاضمحلال، و لكن لما لم تكن بعضها في متناول أيدي العلماء و المحققين أما لكونها بصورة‌

3
المعتبر في شرح المختصر1

«بشرى لرواد العلم و المعرفة» ؛ ج‌1، ص : 3

مخطوطات تحتفظ بها المكتبات في مخازنها، أو ان طباعتها رديئة و مغلوطة، و لا يمكن أن يستفيد منها الا القليل، و قد قام «المركز العلمي لسيد الشهداء» الذي اهتم بتأسيسه جماعة من العلماء و أهل الخير بتركيز فعالياته على طبع المخطوطات أو تجديد طباعة المطبوع بصورة رديئة من التراث العلمي لابرز علماء الإسلام بصورة أنيقة بالاستفادة من النسخ المصححة و تحقيق عميق على منابع الأحاديث حتى يسهل لرواد العلم و الفضيلة الاستفادة منها.

و من الكتب التي جائت في طليعة هذه الجهود العلمية كتاب «المعتبر» للمحقق (نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن المحقق الحلي المتوفى 676 ه‍) صاحب كتاب شرائع الإسلام الذي يعتبر من أهم الكتب الفقهية اعتبارا لدى الشيعة الإمامية.

و يتضمن هذا السفر القيم بالإضافة إلى المباحث الفقهية الاستدلالية الهامّة الموافقة لمذهب أهل البيت عليهم السلام آراء و نظريات علماء أهل السنة و جاء بصورة «فقه مقارن موجز»، غني بمحتواه فنشكر الباري تعالى على هذا التوفيق و نأمل منه دوامه لإخراج الذخائر العلمية الأخرى.

و قد بذلنا ما في جهدنا في تصحيح الكتاب و مقابلتها بنسخ مصححة قوبلت مع نسخة المحقق نفسه أو غيره مما يعود تاريخه الى القرن العاشر أو القرن الثالث عشر تفضل بها غير واحد من اعلام العصر شكر اللّه فضلهم و زادهم خيرا.

و أرى من اللازم أن أشكر كلا من السادة الفضلاء الكرام الأمجاد‌

4
المعتبر في شرح المختصر1

«بشرى لرواد العلم و المعرفة» ؛ ج‌1، ص : 3

الشيخ محمد على الحيدرى و السيد مهدي شمس الدين و السيد أبو محمد المرتضوى و السيد على الموسوي الذين ساهموا في تحمل مشاق التحقيق من منابع هذا السفر القيم فزاد اللّه تأييداتهم و أجزل أجرهم و جزاهم عن الإسلام خير الجزاء.

كما و أشكر «الحاج محمد آقا كلاهي» دامت تأييداته لتقبله نفقات الطبع و النشر فزاده الباري توفيقا و كرامة.

ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالايمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا و الحمد للّه رب العالمين قم- الحوزة العلمية ناصر مكارم الشيرازي‌

5
المعتبر في شرح المختصر1

حياة المؤلف و آثاره ؛ ج‌1، ص : 7

بسمه تعالى‌

حياة المؤلف و آثاره

هذا السفر القيّم للمحقق الأول (ره) و هو أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي الهذلي و هو خال العلامة الحلي و ابن عم يحيى ابن أحمد بن سعيد الحلي صاحب كتاب الجامع و أستادهما و قد بالغ في اطرائه و الثناء عليه كل من تأخر عنه من العلماء و الفضلاء و أنت بعد الإحاطة بحالاته و مؤلفاته تجده جديرا بذاك حقا و ربما يكشف عن هذا الأمر ما ذكره مقدمة لهذا الكتاب الجليل فعليك بالدقة فيها و قد مدحه تلميذه شمس الدين في إشعاره بقوله:

يا جعفر بن سعيد يا امام هدى

و يا واحد الدهر يا من لا له ثاني

فأنت سيد أهل الفضل كلّهم

لم يختلف أبدا في فضلك اثنان

و قال تلميذه الأخر ابن داود، في وصفه، نجم الدين أبو القاسم المحقق المدقق الإمام العلامة واحد عصره كان ألسن أهل زمانه و أقومهم بالجمة و أسرعهم استحضارا قرأت عليه و رباني صغيرا و كان له عليّ إحسان عظيم و التفات و أجاز لي جميع ما صنّفه و قرأه و رواه و كل ما تصح روايته عنه.

و في إجازة الكبيرة للشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق الناضرة) الملقب‌

7
المعتبر في شرح المختصر1

حياة المؤلف و آثاره ؛ ج‌1، ص : 7

بالمحقق كان محقق الفضلاء و مدقق العلماء و حاله في الفضل و النبالة و العلم و الفقه و الجلالة و الفصاحة و الشعر و الأدب و الإنشاء أظهر من أن يذكر و أظهر من أن يسطر و كان أبوه الحسن من الفضلاء المذكورين وجده يحيى من العلماء الأجلاء المشهورين و ثمَّ قال، قال بعض الأجلاء الاعلام من متأخري المتأخرين رأيت بخط بعض الأفاضل ما صورة عبارته، في صبح يوم الخميس الثالث عشر ربيع الأخر سنة ست و سبعين و ستمائة (676) سقط الشيخ الفقيه أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلي (ره) من أعلى درجة في داره فخر ميتا لوقته من غير نطق و لا حركة فتفجع الناس لوفاته و اجتمع لجنازته خلق كثير و حمل الى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام و سئل عن مولده و قال اثنتين و ستمائة.

أقول و على ما ذكره هذا الفاضل يكون عمر المحقق المذكور أربعا و سبعين سنة تقريبا انتهى.

و قال في منتهى المقال (رجال بو علي) و ما نقله (ره) من حمله الى مشهد أمير المؤمنين عجيب فإن الشائع عند الخاص و العام ان قبره طاب ثراه بالحلة و هو مزار معروف و عليه قبّة و له خدام يخدمون قبره يتوارثون ذلك أبا عن جد و قد خربت عمارته منذ سنين فأمر الأستاد العلامة (السيد علي صاحب الرياض شرح النافع) بعض أهل الحلة فعمروها و قد تشرفت بزيارته قبل ذلك و بعده و اللّه العالم.

و قال المامقاني في تنقيح المقال، و أقول ان قبره في الحلة كما ذكره الا ان المطلع على سيرة القدماء يعلم انهم من باب التقية من العامة كانوا يدفنون الميت ببلد موته ثمَّ ينقلون جنازته خفية الى مشهد من المشاهد.

و قد دفنوا الشيخ المفيد (ره) في داره ببغداد ثمَّ حمل بعد سنين الى الكاظمية و دفن عند قولويه تحت رجل الجواد عليه السلام.

و دفنوا السيد الرضي و المرتضى و أباهما بالكاظميين ثمَّ نقلوهم خفية الى كربلاء‌

8
المعتبر في شرح المختصر1

مؤلفاته الثمينة: ؛ ج‌1، ص : 9

و دفنوهم بجنب قبر جدهم السيد إبراهيم الذي هو في رواق سيد الشهداء كما صرح بذلك العلامة الطباطبائي (ره) في رجاله و كذا صرح في حق المحقق على ما يبالي بنقل جنازته بعد حين الى النجف الأشرف.

و قبره هنا و ان كان غير معروف الا ان المنقول عن بحر العلوم انه كان يقف بين باب الرواق و بابى الحرم المطهر في وسط الرواق فسئل فقال اني أقرء الفاتحة للمحقق فإنه مدفون هنا أي في وسط الرواق بين الباب الاولى و بين الأسطوانة التي بين بابى الحضرة المقدسة و اللّه العالم.

أقول و فيما رثاه تلميذه الشيخ شمس الدين:

أقلقني الدهر و فرط الاسى

و زاد في قلبي لهب الضرام

لفقد بحر العلم و المرتضى في

القول و الفعل و فصل الخصام

أعني أبا القاسم شمس العلى

الماجد المقدام ليث الزحام

أزمة الدين بتدبيره

منظومة أحسن بذاك النظام

قد أوضح الدين بتصنيفه

من بعد ما كان شديد الظلام

لو لا الذي بيّن في كتبه

لأشرف الدين على الاصطلام

مؤلفاته الثمينة:

1- شرائع الإسلام مجلدان و هو من أحسن المتون الفقهية ترتيبا و جمعا للفروع و قد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلفه الى الان و لا يزال من الكتب الدراسية في العواصم الشيعية و قد ذكر صاحب الذريعة شارحيه فراجع.

2- النافع في مختصر الشرائع و هو من المتون المختصرة الحسنة الوضع و التبويب.

3- المعتبر و هو هذا الكتاب و لم يتم، قال (ره) في خطبة الكتاب، حتى‌

9
المعتبر في شرح المختصر1

الأكابر من تلامذته: ؛ ج‌1، ص : 10

اتفق لنا اختصار كتاب الشرائع بالمختصر النافع فدق كثير من معانيه لشدة اختصاره و اشتبهت مقاصده لبعد اغواره فحركني ذلك لشرح مشتمل على تحرير مسائله و تقرير دلائله إلخ.

4- كتاب المسائل الغرية مجلد.

5- كتاب المسائل المصرية مجلد.

6- كتاب المسلك في أصول الدين مجلد.

7- كتاب المعارج في أصول الفقه مجلد.

8- كتاب الكنة في المنطق مجلد.

9- رسالة ألّفها في استحباب التياسر و أرسلها إلى المحقق الطوسي نصير الدين لما جرى بينهما و أوردها الشيخ أحمد بن فهد بتمامها في المهذب.

10- كتاب نهج الوصول الى علم الأصول.

11- و قال تلميذه ابن داود و له كتب غير ذلك ليس هذا موضع إحصائها.

الأكابر من تلامذته:

كان له (ره) مجلس بحث و تحقيق و يحضره الأفاضل و طلاب العلم و الفقه و نقل ان المحقق الطوسي الخواجة نصير الدين حضر مجلس درسه فقطع الدرس تعظيما له و إجلالا لمنزلته فأشار إليه بإكمال الدرس فجرى البحث في مسئلة استحباب التياسر فقال المحقق الطوسي لا وجه لهذا الاستحباب لان التياسر ان كان من القبلة إلى غيرها فهو حرام و ان كان من غيرها إليها فواجب فقال المحقق بل منها إليها فسكت المحقق الطوسي ثمَّ ألّف المحقق في ذلك رسالة لطيفة و أرسلها إلى المحقق الطوسي فاستحسنها.

و إليك جملة من أعاظم تلامذته و مشاهيرهم‌

10
المعتبر في شرح المختصر1

جملة من أساتيده و من يروى عنهم: ؛ ج‌1، ص : 11

1- ابن أخته جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الشهير بالعلامة على الإطلاق.

2- و اخوه الشيخ رضي الدين علي بن يوسف صاحب العدد القوية.

3- و السيد عبد الكريم بن طاوس صاحب فرحة الغري.

4- الحسن بن ابي طالب اليوسفي المعروف ب‍ (فاضل الآبي)، و ابن الزينب صاحب كتاب كشف الرموز شرح النافع.

5- الشيخ صفي الدين الحلي، عبد العزيز بن السرايا، فاضل منتهى أديب من شعراء الغدير.

6- الوزير شرف الدين أبو القاسم علي بن الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي.

7- و الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد و له قصيدة في مرثية المحقق كما ذكرنا.

8- الشيخ المحدث الفقيه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي صاحب كتاب الدر النظيم في مناقب الأئمة عليهم السّلام.

جملة من أساتيده و من يروى عنهم:

1- والده الشيخ حسن كان فاضلا عظيم الشأن.

2- السيد الامام العالم النحرير المعظم محيي الملة و الدين أبو حامد نجم الإسلام محمد بن ابي القاسم عبد اللّه بن علي بن زهرة الحلبي صاحب كتاب الأربعين الذي ألفه في حقوق الاخوان و كانت امه بنت الفقيه محمد بن إدريس صاحب السرائر.

3- شيخ الفقهاء في عصره محمد بن جعفر بن ابي البقاء هبة اللّه بن نماء بن علي بن حمدون الحلي الربعي المعروف بابن نما على الإطلاق.

11
المعتبر في شرح المختصر1

جملة من أساتيده و من يروى عنهم: ؛ ج‌1، ص : 11

4- السيد السند النسابة العلامة شيخ الشرف شمس الدين أبو علي فخار بن معد الموسوي مؤلف كتاب الحجة على الذاهب الى تكفير ابي طالب.

5- السيد مجد الدين علي بن الحسن بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن عيسى بن علي العريضي صاحب المسائل عن أخيه الكاظم عليه السّلام و كان فاضلا جليلا.

6- الشيخ المتكلم الفقيه البارع سديد الدين سالم بن محفوظ صاحب المنهاج في الكلام.

7- الشيخ الصالح تاج الدين الحسن بن علي الدربي كان من أجله العلماء و قدوة الفقهاء.

محمد على الذاكر الشيرازي‌

12
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة الكتاب ؛ ج‌1، ص : 17

[مقدمة الكتاب]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ذي القوة الباهرة، و السطوة القاهرة، و النعمة الغامرة، و الرحمة الوافرة، المرتفع عن تمثيل الخواطر الخاطرة، و تحصيل النواظر الناظرة، المنعم بإرسال الرسل المتواترة لإرشاد الفطن الحائرة، و إخماد الفتن الثائرة، أحمده حمدا تقيل له المساعي البائرة، و تقل معه الدواعي الفاترة، و ترغم به الأنوف النافرة، و تحسم به الدوائر الدائرة، و أشهد أن لا إله إلا اللّه شهادة أستدفع بها الأهوال الفاقرة، و أسترفع بها الاعمال القاصرة، و صلى اللّه على صاحب الدعوة الطاهرة، و الملة السائرة، سيدنا «محمد» ذي الأعراف الفاخرة، و الأخلاق الطاهرة، و على ذريته الأنجم الزاهرة، و البحار الزاخرة، صلاة تخرق الحجب الساترة و تسبق الاعداد الحاصرة.

و بعد: فان القواعد العقلية، و الشواهد النقلية، قاضية بأن أتم الأسباب معتصما، و أهمها متمسكا و ملتزما، استعمال قوتي النظر و العمل، هذه لتحصيل سعادة المعاد، و تلك لتحصين العقائد من تطرق وجوه الفساد.

و لما لم يكن كل عمل موصلا و لا كل نظر محصلا افتقر الإنسان إلى مرشد ليسلك بتوفيقه جادة الصواب، و يأمن بتثقيفه الوقوع في مادة الاضطراب، فأوجبت الحكمة نصب نبي يتلقى الآداب الشرعية عن وحي الهي، ثمَّ يؤيد بالعجز الحق‌

17
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة الكتاب ؛ ج‌1، ص : 17

الدال على الصدق، فيتلقى بالقبول أو أمره و نواهيه، و يذعن بالتسليم لما يسنه و يقرره.

و لما قضت الحكمة بالعدم، و أوجبت فناء الأمم، لزم أن يوعز ما لقن من أحكامه، و لقن أقسامه إلى أئمة ينوبون منابه و يقومون مقامه، يحفظون ما أودعه و يؤدون ما شرعه، لا تعلق بهم عوارض الالتباس و لا يسندون الى استحسان و لا قياس ليوثق بما يؤخذ عنهم كما قال اللّه سبحانه لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ «1».

و لما كانت الحوادث قد تفرض و الموانع قد تعرض، ندب اللّه سبحانه الى التفقه، فق لتنبه الغافلون و يهتم المهملون فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «2» و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «طلب العلم فريضة» «3» و قال علي عليه السّلام: «العلم مخزون عند أهله و قد أمرتم بطلبه منهم» «4» و قال جعفر بن محمد «لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه و لو بسفك المهج و خوض اللجج» «5» لكن لم يبذل لكل طالب و لا تيسر لكل راغب بل خص به من رشدت خلائقه، و حمدت طرائقه تعظيما لقدره، و تفخيما لأمره، و صونا لسره، فقال سبحانه: تنبيها و تذكيرا يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشٰاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «6» فلهذا كان الفقهاء أعظم الناس أقدارا، و أكرمهم آثارا، و أظهرهم اسرارا، و أظهرهم ذكرا و انتشارا، و أكثرهم أتباعا و أنصارا، لا يضرهم خذلان الخاذلين، و لا يغض منهم أغراض الجاهلين، بل صحبتهم طاعة، و فرقتهم إضاعة.

______________________________
(1) النساء: 83.

(2) التوبة: 122.

(3) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 36.

(4) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 35.

(5) بحار الأنوار ج 1 ص 177 طبع حديث.

(6) البقرة: 269.

18
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة الكتاب ؛ ج‌1، ص : 17

قال أمير المؤمنين عليه السّلام لولده محمد رضي اللّه عنه: «تفقه في الدين، فان الفقهاء ورثة الأنبياء» «1» و ان طالب العلم ليستغفر له من في السموات و من في الأرض، حتى الطير في جو السماء، و الحوت في البحر، و ان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به و قال الصادق عليه السّلام: «الأنبياء حصون، و العلماء سادة» «2» و قد خص اللّه طائفتنا باقتفاء الصدق، و اتباع الحق، لتلقي الاحكام عن رؤساء أهل البيت، فهم معتمدون على التحقيق، مستندون الى الذكر الوثيق، لا يلوون على قائل بظنه، شارع برأيه، يقول على اللّه ما لا يعلم، و يفتي بالوهم، و ساء ما يتوهم، و لما تعددت التبع، و ظهرت البدع، و أقام كل فريق رأسا، يقتدون ببدعته، و يتعبدون بشرعته، وجب أن ينشر أهل الحق ما علموه، و يظهروا ما كتموه، قال النبي صلى اللّه عليه و آله: «إذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه» «3».

و لما كانت الكتابة مناط الفهم، و رباط العلم، و صراط العصمة من الوهم، كما قال جعفر بن محمد: «اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا» «4» و قال للمفضل:

«اكتب، و بث كتبك في إخوانك، فإنه يأتي على الناس زمان، لا يأنسون الا بالكتب» «5» أحببت أن أكتب دستورا يجمع أصول المسائل و أوائل الدلائل أذكر فيه خلاف الأعيان من فقهائنا، و معتمد الفضلاء من علمائنا، و ألحق بكل مسئلة من الفروع ما يمكن إثباته بالحجة، و سياقته الى المحجة، فقطعت الحوادث عن ذلك القصد، و منعت الكوارب ورود ذلك الورد، حتى اتفق لنا إحضار كتاب الشرائع بالمختصر‌

______________________________
(1) بحار الأنوار ج 1 ص 216 طبع حديث.

(2) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 39 ح 5 (مع تفاوت يسير).

(3) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 70.

(4) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 66 ح 9.

(5) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 67 ح 11 (مع تفاوت).

19
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة الكتاب ؛ ج‌1، ص : 17

النافع، فدق كثير من معانيه لشدة اختصاره، و اشتبهت مقاصده لبعد أغواره، فحركني ذلك لشرح مشتمل على تحرير مسائله و تقرير دلائله.

هذا و الموانع حاجزة، و الأسباب عاجزة، حتى ورد أمر الصاحب الأعظم، ولي النعم، غياث الأمم، سلطان صدور العرب و العجم، العالم العادل، المخصوص بمزايل الفضائل و الفواضل، مقرر قواعد الايمان بسيرته العادلة، و مدمر دعائم الطغيان بسطوته الهائلة، جابر العباد، و قاهر العناد، بهاء الملة و الدين، عماد الإسلام و المسلمين «محمد ابن المولى» صاحب ديوان الممالك، باسط العدل في الأقطار و الممالك، شمس الملة و الدين، ناصر الإسلام و المسلمين، كاسر الملحدين و المشركين، و الحسب السني «محمد بن محمد الجويني» أعز اللّه نصرهما، و أنفذ في الافاق أمرهما، و لا زال أمر الدين بميامن دولتهما منتظما، و شمله بمحاسن ايالتهما ملتئما، ان أمضى على ذلك شارحا مسائله، موضحا مشكلة، كاشفا وجوهه و علله، فقويت العزيمة بعد فتورها، و ثابت الهمة بعد نفورها، امتثالا لأوامره العالية، و اتباعا لمراسمه السامية، و جعلته مشتملا على أصول المسائل و فروعها، محتويا على تقسيمها و تنويعها، و خدمت بها الخزانة المعظمة البهائية، عمّر اللّه معاهد الإسلام بعمارة معاهدها، و مهد قواعده بتمهيد قواعدها، و لا زالت محروسة الجوانب، محفوظة من الغوائل و النوائب، ليكون لمالكها أجر الانتفاع به، و يستمر شكر المتشاغلين بسببه على توالي الاحقاب و تعاقب الأعقاب، و يكون مذكرا لي عند وصوله الى مقامه المنيف، و تشريفه بنظره الشريف، و أنا أسأل اللّه تعالى الأمداد بإعانته و الإسعاد على طاعته و الإرشاد في بدو الأمر و خاتمته، و قبل الشروع أقدم مقدمة يشتمل فصولا‌

20
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الأول‌[في وصايا نافعة] ؛ ج‌1، ص : 21

الفصل الأول [في وصايا نافعة]

ليكن تعلمك للنجاة، لتسلم من الرياء و المراء و بحثك لاصابة الحق، لتخلص عن قواطع الأهوية و مئالف النشاء، و أكثر التطلع على الأقوال لتظفر بمزايا الاحتمال، و استنقض البحث عن مستند المسائل لتكون على بصيرة فيما تتخيره، و عليك بالحفظ فإنه أربط للعلم، و أضبط للفهم، و دوام البحث يعطك استعدادا لتلقي النتائج النظرية بالفعل، و اختر المباحث الصالح لتستفيد من خلقه ما يصير لك سجية.

ثمَّ أوصيك إياك «و الحشوية» من المتفقهة و المقلدة منهم، فربما خادعوك ليجذبوك الى جهالتهم، و انما يريدون جبر مقالتهم و ستر ضلالتهم، و لا يغررك لو قال الحق لائح، فلا ارتياب و الطريق واضح فقيم الإسهاب فإنه لا يصعب أن تجيبه بأن كل ممكن أن يعلم يصلح أن يوصف بالوضوح و ان دق طريقه و شق تحقيقه، و ليس إطلاق الوضوح عليه موجبا بالفعل، فأنت إذا اعتبرت خلاف الفضلاء في المسائل الفقهية، ذلك على صعوبة الظفر الا بعد بحث و نظر، فيتحقق انه دلّس في عبارته، و لبّس في إشارته زيادة تحقيق: ان في الناس المستعبد نفسه لشهوته، المستغرق وقته في أهويته مع إيثاره الاشتهار بآثار الأبرار، و اختياره الاتسام، بسير الأخيار.

اما لان ذلك في جبلته، أو لأنه وسيلة إلى حطام عاجلته، فيثمر هذان الخلقان نفاقا غريزيا و حرصا على الرئاسة الدينية طبيعيا، فاذا ظهرت لغيره فضيلة عليه خشي غلبة المزاحم، و منافسة المقاوم، ثمَّ يمنعه نفاقه من المكافحة، فيرسل القدح في ذي المناصحة، و يقول لو قال كذا، لكان أقوم، لو لم يقل كذا، لكان أسلم، موهما انه أوضح كلاما و أرجح مقاما، فاذا ظفرت بمثله، فليشغلك الاستعاذة باللّه من بليته عن الاشتغال بإجابته، فإنه شر الرجال، و أضر على الأمة من الدجّال، كأني بكثير ممن ينتحل‌

21
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

هذا الفن يقف على شي‌ء من مقاصد هذا الكتاب فيستشكله، و يحمل فكره فيه فلا يحصله، فعزله بذهنه الجامد على التأويل المفاسد، و يدعو الى متابعته لظنه الإصابة، فهو كما قيل أساء سمعا فأساء اجابة فعليك بإمعان النظر فيما يقال، مستفرغا وسعك في درء الاحتمال، فاذا تعين لك الوجه فهناك فقل، و الا فاعتصم بالتوقف، فإنه ساحل الهلكة.

تتمة: أنك في حال فتواك مخبر عن ربك و ناطق بلسان شرعه، فما أسعدك إن أخذت بالجزم، و ما أخيك إن بنيت على الوهم، فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى:

وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ «1» و انظر الى قوله تعالى قُلْ أَ رَأَيْتُمْ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرٰاماً وَ حَلٰالًا قُلْ آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ «2» و تفطّن كيف قسم مستند الحكم الى القسمين، فما لم يتحقق الإذن، فأنت مفتر.

الفصل الثاني [في أن مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) متعين الاتباع]

يدل على ذلك: النقل، و العقل. اما النقل: فمنه قوله تعالى إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «3» و قد روى أبو سعيد الخدري، و شهر بن حوشب، عن أم سلمة، انها قالت: «نزلت في بيتي و فيه علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، عليهم السّلام فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عباءه فجلّلهم بها، ثمَّ قال: هؤلاء، أهل بيتي، أذهب اللّه عنهم الرجس، و طهرهم تطهيرا، فقلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله‌

______________________________
(1) الأعراف: 33.

(2) يونس: 59.

(3) الأحزاب: 33.

22
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

أ لست من أهل البيت؟ فقال: انك على خير» «1».

و عن ابن عباس: «انها نزلت في علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السّلام» «2» لا يقال: المراد بها النساء، لان صدر الآية، و عجزها، دال عليهن. لأنا نقول: لا يلزم من ذلك، ارادة النساء، لأن الكناية صريحة في التذكير، و ليس يبعد أن يخرج من معناه الى غيره، ثمَّ يعود اليه، كما قال ابن عباس: نزل القرآن بإياك أعني و اسمعي يا جارة، و مع انتفاء الرجس، يكون ما أفتوا به حقا، لان الرجس يقع على كل ما يكره.

و منه قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين، و ان أئمتكم وقودكم الى اللّه عز و جل فانظروا من توقدون في دينكم» «3».

و قوله صلى اللّه عليه و آله: «مثل أهل بيتي، كمثل نجوم السماء، فهم أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاذا ذهبت النجوم، طويت السماء، و إذا ذهب أهل بيتي، خربت الأرض، و هلك العباد» «4» و قوله صلى اللّه عليه و آله: «اني تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي، و انهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض» «5».

______________________________
(1) إحقاق الحق ج 2 ص 514، نقله من ذخائر العقبى لحافظ الفقيه محب الدين أحمد بن عبد اللّه طبرى. و ص 521.

(2) إحقاق الحق ج 14 ص 53، نقله من تنزيل الايات للحافظ الحسين بن الحكم الحبري.

(3) رواه إثبات الهداة للحر العاملي ج 1 من ذخائر العقبى (ص 17 ط قاهرة) مع تفاوت يسير.

(4) إحقاق الحق ج 9 ص 302، نقله من كتب أهل السنة في عبارات مختلفة.

(5) راجع الى كتاب إحقاق الحق ص 309 الى 375.

23
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

و قوله: «يا علي الإمامة فيكم، و الهداية منكم» «1» و قوله صلى اللّه عليه و آله: «من أهل بيتي اثنى عشر نقيبا نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم، القائم بالحق عليه السّلام» «2» و قوله صلى اللّه عليه و آله: «ان اللّه تعالى اختار من الأيام يوم الجمعة، و من الشهور شهر رمضان، و من الليالي ليلة القدر، و اختار من الناس الأنبياء، و اختار من الأنبياء الرسل، و اختارني من الرسل، و اختار مني عليا، و اختار من علي الحسن، و الحسين، و اختار من الحسين الأوصياء، و هم تسعة من ولده، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين» «3».

و روى سليم بن قيس قال: «سمعت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، يقول:

كنا عند معاوية، و الحسن، و الحسين، و ابن عباس، و عمر بن أبي سلمة، و أسامة ابن زيد، فذكر كل منهم ما جرى بينهم و بينه، و انه قال لمعاوية: اني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فاذا استشهد فابنة الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فاذا استشهد فعلي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و ستدركه يا علي، ثمَّ ابني محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و ستدركه يا حسين، ثمَّ تكملة اثنى عشر إماما، تسعة من ولد الحسين» قال عبد اللّه ابن جعفر: «فاستشهدت الحسن، و الحسين، و عبد اللّه بن العباس، و عمر بن أبي سلمة، و أسامة بن زيد، فشهدوا بذلك» «4» و وراء هذه الاخبار أضعافها، دالة على اختصاص أهل البيت بالمزية الموجبة للاتباع.

______________________________
(1) لم توجد.

(2) لم توجد.

(3) لم توجد.

(4) كتاب سليم بن قيس الهلالي ج 3 ص 36.

24
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

لا يقال: هذه الاخبار آحاد و هي لا توجب العلم، و لو سلمت لكان أهل البيت إشارة الى أهل العباء، دون الباقين ممن تعتمدون قوله، لأنا نجيب عن الأول بأنها و ان كانت آحادا، لكنها إذا انضمت الى ما نقله الإمامية في هذا المعنى بلغ اليقين، و الا فأي عاقل يجوز أن يجتمع هذا الجم الغفير على اختلاف مثل هذه الاخبار و أضعافها مما يملأ الصحف، هذا، مما لا يظنه محصل.

و لو سلمنا انها آحاد، لكن الناس بين امامي، و مخالف له، و كل مخالف فإنما يعتمد على فتوى قايس عامل بأخبار الاحاد، مثبت بها الأحكام الشرعية، و قد أجمع الناس الا من لا عبرة به أن الخبر أرجح من القياس في العمل، فحينئذ يجب اعتماد فتوى هؤلاء السادة، لأن الأخبار الدالة على وجوب متابعتهم أقوى من الاخبار التي يبنى عليها علماء الجمهور مذاهبهم. و اما قوله: ان أهل البيت هم أهل العباء خاصة دون من بعدهم، فيضعف بقوله عليه السّلام «فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» «1».

و لو قيل: فلم لا يكون الأئمة المشار إليهم من أهل البيت غير من استندتم الى فتواه، قلنا: يشهد لمن استندنا إليه اتساع فتواه، و وجود ما يلتمسه المستفتون عنده دون كل من تعرض لذلك من الذرية، يعلم ذلك اضطرارا عند الوقوف على سيرهم.

و اما العقل: فوجوه:

الوجه الأول: ما انتشر عنهم من العلوم الفقهية، و الأصولية، و التفسيرية، منضما الى غيرها من العلوم، كالنجوم، و الطب، فان عليا عليه السّلام استند اليه كل فاضل، و افتقرت اليه الصحابة في الحوادث، و لم يفتقر الى أحد، و كذا كل واحد من الأئمة حتى ان محمد بن علي عليه السّلام لاتساع علمه و انتشاره سمّي باقر العلم، و لم ينكر‌

______________________________
(1) راجع الى كتاب إحقاق الحق ص 309 الى 375.

25
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

تسميته منكر، بل انهم شهدوا انه وقع موقعه و حل محله، و كذا الحال في جعفر بن محمد عليه السّلام، فإنه انتشر عنه من العلوم الجمّة ما بهر به العقول، حتى غلا فيه جماعة و أخرجوه إلى حد الإلهية.

و روى عنه من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل، و برز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جم غفير كزرارة بن أعين، و أخويه: بكير، و حمران، و جميل بن دراج، و محمد بن مسلم، و بريد بن معاوية، و الهشامين، و أبي بصير، و عبيد اللّه، و محمد و عمران الحلبيين، و عبد اللّه بن سنان، و أبي الصباح الكناني، و غيرهم من أعيان الفضلاء كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف سموها «أصولا» و كذا كل واحد منهم صلوات اللّه عليهم لم يسئل أحد منهم فتردد و لا تلعثم، و لا استشكل سؤالا و لا عول في جواب على مساعد و لا مباحث، مع انهم لم يشاهدوا مختلفين الى معلم و لا ادعى ذلك عليهم مدع من أوليائهم و لا أعدائهم، بل كل منهم يسند عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و هذا من أقوى الحجج على اختصاصهم بالمزية القضائية بأنها خاصة من اللّه و معجزة امتازوا بها عن الخلق.

الوجه الثاني: ما ظهر عنهم من المعجزات التي ملأ بها المحدثون الكتب من الاخبار بالمغيبات، و الطبع في الحصى و غيره، و ذكر ذلك مفصلا يفتقر الى كتاب مفرد، فمن أراده فليراجع الكتب المختصة به.

الوجه الثالث: اتفاق الناس بأجمعهم على طهارة أئمتنا عليهم السّلام، و شرف أصولهم، و ظهور عدالتهم، و براءتهم ما يشين منهم نسبا أو حسبا أو خلقا، و قصور الألسنة عن القدح فيهم مع اعراض ولاة أزمنتهم عنهم، و إيثارهم الغض منهم، و التعريض للوقيعة فيهم بالصلاة الوافرة، فلو لا انهم من صفات الكمال الى حد يقصر عنه الألسن عن القدح فيهم و يتحقق كذب الطاعن عليهم لما استمر لهم ذلك. ثمَّ هم مع هذه الأخلاق الطاهرة، و العدالة الظاهرة، يصوبون الإمامية في الأخذ عنهم و العمل‌

26
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

بفتويهم، و يعيبون على غيرهم ممن أفتى باجتهاده و قال برأيه، و يمنعون من يأخذ عنه و يستخفون رأيه و ينسبونه الى الضلال، يعلم ذلك منهم علما ضروريا صادرا عن النقل المتواتر، فلو كان يسوغ لغيرهم ما ساغ لهم لما عابوا، لمكان ما استسلف من اتفاق المسلمين على عدالتهم و صلاحهم، و لان الاتفاق على عدالتهم و الشك في عدالة من سواهم من فقهاء العامة يوجب العمل بقولهم صلوات اللّه عليهم، و يمنع من العمل بفتوى غيرهم من أرباب الاجتهادات. و هذه الطرق التي ذكرناها انما هي على تقديران نعرض عند الاستدلال بما خصهم اللّه به من وجوب الطاعة، و اختارهم له من الإمامة، و ميزهم به من العصمة التي أوضحنا طرقها في الكتب الكلامية، و حققها علماؤنا و بتقدير أن نسلك تلك الطرق فإن نستغني عن جميع ما أوردناه.

و قد قال بعض من لا معرفة له: ان الجواد صلوات اللّه عليه تلمذ لابن أكثم، و هو جهل بمنزلة الجواد صلوات اللّه عليه و قلة اطلاع على ما ورد عنه من العلم الجم، و ما اشتهر من أجوبته عن مسائل الإمامية بما يدل على الاعجاز، و قد كان من تلامذته و أشياعه القائلين بإمامته من لا يرتضي أن يكون ابن أكثم تلميذا له، كالحسين بن سعيد، و أخيه الحسن، و محمد بن أبي نصير البزنطي، و أحمد بن محمد بن خالد البرقي، و شاذان بن الفضل القمي، و أيوب بن نوح بن دراج، و أحمد ابن محمد بن عيسى و غيرهم ممن يطول تعدادهم، و كتبهم الان منقولة بين الأصحاب دالة على العلم الغزير، فهل يستجيز ذو تحصيل أن يعتقد في هؤلاء الفضلاء اتخاذهم تلميذا لابن أكثم اماما يعتقدون عصمته، و فرض طاعته، هذا ما لا يعتقده ذو بصيرة.

27
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثالث‌[في مستند الاحكام‌] ؛ ج‌1، ص : 28

الفصل الثالث [في مستند الاحكام]

و هي عندنا خمسة: الكتاب، و السنة، و الإجماع، و دليل العقل، و الاستصحاب.

أما الكتاب:

فأدلته القسمان: النص، و الظاهر، و «النص» ما دل على المراد منه من غير احتمال، و في مقابلة «المجمل» و قد يتفق اللفظ الواحد أن يكون نصا مجملا باعتبارين، فان قوله تعالى يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ «1» نص باعتبار الاعتداد، مجمل باعتبار ما يعتد به. و اما «الظاهر» فهو اللفظ الدال على أحد محتملاته دلالة راجحة، و لا ينتفي معها الاحتمال، و في مقابلته «المأول» و الظاهر أنواع: أحدها: ما كان راجحا بحسب العرف كدلالة الغائط على الفضلة. الثاني:

ما كان راجحا بحسب الشرع، كدلالة لفظ الصوم على الإمساك عن المفطرات، و هذان و ان كانا نصين باعتبار الشرع و العرف، الا ان احتمال ارادة الوضع لم تنتف انتفاء يقينيا. الثالث: «المطلق» و هو اللفظ الدال على الماهية، فهو في دلالته على تعلق الحكم بها لا بقيد منضم دلالة ظاهرة. الرابع: «العام» و هو الدال على اثنين فصاعدا من غير حصر، فإنه في دلالته على استيعاب الأشخاص ظاهر لا قاطع، اما «المأول» فهو اللفظ الذي يراد به المعنى المرجوح من محتملاته، كقوله تعالى:

وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ «2».

و أما السنة: فثلاثة:

قول، و فعل، و إقرار. أما القول: ففيه الأقسام المتقدمة و أما الأفعال: فإن وقع بيانا تبع المبين في وجوبه و ندبه و اباحته، و ان فعله ابتداء فلا حجة فيه الا أن يعلم الوجه الذي وقع عليه فتجب المتابعة. و اما ما أقره النبي‌

______________________________
(1) البقرة: 228.

(2) الرحمن: 27.

28
المعتبر في شرح المختصر1

و أما السنة: فثلاثة: ؛ ج‌1، ص : 28

صلى اللّه عليه و آله فإنه يدل على الجواز، لأنه صلى اللّه عليه و آله لا يقرر منكرا، سواء فعل بحضرته أو لا بحضرته مما يعلم انه صلى اللّه عليه و آله علمه و لم ينكره، و اما ما يندر فلا حجة فيه، كما روي أن بعض الصحابة قال: كنا نجامع و نكسل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فلا نغتسل، لجواز أن يخفى فعل ذلك على النبي صلى اللّه عليه و آله فلا يكون سكوته عنه دليلا على جوازه لائق قول الصحابي: (كنا نفعل) دليل على عمل الصحابة أو أكثرهم، فلا يخفى ذلك عن الرسول، لأنا نمنع عن نفسه أو عن جماعة يمكن أن يخفى حالهم على النبي صلى اللّه عليه و آله.

ثمَّ السنة اما متواترة، و هي ما حصل معها العلم القطعي باستحالة التواطؤ و خبر واحد: و هو ما لم يبلغ ذلك، مسندا كان و هو ما اتصل المخبرون به الى المخبر، أو مرسلا، و هو ما لم يتصل سنده. فالمتواتر حجة لإفادته اليقين، و كذا ما أجمع على العمل به، و ما أجمع الأصحاب على اطراحه فلا حجة فيه.

مسئلة: أفرط «الحشوية» في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر، و ما فطنوا ما تحته من التناقض، فان من جملة الأخبار قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «ستكثر بعدي القالة علي» «1» و قول الصادق عليه السّلام: «ان لكل رجل منا رجل يكذب عليه» «2».

و اقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال: كل سليم السند يعمل به، و ما علم ان الكاذب قد يلصق، و الفاسق قد يصدق، و لم يتنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة و قدح في المذهب، إذ لا مصنف الا و هو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر الواحد المعدل. و أفرط آخرون في طرف رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا و نقلا، و اقتصر آخرون فلم يروا العقل مانعا، لكن الشرع لم يأذن في العمل به، و كل هذه الأقوال منحرفة عن السنن، و التوسط أصوب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به، و ما أعرض الأصحاب عنه أو شذ، يجب اطراحه لوجوه:

______________________________
(1) لم يوجد.

(2) لم يوجد.

29
المعتبر في شرح المختصر1

و أما السنة: فثلاثة: ؛ ج‌1، ص : 28

أحدها- ان مع خلوه من المزية يكون جواز صدقه مساويا لجواز كذبه فلا يثبت الشرع بما يحتمل الكذب.

الثاني- اما أن يفيد الظن أو لا يفيد، و على التقديرين لا يعمل به، اما بتقدير عدم الإفادة فمتفق عليه، اما بتقدير افادة الظن فمن وجوه: أحدها- قوله تعالى:

وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ «1». الثاني- قوله تعالى وَ إِنَّ الظَّنَّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً «2». الثالث- قوله تعالى وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ «3».

الثالث- انه ان خص دليلا عاما كان عدولا عن متيقن الى مظنون، و ان نقل عن حكم الأصل كان عسرا و ضررا و هو منفي بالدليل، و لو قيل: هو مفيد للظن فيعمل به تفصيا من الضرر المظنون. منعنا افادته الظن، لقوله صلى اللّه عليه و آله: «ستكثر بعدي القالة علي فاذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب اللّه العزيز فان وافقه فاعملوا به، و الا فردوه» و خبره مصداق فلا خبر من هذا القبيل الا و يحتمل أن يكون من القبيل المكذوب. لا يقال: هذا خبر واحد. لأنا نقول: إذا كان الخبر حجة فهذا أحد الاخبار، و ان لم يكن حجة فقد بطل الجميع. و لا يقال: الإمامية عاملة بالأخبار و عملها حجة. لأنا نمنع ذلك، فإن أكثرهم يرد الخبر بأنه واحد و بأنه شاذ، فلو لا استنادهم مع الاخبار الى وجه يقتضي العمل بها لكان عملهم اقتراحا، و هذا لا يظن بالفرقة الناجية، و اما انه مع عدم الظفر بالطاعن و المخالف لمضمونه يعمل به، فلأن مع عدم الوقوف على الطاعن و المخالف له يتيقن انه حق، لاستحالة تمالي الأصحاب على القول الباطل و خفاء الحق بينهم، و اما مع القرائن فلأنها حجة بانفرادها فتكون دالة على صدق مضمون الحديث و يراد بالاحتجاج به التأكيد‌

______________________________
(1) الاسراء: 36.

(2) يونس: 36.

(3) البقرة: 169.

30
المعتبر في شرح المختصر1

و اما الإجماع: ؛ ج‌1، ص : 31

و لا يقال: لو لم يكن خبر الواحد حجة لما نقل. لأنا ننقض ذلك بنقل خبر من عرف فسقه و كفره و من قذف بوضع الاخبار و رمي بالغلو، و بالأخبار التي استدلوا بها في بحوث العلمية كالتوحيد و العدل، و الجواب في الكل واحد.

و اما الإجماع:

فعندنا هو حجة بانضمام «المعصوم» فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة، و لو حصل في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله عليه السّلام: فلا تغتر إذا بمن يتحكم فيدعي الإجماع باتفاق الخمسة و العشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين الا مع العلم القطعي بدخول الإمام في الجملة، و لنفرض صورا ثلاثة: احديها- أن يفتي جماعة ثمَّ لا يعلم من الباقين مخالفا فالوجه انه ليس حجة لأنا كما لا نعلم مخالفا لا نعلم ان لا مخالف، و مع الجواز لا يتحقق دخول «المعصوم» في المفتين. الثانية- أن يختلف الأصحاب على قولين، ففي جواز احداث قول ثالث تردد، لصحة انه لا يجوز بشرط أن يعلم أن لا قائل منهم إلا بأحدهما. الثالثة- أن يفترقوا فرقتين و يعلم ان الامام ليس في إحداهما و يجهل الأخرى، فتعين الحق مع المجهولة، و هذه الفروض تعقل لكن قل ان تنفق.

و اما دليل العقل:

فقسمان: أحدهما ما يتوقف فيه على الخطاب و هو ثلاثة:

الأول لحن الخطاب كقوله «اضْرِبْ بِعَصٰاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ» «1» أراد فضرب الثاني فحوى الخطاب: و هو ما دل عليه التنبيه كقوله تعالى فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ «2».

الثالث دليل الخطاب: و هو تعليق الحكم على أحد وصفي الحقيقة كقوله: «في سائمة الغنم الزكاة» «3» فالشيخ يقول: هو حجة و علم الهدى ينكره و هو الحق.

______________________________
(1) البقرة: 60.

(2) الاسراء: 23.

(3) لم يوجد حديث بهذه العبارة و لعله اصطياد من عدة من الروايات التي نقلت بهذا المضمون.

31
المعتبر في شرح المختصر1

و أما الاستصحاب: ؛ ج‌1، ص : 32

اما تعليق الحكم على الشرط كقوله: «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و كقوله وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «2» فهو حجة تحقيقا لمعنى الشرط، و لا كذا لو علّقه على الاسم كقوله: اضرب زيدا خلافا للدقاق، و القسم الثاني ما ينفرد العقل بالدلالة عليه، و هو اما وجوب، كرد الوديعة، أو قبح، كالظلم و الكذب، أو حسن، كالانصاف و الصدق، ثمَّ كل واحد من هذه كما يكون ضروريا فقد يكون كسبيا كرد الوديعة مع الضرورة، و قبح الكذب مع النفع.

و أما الاستصحاب:

فأقسامه ثلاثة: استصحاب حال العقل و هو التمسك بالبراءة الاصيلة كما تقول: ليس الوتر واجبا لأن الأصل برأيه العهدة، و منه أن يختلف الفقهاء في حكم بالأقل و الأكثر فتقتصر على الأقل، كما يقول: بعض الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها، و يقول الأخر ربع قيمتها، فيقول المستدل ثبت الربع إجماعا، فينتفي الزائد نظرا الى البراءة الأصلية. الثاني أن يقال: عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه، و هذا يصح فيما يعلم انه لو كان هناك دليل لظفر به، اما لا مع ذلك فإنه يجب التوقف، و لا يكون ذلك الاستدلال حجة، و منه القول بالإباحة لعدم دليل الوجوب و الخطر.

الثالث: استصحاب حال الشرع كالمتيمم يجد الماء في أثناء الصلاة، فيقول المستدل على الاستمرار صلاة مشروعة قبل وجود الماء فيكون كذلك بعده، و ليس هذا حجة لأن شرعيتها بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه، ثمَّ مثل هذا لا يسلم عن المعارضة بمثله، لأنك تقول: الذمة مشغولة قبل الإتمام فيكون مشغولة بعده. و اما القياس فلا يعتمد عليه عندنا، لعدم اليقين بثمرته فيكون العمل به عملا بالظن المنهي عنه، و دعوى الإجماع من الصحابة على العمل به لم يثبت، بل أنكره جماعة منهم،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2 (مع تفاوت).

(2) الطلاق: 6.

32
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الرابع‌[في السبب المقتضى للاقتصار على من ذكرناه من فضلائنا] ؛ ج‌1، ص : 33

فما يمر بك من تمثيل شي‌ء بشي‌ء فليس، لأن أحدهما مقيس على الأخر بل لاشتراكهما في الدلالة الشرعية لا لقياسية، و هذا الفصل و ان كان علم الأصول أحق به، لكنا أجبنا إيراده هنا ليكون تأنيسا للمتفقه لعلم يكمله من هناك.

الفصل الرابع [في السبب المقتضى للاقتصار على من ذكرناه من فضلائنا]

لما كان فقهائنا رضوان اللّه عليهم في الكثرة إلى حد يتعسر ضبط عددهم، و يتعذر حصر أقوالهم لاتساعها و انتشارها، و كثرة ما صنفوه، و كانت مع ذلك منحصرة في أقوال جماعة من فضلاء المتأخرين اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر فضله، و عرف تقدمه في نقل الاخبار و صحة الاختيار و جودة الاعتبار، و اقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم، و عرف به اهتمامهم، و عليه اعتمادهم، فممن اخترت نقله الحسن بن محبوب، و محمد بن أبي نصر البزنطي، و الحسين بن سعيد، و الفضل بن شاذان، و يونس بن عبد الرحمن، و من المتأخرين أبو جعفر محمد بن بابويه القمي (رض)، و محمد بن يعقوب الكليني، و من أصحاب كتب الفتاوى علي بن بابويه، و أبو علي بن الجنيد، و الحسن بن أبي عقيل العماني، و المفيد محمد ابن محمد بن النعمان، و علم الهدى، و الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ره) و «الشيخ» إشارة الى أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ره) و «الشيخان» هو مع المفيد محمد بن محمد بن النعمان و «الثلاثة» هما مع علم الهدى و «الأربعة» هم مع أبي جعفر بن بابويه و «الخمسة» هم مع علي بن بابويه و «الستة» هم مع ابن أبي عقيل و «السبعة» هم مع ابن الجنيد. و أتباع الثلاثة أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي، و سلار بن عبد العزيز بن البراج، رضوان اللّه عليهم أجمعين. و ربما احتجت الى رمز الكتب فليكن هذه: النهاية (ة) المبسوط (ط) الجمل (ل) مسائل‌

33
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الرابع‌[في السبب المقتضى للاقتصار على من ذكرناه من فضلائنا] ؛ ج‌1، ص : 33

الخلاف (ف) التهذيب (يب) المصباح (ح) الاقتصاد (د) المقنعة (عة) الأركان (ن) الرسالة الغرية (غر) و حيث أتينا على المقدمة فلنبدأ بما نحن قاصدون اليه، مستعينين باللّه و مقصدين عليه.

34
المعتبر في شرح المختصر1

كتاب الطهارة ؛ ج‌1، ص : 35

كتاب الطهارة

[الركن الأول في المياه]

و هي في اللغة «النزاهة عن الأدناس» يقال: رجل طاهر الثياب، أي منزه و في الشرع اسم لما «يرفع حكم الحدث» و خطر لبعضهم النقض بوضوء الحائض لجلوسها في مصلاها و هو غلط، فانا نمنع تسمية ذلك الوضوء طهارة، و نطالبه بدليل تسميته، على انه قد روى ما يدل على انه لا يسمى طهارة. روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «الحائض تطهر يوم الجمعة و تذكر اللّه تعالى، قال: اما الطهر فلا، و لكن تتوضأ وقت كل صلاة، ثمَّ تستقبل بالقبلة و تذكر اللّه» «1» نعم يرده النقض بالوضوء المجدد من غير حدث، و بمن اجتمع عليه غسل و وضوء «كالمستحاضة» إذا سال دمها، فان كل واحد منهما يسمى طهارة و لا يرفع حكم الحدث بانفراده. فالأقرب أن يقال: هي اسم للوضوء و الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة، و الطهور هو المطهر لغيره قاله (الشيخ) في مسائل الخلاف و (علم الهدى) في المصباح، خلافا لبعض الحنفية.

لنا النقل و الاستعمال اما «النقل» فما ذكره الترمذي قال: «الطهور» بالفتح من الأسماء المتعدية و هو المطهر غيره. و قال الجوهري: «الطهور» ما يتطهر به‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 22 ح 3.

35
المعتبر في شرح المختصر1

الركن الأول في المياه ؛ ج‌1، ص : 35

كتاب الطهارة

[الركن الأول في المياه]

و هي في اللغة «النزاهة عن الأدناس» يقال: رجل طاهر الثياب، أي منزه و في الشرع اسم لما «يرفع حكم الحدث» و خطر لبعضهم النقض بوضوء الحائض لجلوسها في مصلاها و هو غلط، فانا نمنع تسمية ذلك الوضوء طهارة، و نطالبه بدليل تسميته، على انه قد روى ما يدل على انه لا يسمى طهارة. روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «الحائض تطهر يوم الجمعة و تذكر اللّه تعالى، قال: اما الطهر فلا، و لكن تتوضأ وقت كل صلاة، ثمَّ تستقبل بالقبلة و تذكر اللّه» «1» نعم يرده النقض بالوضوء المجدد من غير حدث، و بمن اجتمع عليه غسل و وضوء «كالمستحاضة» إذا سال دمها، فان كل واحد منهما يسمى طهارة و لا يرفع حكم الحدث بانفراده. فالأقرب أن يقال: هي اسم للوضوء و الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة، و الطهور هو المطهر لغيره قاله (الشيخ) في مسائل الخلاف و (علم الهدى) في المصباح، خلافا لبعض الحنفية.

لنا النقل و الاستعمال اما «النقل» فما ذكره الترمذي قال: «الطهور» بالفتح من الأسماء المتعدية و هو المطهر غيره. و قال الجوهري: «الطهور» ما يتطهر به‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 22 ح 3.

35
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«الماء المطلق» في الأصل مطهر يرفع الحدث و يزيل الخبث، ؛ ج‌1، ص : 36

كالسحور و البرود. و اما «الاستعمال» فلأن هذا المعنى مراد في صورة الاستعمال، فيكون حقيقة فيه كقوله عليه السّلام: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» «1» و لو أراد الطاهر لم يثبت له مزية. و قوله عليه السّلام: «و قد سئل عن الوضوء بماء البحر؟ فقال:

هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» «2» و لو لم يرد كونه مطهرا لم يصلح جوابه، و لان فعولا للمبالغة و لا يتحقق هنا الا مع افادة التطهير، و لأنهم يقولون ماء طهور، و لا يقولون ثوب طهور، فلا بد من فائدة مختصة بالماء و لا تظهر الفائدة إلا مع افادة التطهير.

و احتج الحنفي بأن فعولا تفيد المبالغة في فائدة فاعل، كما يقال: «ضروب» و «أكول» لزيادة الضرب و الأكل و لا يفيد شيئا مغايرا له، و كون الماء مطهرا مغايرا لمعنى الظاهر، فلا تتناوله المبالغة، و لأنهم قد يستعملون فعولا فيما لا يفيد التطهير، كقوله سبحانه وَ سَقٰاهُمْ رَبُّهُمْ شَرٰاباً طَهُوراً «3» و كقول الشاعر: «عذاب الثنايا ريقهن طهور».

و الحق عندي ان وصف الطهور بالتعدي وصف معنوي لا لفظي، لأن التعدي في الحقيقة المطهر و قد ألحقوا طهورا به إلحاقا توقيفيا لا قياسا، و ليس طهورا من مطهر بمنزلة ضروب من ضارب، لأنك تقول: هذا ضارب زيدا كما تقول ضروب زيدا، و تقول: الماء مطهر من الحدث و لا تقول: طهور من الحدث، فاذن الوجه الذي ذكره الحنفي صحيح بالنظر الى القياس اللفظي، اما ان منع كون اللغة أو الشرع استعمله في التعدية و ان لم يكن قياسا فغير صحيح، و للطهارة أركان: الأول في المياه.

مسئلة: «الماء المطلق» في الأصل مطهر يرفع الحدث و يزيل الخبث،

يزيد «بالمطلق» ما لا يجوز سلب لفظ الماء عنه، و لو أمكن إضافته الى ما يلازمه‌

______________________________
(1) صحيح البخاري ج 1 باب التيمم ص 91.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 3.

(3) الإنسان: 21.

36
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 37

كما تقول: ماء الفرات، و لو قلت: ماء الفرات ليس ماء لم يصح، نعم تقول: ماء الورد، و لو قلت: ماء الورد ليس ماء صح. و قوله: في «الأصل» احتراز من عروض ما يمنع من رفع الحدث به كالنجاسة و الغصبية، ثمَّ نقول: «المطلق» يقع على ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض، أو اذيب من ثلج، أو كان ماء بحر، و كل ذلك سواء في رفع الحدث و الخبث و هو مذهب أهل العلم سوى سعيد بن المسيب، فإنه قال: «لا يجوز الوضوء بماء البحر مع وجود الماء» و لما حكي عن عبد اللّه بن عمر أنه قال: «التيمم أحب الي منه».

لنا الإجماع فإن خلاف المذكورين منقوض، و قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» و اما ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله: «الماء طهور و لا ينجسه شي‌ء» «2» و من طريق الأصحاب ما رواه جميل، عن أبي عبد اللّه، «ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «3» و ما رواه عبد اللّه بن سنان و أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه قال: «سألته عن ماء البحر أ طهور هو؟ فقال: نعم» «4» و ما رواه محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يجنب في السفر و لا يجد الا الثلج، قال: يغتسل بالثلج» «5» و اما تقديم التيمم على ماء البحر فيبطل، بأن التيمم مشروط بعدم الماء و الحقيقة المائية موجودة في ماء البحر.

فروع

الأول: لو مازج المطلق طاهر، فغير أحد أوصافه

لم يخرج بالتغير عن‌

______________________________
(1) الفرقان: 48.)

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 4.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 23 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 2 ح 2.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 1.

37
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: لو مازج المطلق طاهر، فغير أحد أوصافه ؛ ج‌1، ص : 37

كما تقول: ماء الفرات، و لو قلت: ماء الفرات ليس ماء لم يصح، نعم تقول: ماء الورد، و لو قلت: ماء الورد ليس ماء صح. و قوله: في «الأصل» احتراز من عروض ما يمنع من رفع الحدث به كالنجاسة و الغصبية، ثمَّ نقول: «المطلق» يقع على ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض، أو اذيب من ثلج، أو كان ماء بحر، و كل ذلك سواء في رفع الحدث و الخبث و هو مذهب أهل العلم سوى سعيد بن المسيب، فإنه قال: «لا يجوز الوضوء بماء البحر مع وجود الماء» و لما حكي عن عبد اللّه بن عمر أنه قال: «التيمم أحب الي منه».

لنا الإجماع فإن خلاف المذكورين منقوض، و قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» و اما ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله: «الماء طهور و لا ينجسه شي‌ء» «2» و من طريق الأصحاب ما رواه جميل، عن أبي عبد اللّه، «ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «3» و ما رواه عبد اللّه بن سنان و أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه قال: «سألته عن ماء البحر أ طهور هو؟ فقال: نعم» «4» و ما رواه محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يجنب في السفر و لا يجد الا الثلج، قال: يغتسل بالثلج» «5» و اما تقديم التيمم على ماء البحر فيبطل، بأن التيمم مشروط بعدم الماء و الحقيقة المائية موجودة في ماء البحر.

فروع

الأول: لو مازج المطلق طاهر، فغير أحد أوصافه

لم يخرج بالتغير عن‌

______________________________
(1) الفرقان: 48.)

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 4.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 23 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 2 ح 2.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 1.

37
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: إذا تغير من قبل نفسه لطول المكث، ؛ ج‌1، ص : 38

التطهير ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء، سواء كان مما لا ينفك الماء عنه كالتراب و الطحلب و الكبريت و ورق الشجر، أو مما ينفك كالدقيق، أو السويق. أو من المائعات كاللبن، و ماء الورد، و الادهان، كالبزر و الزيت، أو مما يجاوره و لا يشيع فيه كالعود، و المسك، لان جواز التطهير منوط بالمائية و هي موجودة فيه. و لأن أسقية الصحابة الأدم و هي لا تنفك عن الدباغ المغير للماء غالبا و لم يمنع منها. و لان الماء لرطوبته و لطافته ينفعل بالكيفيات الملاقية، فلو خرج بتغير أحد الأوصاف عن التطهير لعسرت الطهارة، و لأنه لا يكاد تنفك عن التكيف برائحة الإناء.

الثاني: إذا تغير من قبل نفسه لطول المكث،

فإن بقي على تسميته فهو مطهر، و لو صار بحيث لا يسمى ماء لم يجز التطهير به، و الحجة بقاء الاسم، فإنه موجب لبقاء الحكم، لكن استعماله مكروه مع وجود غيره، لرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الماء الآجن يتوضأ منه الا أن يجد غيره» «1» و لأنه يستخبث طبعا، فكان اجتنابه أنسب بحال المتطهر لطهارته.

الثالث: لو كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فأكمله بمائع،

فان لم يسلبه الإطلاق صح الوضوء به، لاستهلاك المائع فيه، و بقاء الصفة المقتضية للتطهير، و هل يجب ذلك قال الشيخ في المبسوط: لا، فأجاز التيمم قبل مزجه. و فيه تردد، و وجه ما ذكره الشيخ انه قبل المزج غير واجد ما يكفيه لطهارته، و وجه وجوب المزج إمكان تحصيل طهارة مائية.

الرابع: إذا أمرّ الثلج على أعضاء الطهارة في الوضوء،

أو على جسده في الغسل، صح بشرط أن يكون جاريا بحيث يسمى غاسلا و اقتصر «الشيخ» في الخلاف على الدهن لنا قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ «2» فلا بد من حصول‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 2.

(2) المائدة: 6.

38
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس: الماء المسخن يجوز الطهارة به سواء سخن بالنار، ؛ ج‌1، ص : 39

ما يسمى غسلا، و اما جوازا لذلك فلما رواه معاوية بن شريح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يصيبنا الدمق، و الثلج، و لا نجد الا ماء جامدا كيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟

فقال: نعم» «1» و لأنه يحصل به الغسل فكان مجزيا، و لم أعرف فيه من الأصحاب مخالفا.

الخامس: الماء المسخن يجوز الطهارة به سواء سخن بالنار،

أو كان سخينا من منبعه، و لا يكره استعماله في الطهارة، لأنه لم يخرج بالاسخان عن الإطلاق، و روى الجمهور، عن شريك من رجال النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «أجنبت و أنا مع النبي صلى اللّه عليه و آله، فجمعت حطبا و أحميت الماء، فاغتسلت، و أخبرت النبي فلم ينكر علي» «2» و عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «انه اضطر اليه و هو مريض، فأتوه به مسخنا فاغتسل» «3» و يكره المسخن بالنار في غسل الميت، لما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«لا يسخن الماء للميت» «4» و لان المسخن لا ينفك عن اجزاء نارية فلا يبادرها. قال الشيخان في النهاية و المقنعة: و لو خشي الغاسل من البرد جاز، و هو حسن، لان فيه دفعا للضرر.

و أما المسخن بالشمس في الانية فتكره الطهارة به، لما روى إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن قال: «دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على عائشة و قد وضعت قمقمتها في الشمس فقال: ما هذا يا حميراء؟ قالت: أغسل رأسي و جسدي، قال: لا تعودي فإنه يورث البرص» «5» و مثله روى الجمهور، عن عائشة، انه قال: «لا تفعلي يا حميراء فإنه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 2.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 5 (مع تفاوت).

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 7 ح 2.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 7 ح 1.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 6 ح 1.

39
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و كله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه ؛ ج‌1، ص : 40

يورث البرص» «1» و طعن الحنابلة في سند الحديث عن عائشة، و لا عبرة بطعنهم مع صحة السند من أهل البيت عليهم السّلام، و يكره التداوي بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت، ذكره ابن بابويه لما روي عن النبي انه قال: «انها من فوح جهنم» «2».

مسئلة: و كله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه

نريد ب‍ «كله» أصناف الماء المطلق، جارية و نابعة و راكدة. و نريد «باستيلاء النجاسة عليه» استيلاء ريحها على ريح الماء، أو طعمها على طعمه، أو لونها على لونه و القول بنجاسة ماء هذا شأنه، مذهب أهل العلم كافة، و يؤيده ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «خلق الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» «3» و ما رواه الأصحاب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إذا تغير الماء أو تغير الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «4» و عنه «إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب» «5» لان غلبة أحد أوصاف النجاسة على الماء يدل على قوتها عليه، و قهرها لخاصيته المطهرة.

فروع

الأول: إذا تغير بمرور رائحة النجاسة القريبة لم ينجس،

لأن الرائحة ليست نجاسة، فلا تؤثر تنجيسا.

الثاني: طريق تطهير المتغير ان كان جاريا بتقويته بالماء

متدافعا حتى يزول‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 6.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 12 ح 3.

(3) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 174.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 1 (مع تفاوت يسير).

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 6.

40
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: إذا زال«التغير» من نفسه، ؛ ج‌1، ص : 41

التغير، لان مع زوال التغير بغلبة الجاري لا يقبل الطارئ النجاسة، و المتغير مستهلك فيه، فيطهر، و ان كان واقعا فبأن يطرء عليه من الماء الطاهر المطلق ما يرفع تغيره، و يشترط في الطارئ كونه كرا فصاعدا، و به قال الشيخ في مسائل الخلاف، لان الطارئ لا ينجس الا بالتغير، و التقدير انه مزيل له. و لو تمم كرا فزال التغيير معه لم يطهر، و يجي‌ء على قول من يطهر النجس ببلوغه كرا أن يقول: بالطهارة هنا.

الثالث: إذا زال «التغير» من نفسه،

أو بممازجة ما يزيله كالتراب، أو تصفيق الرياح، لم يطهر، لاستقرار النجاسة و التغير، و على القول بجبر البلوغ، تلزم الطهارة إذا كان كثيرا، لكنا سنبين ضعفه.

الرابع: إذا تغير الجاري فالمتغير نجس،

و ما عداه طاهر، و لو كان واقفا فالمتغير نجس و الباقي ان كان كرا فصاعدا فهو طاهر، و الا فهو نجس بملاقاة التغير.

الخامس: لو انصبغ ماء الغسل أو ماء الوضوء بصبغ طاهر

على جسد المتطهر، لم يمنع الطهارة ما لم يسلبه الإطلاق.

مسئلة: و لا ينجس «الجاري» بالملاقاة، و هو مذهب فقهائنا أجمع،

و مذهب أكثر الجمهور، و يدل عليه قوله صلى اللّه عليه و آله: «خلق الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه» «1» و ما روي عن أبي عبد اللّه: «الماء كله طاهر، حتى يعلم انه قذر» «2» و ما رواه الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري» «3» و لأن النجاسة لا تستقر مع الجريان، فيضعف أثرها، و لان التنجيس مستفاد من الشرع، فينتفي عند انتفاء الدلالة.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 9.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1.

41
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 42

فروع

الأول: لا يتحقق «للجاري» جريان منفصلة بحيث تعتبر بنفسها،

قال بعض الشافعية و الحنابلة: «تنجس الجرية التي فيها النجاسة إذا قصرت عن قلتين» و هو خيال ضعيف، لان تدافع الماء يمنع استقرار الجرية.

الثاني: الماء «الواقف» في جانب النهر الجاري متصلا بمائه لا ينجس بملاقاة النجاسة،

و لو كان دون الكر لأنه مع الجاري ماء واحد فيدخل تحت عموم الخبر.

الثالث: لو كان الجاري متغيرا بالنجاسة و الواقف غير متغير

فما كان دون الكر نجس بملاقاته المتغير، و ان كان كرا فصاعدا لم يتنجس عملا بالخبر.

الرابع: حوض «الحمام» إذا كان له مادة لا ينجس ماؤه بملاقاة النجاسة

و يكون كالجاري، و به قال الشيخان، و أبو جعفر بن بابويه، و حكى أصحاب أبي حنيفة عنه انه قال: «هو بمنزلة الجاري لأن النجاسة لا تستقر مع اتصال الاجزاء» و عن أحمد بن حنبل انه قال: «قد قيل انه بمنزلة الجاري» و روى داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «هو بمنزلة الجاري» «1» و روى بكر بن حبيب، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة» «2» و لأن الضرورة تمس اليه، و الاختصاص عسر فيلزم الترخيص دفعا للحرج، و لا اعتبار بكثر المادة و قلتها لكن لو تحقق نجاستها لم تطهر بالجريان.

الخامس: ماء الغيث لا ينجس بملاقاة النجاسة حال نزوله،

فلو استقر على الأرض و انقطع التقاطر عنه اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف عند ملاقاة النجاسة،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 7 ح 1.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 7 ح 4.

42
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا الكثير من الراكد ؛ ج‌1، ص : 43

«و قال الشيخ في التهذيب و المبسوط: ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الماء الجاري لا ينجسه الا ما غيّر لونه، أو طعمه، أو رائحته» و كأنه يشترط جريانه نظرا الى ما روى هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في ميزابين سالا أحدهما: بول، و الأخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضر ذلك» «1» و روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «عن البيت يبال على ظهره، و يغتسل من الجنابة، ثمَّ يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه و يتوضأ للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس» «2».

و لنا ما رواه هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب؟ فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه» «3» و قد أورده ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و لان الاحتراز عن ماء الغيث يشق، و لو لا التخفيف لزم الحرج، و الرواية الاولى لا تدل على الاشتراط لأنه لو لم يكن طاهرا لم يطهر بالجريان.

مسئلة: و لا الكثير من الراكد

«الراكد» هو الساكن. يقال: ركد الماء و الهواء: إذا سكن. و لا بد من القول بطهارة الكثير، و الا لنجس ماء البحر بملاقاة النجاسة جزء منه، و في تقدير الكثرة قولان: أحدهما بلوغه كرا قاله الثلاثة و أتباعهم و لأبي جعفر بن بابويه روايتان أحدهما كما قالوه، و الأخرى قلتان، و هو اختيار الشافعي، و أحمد، و قال أبو حنيفة: «ما علم وصول النجاسة إليه فهو نجس و ان كثر، و علامته التحرك. لنا ما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «4» و في رواية «لم يحمل القذر» و من طريق الأصحاب ما‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 6 ح 4.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 6 ح 2.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 6 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

43
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا الكثير من الراكد ؛ ج‌1، ص : 43

رواه محمد بن مسلم، و معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و لان مقتضى الدليل طهارة الماء، لقوله عليه السّلام: «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء» «2» و لقول الصادق عليه السّلام: «الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر» «3» ترك العمل به فيما نقص عن الكر فيستعمل في الباقي، و لو قال: لا بد من تخصيص هذا المقتضى، فيختص بمذهبنا، قلنا: يثبت التخصيص في موضع الإجماع لا بحسب الاقتراح. و لان التقدير منحصر في الأقوال الثلاثة، لكن التقدير بالحركة باطل من وجهين:

أحدهما: ما رواه محمد بن مسلم، عن جعفر، عن أبيه، ان النبي صلى اللّه عليه و آله «أتاه أهل الماء فقالوا: ان حياضنا تردها السباع، و الكلاب، و البهائم، قال: لها ما أخذت بأفواهها و لكم سائر ذلك» «4» و روى هذا، الجمهور في صحيح أخبارهم بلفظ آخر، و هو دلنا ما غير و الحوض في الأغلب يتحرك طرفاه أو يتحرك بعضه و قد حكم بطهارته.

و الثاني: ان التقدير بالحركة احالة على ما لا يتحقق، لأنه لا كثير في الأغلب الا و يمكن أن يتحرك طرفاه، و تعليق التطهير و التنجيس بما لا ينحصر منا و لحكمة الشارع. و لان مستند وصول النجاسة الظن، لأن الحركة امارة، و ظن النجاسة منفي بيقين الطهارة. و التقدير بالقلتين أيضا باطل، لأنه متوقف على صحة النقل، و قد طعن في خبر القلتين تارة بالسند حتى قال بعض الحنفية: قال الشافعي: بلغني بإسناد لم يحضرني أن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: إذا بلغ الماء قلتين إلخ. فقال: بعض أصحاب‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 9 ص 101.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 9.

44
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في تقدير الكر روايات: ؛ ج‌1، ص : 45

الحديث ما حضره و لا يحضره. و تارة بالاعتبار، و هو أنه خبر مدني و لم يعمل به «مالك» و لو صح لصح عنده.

اما نحن فلم نعرفه مرويا الا بطريق عبد اللّه بن المغيرة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي‌ء و القلتان جريان» «1» لكن هذا الخبر مرسل و معارض بأخبار صحيحة متصلة، ثمَّ لم يحتمل أن يراد بالقلتين ما نريد نحن بالكر، فإن أبا علي بن الجنيد قال: في المختصر «الكر قلتان و مبلغ وزنه ألف و مائتا رطل» و يؤيد ذلك ما ذكره ابن دريد قال: «القلة في الحديث من قلال هجر، و هي عظيمة، زعموا: تسع الواحدة، خمس قرب» و هذا يقارب ما قلناه. و إذا بطل القولان تعين.

الثالث: و لو احتج أبو حنيفة بقوله صلى اللّه عليه و آله «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثمَّ يتوضأ منه» «2» أجبناه بأنه يحمل على القليل، توفيقا بينه و بين قوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» و يحتمل ان يراد بالنهي هنا النزيه، و قد روى الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكره أن يبول في الماء الدائم» «4».

مسئلة: و في تقدير الكر روايات:

أشهرها ألف و مائتا رطل، و فسره الشيخان بالعراقي‌

و للأصحاب في كمية الكر طريقان:

أحدهما المساحة

و فيه روايات:

الأول: ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلاثة أشبار، ذكرها ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و لعله استناد إلى رواية إسماعيل بن جابر، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 8.

(2) مسند أحمد ج 2 ص 265.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 (مع تفاوت).

45
المعتبر في شرح المختصر1

و للأصحاب في كمية الكر طريقان: ؛ ج‌1، ص : 45

الحديث ما حضره و لا يحضره. و تارة بالاعتبار، و هو أنه خبر مدني و لم يعمل به «مالك» و لو صح لصح عنده.

اما نحن فلم نعرفه مرويا الا بطريق عبد اللّه بن المغيرة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي‌ء و القلتان جريان» «1» لكن هذا الخبر مرسل و معارض بأخبار صحيحة متصلة، ثمَّ لم يحتمل أن يراد بالقلتين ما نريد نحن بالكر، فإن أبا علي بن الجنيد قال: في المختصر «الكر قلتان و مبلغ وزنه ألف و مائتا رطل» و يؤيد ذلك ما ذكره ابن دريد قال: «القلة في الحديث من قلال هجر، و هي عظيمة، زعموا: تسع الواحدة، خمس قرب» و هذا يقارب ما قلناه. و إذا بطل القولان تعين.

الثالث: و لو احتج أبو حنيفة بقوله صلى اللّه عليه و آله «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثمَّ يتوضأ منه» «2» أجبناه بأنه يحمل على القليل، توفيقا بينه و بين قوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» و يحتمل ان يراد بالنهي هنا النزيه، و قد روى الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكره أن يبول في الماء الدائم» «4».

مسئلة: و في تقدير الكر روايات:

أشهرها ألف و مائتا رطل، و فسره الشيخان بالعراقي‌

و للأصحاب في كمية الكر طريقان:

أحدهما المساحة

و فيه روايات:

الأول: ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلاثة أشبار، ذكرها ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و لعله استناد إلى رواية إسماعيل بن جابر، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 8.

(2) مسند أحمد ج 2 ص 265.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 (مع تفاوت).

45
المعتبر في شرح المختصر1

أحدهما المساحة ؛ ج‌1، ص : 45

الحديث ما حضره و لا يحضره. و تارة بالاعتبار، و هو أنه خبر مدني و لم يعمل به «مالك» و لو صح لصح عنده.

اما نحن فلم نعرفه مرويا الا بطريق عبد اللّه بن المغيرة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي‌ء و القلتان جريان» «1» لكن هذا الخبر مرسل و معارض بأخبار صحيحة متصلة، ثمَّ لم يحتمل أن يراد بالقلتين ما نريد نحن بالكر، فإن أبا علي بن الجنيد قال: في المختصر «الكر قلتان و مبلغ وزنه ألف و مائتا رطل» و يؤيد ذلك ما ذكره ابن دريد قال: «القلة في الحديث من قلال هجر، و هي عظيمة، زعموا: تسع الواحدة، خمس قرب» و هذا يقارب ما قلناه. و إذا بطل القولان تعين.

الثالث: و لو احتج أبو حنيفة بقوله صلى اللّه عليه و آله «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثمَّ يتوضأ منه» «2» أجبناه بأنه يحمل على القليل، توفيقا بينه و بين قوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» و يحتمل ان يراد بالنهي هنا النزيه، و قد روى الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكره أن يبول في الماء الدائم» «4».

مسئلة: و في تقدير الكر روايات:

أشهرها ألف و مائتا رطل، و فسره الشيخان بالعراقي‌

و للأصحاب في كمية الكر طريقان:

أحدهما المساحة

و فيه روايات:

الأول: ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلاثة أشبار، ذكرها ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و لعله استناد إلى رواية إسماعيل بن جابر، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 8.

(2) مسند أحمد ج 2 ص 265.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 (مع تفاوت).

45
المعتبر في شرح المختصر1

الطريق الثاني: الوزن ؛ ج‌1، ص : 46

أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «و ما الكر؟ قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» «1» فإن كان معوله على هذه فهي ناقصة عن اعتباره.

الثاني: رواية عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصفا، في مثله ثلاثة أشبار و نصفا في عمقه، في الأرض فذلك الكر من الماء» «2» و هو اختيار الشيخ، و علم الهدى، لكن عثمان بن عيسى واقفي، فروايته ساقطة و لا تصغ الى من يدعي الإجماع في محل الخلاف.

الثالث: رواية إسماعيل بن جابر أيضا قلت: «الماء الذي لا ينجسه شي‌ء، قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته» «3» فهذه حسنه، و يحتمل ان يكون قدر ذلك كرا.

الطريق الثاني: الوزن

و فيه روايات:

الأولى: رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكر ستمائة رطل» «4» قال الشيخ في التهذيب: «لم يعمل على هذه الرواية أحد من الأصحاب» و يحتمل أن يكون ذلك الرطل من بلد يوازي رطله رطلين بالبغدادي.

الثانية: رواية عبد اللّه بن مغيرة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكر من الماء نحو حبّي هذا» «5» قال الشيخ في التهذيب و الرواية مرسلة، و يحتمل أن يكون ذلك الحب يسع قدر الكر.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 4.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 6.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 11 ح 3.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 7.

46
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 47

الثالثة: رواية محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكر ألف و مائتا رطل» «1» و على هذه عمل الأصحاب، و لا طعن في هذه بطريق الإرسال لعمل أصحاب الحديث بمراسيل ابن أبي عمير، و لو كان ذلك ضعيفا لا نجبر بالعمل، فإني لا أعرف من الأصحاب رادا لها فلهذا قلنا في أصل الكتاب على الأشهر، لضعف ما عداها من الروايات، و يؤيدها أيضا تفسير الهروي لرواية الكر «فإنه ذكر عن النضر ان الكر بالبصرة ستة أوقار» و قال الجوهري: «الوقر» يستعمل للبغل و الحمار إذا تقرر هذا فهل الوزن عراقي أو مدني؟ قال الشيخان في النهاية و المبسوط و الجمل و المقنعة: عراقي. و قال ابن بابويه في كتابه و علم الهدى في المصباح: مدني. و رطل العراقي مائة و ثلاثون درهما، و المدني مائة و خمسة و تسعون درهما. فيكون العراقي ثلثي المدني، و في القولين احتمال، لكن تنزيله على العراقي أولى لمقاربته و ما تضمنته رواية الأشبار، و لأنه إذا نزلت ستمائة الرطل على المدني قاربت العراقي، و لأن الأصل الطهارة حتى تعلم قذارة الماء و العلم لا يتحقق مع الاحتمال.

فروع

الأول: من اعتبر الأشبار، راعى الغالب

لا ما يندر.

الثاني: هل التقدير تحقيق أو تقريب؟

الأشبه التحقيق. لأنه تقدير شرعي فيتعلق الحكم باعتباره.

الثالث: أطلق بعض فقهائنا الحكم بنجاسة ماء الأواني عند ملاقاة النجاسة،

و لعله نظر الى إطلاق الحديث بنجاسة ماء الإناء عند وقوع النجاسة، لكن ذلك مقيد بغير الكر، و تقديمه في العمل أولى و لأن الإطلاق في الانية انما هو على الغالب، إذ وجود إناء يسع كرا نادر و يدل على هذا الاحتمال ما ذكره «الشيخ ره» في التهذيب فإنه ذكر‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 11 ح 1.

47
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ينجس القليل من«الراكد» بالملاقاة على الأصح، ؛ ج‌1، ص : 48

كلام المفيد من أن الإناء إذا وقعت فيه نجاسة وجب اهراق ما فيه و غسله، فقال:

الوجه فيه، ان الماء إذا كان في إناء و حلّته النجاسة نجس بها، لأنه أقل من كر، و قد بينا أن ما قل عن الكر ينجس بما يلاقيه من النجاسة.

مسئلة: و ينجس القليل من «الراكد» بالملاقاة على الأصح،

بهذا قال الخمسة و أتباعهم، و قال ابن أبي عقيل: لا ينجس الماء الا بالتغير. لنا قوله عليه السّلام:

«إذا كان الماء قد كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و لم يتحقق فائدة الشرط الا باحتمال نجاسة ما دون الكر. و عن الصادق عليه السّلام في سؤر الكلب قال: «رجس نجس لا يتوضأ بفضلته و أصيب ذلك الماء» «2» و عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «الدجاجة تطأ العذرة ثمَّ تدخل في الماء أ يتوضأ منه؟ فقال لا، الا أن يكون الماء كثيرا قدر كر» «3» عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الجنب يدخل إصبعه في الكوز أو الركوة، قال: ان كانت يده قذرة فليهرقه» «4».

و عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال: يكفي الإناء» «5» و تمسك ابن أبي عقيل، بقوله عليه السّلام «الماء طهور لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» «6» و بما روي عن الصادق عليه السّلام «انه استقى له من بئر فخرج في الدلو فأرتان فقال: أرقه فاستقي آخر، فخرج منه فأرة، فقال أرقه، ثمَّ استقي آخر، فلم يخرج فيه شي‌ء،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 4.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 11 (مع تفاوت يسير).

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 7.

(6) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 174 (مع تفاوت).

48
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 49

فقال: صبه في الإناء فتوضأ و شرب» «1».

«و سئل الباقر عليه السّلام عن القربة و الجرة من الماء يسقط فيهما فأرة أو جرد أو غيره فيموت فيها؟ فاذا غلب رائحته على طعم الماء و لونه فأرقه، و ان لم يغلب فاشرب منه و توضأ» «2». و الجواب عن الأول انه يحتمل الجاري، و الكثير من الواقف، فيحمل عليهما، لما عرفت من وجوب تقديم الخاص على العام. فان قال: جهالة التاريخ تمنع ذلك. قلنا قد بينا في الأصول وجوب تقديم الخاص على العام عرف التاريخ أو جهل. و أما خبر البئر فيحمل على الغدير، لأن البئر هي الحفيرة نابعة كانت أو غديرا، و مع احتماله لا يدل على موضع النزاع، على أن في طريق هذه الرواية علي بن حديد، عن بعض أصحابنا. و علي هذا ضعيف جدا مع إرساله الرواية و خبر القربة كذلك، و مع ضعف السند و حصول المعارض السليم يجب الاطراح.

فروع

الأول: ينجس القليل بملاقاة النجاسة،

و ان لم يدركها الطرف كرؤس الابر دما كانت أو غيره. و قال في المبسوط: «ما لا يدركه الطرف معفو عنه، دما كانت أو غيره» و قال في الأسئار: «إذا كان الدم مثل رءوس الابر لم ينجس به الماء، لأنه لا يمكن التحرز منه». و الجواب ان الإمكان معلوم، نعم قد يشق ذلك، لكن اعتبار المشقة بمجردها في موضع المنع ما لم يعتبرها الشرع، اما الاستناد الى وجوب دفع المشقة كيف كان فلا. و لنا ان القليل للنجاسة و الدم نجس، فثبت التنجيس لوجود المؤثر، و ربما احتج «الشيخ» بما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل امتخط، فصار الدم قطعا فأصاب إنائه، هل يصح الوضوء‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 14.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 8 ص 104.

49
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: ينجس القليل بملاقاة النجاسة، ؛ ج‌1، ص : 49

فقال: صبه في الإناء فتوضأ و شرب» «1».

«و سئل الباقر عليه السّلام عن القربة و الجرة من الماء يسقط فيهما فأرة أو جرد أو غيره فيموت فيها؟ فاذا غلب رائحته على طعم الماء و لونه فأرقه، و ان لم يغلب فاشرب منه و توضأ» «2». و الجواب عن الأول انه يحتمل الجاري، و الكثير من الواقف، فيحمل عليهما، لما عرفت من وجوب تقديم الخاص على العام. فان قال: جهالة التاريخ تمنع ذلك. قلنا قد بينا في الأصول وجوب تقديم الخاص على العام عرف التاريخ أو جهل. و أما خبر البئر فيحمل على الغدير، لأن البئر هي الحفيرة نابعة كانت أو غديرا، و مع احتماله لا يدل على موضع النزاع، على أن في طريق هذه الرواية علي بن حديد، عن بعض أصحابنا. و علي هذا ضعيف جدا مع إرساله الرواية و خبر القربة كذلك، و مع ضعف السند و حصول المعارض السليم يجب الاطراح.

فروع

الأول: ينجس القليل بملاقاة النجاسة،

و ان لم يدركها الطرف كرؤس الابر دما كانت أو غيره. و قال في المبسوط: «ما لا يدركه الطرف معفو عنه، دما كانت أو غيره» و قال في الأسئار: «إذا كان الدم مثل رءوس الابر لم ينجس به الماء، لأنه لا يمكن التحرز منه». و الجواب ان الإمكان معلوم، نعم قد يشق ذلك، لكن اعتبار المشقة بمجردها في موضع المنع ما لم يعتبرها الشرع، اما الاستناد الى وجوب دفع المشقة كيف كان فلا. و لنا ان القليل للنجاسة و الدم نجس، فثبت التنجيس لوجود المؤثر، و ربما احتج «الشيخ» بما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل امتخط، فصار الدم قطعا فأصاب إنائه، هل يصح الوضوء‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 14.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 8 ص 104.

49
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: الغديران الطاهران إذا وصل بينهما بساقية، صارا كالماء الواحد، ؛ ج‌1، ص : 50

منه؟ فقال: ان لم يكن شي‌ء يستبين في الماء فلا بأس، و ان كان شيئا بيّنا فلا يتوضأ منه» «1» و هذا ليس بصريح في اصابة الماء، و لعل معناه إذا أصاب الإناء و شك في وصوله الى الماء اعتبر بالإدراك، و يشهد لذلك ما رواه الكليني بإسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «و سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ، فتقطر قطرة في إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ فقال لا و لم يعتبر الاستبانة» «2».

الثاني: الغديران الطاهران إذا وصل بينهما بساقية، صارا كالماء الواحد،

فلو وقع في أحدهما نجاسة لم ينجس، و لو نقص كل واحد منهما عن الكر إذا كان مجموعهما مع الساقية كرا فصاعدا.

الثالث: لو نقص الغدير عن كر فنجس فوصل بغدير فيه كر ففي طهارته تردد،

الأشبه بقاؤه على النجاسة لأنه يمتاز عن الطاهر و النجس لو غلب على الطاهر نجسه مع ممازجته، فكيف مع مباينته.

الرابع: لو وقع فيه «مائع طاهر» فاستهلكه الماء مع قلته جاز استعمالها أجمع في الطهارة،

لأن المستهلك في المطلق يعود بحكم المطلق، فكأنه كله ماء، و لو كان «المائع نجسا» فان غلب على أحد أوصافه المطلق كان الكل نجسا، و لو لم يغلب أحد أوصافه و كان الماء كرا فان استهلكته الماء صار بحكم المطلق، و جاز استعمالها أجمع، و لو كانت النجاسة جامدة جاز استعمال الماء حتى ينقص عن الكر، ثمَّ ينجس الباقي لما فيه من عين النجاسة.

الخامس: الماء النجس لا يجوز استعماله في رفع حدث و لا ازالة خبث مطلقا،

و لا في أكل، و لا شرب الا مع الضرورة، و أطلق «الشيخ» المنع من استعماله الا عند الضرورة. لنا ان مقتضى الدليل جواز الاستعمال ترك بالعمل فيما‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 1.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 13 ح 1.

50
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: طريق تطهير«القليل» إذا نجس بما لم يغيره ان يلقى عليه كر من ماء، ؛ ج‌1، ص : 51

ذكرناه بالاتفاق و النقل، فيكون الباقي على الأصل.

السادس: طريق تطهير «القليل» إذا نجس بما لم يغيره ان يلقى عليه كر من ماء،

و به قال: في مسائل الخلاف لان الطارئ لا يقبل النجاسة، و النجس مستهلك به فيطهر، قال في المبسوط: «و لا فرق بين أن يكون الطارئ نابعا من تحته أو يجري اليه أو يقلب فيه» و قال: في مسائل الخلاف: «لا يطهر الا أن يرد عليه كر من ماء» و هذا أشبه بالمذهب لان النابع ينجس بملاقاة النجاسة، فإن أراد بالنابع ما يوصل به من تحته لا أن يكون نابعا من الأرض فهو صواب، و لم تمم بما يبلغه الكر لم يطهر، سواء تمم بالطاهر أو نجس. و تردد الشيخ في المبسوط. و قطع علم الهدى بالطهارة في المسائل الرسية.

لنا انه ماء محكوم بنجاسته قبل البلوغ شرعا، فيجب استدامة ذلك الحكم، اما انه محكوم بنجاسته فلوجهين: أما أولا فلأنا نتكلم على هذا التقدير، و اما ثانيا فنظرا إلى الأحاديث القاضية بنجاسة القليل، كقوله عليه السّلام في سؤر الكلب: «لا يتوضأ بفضله» «1» و كقوله «في الماء تطأه الدجاجة و في رجلها قذرا، يتوضأ به؟ فقال: لا، الا أن يكون كثيرا» «2» و ما ماثلها و مع تقرير النهي يجب استصحابه. و لأنه محكوم بنجاسته مشكوك في طهارته عند البلوغ فيعمل فيه باليقين، احتج «المرتضى» بوجهين:

«أحدهما ان البلوغ يستهلك النجاسة فيستوي وقوعها قبل البلوغ و بعده، و بأنه لو لا الحكم بالطهارة عند البلوغ لما حكم بطهارة الماء الكثير إذا وجد فيه نجاسة، لأنه كما يحتمل وقوعها بعد البلوغ يحتمل قبله، فلا يكون الحكم بالطهارة أولى، لكن الإجماع على الحكم بطهارته» و الوجهان ضعيفان.

اما الأول: فقياس محض، لأنه سوى بين قوة الماء على دفع النجاسة الواقعة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 4. (مع تفاوت)

51
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: طريق تطهير«القليل» إذا نجس بما لم يغيره ان يلقى عليه كر من ماء، ؛ ج‌1، ص : 51

بعد البلوغ، و بين قوته على رفع الواقعة قبله، و الأولى منصوصة بقوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و الثانية غير منصوصة، و القياس باطل. و اما قوله: و المائية فيهما. فانا نقول: المائية الاولى طاهرة فاذا وقعت النجاسة قوي الماء الطاهر عليها بطهوريته، اما الماء النجس فعند اجتماعه يكون منقهرا بالنجاسة، فلا يكون فيه طهوريته تدفع النجاسة، فلا يكون للبلوغ أثر.

و الوجه الثاني: أضعف من الأول، لأنا نمنع الملازمة، و نقول: نحن نفرق بين الصورتين، و مع ذلك نحكم بطهارة الماء المشار اليه، لا لان البلوغ يرفع ما كان فيه من النجاسة، بل لان الماء في الأصل طاهر، و النجاسة المشاهدة كما يحتمل كونها منجسة بأن تقع قبل البلوغ، يحتمل أن لا تكون منجسة بأن تكون حصلت بعد البلوغ، فحينئذ يكون أصل الطهارة متيقنا و النجاسة مشكوك فيها، فالترجيح لجانب اليقين.

و بعض المتأخرين احتج لهذه المقالة فقال: يدل على الطهارة قوله عليه السّلام: «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» «2» و زعم ان هذه الرواية مجمع عليها عند المخالف و المؤالف، و قوله تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ «3» و قوله:

وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا و قوله عليه السّلام لأبي ذر: «إذا وجدت الماء فأمسه جسدك» «4» و بقوله عليه السّلام: «أما أنا فلا أزيد إن أحثو على رأسي ثلاث حثيات إذا فإني قد طهرت» «5» و الجواب دفع الخبر، فانا لم نروه مسندا، و الذي رواه مرسلا «المرتضى»‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(2) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 27.

(3) الأنفال: 11.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 7.

(5) رواه البيهقي في سننه ج 1 ص 181 مع تفاوت.

52
المعتبر في شرح المختصر1

السابع: إذا كان متيقنا لطهارة الماء ثم شك في نجاسته بنى على يقينه، ؛ ج‌1، ص : 53

رضي اللّه عنه «و الشيخ أبو جعفر ره» و آحاد ممن جاء بعده، و الخبر المرسل لا يعمل به، و كتب الحديث عن الأئمة عليهم السّلام خالية عنه أصلا، و أما «المخالفون» فلم أعرف به عاملا سوى من يحكي عن «ابن حي» و هو زيدي منقطع المذهب، و ما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف و المؤالف فيما لا يوجد الا نادرا، فاذا الرواية ساقطة.

و أما أصحابنا فرووا عن الأئمة عليهم السّلام، «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و هذا صريح في أن بلوغه كرا هو المانع لتأثره بالنجاسة، و لا يلزم من كونه لا ينجسه شي‌ء بعد البلوغ رفع ما كان ثابتا فيه و منجسا قبله، و «الشيخ ره» قال لقولهم عليهم السّلام، و نحن فقد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم، فلم نر هذا اللفظ، و انما رأينا ما ذكرناه و هو قول الصادق عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «2» و لعل غلط من غلط في هذه المسئلة، لتوهمه أن معنى اللفظين واحد. و أما الايات و الخبر البواقي فالاستدلال بها ضعيف، لا يفتقر الى جواب، لأنا لا تنازع في جواز استعمال الطاهر المطلق، بل بحثنا في هذا النجس إذا بلغ كرا يطهر، فان ثبت طهارته تناولته الأحاديث الإمرة بالاغتسال و غيره، و ان لم يثبت طهارته فالإجماع على المنع منه، فلا تعلق له إذا فيما ذكره. و هل يستجيز محصل أن يقول النبي عليه السّلام: «احثوا على رأسي ثلاث حثيات مما يجمع من غسالة البول و الدم و ميلغة الكلب».

و احتج أيضا لذلك بالإجماع، و هو أضعف من الأول، لأنا لم نقف على هذا في شي‌ء من كتب الأصحاب، و لو وجد كان نادرا، بل ذكره «المرتضى رض» في مسائل متفردة و بعده اثنان أو ثلاثة ممن تابعه. و دعوى مثل هذا إجماعا غلط، إذ لسنا بدعوى المائة نعلم دخول الامام فيهم، فكيف بدعوى الثلاثة و الأربعة.

السابع: إذا كان متيقنا لطهارة الماء ثمَّ شك في نجاسته بنى على يقينه،

و كذا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5.

53
المعتبر في شرح المختصر1

الثامن: إذا أخبره واحد بنجاسة الماء لم يجب القبول، ؛ ج‌1، ص : 54

لو تيقن بنجاسته ثمَّ شك في تطهره بنى على اليقين، لقوله عليه السّلام: «الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر» «1» و لأنه لو اقتصر على ما ينفي عنه الاحتمال في حال الاستعمال، لتعذرت الطهارة أو عسرت.

الثامن: إذا أخبره واحد بنجاسة الماء لم يجب القبول،

و لو كان عدلا، سواء أخبره بسبب النجاسة أو مطلقا، لأن الأصل طهارة الماء فلا ينتفي اليقين بالاحتمال.

و كذا لو وجد ماء متغيرا و شك في تغيره، هل هو بسبب نجاسة أو من نفسه؟ بنى على الطهارة، لأنها الأصل المتيقن، و لو أخبره عدلان ففي القبول خلاف، قال ابن البراج: لا يحكم بنجاسته بناء على الطهارة الأصلية و عدم اليقين بصدق الشاهدين، و الأظهر القبول، لثبوت الاحكام بهما عند الشارع، كما لو اشتراه و ادعى المشتري نجاسته قبل العقد، فلو شهد شاهدان لساغ الرد، و هو مبني على ثبوت العيب، و لو تعارضت البينتان في انائين، قال في مسائل الخلاف: «سقطت شهادتهما و بقي الماء على أصل الطهارة» و قال في المبسوط: «و ان قلنا ان أمكن الجمع بينهما قبلتا و حكم بنجاسة الإنائين كان قويا». و عندي هذا أوجه، و ان لم يمكن الجمع فالوجه نجاسة أحدهما، و يمنع منهما كما لو كان معه إناءان فنجس أحدهما و لم يعلمه بعينه.

التاسع: لو تطهر من ماء، ثمَّ علم فيه نجاسة، و شك، هل كانت قبل الوضوء أو بعده؟ فالأصل الصحة،

و لو علم انها قبل و لم يعلم هل كان كرا أو أقل؟ أعاد، لأن الأصل القلة.

العاشر: لو وقع في القليل ما شك في نجاسته،

أو مات فيه حيوان لا يعلم هو مما له نفس سائلة أو لا؟ فالأصل الطهارة.

مسئلة: و في نجاسة «البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس،

في هذا الكلام حذف مضاف، تقديره: «و في نجاسة ماء البئر» و قد اختلف «قول الشيخ‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 4 ح 2 ص 106.

54
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

ره» فقال في النهاية و المبسوط و مسائل الخلاف: ينجس بالملاقاة. و كذا قال «علم الهدى» في المصباح، و الخلاف، و جمل العلم و العمل و «المفيد» في المقنعة و قال في التهذيب: لا يغسل الثوب، و لا تعاد الطهارة ما لم يتغير بالنجاسة، لكن لا يجوز استعماله الا بعد تطهيره. ثمَّ قال في الاستبصار: و الذي ينبغي أن يعمل عليه انه ان استعمل هذه المياه بعد العلم بحصول النجاسة فيها لزمه الإعادة. فقد تبيّن ان الأظهر بين الأصحاب الفتوى بالنجاسة عند الملاقاة.

و يدل عليه «النقل المستفيض» عن الصحابة بإيجاب النزح. روى الجمهور، عن علي عليه السّلام، «في الفأرة تقع في البئر تنزح منها دلاء» «1» و قال بعض الحنابلة في كتاب له: قال الخلّال: وجدنا عن كتاب علي عليه السّلام بسند صحيح «انه سئل عن بئر بال فيها صبي، فأمر أن ينزحوها» «2» و مثله عن الحسن البصري، و عن أبي سعيد الخدري «في الدجاجة أربعون دلوا» «3» و عن ابن عباس «في زنجي وقع في بئر زمزم فمات، فقال: ينزح جميع مائها» «4» و لم ينكر ذلك أحد من أهل ذلك العصر.

و لو قيل: أنتم لا تعلمون بهذه المقادير. قلنا: هذا حق، لكن القصد ان النزح كان معلوما، و ان البئر تطهر به و ان اختلف اجتهادهم في القدر المطهر. و من طريق الأصحاب رواية محمد بن بزيع، عن الرضا عليه السّلام «في بئر يقطر فيها قطرات من بول، أو دم، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فقال: ينزح منها دلاء» «5» و لو كانت طاهرة لما حسن السؤال و لا الجواب. و رواية علي بن يقطين قال: «سألت موسى عليه السّلام عن الحمامة، و الدجاجة، و الفأرة، و الكلب،

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 268 (مع تفاوت).

(2) لم يوجدا.

(3) لم يوجدا.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 266.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 21.

55
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

و الهرة؟ قال: يجزيك أن تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها» «1» و لو كانت طاهرة قبل النزح، لكان النزح للتطهير تحصيلا للحاصل. و لأنه لو كان طاهرا لما جاز التيمم مع وجوده، لكنه يجوز، اما الملازمة فلأن عدم الماء الطاهر شرط لجواز التيمم، فلو جاز لا معه لزم تكثير مخالفة الدليل.

و اما انه يجوز معه التيمم فلوجهين: أحدهما ما رواه ابن أبي يعفور، عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا أتيت البئر و أنت جنب و لم تجد شيئا تغرف به، فتيمم بالصعيد، فان رب الماء و رب الصعيد واحد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم مائهم» «2» و الثاني انه لو لم يجز التيمم لزم اما جواز استعمال ماء البئر من غير نزح، أو إطراح الصلاة، و كل واحد منهما باطل. اما الأول: فلو صح لما وجب النزح، و هو باطل بالأحاديث المتواترة الدالة على وجوبه. و اما الثاني: فباطل بالإجماع، فإن احتج الخصم بما رواه محمد بن بزيع قال: «كتبت الى رجل يسأل الرضا عليه السّلام عن ماء البئر؟ فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الا أن ينتن» «3» فالواجب من وجوه: أحدها: الطعن في الرواية، فإن المكاتبة تضعف عن الدلالة.

و الثاني: يحتمل لا يفسده فسادا يوجب التعطيل، كما قال النبي صلى اللّه عليه و آله: «المؤمن لا يخبث» «4» أي لا يصير في نفسه نجسا، و كقول الرضا عليه السّلام: «ماء الحمام لا يخبث» «5» مع انه يجوز أن تعرض له النجاسة. الثالث: انا نعارضه بخبر محمد بن بزيع الذي قدمناه، و ان احتج بما رواه حماد، عن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 2.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 22.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 7 (مع تفاوت).

(4) سنن ابن ماجه ج 1 ص 178 الا انه رواه (لا ينجس).

(5) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 26.

56
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

يغسل الثوب، و لا تعاد الصلاة مما يقع في البئر الا أن ينتن» «1».

فالجواب ان الراوي عن معاوية المذكور لا نعرفه، فلعله غير الثقة، ففي الرواة عدة بهذا الاسم منهم الثقة و منهم غيره. و لان لفظ البئر يقع على النابعة و الغدير، فلعل السؤال عن بئر ماؤها محقون، فتكون الأحاديث الدالة على وجوب نزح البئر من أعيان المنزوحات مختصة بالنابعة، و يكون هذا متناولا لغيرها مما هو محقون. و لأنه حديث واحد يعارضه كثير، و الكثرة أمارة الرجحان. و لأنه يدل بضيعة ما العامة فيما لا يعقل، فيكون الترجيح بجانب الأحاديث الدالة على أعيان المنزوحات تقديما للخاص على العام.

مقدمة: ملاقاة النجاسة «ماء البئر» مؤثرة بحسب قوتها، و تطهيره بإخراجه من حد الواقف الى كونه جاريا جريانا يزيل ذلك التأثير، فيختلف تقدير النزح و ضعفها و سعة المجاري و ضيقها، فتارة يقتصر الأئمة عليهم السّلام على أقل ما يحصل به، و تارة يستظهر عن ذلك، و تارة يأمر بالأفضل، فلا ينكر الاختلاف في الأحاديث، و انظر ما اشتهر بين الأصحاب غير مختلف فأفت به، و ما اختلف فأقل مجز، و الأوسط مستحب، و الأكثر أفضل، و استسقط ما شذ، و من المتعارض ما ضعف سنده قال:

و ينزح لموت البعير و الثور و انصباب الخمر ماؤها أجمع. روى ذلك الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و ان مات فيها بعير، أو صب فيها خمر، فلينزح» «2» و عبد اللّه ابن سنان، عن أبي عبد اللّه «و ان مات فيها ثور، أو صب فيها خمر، فلينزح الماء كله» «3» و في البعير رواية أخرى، عن عمرو بن سعيد بن هلال، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عما يقع في البئر حتى بلغت الحمار و الجمل و البغل قال كر من ماء» «4»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5.

57
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

و الأول أرجح لسلامة السند، و ضعف سنده هذه، فان عمرو بن سعيد فطحي، و لا طعن في الحلبي، و لا في عبد اللّه بن سنان.

و في الخمر رواية أخرى عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قلت: «بئر قطر فيها قطرة دم، أو خمر، قال: الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كله واحد، ينزح منه عشرون دلوا» «1» و في رواية كردويه، عن أبي الحسن عليه السّلام «عن البئر تقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر، قال: ينزح منه ثلاثون دلوا» «2» و أفتى ابن بابويه في المقنع برواية زرارة، و يمكن أن ينزلا على القطرة من الخمر، و يفرق بين القطرة و صبّه، و يعقل الفرق كما عقل في الدم، لأنه ليس أثر القطرة في التنجيس كأثر ما يصب صبا، فإنه يشبع في الماء. قال «الشيخ» في التهذيب: «هما خبر واحد لا يمكن لأجله دفع الاخبار كلها» قال و كذلك، قال الثلاثة و أتباعهم في المسكرات، انما أصناف القول بذلك إليهم لانفرادهم بذكره، دون من تقدمهم و عدم الاطلاع على حديث يتناول ذلك نطقا.

و يمكن أن يحتج لذلك بأن كل مسكر خمر فثبت له حكمه، روى عطا بن يسار، عن أبي جعفر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «كل مسكر خمر» «3» و روى علي ابن يقطين، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: «كلما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» «4» قال: و ألحق «الشيخ ره» الفقاع. انما نسب الإلحاق اليه لسبقه الى القول به، و لم أقف على حديث يدل بنطقه على الفقاع. و يمكن أن يحتج لذلك بأن الفقاع خمر فيكون له حكمه، اما أنه خمر فلما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 3.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 5.

(3) سنن ابن ماجه ج 2 كتاب الأشربة ص 1124.

(4) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 19 ح 1 ص 273.

58
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

قال: «سألته عن الفقاع فقال: لا تشربه لأنه خمر مجهول» «1» و عن الرضا عليه السّلام «هو حرام و هو خمر» «2» و عن أبي الحسن الأخير عليه السّلام قال: «هي خمر استصغرها الناس» «3».

أما «المني» فلم أقف على ما يدل بمنطوقه على وجوب نزح الماء به، بل يمكن أن يقال: ماء محكوم بنجاسته، و لم تثبت طهارته بإخراج بعضه، فيجب نزحه، لكن هذا يعود في قسم ما لم يتناوله نص على التعيين.

قال: و قد ألحق «الشيخ» الدماء الثلاثة. و لم أعرف من الأصحاب قائلا به سواه و من تبعه من المتأخرين بعده، اما «المفيد ره» فقال في المقنعة: لقليل الدم خمس، و لكثيره عشر، و لم يفرق. و «علم الهدى» قال في المصباح: ينزح له من دلو الى عشرين، و لم يفرق. و لعل «الشيخ» نظر الى اختصاص «دم الحيض» بوجوب إزالة قليله و كثيره عن الثوب فغلظ حكمه في البئر، و ألحق به الدمين الأخيرين. لكن هذا التعلق ضعيف، فالأصل ان حكم بقية الدماء عملا بالأحاديث المطلقة، قال: فان غلب الماء تراوح عليها قوم اثنين اثنين يوما. لرواية عمار بن موسى قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «و سئل عن بئر يقع فيها كلب، أو فأرة، أو خنزير، قال: تنزف كلها» «4» قال الشيخ: يعني إذا تغير أحد أوصافها.

ثمَّ قال عليه السّلام: فان غلب عليه الماء فلينزف يوما الى الليل يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين و قد طهرت» «5» و لقائل أن يطعن في هذه الرواية بضعف سندها، فان رواتها ابن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 5.

(2) مستدرك الوسائل ج 2 أبواب ما يكتسب به ص 452.

(3) التهذيب ج 9 ح 275 ص 125.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 8 (مع تفاوت).

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 23 ح 1.

59
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

عمار، و كلهم فطحية، و بضعف المتن بما تضمن من إيجاب نزح الماء كله للكلب، أو الفأرة، أو الخنزير، و هو متروك في فتوى الأصحاب. و ربما قيل: ان المذكورين و ان كانوا فطحية فإنه مشهود لهم بالثقة فلا طعن في روايتهم إذا لم يكن لها معارض من الحديث السليم، و لأن إيجاب نزح الماء كله في هذه اما على الاستحباب، و اما كما فسره «الشيخ ره» في التهذيب ان المراد بذلك إذا تغير الماء. و قال الشيخان و الاتباع الثلاثة: إذا غلب الماء تراوح عليها أربعة رجال.

و استدل الشيخ برواية عمرو بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته حتى بلغت الحمار، و الجمل، و البغل، قال كر من ماء» «1» و ان كان كثيرا قال الشيخ:

و تراوح عليها أربعة رجال على نزح الماء يوما يزيد عن كر. و هذه الرواية تساوي الاولى في السند، و لا تدل على موضع النزاع، لأنه اكتفى بنزح الكر و تراوح الأربعة و ان زاد عن الكر لا يدل على أنه يقوم مقام ما يوجب نزح الماء كله، فلهذا عدلنا عن تأويل هذه الرواية إلى الاولى، و الاولى و ان ضعف سندها، فان الاعتبار يؤيدها من وجهين:

أحدهما: عمل الأصحاب على رواية عمار الثقة، حتى ان «الشيخ ره» ادعى في العدة إجماع الإمامية على العمل بروايته، و رواية أمثاله ممن عدّدهم.

الثاني: انه إذا وجب نزح الماء كله و تعذر، فالتعطيل غير جائز، و الاقتصار على نزح البعض تحكم، و النزح يوما يتحقق معه زوال ما كان في البئر فيكون العمل به لازما و اختلفت ألفاظ الأصحاب في التحديد، فقال «المفيد»: من أول النهار الى آخره، و تبعه الحلبي، و سلار، و قال «ابن بابويه» و «علم الهدى»: من غدوة إلى العشاء، و معنى هذه الألفاظ متقاربة، فيكون النزح من طلوع الفجر الى غروب الشمس أحوط، لأنه يأتي على الأقوال، قال: و لموت البغل و الحمار كرا. اما «الحمار»‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5.

60
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

فقاله الخمسة و أتباعهم، و المستند رواية عمرو بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السّلام، و ان ضعف سندها فالشهرة تؤيدها، فإني لم أعرف من الأصحاب رادا لها في هذا الحكم، و الطعن فيها بطريق التسوية بين الجمل، و الحمار، و البغل غير لازم، لان حصول التعارض في أحد الثلاثة لا يسقط استعمالها في الباقي، و قد أجاب بعض الأصحاب بأنه من الجائز أن يكون الجواب وقع عن الحمار و البغل دون الجمل، الا ان هذا ضعيف، لأنه يلزم منه التعمية في الجواب و هو ينافي حكمه المجيب.

و قد روى ابن أذينة، و زرارة، و محمد بن مسلم، و بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللّه و أبي جعفر عليهما السّلام «في البئر تقع فيها الدابة، و الفأرة، و الكلب، و الطير، فيموت، قال: يخرج من البئر ثمَّ ينزح دلاء، ثمَّ اشرب و توضأ» «1» و مثله روى البقباق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «2»، لكن هذه لم يتضمن قدر الدلاء التي تنزح، و من المحتمل أن يكون ذلك مما يبلغ الكر، فيكون العمل بالبينة أولى، قال: و كذا قال الثلاثة:

في الفرس، و البقرة، قال في المبسوط: ينزح كر للحمار، و البقرة، و ما أشبههما.

و قال في النهاية: للحمار و البقرة و الدابة. و كذا قال «علم الهدى ره» في المصباح.

و قال المفيد في المقنعة: و ان مات فيها حمار، أو بقرة، أو فرس، و أشباهها من الدواب و لم يتغير الماء نزح منها كر من الماء و نحن نطالبهم بدليل ذلك.

فان احتجوا برواية عمرو بن سعيد، قلنا: هي مقصورة على الجمل، و الحمار، و البغل، فمن أين يلزم في البقرة؟ فإن قالوا هي مثلها في العظم، طالبناهم بدليل التخطي إلى المماثل من أين عرفوه لا بد له من دليل، و لو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثور، و لكانت الجاموس كالجمل، و ربما كانت فرس في عظم الجمل فلا تعلق إذا بهذا و شبهه.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 6.

61
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

و من المقلدة من لو طالبته بدليل ذلك لادعى الإجماع، لوجوده في كتب الثلاثة، و هو غلط و جهالة ان لم يكن تجاهلا، فالأوجه أن يجعل الفرس و البقرة في قسم ما لم يتناوله نص على الخصوص، قال: و لموت الإنسان سبعون دلوا، هذا مذهب علمائنا ممن أوجب النزح، و هي رواية ابن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ذبح طيرا فوقع من يده في البئر، فقال: ينزح منها دلاء إذا كان ذكيا و ما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا، و أقله العصفور ينزح منها دلو واحدة، و ما سوى ذلك فيما بيّن هذين» «1» أورد «الشيخ» في التهذيب هذه الرواية (بالثاء المنقطة) ثلثا و في مقابلته و أقله، و أوردها «أبو جعفر ابن بابويه ره» في كتابيه أكبره (بالباء المنقطة) من تحتها بواحدة و قال في مقابلته و أصغره.

لا يقال رواه هذا السند فطحية، لأنا نقول هذا حق لكن من الثقات مع سلامته عن المعارض، ثمَّ هذه الرواية معمول عليها بين الأصحاب عملا ظاهرا، و قبول الخبر بين الأصحاب مع عدم الراد له يخرجه الى كونه حجة، فلا يعتد إذا بمخالف فيه، و لو عدل الى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به، الى الشاذ الذي ليس بمشهور، و هو باطل بخبر عمر بن حنظلة المتضمن «لقوله عليه السّلام خذ ما اجتمع عليه أصحابك و اترك الشاذ الذي ليس بمشهور» «2» و قال «المفيد» في المقنعة: و ان مات إنسان في بئر أو غدير ينقص عن مقدار الكر، و لم يتغير بذلك الماء، فلينزح منه سبعون دلوا، و لا معنى لذكر الغدير هنا الا أن يريد ماله مادة من نبع، لكن لو أراد ذلك لا غناه لفظ البئر.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2.

(2) أصول الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 86.

62
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

فرع

هذا الحكم يتناول الصغير، و الكبير، و الأنثى، و الذكر، و المسلم، و الكافر، لأن (الإنسان جنس معرف باللام) و ليس هناك معهود، فيكون «اللام» معرفا للجنس، فيوجد الحكم بوجود الجنس أين كان، و جنس الإنسان ثابت للكافر، فيكون الحكم متناولا له عملا بإطلاق اللفظ، و شرط بعض المتأخرين الإسلام، و احتج: بأن الكافر نجس، فعند ملاقاته حيا يجب نزح البئر أجمع، و الموت لا يطهره، فلا يزول وجوب نزح الماء، قال: و لو تمسك بالعموم هنا لكان معارضا بقولهم ينزح، لارتماس الجنب سبع، فإنه يشترط الإسلام، إذ لا يقدم أحد من الأصحاب على القول في الجنب بنزح سبع، و لو كان كافرا، و كما اشترط هنا الإسلام فكذا ثمَّ.

و الجواب قوله: ملاقاة الكافر موجبة لنزح الماء، قلنا: لا نسلم قوله: «أجمع الأصحاب» قلنا: هذه دعوى مجردة، بل نحن نقول: انا لم نقف على فتوى بذلك أصلا فكيف يدعي الإجماع، و لو قال: ذكر «الشيخ» ذلك في المبسوط قلنا: قوله في المبسوط: ليس دليلا بمجرده فضلا أن يدعي به الإجماع، ثمَّ «الشيخ» لم يجزم بذلك، لأنه يقول: ما لم يرد فيه مقدر منصوص، يجب منه نزح الماء احتياطا، و ان قلنا: بجواز أربعين دلوا للخبر كان سائغا، غير أن الأحوط الأول، فالشيخ انما صار الى الاحتياط استظهارا لا قطعا، ثمَّ انه علل إيجاب نزح الماء في الكافر بأنه لا دليل على مقدر، و نحن نقول: الدليل موجود، لان لفظ الإنسان إذا كان متناولا للمسلم، و الكافر، يجري مجرى النطق بهما، فاذا وجب في موته سبعون لم يجب في مباشرته أكثر، لأن الموت يتضمن المباشرة فيعلم نفي ما زاد من مفهوم النص.

و هذا كما تقول: في الجواب عن الخنزير إذا وقع و خرج حيا، فإنه لا يجب‌

63
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

له أكثر من أربعين، و ان كان لم يرد على عينه نص، بل فحواه دل على ذلك، فالشيخ (ره) لم يصر إلى إيجاب الكل الا لتوهم ان النص لا يدل بمفهومه على نفي ما زاد على سبعين، و لو قال: سلمنا العموم لكنه مخصوص، قلنا: تخصيص العموم بالاحتياط غير جائز، و انما يخص بالدليل القاطع. اما الاحتياط فليس من مختصات العموم في شي‌ء، لأنه انما يصار اليه عند عدم الدليل، و العموم دليل فيسقط الاحتياط معه، و كذا المطلق دليل فلا يعتبر معه الاحتياط، و معارضته بالجنب غير واردة.

لأنا نجيب في وجوه: أحدها: ان الارتماس من الجنابة انما يراد للطهارة، فيكون ذلك قرينة دالة على من له عناية بالطهارة و هو المسلم، و لهذا قال الشيخ في المبسوط: نزح منها سبع دلاء و لم يطهره.

الثاني: أن تقول: أما أن يكون هنا دليل يمنع من تنزيل خبر الجنب على الكافر و المسلم، و اما أن لا يكون، فان كان، فالامتناع انما هو لذلك الدليل، و ان لم يكن، قلنا: بموجبة، سواء كان كافرا أو مسلما، فانا لم نره زاد على الاستبعاد شيئا، و الاستبعاد ليس حجة في بطلان المستبعد.

الوجه الثالث: ان مقتضى الدليل العمل «بالعموم» في الموضعين، و امتناعنا من استعمال أحد العمومين في العموم لا يلزم منه اطراح العموم الأخر، لأنا نتوهم أحد العمومين مخصصا فالتوقف عنه، انما هو لهذا الوهم فان صح، و الا قلنا به مطلقا، فالإلزام غير وارد، ثمَّ هذا ليس بنقض على مسئلتنا، بل نقض على استعمال اللام في «الاستغراق» أين كان، فيلزم أن لا ننزل قوله الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي «1» على العموم و لا قوله وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ «2» لأنا لم ننزل الجنب هنا على العموم.

قال: و للعذرة عشرة، فإن ذابت فأربعون، أو خمسون، و هذا مذهب أبي جعفر بن‌

______________________________
(1) النور: 2.

(2) المائدة: 38.

64
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

بابويه في كتابه و قال المفيد في المقنعة: للرطبة أو الذابية خمسون، و لليابسة عشرة، و قال الشيخ في المبسوط: للرطبة خمسون، و لليابسة عشر. و قال «علم الهدى» في المصباح: لليابسة عشر، فان ذابت و تقطعت خمسون دلوا.

لنا ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن العذرة تقع في البئر؟ قال: ينزح منها عشر دلاء، فان ذابت فأربعون أو خمسون دلوا» «1» و ما فصله الثلاثة، لم أقف به على شاهد. قال: و في الدم أقوال، و المروي في ذبح دم الشاة من ثلاثين إلى أربعين، و في القليل دلاء يسيرة. و كذا قال ابن بابويه (ره) في كتابيه.

و قال المفيد في الكثير عشر، و في القليل خمس، و قال في النهاية للقليل عشر، و للكثير خمسون، و قال «علم الهدى ره» في المصباح: في الدم ما بين الدلو الواحدة إلى العشرين.

لنا ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل ذبح شاة، فاضطربت فوقعت في بئر ماء، و أوداجها تشخب دما، هل يتوضأ من تلك البئر؟ قال: ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ثمَّ يتوضأ منها، و عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقع في بئر هل يصلح له أن يتوضأ منها؟ قال: ينزح منها دلاء يسيرة ثمَّ يتوضأ منها» «2» و قال ابن بابويه (ره) في المقنع: في القليل عشر.

و كذا الشيخ (ره) في كتبه، و استدل برواية محمد بن بزيع قال «كتبت الى رجل يسأل الرضا عليه السّلام عن البئر تكون في المنزل، فيقطر فيها قطرات من بول، أو دم، أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة كالبعرة، أو نحوها، ما الذي يطهرها حتى يحل منها الوضوء للصلاة؟ فوقع في كتابي بخطه: ينزح منها دلاء» «3» قال «الشيخ» في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 20 ح 1.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 1.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 21.

65
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

التهذيب: و أكثر عدد يضاف الى هذا الجمع عشرة، فيجب أن يؤخذ به، إذ لا دليل على ما دونه.

و فيما ذكره «الشيخ ره» ضعف، لأنا نسلم ان أكثر عدد يضاف الى الجمع عشر، لكنا لا نسلم انه إذا جرد عن الإضافة كانت حاله كذا فإنه لا يعلم من قوله:

عندي دراهم، انه لم يخبر عن زيادة عن عشرة دلاء، إذا قال أعطه دراهم يعلم انه لم يرد أكثر من عشرة، فإن دعوى ذلك باطلة. فاما قول المفيد (ره) فلا أعلم وجهه، و كذا قول علم الهدى (ره)، فان استدل برواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، و عن أبي العباس الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الدم، و الخمر، و الميت، و لحم الخنزير، عشرون» «1» لم يكن دالة على ما ذكره.

قال: و لموت الكلب و شبهه أربعون، و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم. و قال «ابن بابويه» في المقنع: و ان وقع فيها كلب، أو سنّور، فانزح ثلاثين دلوا إلى أربعين. و قد روي سبع دلاء، و فيمن لا يحضره الفقيه: في الكلب من ثلاثين إلى أربعين و في السنور سبع.

و اعلم أن في الكلب روايات: فما قلنا: هو رواية الحسين بن سعيد، في كتابه عن القسم بن علي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن السنور؟ فقال: أربعون دلوا، و الكلب و شبهه» «2» و في رواية زرارة، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر، و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قال: «يخرج من البئر، و ينزح دلاء، ثمَّ اشرب و توضأ» «3» و في رواية أبي أسامة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الفأرة، و السنور، و الدجاجة، و الطير و الكلب، إذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء، يكفيك خمس دلاء، و ان تغير الماء‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 3 ص 133.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 5 ص 135.

66
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

فخذ منه حتى يذهب الريح» «1».

و في رواية أبي مريم قال: «حدثنا جعفر قال: كان أبو جعفر عليه السّلام يقول:

«إذا مات الكلب في البئر، نزحت» «2» و في رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «و سئل عن بئر وقع فيها كلب، أو فأرة، أو خنزير؟ قال ينزف كلها» «3» و في رواية عمرو بن سعيد عن أبي جعفر عليه السّلام «سبع دلاء» «4» و الرواية عن زرارة غير مقدرة فيحتمل أن يكون إشارة إلى المنزوح الأول، و رواية أبي أسامة قوية السند، لكنها متروكة بين المفتين، و رواية أبي مريم محتملة، إذ قوله «نزحت» يمكن أن يراد به الأربعون، و رواية عمار و ان كان ثقة، لكنه «فطحي» فلا يعمل بها، مع وجود المعارض السليم، و كذا رواية عمر بن سعيد، و يريد «بشبه الكلب» الخنزير و الغزال و الثعلب، و روي في لحم الخنزير عشرون، و لا بأس بالرواية، قال: و كذا في بول الرجل، و هو مذهب الخمسة و أتباعهم، و في البول روايات:

الأولى: رواية علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «بول الرجل، قال: ينزح منها أربعون دلوا» «5».

الثانية: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في البئر يبول فيها الصبي، أو يصب فيها بول، أو خمر، قال: ينزح الماء كله» «6».

الثالثة: رواية كردويه، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن البئر يقع فيها قطرة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 134.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 8 ص 136.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5 ص 132.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 2 ص 133.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.

67
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

دم، أو نبيذ مسكر، أو بول، أو خمر، قال: ينزح منها ثلاثون دلوا» «1» و كذا روايته في خبر المنجرة، و الترجيح بجانب الاولى، لاشتهارها في العمل، و شذوذ غيرها بين المفتين.

لا يقال: علي بن أبي حمزة واقفي، لأنا نقول: تغيره انما هو في موت موسى عليه السّلام فلا يقدح فيما قبله، على أن هذا الوهن لو كان حاصلا وقت الأخذ عنه، لانجبرت بعمل الأصحاب و قبولهم بها، و لا تفصيل في بول النساء، بل بول الصغيرة، و الكبيرة سواء، يجب منه ثلاثون دلوا، لرواية كردويه «2». و يستحب نزح الماء كله، لرواية معاوية بن عمار «3». و قال بعض المتأخرين: ينزح لبول المرأة أربعون، لأنها إنسان، و نحن نسلم أنها إنسان و نطالبه أين وجد الأربعين معلقة على بول الإنسان و لا ريب انه وهم منه.

فرع آخر

بول الكافر و المسلم سواء في النزح، لتناول العموم له، قال: و ألحق الشيخان بالكلب الثعلب، و الأرنب، و الشاة، قال «الشيخ» في التهذيب عند استدلاله على كلام المفيد (ره)، بقوله عليه السّلام: «و للسنور أربعون دلوا، و للكلب و شبهه» «4» قوله «و شبهه» يريد في قدر جسمه، و هذا يدخل فيه الشاة، و الغزال، و الثعلب، و الخنزير و كلما ذكر، و لا ريب ان الثعلب يشبه السنور، اما الكلب فهو بعيد عن شبهه، و الرواية إنما أحالت في الشبه على الكلب، فالاستدلال إذا ضعيف.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 5 ص 133.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 3 ص 133.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.

68
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

قال: و روي في الشاة تسع، أو عشر، قال «ابن بابويه» فيمن لا يحضره الفقيه: «و ان وقعت فيها شاة و ما أشبهها، نزح منها تسعة إلى عشرة» و لعله استناد إلى رواية إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام ان عليا عليه السّلام كان يقول: «الدجاجة و مثلها يموت في البئر، ينزح منها دلوان، و ثلاثة، فإذا كانت شاة و ما أشبهها، فتسعة، أو عشرة» «1» و في رواية عمرو بن سعيد «سبع دلاء» «2» و العمل بما ذكره ابن بابويه في هذه أولى، لسلامة سند الرواية بذلك، و ضعف رواية عمرو. و قال الثلاثة ينزح لها أربعون.

و احتج الشيخ بأنها مشابهة للكلب، و احتجاجه بالمشابهة ليس بصريح، فالصريح أولى، لأنه استدلال بالمنطوق، قال: و للسنور أربعون، و في رواية سبع، و بالأربعين قال الثلاثة و أتباعهم، و بالسبع قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه، و هو استناد إلى رواية عمرو بن سعيد.

لنا ما رواه الحسين بن سعيد، عن القسم عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن السنور؟ قال أربعون» «3» و في رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «من ثلاثين إلى أربعين» «4» و في رواية أبي أسامة التي قدمنا «خمس دلاء» «5» و في عمرو بن سعيد ضعف، و كذا في رواية سماعة، و رواية أبي أسامة متروكة، فتعين العمل بالأربعين، لاقترانها بعمل الأكثر من الأصحاب، و لو عمل بالأقل جوازا و بهذه استظهارا جاز أيضا، فان علي بن أبي حمزة واقفي.

قال و لموت الطير، و اغتسال الجنب سبع، أما الطير فهو اختيار الثلاثة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 3 ص 137.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5 ص 132.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 4 ص 135.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

69
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

و أتباعهم، و هي رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الطير و الدجاجة؟ قال: سبع دلاء» «1» و في رواية إسحاق بن عمار «الدجاجة و مثلها يموت في البئر، دلوان و ثلاثة» «2» و في رواية أبي أسامة «الدجاجة، و الطير، خمس دلاء» «3» و الاولى يعضدها العمل، فهي أولى، و ان ضعف سندها، و لا أستبعد العمل برواية أبي أسامة لرجحانها بسلامة السند، لكني لم أر بها عاملا.

و أما اغتسال الجنب، فان الشيخين أورداه بلفظ «الارتماس» و الأحاديث وردت بعبارات أربع، ليس فيها ذكر «الارتماس». الأولى: رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و ان وقع فيها جنب، فانزح منها سبع دلاء» «4». الثانية:

رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان سقط في البئر دابة صغيرة، أو نزل فيها جنب، نزح منها سبع دلاء» «5». الثالثة: رواية أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يدخل البئر، فيغتسل منها، قال: ينزح منها سبع دلاء» «6».

الرابعة: رواية محمد بن مسلم قال: «إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء» «7» و نحن نطالب من ذكر لفظ «الارتماس» من أين ذكره، و لم علق الحكم على الارتماس دون الاغتسال، حتى أن بعضهم قال: لو اغتسل في البئر و لم يرتمس لما وجب النزح.

و الذي ينبغي تحصيله: ان الموجبين لنزح الماء من اغتسال الجنب هم القائلون‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 3 ص 137.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6 ص 132.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 1 ص 132.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 22 ح 4 ص 143.

(7) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 22 ح 2 ص 142.

70
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

بأن ماء الغسل من الجنابة لا يرفع به الحدث، الا سلار فإنه قال: بالنزح و لم يمنع من ماء الغسل، اما «المرتضى» و «أبو الصلاح» فأجازا الطهارة بماء غسل الجنب و لم يذكرا حكمه في البئر، و إذا كان الجنب طاهر الجسد و ماء غسله غير ممنوع منه فما وجه إيجاب نزح؟

و كأني بضعيف مكابر يقول: هذا إجماع و ذاك مختلف فيه، و قد بينا: ان الخلاف انما هو من «المرتضى ره» و هما لم يذكراه في المنزوح، فدعواه الإجماع حينئذ حماقة، نعم لا يتعلق الحكم الا مع الاغتسال، اما السقوط، أو الوقوع، أو الدخول، بمجرده فلا، فاذا الدليل الدال على هذا الحكم خبر واحد، و الموردون للفظ الارتماس ثلاثة، أو أربعة، فكيف يكون إجماعا؟ قال: و كذا «الكلب» لو خرج حيا قال الشيخ ره في النهاية: «و قد روى إذا وقع فيها كلب و خرج حيا نزح منها سبع دلاء» «1» و قال في المبسوط: و ان وقع فيها كلب و خرج حيا نزح منها سبع دلاء للحية.

لنا رواية أبي مريم قال: حدثنا جعفر قال: قال أبو جعفر: «و إذا وقع فيها الكلب و خرج حيا نزح منها سبع دلاء» «2». قال: و للفأرة إذا تفسخت سبع دلاء، و الا فثلاث، و قيل دلو، و بما ذكرناه قال «الشيخ» في النهاية و المبسوط و قال «المفيد» في المقنع: إذا تفسخت أو انتفخت سبع دلاء. و كذا قال أبو الصلاح، و سلار، و قال علم الهدى في المصباح: «في الفأرة سبع دلاء» و قد روي ثلاث، و قال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه: و ان وقع فيها فأرة فدلو واحدة، و ان تفسخت فسبع دلاء، و معنى (تفسخت) تقطعت و تفرقت، و قال بعض المتأخرين تفسخها، انتفاخها و هو غلط.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 134.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 136.

71
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

لنا رواية معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة، و الوزغة تقع في البئر، فقال: ينزح منها ثلاث دلاء» «1» و عن ابن سنان، و عن أبي عبد اللّه مثله، و قد روى ابن أبي حمزة، و عمرو بن سعيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الفأرة سبع دلاء» «2» و كذا روى أبو أسامة، و يعقوب بن عيثم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فيحمل الأول على عدم التفسخ، و الثاني على التفسخ، يشهد لذلك رواية أبي أسامة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الفأرة، و السنور، و الدجاجة، و الطير، ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء، فيكفيك خمس دلاء» «3» و رواية أبي سعيد المكاري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إذا وقعت الفأرة في البئر فتفسخت فانزح منها سبع دلاء» «4» و ضعف أبي سعيد لا يمنع من العمل بروايته على هذا الوجه، لأنها تجري على هذا مجرى الأمارة الدالة على الفرق و ان لم تكن حجة في نفسها، و اما الانتفاخ فشي‌ء ذكره المفيد (ره) و تبعه الآخرون، و لم أقف له دليل على شاهد.

قال و لبول الصبي سبع دلاء، و في رواية ثلاث، و لو كان رضيعا فدلو واحدة يريد «بالرضيع» الذي لم يأكل الطعام، كذا ذكره الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و قيل يريد به من كان في زمان الرضاع و هو حولان و لو أكل، و لست أعرف التفسير من أين نشأ، و الرواية تتناول العظيم، فنحن نطالبهم بلفظ الرضيع أين نقل و كيف قدر لبوله الدلو الواحدة، و بالسبع قال الشيخان (ره) في كتبهما، و قال «علم الهدى» في المصباح: و في بول الصبي إذا أكل الطعام ثلاث دلاء، و ان كان رضيعا نزح دلو واحدة، و كذا قال ابن بابويه (ره) في كتابيه، و قال أبو‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 2 ص 137.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5 ص 132.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 1 ص 137.

72
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 73

الصلاح الحلبي (ره): لبول الصبي الرضيع ثلاث دلاء.

لنا رواية منصور قال حدثنا عدة من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ينزح منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبي، أو وقعت فيها فأرة أو نحوها» «1» و روى علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن بول الصبي الفطيم يقع في البئر، فقال: دلو واحدة» «2» و في رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها الخمر، فقال: ينزح الماء كله» «3» قال الشيخ في التهذيب ما تضمن من ذكر بول الصبي، محمول على ما إذا غيّر طعم الماء، أو رائحته، و قلت: لو نزل على الاستحباب كان حسنا توفيقا بينه و بين ما دلت عليه الاخبار مما ينقص عن ذلك، و لأنه قد ثبت أن بول الرجل يوجب نزح أربعين فبول الصبي لا يزيد عن ذلك. قال و كذا في «العصفور» و شبهه، و به قال «الشيخان» في النهاية و المبسوط و المقنعة و أتباعهما، و قال «ابن بابويه ره» في كتابيه: أصغر ما يقع في البئر الصعوة، ينزح منها دلو واحدة.

لنا ما رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و أقله العصفور ينزح منها دلو واحدة» «4» و قد قلنا: ان عمارا مشهود له بالثقة في النقل منضما الى قبول الأصحاب لروايته هذه، و مع القبول لا يقدح اختلاف العقيدة.

فرع

قال الصهرشتي: كل طائر في حال صغره ينزح له دلو واحد، كالفرخ، لأنه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 1 ص 133.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 2 ص 133.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2 ص 141.

73
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 74

يشابه العصفور. و نحن نطالبه بدليل التخطي إلى المشابهة، و لو وجده في كتب «الشيخ» أو كتب «المفيد رض» لم يكن حجة ما لم يوجد الدليل.

فرع آخر

قال الراوندي: فيجب أن يشترط هنا أن يكون مأكول اللحم، احترازا من الخفاش فإنه نجس، و نحن نطالبه من أين علم نجاسته؟ فان التفت الى كونه مسخا طالبناه بتحقيق كونه مسخا، ثمَّ بالدلالة على نجاسة المسخ، و قد روي في شواذ الاخبار انه مسخ لكن لا حجة في مثلها.

مسئلة: قال «الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء،

و قال «المفيد ره» في المقنعة ان وقع فيها حية فماتت نزح منها ثلاث دلاء، و كذا ان وقع فيها وزغة. و قال «أبو الصلاح» للحية و العقرب ثلاث دلاء، و للوزغة دلو واحدة. و في رسالة علي بن بابويه: ان وقع فيها حية، أو عقرب، أو خنافس، أو بنات وردان، فاستق للحية دلوا، و ليس عليك فيما سواها شي‌ء.

فنقول: اما الوزغة فقد روى معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة، و الوزغة، تقع في البئر، قال: ينزح منها ثلاث دلاء» «1» و ربما صار أبو الصلاح إلى رواية يعقوب بن عيثم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في بئر، في مائها ريح يخرج منها قطع جلود، قال ليس بشي‌ء، ان الوزغ ربما طرح جلده إنما يكفيك من ذلك دلو واحدة» «2» و ليس في هذا دلالة صريحة.

و أما العقرب فقد روى هارون بن حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 2 ص 137.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 9 ص 139.

74
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال«الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء، ؛ ج‌1، ص : 74

يشابه العصفور. و نحن نطالبه بدليل التخطي إلى المشابهة، و لو وجده في كتب «الشيخ» أو كتب «المفيد رض» لم يكن حجة ما لم يوجد الدليل.

فرع آخر

قال الراوندي: فيجب أن يشترط هنا أن يكون مأكول اللحم، احترازا من الخفاش فإنه نجس، و نحن نطالبه من أين علم نجاسته؟ فان التفت الى كونه مسخا طالبناه بتحقيق كونه مسخا، ثمَّ بالدلالة على نجاسة المسخ، و قد روي في شواذ الاخبار انه مسخ لكن لا حجة في مثلها.

مسئلة: قال «الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء،

و قال «المفيد ره» في المقنعة ان وقع فيها حية فماتت نزح منها ثلاث دلاء، و كذا ان وقع فيها وزغة. و قال «أبو الصلاح» للحية و العقرب ثلاث دلاء، و للوزغة دلو واحدة. و في رسالة علي بن بابويه: ان وقع فيها حية، أو عقرب، أو خنافس، أو بنات وردان، فاستق للحية دلوا، و ليس عليك فيما سواها شي‌ء.

فنقول: اما الوزغة فقد روى معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة، و الوزغة، تقع في البئر، قال: ينزح منها ثلاث دلاء» «1» و ربما صار أبو الصلاح إلى رواية يعقوب بن عيثم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في بئر، في مائها ريح يخرج منها قطع جلود، قال ليس بشي‌ء، ان الوزغ ربما طرح جلده إنما يكفيك من ذلك دلو واحدة» «2» و ليس في هذا دلالة صريحة.

و أما العقرب فقد روى هارون بن حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 2 ص 137.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 9 ص 139.

74
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال«الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء، ؛ ج‌1، ص : 74

عن الفأرة، و العقرب و أشباه ذلك، يقع في الماء و يخرج حيا هل يشرب من ذلك و يتوضأ منه؟ قال تسكب ثلاث مرات، قليله و كثيره بمنزلة، ثمَّ تشرب منه و تتوضأ غير الوزغ، فإنه لا ينتفع بما يقع فيه» «1» و في العقرب رواية أخرى عن منهال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن العقرب تخرج من البئر حية، قال: استق منها عشرة دلاء، قلت: فغيرها الخيف من الجيف، قال: كلها إلا جيفة قد أجيفت، فإن كانت جيفة قد أجيفت، فاستق منها مائة دلو، فان غلب عليها الريح بعد المائة فانزحها» «2».

و يمكن أن يستدل على الحية بما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها، فانزح منها دلاء» «3» فينزل على الثلاث، لأنه أقل محتملاته، و الذي أراه وجوب النزح في الحية، لأن لها نفس سائلة و ميتتها نجسة، أما «العقرب» و «الوزغة» فعلى الاستحباب، لان ما لا نفس له سائلة ليس بنجس، و لا ينجس شي‌ء بموته فيه، بل روي أن له سما فيكره لذلك، و في «سام أبرص» روايتان: أحدهما عن يعقوب بن عيثم قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام عن «سام أبرص» ينفسخ في البئر، قال انما عليك أن تنزح سبع أدل» «4» و الأخرى عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عن «سام أبرص» في البئر، قال: «ليس بشي‌ء، حرك الماء بالدلو» «5» قال الشيخ (ره) في التهذيب: المعنى إذا لم ينفسخ فالوجه عندي الاستحباب، لما قلناه، و لضعف الروايتين.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 9 ح 4 ص 172.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 220 ح 7 ص 143.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6 ص 132.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 7.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 8 ص 139.

75
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال«الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء، ؛ ج‌1، ص : 74

مسئلة: ذكر «الشيخ ره» في النهاية و المبسوط ينزح لذرق الدجاج خمس دلاء، و أطلق. و خص سلار بن عبد العزيز ذلك «بالجلال» و في القولين إشكال، أما الإطلاق فضعيف، لان ما ليس بجلال ذرقه طاهر، و كل رجيع طاهر، لا يؤثر في البئر تنجيسا، اما «الجلال» فذرقه نجس، لكن تقدير نزحه (بالخمسة) في موضع المنع و نطالب قائله بالدليل. و قال أبو الصلاح: خرء ما لا يؤكل لحمه يوجب نزح الماء، و يقرب عندي أن يكون داخلا في قسم العذرة ينزح له عشرة، و ان ذاب فأربعون، أو خمسون، و يحتمل أن ينزح له ثلاثون بخبر المنجرة.

قال: و لو غيرت النجاسة مائها نزح، و لو غلب فالأول حتى يزول التغير، و يستوفي المقدر، فاعل «غلب» مضمر، و هو عائد على الماء، و «الأولى» مبتدأ و خبره محذوف، و تقديره، فالأولى النزح. و انما قال فالأولى لأن في المسئلة أقوالا هذا أرجحها، فالمرتضى و ابن بابويه أوجبا نزح الماء كله، فان تعذر لغزارته تراوح عليها أربعة رجال من غدوة إلى الليل. و «الشيخان» أوجبا نزح الماء، فان تعذر نزح حتى تطيب. و أبو الصلاح الحلبي لم يوجب نزح الماء و اقتصر على نزحها حتى يزول التغير.

لنا رواية معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة و نزحت البئر» «1» و عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا انفسخت الفأرة و نتن، نزح الماء كله» «2» و الاعتبار يؤيد روايته، لان تغير الماء يدل على غلبة النجاسة عليه، و قهرها لما فيه من قوة التطهير، فلا يطهر بإخراج بعضه، و اما انه مع التعذر ينزح حتى يطيب و ما رواه ابن بزيع، عن الرضا عليه السّلام «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الا أن يتغير ريحه، أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10 ص 127.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 4 ص 138.

76
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 77

لان له مادة» «1».

و ما رواه جميل قال: «فان تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الريح» «2» و روى سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و ان أنتن حتى يوجد ريح النتن في الماء نزحت حتى يذهب النتن من الماء» «3» فحينئذ نقول: يجب النزح عملا بالأول، فإذا تعذر سقط التعبد به فيتعين الثاني لئلا يطرح أحد الدليلين، و انما قلنا: و يستوفي المقام لأنه نجس، و ان لم يتغيّر الماء، فمع التغير لا يسقط، و لأنه تمسك بظاهر الروايات الموجبة للتقدير، و التغيير لا ينافيه فلا يسقط حكمها.

فروع

الأول: الدلو التي ينزح بها، هي المعتادة،

صغيرة كانت، أو كبيرة، لأنه ليس للشرع فيها وضع، فيجب أن يتقيد بالعرف. و لو نزح بإناء عظيم ما يخرجه الدلاء المقدرة ففي الطهارة عندي تردد، أشبهه لأنه لا يجزي، لأن الحكمة تعلقت بالعدد و لا نعلم حصولها مع عدمه.

الثاني: ان عملنا في التراوح بالرجال فلا يجزي للنساء، و لا الصبيان،

و ان عملنا بالخبر المتضمن لتراوح القوم أجزي النساء و الصبيان، و لا بد أن يتولى النزح اثنان اثنان تبعا للرواية، لأنا نتكلم على تقدير تسليمها نظرا الى العمل بها، و لو نزح اثنان نزحا متواليا يوما ففي الإجزاء تردد، أشبهه انه لا يجزي.

الثالث: لا يعتبر في النزح النية،

لأنه جار مجرى إزالة النجاسة، و وجوب النية منفي بالبراءة الأصلية فتطهر بنزح الصبي، و المجنون، و الكافر.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 12 ص 105.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 4 ص 135.

77
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع: البعير جنس يدخل تحته الذكر، و الأنثى، و الصغير، و الكبير، ؛ ج‌1، ص : 78

الرابع: البعير جنس يدخل تحته الذكر، و الأنثى، و الصغير، و الكبير،

كالإنسان.

الخامس: مما لم يتناوله التقدير في النزح قال في المبسوط: الاحتياط تقتضي نزح الماء

منه. و ان قلنا: بأربعين دلوا بخبر المنجرة كان سائغا، و الأحوط ما قلناه، و لا مأخذ عليه في هذا التردد، لأن الرواية و ان كانت عنده حقا فلا بأس أن يأخذ بالاحتياط استظهارا و استحبابا. و يمكن أن يقال: فيه وجه ثالث، و هو ان كل ما لم يقدر له منزوح لا يجب فيه نزح، عملا برواية معاوية المتضمنة قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا تغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما يقع في البئر الا أن ينتن» «1» و رواية ابن بزيع «ان ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الا أن يتغير ريحه، أو طعمه» «2» و هذا يدل بالعموم، فيخرج عنه ما دلت عليه النصوص بمنطوقها أو فحواها، و يبقى الباقي داخلا تحت هذا العموم، و هذا يتم لو قلنا: ان النزح للتعبد لا للتطهير، اما إذا لم نقل ذلك، فالأولى نزح مائها أجمع.

السادس: إذا وقع أكثر من واحد فمات، فان كانت الأجناس مختلفة لم يتداخل النزح،

«كالطير» و «الإنسان» و لو تساوى المنزوح «كالكلب» و «السنور» و ان كان الجنس واحدا ففي التداخل تردد، و وجه التداخل ان النجاسة من الجنس الواحد لا تتزايد، إذ النجاسة الكلبية و البولية موجودة في كل جزء، فلا تتحقق زيادة توجب زيادة النزح، و وجه عدم التداخل ان كثرة الواقع تؤثر كثرة في مقدار النجاسة، فيؤثر شياعا في الماء زائدا، و لهذا اختلف النزح بتعاظم الواقع و موته، و ان كان طاهرا في الحياة.

السابع: لو جفت البئر ثمَّ عاد ماؤها ففي الطهارة تردد،

أشبهه أنه تطهر، لان طهارتها بذهاب ماؤها، و هو حاصل بالجفاف كما هو حاصل بالنزح، فلو نبع بعد ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10 ص 127.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 7 ص 127.

78
المعتبر في شرح المختصر1

الثامن: إذا أجرى إليها الماء المتصل بالجاري لم تطهر، ؛ ج‌1، ص : 79

فالنبع طاهر لأنه نبع في محل طاهر.

الثامن: إذا أجرى إليها الماء المتصل بالجاري لم تطهر،

لان الحكم متعلق بالنزح و لم يحصل.

التاسع: لا تنجس جوانب البئر بما يصيبها من ماء النزح،

لأن المشقة تلحق به، و هل يغسل الدلو بعد انتهاء النزح؟ الأشبه لا، لأنه لو كان نجسا لم يسكت عنه الشرع، و لان الاستحباب في النزح يدل على عدم نجاستها، و الا لوجب نجاسة ماء البئر عند الزيادة عليه قبل غسلها، و المعلوم من عادة الشرع خلافه، و تطهر عند مفارقة الدلو الأخيرة وجه الماء، و ما يتقاطر عفو، لأن الطهارة بالنزح و هو حاصل عند مفارقة الماء، فلا أثر لخروجها عن البئر.

العاشر: ما لا يؤكل لحمه من الحيوان لو وقع و خرج حيا لم ينجس به،

لان المخرج ينضم انضماما شديدا لشدة حذره فلا يلقى الماء موضع النجاسة، نعم لو كان مجروحا و في موضع الجرح دم، أو كان عليه نجاسة تعلق بها حكم تلك النجاسة.

الحادي عشر: إذا وجد في البئر ما ينجسها بعد استعمالها،

فان تحقق سبق النجاسة على الاستعمال أعاد الطهارة و الصلاة، و ان جهل لم يعد، لاحتمال وقوعها بعده، و عن أبي حنيفة في الجيفة: ان كانت منتفخة أو متفسخة عاد الصلاة ثلاثة أيام و لياليها، و الا أعاد صلاة يوم و ليلة. و مستنده خيال ضعيف. قال: لا تنجس البئر بالبالوعة و ان تقاربتا ما لم تتصل نجاستها، لكن يستحب تباعدهما قدر خمسة أذرع ان كانت الأرض صلبة و ان كانت البئر فوقها، و الا فسبع، أما انها لا تنجس، فلما رواه محمد بن القسم، عن أبي الحسن «في البئر، يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع و أقل و أكثر يتوضأ منها؟ قال: ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير طعم الماء» «1» و لأن ماؤها في الأصل طاهر فلا يحكم بنجاسته الا مع العلم.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 7 ص 146.

79
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 80

و اما استحباب التباعد فلما رواه الحسن بن رباط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن البالوعة تكون فوق البئر؟ قال: إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، و إذا كانت فوق البئر فسبع أذرع من كل ناحية، و ذلك كثير» «1» و روى بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن أدنى ما يكون بين الماء و البالوعة؟ فقال: ان كان سهلا فسبع أذرع، و ان كان جبلا فخمسة» «2».

و روى زرارة، و محمد بن مسلم، و أبو بصير قلنا له: «بئر يتوضأ منها؟ قال:

ان كان البئر في أعلى الوادي و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم يتنجس، و ان كانت البئر في أسفل الوادي و كان بين البئر و بينها تسعة أذرع لم ينجسها، و ما كان أقل من ذلك لم يتوضأ منه» «3» و هذه الروايات لا تنفك من ضعف، و أجودها الأخيرة مع انهم لم يبينوا القائل، لكن في ذلك احتياطا فلا بأس به.

فرع

إذا تغير ماء البئر تغيرا يصلح أن يكون من البالوعة، ففي نجاسته تردد، لاحتمال أن يكون منها و ان بعد، و الأحوط التنجيس، لان سبب النجاسة قد وجد فلا يحال على غيره، لكن هذا ظاهر لا قاطع، و الطهارة في الأصل متيقنة فلا تزال بالظن.

مسئلة: و أما «المضاف» فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه و يصح سلبه عنه،

كالمعتصر، و المصعد، و الممزوج بما يسلبه الإطلاق، و انما قال بإطلاقه لأن المضاف يتناوله الاسم، لكن لا بالإطلاق بل بقيد الإضافة. و قوله «و يصح سلبه عنه» فإنك تقول «ماء الورد» و يصح أن تقول: ليس هذا بماء. ثمَّ بين إضافته فإنه لا يخرج‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 3 ص 145.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 2 ص 145.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 1 ص 144.

80
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و أما«المضاف» فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه و يصح سلبه عنه، ؛ ج‌1، ص : 80

و اما استحباب التباعد فلما رواه الحسن بن رباط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن البالوعة تكون فوق البئر؟ قال: إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، و إذا كانت فوق البئر فسبع أذرع من كل ناحية، و ذلك كثير» «1» و روى بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن أدنى ما يكون بين الماء و البالوعة؟ فقال: ان كان سهلا فسبع أذرع، و ان كان جبلا فخمسة» «2».

و روى زرارة، و محمد بن مسلم، و أبو بصير قلنا له: «بئر يتوضأ منها؟ قال:

ان كان البئر في أعلى الوادي و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم يتنجس، و ان كانت البئر في أسفل الوادي و كان بين البئر و بينها تسعة أذرع لم ينجسها، و ما كان أقل من ذلك لم يتوضأ منه» «3» و هذه الروايات لا تنفك من ضعف، و أجودها الأخيرة مع انهم لم يبينوا القائل، لكن في ذلك احتياطا فلا بأس به.

فرع

إذا تغير ماء البئر تغيرا يصلح أن يكون من البالوعة، ففي نجاسته تردد، لاحتمال أن يكون منها و ان بعد، و الأحوط التنجيس، لان سبب النجاسة قد وجد فلا يحال على غيره، لكن هذا ظاهر لا قاطع، و الطهارة في الأصل متيقنة فلا تزال بالظن.

مسئلة: و أما «المضاف» فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه و يصح سلبه عنه،

كالمعتصر، و المصعد، و الممزوج بما يسلبه الإطلاق، و انما قال بإطلاقه لأن المضاف يتناوله الاسم، لكن لا بالإطلاق بل بقيد الإضافة. و قوله «و يصح سلبه عنه» فإنك تقول «ماء الورد» و يصح أن تقول: ليس هذا بماء. ثمَّ بين إضافته فإنه لا يخرج‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 3 ص 145.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 2 ص 145.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 1 ص 144.

80
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و أما«المضاف» فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه و يصح سلبه عنه، ؛ ج‌1، ص : 80

عن كونه متعصرا من جسم كماء الحصرم و الرمان، أو مصعدا كماء الورد و الخلاف، أو ممزوجا كالامراق، و غيرها، بما أضيف إليه ما يسلبه إطلاق الاسم.

قال: و كله طاهر لكن لا يرفع حدثا، اما طهارته فبإجماع الناس، و لأن النجاسة حكم مستفاد من أدلة الشرع و التقدير عدمها، و اما كونه لا يرفع حدثا فلقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً «1» فلوجب عند عدم الماء المطلق التيمم فسقطت الواسطة، و لقول الصادق عليه السّلام «و قد سئل عن الوضوء باللبن؟ فقال: انما هو الماء و الصعيد» «2» و «انما» للحصر، و لان المنع من الصلاة مع الحدث مستفاد من الشرع، فيقف بيان ما يزيل المنع على دلالته، و قد علم الاذن مع استعمال الماء المطلق، فينتفي مع غيره.

و حكى «الشيخ» في مسائل الخلاف عن بعض أصحاب الحديث: منا جواز الوضوء بما الورد. و قال «أبو جعفر بن بابويه» في كتابه: و لا بأس بالوضوء و الغسل من الجنابة و الاستياك بماء الورد. و ربما كان مستنده ما رواه سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى بن عبيدة، عن يونس، عن أبي الحسن عليه السّلام «في الرجل يتوضأ بماء الورد و يغتسل به؟ قال: لا بأس» «3».

و الجواب: الطعن في السند، فان سهلا و محمد بن عيسى ضعيفان، و ذكر ابن بابويه، عن أبي الوليد انه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى، عن يونس، ثمَّ نمنع دلالته على موضع النزاع، لأنه يحتمل السؤال عن الوضوء و الغسل به للتطيب و التحسن، لا لرفع الحدث، و لان تسميته بماء الورد قد تكون الإضافة قليلة لا يسلبه إطلاق اسم الماء، فيحتمل أن يكون الإشارة إلى مثله، و قال «الشيخ» في‌

______________________________
(1) النساء: 43.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 2 ح 1 ص 146.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 3 ح 1 ص 148.

81
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 82

التهذيب: هذا الخبر شاذ شديد الشذوذ و قد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره.

فرع

لا يجوز الوضوء «بالنبيذ» نيّا كان أو مطبوخا مع وجود الماء و عدمه، و حكي عن أبي حنيفة جواز الوضوء به مطبوخا مع عدم الماء في السفر، و ادعى ان عبد اللّه بن مسعود روى «انه كان مع النبي صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن، فأراد أن يصلي الفجر، فقال: أ معك وضوء؟ قال معي إداوة فيها نبيذ، فقال عليه السّلام ثمرة طيبة و ماء طهور» «1» و قد طعن في الحديث المذكور و ذكر ان رواية «أبو زيد» و هو مجهول، و قد سئل عبد اللّه بن مسعود هل كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن؟ فقال ما كان معه منا أحد، وددت اني كنت معه.

قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» و قال النبي صلى اللّه عليه و آله:

«الصعيد الطيب طهور للمسلم ان لم يجد الماء» «3» و عن الصادق عليه السّلام «انما هو الماء و الصعيد» «4» و اتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغيره من المائعات.

مسئلة: و في طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع،

قال «الشيخ ره» في النهاية: المياه المضافة لا يجوز استعمالها في الطهارات، و لا في إزالة النجاسة، و هو مذهبه في سائر كتبه. قال في الخلاف: و هو مذهب أكثر أصحابنا. و قال «علم الهدى» رضي اللّه عنه في شرح الرسالة: يجوز عندنا إزالة النجاسة بالمائع الطاهر غير الماء. و بمثله قال المفيد (ره) في المسائل الخلافية. لنا ما رواه الجمهور عن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 9.

(2) النساء: 43.

(3) سنن البيهقي ج 1 أبواب الطهارة ص 212 رواه مع تفاوت.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 2 ح 1 ص 146.

82
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع، ؛ ج‌1، ص : 82

التهذيب: هذا الخبر شاذ شديد الشذوذ و قد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره.

فرع

لا يجوز الوضوء «بالنبيذ» نيّا كان أو مطبوخا مع وجود الماء و عدمه، و حكي عن أبي حنيفة جواز الوضوء به مطبوخا مع عدم الماء في السفر، و ادعى ان عبد اللّه بن مسعود روى «انه كان مع النبي صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن، فأراد أن يصلي الفجر، فقال: أ معك وضوء؟ قال معي إداوة فيها نبيذ، فقال عليه السّلام ثمرة طيبة و ماء طهور» «1» و قد طعن في الحديث المذكور و ذكر ان رواية «أبو زيد» و هو مجهول، و قد سئل عبد اللّه بن مسعود هل كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن؟ فقال ما كان معه منا أحد، وددت اني كنت معه.

قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» و قال النبي صلى اللّه عليه و آله:

«الصعيد الطيب طهور للمسلم ان لم يجد الماء» «3» و عن الصادق عليه السّلام «انما هو الماء و الصعيد» «4» و اتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغيره من المائعات.

مسئلة: و في طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع،

قال «الشيخ ره» في النهاية: المياه المضافة لا يجوز استعمالها في الطهارات، و لا في إزالة النجاسة، و هو مذهبه في سائر كتبه. قال في الخلاف: و هو مذهب أكثر أصحابنا. و قال «علم الهدى» رضي اللّه عنه في شرح الرسالة: يجوز عندنا إزالة النجاسة بالمائع الطاهر غير الماء. و بمثله قال المفيد (ره) في المسائل الخلافية. لنا ما رواه الجمهور عن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 9.

(2) النساء: 43.

(3) سنن البيهقي ج 1 أبواب الطهارة ص 212 رواه مع تفاوت.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 2 ح 1 ص 146.

82
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع، ؛ ج‌1، ص : 82

النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال لأسماء: «حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء» «1» و ما رواه الحسين ابن أبي العلاء، و أبو إسحاق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في البول يصيب الجسد، قال:

يصب عليه الماء مرتين» «2» و الحلبي عنه عليه السّلام «في بول الصبي قال: يصب عليه الماء» «3» فلو جاز ازالته بغير الماء لكان التعيين تضييقا لما فيه من الحرج.

الثاني: ان ملاقاة النجاسة موجب لنجاسته، و النجس لا تزال به النجاسة، لا يقال: كما ارتفعت النجاسة بالماء مع تنجسه بالملاقاة فكذا المائع. لأنا نمنع نجاسة الماء عند وروده على النجاسة كما هو مذهب «علم الهدى» رضي اللّه عنه في الناصريات، أو نقول: مقتضى الدليل المنع فيهما، ترك العمل بمقتضاه في الماء إجماعا، و لضرورة الحاجة، فلو سوى غيره به لزم تكثير مخالفة الدليل.

الثالث: منع الشرع من استصحاب الثوب النجس في الصلاة، فيقف زوال المنع على اذنه. احتج بما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال لخولة بنت يسار:

«حتّيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه» «4» و بما روي عن الصادق عليه السّلام في المني «إذا عرفت مكانه فاغسله و الا فاغسل الثوب كله» «5» و قوله عليه السّلام «إذا أصاب الثوب المني فليغسل» «6» و لم يذكر الماء.

ثمَّ الأصل جواز الإزالة بكل مزيل للعين، فيجب عند الأمر المطلق، جوازه تمسكا «بالأصل» ثمَّ الغرض ازالة عين النجاسة، يشهد لذلك ما رواه حكم بن حكيم الصيرفي عن الصادق عليه السّلام قلت: «لا أصيب الماء و قد أصاب يدي البول فأمسحها‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 13.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 3 ص 1001.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 3 ح 2 ص 1003.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 13.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 7 ح 7 ص 1007.

(6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 7 ح 5 ص 1006.

83
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ينجس بالملاقاة و ان كثر، ؛ ج‌1، ص : 84

بالحائط و التراب، ثمَّ تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي، قال: لا بأس» «1» و عن غياث بن إبراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق» «2».

و الجواب: قوله: اقتصر على الغسل، قلنا: يكفي في دلالته على الماء، لأنه هو المعروف عند الإطلاق كما يعلم مراد الأمر بقوله اسقني اسقني، قوله: «الأصل جواز الإزالة» قلنا: حق كما ان الأصل أن لا منع فلما منع الشرع من الدخول في الصلاة، وقف الدخول على اذنه. و اما خبر حكم بن حكيم فإنه مطرح، لان البول لا يزول عن الجسد بالتراب باتفاق منا و من الخصم، و أما خبر غياث فمتروك، لان غياثا بتري ضعيف الرواية، فلا يعمل على ما ينفرد به، و لو صحت نزلت على جواز الاستعانة في غسله بالبصاق، لا ليطهر المحل به منفردا، فان جواز غسله به لا يقتضي طهارة المحل، و لم يتضمن الخبر ذلك، و البحث ليس الا فيه.

مسئلة: و ينجس بالملاقاة و ان كثر،

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا، قال «الشيخ ره» في النهاية فإن وقع فيها شي‌ء من النجاسة لم يجز استعمالها على حال الا عند الضرورة. و قال في المبسوط: إذا وقع فيه شي‌ء من النجاسة لم يجز استعماله، قليلا كان، أو كثيرا، قلّت النجاسة، أو كثرت، تغيّر أحد أوصافه، أو لم يتغير، و لا طريق الى تطهيره الا أن يختلط بما زاد على الكر من الماء الطاهر المطلق، و لم يسلبه إطلاق اسم الماء، و لا غيّر أحد أوصافه، فإن سلبه، أو غيّر أحد أوصافه لم يجز استعماله، و ان لم يغيره و لم يسلبه جاز استعماله فيما تستعمل فيه المياه المطلقة، روى الجمهور، ان النبي صلى اللّه عليه و آله «سئل عن الفأرة تموت في السمن؟

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 6 ح 1 ص 1005.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 4 ح 2 ص 149.

84
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال: و ما يرفع به الحدث الأصغر طاهر مطهر، ؛ ج‌1، ص : 85

فقال: ان كان جامدا فألقوها و ما حولها، و ان كان مائعا فلا تقربوه» «1».

و روى الخاصة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فان كانت جامدا فألقها و ما يليها، و كل ما بقي، و ان كان ذائبا فلا تأكله و لكن أسرج به» «2» و روى السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة، فقال عليه السّلام: يهرق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل» «3» و لأن المائع قابل للنجاسة، و النجاسة موجبة لنجاسة ما لاقته، فيظهر حكمها عند الملاقاة ثمَّ تسري النجاسة بممازجة المائع بعضه بعضا.

مسئلة: قال: و ما يرفع به الحدث الأصغر طاهر مطهر،

هذا مذهب فقهائنا لم أعلم فيه خلافا، قال في المبسوط: ما استعمل في الوضوء و الأغسال المسنونة يجوز استعماله في رفع الاحداث، و بمعناه قال: في النهاية و مسائل الخلاف و كذا قال «المفيد» في المقنعة و «ابن بابويه» و يدل عليه أيضا ما رواه الجمهور، ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «الماء لا يجنب» «4» و عنه عليه السّلام «الماء ليس عليه جنابة» «5» و رووا «انه عليه السّلام كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه، و صب عليه السّلام على جابر من وضوئه» «6» و من طريق الخاصة ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «كان النبي صلى اللّه عليه و آله إذا توضأ أخذوا ما سقط عن وضوئه فيتوضؤن به» «7» و لان الاستعمال لم يسلبه الإطلاق لغة و لا شرعا فيكون مطهرا، للاية، و الخبر، و لأنه ماء طاهر استعمل في محل طاهر‌

______________________________
(1) مسند أحمد حنبل ج 2 ص 265.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 5 ح 1 ص 149.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 5 ح 3 ص 150.

(4) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 82.

(5) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 132.

(6) رواه أحمد في مسنده ج 4 ص 329 (مع تفاوت).

(7) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 8 ح 1 ص 152.

85
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ما يرفع به الأكبر طاهر، ؛ ج‌1، ص : 86

فيبقى على قوته. و تعلل الجمهور بأنه مضاف الى الاستعمال فلا يرفع الحدث، باطل، من حيث لم يؤثر فيه الاستعمال تغير وصف و لا هيئة، يقتضي زوال الاسم عنه، و قولهم انتقل اليه المنع بالاستعمال مصادرة، لأنه نفس النزاع.

مسئلة: و ما يرفع به الأكبر طاهر،

و في رفع الحدث به ثانيا قولان: المروي المنع، هذا مذهب «الشيخين» و مذهب «ابن بابويه» و قال «علم الهدى» رضي اللّه عنه: هو باق على تطهيره، أما الطهارة فمذهب الأصحاب اجتماعا، لان التنجيس مستفاد من أدلة الشرع، و حيث لا دلالة فلا تنجيس. و اما المنع من رفع الحدث به فلما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ به و أشباهه» «1» و ما رواه بكر بن كرب، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يغتسل من الجنابة و يغسل رجليه بعد الغسل، فقال: ان كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه، فلا عليه أن يغسلهما، و ان كان يغتسل في مكان يستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما» «2».

و ما رواه محمد بن إسماعيل قال: «سمعت رجلا يقول لأبي عبد اللّه عليه السّلام اني أدخل الحمام في السحر و فيه الجنب، و غير ذلك، فاغتسل و ينتضح علي بعد ما أفرغ من مائهم، قال: أ ليس هو جار؟ قلت: بلى، قال: لا بأس» «3» و ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما قال: «سألته عن ماء الحمام؟ فقال: ادخله بإزار و لا تغتسل من ماء آخر الا أن يكون فيه جنب، أو يكثر أهله فلا تدري فيه جنب أم لا» «4» و ما روي عن أبي الحسن الأول عليه السّلام «و لا تغتسل من ماء البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 13 ص 155.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 27 ح 3 ص 506.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 8 ص 154.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 7 ح 5 ص 111.

86
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ما يرفع به الأكبر طاهر، ؛ ج‌1، ص : 86

فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت عليهم السّلام» «1» و لأنه ماء لا يقطع بجواز استعماله في الطهارة، فلا يتيقن معه رفع الحدث، فيكون الأصل بقاء الحدث.

و يؤكده ما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم و لا يغتسل فيه من جنابة» «2» و لا يقال: ان لم يجز استعمال الماء المغتسل به من الجنابة و شبهه في الطهارة، لم يجز استعمال ماء الوضوء، و الا فما الفرق؟

لأنا نقول مقتضى الأصل التسوية، لكن الفرق بالأحاديث المانعة من ماء غسل الجنابة دون ماء الوضوء، كما حصل الفرق بينهما في إيجاب النزح في البئر على قول كثير منا، و يمكن أن يقال: اما الحديث الأول ففي سنده ضعف، لان سعدا رواه عن ابن فضال، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، و ابن فضال فطحي، و ابن هلال ضعيف جدا.

و أما الأحاديث الباقية فغير صريحة بالمنع من استعماله، و قوله: «ماء لا يقطع بجواز استعماله» قلنا: لا نسلم، لان كل دليل دل على جواز استعمال ماء المطلق يتناول هذا الموضع. و أما النهي عن البول في الماء الدائم و الاغتسال فيه، فغير دال على موضع النزاع، لجواز أن يتعلق النهي بالمنع تعبدا، لان الاغتسال يحدث منعا من الاستعمال على أنه يحتمل كراهة ذلك تنزيها عما تعافه النفس، و قد بينا في رواية الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان ذلك يكره» «3».

احتج من أجاز الطهارة به، بما رواه الجمهور «ان النبي صلى اللّه عليه و آله اغتسل من الجنابة، فرأى لمعة لم يصبها الماء فعصر شعره عليها لأنه ماء طاهر لم يسلبه الاستعمال‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 11 ح 1 ص 158.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 256.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 ص 107.

87
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 88

سمة الماء المطلق فيكون مطهرا، أو لأنه لو لم يكن مطهرا لزم جواز التيمم معه، لكنه باطل، لان التيمم مشروط بعدم الماء المطلق المقدور على استعماله، و الأولى عندي تجنبه، و الوجه التفصي من الاختلاف، و الأخذ بالأحوط.

قال «الشيخ» في النهاية: متى حصل الإنسان عند غدير أو قليب فليدخل يده و يتوضأ منه، و ان أراد الغسل و خشي ان نزل فساد الماء فليرش عن يمينه و يساره و أمامه، ثمَّ ليأخذ كفا كفا يغتسل به. قيل: المراد به أن يرش الأرض لتجتمع أجزائها فيمنع سرعة انحدار ما انفصل عن جسده إلى البئر. و قال الصهرشتي: يبل جسده ثمَّ يغسل به ليتعجل الاغتسال قبل انحدار الماء المنفصل عن جسده إلى البئر.

و اعلم ان عبارة «الشيخ» لا تنطبق على الرش الا أن يجعل في نزل ضمير ماء الغسل، فيكون التقدير و خشي ان نزل ماء الغسل فساد الماء، و الا بتقدير أن يكون في نزل ضمير المريد لا ينتظم المعنى، لأنه ان أمكنه الرش لا مع النزول أمكنه الاغتسال من غير نزول. و يدل على أن مراده ما ذكرناه ما رواه أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي في جامعه عن عبد الكريم، عن محمد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن الجنب ينتهي إلى الماء القليل، و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه، و كف عن خلفه، و كف عن يمينه، و كف عن شماله و يغتسل» «1».

فرع

و كل ذلك بناء على ان المنقول عن الأئمة عليهم السّلام ما ذكره (ره) في النهاية و «القدر» الذي نقلناه هو ما رواه علي بن جعفر، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن الماء في ساقية أو منقطع، أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يبلغ‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 10 ح 2 ص 157.

88
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 89

صاعا للجنابة، و لا مدا للوضوء، و هو متفرق، كيف يصنع؟ قال: إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفا فلينضحه خلفه، و كفا عن يمينه، و كفا عن شماله، فإن خشي أملأ ماء يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات، ثمَّ يمسح جسده بيده، فان ذلك يجزيه» «1» فان كان «الشيخ» أراد في النهاية هذا الحديث فهو غير دال على ما ذكره، و يكون المطالبة متوجهة إلى الشيخ (ره) على تحقيق ما ذكره (ره)، اما الرواية فمعناها أن يبل جسده للغسل لا غير و ان كان منافيا للمذهب في مراعاة الترتيب، في الاجتزاء يمسح البدن، و الرواية شاذة فلا تتشاغل بتفسيرها.

فروع

الأول: انما يحكم بطهارة ما يغتسل به إذا لم يكن على جسد المتطهر عين النجاسة،

اما لو لاقى نجاسة كان نجسا، و لم يجز استعماله، سواء كان استعمل في الوضوء أو الغسل.

الثاني: إذا بلغ الماء المستعمل في الكبرى كرا فصاعدا لم يزل عنه المنع،

و قطع «الشيخ» في المبسوط على زوال المنع، و تردد في الخلاف. لنا ان ثبوت المنع معلوم شرعا فيقف ارتفاعه على وجود الدلالة، و ما يدعى من قول الأئمة عليهم السّلام:

«إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» «2» لم نعرفه و لا نقلناه عنهم، و نحن نطالب المدعي نقل هذا اللفظ بالإسناد إليهم، اما قولهم عليهم السّلام «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» فإنه لا يتناول موضع النزاع، لان هذا الماء عندنا ليس بنجس، فلو بلغ كرا ثمَّ وقعت فيه نجاسة، نعم «لم تنجسه» لا يرتفع ما كان فيه من المنع، و لا يلزم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 10 ح 1 ص 156.

(2) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 27.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5 و 6 ص 118.

89
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: المستعمل في غسل الجنابة يجوز إزالة النجاسة به، ؛ ج‌1، ص : 90

على ذلك لو اغتسل في كر فصاعدا، و الا لمنع، و لو اغتسل في البحر.

الثالث: المستعمل في غسل الجنابة يجوز إزالة النجاسة به،

لأنه ماء مطلق طاهر فجاز إزالة النجاسة به، لقوله عليه السّلام: «ثمَّ اغسليه بالماء» «1» و قول الصادق عليه السّلام:

«في البول يصيب الجسد، قال: يصب عليه الماء مرتين» «2».

الرابع: ما يستعمل في الأغسال المندوبة أو غسل الثوب الطاهر باق على تطهيره،

لان الاستعمال لم يسلبه الإطلاق فيجب بقاؤه على التطهير للاية، و لقوله عليه السّلام «الماء طهور» «3».

مسئلة: و فيما يزال به الخبث لم يتغير النجاسة قولان: أشبههما التنجيس

عدا ماء الاستنجاء، اما نجاسته مع التغيير فبإجماع الناس، و لما بيناه من أن غلبة النجاسة على الماء مقتضية لتنجيسه، و إذا لم يتغير فقد اختلف قول الشيخ (ره) فقال في المبسوط: هو نجس. و في الناس من قال: لا ينجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه و هو قوي، و الأول أحوط، و جزم في مسائل الخلاف بنجاسة الاولى، و طهارة الغسلة الثانية، و القول بنجاستهما أولى، طهر محل النجاسة أو لم يطهر.

لنا ماء قليل لاقى النجاسة فيجب أن ينجس، و ما رواه العيص بن القسم قال:

«سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء، فقال: ان كان من بول، أو قذر، فيغسل ما أصابه» «4» أما رفع الحدث به أو بغيره مما يزال النجاسة فلا، إجماعا، و لما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به و أشباهه» «5» و هاتان الروايتان فيهما ضعف،

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 113 الا انه رواه اقرصيه.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 3 ص 1001.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 10 ص 101.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 14 ص 156.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 13 ص 155.

90
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 91

غير ان النظر يؤيد ما تضمناه من المنع مما يزال به النجاسة.

و أما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين، و قال علم الهدى (ره) في المصباح: لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب و البدن، و كلامه صريح في العفو و ليس بصريح في الطهارة، و يدل على الطهارة ما رواه الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت: «أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، فقال: لا بأس به» «1» و ما رواه عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي يستنجي به أ ينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا» «2» و لأن التفصي منه عسر، فشرع العفو رفعا للعسر، و يستوي فيه ما يغسل به القبل و الدبر، لأنه يطلق في كل منهما لفظ الاستنجاء.

فرع

و إذا أصاب الثوب أو الجسد مما يغسل به إناء الولوغ، قال في مسائل الخلاف: لا يغسل، سواء كان من الأولى، أو الثانية، و تردد في المبسوط في نجاسة الاولى. و يقوى عندي وجوب الغسل منهما، لأنه ماء قليل لاقى النجاسة فيجب أن ينجس، إذا له «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» فيجب أن ينجس ما دونه، لتحقق معنى الشرط، احتج «الشيخ» بأنه لو كان المنفصل نجسا لما طهر الإناء، لأنه كان يلزم نجاسة البلّة الباقية بعد المنفصل، ثمَّ ينجس الماء الثاني بنجاسة البلة، و كذا ما بعده، و الجواب ان ثبوت الطهارة بعد الثانية ثابت بالإجماع فلا يقدح ما ذكره، و لأنه معفو عنه رفعا للحرج، و وافق على أنه لا يرفع به حدث.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 13 ح 1 ص 160.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 13 ح 5 ص 161.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5 و 6 ص 118.

91
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا يغتسل بغسالة الحمام الا أن يعلم خلوها من النجاسة، ؛ ج‌1، ص : 92

مسئلة: و لا يغتسل بغسالة الحمام الا أن يعلم خلوها من النجاسة،

قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه: و لا يجوز التطهير بغسالة الحمام. و قال في النهاية:

و غسالة الحمام لا يجوز استعمالها على حال، لنا ما روي عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال: «و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت عليهم السّلام» «1» و لأنه ماء مجتمع من مياه مخبثة فيبقى على نجاسته، لما بيّناه فيما سلف و قوله: «الا أن يعلم خلوها من النجاسة» لأن الحديث المانع من استعماله علل المنع، «باجتماعه من النجاسة» فينتفي التنجيس عند انتفاء السبب، و لأن الأصل في الماء الطهارة فلا يقضي بالنجاسة إلا مع اليقين بوجود المقتضي.

و يؤيد ذلك ما ذكره ابن بابويه في كتابه، عن أبي الحسن عليه السّلام عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: لا بأس» «2» و هذه رواها أبو يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام و هي و ان كانت مرسلة الا أن الأصل يؤيدها، و بعض المتأخرين قال: و غسالة الحمام، و هو المستنقع لا يجوز استعمالها على حال، و قال: هذا «إجماع» و قد وردت به أخبار معتمدة قد أجمع عليها، و دليل الاحتياط يقتضيها.

و نقل لفظ النهاية و هو خلاف الرواية و خلاف ما ذكره ابن بابويه (ره)، و لم نقف على رواية بهذا الحكم سوى تلك الرواية، و رواية مرسلة ذكرها الكليني (ره) قال بعض أصحابنا عن ابن جمهور و هذه مرسلة، و ابن جمهور ضعيف جدا، ذكر ذلك: «النجاشي» في كتاب الرجال فأين الإجماع و أين الأخبار المعتمدة و نحن نطالبه بما ادعاه و أفرط في دعواه.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 11 ح 1 ص 158.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 9 ص 154.

92
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أما«الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر، ؛ ج‌1، ص : 93

مسئلة: أما «الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر،

و السؤر «مهموزا» بقية المشروب، و ما ذكرناه اختيار «الشيخ ره» في النهاية و «علم الهدى» في المصباح و أما الشيخ في الاستبصار و التهذيب الى المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه، و قال في المبسوط «الآدمي» طاهر عدا الكافر، و الطير، و البهائم الوحشية، كلها طاهرة، عدا الكلب و الخنزير، و التي لا يؤكل من الإنسية كلها نجسة، عدا ما لا يمكن التحرز منه كالفأرة، و الحية، و الهرة و غير ذلك.

لنا ما رواه الجمهور، عن جابر، ان النبي صلى اللّه عليه و آله «سئل أ يتوضأ بما أفضلته الخمر؟ فقال نعم، و بما أفضلته السباع كلها» «1» و ما رووه عن زيد بن أسلم، ان النبي صلى اللّه عليه و آله «سئل عن الحياض تنق بها السباع، و الدواب، فقال: لها ما حملت في بطونها، و ما بقي فهو لنا شراب و طهور» «2» و وجه الدلالة عدم الفرق في الجواب بين قليله و كثيره، و من طريق الخاصة ما رواه أبو العباس الفضل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الشاة، و البقرة، و الحمار، و الإبل، و البغل، و الوحش، و الهرة، و السباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس، حتى انتهيت الى الكلب، فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله، و أصيب ذلك الماء» «3» و عن معاوية بن شريح قال: «سأل عذافر، أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده عن سؤر السنور، و الشاة، و البقرة، و البغل، و الحمار، و الفرس، و السبع، أ يشرب منه و يتوضأ؟

فقال: نعم، قلت: الكلب؟ قال لا، قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا و اللّه انه رجس لا و اللّه انه رجس» «4» و أما سؤر الطيور فطاهر، الا ما كان على منقاره نجاسة دما أو‌

______________________________
(1) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 83.

(2) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 173 (مع تفاوت).

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4 ص 163.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 6 ص 163.

93
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أما«الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر، ؛ ج‌1، ص : 93

غيره، لما رواه علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بفضل الحمام و الدجاجة، و الطير» «1» و ما رواه عمار عنه عليه السّلام قال: «كل الطيور يتوضأ بماء يشرب منه، الا أن يرى في منقاره دما» «2».

لا يقال: علي بن حمزة واقفي، و عمار فطحي، فلا يعمل بروايتهما لأنا نقول: الوجه الذي لأجله عمل برواية الثقة قبول الأصحاب، و انضمام القرينة، لأنه لو لا ذلك، لمنع العقل من العمل بخبر الثقة، إذ لا وثوق بقوله، و هذا المعنى، موجود هنا، فإن الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا هناك، و لو قيل: فقد رد رواية كل واحد منهما في بعض المواضع، قلنا: كما ردّوا رواية الثقة في بعض المواضع متعللين بأنه خبر واحد، و الا فاعتبر كتب الأصحاب فإنك تراها مملوة من رواية علي المذكور، و عمار، على انا لم نر من فقهائنا من رد هاتين الروايتين، بل عمل المفتين منهم بمضمونها.

و يؤيدهما ان مقتضى الدليل الطهارة، و انما يصار إلى النجاسة لدلالة الشرع و حيث لا دلالة فلا تنجيس. و استدل «الشيخ» في التهذيب على نجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه، برواية عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره» «3» قال: هذا يدل على أن ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الوضوء بسؤره و لا يشرب منه، و الجواب الطعن بضعف السند، و وجود المعارض السليم، فإن الراوي له أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار، و الجماعة فطحية فلا يترك لأجله رواية الفضل، و بأن دلالته على موضع النزاع بدليل الخطاب و هو متروك عند المحققين.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 1 ص 166.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.

94
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أما«الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر، ؛ ج‌1، ص : 93

و ما رواه الجمهور، من قول النبي صلى اللّه عليه و آله «في الحمر يوم خيبر، انه رجس» «1» فهو ضعيف، قال البخاري: رواه ابن أبي حبيبة، و هو منكر الحديث، و إبراهيم ابن يحيى، و هو كذاب، و أما نجاسة ما استثنيناه من الكلب، و الخنزير، و الكافر فلأنها نجاسة الأعيان فينجس القليل بمباشرتها، أما الكلب، فلما رواه الجمهور، عن أبي هريرة، ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا» «2» و في رواية عنه، عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا وقع الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا» «3» و أما الخنزير فلقوله تعالى أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «4» و الرجاسة: النجاسة، و من طريق الخاصة، ما رواه محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل، قال: يغسل المكان الذي أصابه» «5».

و ما رواه محمد بن يعقوب الكليني (ره)، بإسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فيذكر و هو في صلاته، قال: إذا دخل في صلاته فليمض، و ان لم يدخل فلينضح ما أصاب من ثوبه، الا أن يكون فيه أثر فيغسله، قال: و سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟

قال: يغسل سبع مرات» «6».

و أما الكفار فقسمان: يهود و نصارى، و من عداهما، أما القسم الثاني: فالأصحاب‌

______________________________
(1) رواها مسلم في صحيحه من كتاب الصيد و الذبائح ج 3 ص 1541 (بغير هذه العبارة).

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 240.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 241 رواه بلفظة ولغ.

(4) الأنعام: 145.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 12 ح 8 ص 1016.

(6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 13 ح 1 ص 1017.

95
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أما«الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر، ؛ ج‌1، ص : 93

متفقون على نجاستهم، سواء كان كفرهم أصليا أو ارتدادا، لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «1» و لقوله تعالى كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «2» لا يقال: «الرجس» العذاب رجوعا الى أهل التفسير، لأنا نقول:

حقيقة اللفظ يعطي ما ذكرناه، فلا يستند الي مفسر برأيه، و لان «الرجس» اسم لما يكره فهو يقع على موارده بالتواطؤ، فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق، و أما اليهود و النصارى «فالشيخ» قطع في كتبه بنجاستهم، و كذا «علم الهدى» و الاتباع و «ابنا بابويه» و «للمفيد» قولان: أحدهما: النجاسة، ذكره في أكثر كتبه و الأخر الكراهية ذكره في الرسالة الغرية.

لنا ما رواه الجمهور، عن أبي ثعلبة الخشني قال: «قلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله انا بأرض قوم أهل كتاب نأكل في آنيتهم، فقال: لا تأكلوا فيها الا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوه ثمَّ كلوا فيها» «3» لا يقال: يحمل على ما إذا لاقوها بالنجاسة لأن الغالب عليهم مباشرة النجاسات، لأنا نقول: اللفظ مطلق فيحمل على المباشرة كيف كان.

و من طريق الخاصة ما رواه سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن سؤر اليهودي، و النصراني، أ يتوضأ منه؟ قال: لا» «4» و ما رواه أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام «في مصافحة المسلم لليهودي، و النصراني، فقال: من وراء الثياب، فان صافحك بيده فاغسلها» «5» يعني «يدك» و عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام‌

______________________________
(1) التوبة: 28.

(2) الأنعام: 125.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 33.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 3 ح 1 ص 165.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 5 ص 1019.

96
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 97

قال: «سألته عن رجل صافح مجوسيا، قال يغسل يده و لا يتوضأ» «1».

و ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام في شراء الثوب، قال: «ان اشتراه من مسلم فليصل فيه، و ان اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله» «2» و عنه، عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن اليهودي، و النصراني، يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه؟ فقال: لا، الا أن يضطر اليه» «3». لا يقال: هذا الاستثناء يدل على عدم النجاسة، لأنه لو حكم بنجاسته لما أجاز الوضوء مع الاضطرار، لأنا نقول: لعل المراد بالوضوء التحسين لا رفع الحدث، و يلزم من المنع منه للتحسين المنع من رفع الحدث، و هو أولى.

فروع

الأول: يكره سؤر «الجلال»

و هو ما يأكل العذرة محضا، و به قال «علم الهدى ره» في جهل العلم و العمل، و استثناه من المباح في المصباح. و كذا «الشيخ ره» في المبسوط. لنا خبر الفضل أبي العباس (رض)، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لأن الطهارة هي مقتضى الأصل، لا يقال: رطوبة أفواهها عن غذاء نجس، فيحكم بنجاسته، لأنا نمنع الملازمة، و لأنه منقوض ببصاق من شرب الخمر إذا لم يتغير، و بما لو أكلت غير العذرة مما هو نجس، لا يقال: عرقها نجس فلعابها نجس، لأنا نمنع الملزوم و اللازم، و سيجي‌ء تحريره.

الفرع الثاني: أسئار المسلم طاهرة

و ان اختلفت آراؤهم، عدا الخوارج و الغلات، و قال «الشيخ ره» في النهاية بنجاسة المجبرة و المجسمة. و خرج بعض‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 3 ص 1018.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 10 ص 1020.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 9 ص 1020.

97
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الثالث: يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير ؛ ج‌1، ص : 98

المتأخرين بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف، لنا ان النبي صلى اللّه عليه و آله لم يكن يجتنب سؤر أحدهم و كان يشرب من الموضع الذي تشرب منه عائشة بعده، و لم يجتنب علي عليه السّلام سؤر أحد من الصحابة مع مباينتهم له، و لا يقال: كان ذلك تقية، لأنه لا يصار إليها إلا مع الدلالة.

و عن علي عليه السّلام «انه سئل أ تتوضأ من فضل جماعة المسلمين أحب إليك أو تتوضأ من ركو أبيض محمر؟ فقال: لا، بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم الى اللّه الحنيفية السهلة السمحة» «1» ذكره أبو جعفر بن بابويه في كتابه، و عن عيص بن القسيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يغتسل هو و عائشة من إناء واحد» «2» و لأن النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة.

أما الخوارج: فيقدحون في علي عليه السّلام، و قد علم من الدين تحريم ذلك فهم بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الإجماع، و هم المعيّنون بالنصاب.

و أما الغلاة: فخارجون عن الإسلام و ان انتحلوه، و قال: ابن بابويه (ره) في كتابه لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا، و الوجه الكراهية. لنا التمسك بالأصل، و ربما تعلل المانع بأنه كافر، و نحن نمنع ذلك، و نطالبه بدليل دعواه، و لو ادعى الإجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية، فإنا لا نعلم ما ادعاه.

الفرع الثالث: يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير

إذا خلا موقع الملاقاة من النجاسة، و لا يحرم، و به قال علم الهدى في المصباح، و استثنى الشيخ ذلك من المباح في النهاية و المبسوط. لنا الاذن في استعمال سؤر الطيور و السباع، يدل على ذلك: انها لا تنفك عن ذلك عادة، و في مسائل عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عما يشرب منه صقر أو عقاب، فقال: كل شي‌ء من الطيور تتوضأ مما يشرب منه الا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 8 ح 3 ص 152.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 7 ح 1 ص 168.

98
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الرابع: إذا أكلت«الهرة» ميتا ثم شربت لم ينجس الماء ؛ ج‌1، ص : 99

أن ترى في منقاره دما» «1».

الفرع الرابع: إذا أكلت «الهرة» ميتا ثمَّ شربت لم ينجس الماء

و ان قل، سواء غابت أو لم تغب، ذكره الشيخ في المبسوط، لعموم الأحاديث المبيحة لسؤر الهرة، منها رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في كتاب علي عليه السّلام «ان الهرة سبع و لا بأس بسؤره، و اني لأستحي من اللّه ان ادع طعاما لأن الهرة أكل منه» «2».

الفرع الخامس: قال في المبسوط يكره سؤر «الحائض»

و أطلق. و كذا قال: علم الهدى رضي اللّه عنه في المصباح، و كره سؤر المتهمة لا المأمونة، و يريد «بالمأمونة» المستحفظة من الدم و «بالمتهمة» ضدها. و ما في النهاية أولى مصيرا الى الخبر المقيد بالتهمة، رواه العيس بن القسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في سؤر الحائض، قال: يتوضأ منه، و من سؤر الجنب: إذا كانت مأمونة» «3» و رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام «عن الرجل يتوضأ بفضل وضوء الحائض، قال: إذا كانت مأمونة فلا بأس» «4» و لان مع عدم التحفظ يتطرق ظن النجاسة، و مع ظن النجاسة يكره الاستعمال استظهارا للعبادة.

الفرع السادس: قال بعض الأصحاب: لعاب «المسوخ» نجس

كالدب، و القرد، و الثعلب، و الأرنب، و الفيل، و قال الشيخ: المسوخ نجسة. و الوجه الكراهية دفعا لشبهة الاختلاف، و يدل على الطهارة خبر الفضل، و لأن الطهارة هي مقتضى الأصل فيحكم بها مع عدم الدلالة على التنجيس، و السؤر يبنى على اللعاب.

الفرع السابع: قال في المبسوط: يكره سؤر «الدجاج» على كل حال،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 2 ح 2 ص 164.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 7 ح 1 ص 168.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 8 ح 5 ص 170.

99
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الثامن: سؤر«الحشار» طاهر، ؛ ج‌1، ص : 100

و هو حسن ان قصد المهملة، لأنها لا تنفك من الاغتذاء بالنجاسة.

الفرع الثامن: سؤر «الحشار» طاهر،

و هو قول الجماعة، و المستند الأحاديث السابقة، و التمسك بمقتضى الأصل.

الفرع التاسع: لا بأس بسؤر «الفأرة» و «الحية» و كذا لو وقعتا في الماء و خرجتا،

و قال في النهاية: الأفضل ترك استعماله. لنا رواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت في الإناء، أن يشرب منه و يتوضأ» «1».

الفرع العاشر: قال في النهاية: لا يجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ و ان خرج حيا،

و كذا قال ابن بابويه في كتابه: و الوجه الكراهية تمسكا بالأصل. و لأنه ليس بنجس العين، و لما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن العظاة، و الحية، و الوزغ، يقع في الماء فلا تموت أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا بأس به» «2».

الفرع الحادي عشر: لا بأس أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة إذا لم يلاق نجاسة عينية،

و كذا الرجل، لما بيّناه من بقائه على التطهر، و لما روته ميمونة قالت: «اغتسلت من جفنة ففضلت منها فضلة، فقلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله اني اغتسلت منه، فقال: الماء ليس عليه جنابة» «3» و قال ابن حنبل: يكره إذا حلّت به المرأة، لما روى الحكم بن عمرو «ان النبي صلى اللّه عليه و آله نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة» «4»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 9 ح 2 ص 171.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 9 ح 2 ص 171.

(3) رواه البيهقي في السنن ج 1 ص 188 و مسلم و البخاري في أبواب الطهارة من صحيحها بغير هذه العبارة.

(4) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 132.

100
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: ما لا نفس له سائلة كالذباب، و الجراد، و الخنافس، لا ينجس بالموت، ؛ ج‌1، ص : 101

و الحديث ضعيف طعن فيه محمد بن إسماعيل، و قال هو موقوف، و من رفعه فقد أخطأ.

مسئلة: ما لا نفس له سائلة كالذباب، و الجراد، و الخنافس، لا ينجس بالموت،

و لا ينجس الماء بموته و لا المائعات، و نعني «بالنفس السائلة» الدم الذي يخرج من عرق، و هذا مذهب علمائنا أجمع، و قال الشافعي: نجس بالموت و ينجس ما يموت فيه عدا السمك. لنا ما رواه الجمهور، عن سلمان عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «أيما طعام أو شراب ماتت فيه دابة ليس لها نفس سائلة فهو الحلال أكله و شربه و الوضوء منه» «1».

لا يقال: طعن الترمذي في هذا الحديث بأن رواته بغية فهو مدلس، لأنا نقول:

صححه جماعة، و رووه عن المشاهير فزال بهم الطعن، و من طريق الخاصة ما رواه عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «انه سئل عن الخنفساء، و الذباب، و الجراد، و النملة، و ما أشبه ذلك يموت في اللبن و الزيت و السمن و شبهه؟ قال كل ما ليس له دم فلا بأس» «2» و ما رواه الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل شي‌ء سقط في البئر ليس له دم، مثل العقارب، و الخنافس، و أشباه ذلك، فلا بأس» «3».

و ما رواه حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال: «لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة» «4» لا يقال: عمار فطحي، و محمد بن سنان ضعيف، و حفص بن غياث القاضي عامي، لأنا نقول: هذه الروايات و ان ضعف سندها، فان فتوى الأصحاب يؤيدها، و يؤكدها قول الصادق عليه السّلام «الماء كله طاهر حتى يعلم‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 253 رواه مع تفاوت.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 1 ص 173.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 3 ص 173.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 4 ص 173.

101
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 102

انه قذر» «1» و لأنه ماء ثبتت طهارته و شك في نجاسته فيبقى على الطهارة.

فروع

الأول: ما يعيش في الماء و ان كان مما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء بموته،

كالسمك، و الضفدع، و السرطان، و ان كان له نفس سائلة كالتمساح، فإنه ينجس بموته، و قال «الشيخ» في الخلاف: إذا مات في الماء القليل ضفدع أو ما لا يؤكل لحمه مما يعيش في الماء لا ينجس الماء و أطلق. لنا انه حيوان له نفس سائلة و كان موته منجسا و لا حجة لهم في قوله عليه السّلام في البحر: «هو الطهور مائه، الحل ميتته» «2» لان التحليل مختص بالسموك و سيأتي تحريره.

الثاني: في ما لا نفس له إذا وقع في الماء القليل فغيّر أحد أوصافه لم تزل طهوريته

ما لم يسلبه الإطلاق، فإن سلبه بقي على طهارته و زالت الطهورية.

الثالث: ما تولد من الطاهرات طاهر،

و ما تولد من النجاسات كدود الحش و صراصره، ففي نجاسته تردد، وجه النجاسة أنها كائنة عن النجاسة فتبقى على النجاسة، و وجه الطهارة الأحاديث الدالة على طهارة ما مات فيه حيوان لا نفس له من غير تفصيل، و ترك التفصيل دليل إرادة الإطلاق، و لان تولده في النجاسة معلوم، أما منها فغير معلوم، فلا يحكم بنجاسته، و ان لاقى النجاسة إذا خلا من عين النجاسة.

و مثله السبع إذا أكل الجيف و كان فمه خاليا من عين النجاسة.

الرابع: إذا انقطع حيوان الماء فيه لم ينجسه

إذا لم يكن ذا نفس سائلة، و ينجسه ان كان له نفس إذا كان الماء قليلا.

الخامس: اتفق الأصحاب على نجاسة الآدمي بالموت،

لان له نفسا سائلة،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5 ص 100.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 3.

102
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: ما يموت فيه الوزغ، و العقرب، يكره، ؛ ج‌1، ص : 103

و لان زنجيا مات في بئر فأمر ابن عباس ينزحها، و لما رويناه عن الصادق عليه السّلام «من إيجاب نزح سبعين إذا مات في البئر» «1» و إذا غسل المسلم طهر، أما الكافر فلا يطهر، لأن طهارة المسلم مستفاد بالشرع فيبقى الكافر نجسا بالأصل.

السادس: ما يموت فيه الوزغ، و العقرب، يكره،

و هو اختيار «الشيخ ره» في المبسوط و قال في النهاية: لا بأس بما لا نفس له سائلة إلا العقرب و الوزغ.

و قال ابن بابويه في المقنع: إذا وقعت العضاية في اللبن حرم. لنا انه حيوان لا نفس له فلا ينجس و لا ينجس. أما رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن العضاية تقع في اللبن قال: يحرم اللبن» «2» فالوجه الكراهية، و قد قيل: ان فيها سما فالمنع للتوقي.

السابع: لو ضرب صيد محلل فوقع في الماء فمات، فان كان الجرح قاتلا فالماء على الطهارة، و الصيد على الحل،

و ان لم يكن قاتلا و احتمل أن يكون موته بالماء و الجرح فالصيد على الحظر، لعدم تيقن السبب المبيح، و في تنجيس الماء تردد، أحوطه التنجيس.

مسئلة: لو نجس أحد الإنائين و لم يتعين اجتنب ماؤهما،

و كذا قال في المبسوط. و قال في النهاية: وجب اهراق جميعه و التيمم، و بمثله قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه، و المفيد في المقنعة. و قال علم الهدى (ره) في المصباح: أراقهما و عدل الى غيرهما، فان لم يجد تيمم، و ما ذكره في المبسوط أشبه، أما المنع من استعمالهما فمتفق عليه، و لان يقين الطهارة في كل واحد منهما معارض بيقين النجاسة و لا رجحان، فيتحقق المنع، و لعل الشيخ استند في النهاية إلى رواية سماعة و عمار ابن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل معه إناءان وقع في أحدهما نجاسة لا يدري‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2 ص 141.

(2) الوسائل ج 16 أبواب الأطعمة المحرمة باب 46 ح 2 ص 466.

103
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 104

أيهما هو، و ليس يقدر على ماء غيره، قال: يهريقهما و يتيمم» «1» و عمار هذا و ان كان فطحيا، و سماعة و ان كان واقفيا، لا يوجب رد روايتهما هذه، اما أولا فلشهادة أهل الحديث لهما بالثقة، و اما ثانيا فلعمل الأصحاب بالحديث و لسلامتهما من المعارض.

و اما الأمر بالإراقة فيحتمل أن يكنى به عن الحكم بالنجاسة، لا تحتيم الإراقة، لأن استبقائه قد يتعلق به غرض، أما للتطهير، أو الاستعمال في غير الطهارة و الأكل و الشرب، و قد يكنى عن النجاسة بالإراقة في كثير من الاخبار تفخيما للمنع، و قيل:

وجوب الإراقة، ليصح التيمم، لأنه مشروط بعدم الماء، و هو تأويل ضعيف لان وجود الممنوع من استعماله لا يمنع التيمم كالمغصوب، و ما يمنع من استعماله مرض أو عدو، و منع الشارع أقوى الموانع، و حكم ما زاد على الإنائين في المنع حكم الإنائين.

فروع

الأول: «التحري» غير جائز في الإنائين

و فيما زاد عليهما، سواء كان هناك امارة، أو لم يكن، و سواء كان المشتبه بالطاهر نجسا أو نجاسة كالبول، أو مضافا، أو مستعملا، و لو انقلب أحدهما لم يجز التحري أيضا، لأن التحري ظن فلا يرتفع به يقين النجاسة، و لأنه لو كان التحري صوابا لا طرد في الماء و البول، و قد أجمعوا على اطراح التحري هناك.

الثاني: لو كان أحد الإنائين نجسا فتطهر بهما و صلى، لم يرتفع الحدث،

و لم تصح الصلاة، سواء قدمها أمام الصلاة أو صلى مع كل وضوء، لأنه ماء محكوم بالمنع منه، فيجري استعماله مجرى النجس، أما لو كان أحدهما ماء و الأخر مضافا أو مستعملا في الغسل الواجب فان وجد ماء مطلقا طاهرا على اليقين تطهر به، و ان‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 12 ح 1 ص 124.

104
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: مع الضرورة يستعمل أيهما شاء في غير الطهارة، ؛ ج‌1، ص : 105

لم يجد تطهر بهما و لم يتحر، و كذا قال في المبسوط و الخلاف، لأنه أمكن أداء الفرض بطهارة متيقنة.

الثالث: مع الضرورة يستعمل أيهما شاء في غير الطهارة،

و لا يلزمه التحري و ان كان أحدهما نجسا، لأن الضرورة مبيحة، و التحري لا يفيد اليقين فيسقط اعتباره.

الرابع: لو خاف العطش أمسك أيهما شاء،

لأنهما سواء في المنع، و مع خوف العطش يمسك النجس فكيف بالمشتبه.

الخامس: لو كان معه ماء طاهر و نجس غير مشتبهين، فعطش، شرب الطاهر و تيمم،

و كذا لو علم حاجته الى الماء استبقى الطاهر و تيمم للصلاة، لأن وجود النجس كعدمه.

مسئلة: و كل ما حكم بنجاسته لم يجز استعماله،

و لو اضطر معه إلى الطهارة تيمم، انما اعتبر «الحكم» لأنه أعم، إذ قد يحكم بنجاسة ما ليس بنجس في نفسه، و يريد «بالمنع من استعماله» الاستعمال في الطهارة أو ازالة الخبث أو الأكل أو الشرب دون غيره مثل بل الطين و سقي الدابة، و انما قال فلو «اضطر» لان عدم الماء مع الإلزام بالصلاة المفتقرة إلى الطهارة المائية نوع اضطرار الى البدل و هو التطهير بالتراب، و أما وجوب التيمم فلأن الماء المحكوم بنجاسته ممنوع من الطهارة به فجرى مجرى العدم.

الركن الثاني في الطهارة المائية

و هي وضوء و غسل،

و الوضوء يستدعي بيان أمور:

الأول: في موجباته:

مسئلة: موجبات الوضوء خمس:

خروج البول و الغائط و الريح من الموضع المعتاد، و الاحداث تشترك في نقض الطهارة، ثمَّ منها: ما يوجب الوضوء، و منها‌

105
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 106

ما يوجب الغسل، و منها: ما يوجب الوضوء تارة و الغسل اخرى، و قد يقسم الى رابع.

أما موجبات الوضوء: فقد اتفق المسلمون ان خروج هذه الثلاثة ينقض الطهارة و يوجب الوضوء، و يدل عليه مضافا الى الإجماع، قوله تعالى أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ «1» و قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «لكن من بول أو غائط» «2» و قوله عليه السّلام: «فلا تنصرفن حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا» «3» و ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يجب الوضوء الا من غائط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها» «4» و ما رواه زكريا ابن آدم قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن الناصور؟ فقال: انما ينقض الوضوء ثلاث: البول، و الغائط، و الريح» «5».

فروع

الأول: إذا خرج أحد الثلاثة من الموضع المعتاد نقض إجماعا،

و ان خرج من غيره لم ينقض، و قال في المبسوط و الخلاف: ان خرج البول و الغائط مما دون المعدة نقض، و مما فوقها لا ينقض، لان ما يخرج من فوق المعدة لا يكون غائطا، و هو ضعيف لأن الغائط اسم «للمطمئن» و نقل الى «الفضلة المخصوصة» فعند هضم المعدة الطعام و انتزاع اجزاء الغذائية منه، يبقى الثفل فكيف خرج تناوله الاسم، و لا اعتبار بالمخرج في تسميته، و بما قال بعض الأصحاب بالنقض مطلقا.

______________________________
(1) النساء: 43.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.

(3) رواه البيهقي في سننه ج 1 كتاب الطهارة ص 117 (مع تفاوت).

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 2 ص 175.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 6 ص 178.

106
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: إذا خرج أحد الثلاثة من الموضع المعتاد نقض إجماعا، ؛ ج‌1، ص : 106

ما يوجب الغسل، و منها: ما يوجب الوضوء تارة و الغسل اخرى، و قد يقسم الى رابع.

أما موجبات الوضوء: فقد اتفق المسلمون ان خروج هذه الثلاثة ينقض الطهارة و يوجب الوضوء، و يدل عليه مضافا الى الإجماع، قوله تعالى أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ «1» و قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «لكن من بول أو غائط» «2» و قوله عليه السّلام: «فلا تنصرفن حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا» «3» و ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يجب الوضوء الا من غائط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها» «4» و ما رواه زكريا ابن آدم قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن الناصور؟ فقال: انما ينقض الوضوء ثلاث: البول، و الغائط، و الريح» «5».

فروع

الأول: إذا خرج أحد الثلاثة من الموضع المعتاد نقض إجماعا،

و ان خرج من غيره لم ينقض، و قال في المبسوط و الخلاف: ان خرج البول و الغائط مما دون المعدة نقض، و مما فوقها لا ينقض، لان ما يخرج من فوق المعدة لا يكون غائطا، و هو ضعيف لأن الغائط اسم «للمطمئن» و نقل الى «الفضلة المخصوصة» فعند هضم المعدة الطعام و انتزاع اجزاء الغذائية منه، يبقى الثفل فكيف خرج تناوله الاسم، و لا اعتبار بالمخرج في تسميته، و بما قال بعض الأصحاب بالنقض مطلقا.

______________________________
(1) النساء: 43.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.

(3) رواه البيهقي في سننه ج 1 كتاب الطهارة ص 117 (مع تفاوت).

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 2 ص 175.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 6 ص 178.

106
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الثاني: لو كان المخرج في غير موضعه خلقة انتقضت الطهارة بخروج الحدث منه، ؛ ج‌1، ص : 107

لنا ما رواه زرارة قال: «قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام و أبي جعفر عليه السّلام ما ينقض الوضوء؟ فقال: ما يخرج من طرفيك الأسفلين: من الذكر و الدبر من غائط، أو بول، أو مني، أو ريح، و النوم حتى يذهب العقل» «1» و السؤال بما المستوعبة لكل ما ينقض الوضوء. و ما رواه أبو الفضل بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم اللّه بهما عليك» «2». و ما رواه أديم بن الحر انه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين» «3» و لان مقتضى الدليل بقاء الطهارة فيقف انتقاضها على موضع الدلالة.

لا يقال: الدلالة موجودة و هي قوله تعالى أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ «4» و ما روي من الاخبار الدالة بالإطلاق، لأنا نقول الإطلاق ينصرف الى المعتاد فيتقيد به، ثمَّ يؤيده الروايات المقيدة لذلك الإطلاق.

الفرع الثاني: لو كان المخرج في غير موضعه خلقة انتقضت الطهارة بخروج الحدث منه،

لأنه مخرج أنعم اللّه به، و كذا لو انسد المعتاد و انفتح غيره، لأنه صار مخرجا منعما به، أما لو لم ينسد المعتاد و انفتح معه آخر فان صار خروج الحدث منه معتادا أيضا فقد ساوى المخرج، و ان كان نادرا فالأشبه انه لا ينقض.

الفرع الثالث: لو خرج من أحد السبيلين دود أو غيره من الهوام، لم ينقض الوضوء

الا أن يستصحب حدثا، لما ذكرنا من الروايات، و لما رواه عبد اللّه بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ليس في حب القرع و الديدان الصغار وضوء» «5» و لا يقال:

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 2 ص 177.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 4 ص 178.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.

(4) النساء: 43.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 3 ص 183.

107
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الرابع: خروج الريح من الذكر لا ينقض ؛ ج‌1، ص : 108

اشتراط «الصغار» يقتضي كون الكبار بخلافه و الا لم يكن لذكر الوصف فائدة، لأنا نقول: هذا تمسك بدليل الخطاب و هو ضعيف.

و ربما كان التقييد بالصغر لان الكبار بقوة حركتها و عظمها تستصحب مدة في الأغلب، و لا يعارض ذلك ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يخرج منه حب القرع، قال: عليه وضوء» «1» لأنه يحتمل ما ذكره الشيخ (ره) في التهذيب: و هو اشتراط التلطخ بالعذرة، و دل عليه رواية عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فإنه قال: «ان خرج نظيفا لم ينقض و ان خرج متلطخا بالعذرة فعليه اعادة الوضوء و الصلاة» «2» و هذه و ان كان سندها فطحية الا انها منبهة على الاحتمال المذكور، و لأن الأصل بقاء الطهارة، و لا يقال: لا ينفك الخارج من رطوبة نجسة، لأنا نمنع ذلك ثمَّ لا نسلم ان كل نجس ناقض، سنبين ان الرطوبات الخارجة لا تنقض.

الفرع الرابع: خروج الريح من الذكر لا ينقض

لأنه لا منفذ له الى الجوف و الظاهر ان الناقض ما كان مصدر الجوف، و لقوله «لا يجب الوضوء الا من بول أو غائط أو فسوة أو ضرطة» «3» و الخارج من الذكر لا يسمى بذلك، أما ما يخرج من قبل المرأة ففيه تردد، و الأقرب النقض، لان لها منفذا الى الجوف فيمكن خروج الريح من المعدة اليه، اما الجشأ فلا خلاف أنه لا ينقض.

الفرع الخامس: لو قطر في إحليله دهنا أو استدخل في أحد المخرجين دواءا كالحقنة فخرج خالصا لم ينقض،

لا باعتباره بالنظر الى خروج الحدث، و كذا كل ما يخرج من السبيلين ظاهرا كان كالحصاة، أو نجسا كالدم، عدا الدماء الثلاثة.

مسئلة: «النوم» الغالب على الحاستين

يريد «بالحاستين» السمع و البصر‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 6 ص 184.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 5 ص 184.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 2 ص 175.

108
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 109

و بهذا قال علماؤنا أجمع، و هو مذهب أهل العلم عدا ما حكي عن أبي مجار و حميد الأعرج و عمرو بن دينار انه ليس بناقض، و قيل: ان سعيد بن اللبيب كان ينام مضطجعا ثمَّ يصلي و لا يعيد الوضوء.

لنا ما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله: «العين وكاء للسنة فمن نام فليتوضأ» «1» و «السنة» هي حلقة الدبر و «الوكاء» الشداد، و ما رواه زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام ما ينقض الوضوء؟ قال: ما يخرج من طرفيك أو النوم حتى يذهب العقل» «2» و ما رواه معمر بن خلاد، عن الرضا عليه السّلام «إذا خفي الصوت وجب الوضوء» «3» و عبد اللّه بن المغيرة، عنه عليه السّلام «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» «4».

فروع

الأول: ابتداء النعاس و هو المسمى «سنة» لا ينقض الوضوء

لأنه لا يسمى نوما، كما قال الشاعر:

و سنان أقصده النعاس فرتقت

في عينه سنة و ليس بنائم

و لان نقضه مشروط بذهاب العقل.

الثاني: من نام قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا و كيف كان لزمه الوضوء

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و قال ابن بابويه (ره) في كتابه: في الرجل يرقد قاعدا، انه لا وضوء عليه ما لم ينفرج، و قال الشافعي: إذا نام قاعدا مفضيا بمخرجه الى‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 2 ص 177.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 1 ص 183.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 2 ص 180.

109
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: من نام قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا و كيف كان لزمه الوضوء ؛ ج‌1، ص : 109

الأرض لم ينقض وضوءه، لما رواه أنس «ان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كانوا ينامون ثمَّ يقومون يصلون و لا يتوضئون» «1» و قال أبو حنيفة: لا ينقض النوم الا مضطجعا أو متوركا أو مستندا الى ما لو زال لسقط، و لا ينقض في أحوال الصلاة. لما رواه ابن عباس «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يسجد و ينام و ينفخ ثمَّ يقوم فيصلي فقلت: صليت و لم تتوضأ و قد نمت؟ فقال: انما الوضوء على من نام مضطجعا» «2».

لنا قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «فمن نام فليتوضأ» «3» و رواية عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء» «4» و عنه عليه السّلام: «لا ينقض الوضوء الا حدث و النوم حدث» «5» أما حديث الشافعي فحكاية ترجع الى بعض الصحابة، و مضمونها النفي، مع انه يمكن أن يظن أنس نوما ما ليس بنوم، فحديثنا حينئذ أرجح، لأنه قول النبي صلى اللّه عليه و آله نصا، و أما حديث أبي حنيفة فمطعون فيه، قال ابن داود: ذكر ابن المنذر ان هذا الحديث لا يثبت و هو مرسل برواية قتادة، عن أبي العالية، و قال شعبة: انه لم يرو عنه الا أربعة أحاديث ليس هذا أحدها.

و أما ما ذكره ابن بابويه فمحمول على النوم الذي لا يغلب العقل، و كذا ما رواه بكر بن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أبي يقول: إذا نام الرجل و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، و إذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» «6» و انما ساغ لنا هذا التأويل لوجود التفصيل في غير هذا الحديث من اعتبار الغلبة‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 120.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 121- 122.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 3 ص 180.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 4 ص 180.

(6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 15 ص 182.

110
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: قال الشيخ في المبسوط: ينقض الوضوء كلما أزال العقل ؛ ج‌1، ص : 111

على العقل، و خفاء الصوت، و كونه لا يضبط الحدث، و لان الغالب في النائم المستغرق السقوط، فكان القعود علامة على السنة، و يدل على التفصيل رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يخفق و هو في الصلاة؟ فقال:

إذا كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء و اعادة الصلاة» «1» و ما رواه بكر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: نعم، إذا كان يغلب على السمع و الصوت».

الثالث: قال الشيخ في المبسوط: ينقض الوضوء كلما أزال العقل

من إغماء أو سكر، أو جنون، أو غيره. و قال في النهاية: المرض المانع من الذكر. و قال المفيد في المقنعة: المرض المانع من الذكر، و الاغماء، و مثله. قال علم الهدى (ره) في المصباح. و قال في جمل العلم: و النوم و ما أشبهه من الجنون و المرض.

و قال ابن الجنيد: كلما غلب على العقل كالغشوة و القرعة من القرع إذا تطاول.

و المعنى في الكل متقارب، و ضابطه كلما غلب على الحاستين، لما روى معمر بن خلاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب الوضوء» «2» لا يقال: صدر الحديث يتضمن الاغماء، و هو من أسماء النوم، لأنا نقول: هذا اللفظ مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة، و لان النوم الذي يجوز معه الحدث و ان قل يجب معه الوضوء، فمع الاغماء و السكر أولى، و هذا استدلال بالمفهوم لا بالقياس.

مسئلة: و «الاستحاضة القليلة»

إنما قال القليلة، و ان كان الصنفان الاخران يوجبان الوضوء أيضا، لأنه أراد ما يوجب الوضوء منفردا، و مذهب علمائنا أجمع وجوب إيجاب الوضوء بها عدا ابن عقيل فإنه قال: ما لم يظهر على القطنة فلا غسل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 6 ص 180.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 1 ص 183.

111
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«الاستحاضة القليلة» ؛ ج‌1، ص : 111

على العقل، و خفاء الصوت، و كونه لا يضبط الحدث، و لان الغالب في النائم المستغرق السقوط، فكان القعود علامة على السنة، و يدل على التفصيل رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يخفق و هو في الصلاة؟ فقال:

إذا كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء و اعادة الصلاة» «1» و ما رواه بكر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: نعم، إذا كان يغلب على السمع و الصوت».

الثالث: قال الشيخ في المبسوط: ينقض الوضوء كلما أزال العقل

من إغماء أو سكر، أو جنون، أو غيره. و قال في النهاية: المرض المانع من الذكر. و قال المفيد في المقنعة: المرض المانع من الذكر، و الاغماء، و مثله. قال علم الهدى (ره) في المصباح. و قال في جمل العلم: و النوم و ما أشبهه من الجنون و المرض.

و قال ابن الجنيد: كلما غلب على العقل كالغشوة و القرعة من القرع إذا تطاول.

و المعنى في الكل متقارب، و ضابطه كلما غلب على الحاستين، لما روى معمر بن خلاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب الوضوء» «2» لا يقال: صدر الحديث يتضمن الاغماء، و هو من أسماء النوم، لأنا نقول: هذا اللفظ مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة، و لان النوم الذي يجوز معه الحدث و ان قل يجب معه الوضوء، فمع الاغماء و السكر أولى، و هذا استدلال بالمفهوم لا بالقياس.

مسئلة: و «الاستحاضة القليلة»

إنما قال القليلة، و ان كان الصنفان الاخران يوجبان الوضوء أيضا، لأنه أراد ما يوجب الوضوء منفردا، و مذهب علمائنا أجمع وجوب إيجاب الوضوء بها عدا ابن عقيل فإنه قال: ما لم يظهر على القطنة فلا غسل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 6 ص 180.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 1 ص 183.

111
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 112

عليها و لا وضوء، و قال مالك: ليس على المستحاضة وضوء، لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» و ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المستحاضة إذا جازت أيامها، فإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و صلّت لكل صلاة بوضوء» «1».

فروع

الأول: لا تجمع المستحاضة بين فريضتين بوضوء واحد،

و قال أبو حنيفة:

تجمع، لان طهارتها لوقت كل صلاة، لا لكل صلاة. لنا ما سلف من الروايتين، و لان دمها حدث فتستبيح الطهارة ما لا بد منه و هو الصلاة الواحدة.

الثاني: لو توضأت و دمها بحاله فانقطع بعد الطهارة قبل الدخول في الصلاة قال في المبسوط: استأنفت الوضوء،

لان دمها حدث و قد زال العذر فطهر حكم الحدث، و لو صلت و الحال هذه، أعادت لعدم الطهارة، سواء أعاد قبل الفراغ أو بعده. و لو انقطع في أثناء الصلاة قال في المبسوط و الخلاف: لا يجب الاستيناف لأنها دخلت في الصلاة دخولا مشروعا متيقنا و لا دليل على إيجاب الخروج. و هذا يشكل مع قوله: ان انقطاع دمها حدث، بمعنى ان معه يظهر حكم الحدث، و كذا إذا قيل: دمها حدث و انما أبيحت الصلاة للضرورة، فعلى التقديرين الدليل الموجب لاستيناف موجودة، لأنه لا صلاة مع تيقن الحدث و زوال العذر.

لكن ان قيل: خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه فلم يكن مؤثرا في نقض الطهارة، و الانقطاع ليس بحدث أمكن، لكن يلزم التسوية في جواز الصلاة بين ما إذا انقطع قبل الدخول في الصلاة و اما إذا انقطع في أثنائها فالفرق عسر، و الاستدلال على بقاء الطهارة بالاستصحاب ضعيف أيضا، لأنه ليس بحجة هنا، و لو عارض‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.

112
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: لو توضأت قبل دخول وقت الصلاة لم يصح ؛ ج‌1، ص : 113

بصلاة المتيمم استندنا في الفرق إلى الأحاديث الدالة هناك على الاستصحاب.

الثالث: لو توضأت قبل دخول وقت الصلاة لم يصح

لأنه لا ضرورة اليه، و لقوله: تتوضأ لكل صلاة.

الرابع: قال في المبسوط: إذا توضأت الفرض، جاز أن تصلي معه ما شاءت من النوافل،

و فيه إشكال ينشأ من كون دمها حدثا فتستبيح بالوضوء معه ما لا بد منه و هو الصلاة الواحدة، و لقول النبي صلى اللّه عليه و آله: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» «1» و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «توضأت و صلّت كل صلاة بوضوء» «2».

الخامس: قال الشيخ في المبسوط: لو توضأت بعد وقت الصلاة و أخرت الصلاة لا متشاغلة بها، ثمَّ صلت لم تصح،

قال: لأن المأخوذ عليها أن تتوضأ عند كل صلاة و ذلك يقتضي أن يعقب الصلاة. و التعليل ضعيف، لان لفظة «عند» جاءت في بعض الاخبار العامة، و لا يبلغ أن يكون حجة، و بتقدير التسليم يلزم ان يكون المراد به عند إرادة الصلاة، إذ لو نزل اللفظ على ظاهره للزم أن تكون الصلاة سابقة على الوضوء، ليتحقق كون الوضوء عندها.

و يمكن أن يقال: ان وجود دمها حدث، فتستبيح بالوضوء ما لا بد منه و هو قدر التهيؤ للصلاة،

و قد اختلف الأحاديث في نقض الطهارة بأشياء نحن نذكرها.

الأول: إذا مس الرجل أحد فرجيه لم ينتقض وضوءه،

سواء مس الباطنين أو الظاهرين. و كذا لو مست المرأة فرجها بباطن الكف و ظاهره بشهوة، و غيرها و هو اختيار الثلاثة و اتباعهم. و قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه: من مس باطن ذكره بإصبعه أو باطن دبره بإصبعه، انتقض وضوءه. و قال ابن الجنيد في المختصر:

ان من مس ما انضم عليه الثقبان نقض وضوءه، و قال أيضا من مس ظاهر الفرج‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 329.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.

113
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: إذا مس الرجل أحد فرجيه لم ينتقض وضوءه، ؛ ج‌1، ص : 113

من غيره بشهوة تطهّر إذا كان محرما، و من مس باطن الفرجين، فعليه الوضوء من المحرم و المحلل.

لنا ما رواه الجمهور عن قيس بن طلق عن أبيه قال: «قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فجاء رجل كأنه بدوي، و قال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ و قال هل هو إلا بضعة منه، أو مضغة منه» «1» فان قيل: قد طعن في هذا الحديث أبو حاتم، و قال قيس لا تقوم بروايته حجة، قلنا: الطعن لا يقبل الا مفسرا، فلا يلتفت الى أبي حاتم مع شهرة قيس. و قد روى أصحابنا ما يشهد لهذا الحديث «عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال انما هو من جسده» «2» و الحجة من طريقنا ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة؟ فقال: لا بأس» «3» و ما روي عنه عليه السّلام «لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين» «4».

و احتج ابن بابويه (ره) برواية عمار بن موسى، عن الصادق عليه السّلام قال: «سئل عن الرجل يتوضأ ثمَّ يمس باطن دبره؟ قال: نقض وضوءه، و ان مس باطن إحليله فعليه الوضوء، و ان فتح إحليله أعاد الوضوء» «5» و قال الشافعي: مس الذكر ينقضه لقوله عليه السّلام «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ» «6» و لا حجة في رواية عمار لضعفها، فان الرواة لها فطحية و هي منافية للأصل، و مخصصة لعموم الأحاديث الصحيحة.

و أما خبر الشافعي فقد طعن فيه أصحاب الحديث، حتى قال يحيى بن معين: لا يصح‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 134.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 8 ص 192.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 7 ص 192.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 10 ص 193.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 128.

114
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: لا ينقض الوضوء مس فرج الغير، ؛ ج‌1، ص : 115

الوضوء من مس الذكر.

الثاني: لا ينقض الوضوء مس فرج الغير،

رجلا كان أو امرأة، محرما أو غيره، بباطن الكف أو ظاهره، و لا القبلة بشهوة، و غير شهوة، لمرأة أو غلام، و قال الشافعي: ينقض. لنا دلالة الأصل، و ما رواه زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس في القبلة، و لا المباشرة، و لا مس الفرج، وضوء» «1». و ما رواه الجمهور «ان النبي صلى اللّه عليه و آله كان يتوضأ و يخرج الى المسجد فيتلقاه بعض نسائه، فيصيب من وجهها و لا يتوضأ» «2» و لما روى عروة عن عائشة «ان النبي صلى اللّه عليه و آله قبل امرأة من نسائه فخرج الى الصلاة و لم يتوضأ» «3».

الثالث: «المذي» و «الوذي» طاهران لا ينقضان الوضوء

خلافا للجمهور.

لنا الأصل، و ما روى إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان عليا عليه السّلام كان مذاء فاستحيا أن يسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لمكان فاطمة عليها السّلام، فأمر المقداد أن يسأله، فقال:

ليس بشي‌ء» «4» و ما رواه زيد الشحام، و زرارة، و محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه قال: «ان سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو وذي، فلا تغسله، و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء، انما ذلك بمنزلة النخامة» «5» و لا يعارضه ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا عليه السّلام «ان عليا عليه السّلام أمر المقداد أن يسأل النبي صلى اللّه عليه و آله فقال: فيه الوضوء» «6». و كذا روى الجمهور، و الوجه حمله على الاستحباب توفيقا بين الحديثين.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 3 ص 192.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 125- 126.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 126.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 7 ص 197.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 2 ص 196.

(6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 17 ص 199.

115
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع:«القي‌ء» لا ينقض الوضوء ؛ ج‌1، ص : 116

و قال الشيخ (ره) في التهذيب نحمله على ما إذا خرج كثيرا، أو كان عن شهوة. و قد روى ذلك علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السّلام، و الوجه الاستحباب لما رواه ابن أبي عمير عن واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس في المذي من الشهوة، و لا من القبلة، و لا من مس الفرج و لا من المضاجعة وضوء» «1».

فأما ما رواه الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«الوذي منه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول، و الذي ليس فيه وضوء، انما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف» «2» فمحمول على ما إذا لم يكن استبراء من البول، فإن الوذي لا ينفك من ممازجة أجزاء من البول، هذا تأويل الشيخ (ره) في التهذيب.

الرابع: «القي‌ء» لا ينقض الوضوء.

و قال أبو حنيفة ينقض إذا ملأ الفم، لقوله عليه السّلام «من قاء أو رعف في صلاته فليتوضأ و ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم» «3» لنا ان التطهير مستفاد من الشرع، فيقف على التوقيف و لا توقيف، و ما رواه أبو أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن القي‌ء هل ينقض الوضوء؟ فقال لا» «4» و خبر أبي حنيفة مطعون فيه، قد أطرحه أكثرهم، و لم يذكره صاحب السنن و قال مالك و الشافعي لا نص فيه، و لو كان صحيحا لما ذهب على مالك، و لأنه لو كان ناقصا لما جاز البناء على الصلاة.

الخامس: «القهقهة» في الصلاة تبطلها،

و لا توجب الوضوء، و قال ابن الجنيد (ره): من قهقه في صلاة متعمدا، لنظر أو سماع ما أضحكه، قطع صلاته، و أعاد وضوئه. و قال أبو حنيفة: في كل صلاة ذات ركوع و سجود توجب الوضوء،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 2 ص 191.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 14 ص 198.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 143.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 6 ح 3 ص 185.

116
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: لا ينقض الطهارة ما يخرج من البدن، ؛ ج‌1، ص : 117

لما روى أبو العالية قال: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يصلي، فجاء أعمى فتردى في بئر، فضحك قوم عن خلفه، فقال: من ضحك فليعد الوضوء و الصلاة» «1» لنا دلالة الأصل، فإن إيجاب الطهارة يقف على مورد الشرع، و رواية أبي العالية مرسلة، و قد قال ابن سيرين: لا نأخذ بمراسيل الحسن، و لا أبي العالية، لأنهما لا يباليان ممن أخذا.

السادس: لا ينقض الطهارة ما يخرج من البدن،

من «دم» أو «قبح» أو «صديد» أو «نخامة» أو «رطوبة» كيف خرج. و قال أبو حنيفة: ينقض القيح، و الدم، و الصديد، إذا خرج من البدن فتجاوز الى موضع يلحقه حكم التطهير، لما رواه تميم الداري عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «الوضوء من كل دم سائل» لنا ما رووه «ان النبي صلى اللّه عليه و آله احتجم و صلى، و لم يزد على غسل محاجمه» «2» و عمل الصحابة. فإن ابن أبي أوفى نزف دما ثمَّ قام فصلى، و ابن عمر عصر بثره فخرج دم فصلى، و لم يتوضأ، و جابر أدخل أصابعه في أنفه و أخرجها بالدم، و هو في الصلاة. و كذا روي عن ابن المسيب.

و روى أصحابنا، عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الرضا عليه السّلام «عن القي‌ء، و الرعاف، و المدة أ ينقض؟ فقال: لا ينقض شيئا» «3» و روى الوشاء، عن الرضا عليه السّلام كان يقول: «كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يقول في الرجل يدخل يده في أنفه، فتصيب أصابعه الخمسة الدم، فقال ينقيه، و لا يعيد الوضوء» «4» و روى عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الحجامة فيها وضوء؟ قال: لا، و لا يغسل مكانها، لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه و لم يكن صبيا صغيرا» «5» و يحمل خبر أبي حنيفة على غسل‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 146.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 141.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 6 ص 185.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 7 ح 11 ص 189.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 7 ح 6 ص 188.

117
المعتبر في شرح المختصر1

السابع:«أكل ما مسته النار» لا يوجب الوضوء، ؛ ج‌1، ص : 118

موضع الدم، فان الغسل يسمى وضوءا كما قال عليه السّلام: «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، و بعده ينفي اللمم» «1» و مثله رواية عبيدة بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن رجل أصابه دم سائل في الصلاة، قال: يتوضأ و يعيد» «2».

السابع: «أكل ما مسته النار» لا يوجب الوضوء،

و كذا لحم الإبل. و قال أحمد بن حنبل: أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، لما روى البراء بن عازب «سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن لحوم الإبل؟ فقال: توضأ منها، و عن لحوم الغنم؟ فقال لا تتوضأ منها» «3» لنا ما روي عن جابر قال «كان آخر الأمر من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ترك الوضوء مما مسته النار» «4» و ما روي عن ابن عباس، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال:

«الوضوء مما يخرج، لا مما يدخل» «5».

و روى أصحابنا، عن بكير بن أعين قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الوضوء مما غيرت النار؟ فقال: ليس عليك فيه وضوء، انما الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل» «6» و خبر أحمد قد تركه فضلاؤهم، مثل مالك، و الشافعي، و أبي حنيفة، و أهل البيت عليهم السّلام. و هو دليل ضعفه مع تخصيصه كلما دل على حصر الاحداث.

الثامن: «الردة» لا ينقض الوضوء

و قال أحمد: ينقض لقوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «7» و لقول ابن عباس: الحدث حدثان: حدث اللسان،

______________________________
(1) هناك روايات كثيرة في هذا المعنى لكنه مروية عن النبي (ص) و عن الصادق (ع) الوسائل ج 16 ص 571.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 56 ح 1 ص 1078.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 159 (مع تفاوت).

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 156.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 116 (مع تفاوت).

(6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 15 ح 3 ص 205.

(7) الزمر: 65.

118
المعتبر في شرح المختصر1

التاسع:«الكلام الفحش» و«انتشار الشعر» لا ينقض الوضوء ؛ ج‌1، ص : 119

و حدث القلب. لنا ان إيجاب الوضوء موقوف على الدلالة الشرعية، و لا دلالة، و ما روي عن أبي عبد اللّه، و علي بن موسى عليهما السّلام: «لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين» «1» أما الآية فمعارضة بقوله تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ «2» فينزل المطلق على المقيد، و هو اشتراط الموت على الردة، و الحديث موقوف على ابن عباس، فلا حجة في قوله على أن تسميته حدثا لا يوجب كونه ناقضا، فان كل متجدد من الإنسان يحدث منه، و ليس كل متجدد ناقضا، لأن الشركة في الاسم لا توجب الشركة في الحكم على أحد المسميين.

التاسع: «الكلام الفحش» و «انتشار الشعر» لا ينقض الوضوء

، لما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله «الكلام ينقض الصلاة و لا ينقض الوضوء» «3» و روى معاوية ابن ميسرة قال: «سألت أبا عبد اللّه عن إنشاد الشعر هل ينقض الوضوء؟ قال: لا» «4».

العاشر: «حلق الشعر» و «قص الأظفار» لا ينقض الوضوء،

و لا يوجب مسح موضعه، لما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «الرجل يقلم أظفاره و يجز شاربه، أو يأخذ من لحيته، أو رأسه، هل ينقض ذلك من وضوئه؟ فقال: يا زرارة ان ذلك يزيده تطهيرا» «5» و لان مقتضى الدليل بقاء الطهارة، و في رواية ابن مسكان، عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يأخذ من أظفاره أو شعره، أ يعيد الوضوء؟ فقال: لا، و لكن يمسح رأسه و أظفاره بالماء» «6» قال الشيخ (ره) في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.

(2) البقرة: 217.

(3) لم يوجد.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 8 ح 1 ص 190.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 14 ح 2 ص 203.

(6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 14 ح 1 ص 203.

119
المعتبر في شرح المختصر1

الحادي عشر: لا تنقض الطهارة بظن«الحدث» لأنه متيقن الطهارة فلا يرتفع الا بيقين، ؛ ج‌1، ص : 120

التهذيب: المسح محمول على الاستحباب، لرواية سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «آخذ من شاربي و أحلق رأسي، قال ليس عليك وضوء، قلت فأمسح أظفاري قال ليس عليك مسح» «1».

الحادي عشر: لا تنقض الطهارة بظن «الحدث» لأنه متيقن الطهارة فلا يرتفع الا بيقين،

و لما رواه معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتى يخيل إليه انه قد خرجت منه ريح، فلا ينقض الا من ريح يسمعها، أو يجد ريحها» «2» و ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «لا تنصرف حتى تسمع صوتا أو تجد ريحها» «3» و عنه صلى اللّه عليه و آله «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه، أخرج منه شي‌ء أو لم يخرج، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» «4».

الثاني عشر: روى الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: «سألته عن ما ينقض الوضوء؟

فقال: الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه، و القرقرة في البطن لا شي‌ء تصبر عليه، و الضحك في الصلاة و القي‌ء» «5» قال الشيخ في التهذيب: محمول على الضحك و القي‌ء الذي لا يضبط معه نفسه. و الوجه الطعن في السند، فان زرعة، و سماعة، واقفيان، فلا يعمل بروايتهما في تخصيص الاخبار السليمة، و لان المسئول مجهول فلعله ممن لا يوثق بفتواه.

الثاني: في «آداب الخلوة» و «الاستطابة»

و هي الاستنجاء بالماء أو بالأحجار،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 14 ح 3 ص 203.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 3 ص 175.

(3) ان هذه الرواية لم توجد بهذه العبارة و لكن البيهقي روى بمضمونها في السنن ج 1 ص 114.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 117.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 4 ص 175.

120
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجب«ستر العورة» ؛ ج‌1، ص : 121

يقال: استطاب و أطاب و سميت بذلك، لأنها تطيب الجسد بإزالة الخبث. و «الاستنجاء» استفعال من النجوة، و هو ما ارتفع من الأرض، و أصله للسباع لأنها تقصد النجوات عند الحاجة، و قيل: من نجوت الشجرة، أي قطعتها، كأنه يقطع الأذى عنه. و قال الأزهري: يحتمل أن يكون من استنجيت الوتر، إذا جلس ليستخرجه، قال الشاعر:

فتبازت و تبازجت لها

جلسة الجازر يستنجى الوتر [1]

قال المفيد (ره): يستحب لمن أراد الخلوة أن يطلب موضعا يستتر فيه عن الناس، تأسيا بفعل النبي صلى اللّه عليه و آله.

مسئلة: يجب «ستر العورة»

و ان كان لا يخص بحال الخلوة، لما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله «احفظ عورتك الا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» «2» و رووا عنه عليه السّلام «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، و لا المرأة إلى عورة المرأة» «3» و من طريق الخاصة ما رواه حريز، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه» «4» و ما رواه أبو بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل يغتسل الرجل بارزا؟ فقال إذا لم ير أحدا فلا بأس» «5».

و أما رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن عورة المؤمن حرام؟ قال: نعم، قلت أعني سفله قال ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره» «6» و ما رواه حذيفة بن منصور، عنه عليه السّلام قلت: «يقول الناس: عورة المؤمن‌

______________________________
[1] و في تاج العروس كذا:

فتبازت و تبازيت لها

جلسة الجازر يستنجى الوتر

______________________________
(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 199.

(3) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 217.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 1 ح 1 ص 211.

(5) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 11 ح 2 ص 371.

(6) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 8 ح 2 ص 367.

121
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يحرم«استقبال القبلة» و«استدبارها» ؛ ج‌1، ص : 122

على المؤمن حرام، قال: ليس حيث تذهبون، إنما أعني أن يزل زلة أو يتكلم بشي‌ء يعاب عليه فيحفظ ليعير به يوما» «1» فليس بمعارض لما استدلنا به، لأنهما تضمنتا تفسير هذا اللفظ، و خبره يتضمن النهي عن النظر إلى العورة و أحدهما غير الأخر.

إذا عرفت هذا فالعورة المشار إليها، هي: القبل و الدبر لقول ابي عبد اللّه عليه السّلام «الفخذ ليس من العورة» «2» و لرواية أبي الحسن الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «العورة عورتان: القبل و الدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» «3» و لان القبل و الدبر متفق على كونهما عورة و الخلاف فيما زاد عليهما، فيقتصر على موضع الإجماع، و لأن الأصل عدم وجوب الستر، فيخرج منه موضع الدلالة.

مسئلة: و يحرم «استقبال القبلة» و «استدبارها»

و لو كان في الأبنية على الأشبه قال الثلاثة و أتباعهم: يحرم استقبال القبلة و استدبارها ببول أو غائط. و قال ابن الجنيد (ره) في المختصر: يستحب للإنسان إذا أراد التغوط في الصحراء أن يجتنب استقبال القبلة، أو الشمس، أو القمر، أو الريح، بغائط أو بول. و قال داود من الجمهور: بالجواز فيهما. و فرق أبو يوسف بين الاستقبال و الاستدبار.

لنا ما رواه الجمهور، عن أبي أيوب، عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة و لا يوليها ظهره شرقوا أو غربوا» «4» و روى مسلم، عن أبي هريرة عنه عليه السّلام «إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة و لا يستدبرها» «5» و من طريق الخاصة: رواية عيسى بن عبد اللّه الهاشمي، عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 8 ح 1 ص 366.

(2) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 4 ح 4 ص 365.

(3) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 4 ح 2 ص 365.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 91 (مع تفاوت).

(5) صحيح مسلم ج 1 كتاب الطهارة ح 365.

122
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يحرم«استقبال القبلة» و«استدبارها» ؛ ج‌1، ص : 122

عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لكن شرقوا أو غربوا» «1».

فان احتج داود، بما رووه عن جابر قال: نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يستقبل القبلة ببول أو غائط، و رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها، و عن عراك، عن عائشة قالت: «ذكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال: و قد فعلوها استقبلوا بمقعدي القبلة» «2».

و الجواب: ان حديث جابر حكاية فعل، و قد عارض القول فالترجيح للقول و يحتمل أن يظن جابر الاستقبال و ان لم يكن استقبالا حقيقيا، لأنه يخرج عنه بالانحراف القليل. و حديث عراك مرسل، قال ابن حنبل: عراك لم يلق عائشة، إذا عرفت تحريم الاستقبال و الاستدبار في الجملة فاعلم انه يحرم في الصحاري و الابنية. و قال سلار بن عبد العزيز، من أصحابنا يكره في البنيان، و به قال المفيد (ره)، و هو اختيار الشافعي لما رووا أن «ابن عمر استقبل القبلة و بال: فقيل له في ذلك فقال: انما نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن ذلك في الفضاء فاذا كان بينك و بين القبلة شي‌ء يشترك فلا بأس» «3».

و رووا عنه «انه رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على حاجته مستدبر الكعبة» «4» و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: «دخلت على الرضا عليه السّلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة» «5».

لنا الأحاديث السابقة فإنها دالة على التحريم مطلقا، و أما استقبال ابن عمر ببوله فلا حجة فيه، لاحتمال أن يكون صار اليه اجتهادا، و اخباره انه رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 1 ح 5 ص 213.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 93.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 92.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 92.

(5) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 2 ح 7 ص 213.

123
المعتبر في شرح المختصر1

فرع قال في المبسوط: إذا كان الموضع مبنيا على الاستقبال و الاستدبار و أمكنه الانحراف وجب، ؛ ج‌1، ص : 124

ليس بحجة، لأن القول أرجح من الفعل، و قد أوردنا تحريم النبي صلى اللّه عليه و آله لذلك نطقا.

و خبر ابن بزيع عن الرضا عليه السّلام لا حجة فيه، لان المحرم ليس بناء المخرج مستقبلا و لا مستدبرا، بل الجلوس على الاستقبال أو الاستدبار و لم يذكره، و انما قال: في الأصل على الأشبه لأن في الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط في الأبنية خلافا على ما ذكرناه، و التحريم مأخوذ من إطلاق الألفاظ المانعة، لا لنص على عين المسئلة و كل حكم مستفاد من لفظ عام أو مطلق أو من استصحاب نسميه بالأشبه، لان مذهبنا التمسك بالظاهر، فالأخذ بما يطابق ظاهر المنقول أشبه بأصولنا، فكل موضع نقول فيه «على الأشبه» فالمراد به هذا المعنى.

فرع قال في المبسوط: إذا كان الموضع مبنيا على الاستقبال و الاستدبار و أمكنه الانحراف وجب،

و ان لم يمكنه جلس عليه و كأنه يريد مع عدم التمكن من غيره.

مسئلة: و يجب غسل مخرج البول، و يتعين الماء لإزالته اما وجوب غسله فهو مذهب علمائنا لما رواه ابن أذينة قال: «ذكر أبو مريم الأنصاري ان الحكم بن عتبة بال و لم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: بئسما صنع، عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوئه» «1» و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال «لا صلاة إلا بطهور» «2» و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، و بذلك جرت السنة.

و اما تغيير الماء لإزالته فعليه اتفاق علمائنا، خلافا للجمهور، فإنهم أجازوا الاستجمار ما لم يتعد المخرج.

لنا ما رواه زيد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «يجزي من الغائط المسح‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 4 ص 208.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 1 ح 1 ص 256.

124
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 125

بالأحجار، و لا يجزي من البول الا الماء» «1» و في سند هذه الرواية «أبان بن عثمان» و هو ضعيف غير أنها مقبولة بين الأصحاب، و النظر يؤيدها، لأن ذلك مقتضى الدليل، و يؤيدها أيضا رواية عن أبي جعفر عليه السّلام، و لان الماء متعين لإزالة النجاسة و إلحاق غيره به منفي بالأصل، و اخبار الأحجار محمولة على استنجاء موضع الغائط، و على هذا يسقط ما فرق به الجمهور بين البكر و الثيب، لان الفرق متفرع على جواز الاستجمار في مخرج البول.

فروع

الأول: يجوز أن يتوضأ قبل غسل مخرج البول،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و لو صلى و الحال هذه أعاد الصلاة و لم يعد الوضوء. قال ابن بابويه (ره) في كتابه:

و من صلى و ذكر انه لم يغسل ذكره فعليه أن يغسل ذكره و يعيد الوضوء و الصلاة.

لنا ما رواه علي بن يقطين، عن موسى بن جعفر عليه السّلام «عن الرجل يبول و لا يغسل ذكره حتى يتوضأ، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد وضوءه» «2» و لان وجود النجاسة على البدن لا ينافي رفع الحدث، و مع عدم المنافاة يلزم جواز الوضوء مع وجودها.

فان احتج ابن بابويه بما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فان كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك» «3» فالجواب: الطعن في السند فإن الراوي محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن زرعة، عن سماعة، و أحاديث محمد بن عيسى عن يونس يمنع العمل بها ابن بابويه (ره) عن ابن الوليد، و زرعة و سماعة واقفيان فكان العمل بالسليم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 2 ص 246.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 2 ص 208.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 5 ص 224.

125
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: يجوز أن يتوضأ قبل غسل مخرج البول، ؛ ج‌1، ص : 125

بالأحجار، و لا يجزي من البول الا الماء» «1» و في سند هذه الرواية «أبان بن عثمان» و هو ضعيف غير أنها مقبولة بين الأصحاب، و النظر يؤيدها، لأن ذلك مقتضى الدليل، و يؤيدها أيضا رواية عن أبي جعفر عليه السّلام، و لان الماء متعين لإزالة النجاسة و إلحاق غيره به منفي بالأصل، و اخبار الأحجار محمولة على استنجاء موضع الغائط، و على هذا يسقط ما فرق به الجمهور بين البكر و الثيب، لان الفرق متفرع على جواز الاستجمار في مخرج البول.

فروع

الأول: يجوز أن يتوضأ قبل غسل مخرج البول،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و لو صلى و الحال هذه أعاد الصلاة و لم يعد الوضوء. قال ابن بابويه (ره) في كتابه:

و من صلى و ذكر انه لم يغسل ذكره فعليه أن يغسل ذكره و يعيد الوضوء و الصلاة.

لنا ما رواه علي بن يقطين، عن موسى بن جعفر عليه السّلام «عن الرجل يبول و لا يغسل ذكره حتى يتوضأ، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد وضوءه» «2» و لان وجود النجاسة على البدن لا ينافي رفع الحدث، و مع عدم المنافاة يلزم جواز الوضوء مع وجودها.

فان احتج ابن بابويه بما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فان كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك» «3» فالجواب: الطعن في السند فإن الراوي محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن زرعة، عن سماعة، و أحاديث محمد بن عيسى عن يونس يمنع العمل بها ابن بابويه (ره) عن ابن الوليد، و زرعة و سماعة واقفيان فكان العمل بالسليم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 2 ص 246.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 2 ص 208.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 5 ص 224.

125
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: إذا لم يجد الماء لغسل المخرج أو تعذر استعماله ؛ ج‌1، ص : 126

أولى، فأما رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يتوضأ و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة» «1» ففي طريقها «أحمد ابن هلال» و هو ضعيف مع ان العمل على خلافها متقدم.

الثاني: إذا لم يجد الماء لغسل المخرج أو تعذر استعماله

لمانع كالجرح أجزأه مسحه بما يزيل عين النجاسة كالحجر و الخرق و الكرسف و شبهه، و لأن إزالة عين النجاسة و أثرها واجب، فان تعذر إزالتهما تعين ازالة العين.

الثالث: لا يجب غسل الإحليل من ما يخرج منه

عدا البول و المني و الدم، سواء كان الخارج جامدا كالحصى و الدود، أو مائعا كالمذي و رطوبة الفرج و الحقنة إذا خرجت خالصة، لأن الأصل الطهارة، و التنجيس موقوف على التوقف و هو منتف هنا، لا يقال: الخارج لا ينفك من ملابسة النجاسة و لان المجرى ينجس بملاقاة النجاسة فينجس ما يمر به، لأنا نمنع ذلك و نطالب بالدلالة عليه، فان المجاري عندنا لا ينجس، و يؤيد ذلك قولهم عليهم السّلام في المذي «هو بمنزلة البصاق» «2».

الرابع: لو دب الى فرج المرأة «مني» من ذكر أو أنثى ثمَّ خرج لم يجب به وضوء و لا غسل،

و جرى مجرى نجاسة لاقت المخرج، فإنه يجب غسله كما يجب غسل النجاسة.

الخامس: الأغلف إذا كان مرتتقا كفاه غسل الظاهر

من موضع الملاقاة، و ان أمكن كشفها كشفها إذا بال، و غسل المخرج. و ان لم يكشفها عند الإراقة فهل يجب كشفها لغسله؟ فيه تردد، الأشبه نعم، لأنه يجري مجرى الظاهر.

مسئلة: و أقل ما يجزي مثلا ما على الحشفة،

و هو مذهب الشيخين، و قال أبو الصلاح: و أقل ما يجزي ما أزال عين البول عن رأس فرجه و لم يقدره، لنا رواية‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 2 ص 224.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 1 و 4 و 9.

126
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل مخرج الغائط بالماء، و حده الإنقاء، ؛ ج‌1، ص : 127

نشيط بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل» «1» و يؤيد هذه ما روي عن الصادق عليه السّلام «ان البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين» «2» و لان غسل النجاسة بمثلها لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على النجاسة، و لا كذا لو غسل بمثلها.

أما رواية نشيط أيضا عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «3» فمقطوعة السند، فالعمل بالأولى أولى، و قال الشيخ في التهذيب: و يمكن أن تحمل الرواية على أن المراد يغسل بمثل البول لا بمثل ما على الحشفة، و هو أكثر من مثل ما على الحشفة، و التأويل ضعيف، لان البول ليس بمغسول و انما يغسل منه ما على الحشفة.

مسئلة: و غسل مخرج الغائط بالماء، و حده الإنقاء،

و ان لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة و الماء و لا يجزي أقل من ثلاثة و لو نقي بما دونها،

و هذه الجملة تشتمل بحوثا:

الأول: «الاستنجاء» واجب عند علمائنا.

و قال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم يتعد، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن و من لا يفعل فلا حرج عليه» «4» و أقل الوتر واحد و قد أزال الحرج بتركه. لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزي» «5» و قال عليه السّلام: «لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «6»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 7.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 1.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 104.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.

127
المعتبر في شرح المختصر1

و هذه الجملة تشتمل بحوثا: ؛ ج‌1، ص : 127

نشيط بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل» «1» و يؤيد هذه ما روي عن الصادق عليه السّلام «ان البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين» «2» و لان غسل النجاسة بمثلها لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على النجاسة، و لا كذا لو غسل بمثلها.

أما رواية نشيط أيضا عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «3» فمقطوعة السند، فالعمل بالأولى أولى، و قال الشيخ في التهذيب: و يمكن أن تحمل الرواية على أن المراد يغسل بمثل البول لا بمثل ما على الحشفة، و هو أكثر من مثل ما على الحشفة، و التأويل ضعيف، لان البول ليس بمغسول و انما يغسل منه ما على الحشفة.

مسئلة: و غسل مخرج الغائط بالماء، و حده الإنقاء،

و ان لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة و الماء و لا يجزي أقل من ثلاثة و لو نقي بما دونها،

و هذه الجملة تشتمل بحوثا:

الأول: «الاستنجاء» واجب عند علمائنا.

و قال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم يتعد، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن و من لا يفعل فلا حرج عليه» «4» و أقل الوتر واحد و قد أزال الحرج بتركه. لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزي» «5» و قال عليه السّلام: «لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «6»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 7.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 1.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 104.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.

127
المعتبر في شرح المختصر1

الأول:«الاستنجاء» واجب عند علمائنا ؛ ج‌1، ص : 127

نشيط بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل» «1» و يؤيد هذه ما روي عن الصادق عليه السّلام «ان البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين» «2» و لان غسل النجاسة بمثلها لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على النجاسة، و لا كذا لو غسل بمثلها.

أما رواية نشيط أيضا عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «3» فمقطوعة السند، فالعمل بالأولى أولى، و قال الشيخ في التهذيب: و يمكن أن تحمل الرواية على أن المراد يغسل بمثل البول لا بمثل ما على الحشفة، و هو أكثر من مثل ما على الحشفة، و التأويل ضعيف، لان البول ليس بمغسول و انما يغسل منه ما على الحشفة.

مسئلة: و غسل مخرج الغائط بالماء، و حده الإنقاء،

و ان لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة و الماء و لا يجزي أقل من ثلاثة و لو نقي بما دونها،

و هذه الجملة تشتمل بحوثا:

الأول: «الاستنجاء» واجب عند علمائنا.

و قال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم يتعد، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن و من لا يفعل فلا حرج عليه» «4» و أقل الوتر واحد و قد أزال الحرج بتركه. لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزي» «5» و قال عليه السّلام: «لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «6»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 7.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 1.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 104.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.

127
المعتبر في شرح المختصر1

البحث الثاني: إذا تعدى المخرج لا يجزي الا الماء، ؛ ج‌1، ص : 128

و في رواية ابن المنذر «و لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار» [1] و إطلاق الأمر يقتضي الوجوب. و خبر أبي حنيفة يقتضي رفع الحرج عن من لم يوتر، و لا يلزم منه دفع الحرج عن من لم يستنج.

و لا يقال: ما رويتموه خبر واحد فيما يعم به البلوى، فلا يعمل به، لأنا نقول:

يعضده عمل أكثر الصحابة و ما دل على وجوب إزالة النجاسة عن البدن، و لان مستند الخصم في جواز تركه خبر واحد أيضا و فيه احتمال، فيكون العمل بخبرنا أولى.

و روى الأصحاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا صلاة إلا بطهور» «2» و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، جرت بذلك السنة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. و روى يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد ان جاء من الغائط أو بال قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط ثمَّ يتوضأ مرتين مرتين» «3».

البحث الثاني: إذا تعدى المخرج لا يجزي الا الماء،

و هو مذهب أهل العلم.

روى الجمهور عن علي عليه السّلام «كنتم تبعرون بعرا و أنتم اليوم تثلطون ثلطا فاتبعوا الماء الأحجار» «4» و قوله عليه السّلام: «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة» «5» و لان الماء مطهر للنجاسات بالإجماع لإزالة العين و الأثر فيقتصر عليه لزوال النجاسة به على اليقين.

البحث الثالث: إذا لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة و الماء و الجمع أفضل،

______________________________
[1] لم نعثر في هذا المورد على رواية من ابن منذر و لكن روى البيهقي في سننه بهذا المضمون رواية من إبراهيم ج 1 ص 102.

______________________________
(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 1 ح 1 ص 256.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 9 ح 5 ص 223.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 106.

(5) روى البيهقي في سننه أحاديث متعددة بهذا المضمون.

128
المعتبر في شرح المختصر1

البحث الرابع: لا حد لما يستنجى به من الغائط الا الإنقاء، ؛ ج‌1، ص : 129

و هو إجماع إلا ما حكي عن سعد بن أبي وقاص و ابن الزبير فإنهما أنكرا الاستنجاء بالماء.

لنا ما رواه الجمهور عن أنس قال: «كان النبي صلى اللّه عليه و آله يدخل الخلاء فأحمل أنا و غلام نحوي أداؤه من ماء فيستنجي بالماء» «1» و لان الماء أبلغ في التطهير من الحجر لازالة العين و الأثر، و روى الأصحاب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «يا معشر الأنصار قد أحسن اللّه عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟ قالوا نستنجي بالماء» «2» و عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير» «3».

البحث الرابع: لا حد لما يستنجى به من الغائط الا الإنقاء،

و قال سلار: حده أن يصر الموضع. لنا ما رواه ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السّلام قلت له: «للاستنجاء حد؟ قال: لا، حتى ينقي ما ثمة، قلت: فإنه ينقي ما ثمة و تبقى الريح، قال: الريح لا ينظر إليها» «4» و لان المراد إزالة النجاسة عينا و أثرا فيقف الاستعمال على تحصيل الغرض، و لان ما ذكره سلار يختلف بحسب اختلاف حرارة الماء و برودته فيسقط اعتباره.

البحث الخامس: لا يجزي أقل من ثلاثة أحجار، و ان نقي بدونها

خلافا لداود و مالك فإنهما اعتبرا الإنقاء لا العدد. لنا ما رووه من قوله عليه السّلام «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «5» و في رواية ابن المنذر «لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار» «6» و ما رواه الأصحاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «جرت السنة في أثر الغائط‌

______________________________
(1) صحيح مسلم ج 1 باب الاستنجاء بالماء ح 227.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 34 ح 1 ص 250.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 34 ح 2 ص 250.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 13 ح 1 ص 227.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.

(6) روى البيهقي في سننه بهذا المضمون من إبراهيم ج 1 ص 102.

129
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 130

بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله» «1» و لان الحجر لا يزيل النجاسة بل لا بد من ارتياك شي‌ء منها في المحل، و مقتضى الدليل المنع من استصحابها في الصلاة، لأن قليل النجاسة عندنا ككثيرها في المنع فيقف الجواز على موضع الشرعي.

فروع

الأول: ان لم ينق الموضع بالثلاث استعمل ما زاد حتى ينقى

، و هو إجماع، لكن يستحب أن لا يقطع الأعلى وتر، لما روي عن علي عليه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «إذا استنجى أحدكم فليوتر وترا إذا لم يجد الماء» «2» و الرواية من المشاهير.

الثاني: أثر النجاسة بعد استعمال الثلاث و زوال العين معفو عنه،

و هو إجماع، و هل يحكم بطهارة المحل؟ قال الشافعي و أبو حنيفة لا، لأنه مسح للنجاسة فلا يطهر محلها لبقاء الأثر. لنا قوله صلى اللّه عليه و آله «لا تستنجوا بعظم و لا روث فإنهما لا يطهران» «3» و هو يدل بمفهومه على حصول الطهارة بغيرها، و لأن أكثر الصحابة اقتصروا على الاستجمار مع توقيهم من النجاسات، و لو لم يطهر المحل لما اقتصروا عليه.

الثالث: كيف حصل الإنقاء بالثلاثة جاز

و لو استعمل كل حجر في جزء، و الأفضل مسح المحل كله بكل جزء، و به قال الشيخ في المبسوط، لان امتثال الأمر بالاستنجاء بالثلاثة متحقق على التقديرين. لا يقال: إذا قسمت على المحل جرت مجرى المسحة الواحدة لأن المسحة الواحدة لا يتحقق معها العدد المعتبر.

الرابع: لا يجب استنجاء مخرج الغائط إلا مع خروج نجاسة منه كالغائط و الدم،

و ما يخرج متلطخا بالنجاسة، و لو خرج دود أو حصاة أو حقنة طاهرة لم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام التخلي باب 30 ح 3 ص 246.

(2) روى بمضمونها روايات متعددة في السن للبيهقي ج 1 ص 103 و 104.

(3) روى بمضمونها روايات متعددة في السنن للبيهقي ج 1 ص 107 و 108.

130
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس: لا يجزي الحجر ذو الشعب و ان استعمل شعبه، ؛ ج‌1، ص : 131

يجب الاستنجاء، لأنه لا يجب ازالة ما ليس بنجس، و سنبين طهارة رطوبات البدن عدا ما ذكرناه، نعم لو احتقن بنجاسة فخرجت وجب الاستنجاء منها.

الخامس: لا يجزي الحجر ذو الشعب و ان استعمل شعبه،

و قال في المبسوط يجزي عند بعض أصحابنا، و الأحوط اعتبار العدد، لنا قوله عليه السّلام «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «1» و قول أبي جعفر عليه السّلام «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار» «2» و يمكن أن يقال: المراد «بالأحجار» المسحات كما يقال: ضربته ثلاثة أسواط، و المراد «ثلاثة ضربات» و لو بسوط واحد و لعل الفرق يدرك بإدخال الباء، و إذا غسل الحجر المستعمل بالماء أو أصابته نجاسة مائعة فجففته الشمس، قال في المبسوط: يجوز الاستجمار به، و هو حسن، و كذا لو كسر الحجر ثلاثا ثمَّ استعمل الطاهرين منه.

مسئلة: و يجوز ان يستعمل «الخرق» بدل الأحجار،

قال الشيخ (ره) في المبسوط: الاستنجاء بالجلود الطاهرة و كل جسم طاهر مزيل للنجاسة فإنه جائز.

و قال في الخلاف: يجوز الاستنجاء بالأحجار و غير الأحجار إذا كان منقيا غير مطعوم مثل الخشب و الخزف و المدر و غير ذلك. و استدل بإجماع الفرقة و رواية حريز عن زرارة قال: «يستنجى من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق» «3» و قال علم الهدى في المصباح: يجوز الاستنجاء بالأحجار و ما قام مقامها بالمدر و الخرق.

و قال داود لا يجوز بغير الأحجار لأنها رخصة فوجب الاقتصار على موضع الترخيص.

لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «و استطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب» «4» و ما رواه الأصحاب عن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 3 ص 246.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 6 ص 242.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 111.

131
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يجوز ان يستعمل«الخرق» بدل الأحجار، ؛ ج‌1، ص : 131

يجب الاستنجاء، لأنه لا يجب ازالة ما ليس بنجس، و سنبين طهارة رطوبات البدن عدا ما ذكرناه، نعم لو احتقن بنجاسة فخرجت وجب الاستنجاء منها.

الخامس: لا يجزي الحجر ذو الشعب و ان استعمل شعبه،

و قال في المبسوط يجزي عند بعض أصحابنا، و الأحوط اعتبار العدد، لنا قوله عليه السّلام «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «1» و قول أبي جعفر عليه السّلام «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار» «2» و يمكن أن يقال: المراد «بالأحجار» المسحات كما يقال: ضربته ثلاثة أسواط، و المراد «ثلاثة ضربات» و لو بسوط واحد و لعل الفرق يدرك بإدخال الباء، و إذا غسل الحجر المستعمل بالماء أو أصابته نجاسة مائعة فجففته الشمس، قال في المبسوط: يجوز الاستجمار به، و هو حسن، و كذا لو كسر الحجر ثلاثا ثمَّ استعمل الطاهرين منه.

مسئلة: و يجوز ان يستعمل «الخرق» بدل الأحجار،

قال الشيخ (ره) في المبسوط: الاستنجاء بالجلود الطاهرة و كل جسم طاهر مزيل للنجاسة فإنه جائز.

و قال في الخلاف: يجوز الاستنجاء بالأحجار و غير الأحجار إذا كان منقيا غير مطعوم مثل الخشب و الخزف و المدر و غير ذلك. و استدل بإجماع الفرقة و رواية حريز عن زرارة قال: «يستنجى من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق» «3» و قال علم الهدى في المصباح: يجوز الاستنجاء بالأحجار و ما قام مقامها بالمدر و الخرق.

و قال داود لا يجوز بغير الأحجار لأنها رخصة فوجب الاقتصار على موضع الترخيص.

لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «و استطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب» «4» و ما رواه الأصحاب عن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 3 ص 246.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 6 ص 242.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 111.

131
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 132

عليه السّلام قلت: «للاستنجاء حد؟ قال لا، حتى ينقي ما ثمة» «1» و هو على إطلاقه. و روى زرارة قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كان الحسين عليه السّلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغتسل» «2».

فروع

الأول: لا يجزي «الزلج»

كالحديد الصقيل و الزجاج، لأنه لا يزيل العين.

الثاني: لا يجوز بالطعوم

كالخبز و الفاكهة لأن له حرمة تمنع من الاستهانة به و لان طعام الجن منهي عنه و طعام أهل الصلاح أولى بدلالة الفحوى.

الثالث: لا يجوز الاستنجاء بماله حرمة،

كورق المصحف و كتب الفقه و أحاديث النبي صلى اللّه عليه و آله لان فيه هتكا لحرمة الشرع.

الرابع: إذا استنجى بالخرقة الصفيقة التي لا تخرقها النجاسة،

فإن قلنا: الحجر الواحد ذو الشعب يجزي جاز استعمالها من الجانب الأخر، و ان لم نقل، أو كانت النجاسة تخرقها، لم يجز استعمالها، نعم لو كانت طويلة فاستعمل طرفها أمكن استعمال الأخر بعد قطعه على قولنا، و لا معه على القول الأخر.

مسئلة: و لا يستعمل «الروث» و لا «العظم» و لا «الحجر المستعمل»

أما العظم و الروث فعليه اتفاق الأصحاب خلافا لأبي حنيفة مطلقا، و قال مالك: يجوز بالطاهر دون النجس. لنا ما رووه من قوله عليه السّلام «لا تستنجوا بالعظم و لا بالروث فإنه زاد إخوانكم من الجن» «3» و روى دار قطني قال «نهى النبي صلى اللّه عليه و آله أن يستنجى بروث أو عظم» «4».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 6 ص 252.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 3 ص 252.

(3) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 95.

(4) روى بمضمونه في مسند أحمد بن حنبل ح 5 ص 438.

132
المعتبر في شرح المختصر1

فرع كل ما قلنا لا يجوز استعماله أما لحرمة أو لنجاسة، لو استعمله هل يطهر المحل؟ ؛ ج‌1، ص : 133

و روى الأصحاب عن ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم و البعر و العود؟ قال: أما العظام و الروث فطعام الجن، و ذلك مما اشترطوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قال لا يصلح شي‌ء من ذلك» «1» و أما الحجر المستعمل، فمرادنا بالمنع الاستنجاء بموضع النجاسة منه، و الا لنجس المحل بغير نجاسته المحققة، اما لو كسر و استعمل المحل الطاهر منه جاز، و كذا لو أزيلت النجاسة بغسل أو غيره، و في بعض أخبارنا عن أبي عبد اللّه «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء» «2» لكن الخبر مقطوع السند، و يحمل الاتباع بالماء على الفضيلة.

فرع كل ما قلنا لا يجوز استعماله أما لحرمة أو لنجاسة، لو استعمله هل يطهر المحل؟

الأشبه لا، لان المنع من استصحابه شرعي فيقف زوال ذلك على الشرع، و استدل الشيخ (ره) في المبسوط: بأنه استنجاء منهي عنه، و النهي يدل على فساد المنهي عنه.

مسئلة: يستحب «تغطية الرأس» عند دخول الخلاء و «التسمية»

و عليه اتفاق الأصحاب، روى علي بن أسباط مرسلا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه و يقول سرا في نفسه: بسم اللّه و باللّه» «3» لكن علي بن أسباط واقفي، و الحجة أنه يأمن مع تغطية رأسه من وصول الرائحة إلى دماغه، و ذكر المفيد (ره) في المقنعة: انها من سنن النبي صلى اللّه عليه و آله، و روى معاوية بن عمار، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّه اللهم إني أعوذ بك من الخبيث‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 1 ص 252.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 4 ص 246.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 3 ح 2 ص 214.

133
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يستحب«تغطية الرأس» عند دخول الخلاء و«التسمية» ؛ ج‌1، ص : 133

و روى الأصحاب عن ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم و البعر و العود؟ قال: أما العظام و الروث فطعام الجن، و ذلك مما اشترطوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قال لا يصلح شي‌ء من ذلك» «1» و أما الحجر المستعمل، فمرادنا بالمنع الاستنجاء بموضع النجاسة منه، و الا لنجس المحل بغير نجاسته المحققة، اما لو كسر و استعمل المحل الطاهر منه جاز، و كذا لو أزيلت النجاسة بغسل أو غيره، و في بعض أخبارنا عن أبي عبد اللّه «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء» «2» لكن الخبر مقطوع السند، و يحمل الاتباع بالماء على الفضيلة.

فرع كل ما قلنا لا يجوز استعماله أما لحرمة أو لنجاسة، لو استعمله هل يطهر المحل؟

الأشبه لا، لان المنع من استصحابه شرعي فيقف زوال ذلك على الشرع، و استدل الشيخ (ره) في المبسوط: بأنه استنجاء منهي عنه، و النهي يدل على فساد المنهي عنه.

مسئلة: يستحب «تغطية الرأس» عند دخول الخلاء و «التسمية»

و عليه اتفاق الأصحاب، روى علي بن أسباط مرسلا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه و يقول سرا في نفسه: بسم اللّه و باللّه» «3» لكن علي بن أسباط واقفي، و الحجة أنه يأمن مع تغطية رأسه من وصول الرائحة إلى دماغه، و ذكر المفيد (ره) في المقنعة: انها من سنن النبي صلى اللّه عليه و آله، و روى معاوية بن عمار، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّه اللهم إني أعوذ بك من الخبيث‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 1 ص 252.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 4 ص 246.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 3 ح 2 ص 214.

133
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يستحب«تغطية الرأس» عند دخول الخلاء و«التسمية» ؛ ج‌1، ص : 133

المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم، و إذ أخرجت فقل: بسم اللّه الحمد للّه الذي عافاني من الخبيث المخبث و أماط عني الأذى» «1».

و روي عن جعفر عليه السّلام، عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «إذا انكشف أحدكم ليبول أو غير ذلك فليقل: بسم اللّه فان الشيطان يغض بصره» «2» و لأن التسمية تعصيم من الشيطان و الكنيف من مواطنه، و تقديم الرجل اليسرى عند الدخول و اليمنى عند الخروج ليكون فرقا بين دخول المسجد و الخروج منه، و لم أجد بهذا حجة غير أن ما ذكره الشيخ و جماعة من الأصحاب حسن.

و «الاستبراء» و في كيفيته أقوال، قال المفيد في المقنعة: إذ أراد الاستبراء مسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرتين أو ثلاثا، ثمَّ يضع مسبحته تحت القضيب و إبهامه فوقها و يمرها عليه باعتماد قوي من أصله الى رأس الحشفة مرتين أو ثلاثا ليخرج ما فيه من بقية البول. و قال الشيخ (ره) في المبسوط:

و إذا أراد ذلك مسح من عند المقعدة إلى تحت الأنثيين ثلاثا، و مسح القضيب و نتره ثلاثا.

و قال علم الهدى (ره): يستحب عند البول نتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاث مرات، و كلام الشيخ أبلغ في الاستظهار، و روى حريز، عن ابن مسلم قال:

«قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل بال و لم يكن معه ماء، قال: يعصر ذكره من أصله إلى ذكره ثلاث عصرات و نتر ذكره. فان خرج بعد ذلك فليس من البول و لكنه من الحبائل» «3».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 1 ص 216.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 4 ص 217.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 11 ح 2 ص 225.

134
المعتبر في شرح المختصر1

فرع إذا استبرأ ثم تحدر منه«بلل» لم يجب منه الوضوء و كان طاهرا، ؛ ج‌1، ص : 135

فرع إذا استبرأ ثمَّ تحدر منه «بلل» لم يجب منه الوضوء و كان طاهرا،

لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام «فليس من البول و لكنه من الحبائل» «1» و هي عروق الطهر، و لان مع الاستظهار لا يبقى في المجرى بول، فيكون الأصل الطهارة، و لو لم يستبرأ و تطهر ثمَّ رأى بللا أعاد الوضوء، و لو كان صلى بتلك الطهارة لم يعد الصلاة لاستكمال شروطها المعتبرة، و يعيد الوضوء لتجدد الحدث و عليه غسل الموضع.

مسئلة: و «الدعاء» عند الدخول و عند النظر الى الماء و عند الاستنجاء و عند الفراغ.

أما الدعاء عند الدخول، فلرواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا دخلت الغائط فقل أعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» «2» و أما عند النظر، فلما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال لابن الحنيفة: «يا محمد ائتيني بماء أتوضأ للصلاة، فأكفى بيده اليسرى على اليمنى، فقال:

بسم اللّه و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا، ثمَّ استنجى و قال:

اللهم حصّن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمني على النار، ثمَّ تمضمض» «3».

و أما دعاء الفراغ، فروى معاوية بن عمار، قال: «إذا توضأت فقل: أشهد أن لا إله إلا اللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين و الحمد للّه رب العالمين» «4» و روى عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام «انه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد للّه الذي رزقني لذته و أبقى في جسدي قوته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 11 ح 2 ص 225.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 2 ص 216.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 16 ح 1 ص 282.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 26 ح 1 ص 298.

135
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«الدعاء» عند الدخول و عند النظر الى الماء و عند الاستنجاء و عند الفراغ ؛ ج‌1، ص : 135

فرع إذا استبرأ ثمَّ تحدر منه «بلل» لم يجب منه الوضوء و كان طاهرا،

لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام «فليس من البول و لكنه من الحبائل» «1» و هي عروق الطهر، و لان مع الاستظهار لا يبقى في المجرى بول، فيكون الأصل الطهارة، و لو لم يستبرأ و تطهر ثمَّ رأى بللا أعاد الوضوء، و لو كان صلى بتلك الطهارة لم يعد الصلاة لاستكمال شروطها المعتبرة، و يعيد الوضوء لتجدد الحدث و عليه غسل الموضع.

مسئلة: و «الدعاء» عند الدخول و عند النظر الى الماء و عند الاستنجاء و عند الفراغ.

أما الدعاء عند الدخول، فلرواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا دخلت الغائط فقل أعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» «2» و أما عند النظر، فلما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال لابن الحنيفة: «يا محمد ائتيني بماء أتوضأ للصلاة، فأكفى بيده اليسرى على اليمنى، فقال:

بسم اللّه و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا، ثمَّ استنجى و قال:

اللهم حصّن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمني على النار، ثمَّ تمضمض» «3».

و أما دعاء الفراغ، فروى معاوية بن عمار، قال: «إذا توضأت فقل: أشهد أن لا إله إلا اللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين و الحمد للّه رب العالمين» «4» و روى عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام «انه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد للّه الذي رزقني لذته و أبقى في جسدي قوته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 11 ح 2 ص 225.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 2 ص 216.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 16 ح 1 ص 282.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 26 ح 1 ص 298.

135
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الجمع بين الأحجار و الماء مستحب ؛ ج‌1، ص : 136

و اخرج عني أذاه يا لها نعمة ثلاثا» «1».

مسئلة: الجمع بين الأحجار و الماء مستحب

و ان تعدى الغائط و الاقتصار على الماء أفضل من الأحجار و ان لم يتعد، اما الأول فلأنه جمع بين مطهرين بتقدير ألا يتعدى، و إكمال في الاستظهار بتقدير التعدي، و يؤيده من الحديث ما روي مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء» «2» و أما الاقتصار على الماء مع عدم التعدي فلأنه أقوى المطهرين، لأنه يزيل العين و الأثر بخلاف الحجر، و قوله عليه السّلام «إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء» «3» و يفهم من فحوى الحديث اختصاص الماء بالأولوية، روى الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أراد أن يستنجي يبدأ بالمقعدة ثمَّ بالإحليل» «4».

مسئلة: و يكره الجلوس للحدث في الشوارع و المشارع و مواضع اللعن و تحت الأشجار المثمرة،

إلى آخر الباب. روى عاصم بن حميد، عن عبيد اللّه عليه السّلام «قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السّلام: أين يتوضأ الغرباء؟ قال يتقي شطوط الأنهار، و الطرق النافذة، و تحت الأشجار المثمرة، و مواضع اللعن» «5» و روي أن أبا حنيفة، سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام «أين يضع الغريب ببلدكم؟ قال: اجتنب أفنية المساجد، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و في‌ء النزال، و لا تستقبل القبلة ببول و لا غائط، و ارفع ثوبك، وضع حيث شئت» «6».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 3 ص 216.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 4 ص 246.

(3) روى بمضمونها روايات متعددة في السنن للبيهقي ج 1 ص 103 و 104.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 14 ح 1 ص 227.

(5) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 15 ح 1 ص 228.

(6) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 15 ح 2 ص 228.

136
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يكره الجلوس للحدث في الشوارع و المشارع و مواضع اللعن و تحت الأشجار المثمرة، ؛ ج‌1، ص : 136

و روى السكوني، عن جعفر، عن آبائه عليهم السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول» «1» و عن الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا يبولن أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به» «2» و روى ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أراد البول يعمد الى مكان مرتفع من الأرض أو الى مكان يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول» «3» و سئل الحسين بن علي عليهما السّلام «ما حد الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها» «4».

و روي في بعض الاخبار المرسلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام «انه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري الا من ضرورة و قال ان للماء أهلا» «5» و قد روى الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري و كره أن يبول في الماء الراكد» «6» و لا تنافي بين الروايتين لان الجواز لا ينافي الكراهية، و «السواك» يكره على الخلاء، قيل: لأنه يورث البخر.

و روى علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن