×
☰ فهرست و مشخصات
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة التحقيق ؛ ج‌1، ص : 3

الجزء الأوّل

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[مقدمة التحقيق]

«بشرى لرواد العلم و المعرفة»

يعتبر التراث الفكري الذي ترثه الشعوب من علمائها و مفكريها و المتقدمين بهم في ميادين الوعي و الثقافة من أغلى ما لديها رأس مال.

و الحديث الوارد فيما يرثه الأنبياء لأممهم:

«ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر».

يجد في الدرجة الثانية من دلالته مصداقا له في علماء الإسلام إذا ففي احياء آثارهم حياة الإسلام و المسلمين و امتداد لحياة القرآن و السنّة النبوية الشريفة و آثار الأئمة المعصومين عليهم السلام.

و من المؤسف جدا أن نرى بعض هذه الاثار القيمة قد انعدمت بمرور الزمان نتيجة غفلة بعض من ليس له إلمام بنتائجه و عواقبه الكئيبة، فلا يسعنا أن نفعل شيئا سوى أن نحمد اللّه على بقاء القسم الأعظم منها محفوظا و بعيدا عن الاضمحلال، و لكن لما لم تكن بعضها في متناول أيدي العلماء و المحققين أما لكونها بصورة‌

3
المعتبر في شرح المختصر1

«بشرى لرواد العلم و المعرفة» ؛ ج‌1، ص : 3

الجزء الأوّل

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[مقدمة التحقيق]

«بشرى لرواد العلم و المعرفة»

يعتبر التراث الفكري الذي ترثه الشعوب من علمائها و مفكريها و المتقدمين بهم في ميادين الوعي و الثقافة من أغلى ما لديها رأس مال.

و الحديث الوارد فيما يرثه الأنبياء لأممهم:

«ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر».

يجد في الدرجة الثانية من دلالته مصداقا له في علماء الإسلام إذا ففي احياء آثارهم حياة الإسلام و المسلمين و امتداد لحياة القرآن و السنّة النبوية الشريفة و آثار الأئمة المعصومين عليهم السلام.

و من المؤسف جدا أن نرى بعض هذه الاثار القيمة قد انعدمت بمرور الزمان نتيجة غفلة بعض من ليس له إلمام بنتائجه و عواقبه الكئيبة، فلا يسعنا أن نفعل شيئا سوى أن نحمد اللّه على بقاء القسم الأعظم منها محفوظا و بعيدا عن الاضمحلال، و لكن لما لم تكن بعضها في متناول أيدي العلماء و المحققين أما لكونها بصورة‌

3
المعتبر في شرح المختصر1

«بشرى لرواد العلم و المعرفة» ؛ ج‌1، ص : 3

مخطوطات تحتفظ بها المكتبات في مخازنها، أو ان طباعتها رديئة و مغلوطة، و لا يمكن أن يستفيد منها الا القليل، و قد قام «المركز العلمي لسيد الشهداء» الذي اهتم بتأسيسه جماعة من العلماء و أهل الخير بتركيز فعالياته على طبع المخطوطات أو تجديد طباعة المطبوع بصورة رديئة من التراث العلمي لابرز علماء الإسلام بصورة أنيقة بالاستفادة من النسخ المصححة و تحقيق عميق على منابع الأحاديث حتى يسهل لرواد العلم و الفضيلة الاستفادة منها.

و من الكتب التي جائت في طليعة هذه الجهود العلمية كتاب «المعتبر» للمحقق (نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن المحقق الحلي المتوفى 676 ه‍) صاحب كتاب شرائع الإسلام الذي يعتبر من أهم الكتب الفقهية اعتبارا لدى الشيعة الإمامية.

و يتضمن هذا السفر القيم بالإضافة إلى المباحث الفقهية الاستدلالية الهامّة الموافقة لمذهب أهل البيت عليهم السلام آراء و نظريات علماء أهل السنة و جاء بصورة «فقه مقارن موجز»، غني بمحتواه فنشكر الباري تعالى على هذا التوفيق و نأمل منه دوامه لإخراج الذخائر العلمية الأخرى.

و قد بذلنا ما في جهدنا في تصحيح الكتاب و مقابلتها بنسخ مصححة قوبلت مع نسخة المحقق نفسه أو غيره مما يعود تاريخه الى القرن العاشر أو القرن الثالث عشر تفضل بها غير واحد من اعلام العصر شكر اللّه فضلهم و زادهم خيرا.

و أرى من اللازم أن أشكر كلا من السادة الفضلاء الكرام الأمجاد‌

4
المعتبر في شرح المختصر1

«بشرى لرواد العلم و المعرفة» ؛ ج‌1، ص : 3

الشيخ محمد على الحيدرى و السيد مهدي شمس الدين و السيد أبو محمد المرتضوى و السيد على الموسوي الذين ساهموا في تحمل مشاق التحقيق من منابع هذا السفر القيم فزاد اللّه تأييداتهم و أجزل أجرهم و جزاهم عن الإسلام خير الجزاء.

كما و أشكر «الحاج محمد آقا كلاهي» دامت تأييداته لتقبله نفقات الطبع و النشر فزاده الباري توفيقا و كرامة.

ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالايمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا و الحمد للّه رب العالمين قم- الحوزة العلمية ناصر مكارم الشيرازي‌

5
المعتبر في شرح المختصر1

حياة المؤلف و آثاره ؛ ج‌1، ص : 7

بسمه تعالى‌

حياة المؤلف و آثاره

هذا السفر القيّم للمحقق الأول (ره) و هو أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي الهذلي و هو خال العلامة الحلي و ابن عم يحيى ابن أحمد بن سعيد الحلي صاحب كتاب الجامع و أستادهما و قد بالغ في اطرائه و الثناء عليه كل من تأخر عنه من العلماء و الفضلاء و أنت بعد الإحاطة بحالاته و مؤلفاته تجده جديرا بذاك حقا و ربما يكشف عن هذا الأمر ما ذكره مقدمة لهذا الكتاب الجليل فعليك بالدقة فيها و قد مدحه تلميذه شمس الدين في إشعاره بقوله:

يا جعفر بن سعيد يا امام هدى

و يا واحد الدهر يا من لا له ثاني

فأنت سيد أهل الفضل كلّهم

لم يختلف أبدا في فضلك اثنان

و قال تلميذه الأخر ابن داود، في وصفه، نجم الدين أبو القاسم المحقق المدقق الإمام العلامة واحد عصره كان ألسن أهل زمانه و أقومهم بالجمة و أسرعهم استحضارا قرأت عليه و رباني صغيرا و كان له عليّ إحسان عظيم و التفات و أجاز لي جميع ما صنّفه و قرأه و رواه و كل ما تصح روايته عنه.

و في إجازة الكبيرة للشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق الناضرة) الملقب‌

7
المعتبر في شرح المختصر1

حياة المؤلف و آثاره ؛ ج‌1، ص : 7

بالمحقق كان محقق الفضلاء و مدقق العلماء و حاله في الفضل و النبالة و العلم و الفقه و الجلالة و الفصاحة و الشعر و الأدب و الإنشاء أظهر من أن يذكر و أظهر من أن يسطر و كان أبوه الحسن من الفضلاء المذكورين وجده يحيى من العلماء الأجلاء المشهورين و ثمَّ قال، قال بعض الأجلاء الاعلام من متأخري المتأخرين رأيت بخط بعض الأفاضل ما صورة عبارته، في صبح يوم الخميس الثالث عشر ربيع الأخر سنة ست و سبعين و ستمائة (676) سقط الشيخ الفقيه أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلي (ره) من أعلى درجة في داره فخر ميتا لوقته من غير نطق و لا حركة فتفجع الناس لوفاته و اجتمع لجنازته خلق كثير و حمل الى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام و سئل عن مولده و قال اثنتين و ستمائة.

أقول و على ما ذكره هذا الفاضل يكون عمر المحقق المذكور أربعا و سبعين سنة تقريبا انتهى.

و قال في منتهى المقال (رجال بو علي) و ما نقله (ره) من حمله الى مشهد أمير المؤمنين عجيب فإن الشائع عند الخاص و العام ان قبره طاب ثراه بالحلة و هو مزار معروف و عليه قبّة و له خدام يخدمون قبره يتوارثون ذلك أبا عن جد و قد خربت عمارته منذ سنين فأمر الأستاد العلامة (السيد علي صاحب الرياض شرح النافع) بعض أهل الحلة فعمروها و قد تشرفت بزيارته قبل ذلك و بعده و اللّه العالم.

و قال المامقاني في تنقيح المقال، و أقول ان قبره في الحلة كما ذكره الا ان المطلع على سيرة القدماء يعلم انهم من باب التقية من العامة كانوا يدفنون الميت ببلد موته ثمَّ ينقلون جنازته خفية الى مشهد من المشاهد.

و قد دفنوا الشيخ المفيد (ره) في داره ببغداد ثمَّ حمل بعد سنين الى الكاظمية و دفن عند قولويه تحت رجل الجواد عليه السلام.

و دفنوا السيد الرضي و المرتضى و أباهما بالكاظميين ثمَّ نقلوهم خفية الى كربلاء‌

8
المعتبر في شرح المختصر1

مؤلفاته الثمينة: ؛ ج‌1، ص : 9

و دفنوهم بجنب قبر جدهم السيد إبراهيم الذي هو في رواق سيد الشهداء كما صرح بذلك العلامة الطباطبائي (ره) في رجاله و كذا صرح في حق المحقق على ما يبالي بنقل جنازته بعد حين الى النجف الأشرف.

و قبره هنا و ان كان غير معروف الا ان المنقول عن بحر العلوم انه كان يقف بين باب الرواق و بابى الحرم المطهر في وسط الرواق فسئل فقال اني أقرء الفاتحة للمحقق فإنه مدفون هنا أي في وسط الرواق بين الباب الاولى و بين الأسطوانة التي بين بابى الحضرة المقدسة و اللّه العالم.

أقول و فيما رثاه تلميذه الشيخ شمس الدين:

أقلقني الدهر و فرط الاسى

و زاد في قلبي لهب الضرام

لفقد بحر العلم و المرتضى في

القول و الفعل و فصل الخصام

أعني أبا القاسم شمس العلى

الماجد المقدام ليث الزحام

أزمة الدين بتدبيره

منظومة أحسن بذاك النظام

قد أوضح الدين بتصنيفه

من بعد ما كان شديد الظلام

لو لا الذي بيّن في كتبه

لأشرف الدين على الاصطلام

مؤلفاته الثمينة:

1- شرائع الإسلام مجلدان و هو من أحسن المتون الفقهية ترتيبا و جمعا للفروع و قد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلفه الى الان و لا يزال من الكتب الدراسية في العواصم الشيعية و قد ذكر صاحب الذريعة شارحيه فراجع.

2- النافع في مختصر الشرائع و هو من المتون المختصرة الحسنة الوضع و التبويب.

3- المعتبر و هو هذا الكتاب و لم يتم، قال (ره) في خطبة الكتاب، حتى‌

9
المعتبر في شرح المختصر1

الأكابر من تلامذته: ؛ ج‌1، ص : 10

اتفق لنا اختصار كتاب الشرائع بالمختصر النافع فدق كثير من معانيه لشدة اختصاره و اشتبهت مقاصده لبعد اغواره فحركني ذلك لشرح مشتمل على تحرير مسائله و تقرير دلائله إلخ.

4- كتاب المسائل الغرية مجلد.

5- كتاب المسائل المصرية مجلد.

6- كتاب المسلك في أصول الدين مجلد.

7- كتاب المعارج في أصول الفقه مجلد.

8- كتاب الكنة في المنطق مجلد.

9- رسالة ألّفها في استحباب التياسر و أرسلها إلى المحقق الطوسي نصير الدين لما جرى بينهما و أوردها الشيخ أحمد بن فهد بتمامها في المهذب.

10- كتاب نهج الوصول الى علم الأصول.

11- و قال تلميذه ابن داود و له كتب غير ذلك ليس هذا موضع إحصائها.

الأكابر من تلامذته:

كان له (ره) مجلس بحث و تحقيق و يحضره الأفاضل و طلاب العلم و الفقه و نقل ان المحقق الطوسي الخواجة نصير الدين حضر مجلس درسه فقطع الدرس تعظيما له و إجلالا لمنزلته فأشار إليه بإكمال الدرس فجرى البحث في مسئلة استحباب التياسر فقال المحقق الطوسي لا وجه لهذا الاستحباب لان التياسر ان كان من القبلة إلى غيرها فهو حرام و ان كان من غيرها إليها فواجب فقال المحقق بل منها إليها فسكت المحقق الطوسي ثمَّ ألّف المحقق في ذلك رسالة لطيفة و أرسلها إلى المحقق الطوسي فاستحسنها.

و إليك جملة من أعاظم تلامذته و مشاهيرهم‌

10
المعتبر في شرح المختصر1

جملة من أساتيده و من يروى عنهم: ؛ ج‌1، ص : 11

1- ابن أخته جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الشهير بالعلامة على الإطلاق.

2- و اخوه الشيخ رضي الدين علي بن يوسف صاحب العدد القوية.

3- و السيد عبد الكريم بن طاوس صاحب فرحة الغري.

4- الحسن بن ابي طالب اليوسفي المعروف ب‍ (فاضل الآبي)، و ابن الزينب صاحب كتاب كشف الرموز شرح النافع.

5- الشيخ صفي الدين الحلي، عبد العزيز بن السرايا، فاضل منتهى أديب من شعراء الغدير.

6- الوزير شرف الدين أبو القاسم علي بن الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي.

7- و الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد و له قصيدة في مرثية المحقق كما ذكرنا.

8- الشيخ المحدث الفقيه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي صاحب كتاب الدر النظيم في مناقب الأئمة عليهم السّلام.

جملة من أساتيده و من يروى عنهم:

1- والده الشيخ حسن كان فاضلا عظيم الشأن.

2- السيد الامام العالم النحرير المعظم محيي الملة و الدين أبو حامد نجم الإسلام محمد بن ابي القاسم عبد اللّه بن علي بن زهرة الحلبي صاحب كتاب الأربعين الذي ألفه في حقوق الاخوان و كانت امه بنت الفقيه محمد بن إدريس صاحب السرائر.

3- شيخ الفقهاء في عصره محمد بن جعفر بن ابي البقاء هبة اللّه بن نماء بن علي بن حمدون الحلي الربعي المعروف بابن نما على الإطلاق.

11
المعتبر في شرح المختصر1

جملة من أساتيده و من يروى عنهم: ؛ ج‌1، ص : 11

4- السيد السند النسابة العلامة شيخ الشرف شمس الدين أبو علي فخار بن معد الموسوي مؤلف كتاب الحجة على الذاهب الى تكفير ابي طالب.

5- السيد مجد الدين علي بن الحسن بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن عيسى بن علي العريضي صاحب المسائل عن أخيه الكاظم عليه السّلام و كان فاضلا جليلا.

6- الشيخ المتكلم الفقيه البارع سديد الدين سالم بن محفوظ صاحب المنهاج في الكلام.

7- الشيخ الصالح تاج الدين الحسن بن علي الدربي كان من أجله العلماء و قدوة الفقهاء.

محمد على الذاكر الشيرازي‌

12
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة الكتاب ؛ ج‌1، ص : 17

[مقدمة الكتاب]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ذي القوة الباهرة، و السطوة القاهرة، و النعمة الغامرة، و الرحمة الوافرة، المرتفع عن تمثيل الخواطر الخاطرة، و تحصيل النواظر الناظرة، المنعم بإرسال الرسل المتواترة لإرشاد الفطن الحائرة، و إخماد الفتن الثائرة، أحمده حمدا تقيل له المساعي البائرة، و تقل معه الدواعي الفاترة، و ترغم به الأنوف النافرة، و تحسم به الدوائر الدائرة، و أشهد أن لا إله إلا اللّه شهادة أستدفع بها الأهوال الفاقرة، و أسترفع بها الاعمال القاصرة، و صلى اللّه على صاحب الدعوة الطاهرة، و الملة السائرة، سيدنا «محمد» ذي الأعراف الفاخرة، و الأخلاق الطاهرة، و على ذريته الأنجم الزاهرة، و البحار الزاخرة، صلاة تخرق الحجب الساترة و تسبق الاعداد الحاصرة.

و بعد: فان القواعد العقلية، و الشواهد النقلية، قاضية بأن أتم الأسباب معتصما، و أهمها متمسكا و ملتزما، استعمال قوتي النظر و العمل، هذه لتحصيل سعادة المعاد، و تلك لتحصين العقائد من تطرق وجوه الفساد.

و لما لم يكن كل عمل موصلا و لا كل نظر محصلا افتقر الإنسان إلى مرشد ليسلك بتوفيقه جادة الصواب، و يأمن بتثقيفه الوقوع في مادة الاضطراب، فأوجبت الحكمة نصب نبي يتلقى الآداب الشرعية عن وحي الهي، ثمَّ يؤيد بالعجز الحق‌

17
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة الكتاب ؛ ج‌1، ص : 17

الدال على الصدق، فيتلقى بالقبول أو أمره و نواهيه، و يذعن بالتسليم لما يسنه و يقرره.

و لما قضت الحكمة بالعدم، و أوجبت فناء الأمم، لزم أن يوعز ما لقن من أحكامه، و لقن أقسامه إلى أئمة ينوبون منابه و يقومون مقامه، يحفظون ما أودعه و يؤدون ما شرعه، لا تعلق بهم عوارض الالتباس و لا يسندون الى استحسان و لا قياس ليوثق بما يؤخذ عنهم كما قال اللّه سبحانه لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ «1».

و لما كانت الحوادث قد تفرض و الموانع قد تعرض، ندب اللّه سبحانه الى التفقه، فق لتنبه الغافلون و يهتم المهملون فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «2» و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «طلب العلم فريضة» «3» و قال علي عليه السّلام: «العلم مخزون عند أهله و قد أمرتم بطلبه منهم» «4» و قال جعفر بن محمد «لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه و لو بسفك المهج و خوض اللجج» «5» لكن لم يبذل لكل طالب و لا تيسر لكل راغب بل خص به من رشدت خلائقه، و حمدت طرائقه تعظيما لقدره، و تفخيما لأمره، و صونا لسره، فقال سبحانه: تنبيها و تذكيرا يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشٰاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «6» فلهذا كان الفقهاء أعظم الناس أقدارا، و أكرمهم آثارا، و أظهرهم اسرارا، و أظهرهم ذكرا و انتشارا، و أكثرهم أتباعا و أنصارا، لا يضرهم خذلان الخاذلين، و لا يغض منهم أغراض الجاهلين، بل صحبتهم طاعة، و فرقتهم إضاعة.

______________________________
(1) النساء: 83.

(2) التوبة: 122.

(3) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 36.

(4) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 35.

(5) بحار الأنوار ج 1 ص 177 طبع حديث.

(6) البقرة: 269.

18
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة الكتاب ؛ ج‌1، ص : 17

قال أمير المؤمنين عليه السّلام لولده محمد رضي اللّه عنه: «تفقه في الدين، فان الفقهاء ورثة الأنبياء» «1» و ان طالب العلم ليستغفر له من في السموات و من في الأرض، حتى الطير في جو السماء، و الحوت في البحر، و ان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به و قال الصادق عليه السّلام: «الأنبياء حصون، و العلماء سادة» «2» و قد خص اللّه طائفتنا باقتفاء الصدق، و اتباع الحق، لتلقي الاحكام عن رؤساء أهل البيت، فهم معتمدون على التحقيق، مستندون الى الذكر الوثيق، لا يلوون على قائل بظنه، شارع برأيه، يقول على اللّه ما لا يعلم، و يفتي بالوهم، و ساء ما يتوهم، و لما تعددت التبع، و ظهرت البدع، و أقام كل فريق رأسا، يقتدون ببدعته، و يتعبدون بشرعته، وجب أن ينشر أهل الحق ما علموه، و يظهروا ما كتموه، قال النبي صلى اللّه عليه و آله: «إذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه» «3».

و لما كانت الكتابة مناط الفهم، و رباط العلم، و صراط العصمة من الوهم، كما قال جعفر بن محمد: «اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا» «4» و قال للمفضل:

«اكتب، و بث كتبك في إخوانك، فإنه يأتي على الناس زمان، لا يأنسون الا بالكتب» «5» أحببت أن أكتب دستورا يجمع أصول المسائل و أوائل الدلائل أذكر فيه خلاف الأعيان من فقهائنا، و معتمد الفضلاء من علمائنا، و ألحق بكل مسئلة من الفروع ما يمكن إثباته بالحجة، و سياقته الى المحجة، فقطعت الحوادث عن ذلك القصد، و منعت الكوارب ورود ذلك الورد، حتى اتفق لنا إحضار كتاب الشرائع بالمختصر‌

______________________________
(1) بحار الأنوار ج 1 ص 216 طبع حديث.

(2) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 39 ح 5 (مع تفاوت يسير).

(3) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 70.

(4) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 66 ح 9.

(5) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 67 ح 11 (مع تفاوت).

19
المعتبر في شرح المختصر1

مقدمة الكتاب ؛ ج‌1، ص : 17

النافع، فدق كثير من معانيه لشدة اختصاره، و اشتبهت مقاصده لبعد أغواره، فحركني ذلك لشرح مشتمل على تحرير مسائله و تقرير دلائله.

هذا و الموانع حاجزة، و الأسباب عاجزة، حتى ورد أمر الصاحب الأعظم، ولي النعم، غياث الأمم، سلطان صدور العرب و العجم، العالم العادل، المخصوص بمزايل الفضائل و الفواضل، مقرر قواعد الايمان بسيرته العادلة، و مدمر دعائم الطغيان بسطوته الهائلة، جابر العباد، و قاهر العناد، بهاء الملة و الدين، عماد الإسلام و المسلمين «محمد ابن المولى» صاحب ديوان الممالك، باسط العدل في الأقطار و الممالك، شمس الملة و الدين، ناصر الإسلام و المسلمين، كاسر الملحدين و المشركين، و الحسب السني «محمد بن محمد الجويني» أعز اللّه نصرهما، و أنفذ في الافاق أمرهما، و لا زال أمر الدين بميامن دولتهما منتظما، و شمله بمحاسن ايالتهما ملتئما، ان أمضى على ذلك شارحا مسائله، موضحا مشكلة، كاشفا وجوهه و علله، فقويت العزيمة بعد فتورها، و ثابت الهمة بعد نفورها، امتثالا لأوامره العالية، و اتباعا لمراسمه السامية، و جعلته مشتملا على أصول المسائل و فروعها، محتويا على تقسيمها و تنويعها، و خدمت بها الخزانة المعظمة البهائية، عمّر اللّه معاهد الإسلام بعمارة معاهدها، و مهد قواعده بتمهيد قواعدها، و لا زالت محروسة الجوانب، محفوظة من الغوائل و النوائب، ليكون لمالكها أجر الانتفاع به، و يستمر شكر المتشاغلين بسببه على توالي الاحقاب و تعاقب الأعقاب، و يكون مذكرا لي عند وصوله الى مقامه المنيف، و تشريفه بنظره الشريف، و أنا أسأل اللّه تعالى الأمداد بإعانته و الإسعاد على طاعته و الإرشاد في بدو الأمر و خاتمته، و قبل الشروع أقدم مقدمة يشتمل فصولا‌

20
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الأول‌[في وصايا نافعة] ؛ ج‌1، ص : 21

الفصل الأول [في وصايا نافعة]

ليكن تعلمك للنجاة، لتسلم من الرياء و المراء و بحثك لاصابة الحق، لتخلص عن قواطع الأهوية و مئالف النشاء، و أكثر التطلع على الأقوال لتظفر بمزايا الاحتمال، و استنقض البحث عن مستند المسائل لتكون على بصيرة فيما تتخيره، و عليك بالحفظ فإنه أربط للعلم، و أضبط للفهم، و دوام البحث يعطك استعدادا لتلقي النتائج النظرية بالفعل، و اختر المباحث الصالح لتستفيد من خلقه ما يصير لك سجية.

ثمَّ أوصيك إياك «و الحشوية» من المتفقهة و المقلدة منهم، فربما خادعوك ليجذبوك الى جهالتهم، و انما يريدون جبر مقالتهم و ستر ضلالتهم، و لا يغررك لو قال الحق لائح، فلا ارتياب و الطريق واضح فقيم الإسهاب فإنه لا يصعب أن تجيبه بأن كل ممكن أن يعلم يصلح أن يوصف بالوضوح و ان دق طريقه و شق تحقيقه، و ليس إطلاق الوضوح عليه موجبا بالفعل، فأنت إذا اعتبرت خلاف الفضلاء في المسائل الفقهية، ذلك على صعوبة الظفر الا بعد بحث و نظر، فيتحقق انه دلّس في عبارته، و لبّس في إشارته زيادة تحقيق: ان في الناس المستعبد نفسه لشهوته، المستغرق وقته في أهويته مع إيثاره الاشتهار بآثار الأبرار، و اختياره الاتسام، بسير الأخيار.

اما لان ذلك في جبلته، أو لأنه وسيلة إلى حطام عاجلته، فيثمر هذان الخلقان نفاقا غريزيا و حرصا على الرئاسة الدينية طبيعيا، فاذا ظهرت لغيره فضيلة عليه خشي غلبة المزاحم، و منافسة المقاوم، ثمَّ يمنعه نفاقه من المكافحة، فيرسل القدح في ذي المناصحة، و يقول لو قال كذا، لكان أقوم، لو لم يقل كذا، لكان أسلم، موهما انه أوضح كلاما و أرجح مقاما، فاذا ظفرت بمثله، فليشغلك الاستعاذة باللّه من بليته عن الاشتغال بإجابته، فإنه شر الرجال، و أضر على الأمة من الدجّال، كأني بكثير ممن ينتحل‌

21
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

هذا الفن يقف على شي‌ء من مقاصد هذا الكتاب فيستشكله، و يحمل فكره فيه فلا يحصله، فعزله بذهنه الجامد على التأويل المفاسد، و يدعو الى متابعته لظنه الإصابة، فهو كما قيل أساء سمعا فأساء اجابة فعليك بإمعان النظر فيما يقال، مستفرغا وسعك في درء الاحتمال، فاذا تعين لك الوجه فهناك فقل، و الا فاعتصم بالتوقف، فإنه ساحل الهلكة.

تتمة: أنك في حال فتواك مخبر عن ربك و ناطق بلسان شرعه، فما أسعدك إن أخذت بالجزم، و ما أخيك إن بنيت على الوهم، فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى:

وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ «1» و انظر الى قوله تعالى قُلْ أَ رَأَيْتُمْ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرٰاماً وَ حَلٰالًا قُلْ آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ «2» و تفطّن كيف قسم مستند الحكم الى القسمين، فما لم يتحقق الإذن، فأنت مفتر.

الفصل الثاني [في أن مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) متعين الاتباع]

يدل على ذلك: النقل، و العقل. اما النقل: فمنه قوله تعالى إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «3» و قد روى أبو سعيد الخدري، و شهر بن حوشب، عن أم سلمة، انها قالت: «نزلت في بيتي و فيه علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، عليهم السّلام فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عباءه فجلّلهم بها، ثمَّ قال: هؤلاء، أهل بيتي، أذهب اللّه عنهم الرجس، و طهرهم تطهيرا، فقلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله‌

______________________________
(1) الأعراف: 33.

(2) يونس: 59.

(3) الأحزاب: 33.

22
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

أ لست من أهل البيت؟ فقال: انك على خير» «1».

و عن ابن عباس: «انها نزلت في علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السّلام» «2» لا يقال: المراد بها النساء، لان صدر الآية، و عجزها، دال عليهن. لأنا نقول: لا يلزم من ذلك، ارادة النساء، لأن الكناية صريحة في التذكير، و ليس يبعد أن يخرج من معناه الى غيره، ثمَّ يعود اليه، كما قال ابن عباس: نزل القرآن بإياك أعني و اسمعي يا جارة، و مع انتفاء الرجس، يكون ما أفتوا به حقا، لان الرجس يقع على كل ما يكره.

و منه قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين، و ان أئمتكم وقودكم الى اللّه عز و جل فانظروا من توقدون في دينكم» «3».

و قوله صلى اللّه عليه و آله: «مثل أهل بيتي، كمثل نجوم السماء، فهم أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاذا ذهبت النجوم، طويت السماء، و إذا ذهب أهل بيتي، خربت الأرض، و هلك العباد» «4» و قوله صلى اللّه عليه و آله: «اني تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي، و انهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض» «5».

______________________________
(1) إحقاق الحق ج 2 ص 514، نقله من ذخائر العقبى لحافظ الفقيه محب الدين أحمد بن عبد اللّه طبرى. و ص 521.

(2) إحقاق الحق ج 14 ص 53، نقله من تنزيل الايات للحافظ الحسين بن الحكم الحبري.

(3) رواه إثبات الهداة للحر العاملي ج 1 من ذخائر العقبى (ص 17 ط قاهرة) مع تفاوت يسير.

(4) إحقاق الحق ج 9 ص 302، نقله من كتب أهل السنة في عبارات مختلفة.

(5) راجع الى كتاب إحقاق الحق ص 309 الى 375.

23
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

و قوله: «يا علي الإمامة فيكم، و الهداية منكم» «1» و قوله صلى اللّه عليه و آله: «من أهل بيتي اثنى عشر نقيبا نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم، القائم بالحق عليه السّلام» «2» و قوله صلى اللّه عليه و آله: «ان اللّه تعالى اختار من الأيام يوم الجمعة، و من الشهور شهر رمضان، و من الليالي ليلة القدر، و اختار من الناس الأنبياء، و اختار من الأنبياء الرسل، و اختارني من الرسل، و اختار مني عليا، و اختار من علي الحسن، و الحسين، و اختار من الحسين الأوصياء، و هم تسعة من ولده، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين» «3».

و روى سليم بن قيس قال: «سمعت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، يقول:

كنا عند معاوية، و الحسن، و الحسين، و ابن عباس، و عمر بن أبي سلمة، و أسامة ابن زيد، فذكر كل منهم ما جرى بينهم و بينه، و انه قال لمعاوية: اني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فاذا استشهد فابنة الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فاذا استشهد فعلي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و ستدركه يا علي، ثمَّ ابني محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و ستدركه يا حسين، ثمَّ تكملة اثنى عشر إماما، تسعة من ولد الحسين» قال عبد اللّه ابن جعفر: «فاستشهدت الحسن، و الحسين، و عبد اللّه بن العباس، و عمر بن أبي سلمة، و أسامة بن زيد، فشهدوا بذلك» «4» و وراء هذه الاخبار أضعافها، دالة على اختصاص أهل البيت بالمزية الموجبة للاتباع.

______________________________
(1) لم توجد.

(2) لم توجد.

(3) لم توجد.

(4) كتاب سليم بن قيس الهلالي ج 3 ص 36.

24
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

لا يقال: هذه الاخبار آحاد و هي لا توجب العلم، و لو سلمت لكان أهل البيت إشارة الى أهل العباء، دون الباقين ممن تعتمدون قوله، لأنا نجيب عن الأول بأنها و ان كانت آحادا، لكنها إذا انضمت الى ما نقله الإمامية في هذا المعنى بلغ اليقين، و الا فأي عاقل يجوز أن يجتمع هذا الجم الغفير على اختلاف مثل هذه الاخبار و أضعافها مما يملأ الصحف، هذا، مما لا يظنه محصل.

و لو سلمنا انها آحاد، لكن الناس بين امامي، و مخالف له، و كل مخالف فإنما يعتمد على فتوى قايس عامل بأخبار الاحاد، مثبت بها الأحكام الشرعية، و قد أجمع الناس الا من لا عبرة به أن الخبر أرجح من القياس في العمل، فحينئذ يجب اعتماد فتوى هؤلاء السادة، لأن الأخبار الدالة على وجوب متابعتهم أقوى من الاخبار التي يبنى عليها علماء الجمهور مذاهبهم. و اما قوله: ان أهل البيت هم أهل العباء خاصة دون من بعدهم، فيضعف بقوله عليه السّلام «فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» «1».

و لو قيل: فلم لا يكون الأئمة المشار إليهم من أهل البيت غير من استندتم الى فتواه، قلنا: يشهد لمن استندنا إليه اتساع فتواه، و وجود ما يلتمسه المستفتون عنده دون كل من تعرض لذلك من الذرية، يعلم ذلك اضطرارا عند الوقوف على سيرهم.

و اما العقل: فوجوه:

الوجه الأول: ما انتشر عنهم من العلوم الفقهية، و الأصولية، و التفسيرية، منضما الى غيرها من العلوم، كالنجوم، و الطب، فان عليا عليه السّلام استند اليه كل فاضل، و افتقرت اليه الصحابة في الحوادث، و لم يفتقر الى أحد، و كذا كل واحد من الأئمة حتى ان محمد بن علي عليه السّلام لاتساع علمه و انتشاره سمّي باقر العلم، و لم ينكر‌

______________________________
(1) راجع الى كتاب إحقاق الحق ص 309 الى 375.

25
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

تسميته منكر، بل انهم شهدوا انه وقع موقعه و حل محله، و كذا الحال في جعفر بن محمد عليه السّلام، فإنه انتشر عنه من العلوم الجمّة ما بهر به العقول، حتى غلا فيه جماعة و أخرجوه إلى حد الإلهية.

و روى عنه من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل، و برز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جم غفير كزرارة بن أعين، و أخويه: بكير، و حمران، و جميل بن دراج، و محمد بن مسلم، و بريد بن معاوية، و الهشامين، و أبي بصير، و عبيد اللّه، و محمد و عمران الحلبيين، و عبد اللّه بن سنان، و أبي الصباح الكناني، و غيرهم من أعيان الفضلاء كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف سموها «أصولا» و كذا كل واحد منهم صلوات اللّه عليهم لم يسئل أحد منهم فتردد و لا تلعثم، و لا استشكل سؤالا و لا عول في جواب على مساعد و لا مباحث، مع انهم لم يشاهدوا مختلفين الى معلم و لا ادعى ذلك عليهم مدع من أوليائهم و لا أعدائهم، بل كل منهم يسند عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و هذا من أقوى الحجج على اختصاصهم بالمزية القضائية بأنها خاصة من اللّه و معجزة امتازوا بها عن الخلق.

الوجه الثاني: ما ظهر عنهم من المعجزات التي ملأ بها المحدثون الكتب من الاخبار بالمغيبات، و الطبع في الحصى و غيره، و ذكر ذلك مفصلا يفتقر الى كتاب مفرد، فمن أراده فليراجع الكتب المختصة به.

الوجه الثالث: اتفاق الناس بأجمعهم على طهارة أئمتنا عليهم السّلام، و شرف أصولهم، و ظهور عدالتهم، و براءتهم ما يشين منهم نسبا أو حسبا أو خلقا، و قصور الألسنة عن القدح فيهم مع اعراض ولاة أزمنتهم عنهم، و إيثارهم الغض منهم، و التعريض للوقيعة فيهم بالصلاة الوافرة، فلو لا انهم من صفات الكمال الى حد يقصر عنه الألسن عن القدح فيهم و يتحقق كذب الطاعن عليهم لما استمر لهم ذلك. ثمَّ هم مع هذه الأخلاق الطاهرة، و العدالة الظاهرة، يصوبون الإمامية في الأخذ عنهم و العمل‌

26
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني‌[في أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) متعين الاتباع‌] ؛ ج‌1، ص : 22

بفتويهم، و يعيبون على غيرهم ممن أفتى باجتهاده و قال برأيه، و يمنعون من يأخذ عنه و يستخفون رأيه و ينسبونه الى الضلال، يعلم ذلك منهم علما ضروريا صادرا عن النقل المتواتر، فلو كان يسوغ لغيرهم ما ساغ لهم لما عابوا، لمكان ما استسلف من اتفاق المسلمين على عدالتهم و صلاحهم، و لان الاتفاق على عدالتهم و الشك في عدالة من سواهم من فقهاء العامة يوجب العمل بقولهم صلوات اللّه عليهم، و يمنع من العمل بفتوى غيرهم من أرباب الاجتهادات. و هذه الطرق التي ذكرناها انما هي على تقديران نعرض عند الاستدلال بما خصهم اللّه به من وجوب الطاعة، و اختارهم له من الإمامة، و ميزهم به من العصمة التي أوضحنا طرقها في الكتب الكلامية، و حققها علماؤنا و بتقدير أن نسلك تلك الطرق فإن نستغني عن جميع ما أوردناه.

و قد قال بعض من لا معرفة له: ان الجواد صلوات اللّه عليه تلمذ لابن أكثم، و هو جهل بمنزلة الجواد صلوات اللّه عليه و قلة اطلاع على ما ورد عنه من العلم الجم، و ما اشتهر من أجوبته عن مسائل الإمامية بما يدل على الاعجاز، و قد كان من تلامذته و أشياعه القائلين بإمامته من لا يرتضي أن يكون ابن أكثم تلميذا له، كالحسين بن سعيد، و أخيه الحسن، و محمد بن أبي نصير البزنطي، و أحمد بن محمد بن خالد البرقي، و شاذان بن الفضل القمي، و أيوب بن نوح بن دراج، و أحمد ابن محمد بن عيسى و غيرهم ممن يطول تعدادهم، و كتبهم الان منقولة بين الأصحاب دالة على العلم الغزير، فهل يستجيز ذو تحصيل أن يعتقد في هؤلاء الفضلاء اتخاذهم تلميذا لابن أكثم اماما يعتقدون عصمته، و فرض طاعته، هذا ما لا يعتقده ذو بصيرة.

27
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثالث‌[في مستند الاحكام‌] ؛ ج‌1، ص : 28

الفصل الثالث [في مستند الاحكام]

و هي عندنا خمسة: الكتاب، و السنة، و الإجماع، و دليل العقل، و الاستصحاب.

أما الكتاب:

فأدلته القسمان: النص، و الظاهر، و «النص» ما دل على المراد منه من غير احتمال، و في مقابلة «المجمل» و قد يتفق اللفظ الواحد أن يكون نصا مجملا باعتبارين، فان قوله تعالى يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ «1» نص باعتبار الاعتداد، مجمل باعتبار ما يعتد به. و اما «الظاهر» فهو اللفظ الدال على أحد محتملاته دلالة راجحة، و لا ينتفي معها الاحتمال، و في مقابلته «المأول» و الظاهر أنواع: أحدها: ما كان راجحا بحسب العرف كدلالة الغائط على الفضلة. الثاني:

ما كان راجحا بحسب الشرع، كدلالة لفظ الصوم على الإمساك عن المفطرات، و هذان و ان كانا نصين باعتبار الشرع و العرف، الا ان احتمال ارادة الوضع لم تنتف انتفاء يقينيا. الثالث: «المطلق» و هو اللفظ الدال على الماهية، فهو في دلالته على تعلق الحكم بها لا بقيد منضم دلالة ظاهرة. الرابع: «العام» و هو الدال على اثنين فصاعدا من غير حصر، فإنه في دلالته على استيعاب الأشخاص ظاهر لا قاطع، اما «المأول» فهو اللفظ الذي يراد به المعنى المرجوح من محتملاته، كقوله تعالى:

وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ «2».

و أما السنة: فثلاثة:

قول، و فعل، و إقرار. أما القول: ففيه الأقسام المتقدمة و أما الأفعال: فإن وقع بيانا تبع المبين في وجوبه و ندبه و اباحته، و ان فعله ابتداء فلا حجة فيه الا أن يعلم الوجه الذي وقع عليه فتجب المتابعة. و اما ما أقره النبي‌

______________________________
(1) البقرة: 228.

(2) الرحمن: 27.

28
المعتبر في شرح المختصر1

و أما السنة: فثلاثة: ؛ ج‌1، ص : 28

صلى اللّه عليه و آله فإنه يدل على الجواز، لأنه صلى اللّه عليه و آله لا يقرر منكرا، سواء فعل بحضرته أو لا بحضرته مما يعلم انه صلى اللّه عليه و آله علمه و لم ينكره، و اما ما يندر فلا حجة فيه، كما روي أن بعض الصحابة قال: كنا نجامع و نكسل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فلا نغتسل، لجواز أن يخفى فعل ذلك على النبي صلى اللّه عليه و آله فلا يكون سكوته عنه دليلا على جوازه لائق قول الصحابي: (كنا نفعل) دليل على عمل الصحابة أو أكثرهم، فلا يخفى ذلك عن الرسول، لأنا نمنع عن نفسه أو عن جماعة يمكن أن يخفى حالهم على النبي صلى اللّه عليه و آله.

ثمَّ السنة اما متواترة، و هي ما حصل معها العلم القطعي باستحالة التواطؤ و خبر واحد: و هو ما لم يبلغ ذلك، مسندا كان و هو ما اتصل المخبرون به الى المخبر، أو مرسلا، و هو ما لم يتصل سنده. فالمتواتر حجة لإفادته اليقين، و كذا ما أجمع على العمل به، و ما أجمع الأصحاب على اطراحه فلا حجة فيه.

مسئلة: أفرط «الحشوية» في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر، و ما فطنوا ما تحته من التناقض، فان من جملة الأخبار قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «ستكثر بعدي القالة علي» «1» و قول الصادق عليه السّلام: «ان لكل رجل منا رجل يكذب عليه» «2».

و اقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال: كل سليم السند يعمل به، و ما علم ان الكاذب قد يلصق، و الفاسق قد يصدق، و لم يتنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة و قدح في المذهب، إذ لا مصنف الا و هو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر الواحد المعدل. و أفرط آخرون في طرف رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا و نقلا، و اقتصر آخرون فلم يروا العقل مانعا، لكن الشرع لم يأذن في العمل به، و كل هذه الأقوال منحرفة عن السنن، و التوسط أصوب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به، و ما أعرض الأصحاب عنه أو شذ، يجب اطراحه لوجوه:

______________________________
(1) لم يوجد.

(2) لم يوجد.

29
المعتبر في شرح المختصر1

و أما السنة: فثلاثة: ؛ ج‌1، ص : 28

أحدها- ان مع خلوه من المزية يكون جواز صدقه مساويا لجواز كذبه فلا يثبت الشرع بما يحتمل الكذب.

الثاني- اما أن يفيد الظن أو لا يفيد، و على التقديرين لا يعمل به، اما بتقدير عدم الإفادة فمتفق عليه، اما بتقدير افادة الظن فمن وجوه: أحدها- قوله تعالى:

وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ «1». الثاني- قوله تعالى وَ إِنَّ الظَّنَّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً «2». الثالث- قوله تعالى وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ «3».

الثالث- انه ان خص دليلا عاما كان عدولا عن متيقن الى مظنون، و ان نقل عن حكم الأصل كان عسرا و ضررا و هو منفي بالدليل، و لو قيل: هو مفيد للظن فيعمل به تفصيا من الضرر المظنون. منعنا افادته الظن، لقوله صلى اللّه عليه و آله: «ستكثر بعدي القالة علي فاذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب اللّه العزيز فان وافقه فاعملوا به، و الا فردوه» و خبره مصداق فلا خبر من هذا القبيل الا و يحتمل أن يكون من القبيل المكذوب. لا يقال: هذا خبر واحد. لأنا نقول: إذا كان الخبر حجة فهذا أحد الاخبار، و ان لم يكن حجة فقد بطل الجميع. و لا يقال: الإمامية عاملة بالأخبار و عملها حجة. لأنا نمنع ذلك، فإن أكثرهم يرد الخبر بأنه واحد و بأنه شاذ، فلو لا استنادهم مع الاخبار الى وجه يقتضي العمل بها لكان عملهم اقتراحا، و هذا لا يظن بالفرقة الناجية، و اما انه مع عدم الظفر بالطاعن و المخالف لمضمونه يعمل به، فلأن مع عدم الوقوف على الطاعن و المخالف له يتيقن انه حق، لاستحالة تمالي الأصحاب على القول الباطل و خفاء الحق بينهم، و اما مع القرائن فلأنها حجة بانفرادها فتكون دالة على صدق مضمون الحديث و يراد بالاحتجاج به التأكيد‌

______________________________
(1) الاسراء: 36.

(2) يونس: 36.

(3) البقرة: 169.

30
المعتبر في شرح المختصر1

و اما الإجماع: ؛ ج‌1، ص : 31

و لا يقال: لو لم يكن خبر الواحد حجة لما نقل. لأنا ننقض ذلك بنقل خبر من عرف فسقه و كفره و من قذف بوضع الاخبار و رمي بالغلو، و بالأخبار التي استدلوا بها في بحوث العلمية كالتوحيد و العدل، و الجواب في الكل واحد.

و اما الإجماع:

فعندنا هو حجة بانضمام «المعصوم» فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة، و لو حصل في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله عليه السّلام: فلا تغتر إذا بمن يتحكم فيدعي الإجماع باتفاق الخمسة و العشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين الا مع العلم القطعي بدخول الإمام في الجملة، و لنفرض صورا ثلاثة: احديها- أن يفتي جماعة ثمَّ لا يعلم من الباقين مخالفا فالوجه انه ليس حجة لأنا كما لا نعلم مخالفا لا نعلم ان لا مخالف، و مع الجواز لا يتحقق دخول «المعصوم» في المفتين. الثانية- أن يختلف الأصحاب على قولين، ففي جواز احداث قول ثالث تردد، لصحة انه لا يجوز بشرط أن يعلم أن لا قائل منهم إلا بأحدهما. الثالثة- أن يفترقوا فرقتين و يعلم ان الامام ليس في إحداهما و يجهل الأخرى، فتعين الحق مع المجهولة، و هذه الفروض تعقل لكن قل ان تنفق.

و اما دليل العقل:

فقسمان: أحدهما ما يتوقف فيه على الخطاب و هو ثلاثة:

الأول لحن الخطاب كقوله «اضْرِبْ بِعَصٰاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ» «1» أراد فضرب الثاني فحوى الخطاب: و هو ما دل عليه التنبيه كقوله تعالى فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ «2».

الثالث دليل الخطاب: و هو تعليق الحكم على أحد وصفي الحقيقة كقوله: «في سائمة الغنم الزكاة» «3» فالشيخ يقول: هو حجة و علم الهدى ينكره و هو الحق.

______________________________
(1) البقرة: 60.

(2) الاسراء: 23.

(3) لم يوجد حديث بهذه العبارة و لعله اصطياد من عدة من الروايات التي نقلت بهذا المضمون.

31
المعتبر في شرح المختصر1

و أما الاستصحاب: ؛ ج‌1، ص : 32

اما تعليق الحكم على الشرط كقوله: «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و كقوله وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «2» فهو حجة تحقيقا لمعنى الشرط، و لا كذا لو علّقه على الاسم كقوله: اضرب زيدا خلافا للدقاق، و القسم الثاني ما ينفرد العقل بالدلالة عليه، و هو اما وجوب، كرد الوديعة، أو قبح، كالظلم و الكذب، أو حسن، كالانصاف و الصدق، ثمَّ كل واحد من هذه كما يكون ضروريا فقد يكون كسبيا كرد الوديعة مع الضرورة، و قبح الكذب مع النفع.

و أما الاستصحاب:

فأقسامه ثلاثة: استصحاب حال العقل و هو التمسك بالبراءة الاصيلة كما تقول: ليس الوتر واجبا لأن الأصل برأيه العهدة، و منه أن يختلف الفقهاء في حكم بالأقل و الأكثر فتقتصر على الأقل، كما يقول: بعض الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها، و يقول الأخر ربع قيمتها، فيقول المستدل ثبت الربع إجماعا، فينتفي الزائد نظرا الى البراءة الأصلية. الثاني أن يقال: عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه، و هذا يصح فيما يعلم انه لو كان هناك دليل لظفر به، اما لا مع ذلك فإنه يجب التوقف، و لا يكون ذلك الاستدلال حجة، و منه القول بالإباحة لعدم دليل الوجوب و الخطر.

الثالث: استصحاب حال الشرع كالمتيمم يجد الماء في أثناء الصلاة، فيقول المستدل على الاستمرار صلاة مشروعة قبل وجود الماء فيكون كذلك بعده، و ليس هذا حجة لأن شرعيتها بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه، ثمَّ مثل هذا لا يسلم عن المعارضة بمثله، لأنك تقول: الذمة مشغولة قبل الإتمام فيكون مشغولة بعده. و اما القياس فلا يعتمد عليه عندنا، لعدم اليقين بثمرته فيكون العمل به عملا بالظن المنهي عنه، و دعوى الإجماع من الصحابة على العمل به لم يثبت، بل أنكره جماعة منهم،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2 (مع تفاوت).

(2) الطلاق: 6.

32
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الرابع‌[في السبب المقتضى للاقتصار على من ذكرناه من فضلائنا] ؛ ج‌1، ص : 33

فما يمر بك من تمثيل شي‌ء بشي‌ء فليس، لأن أحدهما مقيس على الأخر بل لاشتراكهما في الدلالة الشرعية لا لقياسية، و هذا الفصل و ان كان علم الأصول أحق به، لكنا أجبنا إيراده هنا ليكون تأنيسا للمتفقه لعلم يكمله من هناك.

الفصل الرابع [في السبب المقتضى للاقتصار على من ذكرناه من فضلائنا]

لما كان فقهائنا رضوان اللّه عليهم في الكثرة إلى حد يتعسر ضبط عددهم، و يتعذر حصر أقوالهم لاتساعها و انتشارها، و كثرة ما صنفوه، و كانت مع ذلك منحصرة في أقوال جماعة من فضلاء المتأخرين اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر فضله، و عرف تقدمه في نقل الاخبار و صحة الاختيار و جودة الاعتبار، و اقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم، و عرف به اهتمامهم، و عليه اعتمادهم، فممن اخترت نقله الحسن بن محبوب، و محمد بن أبي نصر البزنطي، و الحسين بن سعيد، و الفضل بن شاذان، و يونس بن عبد الرحمن، و من المتأخرين أبو جعفر محمد بن بابويه القمي (رض)، و محمد بن يعقوب الكليني، و من أصحاب كتب الفتاوى علي بن بابويه، و أبو علي بن الجنيد، و الحسن بن أبي عقيل العماني، و المفيد محمد ابن محمد بن النعمان، و علم الهدى، و الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ره) و «الشيخ» إشارة الى أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ره) و «الشيخان» هو مع المفيد محمد بن محمد بن النعمان و «الثلاثة» هما مع علم الهدى و «الأربعة» هم مع أبي جعفر بن بابويه و «الخمسة» هم مع علي بن بابويه و «الستة» هم مع ابن أبي عقيل و «السبعة» هم مع ابن الجنيد. و أتباع الثلاثة أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي، و سلار بن عبد العزيز بن البراج، رضوان اللّه عليهم أجمعين. و ربما احتجت الى رمز الكتب فليكن هذه: النهاية (ة) المبسوط (ط) الجمل (ل) مسائل‌

33
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الرابع‌[في السبب المقتضى للاقتصار على من ذكرناه من فضلائنا] ؛ ج‌1، ص : 33

الخلاف (ف) التهذيب (يب) المصباح (ح) الاقتصاد (د) المقنعة (عة) الأركان (ن) الرسالة الغرية (غر) و حيث أتينا على المقدمة فلنبدأ بما نحن قاصدون اليه، مستعينين باللّه و مقصدين عليه.

34
المعتبر في شرح المختصر1

كتاب الطهارة ؛ ج‌1، ص : 35

كتاب الطهارة

[الركن الأول في المياه]

و هي في اللغة «النزاهة عن الأدناس» يقال: رجل طاهر الثياب، أي منزه و في الشرع اسم لما «يرفع حكم الحدث» و خطر لبعضهم النقض بوضوء الحائض لجلوسها في مصلاها و هو غلط، فانا نمنع تسمية ذلك الوضوء طهارة، و نطالبه بدليل تسميته، على انه قد روى ما يدل على انه لا يسمى طهارة. روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «الحائض تطهر يوم الجمعة و تذكر اللّه تعالى، قال: اما الطهر فلا، و لكن تتوضأ وقت كل صلاة، ثمَّ تستقبل بالقبلة و تذكر اللّه» «1» نعم يرده النقض بالوضوء المجدد من غير حدث، و بمن اجتمع عليه غسل و وضوء «كالمستحاضة» إذا سال دمها، فان كل واحد منهما يسمى طهارة و لا يرفع حكم الحدث بانفراده. فالأقرب أن يقال: هي اسم للوضوء و الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة، و الطهور هو المطهر لغيره قاله (الشيخ) في مسائل الخلاف و (علم الهدى) في المصباح، خلافا لبعض الحنفية.

لنا النقل و الاستعمال اما «النقل» فما ذكره الترمذي قال: «الطهور» بالفتح من الأسماء المتعدية و هو المطهر غيره. و قال الجوهري: «الطهور» ما يتطهر به‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 22 ح 3.

35
المعتبر في شرح المختصر1

الركن الأول في المياه ؛ ج‌1، ص : 35

كتاب الطهارة

[الركن الأول في المياه]

و هي في اللغة «النزاهة عن الأدناس» يقال: رجل طاهر الثياب، أي منزه و في الشرع اسم لما «يرفع حكم الحدث» و خطر لبعضهم النقض بوضوء الحائض لجلوسها في مصلاها و هو غلط، فانا نمنع تسمية ذلك الوضوء طهارة، و نطالبه بدليل تسميته، على انه قد روى ما يدل على انه لا يسمى طهارة. روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «الحائض تطهر يوم الجمعة و تذكر اللّه تعالى، قال: اما الطهر فلا، و لكن تتوضأ وقت كل صلاة، ثمَّ تستقبل بالقبلة و تذكر اللّه» «1» نعم يرده النقض بالوضوء المجدد من غير حدث، و بمن اجتمع عليه غسل و وضوء «كالمستحاضة» إذا سال دمها، فان كل واحد منهما يسمى طهارة و لا يرفع حكم الحدث بانفراده. فالأقرب أن يقال: هي اسم للوضوء و الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة، و الطهور هو المطهر لغيره قاله (الشيخ) في مسائل الخلاف و (علم الهدى) في المصباح، خلافا لبعض الحنفية.

لنا النقل و الاستعمال اما «النقل» فما ذكره الترمذي قال: «الطهور» بالفتح من الأسماء المتعدية و هو المطهر غيره. و قال الجوهري: «الطهور» ما يتطهر به‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 22 ح 3.

35
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«الماء المطلق» في الأصل مطهر يرفع الحدث و يزيل الخبث، ؛ ج‌1، ص : 36

كالسحور و البرود. و اما «الاستعمال» فلأن هذا المعنى مراد في صورة الاستعمال، فيكون حقيقة فيه كقوله عليه السّلام: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» «1» و لو أراد الطاهر لم يثبت له مزية. و قوله عليه السّلام: «و قد سئل عن الوضوء بماء البحر؟ فقال:

هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» «2» و لو لم يرد كونه مطهرا لم يصلح جوابه، و لان فعولا للمبالغة و لا يتحقق هنا الا مع افادة التطهير، و لأنهم يقولون ماء طهور، و لا يقولون ثوب طهور، فلا بد من فائدة مختصة بالماء و لا تظهر الفائدة إلا مع افادة التطهير.

و احتج الحنفي بأن فعولا تفيد المبالغة في فائدة فاعل، كما يقال: «ضروب» و «أكول» لزيادة الضرب و الأكل و لا يفيد شيئا مغايرا له، و كون الماء مطهرا مغايرا لمعنى الظاهر، فلا تتناوله المبالغة، و لأنهم قد يستعملون فعولا فيما لا يفيد التطهير، كقوله سبحانه وَ سَقٰاهُمْ رَبُّهُمْ شَرٰاباً طَهُوراً «3» و كقول الشاعر: «عذاب الثنايا ريقهن طهور».

و الحق عندي ان وصف الطهور بالتعدي وصف معنوي لا لفظي، لأن التعدي في الحقيقة المطهر و قد ألحقوا طهورا به إلحاقا توقيفيا لا قياسا، و ليس طهورا من مطهر بمنزلة ضروب من ضارب، لأنك تقول: هذا ضارب زيدا كما تقول ضروب زيدا، و تقول: الماء مطهر من الحدث و لا تقول: طهور من الحدث، فاذن الوجه الذي ذكره الحنفي صحيح بالنظر الى القياس اللفظي، اما ان منع كون اللغة أو الشرع استعمله في التعدية و ان لم يكن قياسا فغير صحيح، و للطهارة أركان: الأول في المياه.

مسئلة: «الماء المطلق» في الأصل مطهر يرفع الحدث و يزيل الخبث،

يزيد «بالمطلق» ما لا يجوز سلب لفظ الماء عنه، و لو أمكن إضافته الى ما يلازمه‌

______________________________
(1) صحيح البخاري ج 1 باب التيمم ص 91.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 3.

(3) الإنسان: 21.

36
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 37

كما تقول: ماء الفرات، و لو قلت: ماء الفرات ليس ماء لم يصح، نعم تقول: ماء الورد، و لو قلت: ماء الورد ليس ماء صح. و قوله: في «الأصل» احتراز من عروض ما يمنع من رفع الحدث به كالنجاسة و الغصبية، ثمَّ نقول: «المطلق» يقع على ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض، أو اذيب من ثلج، أو كان ماء بحر، و كل ذلك سواء في رفع الحدث و الخبث و هو مذهب أهل العلم سوى سعيد بن المسيب، فإنه قال: «لا يجوز الوضوء بماء البحر مع وجود الماء» و لما حكي عن عبد اللّه بن عمر أنه قال: «التيمم أحب الي منه».

لنا الإجماع فإن خلاف المذكورين منقوض، و قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» و اما ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله: «الماء طهور و لا ينجسه شي‌ء» «2» و من طريق الأصحاب ما رواه جميل، عن أبي عبد اللّه، «ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «3» و ما رواه عبد اللّه بن سنان و أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه قال: «سألته عن ماء البحر أ طهور هو؟ فقال: نعم» «4» و ما رواه محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يجنب في السفر و لا يجد الا الثلج، قال: يغتسل بالثلج» «5» و اما تقديم التيمم على ماء البحر فيبطل، بأن التيمم مشروط بعدم الماء و الحقيقة المائية موجودة في ماء البحر.

فروع

الأول: لو مازج المطلق طاهر، فغير أحد أوصافه

لم يخرج بالتغير عن‌

______________________________
(1) الفرقان: 48.)

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 4.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 23 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 2 ح 2.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 1.

37
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: لو مازج المطلق طاهر، فغير أحد أوصافه ؛ ج‌1، ص : 37

كما تقول: ماء الفرات، و لو قلت: ماء الفرات ليس ماء لم يصح، نعم تقول: ماء الورد، و لو قلت: ماء الورد ليس ماء صح. و قوله: في «الأصل» احتراز من عروض ما يمنع من رفع الحدث به كالنجاسة و الغصبية، ثمَّ نقول: «المطلق» يقع على ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض، أو اذيب من ثلج، أو كان ماء بحر، و كل ذلك سواء في رفع الحدث و الخبث و هو مذهب أهل العلم سوى سعيد بن المسيب، فإنه قال: «لا يجوز الوضوء بماء البحر مع وجود الماء» و لما حكي عن عبد اللّه بن عمر أنه قال: «التيمم أحب الي منه».

لنا الإجماع فإن خلاف المذكورين منقوض، و قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» و اما ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله: «الماء طهور و لا ينجسه شي‌ء» «2» و من طريق الأصحاب ما رواه جميل، عن أبي عبد اللّه، «ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «3» و ما رواه عبد اللّه بن سنان و أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه قال: «سألته عن ماء البحر أ طهور هو؟ فقال: نعم» «4» و ما رواه محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يجنب في السفر و لا يجد الا الثلج، قال: يغتسل بالثلج» «5» و اما تقديم التيمم على ماء البحر فيبطل، بأن التيمم مشروط بعدم الماء و الحقيقة المائية موجودة في ماء البحر.

فروع

الأول: لو مازج المطلق طاهر، فغير أحد أوصافه

لم يخرج بالتغير عن‌

______________________________
(1) الفرقان: 48.)

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 4.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 23 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 2 ح 2.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 1.

37
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: إذا تغير من قبل نفسه لطول المكث، ؛ ج‌1، ص : 38

التطهير ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء، سواء كان مما لا ينفك الماء عنه كالتراب و الطحلب و الكبريت و ورق الشجر، أو مما ينفك كالدقيق، أو السويق. أو من المائعات كاللبن، و ماء الورد، و الادهان، كالبزر و الزيت، أو مما يجاوره و لا يشيع فيه كالعود، و المسك، لان جواز التطهير منوط بالمائية و هي موجودة فيه. و لأن أسقية الصحابة الأدم و هي لا تنفك عن الدباغ المغير للماء غالبا و لم يمنع منها. و لان الماء لرطوبته و لطافته ينفعل بالكيفيات الملاقية، فلو خرج بتغير أحد الأوصاف عن التطهير لعسرت الطهارة، و لأنه لا يكاد تنفك عن التكيف برائحة الإناء.

الثاني: إذا تغير من قبل نفسه لطول المكث،

فإن بقي على تسميته فهو مطهر، و لو صار بحيث لا يسمى ماء لم يجز التطهير به، و الحجة بقاء الاسم، فإنه موجب لبقاء الحكم، لكن استعماله مكروه مع وجود غيره، لرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الماء الآجن يتوضأ منه الا أن يجد غيره» «1» و لأنه يستخبث طبعا، فكان اجتنابه أنسب بحال المتطهر لطهارته.

الثالث: لو كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فأكمله بمائع،

فان لم يسلبه الإطلاق صح الوضوء به، لاستهلاك المائع فيه، و بقاء الصفة المقتضية للتطهير، و هل يجب ذلك قال الشيخ في المبسوط: لا، فأجاز التيمم قبل مزجه. و فيه تردد، و وجه ما ذكره الشيخ انه قبل المزج غير واجد ما يكفيه لطهارته، و وجه وجوب المزج إمكان تحصيل طهارة مائية.

الرابع: إذا أمرّ الثلج على أعضاء الطهارة في الوضوء،

أو على جسده في الغسل، صح بشرط أن يكون جاريا بحيث يسمى غاسلا و اقتصر «الشيخ» في الخلاف على الدهن لنا قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ «2» فلا بد من حصول‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 2.

(2) المائدة: 6.

38
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس: الماء المسخن يجوز الطهارة به سواء سخن بالنار، ؛ ج‌1، ص : 39

ما يسمى غسلا، و اما جوازا لذلك فلما رواه معاوية بن شريح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يصيبنا الدمق، و الثلج، و لا نجد الا ماء جامدا كيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟

فقال: نعم» «1» و لأنه يحصل به الغسل فكان مجزيا، و لم أعرف فيه من الأصحاب مخالفا.

الخامس: الماء المسخن يجوز الطهارة به سواء سخن بالنار،

أو كان سخينا من منبعه، و لا يكره استعماله في الطهارة، لأنه لم يخرج بالاسخان عن الإطلاق، و روى الجمهور، عن شريك من رجال النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «أجنبت و أنا مع النبي صلى اللّه عليه و آله، فجمعت حطبا و أحميت الماء، فاغتسلت، و أخبرت النبي فلم ينكر علي» «2» و عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «انه اضطر اليه و هو مريض، فأتوه به مسخنا فاغتسل» «3» و يكره المسخن بالنار في غسل الميت، لما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«لا يسخن الماء للميت» «4» و لان المسخن لا ينفك عن اجزاء نارية فلا يبادرها. قال الشيخان في النهاية و المقنعة: و لو خشي الغاسل من البرد جاز، و هو حسن، لان فيه دفعا للضرر.

و أما المسخن بالشمس في الانية فتكره الطهارة به، لما روى إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن قال: «دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على عائشة و قد وضعت قمقمتها في الشمس فقال: ما هذا يا حميراء؟ قالت: أغسل رأسي و جسدي، قال: لا تعودي فإنه يورث البرص» «5» و مثله روى الجمهور، عن عائشة، انه قال: «لا تفعلي يا حميراء فإنه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 2.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 5 (مع تفاوت).

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 7 ح 2.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 7 ح 1.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 6 ح 1.

39
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و كله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه ؛ ج‌1، ص : 40

يورث البرص» «1» و طعن الحنابلة في سند الحديث عن عائشة، و لا عبرة بطعنهم مع صحة السند من أهل البيت عليهم السّلام، و يكره التداوي بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت، ذكره ابن بابويه لما روي عن النبي انه قال: «انها من فوح جهنم» «2».

مسئلة: و كله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه

نريد ب‍ «كله» أصناف الماء المطلق، جارية و نابعة و راكدة. و نريد «باستيلاء النجاسة عليه» استيلاء ريحها على ريح الماء، أو طعمها على طعمه، أو لونها على لونه و القول بنجاسة ماء هذا شأنه، مذهب أهل العلم كافة، و يؤيده ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «خلق الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» «3» و ما رواه الأصحاب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إذا تغير الماء أو تغير الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «4» و عنه «إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب» «5» لان غلبة أحد أوصاف النجاسة على الماء يدل على قوتها عليه، و قهرها لخاصيته المطهرة.

فروع

الأول: إذا تغير بمرور رائحة النجاسة القريبة لم ينجس،

لأن الرائحة ليست نجاسة، فلا تؤثر تنجيسا.

الثاني: طريق تطهير المتغير ان كان جاريا بتقويته بالماء

متدافعا حتى يزول‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 6.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 12 ح 3.

(3) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 174.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 1 (مع تفاوت يسير).

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 6.

40
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: إذا زال«التغير» من نفسه، ؛ ج‌1، ص : 41

التغير، لان مع زوال التغير بغلبة الجاري لا يقبل الطارئ النجاسة، و المتغير مستهلك فيه، فيطهر، و ان كان واقعا فبأن يطرء عليه من الماء الطاهر المطلق ما يرفع تغيره، و يشترط في الطارئ كونه كرا فصاعدا، و به قال الشيخ في مسائل الخلاف، لان الطارئ لا ينجس الا بالتغير، و التقدير انه مزيل له. و لو تمم كرا فزال التغيير معه لم يطهر، و يجي‌ء على قول من يطهر النجس ببلوغه كرا أن يقول: بالطهارة هنا.

الثالث: إذا زال «التغير» من نفسه،

أو بممازجة ما يزيله كالتراب، أو تصفيق الرياح، لم يطهر، لاستقرار النجاسة و التغير، و على القول بجبر البلوغ، تلزم الطهارة إذا كان كثيرا، لكنا سنبين ضعفه.

الرابع: إذا تغير الجاري فالمتغير نجس،

و ما عداه طاهر، و لو كان واقفا فالمتغير نجس و الباقي ان كان كرا فصاعدا فهو طاهر، و الا فهو نجس بملاقاة التغير.

الخامس: لو انصبغ ماء الغسل أو ماء الوضوء بصبغ طاهر

على جسد المتطهر، لم يمنع الطهارة ما لم يسلبه الإطلاق.

مسئلة: و لا ينجس «الجاري» بالملاقاة، و هو مذهب فقهائنا أجمع،

و مذهب أكثر الجمهور، و يدل عليه قوله صلى اللّه عليه و آله: «خلق الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه» «1» و ما روي عن أبي عبد اللّه: «الماء كله طاهر، حتى يعلم انه قذر» «2» و ما رواه الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري» «3» و لأن النجاسة لا تستقر مع الجريان، فيضعف أثرها، و لان التنجيس مستفاد من الشرع، فينتفي عند انتفاء الدلالة.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 9.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1.

41
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 42

فروع

الأول: لا يتحقق «للجاري» جريان منفصلة بحيث تعتبر بنفسها،

قال بعض الشافعية و الحنابلة: «تنجس الجرية التي فيها النجاسة إذا قصرت عن قلتين» و هو خيال ضعيف، لان تدافع الماء يمنع استقرار الجرية.

الثاني: الماء «الواقف» في جانب النهر الجاري متصلا بمائه لا ينجس بملاقاة النجاسة،

و لو كان دون الكر لأنه مع الجاري ماء واحد فيدخل تحت عموم الخبر.

الثالث: لو كان الجاري متغيرا بالنجاسة و الواقف غير متغير

فما كان دون الكر نجس بملاقاته المتغير، و ان كان كرا فصاعدا لم يتنجس عملا بالخبر.

الرابع: حوض «الحمام» إذا كان له مادة لا ينجس ماؤه بملاقاة النجاسة

و يكون كالجاري، و به قال الشيخان، و أبو جعفر بن بابويه، و حكى أصحاب أبي حنيفة عنه انه قال: «هو بمنزلة الجاري لأن النجاسة لا تستقر مع اتصال الاجزاء» و عن أحمد بن حنبل انه قال: «قد قيل انه بمنزلة الجاري» و روى داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «هو بمنزلة الجاري» «1» و روى بكر بن حبيب، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة» «2» و لأن الضرورة تمس اليه، و الاختصاص عسر فيلزم الترخيص دفعا للحرج، و لا اعتبار بكثر المادة و قلتها لكن لو تحقق نجاستها لم تطهر بالجريان.

الخامس: ماء الغيث لا ينجس بملاقاة النجاسة حال نزوله،

فلو استقر على الأرض و انقطع التقاطر عنه اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف عند ملاقاة النجاسة،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 7 ح 1.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 7 ح 4.

42
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا الكثير من الراكد ؛ ج‌1، ص : 43

«و قال الشيخ في التهذيب و المبسوط: ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الماء الجاري لا ينجسه الا ما غيّر لونه، أو طعمه، أو رائحته» و كأنه يشترط جريانه نظرا الى ما روى هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في ميزابين سالا أحدهما: بول، و الأخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضر ذلك» «1» و روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «عن البيت يبال على ظهره، و يغتسل من الجنابة، ثمَّ يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه و يتوضأ للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس» «2».

و لنا ما رواه هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب؟ فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه» «3» و قد أورده ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و لان الاحتراز عن ماء الغيث يشق، و لو لا التخفيف لزم الحرج، و الرواية الاولى لا تدل على الاشتراط لأنه لو لم يكن طاهرا لم يطهر بالجريان.

مسئلة: و لا الكثير من الراكد

«الراكد» هو الساكن. يقال: ركد الماء و الهواء: إذا سكن. و لا بد من القول بطهارة الكثير، و الا لنجس ماء البحر بملاقاة النجاسة جزء منه، و في تقدير الكثرة قولان: أحدهما بلوغه كرا قاله الثلاثة و أتباعهم و لأبي جعفر بن بابويه روايتان أحدهما كما قالوه، و الأخرى قلتان، و هو اختيار الشافعي، و أحمد، و قال أبو حنيفة: «ما علم وصول النجاسة إليه فهو نجس و ان كثر، و علامته التحرك. لنا ما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «4» و في رواية «لم يحمل القذر» و من طريق الأصحاب ما‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 6 ح 4.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 6 ح 2.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 6 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

43
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا الكثير من الراكد ؛ ج‌1، ص : 43

رواه محمد بن مسلم، و معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و لان مقتضى الدليل طهارة الماء، لقوله عليه السّلام: «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء» «2» و لقول الصادق عليه السّلام: «الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر» «3» ترك العمل به فيما نقص عن الكر فيستعمل في الباقي، و لو قال: لا بد من تخصيص هذا المقتضى، فيختص بمذهبنا، قلنا: يثبت التخصيص في موضع الإجماع لا بحسب الاقتراح. و لان التقدير منحصر في الأقوال الثلاثة، لكن التقدير بالحركة باطل من وجهين:

أحدهما: ما رواه محمد بن مسلم، عن جعفر، عن أبيه، ان النبي صلى اللّه عليه و آله «أتاه أهل الماء فقالوا: ان حياضنا تردها السباع، و الكلاب، و البهائم، قال: لها ما أخذت بأفواهها و لكم سائر ذلك» «4» و روى هذا، الجمهور في صحيح أخبارهم بلفظ آخر، و هو دلنا ما غير و الحوض في الأغلب يتحرك طرفاه أو يتحرك بعضه و قد حكم بطهارته.

و الثاني: ان التقدير بالحركة احالة على ما لا يتحقق، لأنه لا كثير في الأغلب الا و يمكن أن يتحرك طرفاه، و تعليق التطهير و التنجيس بما لا ينحصر منا و لحكمة الشارع. و لان مستند وصول النجاسة الظن، لأن الحركة امارة، و ظن النجاسة منفي بيقين الطهارة. و التقدير بالقلتين أيضا باطل، لأنه متوقف على صحة النقل، و قد طعن في خبر القلتين تارة بالسند حتى قال بعض الحنفية: قال الشافعي: بلغني بإسناد لم يحضرني أن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: إذا بلغ الماء قلتين إلخ. فقال: بعض أصحاب‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 9 ص 101.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 9.

44
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في تقدير الكر روايات: ؛ ج‌1، ص : 45

الحديث ما حضره و لا يحضره. و تارة بالاعتبار، و هو أنه خبر مدني و لم يعمل به «مالك» و لو صح لصح عنده.

اما نحن فلم نعرفه مرويا الا بطريق عبد اللّه بن المغيرة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي‌ء و القلتان جريان» «1» لكن هذا الخبر مرسل و معارض بأخبار صحيحة متصلة، ثمَّ لم يحتمل أن يراد بالقلتين ما نريد نحن بالكر، فإن أبا علي بن الجنيد قال: في المختصر «الكر قلتان و مبلغ وزنه ألف و مائتا رطل» و يؤيد ذلك ما ذكره ابن دريد قال: «القلة في الحديث من قلال هجر، و هي عظيمة، زعموا: تسع الواحدة، خمس قرب» و هذا يقارب ما قلناه. و إذا بطل القولان تعين.

الثالث: و لو احتج أبو حنيفة بقوله صلى اللّه عليه و آله «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثمَّ يتوضأ منه» «2» أجبناه بأنه يحمل على القليل، توفيقا بينه و بين قوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» و يحتمل ان يراد بالنهي هنا النزيه، و قد روى الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكره أن يبول في الماء الدائم» «4».

مسئلة: و في تقدير الكر روايات:

أشهرها ألف و مائتا رطل، و فسره الشيخان بالعراقي‌

و للأصحاب في كمية الكر طريقان:

أحدهما المساحة

و فيه روايات:

الأول: ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلاثة أشبار، ذكرها ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و لعله استناد إلى رواية إسماعيل بن جابر، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 8.

(2) مسند أحمد ج 2 ص 265.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 (مع تفاوت).

45
المعتبر في شرح المختصر1

و للأصحاب في كمية الكر طريقان: ؛ ج‌1، ص : 45

الحديث ما حضره و لا يحضره. و تارة بالاعتبار، و هو أنه خبر مدني و لم يعمل به «مالك» و لو صح لصح عنده.

اما نحن فلم نعرفه مرويا الا بطريق عبد اللّه بن المغيرة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي‌ء و القلتان جريان» «1» لكن هذا الخبر مرسل و معارض بأخبار صحيحة متصلة، ثمَّ لم يحتمل أن يراد بالقلتين ما نريد نحن بالكر، فإن أبا علي بن الجنيد قال: في المختصر «الكر قلتان و مبلغ وزنه ألف و مائتا رطل» و يؤيد ذلك ما ذكره ابن دريد قال: «القلة في الحديث من قلال هجر، و هي عظيمة، زعموا: تسع الواحدة، خمس قرب» و هذا يقارب ما قلناه. و إذا بطل القولان تعين.

الثالث: و لو احتج أبو حنيفة بقوله صلى اللّه عليه و آله «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثمَّ يتوضأ منه» «2» أجبناه بأنه يحمل على القليل، توفيقا بينه و بين قوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» و يحتمل ان يراد بالنهي هنا النزيه، و قد روى الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكره أن يبول في الماء الدائم» «4».

مسئلة: و في تقدير الكر روايات:

أشهرها ألف و مائتا رطل، و فسره الشيخان بالعراقي‌

و للأصحاب في كمية الكر طريقان:

أحدهما المساحة

و فيه روايات:

الأول: ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلاثة أشبار، ذكرها ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و لعله استناد إلى رواية إسماعيل بن جابر، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 8.

(2) مسند أحمد ج 2 ص 265.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 (مع تفاوت).

45
المعتبر في شرح المختصر1

أحدهما المساحة ؛ ج‌1، ص : 45

الحديث ما حضره و لا يحضره. و تارة بالاعتبار، و هو أنه خبر مدني و لم يعمل به «مالك» و لو صح لصح عنده.

اما نحن فلم نعرفه مرويا الا بطريق عبد اللّه بن المغيرة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي‌ء و القلتان جريان» «1» لكن هذا الخبر مرسل و معارض بأخبار صحيحة متصلة، ثمَّ لم يحتمل أن يراد بالقلتين ما نريد نحن بالكر، فإن أبا علي بن الجنيد قال: في المختصر «الكر قلتان و مبلغ وزنه ألف و مائتا رطل» و يؤيد ذلك ما ذكره ابن دريد قال: «القلة في الحديث من قلال هجر، و هي عظيمة، زعموا: تسع الواحدة، خمس قرب» و هذا يقارب ما قلناه. و إذا بطل القولان تعين.

الثالث: و لو احتج أبو حنيفة بقوله صلى اللّه عليه و آله «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثمَّ يتوضأ منه» «2» أجبناه بأنه يحمل على القليل، توفيقا بينه و بين قوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» و يحتمل ان يراد بالنهي هنا النزيه، و قد روى الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكره أن يبول في الماء الدائم» «4».

مسئلة: و في تقدير الكر روايات:

أشهرها ألف و مائتا رطل، و فسره الشيخان بالعراقي‌

و للأصحاب في كمية الكر طريقان:

أحدهما المساحة

و فيه روايات:

الأول: ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلاثة أشبار، ذكرها ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و لعله استناد إلى رواية إسماعيل بن جابر، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 8.

(2) مسند أحمد ج 2 ص 265.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 (مع تفاوت).

45
المعتبر في شرح المختصر1

الطريق الثاني: الوزن ؛ ج‌1، ص : 46

أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «و ما الكر؟ قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» «1» فإن كان معوله على هذه فهي ناقصة عن اعتباره.

الثاني: رواية عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصفا، في مثله ثلاثة أشبار و نصفا في عمقه، في الأرض فذلك الكر من الماء» «2» و هو اختيار الشيخ، و علم الهدى، لكن عثمان بن عيسى واقفي، فروايته ساقطة و لا تصغ الى من يدعي الإجماع في محل الخلاف.

الثالث: رواية إسماعيل بن جابر أيضا قلت: «الماء الذي لا ينجسه شي‌ء، قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته» «3» فهذه حسنه، و يحتمل ان يكون قدر ذلك كرا.

الطريق الثاني: الوزن

و فيه روايات:

الأولى: رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكر ستمائة رطل» «4» قال الشيخ في التهذيب: «لم يعمل على هذه الرواية أحد من الأصحاب» و يحتمل أن يكون ذلك الرطل من بلد يوازي رطله رطلين بالبغدادي.

الثانية: رواية عبد اللّه بن مغيرة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكر من الماء نحو حبّي هذا» «5» قال الشيخ في التهذيب و الرواية مرسلة، و يحتمل أن يكون ذلك الحب يسع قدر الكر.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 4.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 6.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 11 ح 3.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 7.

46
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 47

الثالثة: رواية محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكر ألف و مائتا رطل» «1» و على هذه عمل الأصحاب، و لا طعن في هذه بطريق الإرسال لعمل أصحاب الحديث بمراسيل ابن أبي عمير، و لو كان ذلك ضعيفا لا نجبر بالعمل، فإني لا أعرف من الأصحاب رادا لها فلهذا قلنا في أصل الكتاب على الأشهر، لضعف ما عداها من الروايات، و يؤيدها أيضا تفسير الهروي لرواية الكر «فإنه ذكر عن النضر ان الكر بالبصرة ستة أوقار» و قال الجوهري: «الوقر» يستعمل للبغل و الحمار إذا تقرر هذا فهل الوزن عراقي أو مدني؟ قال الشيخان في النهاية و المبسوط و الجمل و المقنعة: عراقي. و قال ابن بابويه في كتابه و علم الهدى في المصباح: مدني. و رطل العراقي مائة و ثلاثون درهما، و المدني مائة و خمسة و تسعون درهما. فيكون العراقي ثلثي المدني، و في القولين احتمال، لكن تنزيله على العراقي أولى لمقاربته و ما تضمنته رواية الأشبار، و لأنه إذا نزلت ستمائة الرطل على المدني قاربت العراقي، و لأن الأصل الطهارة حتى تعلم قذارة الماء و العلم لا يتحقق مع الاحتمال.

فروع

الأول: من اعتبر الأشبار، راعى الغالب

لا ما يندر.

الثاني: هل التقدير تحقيق أو تقريب؟

الأشبه التحقيق. لأنه تقدير شرعي فيتعلق الحكم باعتباره.

الثالث: أطلق بعض فقهائنا الحكم بنجاسة ماء الأواني عند ملاقاة النجاسة،

و لعله نظر الى إطلاق الحديث بنجاسة ماء الإناء عند وقوع النجاسة، لكن ذلك مقيد بغير الكر، و تقديمه في العمل أولى و لأن الإطلاق في الانية انما هو على الغالب، إذ وجود إناء يسع كرا نادر و يدل على هذا الاحتمال ما ذكره «الشيخ ره» في التهذيب فإنه ذكر‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 11 ح 1.

47
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ينجس القليل من«الراكد» بالملاقاة على الأصح، ؛ ج‌1، ص : 48

كلام المفيد من أن الإناء إذا وقعت فيه نجاسة وجب اهراق ما فيه و غسله، فقال:

الوجه فيه، ان الماء إذا كان في إناء و حلّته النجاسة نجس بها، لأنه أقل من كر، و قد بينا أن ما قل عن الكر ينجس بما يلاقيه من النجاسة.

مسئلة: و ينجس القليل من «الراكد» بالملاقاة على الأصح،

بهذا قال الخمسة و أتباعهم، و قال ابن أبي عقيل: لا ينجس الماء الا بالتغير. لنا قوله عليه السّلام:

«إذا كان الماء قد كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و لم يتحقق فائدة الشرط الا باحتمال نجاسة ما دون الكر. و عن الصادق عليه السّلام في سؤر الكلب قال: «رجس نجس لا يتوضأ بفضلته و أصيب ذلك الماء» «2» و عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «الدجاجة تطأ العذرة ثمَّ تدخل في الماء أ يتوضأ منه؟ فقال لا، الا أن يكون الماء كثيرا قدر كر» «3» عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الجنب يدخل إصبعه في الكوز أو الركوة، قال: ان كانت يده قذرة فليهرقه» «4».

و عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال: يكفي الإناء» «5» و تمسك ابن أبي عقيل، بقوله عليه السّلام «الماء طهور لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» «6» و بما روي عن الصادق عليه السّلام «انه استقى له من بئر فخرج في الدلو فأرتان فقال: أرقه فاستقي آخر، فخرج منه فأرة، فقال أرقه، ثمَّ استقي آخر، فلم يخرج فيه شي‌ء،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 4.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 11 (مع تفاوت يسير).

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 7.

(6) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 174 (مع تفاوت).

48
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 49

فقال: صبه في الإناء فتوضأ و شرب» «1».

«و سئل الباقر عليه السّلام عن القربة و الجرة من الماء يسقط فيهما فأرة أو جرد أو غيره فيموت فيها؟ فاذا غلب رائحته على طعم الماء و لونه فأرقه، و ان لم يغلب فاشرب منه و توضأ» «2». و الجواب عن الأول انه يحتمل الجاري، و الكثير من الواقف، فيحمل عليهما، لما عرفت من وجوب تقديم الخاص على العام. فان قال: جهالة التاريخ تمنع ذلك. قلنا قد بينا في الأصول وجوب تقديم الخاص على العام عرف التاريخ أو جهل. و أما خبر البئر فيحمل على الغدير، لأن البئر هي الحفيرة نابعة كانت أو غديرا، و مع احتماله لا يدل على موضع النزاع، على أن في طريق هذه الرواية علي بن حديد، عن بعض أصحابنا. و علي هذا ضعيف جدا مع إرساله الرواية و خبر القربة كذلك، و مع ضعف السند و حصول المعارض السليم يجب الاطراح.

فروع

الأول: ينجس القليل بملاقاة النجاسة،

و ان لم يدركها الطرف كرؤس الابر دما كانت أو غيره. و قال في المبسوط: «ما لا يدركه الطرف معفو عنه، دما كانت أو غيره» و قال في الأسئار: «إذا كان الدم مثل رءوس الابر لم ينجس به الماء، لأنه لا يمكن التحرز منه». و الجواب ان الإمكان معلوم، نعم قد يشق ذلك، لكن اعتبار المشقة بمجردها في موضع المنع ما لم يعتبرها الشرع، اما الاستناد الى وجوب دفع المشقة كيف كان فلا. و لنا ان القليل للنجاسة و الدم نجس، فثبت التنجيس لوجود المؤثر، و ربما احتج «الشيخ» بما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل امتخط، فصار الدم قطعا فأصاب إنائه، هل يصح الوضوء‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 14.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 8 ص 104.

49
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: ينجس القليل بملاقاة النجاسة، ؛ ج‌1، ص : 49

فقال: صبه في الإناء فتوضأ و شرب» «1».

«و سئل الباقر عليه السّلام عن القربة و الجرة من الماء يسقط فيهما فأرة أو جرد أو غيره فيموت فيها؟ فاذا غلب رائحته على طعم الماء و لونه فأرقه، و ان لم يغلب فاشرب منه و توضأ» «2». و الجواب عن الأول انه يحتمل الجاري، و الكثير من الواقف، فيحمل عليهما، لما عرفت من وجوب تقديم الخاص على العام. فان قال: جهالة التاريخ تمنع ذلك. قلنا قد بينا في الأصول وجوب تقديم الخاص على العام عرف التاريخ أو جهل. و أما خبر البئر فيحمل على الغدير، لأن البئر هي الحفيرة نابعة كانت أو غديرا، و مع احتماله لا يدل على موضع النزاع، على أن في طريق هذه الرواية علي بن حديد، عن بعض أصحابنا. و علي هذا ضعيف جدا مع إرساله الرواية و خبر القربة كذلك، و مع ضعف السند و حصول المعارض السليم يجب الاطراح.

فروع

الأول: ينجس القليل بملاقاة النجاسة،

و ان لم يدركها الطرف كرؤس الابر دما كانت أو غيره. و قال في المبسوط: «ما لا يدركه الطرف معفو عنه، دما كانت أو غيره» و قال في الأسئار: «إذا كان الدم مثل رءوس الابر لم ينجس به الماء، لأنه لا يمكن التحرز منه». و الجواب ان الإمكان معلوم، نعم قد يشق ذلك، لكن اعتبار المشقة بمجردها في موضع المنع ما لم يعتبرها الشرع، اما الاستناد الى وجوب دفع المشقة كيف كان فلا. و لنا ان القليل للنجاسة و الدم نجس، فثبت التنجيس لوجود المؤثر، و ربما احتج «الشيخ» بما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل امتخط، فصار الدم قطعا فأصاب إنائه، هل يصح الوضوء‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 14.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 8 ص 104.

49
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: الغديران الطاهران إذا وصل بينهما بساقية، صارا كالماء الواحد، ؛ ج‌1، ص : 50

منه؟ فقال: ان لم يكن شي‌ء يستبين في الماء فلا بأس، و ان كان شيئا بيّنا فلا يتوضأ منه» «1» و هذا ليس بصريح في اصابة الماء، و لعل معناه إذا أصاب الإناء و شك في وصوله الى الماء اعتبر بالإدراك، و يشهد لذلك ما رواه الكليني بإسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «و سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ، فتقطر قطرة في إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ فقال لا و لم يعتبر الاستبانة» «2».

الثاني: الغديران الطاهران إذا وصل بينهما بساقية، صارا كالماء الواحد،

فلو وقع في أحدهما نجاسة لم ينجس، و لو نقص كل واحد منهما عن الكر إذا كان مجموعهما مع الساقية كرا فصاعدا.

الثالث: لو نقص الغدير عن كر فنجس فوصل بغدير فيه كر ففي طهارته تردد،

الأشبه بقاؤه على النجاسة لأنه يمتاز عن الطاهر و النجس لو غلب على الطاهر نجسه مع ممازجته، فكيف مع مباينته.

الرابع: لو وقع فيه «مائع طاهر» فاستهلكه الماء مع قلته جاز استعمالها أجمع في الطهارة،

لأن المستهلك في المطلق يعود بحكم المطلق، فكأنه كله ماء، و لو كان «المائع نجسا» فان غلب على أحد أوصافه المطلق كان الكل نجسا، و لو لم يغلب أحد أوصافه و كان الماء كرا فان استهلكته الماء صار بحكم المطلق، و جاز استعمالها أجمع، و لو كانت النجاسة جامدة جاز استعمال الماء حتى ينقص عن الكر، ثمَّ ينجس الباقي لما فيه من عين النجاسة.

الخامس: الماء النجس لا يجوز استعماله في رفع حدث و لا ازالة خبث مطلقا،

و لا في أكل، و لا شرب الا مع الضرورة، و أطلق «الشيخ» المنع من استعماله الا عند الضرورة. لنا ان مقتضى الدليل جواز الاستعمال ترك بالعمل فيما‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 1.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 13 ح 1.

50
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: طريق تطهير«القليل» إذا نجس بما لم يغيره ان يلقى عليه كر من ماء، ؛ ج‌1، ص : 51

ذكرناه بالاتفاق و النقل، فيكون الباقي على الأصل.

السادس: طريق تطهير «القليل» إذا نجس بما لم يغيره ان يلقى عليه كر من ماء،

و به قال: في مسائل الخلاف لان الطارئ لا يقبل النجاسة، و النجس مستهلك به فيطهر، قال في المبسوط: «و لا فرق بين أن يكون الطارئ نابعا من تحته أو يجري اليه أو يقلب فيه» و قال: في مسائل الخلاف: «لا يطهر الا أن يرد عليه كر من ماء» و هذا أشبه بالمذهب لان النابع ينجس بملاقاة النجاسة، فإن أراد بالنابع ما يوصل به من تحته لا أن يكون نابعا من الأرض فهو صواب، و لم تمم بما يبلغه الكر لم يطهر، سواء تمم بالطاهر أو نجس. و تردد الشيخ في المبسوط. و قطع علم الهدى بالطهارة في المسائل الرسية.

لنا انه ماء محكوم بنجاسته قبل البلوغ شرعا، فيجب استدامة ذلك الحكم، اما انه محكوم بنجاسته فلوجهين: أما أولا فلأنا نتكلم على هذا التقدير، و اما ثانيا فنظرا إلى الأحاديث القاضية بنجاسة القليل، كقوله عليه السّلام في سؤر الكلب: «لا يتوضأ بفضله» «1» و كقوله «في الماء تطأه الدجاجة و في رجلها قذرا، يتوضأ به؟ فقال: لا، الا أن يكون كثيرا» «2» و ما ماثلها و مع تقرير النهي يجب استصحابه. و لأنه محكوم بنجاسته مشكوك في طهارته عند البلوغ فيعمل فيه باليقين، احتج «المرتضى» بوجهين:

«أحدهما ان البلوغ يستهلك النجاسة فيستوي وقوعها قبل البلوغ و بعده، و بأنه لو لا الحكم بالطهارة عند البلوغ لما حكم بطهارة الماء الكثير إذا وجد فيه نجاسة، لأنه كما يحتمل وقوعها بعد البلوغ يحتمل قبله، فلا يكون الحكم بالطهارة أولى، لكن الإجماع على الحكم بطهارته» و الوجهان ضعيفان.

اما الأول: فقياس محض، لأنه سوى بين قوة الماء على دفع النجاسة الواقعة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 4. (مع تفاوت)

51
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: طريق تطهير«القليل» إذا نجس بما لم يغيره ان يلقى عليه كر من ماء، ؛ ج‌1، ص : 51

بعد البلوغ، و بين قوته على رفع الواقعة قبله، و الأولى منصوصة بقوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و الثانية غير منصوصة، و القياس باطل. و اما قوله: و المائية فيهما. فانا نقول: المائية الاولى طاهرة فاذا وقعت النجاسة قوي الماء الطاهر عليها بطهوريته، اما الماء النجس فعند اجتماعه يكون منقهرا بالنجاسة، فلا يكون فيه طهوريته تدفع النجاسة، فلا يكون للبلوغ أثر.

و الوجه الثاني: أضعف من الأول، لأنا نمنع الملازمة، و نقول: نحن نفرق بين الصورتين، و مع ذلك نحكم بطهارة الماء المشار اليه، لا لان البلوغ يرفع ما كان فيه من النجاسة، بل لان الماء في الأصل طاهر، و النجاسة المشاهدة كما يحتمل كونها منجسة بأن تقع قبل البلوغ، يحتمل أن لا تكون منجسة بأن تكون حصلت بعد البلوغ، فحينئذ يكون أصل الطهارة متيقنا و النجاسة مشكوك فيها، فالترجيح لجانب اليقين.

و بعض المتأخرين احتج لهذه المقالة فقال: يدل على الطهارة قوله عليه السّلام: «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» «2» و زعم ان هذه الرواية مجمع عليها عند المخالف و المؤالف، و قوله تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ «3» و قوله:

وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا و قوله عليه السّلام لأبي ذر: «إذا وجدت الماء فأمسه جسدك» «4» و بقوله عليه السّلام: «أما أنا فلا أزيد إن أحثو على رأسي ثلاث حثيات إذا فإني قد طهرت» «5» و الجواب دفع الخبر، فانا لم نروه مسندا، و الذي رواه مرسلا «المرتضى»‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.

(2) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 27.

(3) الأنفال: 11.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 7.

(5) رواه البيهقي في سننه ج 1 ص 181 مع تفاوت.

52
المعتبر في شرح المختصر1

السابع: إذا كان متيقنا لطهارة الماء ثم شك في نجاسته بنى على يقينه، ؛ ج‌1، ص : 53

رضي اللّه عنه «و الشيخ أبو جعفر ره» و آحاد ممن جاء بعده، و الخبر المرسل لا يعمل به، و كتب الحديث عن الأئمة عليهم السّلام خالية عنه أصلا، و أما «المخالفون» فلم أعرف به عاملا سوى من يحكي عن «ابن حي» و هو زيدي منقطع المذهب، و ما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف و المؤالف فيما لا يوجد الا نادرا، فاذا الرواية ساقطة.

و أما أصحابنا فرووا عن الأئمة عليهم السّلام، «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1» و هذا صريح في أن بلوغه كرا هو المانع لتأثره بالنجاسة، و لا يلزم من كونه لا ينجسه شي‌ء بعد البلوغ رفع ما كان ثابتا فيه و منجسا قبله، و «الشيخ ره» قال لقولهم عليهم السّلام، و نحن فقد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم، فلم نر هذا اللفظ، و انما رأينا ما ذكرناه و هو قول الصادق عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «2» و لعل غلط من غلط في هذه المسئلة، لتوهمه أن معنى اللفظين واحد. و أما الايات و الخبر البواقي فالاستدلال بها ضعيف، لا يفتقر الى جواب، لأنا لا تنازع في جواز استعمال الطاهر المطلق، بل بحثنا في هذا النجس إذا بلغ كرا يطهر، فان ثبت طهارته تناولته الأحاديث الإمرة بالاغتسال و غيره، و ان لم يثبت طهارته فالإجماع على المنع منه، فلا تعلق له إذا فيما ذكره. و هل يستجيز محصل أن يقول النبي عليه السّلام: «احثوا على رأسي ثلاث حثيات مما يجمع من غسالة البول و الدم و ميلغة الكلب».

و احتج أيضا لذلك بالإجماع، و هو أضعف من الأول، لأنا لم نقف على هذا في شي‌ء من كتب الأصحاب، و لو وجد كان نادرا، بل ذكره «المرتضى رض» في مسائل متفردة و بعده اثنان أو ثلاثة ممن تابعه. و دعوى مثل هذا إجماعا غلط، إذ لسنا بدعوى المائة نعلم دخول الامام فيهم، فكيف بدعوى الثلاثة و الأربعة.

السابع: إذا كان متيقنا لطهارة الماء ثمَّ شك في نجاسته بنى على يقينه،

و كذا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5.

53
المعتبر في شرح المختصر1

الثامن: إذا أخبره واحد بنجاسة الماء لم يجب القبول، ؛ ج‌1، ص : 54

لو تيقن بنجاسته ثمَّ شك في تطهره بنى على اليقين، لقوله عليه السّلام: «الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر» «1» و لأنه لو اقتصر على ما ينفي عنه الاحتمال في حال الاستعمال، لتعذرت الطهارة أو عسرت.

الثامن: إذا أخبره واحد بنجاسة الماء لم يجب القبول،

و لو كان عدلا، سواء أخبره بسبب النجاسة أو مطلقا، لأن الأصل طهارة الماء فلا ينتفي اليقين بالاحتمال.

و كذا لو وجد ماء متغيرا و شك في تغيره، هل هو بسبب نجاسة أو من نفسه؟ بنى على الطهارة، لأنها الأصل المتيقن، و لو أخبره عدلان ففي القبول خلاف، قال ابن البراج: لا يحكم بنجاسته بناء على الطهارة الأصلية و عدم اليقين بصدق الشاهدين، و الأظهر القبول، لثبوت الاحكام بهما عند الشارع، كما لو اشتراه و ادعى المشتري نجاسته قبل العقد، فلو شهد شاهدان لساغ الرد، و هو مبني على ثبوت العيب، و لو تعارضت البينتان في انائين، قال في مسائل الخلاف: «سقطت شهادتهما و بقي الماء على أصل الطهارة» و قال في المبسوط: «و ان قلنا ان أمكن الجمع بينهما قبلتا و حكم بنجاسة الإنائين كان قويا». و عندي هذا أوجه، و ان لم يمكن الجمع فالوجه نجاسة أحدهما، و يمنع منهما كما لو كان معه إناءان فنجس أحدهما و لم يعلمه بعينه.

التاسع: لو تطهر من ماء، ثمَّ علم فيه نجاسة، و شك، هل كانت قبل الوضوء أو بعده؟ فالأصل الصحة،

و لو علم انها قبل و لم يعلم هل كان كرا أو أقل؟ أعاد، لأن الأصل القلة.

العاشر: لو وقع في القليل ما شك في نجاسته،

أو مات فيه حيوان لا يعلم هو مما له نفس سائلة أو لا؟ فالأصل الطهارة.

مسئلة: و في نجاسة «البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس،

في هذا الكلام حذف مضاف، تقديره: «و في نجاسة ماء البئر» و قد اختلف «قول الشيخ‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 4 ح 2 ص 106.

54
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

ره» فقال في النهاية و المبسوط و مسائل الخلاف: ينجس بالملاقاة. و كذا قال «علم الهدى» في المصباح، و الخلاف، و جمل العلم و العمل و «المفيد» في المقنعة و قال في التهذيب: لا يغسل الثوب، و لا تعاد الطهارة ما لم يتغير بالنجاسة، لكن لا يجوز استعماله الا بعد تطهيره. ثمَّ قال في الاستبصار: و الذي ينبغي أن يعمل عليه انه ان استعمل هذه المياه بعد العلم بحصول النجاسة فيها لزمه الإعادة. فقد تبيّن ان الأظهر بين الأصحاب الفتوى بالنجاسة عند الملاقاة.

و يدل عليه «النقل المستفيض» عن الصحابة بإيجاب النزح. روى الجمهور، عن علي عليه السّلام، «في الفأرة تقع في البئر تنزح منها دلاء» «1» و قال بعض الحنابلة في كتاب له: قال الخلّال: وجدنا عن كتاب علي عليه السّلام بسند صحيح «انه سئل عن بئر بال فيها صبي، فأمر أن ينزحوها» «2» و مثله عن الحسن البصري، و عن أبي سعيد الخدري «في الدجاجة أربعون دلوا» «3» و عن ابن عباس «في زنجي وقع في بئر زمزم فمات، فقال: ينزح جميع مائها» «4» و لم ينكر ذلك أحد من أهل ذلك العصر.

و لو قيل: أنتم لا تعلمون بهذه المقادير. قلنا: هذا حق، لكن القصد ان النزح كان معلوما، و ان البئر تطهر به و ان اختلف اجتهادهم في القدر المطهر. و من طريق الأصحاب رواية محمد بن بزيع، عن الرضا عليه السّلام «في بئر يقطر فيها قطرات من بول، أو دم، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فقال: ينزح منها دلاء» «5» و لو كانت طاهرة لما حسن السؤال و لا الجواب. و رواية علي بن يقطين قال: «سألت موسى عليه السّلام عن الحمامة، و الدجاجة، و الفأرة، و الكلب،

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 268 (مع تفاوت).

(2) لم يوجدا.

(3) لم يوجدا.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 266.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 21.

55
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

و الهرة؟ قال: يجزيك أن تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها» «1» و لو كانت طاهرة قبل النزح، لكان النزح للتطهير تحصيلا للحاصل. و لأنه لو كان طاهرا لما جاز التيمم مع وجوده، لكنه يجوز، اما الملازمة فلأن عدم الماء الطاهر شرط لجواز التيمم، فلو جاز لا معه لزم تكثير مخالفة الدليل.

و اما انه يجوز معه التيمم فلوجهين: أحدهما ما رواه ابن أبي يعفور، عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا أتيت البئر و أنت جنب و لم تجد شيئا تغرف به، فتيمم بالصعيد، فان رب الماء و رب الصعيد واحد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم مائهم» «2» و الثاني انه لو لم يجز التيمم لزم اما جواز استعمال ماء البئر من غير نزح، أو إطراح الصلاة، و كل واحد منهما باطل. اما الأول: فلو صح لما وجب النزح، و هو باطل بالأحاديث المتواترة الدالة على وجوبه. و اما الثاني: فباطل بالإجماع، فإن احتج الخصم بما رواه محمد بن بزيع قال: «كتبت الى رجل يسأل الرضا عليه السّلام عن ماء البئر؟ فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الا أن ينتن» «3» فالواجب من وجوه: أحدها: الطعن في الرواية، فإن المكاتبة تضعف عن الدلالة.

و الثاني: يحتمل لا يفسده فسادا يوجب التعطيل، كما قال النبي صلى اللّه عليه و آله: «المؤمن لا يخبث» «4» أي لا يصير في نفسه نجسا، و كقول الرضا عليه السّلام: «ماء الحمام لا يخبث» «5» مع انه يجوز أن تعرض له النجاسة. الثالث: انا نعارضه بخبر محمد بن بزيع الذي قدمناه، و ان احتج بما رواه حماد، عن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 2.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 22.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 7 (مع تفاوت).

(4) سنن ابن ماجه ج 1 ص 178 الا انه رواه (لا ينجس).

(5) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 26.

56
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

يغسل الثوب، و لا تعاد الصلاة مما يقع في البئر الا أن ينتن» «1».

فالجواب ان الراوي عن معاوية المذكور لا نعرفه، فلعله غير الثقة، ففي الرواة عدة بهذا الاسم منهم الثقة و منهم غيره. و لان لفظ البئر يقع على النابعة و الغدير، فلعل السؤال عن بئر ماؤها محقون، فتكون الأحاديث الدالة على وجوب نزح البئر من أعيان المنزوحات مختصة بالنابعة، و يكون هذا متناولا لغيرها مما هو محقون. و لأنه حديث واحد يعارضه كثير، و الكثرة أمارة الرجحان. و لأنه يدل بضيعة ما العامة فيما لا يعقل، فيكون الترجيح بجانب الأحاديث الدالة على أعيان المنزوحات تقديما للخاص على العام.

مقدمة: ملاقاة النجاسة «ماء البئر» مؤثرة بحسب قوتها، و تطهيره بإخراجه من حد الواقف الى كونه جاريا جريانا يزيل ذلك التأثير، فيختلف تقدير النزح و ضعفها و سعة المجاري و ضيقها، فتارة يقتصر الأئمة عليهم السّلام على أقل ما يحصل به، و تارة يستظهر عن ذلك، و تارة يأمر بالأفضل، فلا ينكر الاختلاف في الأحاديث، و انظر ما اشتهر بين الأصحاب غير مختلف فأفت به، و ما اختلف فأقل مجز، و الأوسط مستحب، و الأكثر أفضل، و استسقط ما شذ، و من المتعارض ما ضعف سنده قال:

و ينزح لموت البعير و الثور و انصباب الخمر ماؤها أجمع. روى ذلك الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و ان مات فيها بعير، أو صب فيها خمر، فلينزح» «2» و عبد اللّه ابن سنان، عن أبي عبد اللّه «و ان مات فيها ثور، أو صب فيها خمر، فلينزح الماء كله» «3» و في البعير رواية أخرى، عن عمرو بن سعيد بن هلال، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عما يقع في البئر حتى بلغت الحمار و الجمل و البغل قال كر من ماء» «4»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 1.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5.

57
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

و الأول أرجح لسلامة السند، و ضعف سنده هذه، فان عمرو بن سعيد فطحي، و لا طعن في الحلبي، و لا في عبد اللّه بن سنان.

و في الخمر رواية أخرى عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قلت: «بئر قطر فيها قطرة دم، أو خمر، قال: الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كله واحد، ينزح منه عشرون دلوا» «1» و في رواية كردويه، عن أبي الحسن عليه السّلام «عن البئر تقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر، قال: ينزح منه ثلاثون دلوا» «2» و أفتى ابن بابويه في المقنع برواية زرارة، و يمكن أن ينزلا على القطرة من الخمر، و يفرق بين القطرة و صبّه، و يعقل الفرق كما عقل في الدم، لأنه ليس أثر القطرة في التنجيس كأثر ما يصب صبا، فإنه يشبع في الماء. قال «الشيخ» في التهذيب: «هما خبر واحد لا يمكن لأجله دفع الاخبار كلها» قال و كذلك، قال الثلاثة و أتباعهم في المسكرات، انما أصناف القول بذلك إليهم لانفرادهم بذكره، دون من تقدمهم و عدم الاطلاع على حديث يتناول ذلك نطقا.

و يمكن أن يحتج لذلك بأن كل مسكر خمر فثبت له حكمه، روى عطا بن يسار، عن أبي جعفر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «كل مسكر خمر» «3» و روى علي ابن يقطين، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: «كلما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» «4» قال: و ألحق «الشيخ ره» الفقاع. انما نسب الإلحاق اليه لسبقه الى القول به، و لم أقف على حديث يدل بنطقه على الفقاع. و يمكن أن يحتج لذلك بأن الفقاع خمر فيكون له حكمه، اما أنه خمر فلما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 3.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 5.

(3) سنن ابن ماجه ج 2 كتاب الأشربة ص 1124.

(4) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 19 ح 1 ص 273.

58
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

قال: «سألته عن الفقاع فقال: لا تشربه لأنه خمر مجهول» «1» و عن الرضا عليه السّلام «هو حرام و هو خمر» «2» و عن أبي الحسن الأخير عليه السّلام قال: «هي خمر استصغرها الناس» «3».

أما «المني» فلم أقف على ما يدل بمنطوقه على وجوب نزح الماء به، بل يمكن أن يقال: ماء محكوم بنجاسته، و لم تثبت طهارته بإخراج بعضه، فيجب نزحه، لكن هذا يعود في قسم ما لم يتناوله نص على التعيين.

قال: و قد ألحق «الشيخ» الدماء الثلاثة. و لم أعرف من الأصحاب قائلا به سواه و من تبعه من المتأخرين بعده، اما «المفيد ره» فقال في المقنعة: لقليل الدم خمس، و لكثيره عشر، و لم يفرق. و «علم الهدى» قال في المصباح: ينزح له من دلو الى عشرين، و لم يفرق. و لعل «الشيخ» نظر الى اختصاص «دم الحيض» بوجوب إزالة قليله و كثيره عن الثوب فغلظ حكمه في البئر، و ألحق به الدمين الأخيرين. لكن هذا التعلق ضعيف، فالأصل ان حكم بقية الدماء عملا بالأحاديث المطلقة، قال: فان غلب الماء تراوح عليها قوم اثنين اثنين يوما. لرواية عمار بن موسى قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «و سئل عن بئر يقع فيها كلب، أو فأرة، أو خنزير، قال: تنزف كلها» «4» قال الشيخ: يعني إذا تغير أحد أوصافها.

ثمَّ قال عليه السّلام: فان غلب عليه الماء فلينزف يوما الى الليل يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين و قد طهرت» «5» و لقائل أن يطعن في هذه الرواية بضعف سندها، فان رواتها ابن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 5.

(2) مستدرك الوسائل ج 2 أبواب ما يكتسب به ص 452.

(3) التهذيب ج 9 ح 275 ص 125.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 8 (مع تفاوت).

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 23 ح 1.

59
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

عمار، و كلهم فطحية، و بضعف المتن بما تضمن من إيجاب نزح الماء كله للكلب، أو الفأرة، أو الخنزير، و هو متروك في فتوى الأصحاب. و ربما قيل: ان المذكورين و ان كانوا فطحية فإنه مشهود لهم بالثقة فلا طعن في روايتهم إذا لم يكن لها معارض من الحديث السليم، و لأن إيجاب نزح الماء كله في هذه اما على الاستحباب، و اما كما فسره «الشيخ ره» في التهذيب ان المراد بذلك إذا تغير الماء. و قال الشيخان و الاتباع الثلاثة: إذا غلب الماء تراوح عليها أربعة رجال.

و استدل الشيخ برواية عمرو بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته حتى بلغت الحمار، و الجمل، و البغل، قال كر من ماء» «1» و ان كان كثيرا قال الشيخ:

و تراوح عليها أربعة رجال على نزح الماء يوما يزيد عن كر. و هذه الرواية تساوي الاولى في السند، و لا تدل على موضع النزاع، لأنه اكتفى بنزح الكر و تراوح الأربعة و ان زاد عن الكر لا يدل على أنه يقوم مقام ما يوجب نزح الماء كله، فلهذا عدلنا عن تأويل هذه الرواية إلى الاولى، و الاولى و ان ضعف سندها، فان الاعتبار يؤيدها من وجهين:

أحدهما: عمل الأصحاب على رواية عمار الثقة، حتى ان «الشيخ ره» ادعى في العدة إجماع الإمامية على العمل بروايته، و رواية أمثاله ممن عدّدهم.

الثاني: انه إذا وجب نزح الماء كله و تعذر، فالتعطيل غير جائز، و الاقتصار على نزح البعض تحكم، و النزح يوما يتحقق معه زوال ما كان في البئر فيكون العمل به لازما و اختلفت ألفاظ الأصحاب في التحديد، فقال «المفيد»: من أول النهار الى آخره، و تبعه الحلبي، و سلار، و قال «ابن بابويه» و «علم الهدى»: من غدوة إلى العشاء، و معنى هذه الألفاظ متقاربة، فيكون النزح من طلوع الفجر الى غروب الشمس أحوط، لأنه يأتي على الأقوال، قال: و لموت البغل و الحمار كرا. اما «الحمار»‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5.

60
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

فقاله الخمسة و أتباعهم، و المستند رواية عمرو بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السّلام، و ان ضعف سندها فالشهرة تؤيدها، فإني لم أعرف من الأصحاب رادا لها في هذا الحكم، و الطعن فيها بطريق التسوية بين الجمل، و الحمار، و البغل غير لازم، لان حصول التعارض في أحد الثلاثة لا يسقط استعمالها في الباقي، و قد أجاب بعض الأصحاب بأنه من الجائز أن يكون الجواب وقع عن الحمار و البغل دون الجمل، الا ان هذا ضعيف، لأنه يلزم منه التعمية في الجواب و هو ينافي حكمه المجيب.

و قد روى ابن أذينة، و زرارة، و محمد بن مسلم، و بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللّه و أبي جعفر عليهما السّلام «في البئر تقع فيها الدابة، و الفأرة، و الكلب، و الطير، فيموت، قال: يخرج من البئر ثمَّ ينزح دلاء، ثمَّ اشرب و توضأ» «1» و مثله روى البقباق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «2»، لكن هذه لم يتضمن قدر الدلاء التي تنزح، و من المحتمل أن يكون ذلك مما يبلغ الكر، فيكون العمل بالبينة أولى، قال: و كذا قال الثلاثة:

في الفرس، و البقرة، قال في المبسوط: ينزح كر للحمار، و البقرة، و ما أشبههما.

و قال في النهاية: للحمار و البقرة و الدابة. و كذا قال «علم الهدى ره» في المصباح.

و قال المفيد في المقنعة: و ان مات فيها حمار، أو بقرة، أو فرس، و أشباهها من الدواب و لم يتغير الماء نزح منها كر من الماء و نحن نطالبهم بدليل ذلك.

فان احتجوا برواية عمرو بن سعيد، قلنا: هي مقصورة على الجمل، و الحمار، و البغل، فمن أين يلزم في البقرة؟ فإن قالوا هي مثلها في العظم، طالبناهم بدليل التخطي إلى المماثل من أين عرفوه لا بد له من دليل، و لو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثور، و لكانت الجاموس كالجمل، و ربما كانت فرس في عظم الجمل فلا تعلق إذا بهذا و شبهه.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 6.

61
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في نجاسة«البئر» بالملاقاة قولان: أظهرهما التنجيس، ؛ ج‌1، ص : 54

و من المقلدة من لو طالبته بدليل ذلك لادعى الإجماع، لوجوده في كتب الثلاثة، و هو غلط و جهالة ان لم يكن تجاهلا، فالأوجه أن يجعل الفرس و البقرة في قسم ما لم يتناوله نص على الخصوص، قال: و لموت الإنسان سبعون دلوا، هذا مذهب علمائنا ممن أوجب النزح، و هي رواية ابن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ذبح طيرا فوقع من يده في البئر، فقال: ينزح منها دلاء إذا كان ذكيا و ما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا، و أقله العصفور ينزح منها دلو واحدة، و ما سوى ذلك فيما بيّن هذين» «1» أورد «الشيخ» في التهذيب هذه الرواية (بالثاء المنقطة) ثلثا و في مقابلته و أقله، و أوردها «أبو جعفر ابن بابويه ره» في كتابيه أكبره (بالباء المنقطة) من تحتها بواحدة و قال في مقابلته و أصغره.

لا يقال رواه هذا السند فطحية، لأنا نقول هذا حق لكن من الثقات مع سلامته عن المعارض، ثمَّ هذه الرواية معمول عليها بين الأصحاب عملا ظاهرا، و قبول الخبر بين الأصحاب مع عدم الراد له يخرجه الى كونه حجة، فلا يعتد إذا بمخالف فيه، و لو عدل الى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به، الى الشاذ الذي ليس بمشهور، و هو باطل بخبر عمر بن حنظلة المتضمن «لقوله عليه السّلام خذ ما اجتمع عليه أصحابك و اترك الشاذ الذي ليس بمشهور» «2» و قال «المفيد» في المقنعة: و ان مات إنسان في بئر أو غدير ينقص عن مقدار الكر، و لم يتغير بذلك الماء، فلينزح منه سبعون دلوا، و لا معنى لذكر الغدير هنا الا أن يريد ماله مادة من نبع، لكن لو أراد ذلك لا غناه لفظ البئر.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2.

(2) أصول الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 86.

62
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

فرع

هذا الحكم يتناول الصغير، و الكبير، و الأنثى، و الذكر، و المسلم، و الكافر، لأن (الإنسان جنس معرف باللام) و ليس هناك معهود، فيكون «اللام» معرفا للجنس، فيوجد الحكم بوجود الجنس أين كان، و جنس الإنسان ثابت للكافر، فيكون الحكم متناولا له عملا بإطلاق اللفظ، و شرط بعض المتأخرين الإسلام، و احتج: بأن الكافر نجس، فعند ملاقاته حيا يجب نزح البئر أجمع، و الموت لا يطهره، فلا يزول وجوب نزح الماء، قال: و لو تمسك بالعموم هنا لكان معارضا بقولهم ينزح، لارتماس الجنب سبع، فإنه يشترط الإسلام، إذ لا يقدم أحد من الأصحاب على القول في الجنب بنزح سبع، و لو كان كافرا، و كما اشترط هنا الإسلام فكذا ثمَّ.

و الجواب قوله: ملاقاة الكافر موجبة لنزح الماء، قلنا: لا نسلم قوله: «أجمع الأصحاب» قلنا: هذه دعوى مجردة، بل نحن نقول: انا لم نقف على فتوى بذلك أصلا فكيف يدعي الإجماع، و لو قال: ذكر «الشيخ» ذلك في المبسوط قلنا: قوله في المبسوط: ليس دليلا بمجرده فضلا أن يدعي به الإجماع، ثمَّ «الشيخ» لم يجزم بذلك، لأنه يقول: ما لم يرد فيه مقدر منصوص، يجب منه نزح الماء احتياطا، و ان قلنا: بجواز أربعين دلوا للخبر كان سائغا، غير أن الأحوط الأول، فالشيخ انما صار الى الاحتياط استظهارا لا قطعا، ثمَّ انه علل إيجاب نزح الماء في الكافر بأنه لا دليل على مقدر، و نحن نقول: الدليل موجود، لان لفظ الإنسان إذا كان متناولا للمسلم، و الكافر، يجري مجرى النطق بهما، فاذا وجب في موته سبعون لم يجب في مباشرته أكثر، لأن الموت يتضمن المباشرة فيعلم نفي ما زاد من مفهوم النص.

و هذا كما تقول: في الجواب عن الخنزير إذا وقع و خرج حيا، فإنه لا يجب‌

63
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

له أكثر من أربعين، و ان كان لم يرد على عينه نص، بل فحواه دل على ذلك، فالشيخ (ره) لم يصر إلى إيجاب الكل الا لتوهم ان النص لا يدل بمفهومه على نفي ما زاد على سبعين، و لو قال: سلمنا العموم لكنه مخصوص، قلنا: تخصيص العموم بالاحتياط غير جائز، و انما يخص بالدليل القاطع. اما الاحتياط فليس من مختصات العموم في شي‌ء، لأنه انما يصار اليه عند عدم الدليل، و العموم دليل فيسقط الاحتياط معه، و كذا المطلق دليل فلا يعتبر معه الاحتياط، و معارضته بالجنب غير واردة.

لأنا نجيب في وجوه: أحدها: ان الارتماس من الجنابة انما يراد للطهارة، فيكون ذلك قرينة دالة على من له عناية بالطهارة و هو المسلم، و لهذا قال الشيخ في المبسوط: نزح منها سبع دلاء و لم يطهره.

الثاني: أن تقول: أما أن يكون هنا دليل يمنع من تنزيل خبر الجنب على الكافر و المسلم، و اما أن لا يكون، فان كان، فالامتناع انما هو لذلك الدليل، و ان لم يكن، قلنا: بموجبة، سواء كان كافرا أو مسلما، فانا لم نره زاد على الاستبعاد شيئا، و الاستبعاد ليس حجة في بطلان المستبعد.

الوجه الثالث: ان مقتضى الدليل العمل «بالعموم» في الموضعين، و امتناعنا من استعمال أحد العمومين في العموم لا يلزم منه اطراح العموم الأخر، لأنا نتوهم أحد العمومين مخصصا فالتوقف عنه، انما هو لهذا الوهم فان صح، و الا قلنا به مطلقا، فالإلزام غير وارد، ثمَّ هذا ليس بنقض على مسئلتنا، بل نقض على استعمال اللام في «الاستغراق» أين كان، فيلزم أن لا ننزل قوله الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي «1» على العموم و لا قوله وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ «2» لأنا لم ننزل الجنب هنا على العموم.

قال: و للعذرة عشرة، فإن ذابت فأربعون، أو خمسون، و هذا مذهب أبي جعفر بن‌

______________________________
(1) النور: 2.

(2) المائدة: 38.

64
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

بابويه في كتابه و قال المفيد في المقنعة: للرطبة أو الذابية خمسون، و لليابسة عشرة، و قال الشيخ في المبسوط: للرطبة خمسون، و لليابسة عشر. و قال «علم الهدى» في المصباح: لليابسة عشر، فان ذابت و تقطعت خمسون دلوا.

لنا ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن العذرة تقع في البئر؟ قال: ينزح منها عشر دلاء، فان ذابت فأربعون أو خمسون دلوا» «1» و ما فصله الثلاثة، لم أقف به على شاهد. قال: و في الدم أقوال، و المروي في ذبح دم الشاة من ثلاثين إلى أربعين، و في القليل دلاء يسيرة. و كذا قال ابن بابويه (ره) في كتابيه.

و قال المفيد في الكثير عشر، و في القليل خمس، و قال في النهاية للقليل عشر، و للكثير خمسون، و قال «علم الهدى ره» في المصباح: في الدم ما بين الدلو الواحدة إلى العشرين.

لنا ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل ذبح شاة، فاضطربت فوقعت في بئر ماء، و أوداجها تشخب دما، هل يتوضأ من تلك البئر؟ قال: ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ثمَّ يتوضأ منها، و عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقع في بئر هل يصلح له أن يتوضأ منها؟ قال: ينزح منها دلاء يسيرة ثمَّ يتوضأ منها» «2» و قال ابن بابويه (ره) في المقنع: في القليل عشر.

و كذا الشيخ (ره) في كتبه، و استدل برواية محمد بن بزيع قال «كتبت الى رجل يسأل الرضا عليه السّلام عن البئر تكون في المنزل، فيقطر فيها قطرات من بول، أو دم، أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة كالبعرة، أو نحوها، ما الذي يطهرها حتى يحل منها الوضوء للصلاة؟ فوقع في كتابي بخطه: ينزح منها دلاء» «3» قال «الشيخ» في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 20 ح 1.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 1.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 21.

65
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

التهذيب: و أكثر عدد يضاف الى هذا الجمع عشرة، فيجب أن يؤخذ به، إذ لا دليل على ما دونه.

و فيما ذكره «الشيخ ره» ضعف، لأنا نسلم ان أكثر عدد يضاف الى الجمع عشر، لكنا لا نسلم انه إذا جرد عن الإضافة كانت حاله كذا فإنه لا يعلم من قوله:

عندي دراهم، انه لم يخبر عن زيادة عن عشرة دلاء، إذا قال أعطه دراهم يعلم انه لم يرد أكثر من عشرة، فإن دعوى ذلك باطلة. فاما قول المفيد (ره) فلا أعلم وجهه، و كذا قول علم الهدى (ره)، فان استدل برواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، و عن أبي العباس الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الدم، و الخمر، و الميت، و لحم الخنزير، عشرون» «1» لم يكن دالة على ما ذكره.

قال: و لموت الكلب و شبهه أربعون، و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم. و قال «ابن بابويه» في المقنع: و ان وقع فيها كلب، أو سنّور، فانزح ثلاثين دلوا إلى أربعين. و قد روي سبع دلاء، و فيمن لا يحضره الفقيه: في الكلب من ثلاثين إلى أربعين و في السنور سبع.

و اعلم أن في الكلب روايات: فما قلنا: هو رواية الحسين بن سعيد، في كتابه عن القسم بن علي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن السنور؟ فقال: أربعون دلوا، و الكلب و شبهه» «2» و في رواية زرارة، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر، و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قال: «يخرج من البئر، و ينزح دلاء، ثمَّ اشرب و توضأ» «3» و في رواية أبي أسامة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الفأرة، و السنور، و الدجاجة، و الطير و الكلب، إذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء، يكفيك خمس دلاء، و ان تغير الماء‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 3 ص 133.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 5 ص 135.

66
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 63

فخذ منه حتى يذهب الريح» «1».

و في رواية أبي مريم قال: «حدثنا جعفر قال: كان أبو جعفر عليه السّلام يقول:

«إذا مات الكلب في البئر، نزحت» «2» و في رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «و سئل عن بئر وقع فيها كلب، أو فأرة، أو خنزير؟ قال ينزف كلها» «3» و في رواية عمرو بن سعيد عن أبي جعفر عليه السّلام «سبع دلاء» «4» و الرواية عن زرارة غير مقدرة فيحتمل أن يكون إشارة إلى المنزوح الأول، و رواية أبي أسامة قوية السند، لكنها متروكة بين المفتين، و رواية أبي مريم محتملة، إذ قوله «نزحت» يمكن أن يراد به الأربعون، و رواية عمار و ان كان ثقة، لكنه «فطحي» فلا يعمل بها، مع وجود المعارض السليم، و كذا رواية عمر بن سعيد، و يريد «بشبه الكلب» الخنزير و الغزال و الثعلب، و روي في لحم الخنزير عشرون، و لا بأس بالرواية، قال: و كذا في بول الرجل، و هو مذهب الخمسة و أتباعهم، و في البول روايات:

الأولى: رواية علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «بول الرجل، قال: ينزح منها أربعون دلوا» «5».

الثانية: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في البئر يبول فيها الصبي، أو يصب فيها بول، أو خمر، قال: ينزح الماء كله» «6».

الثالثة: رواية كردويه، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن البئر يقع فيها قطرة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 134.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 8 ص 136.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5 ص 132.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 2 ص 133.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.

67
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

دم، أو نبيذ مسكر، أو بول، أو خمر، قال: ينزح منها ثلاثون دلوا» «1» و كذا روايته في خبر المنجرة، و الترجيح بجانب الاولى، لاشتهارها في العمل، و شذوذ غيرها بين المفتين.

لا يقال: علي بن أبي حمزة واقفي، لأنا نقول: تغيره انما هو في موت موسى عليه السّلام فلا يقدح فيما قبله، على أن هذا الوهن لو كان حاصلا وقت الأخذ عنه، لانجبرت بعمل الأصحاب و قبولهم بها، و لا تفصيل في بول النساء، بل بول الصغيرة، و الكبيرة سواء، يجب منه ثلاثون دلوا، لرواية كردويه «2». و يستحب نزح الماء كله، لرواية معاوية بن عمار «3». و قال بعض المتأخرين: ينزح لبول المرأة أربعون، لأنها إنسان، و نحن نسلم أنها إنسان و نطالبه أين وجد الأربعين معلقة على بول الإنسان و لا ريب انه وهم منه.

فرع آخر

بول الكافر و المسلم سواء في النزح، لتناول العموم له، قال: و ألحق الشيخان بالكلب الثعلب، و الأرنب، و الشاة، قال «الشيخ» في التهذيب عند استدلاله على كلام المفيد (ره)، بقوله عليه السّلام: «و للسنور أربعون دلوا، و للكلب و شبهه» «4» قوله «و شبهه» يريد في قدر جسمه، و هذا يدخل فيه الشاة، و الغزال، و الثعلب، و الخنزير و كلما ذكر، و لا ريب ان الثعلب يشبه السنور، اما الكلب فهو بعيد عن شبهه، و الرواية إنما أحالت في الشبه على الكلب، فالاستدلال إذا ضعيف.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 5 ص 133.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 3 ص 133.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.

68
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

قال: و روي في الشاة تسع، أو عشر، قال «ابن بابويه» فيمن لا يحضره الفقيه: «و ان وقعت فيها شاة و ما أشبهها، نزح منها تسعة إلى عشرة» و لعله استناد إلى رواية إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام ان عليا عليه السّلام كان يقول: «الدجاجة و مثلها يموت في البئر، ينزح منها دلوان، و ثلاثة، فإذا كانت شاة و ما أشبهها، فتسعة، أو عشرة» «1» و في رواية عمرو بن سعيد «سبع دلاء» «2» و العمل بما ذكره ابن بابويه في هذه أولى، لسلامة سند الرواية بذلك، و ضعف رواية عمرو. و قال الثلاثة ينزح لها أربعون.

و احتج الشيخ بأنها مشابهة للكلب، و احتجاجه بالمشابهة ليس بصريح، فالصريح أولى، لأنه استدلال بالمنطوق، قال: و للسنور أربعون، و في رواية سبع، و بالأربعين قال الثلاثة و أتباعهم، و بالسبع قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه، و هو استناد إلى رواية عمرو بن سعيد.

لنا ما رواه الحسين بن سعيد، عن القسم عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن السنور؟ قال أربعون» «3» و في رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «من ثلاثين إلى أربعين» «4» و في رواية أبي أسامة التي قدمنا «خمس دلاء» «5» و في عمرو بن سعيد ضعف، و كذا في رواية سماعة، و رواية أبي أسامة متروكة، فتعين العمل بالأربعين، لاقترانها بعمل الأكثر من الأصحاب، و لو عمل بالأقل جوازا و بهذه استظهارا جاز أيضا، فان علي بن أبي حمزة واقفي.

قال و لموت الطير، و اغتسال الجنب سبع، أما الطير فهو اختيار الثلاثة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 3 ص 137.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5 ص 132.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 4 ص 135.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

69
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

و أتباعهم، و هي رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الطير و الدجاجة؟ قال: سبع دلاء» «1» و في رواية إسحاق بن عمار «الدجاجة و مثلها يموت في البئر، دلوان و ثلاثة» «2» و في رواية أبي أسامة «الدجاجة، و الطير، خمس دلاء» «3» و الاولى يعضدها العمل، فهي أولى، و ان ضعف سندها، و لا أستبعد العمل برواية أبي أسامة لرجحانها بسلامة السند، لكني لم أر بها عاملا.

و أما اغتسال الجنب، فان الشيخين أورداه بلفظ «الارتماس» و الأحاديث وردت بعبارات أربع، ليس فيها ذكر «الارتماس». الأولى: رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و ان وقع فيها جنب، فانزح منها سبع دلاء» «4». الثانية:

رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان سقط في البئر دابة صغيرة، أو نزل فيها جنب، نزح منها سبع دلاء» «5». الثالثة: رواية أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يدخل البئر، فيغتسل منها، قال: ينزح منها سبع دلاء» «6».

الرابعة: رواية محمد بن مسلم قال: «إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء» «7» و نحن نطالب من ذكر لفظ «الارتماس» من أين ذكره، و لم علق الحكم على الارتماس دون الاغتسال، حتى أن بعضهم قال: لو اغتسل في البئر و لم يرتمس لما وجب النزح.

و الذي ينبغي تحصيله: ان الموجبين لنزح الماء من اغتسال الجنب هم القائلون‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 3 ص 137.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6 ص 132.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 1 ص 132.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 22 ح 4 ص 143.

(7) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 22 ح 2 ص 142.

70
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

بأن ماء الغسل من الجنابة لا يرفع به الحدث، الا سلار فإنه قال: بالنزح و لم يمنع من ماء الغسل، اما «المرتضى» و «أبو الصلاح» فأجازا الطهارة بماء غسل الجنب و لم يذكرا حكمه في البئر، و إذا كان الجنب طاهر الجسد و ماء غسله غير ممنوع منه فما وجه إيجاب نزح؟

و كأني بضعيف مكابر يقول: هذا إجماع و ذاك مختلف فيه، و قد بينا: ان الخلاف انما هو من «المرتضى ره» و هما لم يذكراه في المنزوح، فدعواه الإجماع حينئذ حماقة، نعم لا يتعلق الحكم الا مع الاغتسال، اما السقوط، أو الوقوع، أو الدخول، بمجرده فلا، فاذا الدليل الدال على هذا الحكم خبر واحد، و الموردون للفظ الارتماس ثلاثة، أو أربعة، فكيف يكون إجماعا؟ قال: و كذا «الكلب» لو خرج حيا قال الشيخ ره في النهاية: «و قد روى إذا وقع فيها كلب و خرج حيا نزح منها سبع دلاء» «1» و قال في المبسوط: و ان وقع فيها كلب و خرج حيا نزح منها سبع دلاء للحية.

لنا رواية أبي مريم قال: حدثنا جعفر قال: قال أبو جعفر: «و إذا وقع فيها الكلب و خرج حيا نزح منها سبع دلاء» «2». قال: و للفأرة إذا تفسخت سبع دلاء، و الا فثلاث، و قيل دلو، و بما ذكرناه قال «الشيخ» في النهاية و المبسوط و قال «المفيد» في المقنع: إذا تفسخت أو انتفخت سبع دلاء. و كذا قال أبو الصلاح، و سلار، و قال علم الهدى في المصباح: «في الفأرة سبع دلاء» و قد روي ثلاث، و قال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه: و ان وقع فيها فأرة فدلو واحدة، و ان تفسخت فسبع دلاء، و معنى (تفسخت) تقطعت و تفرقت، و قال بعض المتأخرين تفسخها، انتفاخها و هو غلط.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 134.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 136.

71
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 68

لنا رواية معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة، و الوزغة تقع في البئر، فقال: ينزح منها ثلاث دلاء» «1» و عن ابن سنان، و عن أبي عبد اللّه مثله، و قد روى ابن أبي حمزة، و عمرو بن سعيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الفأرة سبع دلاء» «2» و كذا روى أبو أسامة، و يعقوب بن عيثم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فيحمل الأول على عدم التفسخ، و الثاني على التفسخ، يشهد لذلك رواية أبي أسامة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الفأرة، و السنور، و الدجاجة، و الطير، ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء، فيكفيك خمس دلاء» «3» و رواية أبي سعيد المكاري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إذا وقعت الفأرة في البئر فتفسخت فانزح منها سبع دلاء» «4» و ضعف أبي سعيد لا يمنع من العمل بروايته على هذا الوجه، لأنها تجري على هذا مجرى الأمارة الدالة على الفرق و ان لم تكن حجة في نفسها، و اما الانتفاخ فشي‌ء ذكره المفيد (ره) و تبعه الآخرون، و لم أقف له دليل على شاهد.

قال و لبول الصبي سبع دلاء، و في رواية ثلاث، و لو كان رضيعا فدلو واحدة يريد «بالرضيع» الذي لم يأكل الطعام، كذا ذكره الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و قيل يريد به من كان في زمان الرضاع و هو حولان و لو أكل، و لست أعرف التفسير من أين نشأ، و الرواية تتناول العظيم، فنحن نطالبهم بلفظ الرضيع أين نقل و كيف قدر لبوله الدلو الواحدة، و بالسبع قال الشيخان (ره) في كتبهما، و قال «علم الهدى» في المصباح: و في بول الصبي إذا أكل الطعام ثلاث دلاء، و ان كان رضيعا نزح دلو واحدة، و كذا قال ابن بابويه (ره) في كتابيه، و قال أبو‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 2 ص 137.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5 ص 132.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 1 ص 137.

72
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 73

الصلاح الحلبي (ره): لبول الصبي الرضيع ثلاث دلاء.

لنا رواية منصور قال حدثنا عدة من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ينزح منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبي، أو وقعت فيها فأرة أو نحوها» «1» و روى علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن بول الصبي الفطيم يقع في البئر، فقال: دلو واحدة» «2» و في رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها الخمر، فقال: ينزح الماء كله» «3» قال الشيخ في التهذيب ما تضمن من ذكر بول الصبي، محمول على ما إذا غيّر طعم الماء، أو رائحته، و قلت: لو نزل على الاستحباب كان حسنا توفيقا بينه و بين ما دلت عليه الاخبار مما ينقص عن ذلك، و لأنه قد ثبت أن بول الرجل يوجب نزح أربعين فبول الصبي لا يزيد عن ذلك. قال و كذا في «العصفور» و شبهه، و به قال «الشيخان» في النهاية و المبسوط و المقنعة و أتباعهما، و قال «ابن بابويه ره» في كتابيه: أصغر ما يقع في البئر الصعوة، ينزح منها دلو واحدة.

لنا ما رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و أقله العصفور ينزح منها دلو واحدة» «4» و قد قلنا: ان عمارا مشهود له بالثقة في النقل منضما الى قبول الأصحاب لروايته هذه، و مع القبول لا يقدح اختلاف العقيدة.

فرع

قال الصهرشتي: كل طائر في حال صغره ينزح له دلو واحد، كالفرخ، لأنه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 1 ص 133.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 2 ص 133.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2 ص 141.

73
المعتبر في شرح المختصر1

فرع آخر ؛ ج‌1، ص : 74

يشابه العصفور. و نحن نطالبه بدليل التخطي إلى المشابهة، و لو وجده في كتب «الشيخ» أو كتب «المفيد رض» لم يكن حجة ما لم يوجد الدليل.

فرع آخر

قال الراوندي: فيجب أن يشترط هنا أن يكون مأكول اللحم، احترازا من الخفاش فإنه نجس، و نحن نطالبه من أين علم نجاسته؟ فان التفت الى كونه مسخا طالبناه بتحقيق كونه مسخا، ثمَّ بالدلالة على نجاسة المسخ، و قد روي في شواذ الاخبار انه مسخ لكن لا حجة في مثلها.

مسئلة: قال «الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء،

و قال «المفيد ره» في المقنعة ان وقع فيها حية فماتت نزح منها ثلاث دلاء، و كذا ان وقع فيها وزغة. و قال «أبو الصلاح» للحية و العقرب ثلاث دلاء، و للوزغة دلو واحدة. و في رسالة علي بن بابويه: ان وقع فيها حية، أو عقرب، أو خنافس، أو بنات وردان، فاستق للحية دلوا، و ليس عليك فيما سواها شي‌ء.

فنقول: اما الوزغة فقد روى معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة، و الوزغة، تقع في البئر، قال: ينزح منها ثلاث دلاء» «1» و ربما صار أبو الصلاح إلى رواية يعقوب بن عيثم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في بئر، في مائها ريح يخرج منها قطع جلود، قال ليس بشي‌ء، ان الوزغ ربما طرح جلده إنما يكفيك من ذلك دلو واحدة» «2» و ليس في هذا دلالة صريحة.

و أما العقرب فقد روى هارون بن حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 2 ص 137.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 9 ص 139.

74
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال«الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء، ؛ ج‌1، ص : 74

يشابه العصفور. و نحن نطالبه بدليل التخطي إلى المشابهة، و لو وجده في كتب «الشيخ» أو كتب «المفيد رض» لم يكن حجة ما لم يوجد الدليل.

فرع آخر

قال الراوندي: فيجب أن يشترط هنا أن يكون مأكول اللحم، احترازا من الخفاش فإنه نجس، و نحن نطالبه من أين علم نجاسته؟ فان التفت الى كونه مسخا طالبناه بتحقيق كونه مسخا، ثمَّ بالدلالة على نجاسة المسخ، و قد روي في شواذ الاخبار انه مسخ لكن لا حجة في مثلها.

مسئلة: قال «الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء،

و قال «المفيد ره» في المقنعة ان وقع فيها حية فماتت نزح منها ثلاث دلاء، و كذا ان وقع فيها وزغة. و قال «أبو الصلاح» للحية و العقرب ثلاث دلاء، و للوزغة دلو واحدة. و في رسالة علي بن بابويه: ان وقع فيها حية، أو عقرب، أو خنافس، أو بنات وردان، فاستق للحية دلوا، و ليس عليك فيما سواها شي‌ء.

فنقول: اما الوزغة فقد روى معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة، و الوزغة، تقع في البئر، قال: ينزح منها ثلاث دلاء» «1» و ربما صار أبو الصلاح إلى رواية يعقوب بن عيثم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في بئر، في مائها ريح يخرج منها قطع جلود، قال ليس بشي‌ء، ان الوزغ ربما طرح جلده إنما يكفيك من ذلك دلو واحدة» «2» و ليس في هذا دلالة صريحة.

و أما العقرب فقد روى هارون بن حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 2 ص 137.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 9 ص 139.

74
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال«الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء، ؛ ج‌1، ص : 74

عن الفأرة، و العقرب و أشباه ذلك، يقع في الماء و يخرج حيا هل يشرب من ذلك و يتوضأ منه؟ قال تسكب ثلاث مرات، قليله و كثيره بمنزلة، ثمَّ تشرب منه و تتوضأ غير الوزغ، فإنه لا ينتفع بما يقع فيه» «1» و في العقرب رواية أخرى عن منهال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن العقرب تخرج من البئر حية، قال: استق منها عشرة دلاء، قلت: فغيرها الخيف من الجيف، قال: كلها إلا جيفة قد أجيفت، فإن كانت جيفة قد أجيفت، فاستق منها مائة دلو، فان غلب عليها الريح بعد المائة فانزحها» «2».

و يمكن أن يستدل على الحية بما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها، فانزح منها دلاء» «3» فينزل على الثلاث، لأنه أقل محتملاته، و الذي أراه وجوب النزح في الحية، لأن لها نفس سائلة و ميتتها نجسة، أما «العقرب» و «الوزغة» فعلى الاستحباب، لان ما لا نفس له سائلة ليس بنجس، و لا ينجس شي‌ء بموته فيه، بل روي أن له سما فيكره لذلك، و في «سام أبرص» روايتان: أحدهما عن يعقوب بن عيثم قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام عن «سام أبرص» ينفسخ في البئر، قال انما عليك أن تنزح سبع أدل» «4» و الأخرى عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عن «سام أبرص» في البئر، قال: «ليس بشي‌ء، حرك الماء بالدلو» «5» قال الشيخ (ره) في التهذيب: المعنى إذا لم ينفسخ فالوجه عندي الاستحباب، لما قلناه، و لضعف الروايتين.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 9 ح 4 ص 172.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 220 ح 7 ص 143.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6 ص 132.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 7.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 8 ص 139.

75
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال«الشيخ» في المبسوط و النهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة، أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء، ؛ ج‌1، ص : 74

مسئلة: ذكر «الشيخ ره» في النهاية و المبسوط ينزح لذرق الدجاج خمس دلاء، و أطلق. و خص سلار بن عبد العزيز ذلك «بالجلال» و في القولين إشكال، أما الإطلاق فضعيف، لان ما ليس بجلال ذرقه طاهر، و كل رجيع طاهر، لا يؤثر في البئر تنجيسا، اما «الجلال» فذرقه نجس، لكن تقدير نزحه (بالخمسة) في موضع المنع و نطالب قائله بالدليل. و قال أبو الصلاح: خرء ما لا يؤكل لحمه يوجب نزح الماء، و يقرب عندي أن يكون داخلا في قسم العذرة ينزح له عشرة، و ان ذاب فأربعون، أو خمسون، و يحتمل أن ينزح له ثلاثون بخبر المنجرة.

قال: و لو غيرت النجاسة مائها نزح، و لو غلب فالأول حتى يزول التغير، و يستوفي المقدر، فاعل «غلب» مضمر، و هو عائد على الماء، و «الأولى» مبتدأ و خبره محذوف، و تقديره، فالأولى النزح. و انما قال فالأولى لأن في المسئلة أقوالا هذا أرجحها، فالمرتضى و ابن بابويه أوجبا نزح الماء كله، فان تعذر لغزارته تراوح عليها أربعة رجال من غدوة إلى الليل. و «الشيخان» أوجبا نزح الماء، فان تعذر نزح حتى تطيب. و أبو الصلاح الحلبي لم يوجب نزح الماء و اقتصر على نزحها حتى يزول التغير.

لنا رواية معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة و نزحت البئر» «1» و عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا انفسخت الفأرة و نتن، نزح الماء كله» «2» و الاعتبار يؤيد روايته، لان تغير الماء يدل على غلبة النجاسة عليه، و قهرها لما فيه من قوة التطهير، فلا يطهر بإخراج بعضه، و اما انه مع التعذر ينزح حتى يطيب و ما رواه ابن بزيع، عن الرضا عليه السّلام «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الا أن يتغير ريحه، أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10 ص 127.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 4 ص 138.

76
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 77

لان له مادة» «1».

و ما رواه جميل قال: «فان تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الريح» «2» و روى سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و ان أنتن حتى يوجد ريح النتن في الماء نزحت حتى يذهب النتن من الماء» «3» فحينئذ نقول: يجب النزح عملا بالأول، فإذا تعذر سقط التعبد به فيتعين الثاني لئلا يطرح أحد الدليلين، و انما قلنا: و يستوفي المقام لأنه نجس، و ان لم يتغيّر الماء، فمع التغير لا يسقط، و لأنه تمسك بظاهر الروايات الموجبة للتقدير، و التغيير لا ينافيه فلا يسقط حكمها.

فروع

الأول: الدلو التي ينزح بها، هي المعتادة،

صغيرة كانت، أو كبيرة، لأنه ليس للشرع فيها وضع، فيجب أن يتقيد بالعرف. و لو نزح بإناء عظيم ما يخرجه الدلاء المقدرة ففي الطهارة عندي تردد، أشبهه لأنه لا يجزي، لأن الحكمة تعلقت بالعدد و لا نعلم حصولها مع عدمه.

الثاني: ان عملنا في التراوح بالرجال فلا يجزي للنساء، و لا الصبيان،

و ان عملنا بالخبر المتضمن لتراوح القوم أجزي النساء و الصبيان، و لا بد أن يتولى النزح اثنان اثنان تبعا للرواية، لأنا نتكلم على تقدير تسليمها نظرا الى العمل بها، و لو نزح اثنان نزحا متواليا يوما ففي الإجزاء تردد، أشبهه انه لا يجزي.

الثالث: لا يعتبر في النزح النية،

لأنه جار مجرى إزالة النجاسة، و وجوب النية منفي بالبراءة الأصلية فتطهر بنزح الصبي، و المجنون، و الكافر.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 12 ص 105.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 4 ص 135.

77
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع: البعير جنس يدخل تحته الذكر، و الأنثى، و الصغير، و الكبير، ؛ ج‌1، ص : 78

الرابع: البعير جنس يدخل تحته الذكر، و الأنثى، و الصغير، و الكبير،

كالإنسان.

الخامس: مما لم يتناوله التقدير في النزح قال في المبسوط: الاحتياط تقتضي نزح الماء

منه. و ان قلنا: بأربعين دلوا بخبر المنجرة كان سائغا، و الأحوط ما قلناه، و لا مأخذ عليه في هذا التردد، لأن الرواية و ان كانت عنده حقا فلا بأس أن يأخذ بالاحتياط استظهارا و استحبابا. و يمكن أن يقال: فيه وجه ثالث، و هو ان كل ما لم يقدر له منزوح لا يجب فيه نزح، عملا برواية معاوية المتضمنة قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا تغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما يقع في البئر الا أن ينتن» «1» و رواية ابن بزيع «ان ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الا أن يتغير ريحه، أو طعمه» «2» و هذا يدل بالعموم، فيخرج عنه ما دلت عليه النصوص بمنطوقها أو فحواها، و يبقى الباقي داخلا تحت هذا العموم، و هذا يتم لو قلنا: ان النزح للتعبد لا للتطهير، اما إذا لم نقل ذلك، فالأولى نزح مائها أجمع.

السادس: إذا وقع أكثر من واحد فمات، فان كانت الأجناس مختلفة لم يتداخل النزح،

«كالطير» و «الإنسان» و لو تساوى المنزوح «كالكلب» و «السنور» و ان كان الجنس واحدا ففي التداخل تردد، و وجه التداخل ان النجاسة من الجنس الواحد لا تتزايد، إذ النجاسة الكلبية و البولية موجودة في كل جزء، فلا تتحقق زيادة توجب زيادة النزح، و وجه عدم التداخل ان كثرة الواقع تؤثر كثرة في مقدار النجاسة، فيؤثر شياعا في الماء زائدا، و لهذا اختلف النزح بتعاظم الواقع و موته، و ان كان طاهرا في الحياة.

السابع: لو جفت البئر ثمَّ عاد ماؤها ففي الطهارة تردد،

أشبهه أنه تطهر، لان طهارتها بذهاب ماؤها، و هو حاصل بالجفاف كما هو حاصل بالنزح، فلو نبع بعد ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10 ص 127.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 7 ص 127.

78
المعتبر في شرح المختصر1

الثامن: إذا أجرى إليها الماء المتصل بالجاري لم تطهر، ؛ ج‌1، ص : 79

فالنبع طاهر لأنه نبع في محل طاهر.

الثامن: إذا أجرى إليها الماء المتصل بالجاري لم تطهر،

لان الحكم متعلق بالنزح و لم يحصل.

التاسع: لا تنجس جوانب البئر بما يصيبها من ماء النزح،

لأن المشقة تلحق به، و هل يغسل الدلو بعد انتهاء النزح؟ الأشبه لا، لأنه لو كان نجسا لم يسكت عنه الشرع، و لان الاستحباب في النزح يدل على عدم نجاستها، و الا لوجب نجاسة ماء البئر عند الزيادة عليه قبل غسلها، و المعلوم من عادة الشرع خلافه، و تطهر عند مفارقة الدلو الأخيرة وجه الماء، و ما يتقاطر عفو، لأن الطهارة بالنزح و هو حاصل عند مفارقة الماء، فلا أثر لخروجها عن البئر.

العاشر: ما لا يؤكل لحمه من الحيوان لو وقع و خرج حيا لم ينجس به،

لان المخرج ينضم انضماما شديدا لشدة حذره فلا يلقى الماء موضع النجاسة، نعم لو كان مجروحا و في موضع الجرح دم، أو كان عليه نجاسة تعلق بها حكم تلك النجاسة.

الحادي عشر: إذا وجد في البئر ما ينجسها بعد استعمالها،

فان تحقق سبق النجاسة على الاستعمال أعاد الطهارة و الصلاة، و ان جهل لم يعد، لاحتمال وقوعها بعده، و عن أبي حنيفة في الجيفة: ان كانت منتفخة أو متفسخة عاد الصلاة ثلاثة أيام و لياليها، و الا أعاد صلاة يوم و ليلة. و مستنده خيال ضعيف. قال: لا تنجس البئر بالبالوعة و ان تقاربتا ما لم تتصل نجاستها، لكن يستحب تباعدهما قدر خمسة أذرع ان كانت الأرض صلبة و ان كانت البئر فوقها، و الا فسبع، أما انها لا تنجس، فلما رواه محمد بن القسم، عن أبي الحسن «في البئر، يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع و أقل و أكثر يتوضأ منها؟ قال: ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير طعم الماء» «1» و لأن ماؤها في الأصل طاهر فلا يحكم بنجاسته الا مع العلم.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 7 ص 146.

79
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 80

و اما استحباب التباعد فلما رواه الحسن بن رباط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن البالوعة تكون فوق البئر؟ قال: إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، و إذا كانت فوق البئر فسبع أذرع من كل ناحية، و ذلك كثير» «1» و روى بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن أدنى ما يكون بين الماء و البالوعة؟ فقال: ان كان سهلا فسبع أذرع، و ان كان جبلا فخمسة» «2».

و روى زرارة، و محمد بن مسلم، و أبو بصير قلنا له: «بئر يتوضأ منها؟ قال:

ان كان البئر في أعلى الوادي و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم يتنجس، و ان كانت البئر في أسفل الوادي و كان بين البئر و بينها تسعة أذرع لم ينجسها، و ما كان أقل من ذلك لم يتوضأ منه» «3» و هذه الروايات لا تنفك من ضعف، و أجودها الأخيرة مع انهم لم يبينوا القائل، لكن في ذلك احتياطا فلا بأس به.

فرع

إذا تغير ماء البئر تغيرا يصلح أن يكون من البالوعة، ففي نجاسته تردد، لاحتمال أن يكون منها و ان بعد، و الأحوط التنجيس، لان سبب النجاسة قد وجد فلا يحال على غيره، لكن هذا ظاهر لا قاطع، و الطهارة في الأصل متيقنة فلا تزال بالظن.

مسئلة: و أما «المضاف» فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه و يصح سلبه عنه،

كالمعتصر، و المصعد، و الممزوج بما يسلبه الإطلاق، و انما قال بإطلاقه لأن المضاف يتناوله الاسم، لكن لا بالإطلاق بل بقيد الإضافة. و قوله «و يصح سلبه عنه» فإنك تقول «ماء الورد» و يصح أن تقول: ليس هذا بماء. ثمَّ بين إضافته فإنه لا يخرج‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 3 ص 145.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 2 ص 145.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 1 ص 144.

80
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و أما«المضاف» فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه و يصح سلبه عنه، ؛ ج‌1، ص : 80

و اما استحباب التباعد فلما رواه الحسن بن رباط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن البالوعة تكون فوق البئر؟ قال: إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، و إذا كانت فوق البئر فسبع أذرع من كل ناحية، و ذلك كثير» «1» و روى بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن أدنى ما يكون بين الماء و البالوعة؟ فقال: ان كان سهلا فسبع أذرع، و ان كان جبلا فخمسة» «2».

و روى زرارة، و محمد بن مسلم، و أبو بصير قلنا له: «بئر يتوضأ منها؟ قال:

ان كان البئر في أعلى الوادي و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم يتنجس، و ان كانت البئر في أسفل الوادي و كان بين البئر و بينها تسعة أذرع لم ينجسها، و ما كان أقل من ذلك لم يتوضأ منه» «3» و هذه الروايات لا تنفك من ضعف، و أجودها الأخيرة مع انهم لم يبينوا القائل، لكن في ذلك احتياطا فلا بأس به.

فرع

إذا تغير ماء البئر تغيرا يصلح أن يكون من البالوعة، ففي نجاسته تردد، لاحتمال أن يكون منها و ان بعد، و الأحوط التنجيس، لان سبب النجاسة قد وجد فلا يحال على غيره، لكن هذا ظاهر لا قاطع، و الطهارة في الأصل متيقنة فلا تزال بالظن.

مسئلة: و أما «المضاف» فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه و يصح سلبه عنه،

كالمعتصر، و المصعد، و الممزوج بما يسلبه الإطلاق، و انما قال بإطلاقه لأن المضاف يتناوله الاسم، لكن لا بالإطلاق بل بقيد الإضافة. و قوله «و يصح سلبه عنه» فإنك تقول «ماء الورد» و يصح أن تقول: ليس هذا بماء. ثمَّ بين إضافته فإنه لا يخرج‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 3 ص 145.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 2 ص 145.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 1 ص 144.

80
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و أما«المضاف» فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه و يصح سلبه عنه، ؛ ج‌1، ص : 80

عن كونه متعصرا من جسم كماء الحصرم و الرمان، أو مصعدا كماء الورد و الخلاف، أو ممزوجا كالامراق، و غيرها، بما أضيف إليه ما يسلبه إطلاق الاسم.

قال: و كله طاهر لكن لا يرفع حدثا، اما طهارته فبإجماع الناس، و لأن النجاسة حكم مستفاد من أدلة الشرع و التقدير عدمها، و اما كونه لا يرفع حدثا فلقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً «1» فلوجب عند عدم الماء المطلق التيمم فسقطت الواسطة، و لقول الصادق عليه السّلام «و قد سئل عن الوضوء باللبن؟ فقال: انما هو الماء و الصعيد» «2» و «انما» للحصر، و لان المنع من الصلاة مع الحدث مستفاد من الشرع، فيقف بيان ما يزيل المنع على دلالته، و قد علم الاذن مع استعمال الماء المطلق، فينتفي مع غيره.

و حكى «الشيخ» في مسائل الخلاف عن بعض أصحاب الحديث: منا جواز الوضوء بما الورد. و قال «أبو جعفر بن بابويه» في كتابه: و لا بأس بالوضوء و الغسل من الجنابة و الاستياك بماء الورد. و ربما كان مستنده ما رواه سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى بن عبيدة، عن يونس، عن أبي الحسن عليه السّلام «في الرجل يتوضأ بماء الورد و يغتسل به؟ قال: لا بأس» «3».

و الجواب: الطعن في السند، فان سهلا و محمد بن عيسى ضعيفان، و ذكر ابن بابويه، عن أبي الوليد انه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى، عن يونس، ثمَّ نمنع دلالته على موضع النزاع، لأنه يحتمل السؤال عن الوضوء و الغسل به للتطيب و التحسن، لا لرفع الحدث، و لان تسميته بماء الورد قد تكون الإضافة قليلة لا يسلبه إطلاق اسم الماء، فيحتمل أن يكون الإشارة إلى مثله، و قال «الشيخ» في‌

______________________________
(1) النساء: 43.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 2 ح 1 ص 146.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 3 ح 1 ص 148.

81
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 82

التهذيب: هذا الخبر شاذ شديد الشذوذ و قد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره.

فرع

لا يجوز الوضوء «بالنبيذ» نيّا كان أو مطبوخا مع وجود الماء و عدمه، و حكي عن أبي حنيفة جواز الوضوء به مطبوخا مع عدم الماء في السفر، و ادعى ان عبد اللّه بن مسعود روى «انه كان مع النبي صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن، فأراد أن يصلي الفجر، فقال: أ معك وضوء؟ قال معي إداوة فيها نبيذ، فقال عليه السّلام ثمرة طيبة و ماء طهور» «1» و قد طعن في الحديث المذكور و ذكر ان رواية «أبو زيد» و هو مجهول، و قد سئل عبد اللّه بن مسعود هل كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن؟ فقال ما كان معه منا أحد، وددت اني كنت معه.

قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» و قال النبي صلى اللّه عليه و آله:

«الصعيد الطيب طهور للمسلم ان لم يجد الماء» «3» و عن الصادق عليه السّلام «انما هو الماء و الصعيد» «4» و اتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغيره من المائعات.

مسئلة: و في طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع،

قال «الشيخ ره» في النهاية: المياه المضافة لا يجوز استعمالها في الطهارات، و لا في إزالة النجاسة، و هو مذهبه في سائر كتبه. قال في الخلاف: و هو مذهب أكثر أصحابنا. و قال «علم الهدى» رضي اللّه عنه في شرح الرسالة: يجوز عندنا إزالة النجاسة بالمائع الطاهر غير الماء. و بمثله قال المفيد (ره) في المسائل الخلافية. لنا ما رواه الجمهور عن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 9.

(2) النساء: 43.

(3) سنن البيهقي ج 1 أبواب الطهارة ص 212 رواه مع تفاوت.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 2 ح 1 ص 146.

82
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع، ؛ ج‌1، ص : 82

التهذيب: هذا الخبر شاذ شديد الشذوذ و قد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره.

فرع

لا يجوز الوضوء «بالنبيذ» نيّا كان أو مطبوخا مع وجود الماء و عدمه، و حكي عن أبي حنيفة جواز الوضوء به مطبوخا مع عدم الماء في السفر، و ادعى ان عبد اللّه بن مسعود روى «انه كان مع النبي صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن، فأراد أن يصلي الفجر، فقال: أ معك وضوء؟ قال معي إداوة فيها نبيذ، فقال عليه السّلام ثمرة طيبة و ماء طهور» «1» و قد طعن في الحديث المذكور و ذكر ان رواية «أبو زيد» و هو مجهول، و قد سئل عبد اللّه بن مسعود هل كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن؟ فقال ما كان معه منا أحد، وددت اني كنت معه.

قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» و قال النبي صلى اللّه عليه و آله:

«الصعيد الطيب طهور للمسلم ان لم يجد الماء» «3» و عن الصادق عليه السّلام «انما هو الماء و الصعيد» «4» و اتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغيره من المائعات.

مسئلة: و في طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع،

قال «الشيخ ره» في النهاية: المياه المضافة لا يجوز استعمالها في الطهارات، و لا في إزالة النجاسة، و هو مذهبه في سائر كتبه. قال في الخلاف: و هو مذهب أكثر أصحابنا. و قال «علم الهدى» رضي اللّه عنه في شرح الرسالة: يجوز عندنا إزالة النجاسة بالمائع الطاهر غير الماء. و بمثله قال المفيد (ره) في المسائل الخلافية. لنا ما رواه الجمهور عن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 9.

(2) النساء: 43.

(3) سنن البيهقي ج 1 أبواب الطهارة ص 212 رواه مع تفاوت.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 2 ح 1 ص 146.

82
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع، ؛ ج‌1، ص : 82

النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال لأسماء: «حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء» «1» و ما رواه الحسين ابن أبي العلاء، و أبو إسحاق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في البول يصيب الجسد، قال:

يصب عليه الماء مرتين» «2» و الحلبي عنه عليه السّلام «في بول الصبي قال: يصب عليه الماء» «3» فلو جاز ازالته بغير الماء لكان التعيين تضييقا لما فيه من الحرج.

الثاني: ان ملاقاة النجاسة موجب لنجاسته، و النجس لا تزال به النجاسة، لا يقال: كما ارتفعت النجاسة بالماء مع تنجسه بالملاقاة فكذا المائع. لأنا نمنع نجاسة الماء عند وروده على النجاسة كما هو مذهب «علم الهدى» رضي اللّه عنه في الناصريات، أو نقول: مقتضى الدليل المنع فيهما، ترك العمل بمقتضاه في الماء إجماعا، و لضرورة الحاجة، فلو سوى غيره به لزم تكثير مخالفة الدليل.

الثالث: منع الشرع من استصحاب الثوب النجس في الصلاة، فيقف زوال المنع على اذنه. احتج بما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال لخولة بنت يسار:

«حتّيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه» «4» و بما روي عن الصادق عليه السّلام في المني «إذا عرفت مكانه فاغسله و الا فاغسل الثوب كله» «5» و قوله عليه السّلام «إذا أصاب الثوب المني فليغسل» «6» و لم يذكر الماء.

ثمَّ الأصل جواز الإزالة بكل مزيل للعين، فيجب عند الأمر المطلق، جوازه تمسكا «بالأصل» ثمَّ الغرض ازالة عين النجاسة، يشهد لذلك ما رواه حكم بن حكيم الصيرفي عن الصادق عليه السّلام قلت: «لا أصيب الماء و قد أصاب يدي البول فأمسحها‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 13.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 3 ص 1001.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 3 ح 2 ص 1003.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 13.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 7 ح 7 ص 1007.

(6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 7 ح 5 ص 1006.

83
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ينجس بالملاقاة و ان كثر، ؛ ج‌1، ص : 84

بالحائط و التراب، ثمَّ تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي، قال: لا بأس» «1» و عن غياث بن إبراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق» «2».

و الجواب: قوله: اقتصر على الغسل، قلنا: يكفي في دلالته على الماء، لأنه هو المعروف عند الإطلاق كما يعلم مراد الأمر بقوله اسقني اسقني، قوله: «الأصل جواز الإزالة» قلنا: حق كما ان الأصل أن لا منع فلما منع الشرع من الدخول في الصلاة، وقف الدخول على اذنه. و اما خبر حكم بن حكيم فإنه مطرح، لان البول لا يزول عن الجسد بالتراب باتفاق منا و من الخصم، و أما خبر غياث فمتروك، لان غياثا بتري ضعيف الرواية، فلا يعمل على ما ينفرد به، و لو صحت نزلت على جواز الاستعانة في غسله بالبصاق، لا ليطهر المحل به منفردا، فان جواز غسله به لا يقتضي طهارة المحل، و لم يتضمن الخبر ذلك، و البحث ليس الا فيه.

مسئلة: و ينجس بالملاقاة و ان كثر،

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا، قال «الشيخ ره» في النهاية فإن وقع فيها شي‌ء من النجاسة لم يجز استعمالها على حال الا عند الضرورة. و قال في المبسوط: إذا وقع فيه شي‌ء من النجاسة لم يجز استعماله، قليلا كان، أو كثيرا، قلّت النجاسة، أو كثرت، تغيّر أحد أوصافه، أو لم يتغير، و لا طريق الى تطهيره الا أن يختلط بما زاد على الكر من الماء الطاهر المطلق، و لم يسلبه إطلاق اسم الماء، و لا غيّر أحد أوصافه، فإن سلبه، أو غيّر أحد أوصافه لم يجز استعماله، و ان لم يغيره و لم يسلبه جاز استعماله فيما تستعمل فيه المياه المطلقة، روى الجمهور، ان النبي صلى اللّه عليه و آله «سئل عن الفأرة تموت في السمن؟

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 6 ح 1 ص 1005.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 4 ح 2 ص 149.

84
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال: و ما يرفع به الحدث الأصغر طاهر مطهر، ؛ ج‌1، ص : 85

فقال: ان كان جامدا فألقوها و ما حولها، و ان كان مائعا فلا تقربوه» «1».

و روى الخاصة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فان كانت جامدا فألقها و ما يليها، و كل ما بقي، و ان كان ذائبا فلا تأكله و لكن أسرج به» «2» و روى السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة، فقال عليه السّلام: يهرق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل» «3» و لأن المائع قابل للنجاسة، و النجاسة موجبة لنجاسة ما لاقته، فيظهر حكمها عند الملاقاة ثمَّ تسري النجاسة بممازجة المائع بعضه بعضا.

مسئلة: قال: و ما يرفع به الحدث الأصغر طاهر مطهر،

هذا مذهب فقهائنا لم أعلم فيه خلافا، قال في المبسوط: ما استعمل في الوضوء و الأغسال المسنونة يجوز استعماله في رفع الاحداث، و بمعناه قال: في النهاية و مسائل الخلاف و كذا قال «المفيد» في المقنعة و «ابن بابويه» و يدل عليه أيضا ما رواه الجمهور، ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «الماء لا يجنب» «4» و عنه عليه السّلام «الماء ليس عليه جنابة» «5» و رووا «انه عليه السّلام كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه، و صب عليه السّلام على جابر من وضوئه» «6» و من طريق الخاصة ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «كان النبي صلى اللّه عليه و آله إذا توضأ أخذوا ما سقط عن وضوئه فيتوضؤن به» «7» و لان الاستعمال لم يسلبه الإطلاق لغة و لا شرعا فيكون مطهرا، للاية، و الخبر، و لأنه ماء طاهر استعمل في محل طاهر‌

______________________________
(1) مسند أحمد حنبل ج 2 ص 265.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 5 ح 1 ص 149.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 5 ح 3 ص 150.

(4) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 82.

(5) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 132.

(6) رواه أحمد في مسنده ج 4 ص 329 (مع تفاوت).

(7) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 8 ح 1 ص 152.

85
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ما يرفع به الأكبر طاهر، ؛ ج‌1، ص : 86

فيبقى على قوته. و تعلل الجمهور بأنه مضاف الى الاستعمال فلا يرفع الحدث، باطل، من حيث لم يؤثر فيه الاستعمال تغير وصف و لا هيئة، يقتضي زوال الاسم عنه، و قولهم انتقل اليه المنع بالاستعمال مصادرة، لأنه نفس النزاع.

مسئلة: و ما يرفع به الأكبر طاهر،

و في رفع الحدث به ثانيا قولان: المروي المنع، هذا مذهب «الشيخين» و مذهب «ابن بابويه» و قال «علم الهدى» رضي اللّه عنه: هو باق على تطهيره، أما الطهارة فمذهب الأصحاب اجتماعا، لان التنجيس مستفاد من أدلة الشرع، و حيث لا دلالة فلا تنجيس. و اما المنع من رفع الحدث به فلما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ به و أشباهه» «1» و ما رواه بكر بن كرب، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يغتسل من الجنابة و يغسل رجليه بعد الغسل، فقال: ان كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه، فلا عليه أن يغسلهما، و ان كان يغتسل في مكان يستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما» «2».

و ما رواه محمد بن إسماعيل قال: «سمعت رجلا يقول لأبي عبد اللّه عليه السّلام اني أدخل الحمام في السحر و فيه الجنب، و غير ذلك، فاغتسل و ينتضح علي بعد ما أفرغ من مائهم، قال: أ ليس هو جار؟ قلت: بلى، قال: لا بأس» «3» و ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما قال: «سألته عن ماء الحمام؟ فقال: ادخله بإزار و لا تغتسل من ماء آخر الا أن يكون فيه جنب، أو يكثر أهله فلا تدري فيه جنب أم لا» «4» و ما روي عن أبي الحسن الأول عليه السّلام «و لا تغتسل من ماء البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 13 ص 155.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 27 ح 3 ص 506.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 8 ص 154.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 7 ح 5 ص 111.

86
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ما يرفع به الأكبر طاهر، ؛ ج‌1، ص : 86

فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت عليهم السّلام» «1» و لأنه ماء لا يقطع بجواز استعماله في الطهارة، فلا يتيقن معه رفع الحدث، فيكون الأصل بقاء الحدث.

و يؤكده ما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم و لا يغتسل فيه من جنابة» «2» و لا يقال: ان لم يجز استعمال الماء المغتسل به من الجنابة و شبهه في الطهارة، لم يجز استعمال ماء الوضوء، و الا فما الفرق؟

لأنا نقول مقتضى الأصل التسوية، لكن الفرق بالأحاديث المانعة من ماء غسل الجنابة دون ماء الوضوء، كما حصل الفرق بينهما في إيجاب النزح في البئر على قول كثير منا، و يمكن أن يقال: اما الحديث الأول ففي سنده ضعف، لان سعدا رواه عن ابن فضال، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، و ابن فضال فطحي، و ابن هلال ضعيف جدا.

و أما الأحاديث الباقية فغير صريحة بالمنع من استعماله، و قوله: «ماء لا يقطع بجواز استعماله» قلنا: لا نسلم، لان كل دليل دل على جواز استعمال ماء المطلق يتناول هذا الموضع. و أما النهي عن البول في الماء الدائم و الاغتسال فيه، فغير دال على موضع النزاع، لجواز أن يتعلق النهي بالمنع تعبدا، لان الاغتسال يحدث منعا من الاستعمال على أنه يحتمل كراهة ذلك تنزيها عما تعافه النفس، و قد بينا في رواية الفضل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان ذلك يكره» «3».

احتج من أجاز الطهارة به، بما رواه الجمهور «ان النبي صلى اللّه عليه و آله اغتسل من الجنابة، فرأى لمعة لم يصبها الماء فعصر شعره عليها لأنه ماء طاهر لم يسلبه الاستعمال‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 11 ح 1 ص 158.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 256.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 ص 107.

87
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 88

سمة الماء المطلق فيكون مطهرا، أو لأنه لو لم يكن مطهرا لزم جواز التيمم معه، لكنه باطل، لان التيمم مشروط بعدم الماء المطلق المقدور على استعماله، و الأولى عندي تجنبه، و الوجه التفصي من الاختلاف، و الأخذ بالأحوط.

قال «الشيخ» في النهاية: متى حصل الإنسان عند غدير أو قليب فليدخل يده و يتوضأ منه، و ان أراد الغسل و خشي ان نزل فساد الماء فليرش عن يمينه و يساره و أمامه، ثمَّ ليأخذ كفا كفا يغتسل به. قيل: المراد به أن يرش الأرض لتجتمع أجزائها فيمنع سرعة انحدار ما انفصل عن جسده إلى البئر. و قال الصهرشتي: يبل جسده ثمَّ يغسل به ليتعجل الاغتسال قبل انحدار الماء المنفصل عن جسده إلى البئر.

و اعلم ان عبارة «الشيخ» لا تنطبق على الرش الا أن يجعل في نزل ضمير ماء الغسل، فيكون التقدير و خشي ان نزل ماء الغسل فساد الماء، و الا بتقدير أن يكون في نزل ضمير المريد لا ينتظم المعنى، لأنه ان أمكنه الرش لا مع النزول أمكنه الاغتسال من غير نزول. و يدل على أن مراده ما ذكرناه ما رواه أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي في جامعه عن عبد الكريم، عن محمد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن الجنب ينتهي إلى الماء القليل، و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه، و كف عن خلفه، و كف عن يمينه، و كف عن شماله و يغتسل» «1».

فرع

و كل ذلك بناء على ان المنقول عن الأئمة عليهم السّلام ما ذكره (ره) في النهاية و «القدر» الذي نقلناه هو ما رواه علي بن جعفر، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن الماء في ساقية أو منقطع، أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يبلغ‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 10 ح 2 ص 157.

88
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 89

صاعا للجنابة، و لا مدا للوضوء، و هو متفرق، كيف يصنع؟ قال: إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفا فلينضحه خلفه، و كفا عن يمينه، و كفا عن شماله، فإن خشي أملأ ماء يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات، ثمَّ يمسح جسده بيده، فان ذلك يجزيه» «1» فان كان «الشيخ» أراد في النهاية هذا الحديث فهو غير دال على ما ذكره، و يكون المطالبة متوجهة إلى الشيخ (ره) على تحقيق ما ذكره (ره)، اما الرواية فمعناها أن يبل جسده للغسل لا غير و ان كان منافيا للمذهب في مراعاة الترتيب، في الاجتزاء يمسح البدن، و الرواية شاذة فلا تتشاغل بتفسيرها.

فروع

الأول: انما يحكم بطهارة ما يغتسل به إذا لم يكن على جسد المتطهر عين النجاسة،

اما لو لاقى نجاسة كان نجسا، و لم يجز استعماله، سواء كان استعمل في الوضوء أو الغسل.

الثاني: إذا بلغ الماء المستعمل في الكبرى كرا فصاعدا لم يزل عنه المنع،

و قطع «الشيخ» في المبسوط على زوال المنع، و تردد في الخلاف. لنا ان ثبوت المنع معلوم شرعا فيقف ارتفاعه على وجود الدلالة، و ما يدعى من قول الأئمة عليهم السّلام:

«إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» «2» لم نعرفه و لا نقلناه عنهم، و نحن نطالب المدعي نقل هذا اللفظ بالإسناد إليهم، اما قولهم عليهم السّلام «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» فإنه لا يتناول موضع النزاع، لان هذا الماء عندنا ليس بنجس، فلو بلغ كرا ثمَّ وقعت فيه نجاسة، نعم «لم تنجسه» لا يرتفع ما كان فيه من المنع، و لا يلزم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 10 ح 1 ص 156.

(2) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 27.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5 و 6 ص 118.

89
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: المستعمل في غسل الجنابة يجوز إزالة النجاسة به، ؛ ج‌1، ص : 90

على ذلك لو اغتسل في كر فصاعدا، و الا لمنع، و لو اغتسل في البحر.

الثالث: المستعمل في غسل الجنابة يجوز إزالة النجاسة به،

لأنه ماء مطلق طاهر فجاز إزالة النجاسة به، لقوله عليه السّلام: «ثمَّ اغسليه بالماء» «1» و قول الصادق عليه السّلام:

«في البول يصيب الجسد، قال: يصب عليه الماء مرتين» «2».

الرابع: ما يستعمل في الأغسال المندوبة أو غسل الثوب الطاهر باق على تطهيره،

لان الاستعمال لم يسلبه الإطلاق فيجب بقاؤه على التطهير للاية، و لقوله عليه السّلام «الماء طهور» «3».

مسئلة: و فيما يزال به الخبث لم يتغير النجاسة قولان: أشبههما التنجيس

عدا ماء الاستنجاء، اما نجاسته مع التغيير فبإجماع الناس، و لما بيناه من أن غلبة النجاسة على الماء مقتضية لتنجيسه، و إذا لم يتغير فقد اختلف قول الشيخ (ره) فقال في المبسوط: هو نجس. و في الناس من قال: لا ينجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه و هو قوي، و الأول أحوط، و جزم في مسائل الخلاف بنجاسة الاولى، و طهارة الغسلة الثانية، و القول بنجاستهما أولى، طهر محل النجاسة أو لم يطهر.

لنا ماء قليل لاقى النجاسة فيجب أن ينجس، و ما رواه العيص بن القسم قال:

«سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء، فقال: ان كان من بول، أو قذر، فيغسل ما أصابه» «4» أما رفع الحدث به أو بغيره مما يزال النجاسة فلا، إجماعا، و لما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به و أشباهه» «5» و هاتان الروايتان فيهما ضعف،

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 113 الا انه رواه اقرصيه.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 3 ص 1001.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 10 ص 101.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 14 ص 156.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 13 ص 155.

90
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 91

غير ان النظر يؤيد ما تضمناه من المنع مما يزال به النجاسة.

و أما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين، و قال علم الهدى (ره) في المصباح: لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب و البدن، و كلامه صريح في العفو و ليس بصريح في الطهارة، و يدل على الطهارة ما رواه الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت: «أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، فقال: لا بأس به» «1» و ما رواه عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي يستنجي به أ ينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا» «2» و لأن التفصي منه عسر، فشرع العفو رفعا للعسر، و يستوي فيه ما يغسل به القبل و الدبر، لأنه يطلق في كل منهما لفظ الاستنجاء.

فرع

و إذا أصاب الثوب أو الجسد مما يغسل به إناء الولوغ، قال في مسائل الخلاف: لا يغسل، سواء كان من الأولى، أو الثانية، و تردد في المبسوط في نجاسة الاولى. و يقوى عندي وجوب الغسل منهما، لأنه ماء قليل لاقى النجاسة فيجب أن ينجس، إذا له «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «3» فيجب أن ينجس ما دونه، لتحقق معنى الشرط، احتج «الشيخ» بأنه لو كان المنفصل نجسا لما طهر الإناء، لأنه كان يلزم نجاسة البلّة الباقية بعد المنفصل، ثمَّ ينجس الماء الثاني بنجاسة البلة، و كذا ما بعده، و الجواب ان ثبوت الطهارة بعد الثانية ثابت بالإجماع فلا يقدح ما ذكره، و لأنه معفو عنه رفعا للحرج، و وافق على أنه لا يرفع به حدث.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 13 ح 1 ص 160.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 13 ح 5 ص 161.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5 و 6 ص 118.

91
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا يغتسل بغسالة الحمام الا أن يعلم خلوها من النجاسة، ؛ ج‌1، ص : 92

مسئلة: و لا يغتسل بغسالة الحمام الا أن يعلم خلوها من النجاسة،

قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه: و لا يجوز التطهير بغسالة الحمام. و قال في النهاية:

و غسالة الحمام لا يجوز استعمالها على حال، لنا ما روي عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال: «و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت عليهم السّلام» «1» و لأنه ماء مجتمع من مياه مخبثة فيبقى على نجاسته، لما بيّناه فيما سلف و قوله: «الا أن يعلم خلوها من النجاسة» لأن الحديث المانع من استعماله علل المنع، «باجتماعه من النجاسة» فينتفي التنجيس عند انتفاء السبب، و لأن الأصل في الماء الطهارة فلا يقضي بالنجاسة إلا مع اليقين بوجود المقتضي.

و يؤيد ذلك ما ذكره ابن بابويه في كتابه، عن أبي الحسن عليه السّلام عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: لا بأس» «2» و هذه رواها أبو يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام و هي و ان كانت مرسلة الا أن الأصل يؤيدها، و بعض المتأخرين قال: و غسالة الحمام، و هو المستنقع لا يجوز استعمالها على حال، و قال: هذا «إجماع» و قد وردت به أخبار معتمدة قد أجمع عليها، و دليل الاحتياط يقتضيها.

و نقل لفظ النهاية و هو خلاف الرواية و خلاف ما ذكره ابن بابويه (ره)، و لم نقف على رواية بهذا الحكم سوى تلك الرواية، و رواية مرسلة ذكرها الكليني (ره) قال بعض أصحابنا عن ابن جمهور و هذه مرسلة، و ابن جمهور ضعيف جدا، ذكر ذلك: «النجاشي» في كتاب الرجال فأين الإجماع و أين الأخبار المعتمدة و نحن نطالبه بما ادعاه و أفرط في دعواه.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 11 ح 1 ص 158.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 9 ص 154.

92
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أما«الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر، ؛ ج‌1، ص : 93

مسئلة: أما «الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر،

و السؤر «مهموزا» بقية المشروب، و ما ذكرناه اختيار «الشيخ ره» في النهاية و «علم الهدى» في المصباح و أما الشيخ في الاستبصار و التهذيب الى المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه، و قال في المبسوط «الآدمي» طاهر عدا الكافر، و الطير، و البهائم الوحشية، كلها طاهرة، عدا الكلب و الخنزير، و التي لا يؤكل من الإنسية كلها نجسة، عدا ما لا يمكن التحرز منه كالفأرة، و الحية، و الهرة و غير ذلك.

لنا ما رواه الجمهور، عن جابر، ان النبي صلى اللّه عليه و آله «سئل أ يتوضأ بما أفضلته الخمر؟ فقال نعم، و بما أفضلته السباع كلها» «1» و ما رووه عن زيد بن أسلم، ان النبي صلى اللّه عليه و آله «سئل عن الحياض تنق بها السباع، و الدواب، فقال: لها ما حملت في بطونها، و ما بقي فهو لنا شراب و طهور» «2» و وجه الدلالة عدم الفرق في الجواب بين قليله و كثيره، و من طريق الخاصة ما رواه أبو العباس الفضل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الشاة، و البقرة، و الحمار، و الإبل، و البغل، و الوحش، و الهرة، و السباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس، حتى انتهيت الى الكلب، فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله، و أصيب ذلك الماء» «3» و عن معاوية بن شريح قال: «سأل عذافر، أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده عن سؤر السنور، و الشاة، و البقرة، و البغل، و الحمار، و الفرس، و السبع، أ يشرب منه و يتوضأ؟

فقال: نعم، قلت: الكلب؟ قال لا، قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا و اللّه انه رجس لا و اللّه انه رجس» «4» و أما سؤر الطيور فطاهر، الا ما كان على منقاره نجاسة دما أو‌

______________________________
(1) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 83.

(2) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 173 (مع تفاوت).

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4 ص 163.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 6 ص 163.

93
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أما«الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر، ؛ ج‌1، ص : 93

غيره، لما رواه علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بفضل الحمام و الدجاجة، و الطير» «1» و ما رواه عمار عنه عليه السّلام قال: «كل الطيور يتوضأ بماء يشرب منه، الا أن يرى في منقاره دما» «2».

لا يقال: علي بن حمزة واقفي، و عمار فطحي، فلا يعمل بروايتهما لأنا نقول: الوجه الذي لأجله عمل برواية الثقة قبول الأصحاب، و انضمام القرينة، لأنه لو لا ذلك، لمنع العقل من العمل بخبر الثقة، إذ لا وثوق بقوله، و هذا المعنى، موجود هنا، فإن الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا هناك، و لو قيل: فقد رد رواية كل واحد منهما في بعض المواضع، قلنا: كما ردّوا رواية الثقة في بعض المواضع متعللين بأنه خبر واحد، و الا فاعتبر كتب الأصحاب فإنك تراها مملوة من رواية علي المذكور، و عمار، على انا لم نر من فقهائنا من رد هاتين الروايتين، بل عمل المفتين منهم بمضمونها.

و يؤيدهما ان مقتضى الدليل الطهارة، و انما يصار إلى النجاسة لدلالة الشرع و حيث لا دلالة فلا تنجيس. و استدل «الشيخ» في التهذيب على نجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه، برواية عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره» «3» قال: هذا يدل على أن ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الوضوء بسؤره و لا يشرب منه، و الجواب الطعن بضعف السند، و وجود المعارض السليم، فإن الراوي له أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار، و الجماعة فطحية فلا يترك لأجله رواية الفضل، و بأن دلالته على موضع النزاع بدليل الخطاب و هو متروك عند المحققين.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 1 ص 166.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.

94
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أما«الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر، ؛ ج‌1، ص : 93

و ما رواه الجمهور، من قول النبي صلى اللّه عليه و آله «في الحمر يوم خيبر، انه رجس» «1» فهو ضعيف، قال البخاري: رواه ابن أبي حبيبة، و هو منكر الحديث، و إبراهيم ابن يحيى، و هو كذاب، و أما نجاسة ما استثنيناه من الكلب، و الخنزير، و الكافر فلأنها نجاسة الأعيان فينجس القليل بمباشرتها، أما الكلب، فلما رواه الجمهور، عن أبي هريرة، ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا» «2» و في رواية عنه، عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا وقع الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا» «3» و أما الخنزير فلقوله تعالى أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «4» و الرجاسة: النجاسة، و من طريق الخاصة، ما رواه محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل، قال: يغسل المكان الذي أصابه» «5».

و ما رواه محمد بن يعقوب الكليني (ره)، بإسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فيذكر و هو في صلاته، قال: إذا دخل في صلاته فليمض، و ان لم يدخل فلينضح ما أصاب من ثوبه، الا أن يكون فيه أثر فيغسله، قال: و سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟

قال: يغسل سبع مرات» «6».

و أما الكفار فقسمان: يهود و نصارى، و من عداهما، أما القسم الثاني: فالأصحاب‌

______________________________
(1) رواها مسلم في صحيحه من كتاب الصيد و الذبائح ج 3 ص 1541 (بغير هذه العبارة).

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 240.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 241 رواه بلفظة ولغ.

(4) الأنعام: 145.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 12 ح 8 ص 1016.

(6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 13 ح 1 ص 1017.

95
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أما«الأسئار» كلها طاهرة عدا الكلب، و الخنزير، و الكافر، ؛ ج‌1، ص : 93

متفقون على نجاستهم، سواء كان كفرهم أصليا أو ارتدادا، لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «1» و لقوله تعالى كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «2» لا يقال: «الرجس» العذاب رجوعا الى أهل التفسير، لأنا نقول:

حقيقة اللفظ يعطي ما ذكرناه، فلا يستند الي مفسر برأيه، و لان «الرجس» اسم لما يكره فهو يقع على موارده بالتواطؤ، فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق، و أما اليهود و النصارى «فالشيخ» قطع في كتبه بنجاستهم، و كذا «علم الهدى» و الاتباع و «ابنا بابويه» و «للمفيد» قولان: أحدهما: النجاسة، ذكره في أكثر كتبه و الأخر الكراهية ذكره في الرسالة الغرية.

لنا ما رواه الجمهور، عن أبي ثعلبة الخشني قال: «قلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله انا بأرض قوم أهل كتاب نأكل في آنيتهم، فقال: لا تأكلوا فيها الا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوه ثمَّ كلوا فيها» «3» لا يقال: يحمل على ما إذا لاقوها بالنجاسة لأن الغالب عليهم مباشرة النجاسات، لأنا نقول: اللفظ مطلق فيحمل على المباشرة كيف كان.

و من طريق الخاصة ما رواه سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن سؤر اليهودي، و النصراني، أ يتوضأ منه؟ قال: لا» «4» و ما رواه أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام «في مصافحة المسلم لليهودي، و النصراني، فقال: من وراء الثياب، فان صافحك بيده فاغسلها» «5» يعني «يدك» و عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام‌

______________________________
(1) التوبة: 28.

(2) الأنعام: 125.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 33.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 3 ح 1 ص 165.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 5 ص 1019.

96
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 97

قال: «سألته عن رجل صافح مجوسيا، قال يغسل يده و لا يتوضأ» «1».

و ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام في شراء الثوب، قال: «ان اشتراه من مسلم فليصل فيه، و ان اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله» «2» و عنه، عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن اليهودي، و النصراني، يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه؟ فقال: لا، الا أن يضطر اليه» «3». لا يقال: هذا الاستثناء يدل على عدم النجاسة، لأنه لو حكم بنجاسته لما أجاز الوضوء مع الاضطرار، لأنا نقول: لعل المراد بالوضوء التحسين لا رفع الحدث، و يلزم من المنع منه للتحسين المنع من رفع الحدث، و هو أولى.

فروع

الأول: يكره سؤر «الجلال»

و هو ما يأكل العذرة محضا، و به قال «علم الهدى ره» في جهل العلم و العمل، و استثناه من المباح في المصباح. و كذا «الشيخ ره» في المبسوط. لنا خبر الفضل أبي العباس (رض)، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لأن الطهارة هي مقتضى الأصل، لا يقال: رطوبة أفواهها عن غذاء نجس، فيحكم بنجاسته، لأنا نمنع الملازمة، و لأنه منقوض ببصاق من شرب الخمر إذا لم يتغير، و بما لو أكلت غير العذرة مما هو نجس، لا يقال: عرقها نجس فلعابها نجس، لأنا نمنع الملزوم و اللازم، و سيجي‌ء تحريره.

الفرع الثاني: أسئار المسلم طاهرة

و ان اختلفت آراؤهم، عدا الخوارج و الغلات، و قال «الشيخ ره» في النهاية بنجاسة المجبرة و المجسمة. و خرج بعض‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 3 ص 1018.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 10 ص 1020.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 9 ص 1020.

97
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الثالث: يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير ؛ ج‌1، ص : 98

المتأخرين بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف، لنا ان النبي صلى اللّه عليه و آله لم يكن يجتنب سؤر أحدهم و كان يشرب من الموضع الذي تشرب منه عائشة بعده، و لم يجتنب علي عليه السّلام سؤر أحد من الصحابة مع مباينتهم له، و لا يقال: كان ذلك تقية، لأنه لا يصار إليها إلا مع الدلالة.

و عن علي عليه السّلام «انه سئل أ تتوضأ من فضل جماعة المسلمين أحب إليك أو تتوضأ من ركو أبيض محمر؟ فقال: لا، بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم الى اللّه الحنيفية السهلة السمحة» «1» ذكره أبو جعفر بن بابويه في كتابه، و عن عيص بن القسيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يغتسل هو و عائشة من إناء واحد» «2» و لأن النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة.

أما الخوارج: فيقدحون في علي عليه السّلام، و قد علم من الدين تحريم ذلك فهم بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الإجماع، و هم المعيّنون بالنصاب.

و أما الغلاة: فخارجون عن الإسلام و ان انتحلوه، و قال: ابن بابويه (ره) في كتابه لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا، و الوجه الكراهية. لنا التمسك بالأصل، و ربما تعلل المانع بأنه كافر، و نحن نمنع ذلك، و نطالبه بدليل دعواه، و لو ادعى الإجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية، فإنا لا نعلم ما ادعاه.

الفرع الثالث: يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير

إذا خلا موقع الملاقاة من النجاسة، و لا يحرم، و به قال علم الهدى في المصباح، و استثنى الشيخ ذلك من المباح في النهاية و المبسوط. لنا الاذن في استعمال سؤر الطيور و السباع، يدل على ذلك: انها لا تنفك عن ذلك عادة، و في مسائل عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عما يشرب منه صقر أو عقاب، فقال: كل شي‌ء من الطيور تتوضأ مما يشرب منه الا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 8 ح 3 ص 152.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 7 ح 1 ص 168.

98
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الرابع: إذا أكلت«الهرة» ميتا ثم شربت لم ينجس الماء ؛ ج‌1، ص : 99

أن ترى في منقاره دما» «1».

الفرع الرابع: إذا أكلت «الهرة» ميتا ثمَّ شربت لم ينجس الماء

و ان قل، سواء غابت أو لم تغب، ذكره الشيخ في المبسوط، لعموم الأحاديث المبيحة لسؤر الهرة، منها رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في كتاب علي عليه السّلام «ان الهرة سبع و لا بأس بسؤره، و اني لأستحي من اللّه ان ادع طعاما لأن الهرة أكل منه» «2».

الفرع الخامس: قال في المبسوط يكره سؤر «الحائض»

و أطلق. و كذا قال: علم الهدى رضي اللّه عنه في المصباح، و كره سؤر المتهمة لا المأمونة، و يريد «بالمأمونة» المستحفظة من الدم و «بالمتهمة» ضدها. و ما في النهاية أولى مصيرا الى الخبر المقيد بالتهمة، رواه العيس بن القسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في سؤر الحائض، قال: يتوضأ منه، و من سؤر الجنب: إذا كانت مأمونة» «3» و رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام «عن الرجل يتوضأ بفضل وضوء الحائض، قال: إذا كانت مأمونة فلا بأس» «4» و لان مع عدم التحفظ يتطرق ظن النجاسة، و مع ظن النجاسة يكره الاستعمال استظهارا للعبادة.

الفرع السادس: قال بعض الأصحاب: لعاب «المسوخ» نجس

كالدب، و القرد، و الثعلب، و الأرنب، و الفيل، و قال الشيخ: المسوخ نجسة. و الوجه الكراهية دفعا لشبهة الاختلاف، و يدل على الطهارة خبر الفضل، و لأن الطهارة هي مقتضى الأصل فيحكم بها مع عدم الدلالة على التنجيس، و السؤر يبنى على اللعاب.

الفرع السابع: قال في المبسوط: يكره سؤر «الدجاج» على كل حال،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 2 ح 2 ص 164.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 7 ح 1 ص 168.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 8 ح 5 ص 170.

99
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الثامن: سؤر«الحشار» طاهر، ؛ ج‌1، ص : 100

و هو حسن ان قصد المهملة، لأنها لا تنفك من الاغتذاء بالنجاسة.

الفرع الثامن: سؤر «الحشار» طاهر،

و هو قول الجماعة، و المستند الأحاديث السابقة، و التمسك بمقتضى الأصل.

الفرع التاسع: لا بأس بسؤر «الفأرة» و «الحية» و كذا لو وقعتا في الماء و خرجتا،

و قال في النهاية: الأفضل ترك استعماله. لنا رواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت في الإناء، أن يشرب منه و يتوضأ» «1».

الفرع العاشر: قال في النهاية: لا يجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ و ان خرج حيا،

و كذا قال ابن بابويه في كتابه: و الوجه الكراهية تمسكا بالأصل. و لأنه ليس بنجس العين، و لما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن العظاة، و الحية، و الوزغ، يقع في الماء فلا تموت أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا بأس به» «2».

الفرع الحادي عشر: لا بأس أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة إذا لم يلاق نجاسة عينية،

و كذا الرجل، لما بيّناه من بقائه على التطهر، و لما روته ميمونة قالت: «اغتسلت من جفنة ففضلت منها فضلة، فقلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله اني اغتسلت منه، فقال: الماء ليس عليه جنابة» «3» و قال ابن حنبل: يكره إذا حلّت به المرأة، لما روى الحكم بن عمرو «ان النبي صلى اللّه عليه و آله نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة» «4»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 9 ح 2 ص 171.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 9 ح 2 ص 171.

(3) رواه البيهقي في السنن ج 1 ص 188 و مسلم و البخاري في أبواب الطهارة من صحيحها بغير هذه العبارة.

(4) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 132.

100
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: ما لا نفس له سائلة كالذباب، و الجراد، و الخنافس، لا ينجس بالموت، ؛ ج‌1، ص : 101

و الحديث ضعيف طعن فيه محمد بن إسماعيل، و قال هو موقوف، و من رفعه فقد أخطأ.

مسئلة: ما لا نفس له سائلة كالذباب، و الجراد، و الخنافس، لا ينجس بالموت،

و لا ينجس الماء بموته و لا المائعات، و نعني «بالنفس السائلة» الدم الذي يخرج من عرق، و هذا مذهب علمائنا أجمع، و قال الشافعي: نجس بالموت و ينجس ما يموت فيه عدا السمك. لنا ما رواه الجمهور، عن سلمان عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «أيما طعام أو شراب ماتت فيه دابة ليس لها نفس سائلة فهو الحلال أكله و شربه و الوضوء منه» «1».

لا يقال: طعن الترمذي في هذا الحديث بأن رواته بغية فهو مدلس، لأنا نقول:

صححه جماعة، و رووه عن المشاهير فزال بهم الطعن، و من طريق الخاصة ما رواه عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «انه سئل عن الخنفساء، و الذباب، و الجراد، و النملة، و ما أشبه ذلك يموت في اللبن و الزيت و السمن و شبهه؟ قال كل ما ليس له دم فلا بأس» «2» و ما رواه الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل شي‌ء سقط في البئر ليس له دم، مثل العقارب، و الخنافس، و أشباه ذلك، فلا بأس» «3».

و ما رواه حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال: «لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة» «4» لا يقال: عمار فطحي، و محمد بن سنان ضعيف، و حفص بن غياث القاضي عامي، لأنا نقول: هذه الروايات و ان ضعف سندها، فان فتوى الأصحاب يؤيدها، و يؤكدها قول الصادق عليه السّلام «الماء كله طاهر حتى يعلم‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 253 رواه مع تفاوت.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 1 ص 173.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 3 ص 173.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 4 ص 173.

101
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 102

انه قذر» «1» و لأنه ماء ثبتت طهارته و شك في نجاسته فيبقى على الطهارة.

فروع

الأول: ما يعيش في الماء و ان كان مما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء بموته،

كالسمك، و الضفدع، و السرطان، و ان كان له نفس سائلة كالتمساح، فإنه ينجس بموته، و قال «الشيخ» في الخلاف: إذا مات في الماء القليل ضفدع أو ما لا يؤكل لحمه مما يعيش في الماء لا ينجس الماء و أطلق. لنا انه حيوان له نفس سائلة و كان موته منجسا و لا حجة لهم في قوله عليه السّلام في البحر: «هو الطهور مائه، الحل ميتته» «2» لان التحليل مختص بالسموك و سيأتي تحريره.

الثاني: في ما لا نفس له إذا وقع في الماء القليل فغيّر أحد أوصافه لم تزل طهوريته

ما لم يسلبه الإطلاق، فإن سلبه بقي على طهارته و زالت الطهورية.

الثالث: ما تولد من الطاهرات طاهر،

و ما تولد من النجاسات كدود الحش و صراصره، ففي نجاسته تردد، وجه النجاسة أنها كائنة عن النجاسة فتبقى على النجاسة، و وجه الطهارة الأحاديث الدالة على طهارة ما مات فيه حيوان لا نفس له من غير تفصيل، و ترك التفصيل دليل إرادة الإطلاق، و لان تولده في النجاسة معلوم، أما منها فغير معلوم، فلا يحكم بنجاسته، و ان لاقى النجاسة إذا خلا من عين النجاسة.

و مثله السبع إذا أكل الجيف و كان فمه خاليا من عين النجاسة.

الرابع: إذا انقطع حيوان الماء فيه لم ينجسه

إذا لم يكن ذا نفس سائلة، و ينجسه ان كان له نفس إذا كان الماء قليلا.

الخامس: اتفق الأصحاب على نجاسة الآدمي بالموت،

لان له نفسا سائلة،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5 ص 100.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 3.

102
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: ما يموت فيه الوزغ، و العقرب، يكره، ؛ ج‌1، ص : 103

و لان زنجيا مات في بئر فأمر ابن عباس ينزحها، و لما رويناه عن الصادق عليه السّلام «من إيجاب نزح سبعين إذا مات في البئر» «1» و إذا غسل المسلم طهر، أما الكافر فلا يطهر، لأن طهارة المسلم مستفاد بالشرع فيبقى الكافر نجسا بالأصل.

السادس: ما يموت فيه الوزغ، و العقرب، يكره،

و هو اختيار «الشيخ ره» في المبسوط و قال في النهاية: لا بأس بما لا نفس له سائلة إلا العقرب و الوزغ.

و قال ابن بابويه في المقنع: إذا وقعت العضاية في اللبن حرم. لنا انه حيوان لا نفس له فلا ينجس و لا ينجس. أما رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن العضاية تقع في اللبن قال: يحرم اللبن» «2» فالوجه الكراهية، و قد قيل: ان فيها سما فالمنع للتوقي.

السابع: لو ضرب صيد محلل فوقع في الماء فمات، فان كان الجرح قاتلا فالماء على الطهارة، و الصيد على الحل،

و ان لم يكن قاتلا و احتمل أن يكون موته بالماء و الجرح فالصيد على الحظر، لعدم تيقن السبب المبيح، و في تنجيس الماء تردد، أحوطه التنجيس.

مسئلة: لو نجس أحد الإنائين و لم يتعين اجتنب ماؤهما،

و كذا قال في المبسوط. و قال في النهاية: وجب اهراق جميعه و التيمم، و بمثله قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه، و المفيد في المقنعة. و قال علم الهدى (ره) في المصباح: أراقهما و عدل الى غيرهما، فان لم يجد تيمم، و ما ذكره في المبسوط أشبه، أما المنع من استعمالهما فمتفق عليه، و لان يقين الطهارة في كل واحد منهما معارض بيقين النجاسة و لا رجحان، فيتحقق المنع، و لعل الشيخ استند في النهاية إلى رواية سماعة و عمار ابن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل معه إناءان وقع في أحدهما نجاسة لا يدري‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2 ص 141.

(2) الوسائل ج 16 أبواب الأطعمة المحرمة باب 46 ح 2 ص 466.

103
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 104

أيهما هو، و ليس يقدر على ماء غيره، قال: يهريقهما و يتيمم» «1» و عمار هذا و ان كان فطحيا، و سماعة و ان كان واقفيا، لا يوجب رد روايتهما هذه، اما أولا فلشهادة أهل الحديث لهما بالثقة، و اما ثانيا فلعمل الأصحاب بالحديث و لسلامتهما من المعارض.

و اما الأمر بالإراقة فيحتمل أن يكنى به عن الحكم بالنجاسة، لا تحتيم الإراقة، لأن استبقائه قد يتعلق به غرض، أما للتطهير، أو الاستعمال في غير الطهارة و الأكل و الشرب، و قد يكنى عن النجاسة بالإراقة في كثير من الاخبار تفخيما للمنع، و قيل:

وجوب الإراقة، ليصح التيمم، لأنه مشروط بعدم الماء، و هو تأويل ضعيف لان وجود الممنوع من استعماله لا يمنع التيمم كالمغصوب، و ما يمنع من استعماله مرض أو عدو، و منع الشارع أقوى الموانع، و حكم ما زاد على الإنائين في المنع حكم الإنائين.

فروع

الأول: «التحري» غير جائز في الإنائين

و فيما زاد عليهما، سواء كان هناك امارة، أو لم يكن، و سواء كان المشتبه بالطاهر نجسا أو نجاسة كالبول، أو مضافا، أو مستعملا، و لو انقلب أحدهما لم يجز التحري أيضا، لأن التحري ظن فلا يرتفع به يقين النجاسة، و لأنه لو كان التحري صوابا لا طرد في الماء و البول، و قد أجمعوا على اطراح التحري هناك.

الثاني: لو كان أحد الإنائين نجسا فتطهر بهما و صلى، لم يرتفع الحدث،

و لم تصح الصلاة، سواء قدمها أمام الصلاة أو صلى مع كل وضوء، لأنه ماء محكوم بالمنع منه، فيجري استعماله مجرى النجس، أما لو كان أحدهما ماء و الأخر مضافا أو مستعملا في الغسل الواجب فان وجد ماء مطلقا طاهرا على اليقين تطهر به، و ان‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 12 ح 1 ص 124.

104
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: مع الضرورة يستعمل أيهما شاء في غير الطهارة، ؛ ج‌1، ص : 105

لم يجد تطهر بهما و لم يتحر، و كذا قال في المبسوط و الخلاف، لأنه أمكن أداء الفرض بطهارة متيقنة.

الثالث: مع الضرورة يستعمل أيهما شاء في غير الطهارة،

و لا يلزمه التحري و ان كان أحدهما نجسا، لأن الضرورة مبيحة، و التحري لا يفيد اليقين فيسقط اعتباره.

الرابع: لو خاف العطش أمسك أيهما شاء،

لأنهما سواء في المنع، و مع خوف العطش يمسك النجس فكيف بالمشتبه.

الخامس: لو كان معه ماء طاهر و نجس غير مشتبهين، فعطش، شرب الطاهر و تيمم،

و كذا لو علم حاجته الى الماء استبقى الطاهر و تيمم للصلاة، لأن وجود النجس كعدمه.

مسئلة: و كل ما حكم بنجاسته لم يجز استعماله،

و لو اضطر معه إلى الطهارة تيمم، انما اعتبر «الحكم» لأنه أعم، إذ قد يحكم بنجاسة ما ليس بنجس في نفسه، و يريد «بالمنع من استعماله» الاستعمال في الطهارة أو ازالة الخبث أو الأكل أو الشرب دون غيره مثل بل الطين و سقي الدابة، و انما قال فلو «اضطر» لان عدم الماء مع الإلزام بالصلاة المفتقرة إلى الطهارة المائية نوع اضطرار الى البدل و هو التطهير بالتراب، و أما وجوب التيمم فلأن الماء المحكوم بنجاسته ممنوع من الطهارة به فجرى مجرى العدم.

الركن الثاني في الطهارة المائية

و هي وضوء و غسل،

و الوضوء يستدعي بيان أمور:

الأول: في موجباته:

مسئلة: موجبات الوضوء خمس:

خروج البول و الغائط و الريح من الموضع المعتاد، و الاحداث تشترك في نقض الطهارة، ثمَّ منها: ما يوجب الوضوء، و منها‌

105
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 106

ما يوجب الغسل، و منها: ما يوجب الوضوء تارة و الغسل اخرى، و قد يقسم الى رابع.

أما موجبات الوضوء: فقد اتفق المسلمون ان خروج هذه الثلاثة ينقض الطهارة و يوجب الوضوء، و يدل عليه مضافا الى الإجماع، قوله تعالى أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ «1» و قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «لكن من بول أو غائط» «2» و قوله عليه السّلام: «فلا تنصرفن حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا» «3» و ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يجب الوضوء الا من غائط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها» «4» و ما رواه زكريا ابن آدم قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن الناصور؟ فقال: انما ينقض الوضوء ثلاث: البول، و الغائط، و الريح» «5».

فروع

الأول: إذا خرج أحد الثلاثة من الموضع المعتاد نقض إجماعا،

و ان خرج من غيره لم ينقض، و قال في المبسوط و الخلاف: ان خرج البول و الغائط مما دون المعدة نقض، و مما فوقها لا ينقض، لان ما يخرج من فوق المعدة لا يكون غائطا، و هو ضعيف لأن الغائط اسم «للمطمئن» و نقل الى «الفضلة المخصوصة» فعند هضم المعدة الطعام و انتزاع اجزاء الغذائية منه، يبقى الثفل فكيف خرج تناوله الاسم، و لا اعتبار بالمخرج في تسميته، و بما قال بعض الأصحاب بالنقض مطلقا.

______________________________
(1) النساء: 43.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.

(3) رواه البيهقي في سننه ج 1 كتاب الطهارة ص 117 (مع تفاوت).

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 2 ص 175.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 6 ص 178.

106
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: إذا خرج أحد الثلاثة من الموضع المعتاد نقض إجماعا، ؛ ج‌1، ص : 106

ما يوجب الغسل، و منها: ما يوجب الوضوء تارة و الغسل اخرى، و قد يقسم الى رابع.

أما موجبات الوضوء: فقد اتفق المسلمون ان خروج هذه الثلاثة ينقض الطهارة و يوجب الوضوء، و يدل عليه مضافا الى الإجماع، قوله تعالى أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ «1» و قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «لكن من بول أو غائط» «2» و قوله عليه السّلام: «فلا تنصرفن حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا» «3» و ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يجب الوضوء الا من غائط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها» «4» و ما رواه زكريا ابن آدم قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن الناصور؟ فقال: انما ينقض الوضوء ثلاث: البول، و الغائط، و الريح» «5».

فروع

الأول: إذا خرج أحد الثلاثة من الموضع المعتاد نقض إجماعا،

و ان خرج من غيره لم ينقض، و قال في المبسوط و الخلاف: ان خرج البول و الغائط مما دون المعدة نقض، و مما فوقها لا ينقض، لان ما يخرج من فوق المعدة لا يكون غائطا، و هو ضعيف لأن الغائط اسم «للمطمئن» و نقل الى «الفضلة المخصوصة» فعند هضم المعدة الطعام و انتزاع اجزاء الغذائية منه، يبقى الثفل فكيف خرج تناوله الاسم، و لا اعتبار بالمخرج في تسميته، و بما قال بعض الأصحاب بالنقض مطلقا.

______________________________
(1) النساء: 43.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.

(3) رواه البيهقي في سننه ج 1 كتاب الطهارة ص 117 (مع تفاوت).

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 2 ص 175.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 6 ص 178.

106
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الثاني: لو كان المخرج في غير موضعه خلقة انتقضت الطهارة بخروج الحدث منه، ؛ ج‌1، ص : 107

لنا ما رواه زرارة قال: «قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام و أبي جعفر عليه السّلام ما ينقض الوضوء؟ فقال: ما يخرج من طرفيك الأسفلين: من الذكر و الدبر من غائط، أو بول، أو مني، أو ريح، و النوم حتى يذهب العقل» «1» و السؤال بما المستوعبة لكل ما ينقض الوضوء. و ما رواه أبو الفضل بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم اللّه بهما عليك» «2». و ما رواه أديم بن الحر انه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين» «3» و لان مقتضى الدليل بقاء الطهارة فيقف انتقاضها على موضع الدلالة.

لا يقال: الدلالة موجودة و هي قوله تعالى أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ «4» و ما روي من الاخبار الدالة بالإطلاق، لأنا نقول الإطلاق ينصرف الى المعتاد فيتقيد به، ثمَّ يؤيده الروايات المقيدة لذلك الإطلاق.

الفرع الثاني: لو كان المخرج في غير موضعه خلقة انتقضت الطهارة بخروج الحدث منه،

لأنه مخرج أنعم اللّه به، و كذا لو انسد المعتاد و انفتح غيره، لأنه صار مخرجا منعما به، أما لو لم ينسد المعتاد و انفتح معه آخر فان صار خروج الحدث منه معتادا أيضا فقد ساوى المخرج، و ان كان نادرا فالأشبه انه لا ينقض.

الفرع الثالث: لو خرج من أحد السبيلين دود أو غيره من الهوام، لم ينقض الوضوء

الا أن يستصحب حدثا، لما ذكرنا من الروايات، و لما رواه عبد اللّه بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ليس في حب القرع و الديدان الصغار وضوء» «5» و لا يقال:

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 2 ص 177.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 4 ص 178.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.

(4) النساء: 43.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 3 ص 183.

107
المعتبر في شرح المختصر1

الفرع الرابع: خروج الريح من الذكر لا ينقض ؛ ج‌1، ص : 108

اشتراط «الصغار» يقتضي كون الكبار بخلافه و الا لم يكن لذكر الوصف فائدة، لأنا نقول: هذا تمسك بدليل الخطاب و هو ضعيف.

و ربما كان التقييد بالصغر لان الكبار بقوة حركتها و عظمها تستصحب مدة في الأغلب، و لا يعارض ذلك ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يخرج منه حب القرع، قال: عليه وضوء» «1» لأنه يحتمل ما ذكره الشيخ (ره) في التهذيب: و هو اشتراط التلطخ بالعذرة، و دل عليه رواية عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فإنه قال: «ان خرج نظيفا لم ينقض و ان خرج متلطخا بالعذرة فعليه اعادة الوضوء و الصلاة» «2» و هذه و ان كان سندها فطحية الا انها منبهة على الاحتمال المذكور، و لأن الأصل بقاء الطهارة، و لا يقال: لا ينفك الخارج من رطوبة نجسة، لأنا نمنع ذلك ثمَّ لا نسلم ان كل نجس ناقض، سنبين ان الرطوبات الخارجة لا تنقض.

الفرع الرابع: خروج الريح من الذكر لا ينقض

لأنه لا منفذ له الى الجوف و الظاهر ان الناقض ما كان مصدر الجوف، و لقوله «لا يجب الوضوء الا من بول أو غائط أو فسوة أو ضرطة» «3» و الخارج من الذكر لا يسمى بذلك، أما ما يخرج من قبل المرأة ففيه تردد، و الأقرب النقض، لان لها منفذا الى الجوف فيمكن خروج الريح من المعدة اليه، اما الجشأ فلا خلاف أنه لا ينقض.

الفرع الخامس: لو قطر في إحليله دهنا أو استدخل في أحد المخرجين دواءا كالحقنة فخرج خالصا لم ينقض،

لا باعتباره بالنظر الى خروج الحدث، و كذا كل ما يخرج من السبيلين ظاهرا كان كالحصاة، أو نجسا كالدم، عدا الدماء الثلاثة.

مسئلة: «النوم» الغالب على الحاستين

يريد «بالحاستين» السمع و البصر‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 6 ص 184.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 5 ص 184.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 2 ص 175.

108
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 109

و بهذا قال علماؤنا أجمع، و هو مذهب أهل العلم عدا ما حكي عن أبي مجار و حميد الأعرج و عمرو بن دينار انه ليس بناقض، و قيل: ان سعيد بن اللبيب كان ينام مضطجعا ثمَّ يصلي و لا يعيد الوضوء.

لنا ما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله: «العين وكاء للسنة فمن نام فليتوضأ» «1» و «السنة» هي حلقة الدبر و «الوكاء» الشداد، و ما رواه زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام ما ينقض الوضوء؟ قال: ما يخرج من طرفيك أو النوم حتى يذهب العقل» «2» و ما رواه معمر بن خلاد، عن الرضا عليه السّلام «إذا خفي الصوت وجب الوضوء» «3» و عبد اللّه بن المغيرة، عنه عليه السّلام «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» «4».

فروع

الأول: ابتداء النعاس و هو المسمى «سنة» لا ينقض الوضوء

لأنه لا يسمى نوما، كما قال الشاعر:

و سنان أقصده النعاس فرتقت

في عينه سنة و ليس بنائم

و لان نقضه مشروط بذهاب العقل.

الثاني: من نام قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا و كيف كان لزمه الوضوء

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و قال ابن بابويه (ره) في كتابه: في الرجل يرقد قاعدا، انه لا وضوء عليه ما لم ينفرج، و قال الشافعي: إذا نام قاعدا مفضيا بمخرجه الى‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 2 ص 177.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 1 ص 183.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 2 ص 180.

109
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: من نام قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا و كيف كان لزمه الوضوء ؛ ج‌1، ص : 109

الأرض لم ينقض وضوءه، لما رواه أنس «ان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كانوا ينامون ثمَّ يقومون يصلون و لا يتوضئون» «1» و قال أبو حنيفة: لا ينقض النوم الا مضطجعا أو متوركا أو مستندا الى ما لو زال لسقط، و لا ينقض في أحوال الصلاة. لما رواه ابن عباس «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يسجد و ينام و ينفخ ثمَّ يقوم فيصلي فقلت: صليت و لم تتوضأ و قد نمت؟ فقال: انما الوضوء على من نام مضطجعا» «2».

لنا قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «فمن نام فليتوضأ» «3» و رواية عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء» «4» و عنه عليه السّلام: «لا ينقض الوضوء الا حدث و النوم حدث» «5» أما حديث الشافعي فحكاية ترجع الى بعض الصحابة، و مضمونها النفي، مع انه يمكن أن يظن أنس نوما ما ليس بنوم، فحديثنا حينئذ أرجح، لأنه قول النبي صلى اللّه عليه و آله نصا، و أما حديث أبي حنيفة فمطعون فيه، قال ابن داود: ذكر ابن المنذر ان هذا الحديث لا يثبت و هو مرسل برواية قتادة، عن أبي العالية، و قال شعبة: انه لم يرو عنه الا أربعة أحاديث ليس هذا أحدها.

و أما ما ذكره ابن بابويه فمحمول على النوم الذي لا يغلب العقل، و كذا ما رواه بكر بن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أبي يقول: إذا نام الرجل و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، و إذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» «6» و انما ساغ لنا هذا التأويل لوجود التفصيل في غير هذا الحديث من اعتبار الغلبة‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 120.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 121- 122.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 3 ص 180.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 4 ص 180.

(6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 15 ص 182.

110
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: قال الشيخ في المبسوط: ينقض الوضوء كلما أزال العقل ؛ ج‌1، ص : 111

على العقل، و خفاء الصوت، و كونه لا يضبط الحدث، و لان الغالب في النائم المستغرق السقوط، فكان القعود علامة على السنة، و يدل على التفصيل رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يخفق و هو في الصلاة؟ فقال:

إذا كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء و اعادة الصلاة» «1» و ما رواه بكر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: نعم، إذا كان يغلب على السمع و الصوت».

الثالث: قال الشيخ في المبسوط: ينقض الوضوء كلما أزال العقل

من إغماء أو سكر، أو جنون، أو غيره. و قال في النهاية: المرض المانع من الذكر. و قال المفيد في المقنعة: المرض المانع من الذكر، و الاغماء، و مثله. قال علم الهدى (ره) في المصباح. و قال في جمل العلم: و النوم و ما أشبهه من الجنون و المرض.

و قال ابن الجنيد: كلما غلب على العقل كالغشوة و القرعة من القرع إذا تطاول.

و المعنى في الكل متقارب، و ضابطه كلما غلب على الحاستين، لما روى معمر بن خلاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب الوضوء» «2» لا يقال: صدر الحديث يتضمن الاغماء، و هو من أسماء النوم، لأنا نقول: هذا اللفظ مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة، و لان النوم الذي يجوز معه الحدث و ان قل يجب معه الوضوء، فمع الاغماء و السكر أولى، و هذا استدلال بالمفهوم لا بالقياس.

مسئلة: و «الاستحاضة القليلة»

إنما قال القليلة، و ان كان الصنفان الاخران يوجبان الوضوء أيضا، لأنه أراد ما يوجب الوضوء منفردا، و مذهب علمائنا أجمع وجوب إيجاب الوضوء بها عدا ابن عقيل فإنه قال: ما لم يظهر على القطنة فلا غسل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 6 ص 180.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 1 ص 183.

111
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«الاستحاضة القليلة» ؛ ج‌1، ص : 111

على العقل، و خفاء الصوت، و كونه لا يضبط الحدث، و لان الغالب في النائم المستغرق السقوط، فكان القعود علامة على السنة، و يدل على التفصيل رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يخفق و هو في الصلاة؟ فقال:

إذا كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء و اعادة الصلاة» «1» و ما رواه بكر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: نعم، إذا كان يغلب على السمع و الصوت».

الثالث: قال الشيخ في المبسوط: ينقض الوضوء كلما أزال العقل

من إغماء أو سكر، أو جنون، أو غيره. و قال في النهاية: المرض المانع من الذكر. و قال المفيد في المقنعة: المرض المانع من الذكر، و الاغماء، و مثله. قال علم الهدى (ره) في المصباح. و قال في جمل العلم: و النوم و ما أشبهه من الجنون و المرض.

و قال ابن الجنيد: كلما غلب على العقل كالغشوة و القرعة من القرع إذا تطاول.

و المعنى في الكل متقارب، و ضابطه كلما غلب على الحاستين، لما روى معمر بن خلاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب الوضوء» «2» لا يقال: صدر الحديث يتضمن الاغماء، و هو من أسماء النوم، لأنا نقول: هذا اللفظ مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة، و لان النوم الذي يجوز معه الحدث و ان قل يجب معه الوضوء، فمع الاغماء و السكر أولى، و هذا استدلال بالمفهوم لا بالقياس.

مسئلة: و «الاستحاضة القليلة»

إنما قال القليلة، و ان كان الصنفان الاخران يوجبان الوضوء أيضا، لأنه أراد ما يوجب الوضوء منفردا، و مذهب علمائنا أجمع وجوب إيجاب الوضوء بها عدا ابن عقيل فإنه قال: ما لم يظهر على القطنة فلا غسل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 6 ص 180.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 1 ص 183.

111
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 112

عليها و لا وضوء، و قال مالك: ليس على المستحاضة وضوء، لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» و ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المستحاضة إذا جازت أيامها، فإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و صلّت لكل صلاة بوضوء» «1».

فروع

الأول: لا تجمع المستحاضة بين فريضتين بوضوء واحد،

و قال أبو حنيفة:

تجمع، لان طهارتها لوقت كل صلاة، لا لكل صلاة. لنا ما سلف من الروايتين، و لان دمها حدث فتستبيح الطهارة ما لا بد منه و هو الصلاة الواحدة.

الثاني: لو توضأت و دمها بحاله فانقطع بعد الطهارة قبل الدخول في الصلاة قال في المبسوط: استأنفت الوضوء،

لان دمها حدث و قد زال العذر فطهر حكم الحدث، و لو صلت و الحال هذه، أعادت لعدم الطهارة، سواء أعاد قبل الفراغ أو بعده. و لو انقطع في أثناء الصلاة قال في المبسوط و الخلاف: لا يجب الاستيناف لأنها دخلت في الصلاة دخولا مشروعا متيقنا و لا دليل على إيجاب الخروج. و هذا يشكل مع قوله: ان انقطاع دمها حدث، بمعنى ان معه يظهر حكم الحدث، و كذا إذا قيل: دمها حدث و انما أبيحت الصلاة للضرورة، فعلى التقديرين الدليل الموجب لاستيناف موجودة، لأنه لا صلاة مع تيقن الحدث و زوال العذر.

لكن ان قيل: خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه فلم يكن مؤثرا في نقض الطهارة، و الانقطاع ليس بحدث أمكن، لكن يلزم التسوية في جواز الصلاة بين ما إذا انقطع قبل الدخول في الصلاة و اما إذا انقطع في أثنائها فالفرق عسر، و الاستدلال على بقاء الطهارة بالاستصحاب ضعيف أيضا، لأنه ليس بحجة هنا، و لو عارض‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.

112
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: لو توضأت قبل دخول وقت الصلاة لم يصح ؛ ج‌1، ص : 113

بصلاة المتيمم استندنا في الفرق إلى الأحاديث الدالة هناك على الاستصحاب.

الثالث: لو توضأت قبل دخول وقت الصلاة لم يصح

لأنه لا ضرورة اليه، و لقوله: تتوضأ لكل صلاة.

الرابع: قال في المبسوط: إذا توضأت الفرض، جاز أن تصلي معه ما شاءت من النوافل،

و فيه إشكال ينشأ من كون دمها حدثا فتستبيح بالوضوء معه ما لا بد منه و هو الصلاة الواحدة، و لقول النبي صلى اللّه عليه و آله: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» «1» و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «توضأت و صلّت كل صلاة بوضوء» «2».

الخامس: قال الشيخ في المبسوط: لو توضأت بعد وقت الصلاة و أخرت الصلاة لا متشاغلة بها، ثمَّ صلت لم تصح،

قال: لأن المأخوذ عليها أن تتوضأ عند كل صلاة و ذلك يقتضي أن يعقب الصلاة. و التعليل ضعيف، لان لفظة «عند» جاءت في بعض الاخبار العامة، و لا يبلغ أن يكون حجة، و بتقدير التسليم يلزم ان يكون المراد به عند إرادة الصلاة، إذ لو نزل اللفظ على ظاهره للزم أن تكون الصلاة سابقة على الوضوء، ليتحقق كون الوضوء عندها.

و يمكن أن يقال: ان وجود دمها حدث، فتستبيح بالوضوء ما لا بد منه و هو قدر التهيؤ للصلاة،

و قد اختلف الأحاديث في نقض الطهارة بأشياء نحن نذكرها.

الأول: إذا مس الرجل أحد فرجيه لم ينتقض وضوءه،

سواء مس الباطنين أو الظاهرين. و كذا لو مست المرأة فرجها بباطن الكف و ظاهره بشهوة، و غيرها و هو اختيار الثلاثة و اتباعهم. و قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه: من مس باطن ذكره بإصبعه أو باطن دبره بإصبعه، انتقض وضوءه. و قال ابن الجنيد في المختصر:

ان من مس ما انضم عليه الثقبان نقض وضوءه، و قال أيضا من مس ظاهر الفرج‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 329.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.

113
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: إذا مس الرجل أحد فرجيه لم ينتقض وضوءه، ؛ ج‌1، ص : 113

من غيره بشهوة تطهّر إذا كان محرما، و من مس باطن الفرجين، فعليه الوضوء من المحرم و المحلل.

لنا ما رواه الجمهور عن قيس بن طلق عن أبيه قال: «قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فجاء رجل كأنه بدوي، و قال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ و قال هل هو إلا بضعة منه، أو مضغة منه» «1» فان قيل: قد طعن في هذا الحديث أبو حاتم، و قال قيس لا تقوم بروايته حجة، قلنا: الطعن لا يقبل الا مفسرا، فلا يلتفت الى أبي حاتم مع شهرة قيس. و قد روى أصحابنا ما يشهد لهذا الحديث «عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال انما هو من جسده» «2» و الحجة من طريقنا ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة؟ فقال: لا بأس» «3» و ما روي عنه عليه السّلام «لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين» «4».

و احتج ابن بابويه (ره) برواية عمار بن موسى، عن الصادق عليه السّلام قال: «سئل عن الرجل يتوضأ ثمَّ يمس باطن دبره؟ قال: نقض وضوءه، و ان مس باطن إحليله فعليه الوضوء، و ان فتح إحليله أعاد الوضوء» «5» و قال الشافعي: مس الذكر ينقضه لقوله عليه السّلام «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ» «6» و لا حجة في رواية عمار لضعفها، فان الرواة لها فطحية و هي منافية للأصل، و مخصصة لعموم الأحاديث الصحيحة.

و أما خبر الشافعي فقد طعن فيه أصحاب الحديث، حتى قال يحيى بن معين: لا يصح‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 134.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 8 ص 192.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 7 ص 192.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 10 ص 193.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 128.

114
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: لا ينقض الوضوء مس فرج الغير، ؛ ج‌1، ص : 115

الوضوء من مس الذكر.

الثاني: لا ينقض الوضوء مس فرج الغير،

رجلا كان أو امرأة، محرما أو غيره، بباطن الكف أو ظاهره، و لا القبلة بشهوة، و غير شهوة، لمرأة أو غلام، و قال الشافعي: ينقض. لنا دلالة الأصل، و ما رواه زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس في القبلة، و لا المباشرة، و لا مس الفرج، وضوء» «1». و ما رواه الجمهور «ان النبي صلى اللّه عليه و آله كان يتوضأ و يخرج الى المسجد فيتلقاه بعض نسائه، فيصيب من وجهها و لا يتوضأ» «2» و لما روى عروة عن عائشة «ان النبي صلى اللّه عليه و آله قبل امرأة من نسائه فخرج الى الصلاة و لم يتوضأ» «3».

الثالث: «المذي» و «الوذي» طاهران لا ينقضان الوضوء

خلافا للجمهور.

لنا الأصل، و ما روى إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان عليا عليه السّلام كان مذاء فاستحيا أن يسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لمكان فاطمة عليها السّلام، فأمر المقداد أن يسأله، فقال:

ليس بشي‌ء» «4» و ما رواه زيد الشحام، و زرارة، و محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه قال: «ان سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو وذي، فلا تغسله، و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء، انما ذلك بمنزلة النخامة» «5» و لا يعارضه ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا عليه السّلام «ان عليا عليه السّلام أمر المقداد أن يسأل النبي صلى اللّه عليه و آله فقال: فيه الوضوء» «6». و كذا روى الجمهور، و الوجه حمله على الاستحباب توفيقا بين الحديثين.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 3 ص 192.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 125- 126.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 126.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 7 ص 197.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 2 ص 196.

(6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 17 ص 199.

115
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع:«القي‌ء» لا ينقض الوضوء ؛ ج‌1، ص : 116

و قال الشيخ (ره) في التهذيب نحمله على ما إذا خرج كثيرا، أو كان عن شهوة. و قد روى ذلك علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السّلام، و الوجه الاستحباب لما رواه ابن أبي عمير عن واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس في المذي من الشهوة، و لا من القبلة، و لا من مس الفرج و لا من المضاجعة وضوء» «1».

فأما ما رواه الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«الوذي منه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول، و الذي ليس فيه وضوء، انما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف» «2» فمحمول على ما إذا لم يكن استبراء من البول، فإن الوذي لا ينفك من ممازجة أجزاء من البول، هذا تأويل الشيخ (ره) في التهذيب.

الرابع: «القي‌ء» لا ينقض الوضوء.

و قال أبو حنيفة ينقض إذا ملأ الفم، لقوله عليه السّلام «من قاء أو رعف في صلاته فليتوضأ و ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم» «3» لنا ان التطهير مستفاد من الشرع، فيقف على التوقيف و لا توقيف، و ما رواه أبو أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن القي‌ء هل ينقض الوضوء؟ فقال لا» «4» و خبر أبي حنيفة مطعون فيه، قد أطرحه أكثرهم، و لم يذكره صاحب السنن و قال مالك و الشافعي لا نص فيه، و لو كان صحيحا لما ذهب على مالك، و لأنه لو كان ناقصا لما جاز البناء على الصلاة.

الخامس: «القهقهة» في الصلاة تبطلها،

و لا توجب الوضوء، و قال ابن الجنيد (ره): من قهقه في صلاة متعمدا، لنظر أو سماع ما أضحكه، قطع صلاته، و أعاد وضوئه. و قال أبو حنيفة: في كل صلاة ذات ركوع و سجود توجب الوضوء،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 2 ص 191.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 14 ص 198.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 143.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 6 ح 3 ص 185.

116
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: لا ينقض الطهارة ما يخرج من البدن، ؛ ج‌1، ص : 117

لما روى أبو العالية قال: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يصلي، فجاء أعمى فتردى في بئر، فضحك قوم عن خلفه، فقال: من ضحك فليعد الوضوء و الصلاة» «1» لنا دلالة الأصل، فإن إيجاب الطهارة يقف على مورد الشرع، و رواية أبي العالية مرسلة، و قد قال ابن سيرين: لا نأخذ بمراسيل الحسن، و لا أبي العالية، لأنهما لا يباليان ممن أخذا.

السادس: لا ينقض الطهارة ما يخرج من البدن،

من «دم» أو «قبح» أو «صديد» أو «نخامة» أو «رطوبة» كيف خرج. و قال أبو حنيفة: ينقض القيح، و الدم، و الصديد، إذا خرج من البدن فتجاوز الى موضع يلحقه حكم التطهير، لما رواه تميم الداري عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «الوضوء من كل دم سائل» لنا ما رووه «ان النبي صلى اللّه عليه و آله احتجم و صلى، و لم يزد على غسل محاجمه» «2» و عمل الصحابة. فإن ابن أبي أوفى نزف دما ثمَّ قام فصلى، و ابن عمر عصر بثره فخرج دم فصلى، و لم يتوضأ، و جابر أدخل أصابعه في أنفه و أخرجها بالدم، و هو في الصلاة. و كذا روي عن ابن المسيب.

و روى أصحابنا، عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الرضا عليه السّلام «عن القي‌ء، و الرعاف، و المدة أ ينقض؟ فقال: لا ينقض شيئا» «3» و روى الوشاء، عن الرضا عليه السّلام كان يقول: «كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يقول في الرجل يدخل يده في أنفه، فتصيب أصابعه الخمسة الدم، فقال ينقيه، و لا يعيد الوضوء» «4» و روى عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الحجامة فيها وضوء؟ قال: لا، و لا يغسل مكانها، لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه و لم يكن صبيا صغيرا» «5» و يحمل خبر أبي حنيفة على غسل‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 146.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 141.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 6 ص 185.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 7 ح 11 ص 189.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 7 ح 6 ص 188.

117
المعتبر في شرح المختصر1

السابع:«أكل ما مسته النار» لا يوجب الوضوء، ؛ ج‌1، ص : 118

موضع الدم، فان الغسل يسمى وضوءا كما قال عليه السّلام: «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، و بعده ينفي اللمم» «1» و مثله رواية عبيدة بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن رجل أصابه دم سائل في الصلاة، قال: يتوضأ و يعيد» «2».

السابع: «أكل ما مسته النار» لا يوجب الوضوء،

و كذا لحم الإبل. و قال أحمد بن حنبل: أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، لما روى البراء بن عازب «سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن لحوم الإبل؟ فقال: توضأ منها، و عن لحوم الغنم؟ فقال لا تتوضأ منها» «3» لنا ما روي عن جابر قال «كان آخر الأمر من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ترك الوضوء مما مسته النار» «4» و ما روي عن ابن عباس، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال:

«الوضوء مما يخرج، لا مما يدخل» «5».

و روى أصحابنا، عن بكير بن أعين قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الوضوء مما غيرت النار؟ فقال: ليس عليك فيه وضوء، انما الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل» «6» و خبر أحمد قد تركه فضلاؤهم، مثل مالك، و الشافعي، و أبي حنيفة، و أهل البيت عليهم السّلام. و هو دليل ضعفه مع تخصيصه كلما دل على حصر الاحداث.

الثامن: «الردة» لا ينقض الوضوء

و قال أحمد: ينقض لقوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «7» و لقول ابن عباس: الحدث حدثان: حدث اللسان،

______________________________
(1) هناك روايات كثيرة في هذا المعنى لكنه مروية عن النبي (ص) و عن الصادق (ع) الوسائل ج 16 ص 571.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 56 ح 1 ص 1078.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 159 (مع تفاوت).

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 156.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 116 (مع تفاوت).

(6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 15 ح 3 ص 205.

(7) الزمر: 65.

118
المعتبر في شرح المختصر1

التاسع:«الكلام الفحش» و«انتشار الشعر» لا ينقض الوضوء ؛ ج‌1، ص : 119

و حدث القلب. لنا ان إيجاب الوضوء موقوف على الدلالة الشرعية، و لا دلالة، و ما روي عن أبي عبد اللّه، و علي بن موسى عليهما السّلام: «لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين» «1» أما الآية فمعارضة بقوله تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ «2» فينزل المطلق على المقيد، و هو اشتراط الموت على الردة، و الحديث موقوف على ابن عباس، فلا حجة في قوله على أن تسميته حدثا لا يوجب كونه ناقضا، فان كل متجدد من الإنسان يحدث منه، و ليس كل متجدد ناقضا، لأن الشركة في الاسم لا توجب الشركة في الحكم على أحد المسميين.

التاسع: «الكلام الفحش» و «انتشار الشعر» لا ينقض الوضوء

، لما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله «الكلام ينقض الصلاة و لا ينقض الوضوء» «3» و روى معاوية ابن ميسرة قال: «سألت أبا عبد اللّه عن إنشاد الشعر هل ينقض الوضوء؟ قال: لا» «4».

العاشر: «حلق الشعر» و «قص الأظفار» لا ينقض الوضوء،

و لا يوجب مسح موضعه، لما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «الرجل يقلم أظفاره و يجز شاربه، أو يأخذ من لحيته، أو رأسه، هل ينقض ذلك من وضوئه؟ فقال: يا زرارة ان ذلك يزيده تطهيرا» «5» و لان مقتضى الدليل بقاء الطهارة، و في رواية ابن مسكان، عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يأخذ من أظفاره أو شعره، أ يعيد الوضوء؟ فقال: لا، و لكن يمسح رأسه و أظفاره بالماء» «6» قال الشيخ (ره) في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.

(2) البقرة: 217.

(3) لم يوجد.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 8 ح 1 ص 190.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 14 ح 2 ص 203.

(6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 14 ح 1 ص 203.

119
المعتبر في شرح المختصر1

الحادي عشر: لا تنقض الطهارة بظن«الحدث» لأنه متيقن الطهارة فلا يرتفع الا بيقين، ؛ ج‌1، ص : 120

التهذيب: المسح محمول على الاستحباب، لرواية سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «آخذ من شاربي و أحلق رأسي، قال ليس عليك وضوء، قلت فأمسح أظفاري قال ليس عليك مسح» «1».

الحادي عشر: لا تنقض الطهارة بظن «الحدث» لأنه متيقن الطهارة فلا يرتفع الا بيقين،

و لما رواه معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتى يخيل إليه انه قد خرجت منه ريح، فلا ينقض الا من ريح يسمعها، أو يجد ريحها» «2» و ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «لا تنصرف حتى تسمع صوتا أو تجد ريحها» «3» و عنه صلى اللّه عليه و آله «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه، أخرج منه شي‌ء أو لم يخرج، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» «4».

الثاني عشر: روى الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: «سألته عن ما ينقض الوضوء؟

فقال: الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه، و القرقرة في البطن لا شي‌ء تصبر عليه، و الضحك في الصلاة و القي‌ء» «5» قال الشيخ في التهذيب: محمول على الضحك و القي‌ء الذي لا يضبط معه نفسه. و الوجه الطعن في السند، فان زرعة، و سماعة، واقفيان، فلا يعمل بروايتهما في تخصيص الاخبار السليمة، و لان المسئول مجهول فلعله ممن لا يوثق بفتواه.

الثاني: في «آداب الخلوة» و «الاستطابة»

و هي الاستنجاء بالماء أو بالأحجار،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 14 ح 3 ص 203.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 3 ص 175.

(3) ان هذه الرواية لم توجد بهذه العبارة و لكن البيهقي روى بمضمونها في السنن ج 1 ص 114.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 117.

(5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 4 ص 175.

120
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجب«ستر العورة» ؛ ج‌1، ص : 121

يقال: استطاب و أطاب و سميت بذلك، لأنها تطيب الجسد بإزالة الخبث. و «الاستنجاء» استفعال من النجوة، و هو ما ارتفع من الأرض، و أصله للسباع لأنها تقصد النجوات عند الحاجة، و قيل: من نجوت الشجرة، أي قطعتها، كأنه يقطع الأذى عنه. و قال الأزهري: يحتمل أن يكون من استنجيت الوتر، إذا جلس ليستخرجه، قال الشاعر:

فتبازت و تبازجت لها

جلسة الجازر يستنجى الوتر [1]

قال المفيد (ره): يستحب لمن أراد الخلوة أن يطلب موضعا يستتر فيه عن الناس، تأسيا بفعل النبي صلى اللّه عليه و آله.

مسئلة: يجب «ستر العورة»

و ان كان لا يخص بحال الخلوة، لما رواه الجمهور، عن النبي صلى اللّه عليه و آله «احفظ عورتك الا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» «2» و رووا عنه عليه السّلام «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، و لا المرأة إلى عورة المرأة» «3» و من طريق الخاصة ما رواه حريز، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه» «4» و ما رواه أبو بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل يغتسل الرجل بارزا؟ فقال إذا لم ير أحدا فلا بأس» «5».

و أما رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن عورة المؤمن حرام؟ قال: نعم، قلت أعني سفله قال ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره» «6» و ما رواه حذيفة بن منصور، عنه عليه السّلام قلت: «يقول الناس: عورة المؤمن‌

______________________________
[1] و في تاج العروس كذا:

فتبازت و تبازيت لها

جلسة الجازر يستنجى الوتر

______________________________
(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 199.

(3) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 217.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 1 ح 1 ص 211.

(5) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 11 ح 2 ص 371.

(6) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 8 ح 2 ص 367.

121
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يحرم«استقبال القبلة» و«استدبارها» ؛ ج‌1، ص : 122

على المؤمن حرام، قال: ليس حيث تذهبون، إنما أعني أن يزل زلة أو يتكلم بشي‌ء يعاب عليه فيحفظ ليعير به يوما» «1» فليس بمعارض لما استدلنا به، لأنهما تضمنتا تفسير هذا اللفظ، و خبره يتضمن النهي عن النظر إلى العورة و أحدهما غير الأخر.

إذا عرفت هذا فالعورة المشار إليها، هي: القبل و الدبر لقول ابي عبد اللّه عليه السّلام «الفخذ ليس من العورة» «2» و لرواية أبي الحسن الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «العورة عورتان: القبل و الدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» «3» و لان القبل و الدبر متفق على كونهما عورة و الخلاف فيما زاد عليهما، فيقتصر على موضع الإجماع، و لأن الأصل عدم وجوب الستر، فيخرج منه موضع الدلالة.

مسئلة: و يحرم «استقبال القبلة» و «استدبارها»

و لو كان في الأبنية على الأشبه قال الثلاثة و أتباعهم: يحرم استقبال القبلة و استدبارها ببول أو غائط. و قال ابن الجنيد (ره) في المختصر: يستحب للإنسان إذا أراد التغوط في الصحراء أن يجتنب استقبال القبلة، أو الشمس، أو القمر، أو الريح، بغائط أو بول. و قال داود من الجمهور: بالجواز فيهما. و فرق أبو يوسف بين الاستقبال و الاستدبار.

لنا ما رواه الجمهور، عن أبي أيوب، عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة و لا يوليها ظهره شرقوا أو غربوا» «4» و روى مسلم، عن أبي هريرة عنه عليه السّلام «إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة و لا يستدبرها» «5» و من طريق الخاصة: رواية عيسى بن عبد اللّه الهاشمي، عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 8 ح 1 ص 366.

(2) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 4 ح 4 ص 365.

(3) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 4 ح 2 ص 365.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 91 (مع تفاوت).

(5) صحيح مسلم ج 1 كتاب الطهارة ح 365.

122
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يحرم«استقبال القبلة» و«استدبارها» ؛ ج‌1، ص : 122

عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لكن شرقوا أو غربوا» «1».

فان احتج داود، بما رووه عن جابر قال: نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يستقبل القبلة ببول أو غائط، و رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها، و عن عراك، عن عائشة قالت: «ذكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال: و قد فعلوها استقبلوا بمقعدي القبلة» «2».

و الجواب: ان حديث جابر حكاية فعل، و قد عارض القول فالترجيح للقول و يحتمل أن يظن جابر الاستقبال و ان لم يكن استقبالا حقيقيا، لأنه يخرج عنه بالانحراف القليل. و حديث عراك مرسل، قال ابن حنبل: عراك لم يلق عائشة، إذا عرفت تحريم الاستقبال و الاستدبار في الجملة فاعلم انه يحرم في الصحاري و الابنية. و قال سلار بن عبد العزيز، من أصحابنا يكره في البنيان، و به قال المفيد (ره)، و هو اختيار الشافعي لما رووا أن «ابن عمر استقبل القبلة و بال: فقيل له في ذلك فقال: انما نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن ذلك في الفضاء فاذا كان بينك و بين القبلة شي‌ء يشترك فلا بأس» «3».

و رووا عنه «انه رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على حاجته مستدبر الكعبة» «4» و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: «دخلت على الرضا عليه السّلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة» «5».

لنا الأحاديث السابقة فإنها دالة على التحريم مطلقا، و أما استقبال ابن عمر ببوله فلا حجة فيه، لاحتمال أن يكون صار اليه اجتهادا، و اخباره انه رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 1 ح 5 ص 213.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 93.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 92.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 92.

(5) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 2 ح 7 ص 213.

123
المعتبر في شرح المختصر1

فرع قال في المبسوط: إذا كان الموضع مبنيا على الاستقبال و الاستدبار و أمكنه الانحراف وجب، ؛ ج‌1، ص : 124

ليس بحجة، لأن القول أرجح من الفعل، و قد أوردنا تحريم النبي صلى اللّه عليه و آله لذلك نطقا.

و خبر ابن بزيع عن الرضا عليه السّلام لا حجة فيه، لان المحرم ليس بناء المخرج مستقبلا و لا مستدبرا، بل الجلوس على الاستقبال أو الاستدبار و لم يذكره، و انما قال: في الأصل على الأشبه لأن في الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط في الأبنية خلافا على ما ذكرناه، و التحريم مأخوذ من إطلاق الألفاظ المانعة، لا لنص على عين المسئلة و كل حكم مستفاد من لفظ عام أو مطلق أو من استصحاب نسميه بالأشبه، لان مذهبنا التمسك بالظاهر، فالأخذ بما يطابق ظاهر المنقول أشبه بأصولنا، فكل موضع نقول فيه «على الأشبه» فالمراد به هذا المعنى.

فرع قال في المبسوط: إذا كان الموضع مبنيا على الاستقبال و الاستدبار و أمكنه الانحراف وجب،

و ان لم يمكنه جلس عليه و كأنه يريد مع عدم التمكن من غيره.

مسئلة: و يجب غسل مخرج البول، و يتعين الماء لإزالته اما وجوب غسله فهو مذهب علمائنا لما رواه ابن أذينة قال: «ذكر أبو مريم الأنصاري ان الحكم بن عتبة بال و لم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: بئسما صنع، عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوئه» «1» و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال «لا صلاة إلا بطهور» «2» و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، و بذلك جرت السنة.

و اما تغيير الماء لإزالته فعليه اتفاق علمائنا، خلافا للجمهور، فإنهم أجازوا الاستجمار ما لم يتعد المخرج.

لنا ما رواه زيد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «يجزي من الغائط المسح‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 4 ص 208.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 1 ح 1 ص 256.

124
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 125

بالأحجار، و لا يجزي من البول الا الماء» «1» و في سند هذه الرواية «أبان بن عثمان» و هو ضعيف غير أنها مقبولة بين الأصحاب، و النظر يؤيدها، لأن ذلك مقتضى الدليل، و يؤيدها أيضا رواية عن أبي جعفر عليه السّلام، و لان الماء متعين لإزالة النجاسة و إلحاق غيره به منفي بالأصل، و اخبار الأحجار محمولة على استنجاء موضع الغائط، و على هذا يسقط ما فرق به الجمهور بين البكر و الثيب، لان الفرق متفرع على جواز الاستجمار في مخرج البول.

فروع

الأول: يجوز أن يتوضأ قبل غسل مخرج البول،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و لو صلى و الحال هذه أعاد الصلاة و لم يعد الوضوء. قال ابن بابويه (ره) في كتابه:

و من صلى و ذكر انه لم يغسل ذكره فعليه أن يغسل ذكره و يعيد الوضوء و الصلاة.

لنا ما رواه علي بن يقطين، عن موسى بن جعفر عليه السّلام «عن الرجل يبول و لا يغسل ذكره حتى يتوضأ، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد وضوءه» «2» و لان وجود النجاسة على البدن لا ينافي رفع الحدث، و مع عدم المنافاة يلزم جواز الوضوء مع وجودها.

فان احتج ابن بابويه بما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فان كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك» «3» فالجواب: الطعن في السند فإن الراوي محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن زرعة، عن سماعة، و أحاديث محمد بن عيسى عن يونس يمنع العمل بها ابن بابويه (ره) عن ابن الوليد، و زرعة و سماعة واقفيان فكان العمل بالسليم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 2 ص 246.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 2 ص 208.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 5 ص 224.

125
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: يجوز أن يتوضأ قبل غسل مخرج البول، ؛ ج‌1، ص : 125

بالأحجار، و لا يجزي من البول الا الماء» «1» و في سند هذه الرواية «أبان بن عثمان» و هو ضعيف غير أنها مقبولة بين الأصحاب، و النظر يؤيدها، لأن ذلك مقتضى الدليل، و يؤيدها أيضا رواية عن أبي جعفر عليه السّلام، و لان الماء متعين لإزالة النجاسة و إلحاق غيره به منفي بالأصل، و اخبار الأحجار محمولة على استنجاء موضع الغائط، و على هذا يسقط ما فرق به الجمهور بين البكر و الثيب، لان الفرق متفرع على جواز الاستجمار في مخرج البول.

فروع

الأول: يجوز أن يتوضأ قبل غسل مخرج البول،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و لو صلى و الحال هذه أعاد الصلاة و لم يعد الوضوء. قال ابن بابويه (ره) في كتابه:

و من صلى و ذكر انه لم يغسل ذكره فعليه أن يغسل ذكره و يعيد الوضوء و الصلاة.

لنا ما رواه علي بن يقطين، عن موسى بن جعفر عليه السّلام «عن الرجل يبول و لا يغسل ذكره حتى يتوضأ، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد وضوءه» «2» و لان وجود النجاسة على البدن لا ينافي رفع الحدث، و مع عدم المنافاة يلزم جواز الوضوء مع وجودها.

فان احتج ابن بابويه بما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فان كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك» «3» فالجواب: الطعن في السند فإن الراوي محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن زرعة، عن سماعة، و أحاديث محمد بن عيسى عن يونس يمنع العمل بها ابن بابويه (ره) عن ابن الوليد، و زرعة و سماعة واقفيان فكان العمل بالسليم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 2 ص 246.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 2 ص 208.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 5 ص 224.

125
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: إذا لم يجد الماء لغسل المخرج أو تعذر استعماله ؛ ج‌1، ص : 126

أولى، فأما رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يتوضأ و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة» «1» ففي طريقها «أحمد ابن هلال» و هو ضعيف مع ان العمل على خلافها متقدم.

الثاني: إذا لم يجد الماء لغسل المخرج أو تعذر استعماله

لمانع كالجرح أجزأه مسحه بما يزيل عين النجاسة كالحجر و الخرق و الكرسف و شبهه، و لأن إزالة عين النجاسة و أثرها واجب، فان تعذر إزالتهما تعين ازالة العين.

الثالث: لا يجب غسل الإحليل من ما يخرج منه

عدا البول و المني و الدم، سواء كان الخارج جامدا كالحصى و الدود، أو مائعا كالمذي و رطوبة الفرج و الحقنة إذا خرجت خالصة، لأن الأصل الطهارة، و التنجيس موقوف على التوقف و هو منتف هنا، لا يقال: الخارج لا ينفك من ملابسة النجاسة و لان المجرى ينجس بملاقاة النجاسة فينجس ما يمر به، لأنا نمنع ذلك و نطالب بالدلالة عليه، فان المجاري عندنا لا ينجس، و يؤيد ذلك قولهم عليهم السّلام في المذي «هو بمنزلة البصاق» «2».

الرابع: لو دب الى فرج المرأة «مني» من ذكر أو أنثى ثمَّ خرج لم يجب به وضوء و لا غسل،

و جرى مجرى نجاسة لاقت المخرج، فإنه يجب غسله كما يجب غسل النجاسة.

الخامس: الأغلف إذا كان مرتتقا كفاه غسل الظاهر

من موضع الملاقاة، و ان أمكن كشفها كشفها إذا بال، و غسل المخرج. و ان لم يكشفها عند الإراقة فهل يجب كشفها لغسله؟ فيه تردد، الأشبه نعم، لأنه يجري مجرى الظاهر.

مسئلة: و أقل ما يجزي مثلا ما على الحشفة،

و هو مذهب الشيخين، و قال أبو الصلاح: و أقل ما يجزي ما أزال عين البول عن رأس فرجه و لم يقدره، لنا رواية‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 2 ص 224.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 1 و 4 و 9.

126
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل مخرج الغائط بالماء، و حده الإنقاء، ؛ ج‌1، ص : 127

نشيط بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل» «1» و يؤيد هذه ما روي عن الصادق عليه السّلام «ان البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين» «2» و لان غسل النجاسة بمثلها لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على النجاسة، و لا كذا لو غسل بمثلها.

أما رواية نشيط أيضا عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «3» فمقطوعة السند، فالعمل بالأولى أولى، و قال الشيخ في التهذيب: و يمكن أن تحمل الرواية على أن المراد يغسل بمثل البول لا بمثل ما على الحشفة، و هو أكثر من مثل ما على الحشفة، و التأويل ضعيف، لان البول ليس بمغسول و انما يغسل منه ما على الحشفة.

مسئلة: و غسل مخرج الغائط بالماء، و حده الإنقاء،

و ان لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة و الماء و لا يجزي أقل من ثلاثة و لو نقي بما دونها،

و هذه الجملة تشتمل بحوثا:

الأول: «الاستنجاء» واجب عند علمائنا.

و قال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم يتعد، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن و من لا يفعل فلا حرج عليه» «4» و أقل الوتر واحد و قد أزال الحرج بتركه. لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزي» «5» و قال عليه السّلام: «لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «6»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 7.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 1.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 104.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.

127
المعتبر في شرح المختصر1

و هذه الجملة تشتمل بحوثا: ؛ ج‌1، ص : 127

نشيط بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل» «1» و يؤيد هذه ما روي عن الصادق عليه السّلام «ان البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين» «2» و لان غسل النجاسة بمثلها لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على النجاسة، و لا كذا لو غسل بمثلها.

أما رواية نشيط أيضا عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «3» فمقطوعة السند، فالعمل بالأولى أولى، و قال الشيخ في التهذيب: و يمكن أن تحمل الرواية على أن المراد يغسل بمثل البول لا بمثل ما على الحشفة، و هو أكثر من مثل ما على الحشفة، و التأويل ضعيف، لان البول ليس بمغسول و انما يغسل منه ما على الحشفة.

مسئلة: و غسل مخرج الغائط بالماء، و حده الإنقاء،

و ان لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة و الماء و لا يجزي أقل من ثلاثة و لو نقي بما دونها،

و هذه الجملة تشتمل بحوثا:

الأول: «الاستنجاء» واجب عند علمائنا.

و قال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم يتعد، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن و من لا يفعل فلا حرج عليه» «4» و أقل الوتر واحد و قد أزال الحرج بتركه. لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزي» «5» و قال عليه السّلام: «لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «6»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 7.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 1.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 104.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.

127
المعتبر في شرح المختصر1

الأول:«الاستنجاء» واجب عند علمائنا ؛ ج‌1، ص : 127

نشيط بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل» «1» و يؤيد هذه ما روي عن الصادق عليه السّلام «ان البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين» «2» و لان غسل النجاسة بمثلها لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على النجاسة، و لا كذا لو غسل بمثلها.

أما رواية نشيط أيضا عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «3» فمقطوعة السند، فالعمل بالأولى أولى، و قال الشيخ في التهذيب: و يمكن أن تحمل الرواية على أن المراد يغسل بمثل البول لا بمثل ما على الحشفة، و هو أكثر من مثل ما على الحشفة، و التأويل ضعيف، لان البول ليس بمغسول و انما يغسل منه ما على الحشفة.

مسئلة: و غسل مخرج الغائط بالماء، و حده الإنقاء،

و ان لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة و الماء و لا يجزي أقل من ثلاثة و لو نقي بما دونها،

و هذه الجملة تشتمل بحوثا:

الأول: «الاستنجاء» واجب عند علمائنا.

و قال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم يتعد، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن و من لا يفعل فلا حرج عليه» «4» و أقل الوتر واحد و قد أزال الحرج بتركه. لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزي» «5» و قال عليه السّلام: «لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «6»

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 5.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 7.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 1.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 104.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.

127
المعتبر في شرح المختصر1

البحث الثاني: إذا تعدى المخرج لا يجزي الا الماء، ؛ ج‌1، ص : 128

و في رواية ابن المنذر «و لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار» [1] و إطلاق الأمر يقتضي الوجوب. و خبر أبي حنيفة يقتضي رفع الحرج عن من لم يوتر، و لا يلزم منه دفع الحرج عن من لم يستنج.

و لا يقال: ما رويتموه خبر واحد فيما يعم به البلوى، فلا يعمل به، لأنا نقول:

يعضده عمل أكثر الصحابة و ما دل على وجوب إزالة النجاسة عن البدن، و لان مستند الخصم في جواز تركه خبر واحد أيضا و فيه احتمال، فيكون العمل بخبرنا أولى.

و روى الأصحاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا صلاة إلا بطهور» «2» و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، جرت بذلك السنة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. و روى يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد ان جاء من الغائط أو بال قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط ثمَّ يتوضأ مرتين مرتين» «3».

البحث الثاني: إذا تعدى المخرج لا يجزي الا الماء،

و هو مذهب أهل العلم.

روى الجمهور عن علي عليه السّلام «كنتم تبعرون بعرا و أنتم اليوم تثلطون ثلطا فاتبعوا الماء الأحجار» «4» و قوله عليه السّلام: «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة» «5» و لان الماء مطهر للنجاسات بالإجماع لإزالة العين و الأثر فيقتصر عليه لزوال النجاسة به على اليقين.

البحث الثالث: إذا لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة و الماء و الجمع أفضل،

______________________________
[1] لم نعثر في هذا المورد على رواية من ابن منذر و لكن روى البيهقي في سننه بهذا المضمون رواية من إبراهيم ج 1 ص 102.

______________________________
(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 1 ح 1 ص 256.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 9 ح 5 ص 223.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 106.

(5) روى البيهقي في سننه أحاديث متعددة بهذا المضمون.

128
المعتبر في شرح المختصر1

البحث الرابع: لا حد لما يستنجى به من الغائط الا الإنقاء، ؛ ج‌1، ص : 129

و هو إجماع إلا ما حكي عن سعد بن أبي وقاص و ابن الزبير فإنهما أنكرا الاستنجاء بالماء.

لنا ما رواه الجمهور عن أنس قال: «كان النبي صلى اللّه عليه و آله يدخل الخلاء فأحمل أنا و غلام نحوي أداؤه من ماء فيستنجي بالماء» «1» و لان الماء أبلغ في التطهير من الحجر لازالة العين و الأثر، و روى الأصحاب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «يا معشر الأنصار قد أحسن اللّه عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟ قالوا نستنجي بالماء» «2» و عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير» «3».

البحث الرابع: لا حد لما يستنجى به من الغائط الا الإنقاء،

و قال سلار: حده أن يصر الموضع. لنا ما رواه ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السّلام قلت له: «للاستنجاء حد؟ قال: لا، حتى ينقي ما ثمة، قلت: فإنه ينقي ما ثمة و تبقى الريح، قال: الريح لا ينظر إليها» «4» و لان المراد إزالة النجاسة عينا و أثرا فيقف الاستعمال على تحصيل الغرض، و لان ما ذكره سلار يختلف بحسب اختلاف حرارة الماء و برودته فيسقط اعتباره.

البحث الخامس: لا يجزي أقل من ثلاثة أحجار، و ان نقي بدونها

خلافا لداود و مالك فإنهما اعتبرا الإنقاء لا العدد. لنا ما رووه من قوله عليه السّلام «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «5» و في رواية ابن المنذر «لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار» «6» و ما رواه الأصحاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «جرت السنة في أثر الغائط‌

______________________________
(1) صحيح مسلم ج 1 باب الاستنجاء بالماء ح 227.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 34 ح 1 ص 250.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 34 ح 2 ص 250.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 13 ح 1 ص 227.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.

(6) روى البيهقي في سننه بهذا المضمون من إبراهيم ج 1 ص 102.

129
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 130

بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله» «1» و لان الحجر لا يزيل النجاسة بل لا بد من ارتياك شي‌ء منها في المحل، و مقتضى الدليل المنع من استصحابها في الصلاة، لأن قليل النجاسة عندنا ككثيرها في المنع فيقف الجواز على موضع الشرعي.

فروع

الأول: ان لم ينق الموضع بالثلاث استعمل ما زاد حتى ينقى

، و هو إجماع، لكن يستحب أن لا يقطع الأعلى وتر، لما روي عن علي عليه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «إذا استنجى أحدكم فليوتر وترا إذا لم يجد الماء» «2» و الرواية من المشاهير.

الثاني: أثر النجاسة بعد استعمال الثلاث و زوال العين معفو عنه،

و هو إجماع، و هل يحكم بطهارة المحل؟ قال الشافعي و أبو حنيفة لا، لأنه مسح للنجاسة فلا يطهر محلها لبقاء الأثر. لنا قوله صلى اللّه عليه و آله «لا تستنجوا بعظم و لا روث فإنهما لا يطهران» «3» و هو يدل بمفهومه على حصول الطهارة بغيرها، و لأن أكثر الصحابة اقتصروا على الاستجمار مع توقيهم من النجاسات، و لو لم يطهر المحل لما اقتصروا عليه.

الثالث: كيف حصل الإنقاء بالثلاثة جاز

و لو استعمل كل حجر في جزء، و الأفضل مسح المحل كله بكل جزء، و به قال الشيخ في المبسوط، لان امتثال الأمر بالاستنجاء بالثلاثة متحقق على التقديرين. لا يقال: إذا قسمت على المحل جرت مجرى المسحة الواحدة لأن المسحة الواحدة لا يتحقق معها العدد المعتبر.

الرابع: لا يجب استنجاء مخرج الغائط إلا مع خروج نجاسة منه كالغائط و الدم،

و ما يخرج متلطخا بالنجاسة، و لو خرج دود أو حصاة أو حقنة طاهرة لم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام التخلي باب 30 ح 3 ص 246.

(2) روى بمضمونها روايات متعددة في السن للبيهقي ج 1 ص 103 و 104.

(3) روى بمضمونها روايات متعددة في السنن للبيهقي ج 1 ص 107 و 108.

130
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس: لا يجزي الحجر ذو الشعب و ان استعمل شعبه، ؛ ج‌1، ص : 131

يجب الاستنجاء، لأنه لا يجب ازالة ما ليس بنجس، و سنبين طهارة رطوبات البدن عدا ما ذكرناه، نعم لو احتقن بنجاسة فخرجت وجب الاستنجاء منها.

الخامس: لا يجزي الحجر ذو الشعب و ان استعمل شعبه،

و قال في المبسوط يجزي عند بعض أصحابنا، و الأحوط اعتبار العدد، لنا قوله عليه السّلام «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «1» و قول أبي جعفر عليه السّلام «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار» «2» و يمكن أن يقال: المراد «بالأحجار» المسحات كما يقال: ضربته ثلاثة أسواط، و المراد «ثلاثة ضربات» و لو بسوط واحد و لعل الفرق يدرك بإدخال الباء، و إذا غسل الحجر المستعمل بالماء أو أصابته نجاسة مائعة فجففته الشمس، قال في المبسوط: يجوز الاستجمار به، و هو حسن، و كذا لو كسر الحجر ثلاثا ثمَّ استعمل الطاهرين منه.

مسئلة: و يجوز ان يستعمل «الخرق» بدل الأحجار،

قال الشيخ (ره) في المبسوط: الاستنجاء بالجلود الطاهرة و كل جسم طاهر مزيل للنجاسة فإنه جائز.

و قال في الخلاف: يجوز الاستنجاء بالأحجار و غير الأحجار إذا كان منقيا غير مطعوم مثل الخشب و الخزف و المدر و غير ذلك. و استدل بإجماع الفرقة و رواية حريز عن زرارة قال: «يستنجى من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق» «3» و قال علم الهدى في المصباح: يجوز الاستنجاء بالأحجار و ما قام مقامها بالمدر و الخرق.

و قال داود لا يجوز بغير الأحجار لأنها رخصة فوجب الاقتصار على موضع الترخيص.

لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «و استطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب» «4» و ما رواه الأصحاب عن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 3 ص 246.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 6 ص 242.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 111.

131
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يجوز ان يستعمل«الخرق» بدل الأحجار، ؛ ج‌1، ص : 131

يجب الاستنجاء، لأنه لا يجب ازالة ما ليس بنجس، و سنبين طهارة رطوبات البدن عدا ما ذكرناه، نعم لو احتقن بنجاسة فخرجت وجب الاستنجاء منها.

الخامس: لا يجزي الحجر ذو الشعب و ان استعمل شعبه،

و قال في المبسوط يجزي عند بعض أصحابنا، و الأحوط اعتبار العدد، لنا قوله عليه السّلام «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «1» و قول أبي جعفر عليه السّلام «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار» «2» و يمكن أن يقال: المراد «بالأحجار» المسحات كما يقال: ضربته ثلاثة أسواط، و المراد «ثلاثة ضربات» و لو بسوط واحد و لعل الفرق يدرك بإدخال الباء، و إذا غسل الحجر المستعمل بالماء أو أصابته نجاسة مائعة فجففته الشمس، قال في المبسوط: يجوز الاستجمار به، و هو حسن، و كذا لو كسر الحجر ثلاثا ثمَّ استعمل الطاهرين منه.

مسئلة: و يجوز ان يستعمل «الخرق» بدل الأحجار،

قال الشيخ (ره) في المبسوط: الاستنجاء بالجلود الطاهرة و كل جسم طاهر مزيل للنجاسة فإنه جائز.

و قال في الخلاف: يجوز الاستنجاء بالأحجار و غير الأحجار إذا كان منقيا غير مطعوم مثل الخشب و الخزف و المدر و غير ذلك. و استدل بإجماع الفرقة و رواية حريز عن زرارة قال: «يستنجى من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق» «3» و قال علم الهدى في المصباح: يجوز الاستنجاء بالأحجار و ما قام مقامها بالمدر و الخرق.

و قال داود لا يجوز بغير الأحجار لأنها رخصة فوجب الاقتصار على موضع الترخيص.

لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «و استطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب» «4» و ما رواه الأصحاب عن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 3 ص 246.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 6 ص 242.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 111.

131
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 132

عليه السّلام قلت: «للاستنجاء حد؟ قال لا، حتى ينقي ما ثمة» «1» و هو على إطلاقه. و روى زرارة قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كان الحسين عليه السّلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغتسل» «2».

فروع

الأول: لا يجزي «الزلج»

كالحديد الصقيل و الزجاج، لأنه لا يزيل العين.

الثاني: لا يجوز بالطعوم

كالخبز و الفاكهة لأن له حرمة تمنع من الاستهانة به و لان طعام الجن منهي عنه و طعام أهل الصلاح أولى بدلالة الفحوى.

الثالث: لا يجوز الاستنجاء بماله حرمة،

كورق المصحف و كتب الفقه و أحاديث النبي صلى اللّه عليه و آله لان فيه هتكا لحرمة الشرع.

الرابع: إذا استنجى بالخرقة الصفيقة التي لا تخرقها النجاسة،

فإن قلنا: الحجر الواحد ذو الشعب يجزي جاز استعمالها من الجانب الأخر، و ان لم نقل، أو كانت النجاسة تخرقها، لم يجز استعمالها، نعم لو كانت طويلة فاستعمل طرفها أمكن استعمال الأخر بعد قطعه على قولنا، و لا معه على القول الأخر.

مسئلة: و لا يستعمل «الروث» و لا «العظم» و لا «الحجر المستعمل»

أما العظم و الروث فعليه اتفاق الأصحاب خلافا لأبي حنيفة مطلقا، و قال مالك: يجوز بالطاهر دون النجس. لنا ما رووه من قوله عليه السّلام «لا تستنجوا بالعظم و لا بالروث فإنه زاد إخوانكم من الجن» «3» و روى دار قطني قال «نهى النبي صلى اللّه عليه و آله أن يستنجى بروث أو عظم» «4».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 6 ص 252.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 3 ص 252.

(3) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 95.

(4) روى بمضمونه في مسند أحمد بن حنبل ح 5 ص 438.

132
المعتبر في شرح المختصر1

فرع كل ما قلنا لا يجوز استعماله أما لحرمة أو لنجاسة، لو استعمله هل يطهر المحل؟ ؛ ج‌1، ص : 133

و روى الأصحاب عن ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم و البعر و العود؟ قال: أما العظام و الروث فطعام الجن، و ذلك مما اشترطوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قال لا يصلح شي‌ء من ذلك» «1» و أما الحجر المستعمل، فمرادنا بالمنع الاستنجاء بموضع النجاسة منه، و الا لنجس المحل بغير نجاسته المحققة، اما لو كسر و استعمل المحل الطاهر منه جاز، و كذا لو أزيلت النجاسة بغسل أو غيره، و في بعض أخبارنا عن أبي عبد اللّه «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء» «2» لكن الخبر مقطوع السند، و يحمل الاتباع بالماء على الفضيلة.

فرع كل ما قلنا لا يجوز استعماله أما لحرمة أو لنجاسة، لو استعمله هل يطهر المحل؟

الأشبه لا، لان المنع من استصحابه شرعي فيقف زوال ذلك على الشرع، و استدل الشيخ (ره) في المبسوط: بأنه استنجاء منهي عنه، و النهي يدل على فساد المنهي عنه.

مسئلة: يستحب «تغطية الرأس» عند دخول الخلاء و «التسمية»

و عليه اتفاق الأصحاب، روى علي بن أسباط مرسلا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه و يقول سرا في نفسه: بسم اللّه و باللّه» «3» لكن علي بن أسباط واقفي، و الحجة أنه يأمن مع تغطية رأسه من وصول الرائحة إلى دماغه، و ذكر المفيد (ره) في المقنعة: انها من سنن النبي صلى اللّه عليه و آله، و روى معاوية بن عمار، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّه اللهم إني أعوذ بك من الخبيث‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 1 ص 252.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 4 ص 246.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 3 ح 2 ص 214.

133
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يستحب«تغطية الرأس» عند دخول الخلاء و«التسمية» ؛ ج‌1، ص : 133

و روى الأصحاب عن ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم و البعر و العود؟ قال: أما العظام و الروث فطعام الجن، و ذلك مما اشترطوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قال لا يصلح شي‌ء من ذلك» «1» و أما الحجر المستعمل، فمرادنا بالمنع الاستنجاء بموضع النجاسة منه، و الا لنجس المحل بغير نجاسته المحققة، اما لو كسر و استعمل المحل الطاهر منه جاز، و كذا لو أزيلت النجاسة بغسل أو غيره، و في بعض أخبارنا عن أبي عبد اللّه «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء» «2» لكن الخبر مقطوع السند، و يحمل الاتباع بالماء على الفضيلة.

فرع كل ما قلنا لا يجوز استعماله أما لحرمة أو لنجاسة، لو استعمله هل يطهر المحل؟

الأشبه لا، لان المنع من استصحابه شرعي فيقف زوال ذلك على الشرع، و استدل الشيخ (ره) في المبسوط: بأنه استنجاء منهي عنه، و النهي يدل على فساد المنهي عنه.

مسئلة: يستحب «تغطية الرأس» عند دخول الخلاء و «التسمية»

و عليه اتفاق الأصحاب، روى علي بن أسباط مرسلا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه و يقول سرا في نفسه: بسم اللّه و باللّه» «3» لكن علي بن أسباط واقفي، و الحجة أنه يأمن مع تغطية رأسه من وصول الرائحة إلى دماغه، و ذكر المفيد (ره) في المقنعة: انها من سنن النبي صلى اللّه عليه و آله، و روى معاوية بن عمار، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّه اللهم إني أعوذ بك من الخبيث‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 1 ص 252.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 4 ص 246.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 3 ح 2 ص 214.

133
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يستحب«تغطية الرأس» عند دخول الخلاء و«التسمية» ؛ ج‌1، ص : 133

المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم، و إذ أخرجت فقل: بسم اللّه الحمد للّه الذي عافاني من الخبيث المخبث و أماط عني الأذى» «1».

و روي عن جعفر عليه السّلام، عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «إذا انكشف أحدكم ليبول أو غير ذلك فليقل: بسم اللّه فان الشيطان يغض بصره» «2» و لأن التسمية تعصيم من الشيطان و الكنيف من مواطنه، و تقديم الرجل اليسرى عند الدخول و اليمنى عند الخروج ليكون فرقا بين دخول المسجد و الخروج منه، و لم أجد بهذا حجة غير أن ما ذكره الشيخ و جماعة من الأصحاب حسن.

و «الاستبراء» و في كيفيته أقوال، قال المفيد في المقنعة: إذ أراد الاستبراء مسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرتين أو ثلاثا، ثمَّ يضع مسبحته تحت القضيب و إبهامه فوقها و يمرها عليه باعتماد قوي من أصله الى رأس الحشفة مرتين أو ثلاثا ليخرج ما فيه من بقية البول. و قال الشيخ (ره) في المبسوط:

و إذا أراد ذلك مسح من عند المقعدة إلى تحت الأنثيين ثلاثا، و مسح القضيب و نتره ثلاثا.

و قال علم الهدى (ره): يستحب عند البول نتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاث مرات، و كلام الشيخ أبلغ في الاستظهار، و روى حريز، عن ابن مسلم قال:

«قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل بال و لم يكن معه ماء، قال: يعصر ذكره من أصله إلى ذكره ثلاث عصرات و نتر ذكره. فان خرج بعد ذلك فليس من البول و لكنه من الحبائل» «3».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 1 ص 216.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 4 ص 217.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 11 ح 2 ص 225.

134
المعتبر في شرح المختصر1

فرع إذا استبرأ ثم تحدر منه«بلل» لم يجب منه الوضوء و كان طاهرا، ؛ ج‌1، ص : 135

فرع إذا استبرأ ثمَّ تحدر منه «بلل» لم يجب منه الوضوء و كان طاهرا،

لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام «فليس من البول و لكنه من الحبائل» «1» و هي عروق الطهر، و لان مع الاستظهار لا يبقى في المجرى بول، فيكون الأصل الطهارة، و لو لم يستبرأ و تطهر ثمَّ رأى بللا أعاد الوضوء، و لو كان صلى بتلك الطهارة لم يعد الصلاة لاستكمال شروطها المعتبرة، و يعيد الوضوء لتجدد الحدث و عليه غسل الموضع.

مسئلة: و «الدعاء» عند الدخول و عند النظر الى الماء و عند الاستنجاء و عند الفراغ.

أما الدعاء عند الدخول، فلرواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا دخلت الغائط فقل أعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» «2» و أما عند النظر، فلما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال لابن الحنيفة: «يا محمد ائتيني بماء أتوضأ للصلاة، فأكفى بيده اليسرى على اليمنى، فقال:

بسم اللّه و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا، ثمَّ استنجى و قال:

اللهم حصّن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمني على النار، ثمَّ تمضمض» «3».

و أما دعاء الفراغ، فروى معاوية بن عمار، قال: «إذا توضأت فقل: أشهد أن لا إله إلا اللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين و الحمد للّه رب العالمين» «4» و روى عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام «انه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد للّه الذي رزقني لذته و أبقى في جسدي قوته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 11 ح 2 ص 225.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 2 ص 216.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 16 ح 1 ص 282.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 26 ح 1 ص 298.

135
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«الدعاء» عند الدخول و عند النظر الى الماء و عند الاستنجاء و عند الفراغ ؛ ج‌1، ص : 135

فرع إذا استبرأ ثمَّ تحدر منه «بلل» لم يجب منه الوضوء و كان طاهرا،

لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام «فليس من البول و لكنه من الحبائل» «1» و هي عروق الطهر، و لان مع الاستظهار لا يبقى في المجرى بول، فيكون الأصل الطهارة، و لو لم يستبرأ و تطهر ثمَّ رأى بللا أعاد الوضوء، و لو كان صلى بتلك الطهارة لم يعد الصلاة لاستكمال شروطها المعتبرة، و يعيد الوضوء لتجدد الحدث و عليه غسل الموضع.

مسئلة: و «الدعاء» عند الدخول و عند النظر الى الماء و عند الاستنجاء و عند الفراغ.

أما الدعاء عند الدخول، فلرواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا دخلت الغائط فقل أعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» «2» و أما عند النظر، فلما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال لابن الحنيفة: «يا محمد ائتيني بماء أتوضأ للصلاة، فأكفى بيده اليسرى على اليمنى، فقال:

بسم اللّه و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا، ثمَّ استنجى و قال:

اللهم حصّن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمني على النار، ثمَّ تمضمض» «3».

و أما دعاء الفراغ، فروى معاوية بن عمار، قال: «إذا توضأت فقل: أشهد أن لا إله إلا اللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين و الحمد للّه رب العالمين» «4» و روى عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام «انه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد للّه الذي رزقني لذته و أبقى في جسدي قوته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 11 ح 2 ص 225.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 2 ص 216.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 16 ح 1 ص 282.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 26 ح 1 ص 298.

135
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الجمع بين الأحجار و الماء مستحب ؛ ج‌1، ص : 136

و اخرج عني أذاه يا لها نعمة ثلاثا» «1».

مسئلة: الجمع بين الأحجار و الماء مستحب

و ان تعدى الغائط و الاقتصار على الماء أفضل من الأحجار و ان لم يتعد، اما الأول فلأنه جمع بين مطهرين بتقدير ألا يتعدى، و إكمال في الاستظهار بتقدير التعدي، و يؤيده من الحديث ما روي مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء» «2» و أما الاقتصار على الماء مع عدم التعدي فلأنه أقوى المطهرين، لأنه يزيل العين و الأثر بخلاف الحجر، و قوله عليه السّلام «إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء» «3» و يفهم من فحوى الحديث اختصاص الماء بالأولوية، روى الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أراد أن يستنجي يبدأ بالمقعدة ثمَّ بالإحليل» «4».

مسئلة: و يكره الجلوس للحدث في الشوارع و المشارع و مواضع اللعن و تحت الأشجار المثمرة،

إلى آخر الباب. روى عاصم بن حميد، عن عبيد اللّه عليه السّلام «قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السّلام: أين يتوضأ الغرباء؟ قال يتقي شطوط الأنهار، و الطرق النافذة، و تحت الأشجار المثمرة، و مواضع اللعن» «5» و روي أن أبا حنيفة، سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام «أين يضع الغريب ببلدكم؟ قال: اجتنب أفنية المساجد، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و في‌ء النزال، و لا تستقبل القبلة ببول و لا غائط، و ارفع ثوبك، وضع حيث شئت» «6».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 3 ص 216.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 4 ص 246.

(3) روى بمضمونها روايات متعددة في السنن للبيهقي ج 1 ص 103 و 104.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 14 ح 1 ص 227.

(5) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 15 ح 1 ص 228.

(6) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 15 ح 2 ص 228.

136
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يكره الجلوس للحدث في الشوارع و المشارع و مواضع اللعن و تحت الأشجار المثمرة، ؛ ج‌1، ص : 136

و روى السكوني، عن جعفر، عن آبائه عليهم السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول» «1» و عن الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا يبولن أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به» «2» و روى ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أراد البول يعمد الى مكان مرتفع من الأرض أو الى مكان يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول» «3» و سئل الحسين بن علي عليهما السّلام «ما حد الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها» «4».

و روي في بعض الاخبار المرسلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام «انه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري الا من ضرورة و قال ان للماء أهلا» «5» و قد روى الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري و كره أن يبول في الماء الراكد» «6» و لا تنافي بين الروايتين لان الجواز لا ينافي الكراهية، و «السواك» يكره على الخلاء، قيل: لأنه يورث البخر.

و روى علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن أبي القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له: «الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى، فقال: ما أحب ذلك، قلت فاسم محمد صلى اللّه عليه و آله، قال لا بأس» «7» و روى صفوان، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يجيب الرجل آخر و هو على الغائط، أو‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 25 ح 1 ص 241.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 25 ح 2 ص 241.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام التخلي باب 22 ح 1 ص 238.

(4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 2 ح 6 ص 213.

(5) الوسائل ج 1 أبواب أحكام التخلي باب 24 ح 3 ص 240.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 ص 107.

(7) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 17 ح 6 ص 233.

137
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: في كيفية الوضوء: ؛ ج‌1، ص : 138

يكلمه حتى يفرغ» «1» و في رواية عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه عن التسبيح في المخرج و قراءة القرآن؟ قال: لم يرحض في الكنيف في أكثر من آية الكرسي أو يحمد اللّه أو آية» «2».

و أما جواز ذكر اللّه فلما رواه سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ان موسى عليه السّلام قال يا رب تمر بي حالات استحي أن أذكرك فيها، فقال اللّه عز و جل:

يا موسى ذكري حسن على كل حال» «3» و أما حال الضرورة فلما في الامتناع من الكلام من الضرر المنفي بقوله تعالى وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «4» و انما كره في مواطن الهوام لما لا يأمن معه من خروج ما يؤذيه أو ترد عليه النجاسة و كراهية الاستنجاء باليمين لما فيه من المزية على اليسار، و انما كره الأكل و الشرب لما يتضمن من الاستقذار الدال على مهانة نفس متعمدة.

الثالث: في كيفية الوضوء:

مسئلة: «النية» شرط في صحة الطهارة وضوءا كانت أو غسلا أو تيمما،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم و ابن الجنيد، و لم أعرف لقدمائنا فيه نصا على التعيين و أنكره أبو حنيفة في الطهارة المائية محتجا بقوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «5» و لم يذكر النية، و لان الماء مطهر مطلقا فاذا استعمل في موضعه وقع موقعه، بخلاف التيمم فان التراب انما يصير مطهرا إذا قصد به أداء الصلاة.

لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إنما الأعمال بالبينات» «6» و قد روى ذلك جماعة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 6 ح 1 ص 218.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 7 ح 7 ص 220.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 7 ح 5 ص 220.

(4) الحج: 78.

(5) المائدة: 6.

(6) الوسائل ج 4 أبواب النية باب 1 ح 2 ص 711.

138
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«النية» شرط في صحة الطهارة وضوءا كانت أو غسلا أو تيمما، ؛ ج‌1، ص : 138

يكلمه حتى يفرغ» «1» و في رواية عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه عن التسبيح في المخرج و قراءة القرآن؟ قال: لم يرحض في الكنيف في أكثر من آية الكرسي أو يحمد اللّه أو آية» «2».

و أما جواز ذكر اللّه فلما رواه سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ان موسى عليه السّلام قال يا رب تمر بي حالات استحي أن أذكرك فيها، فقال اللّه عز و جل:

يا موسى ذكري حسن على كل حال» «3» و أما حال الضرورة فلما في الامتناع من الكلام من الضرر المنفي بقوله تعالى وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «4» و انما كره في مواطن الهوام لما لا يأمن معه من خروج ما يؤذيه أو ترد عليه النجاسة و كراهية الاستنجاء باليمين لما فيه من المزية على اليسار، و انما كره الأكل و الشرب لما يتضمن من الاستقذار الدال على مهانة نفس متعمدة.

الثالث: في كيفية الوضوء:

مسئلة: «النية» شرط في صحة الطهارة وضوءا كانت أو غسلا أو تيمما،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم و ابن الجنيد، و لم أعرف لقدمائنا فيه نصا على التعيين و أنكره أبو حنيفة في الطهارة المائية محتجا بقوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «5» و لم يذكر النية، و لان الماء مطهر مطلقا فاذا استعمل في موضعه وقع موقعه، بخلاف التيمم فان التراب انما يصير مطهرا إذا قصد به أداء الصلاة.

لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إنما الأعمال بالبينات» «6» و قد روى ذلك جماعة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 6 ح 1 ص 218.

(2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 7 ح 7 ص 220.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 7 ح 5 ص 220.

(4) الحج: 78.

(5) المائدة: 6.

(6) الوسائل ج 4 أبواب النية باب 1 ح 2 ص 711.

138
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«النية» شرط في صحة الطهارة وضوءا كانت أو غسلا أو تيمما، ؛ ج‌1، ص : 138

من أصحابنا مرسلا، و ما رواه الأصحاب، عن الرضا عليه السّلام قال: «لا قول الا بعمل و لا عمل إلا بنية، و لا نية إلا بإصابة السنة» «1» و لا حجة لأبي حنيفة في الآية، لأنها تقتضي القصد إلى الصلاة، إذ هذا هو المفهوم من قولك: إذا لقيت الأمر فالبس أهبتك معناه للقائه، و كذا قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا «2» أي للصلاة، و قوله عليه السّلام: «الماء مطهر مطلقا» «3».

قلنا هو: موضع المنع، أما في «إزالة الخبث» فمسلّم و اما في «رفع الحدث» فممنوع، و محلها القلب لأنها ارادة، و محل الإرادة القلب، و يشترط استحضار نية التقرب، لقوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ «4» و لا يتحقق الإخلاص إلا مع نية التقرب، و نية استباحة الصلاة أو رفع الحدث، و معناهما واحد و هو ازالة المانع أو استباحة فعل لا يصح الا بالطهارة كالطواف لقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا «5» أي اغسلوا للصلاة، و لا فرق بين أن ينوي استباحة الصلاة بعينها أو الصلاة مطلقا، و في اشتراط نية الوجوب أو الندب تردد، أشبهه عدم الاشتراط، إذا القصد الاستباحة و التقرب و ان تقع مقارنة لغسل الوجه، لأنه بذاته الطهارة فلو تراخت وقع غير منوي، و استدامة حكمها و هو أن لا ينتقل إلى نية تنافي الاولى، و انما اقتصر على الحكم لأن استدامة النية مما يعسر بل يتعذر في الأكثر فاقتصر على استدامة الحكم مراعاة لليسر.

______________________________
(1) البحار ج 1 ص 207 (طبع حديث).

(2) المائدة: 6.

(3) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 17 و 19.

(4) البينة: 5.

(5) المائدة: 6.

139
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 140

فروع

الأول: لو جدد الطهارة فتبين انه كان محدثا، قيل: لا تصح،

لأنه لم ينو الاستباحة فهو كما لو نوى التبرد و الوجه الاجتزاء، لأنه قصد الصلاة بطهارة شرعية.

الثاني: لو نوى استباحة ما ليس من شرطه الطهارة بل من فضله،

كقراءة القرآن أو النوم، قال الشيخ في المبسوط: لم يرتفع به حدثه لأنه فعل ليس من شرطه الطهارة، و لو قيل: يرتفع حدثه كان حسنا، لأنه قصد الفضيلة و هي لا تحصل بدون الطهارة، و كذا البحث لو قصد الكون على طهارة و لا كذا لو قصد وضوءا مطلقا.

الثالث: لو نوى الجنب استباحة الاستيطان في المسجد أو مس الكتابة ارتفع حدثه،

و لو نوى الاجتياز ففي ارتفاع حدثه التردد، الأول.

الرابع: لو نوى قطع النية فيما فعله أو لا صحيح،

و ما فعله مع قطعها فاسد و لو جددها و أعاد ذلك القدر منضما إلى الأول صحت طهارته ما لم يطل الفصل فيخل بالموالاة، فإن اتفق ذلك بطل ما طهره و أعاد، أما في غسل الجنابة فيصح البناء مع تجديد النية و إكماله طال الفصل أو قصر لأن الموالاة لا تشترط فيه.

الخامس: لو شك في النية و هو في أثناء الطهارة استأنف

لأنها عبادة مشروطة بالنية و لم يتحقق.

السادس: ابتداء النية عند غسل اليدين للوضوء أمام غسل الوجه،

و يتضيّق إذا ابتدأ بغسل الوجه للوضوء، لان غسل اليدين للوضوء من أفعال الصلاة فجاز إيقاع النية عنده.

السابع: إذا نوى بطهارته رفع الحدث و التبرد صح،

لأنه فعل الواجب زيادة غير منافية.

140
المعتبر في شرح المختصر1

التاسع: إذا وضأ غيره لضرورة فالمعتبر نيته لا نية الموضئ ؛ ج‌1، ص : 141

الثامن: لا يصح طهارة الكافر لتعذر نية القربة في حقه.

التاسع: إذا وضّأ غيره لضرورة فالمعتبر نيته لا نية الموضئ

لأنه المخاطب بالطهارة.

مسئلة: يجب غسل «الوجه»

و طوله من قصاص شعر الرأس في الأغلب إلى الذقن، و عرضه ما اشتملت عليه الإبهام و الوسطى، و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام و به قال مالك، و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد: ما بين العذار و الاذن من الوجه. لنا رواية حريز عن أحدهما عليهما السّلام قلت: «أخبرني عن الوجه الذي أمر اللّه بغسله ان زاد لم يؤجر و ان نقص أثم؟ قال ما دارت عليه السبابة و الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، و ما سوى ذلك ليس من الوجه، قلت الصدغ ليس من الوجه؟ قال لا» «1» و لان ما ذكرناه متفق على أنه من الوجه و ما وراء العذار ليس كذلك فيقتصر على المتفق لأنا نتيقن تناول الأمر له بالغسل. لا يقال: الوجه من المواجهة لأنه يبطل بما أقبل من الأذنين.

فروع

الأول: «الأجلح» و «الأنزع» لا يعتبران بأنفسهما، بل يغسلان ما يغسله مستوي الخلقة

لأنه من الوجه و ان قصر عنه الشعر، و كذا الأعم و ان تداني شعره.

الثاني: لا يجب غسل ما خرج عما دارت عليه الإبهام و الوسطى من العذار،

و لا يستحب غسل ما بينه و بين الاذن، و لا يجب، لأن الوظائف الشرعية موقوفة على التشريع و مع فقده فلا توظيف.

الثالث: ما استرسل من اللحية طولا و عرضا لا يجب إفاضة الماء عليه

لأنها ليست من الوجه، و قال الشافعي في أحد قوليه: يجب غسلها، لما روي ان رسول‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 17 ح 1 ص 283.

141
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع: الأذنان لا يغسل ما أقبل منهما، و لا يمسح ما أدبر ؛ ج‌1، ص : 142

اللّه صلى اللّه عليه و آله «رأى رجلا غطّى لحيته، فقال: اكشف وجهك فان اللحية من الوجه» «1» و جوابه ان اللحية اسم لجملة العذارين و ما على اللحيين و الذقن، فلعل الإشارة إلى الجملة لما كان بعضها من الوجه و هو الأكثر.

الرابع: الأذنان لا يغسل ما أقبل منهما، و لا يمسح ما أدبر.

و قال الجمهور:

يمسح الأذنان، لقول النبي صلى اللّه عليه و آله «الأذنان من الرأس» «2» و قال الزهري يغسل ما أقبل منهما و يمسح ما أدبر. لنا ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قلت: «ان أناسا يقولون: الأذنين من الوجه و ظهرها من الرأس، قال: ليس عليها مسح و لا غسل» «3» و الخبر الذي أورده لا حجة فيه، لأنه لا يلزم من كونهما من الرأس وجوب مسحهما، و لا استحبابه لأنا سنبين ان مسح الرأس يختص المقدم.

الخامس: لا يلزم تخليل شعر «اللحية» و لا «الشارب» و لا «العنفقة» و لا «الأهداب» كثيفا كان الشعر أو خفيفا،

بل لا يستحب، و أطلق الجمهور على الاستحباب، و قال ابن عقيل: و متى خرجت اللحية و لم تكثر فعلى المتوضأ غسل الوجه حتى يستيقن وصول الماء الى بشرته، لأنه لم تستر مواضعها. لنا ما رووه عن أبي المقدم ابن معدي كرب «انه وصف وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: ثمَّ غسل وجهه ثلاثا، ثمَّ غسل ذراعيه» و لم يذكر التخليل فيكون التكليف به منفيا بالأصل، و لان الوجه اسم لما ظهر فلا تتبع المغاير، و روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «كلما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه، و لا أن يبحثوا عنه لكن يجري عليه الماء» «4» و كذا لو نبت للمرأة لحية لم يجب إيصال الماء الى ما تحتها كثيفة كانت أو خفيفة‌

______________________________
(1) لم يوجد.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 66.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 18 ح 2 ص 285.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 46 ح 3 ص 335.

142
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: لو نكس غسل وجهه خالف النية، ؛ ج‌1، ص : 143

لما ذكرناه.

السادس: لو نكس غسل وجهه خالف النية،

و في اجزائه قولان: قال علم الهدى (ره): يجزي لكن يكره. و قال الشيخ (ره): لا يجزيه. و هو الأشبه، لأن النبي صلى اللّه عليه و آله لم ينكس وضوءه، و فعله بيان للمجمل فيكون واجبا، و لقوله عليه السّلام و قد أكمل وضوءه: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به» «1» أي بمثله.

مسئلة: و يجب غسل اليدين مع المرفقين مبتدئا بهما،

و لو نكس فقولان:

اما غسل اليدين فبإجماع المسلمين و لصفة وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و لقوله تعالى:

وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ «2» و أما دخول المرفقين فعليه إجماع، خلا زمر، و من لا عبرة بخلافه.

لنا ما رووه عن جابر قال: «كان النبي صلى اللّه عليه و آله إذا توضأ أدار الماء الى مرفقيه» «3» و من طريق الأصحاب ما رواه الهيثم بن عروة التميمي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ فقال: ليس هكذا تنزيلها انما هو فاغسلوا وجوهكم و أيديكم من المرافق ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه» «4» و رواية بكير و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «في حكاية وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» «5» و لا حجة له في قوله الى المرافق، لأنها قد تأتي بمعنى مع، فيجب تنزيلها على ذلك توفيقا بين الآية و الخبر المتضمن لوصف وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.

(2) المائدة: 6.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 56.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 19 ح 1 ص 285.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 11 ص 275.

143
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يجب غسل اليدين مع المرفقين مبتدئا بهما، ؛ ج‌1، ص : 143

لما ذكرناه.

السادس: لو نكس غسل وجهه خالف النية،

و في اجزائه قولان: قال علم الهدى (ره): يجزي لكن يكره. و قال الشيخ (ره): لا يجزيه. و هو الأشبه، لأن النبي صلى اللّه عليه و آله لم ينكس وضوءه، و فعله بيان للمجمل فيكون واجبا، و لقوله عليه السّلام و قد أكمل وضوءه: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به» «1» أي بمثله.

مسئلة: و يجب غسل اليدين مع المرفقين مبتدئا بهما،

و لو نكس فقولان:

اما غسل اليدين فبإجماع المسلمين و لصفة وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و لقوله تعالى:

وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ «2» و أما دخول المرفقين فعليه إجماع، خلا زمر، و من لا عبرة بخلافه.

لنا ما رووه عن جابر قال: «كان النبي صلى اللّه عليه و آله إذا توضأ أدار الماء الى مرفقيه» «3» و من طريق الأصحاب ما رواه الهيثم بن عروة التميمي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ فقال: ليس هكذا تنزيلها انما هو فاغسلوا وجوهكم و أيديكم من المرافق ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه» «4» و رواية بكير و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «في حكاية وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» «5» و لا حجة له في قوله الى المرافق، لأنها قد تأتي بمعنى مع، فيجب تنزيلها على ذلك توفيقا بين الآية و الخبر المتضمن لوصف وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.

(2) المائدة: 6.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 56.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 19 ح 1 ص 285.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 11 ص 275.

143
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 144

فروع

الأول: لو نكس غسلهما فالبحث فيه كما في الوجه،

و لا شبة انه لا يجزي، لأن النبي صلى اللّه عليه و آله لم يستقبل فوجب متابعته، و قال علم الهدى رضي اللّه عنه في الانتصار و المصباح: يكره، و له قول آخر بالمنع.

الثاني: أقل الغسل ما يحصل به مسماه و لو دهنا،

و لا يجزي ما يسمى مسحا، لأنه لا يتحقق معه الامتثال.

الثالث: من قطعت يداه من المرفقين سقط عنه غسلهما

و يستحب له مسح موضع القطع بالماء، و لو قطعت إحداهما غسل الأخرى، و لو بقي المرفق وجب غسله، و لو قطع من دونه غسل ما بقي، لأن غسل الجميع بتقدير وجوده واجب فاذا زال البعض لم يسقط الأخر.

الرابع: من خلق له «يد» زائدة أو «إصبع» زائدة أو «لحمة» منبسطة دون المرفق وجب غسل تلك الزيادة

، لأنها من جملة الذراع، و لو كانت فوق المرفق لم تجب، و كذا لو تدلّت لحمة من غير موضع الفرض الى موضع الفرض متصلة به، غسلت كما تغسل الإصبع الزائدة.

الخامس: «الوسخ» تحت الظفر المانع من وصول الماء تجب إزالته

إذا لم يكن فيه ضرر، لأنه حائل و يمكن ازالته من غير مشقة.

مسئلة و يجب «مسح» مقدم الرأس ببقية البلل بما يسمى مسحا،

و قيل: أقلّه ثلاث أصابع، اما وجوب مسح الرأس فعليه إجماع المسلمين، و لقوله تعالى:

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «1» و اما اختصاص مقدم الرأس بالمسح فعليه إجماع الأصحاب خلافا للجمهور. لنا ما رووه عن المغيرة بن شعبة «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله‌

______________________________
(1) المائدة: 6.

144
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لو استقبل الشعر في مسح الرأس قال في المبسوط: يجزيه ؛ ج‌1، ص : 145

مسح بناصيته» «1» و ان عثمان مسح مقدم رأسه مرة واحدة و لم يستأنف له ماء جديدا، حين حكى وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

و من طريق الأصحاب، ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«مسح الرأس على مقدمه» «2» و اما انه يجزي ما يسمى مسحا فهو الذي ذكره الشيخ (ره) في المبسوط قال: و لا يتحدد بحد، و قال في مسائل الخلاف: ان الأفضل ما يكون مقدار ثلاث أصابع مضمومة، و في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة «يجب مقدار ثلاث» و به قال علم الهدى (ره) في مسائل الخلاف، و ابن بابويه رحمه اللّه تعالى، و قال علم الهدى رضي اللّه عنه في المصباح: بالاستحباب، كما قلناه.

لنا قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «3» و المراد البعض، و لا حد له شرعا، يقتصر على ما يتناوله الاسم، و من طريق الأصحاب ما رواه بكير و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» «4».

مسئلة: لو استقبل الشعر في مسح الرأس قال في المبسوط: يجزيه

لأنه ماسح، و قال في النهاية و الخلاف: لا يجزي. لنا قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «5» و الامتثال يحصل بكل واحد من الفعلين، و من طريق الأصحاب ما رواه حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «6» و أما وجه الكراهية فللتقصي من الخلاف.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 60.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 22 ح 1 و 2 ص 289.

(3) المائدة: 6.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 23 ح 4 ص 291.

(5) المائدة: 6.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 20 ح 1 ص 286.

145
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يجوز على البشرة و على شعر البشرة، ؛ ج‌1، ص : 146

مسئلة: و يجوز على البشرة و على شعر البشرة،

و لا يجزي على حائل كالعمامة و المقنعة، و هو اتفاق منا، بل يدخل الرجل يده تحت العمامة، و المرأة تحت المقنعة، و يستحب لها وضعه، و يتأكد في المغرب و الصبح. و قال أحمد: يجوز. لنا انه أخل بالمسح على موضع الفرض فلم يصح، و لأنه يساعد على المنع من المسح على خرقة موضوعة على موضع الفرض، فمنع المسح على العمامة أولى، و من طريق الأصحاب ما رواه حماد، عن الحسين قال: «قلت لأبي عبد اللّه رجل توضأ و هو متعمم و ثقل عليه نزع العمامة، فقال ليدخل إصبعه» «1».

مسئلة: يجب أن يمسح رأسه ببقية البلل،

و لا يجوز أن يستأنف لمسح رأسه و لا لمسح رجليه ماء جديدا، و خيّر مالك بين المسح ببقية البلل و الاستيناف، و أوجب الباقون الاستيناف، أما ان الاستيناف غير واجب، فلما رووه عن عثمان ابن عفان حين حكى وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «انه مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة و لم يستأنف له ماء جديدا» «2» و فعله هنا بيان للمجمل فيكون واجبا.

و مثل ذلك روي من طريق الأصحاب رواه بكير و زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام حين وصفا وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و اما أن المسح ببقية البلل شرط في صحة الطهارة، فهو اختيار الثلاثة و أتباعهم و فتوى الأصحاب اليوم، و ذكر البزنطي في جامعه عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «حكي لنا وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و قال: ثمَّ مسح بما بقي في يده رأسه و رجليه» «3» ثمَّ قال أحمد البزنطي و حدثني المثنى، عن زرارة، و أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام مثل حديث جميل في الوضوء، الا انه في حديث المثنى ثمَّ وضع يده في الإناء فمسح رأسه و رجليه،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 24 ح 2 ص 293.

(2) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة و سننها ص 51.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 4 ص 273.

146
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 147

و روى معمر بن خلاد، عن أبي الحسن عليه السّلام قلت: «أ يجزي الرجل يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال: برأسه لا، فقلت: بماء جديد؟ قال برأسه: نعم» «1» و عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قلت: أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟

قال: لا، بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح» «2» قال في التهذيب: ذلك على التقية، و قال ابن الجنيد (ره): و إذا كانت بيد المتطهر نداوة يستبقها من غسل يده مسح بيمينه رأسه و رجله اليمنى، و بيده اليسرى رجله اليسرى، و ان لم يستبق ذلك أخذ ماء جديدا لرأسه و رجليه و كذا يستحب ان وضّأ وجهه و يده مرتين مرتين.

و هذا تصريح منه بجواز الاستيناف، دليلنا على وجوب المسح ببقية البلل انه عليه السّلام مسح ببقية البلل، و فعله صلى اللّه عليه و آله بيان للمجمل فيجب، و هو معارض بالأحاديث المبيحة للاستيناف، لكن القول بوجوب المسح ببقية البلل هو أولى في الاستظهار للعبادة، و يمكن أن يقال: الأمر بالمسح مطلق و الأمر المطلق للفور و الإتيان به ممكن من غير استيناف ماء، فيجب الاقتصار عليه تحصيلا للامتثال، و لا يلزم مثله في غسل اليدين، لان الغسل يستلزم استيناف الماء.

فروع

الأول: من ذكر انه لم يمسح مسح،

فان لم يبق في يده نداوة أخذ من لحيته و أشفار عينيه و حاجبيه، و لو لم تبق نداوة أعاد الوضوء.

الثاني: يمسح ببقية النداوة

سواء كانت من الغسلة الأولى أو الثانية.

الثالث: لا يمسح على الجبهة و لا على ما يجتمع على مقدم رأسه

من غير شعر المقدم، لأنه حائل غير ضروري.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 21 ح 5 ص 288.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 21 ح 4 ص 288.

147
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع: من غسل موضع المسح لم يجزه، ؛ ج‌1، ص : 148

الرابع: من غسل موضع المسح لم يجزه،

لأنهما فرضان متغايران في نظر الشرع فلا يجزي أحدهما عن الأخر.

الخامس: ليس من السنة مسح الأذنين و لا غسلهما،

و خالف الجمهور في ذلك. لنا قوله فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ و امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «1» و قد بيّنا حد «الوجه» و ما يجب من مسح الرأس و هما خارجتان عنه، و ما رواه الجمهور في صفة وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «فإنه لم يذكر الأذنين» «2». و من طريق الخاصة فما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام «ان أناسا يقولون: ان الأذنين من الوجه فظهرهما من الرأس؟ قال: ليس عليهما غسل و لا مسح» «3».

السادس: لا يستحب «مسح» جميع الرأس

لأنها كلفة لم يوظفها الشرع، فيسقط اعتبارها.

مسئلة: يجب «مسح» الرجلين الى الكعبين،

و هما: قبتا القدم. اما وجوب المسح فعليه علماء أهل البيت أجمع، و قال به من الصحابة: عبد اللّه بن عباس، و أنس. و من الفقهاء: أبو العالية، و عكرمة، و الشعبي. و حكي عن الحسن و ابن حريز و أبي علي الجبائي: التخيير بين المسح و الغسل، و أوجب الباقون من الجمهور غسلهما. لنا قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ «4» لا يقال: «الجر» على المجاورة، لأن الأعمال بالمجارة لا يقاس عليه، و لأنها لا تكون مع واو العطف، و لا في موضع الاشتباه.

و لا يقال: كما قرئ «بالجر» قرئ بالنصب و هو عطف على الأيدي، لأنا نمنع ذلك، لان قراءة الجر توجب المسح، و لو كان بالعطف على الأيدي لزم‌

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة باب مسح الأذنين بماء جديد ص 65.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 18 ح 2 ص 285.

(4) المائدة: 6.

148
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجب«مسح» الرجلين الى الكعبين، ؛ ج‌1، ص : 148

التناقض في الحكم، و لا يرد علينا مثله، لأنا نجعل قراءة «النصب» عطفا على موضع برؤسكم فترجع القراءتان الى معنى واحد، و العطف على الموضع معروف في العربية كالعطف على اللفظ و ليس كذلك المجاورة لأنها من الاعمالات الشاذة، و يدل عليه أيضا ما رواه الجمهور، عن معلى بن عطا، و عن أبيه، و عن أوس بن أبي أويس الثقفي «انه رأى النبي صلى اللّه عليه و آله أتى «كظامة» و هم: قوم بالطائف، فتوضأ و مسح على قدميه» «1».

لا يقال: كان هذا في بدو الإسلام، لأنا نقول: هذا تسليم للتشريع و ادعاء للنسخ و نحن نمنعه، و ما رووه عن علي عليه السّلام «انه مسح على نعليه و قدميه ثمَّ دخل المسجد فخلع نعليه و صلى» «2» و ما رووه عن ابن عباس انه قال «ما أجد في كتاب اللّه الا غسلتين و مسحتين» «3» و عن أنس بن مالك انه ذكر قول الحجاج: اغسلوا القدمين ظاهرهما و باطنهما و خللوا ما بين الأصابع، فقال أنس: صدق اللّه و كذب الحجاج و تلا هذه الآية فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ «4» و حكوا عن الشعبي انه قال: الوضوء مغسولان و ممسوحان ليسقطان في التيمم و رووا عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و آله «انه توضأ فمسح رأسه و أذنيه مرة، ثمَّ أخذ كفا من ماء فرش على قدميه و هو منتعل» «5».

و من طريق الأصحاب ما رواه غالب بن هذيل قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المسح على الرجلين؟ فقال: هو الذي نزل به جبرئيل عليه السّلام» «6» و روى زرارة‌

______________________________
(1) مسند احمد بن حنبل ج 4 ص 8 الا انه رواه (مسح على نعليه).

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 287 (مع تفاوت).

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 71.

(4) المائدة: 6.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 72.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 25 ح 4 ص 295.

149
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجب«مسح» الرجلين الى الكعبين، ؛ ج‌1، ص : 148

قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «ألا تخبرني من أين قلت ان المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: و نزل به الكتاب من اللّه سبحانه قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا ان الوجه كله يجب أن يغسل ثمَّ قال: و أيديكم إلى المرافق ثمَّ فصّل بين الكلامين، فقال: «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» فعرفنا ان المسح ببعض الرأس لمكان «الباء» ثمَّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و أرجلكم إلى الكعبين، فعرفنا حين وصلهما بالرأس ان المسح ببعضهما، ثمَّ فسر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للناس فضيعوه» «1» و ما روي من صفة وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن أبي جعفر، و أبي عبد اللّه عليهما السّلام «انه غسل وجهه و ذراعيه ثمَّ مسح رأسه و قدميه» «2».

و احتج الجمهور برواية عبد اللّه بن زيد و عثمان، فإنهما حكيا وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و قالا: فغسل رجليه» «3» و عن عبد اللّه بن عمران «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رأى قوما يتوضئون و أعقابهم تلوح، فقال: ويل للأعقاب من البول» «4».

و الجواب ان قول النبي صلى اللّه عليه و آله: ويل للأعقاب من البول، لا يدل على وجوب غسلهما في الوضوء، و يدل على وجوب غسلهما من البول، و رواية عبد اللّه بن زيد و عثمان معارضتان بما رويناه نحن و ما رووه عن أنس و عن عبد اللّه بن عباس، فيكون ما ذكرناه أرجح، لمطابقته ظاهر القرآن، و لان الغسل قد يكون للتنظيف لا للوضوء فيشتبه على الراوي بخلاف المسح، و لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل يكفي المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع واحدة، و هو إجماع فقهاء أهل البيت عليهم السّلام.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 23 ح 1 ص 291.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 9 ص 275.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 57.

(4) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 154 (مع تفاوت).

150
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجب«مسح» الرجلين الى الكعبين، ؛ ج‌1، ص : 148

لنا ان مسح الرأس على بعضه، و الأرجل معطوفة عليها فوجب أن يكون لها حكمه، و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة و بكير ابنا أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام «و إذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» «1» و عندنا «الكعبان» هما العظمان النابتان في وسط القدم، و هما مقعد الشراك، و هذا مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السّلام. و به قال محمد بن الحسن الشيباني من الجمهور، و خالف الباقون في ذلك.

لنا ان «الكعب» مأخوذ من كعب ثدي المرأة، أي ارتفع، فهو بالاشتقاق أنسب من عظمي الساق، و لان القول بتحتم المسح مع أن الكعب غير ما ذكرناه منفي بالإجماع، أما عندنا فلثبوت الأمرين، و أما عند الخصم فلانتفائها، و من طريق الخاصة ما رواه زرارة و بكير «أنهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فوصف لهما، ثمَّ قالا له: أصلحك اللّه فأين «الكعبان»؟ قال: هاهنا معنى «المفصل» دون عظم الساق، فقالا: هذا ما هو؟ فقال: هذا عظم الساق» «2».

و احتج الجمهور بقول أبي عبيدة: الكعب هو الذي في أصل القدم ينتهي الساق اليه، بمنزلة كعاب القناء، و عن النعمان بن بشير: كان أحدنا يلصق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة.

و روي أن قريشا كانت ترمي كعبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من ورائه، و الجواب ان غاية ذلك ان ما ذكروه يسمى كعبا، و لا يلزم من ذلك ان لا يسمى الناتي في مشط القدم كعبا، فاذا ما روي عن الباقر عليه السّلام أولى، و يجوز المسح مقبلا و مدبرا لقوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ «3» و الامتثال يحصل بكل واحد منهما،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 23 ح 4 ص 292.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 3 ص 272.

(3) المائدة: 6.

151
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 152

و لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «1».

فروع

الأول: البحث في استيناف الماء لمسح الرجلين كالبحث فيه لمسح الرأس.

الثاني: قد بينا انه لا يجب استيعاب القدم كله

، و يكفي و لو مسح قدر أنملة من رءوس الأصابع إلى الكعبين، و هل يجزي لو لم يبلغ الكعب؟ فيه تردد، أشبهه لا، لقوله تعالى الْكَعْبَيْنِ «2» فلا بد من الإتيان بالغاية. و هل يجب إدخال الكعب في المسح؟ الأشبه لا، لرواية زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام «3».

الثالث: من كانت قدماه مقطوعة سقط عنه فرض المسح،

و لو بقي شي‌ء بين يدي الكعب مسح عليه، فان ذهب موضع المسح أصلا سقط فرضه.

الرابع: لو غسل موضع المسح اختيارا لم يجز،

كما قلناه في الرأس، و ان فعله لتقية أو خوف صح وضوءه، و لو أراد التنظيف غسلهما قبل الوضوء أو بعده، و يجوز المسح على النعل و ان لم يدخل يده تحت الشراك لأنها لا تمنع مسح موضع الفرض.

مسئلة: لا يجوز المسح على «الخفين» و لا على ما يستر موضع الفرض

مع الاختيار، و هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السّلام خاصة، لنا قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ «4» و الحائل غير الرجل، و لأنه لو كان الحائل على الوجه أو اليدين لم يصح الطهارة إجماعا لعدم الامتثال، فكذا في القدم عملا بمقتضى الدليل.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 20 ح 1 ص 286.

(2) المائدة: 6.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 3 ص 272.

(4) المائدة: 6.

152
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يجوز المسح على«الخفين» و لا على ما يستر موضع الفرض ؛ ج‌1، ص : 152

و من طريق الأصحاب ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن المسح على الخفين، فقال: سبق الكتاب الخفين» «1» و عن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المسح على الخفين فقال لا تمسحه» «2».

احتجوا بما روي من طرق عدة «ان النبي صلى اللّه عليه و آله مسح على الخفين» «3» و الجواب: انها معارضة بما روي عن أمير المؤمنين «انه قال نسخ الكتاب المسح على الخفين» «4» و مثله روي عن ابن عباس، و روي عن علي عليه السّلام أيضا انه قال:

«ما أبالي أ مسحت على الخفين أو على ظهر عير بالفلاة» «5» و مثله روي عن أبي هريرة و عائشة انها قالت: «لان تقع رجلاي بالمواسى أحب الي من أن أمسح على الخفين» و لو كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فعله لما حصل من هؤلاء النكير، و مع التعارض يكون الترجيح لاخبارنا، لأنهم مطابقة لما دل عليه ظاهر الآية و مراعاة ما يسلم معه العموم القرآني أولى.

و روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال: «سمعته يقول جمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و فيهم علي عليه السّلام فقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة فقال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يمسح على الخفين، فقال علي عليه السّلام: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال لا أدري، فقال علي عليه السّلام: سبق الكتاب الخفين انما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة» «6».

______________________________
(1) نقل هذا الحديث من طرق آخر انظر الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ص 321.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ح 7 ص 323.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 282.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ح 20 ص 325.

(5) لم يوجد.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ح 6 ص 323.

153
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 154

فروع

الأول: يجوز المسح على «الخفين» عند التقية و الضرورة

كالبرد و شبهه، لأن في إيجاب نزعه على هذا الحال ضررا بالمكلف و حرجا، و هما منفيان، و لما رواه أبو الورد قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «ان أبا ظبيان حدثني انه رأى عليا عليه السّلام أراق الماء ثمَّ مسح على الخفين، فقال: كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول علي عليه السّلام فيكم سبق الكتاب الخفين؟ فقلت: فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا، الا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك» «1».

الثاني: يسقط على هذا التقدير ما يشترطونه في جواز المسح،

لان الجواز عندنا يتبع الضرورة فلا اعتبار بما سواها، و لا فرق بين أن يكون لبسهما على طهارة أو حدث، و لا يقدر ذلك بما قدره المخالف بل ما دامت الضرورة، و سواء كان الملبوس جوربين منعلين أو غير منعلين، و سواء كان الخف بشرج أو غير شرج أو كان جرموقا فوق الخف، فانا نراعي في ذلك كله إمكان المسح على البشرة فإن أمكن وجب، و الا جاز المسح على ذلك كله، فلو مسح و زالت الضرورة أو نزع الخف استأنف، لأنها طهارة مشروطة بالضرورة فتزول مع زوالها، و لا تتم طهارته بالمسح مع نزعه، لان الموالاة لا تحصل.

الثالث: كما جاز المسح على الخفين للضرورة فكذا يجوز على العمامة للضرورة

ان فرضت.

مسئلة: «الترتيب» واجب في الوضوء و شرط في صحته،

يبدأ بغسل الوجه ثمَّ باليد اليمنى ثمَّ باليسرى ثمَّ يمسح الرأس ثمَّ يمسح الرجلين. و هو مذهب علمائنا أجمع. و قال أبو حنيفة و مالك: لا يجب لان العطف بالواو لا يوجب الترتيب،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ح 5 ص 322.

154
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«الترتيب» واجب في الوضوء و شرط في صحته، ؛ ج‌1، ص : 154

و الامتثال يتحقق مع عدمه، و رووا عن ابن مسعود انه قال: ما أبالي بأي أعضائي بدأت.

لنا ما نقل من كيفية وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ثمَّ قال: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به» «1» و لأنه عليه السّلام قال: «ابدؤا بما بدأ اللّه به» «2». و من طريق الأصحاب ما روى زرارة قال: «قال أبو جعفر عليه السّلام: تابع كما قال اللّه تعالى ابدأ بالوجه ثمَّ باليدين ثمَّ امسح الرأس و الرجلين و لا تقدمن شيئا بين يدي شي‌ء تخالف ما أمرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه ثمَّ أعد على الذراع و ان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس ثمَّ أعد على الرجل» «3».

و أما وجوب تقديم اليد اليمنى على اليسرى فيدل عليه فعل النبي صلى اللّه عليه و آله، و قوله: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به» «4» و من طريق الأصحاب ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين فقال: يغسل اليمين و يعيد الشمال» «5» و الجواب عما استدل به أبو حنيفة أن نسلّم ان الواو لا تقتضي الترتيب لكن كما لا يقتضي الترتيب لا يقتضي عدمه، بل لا دلالة فيها على أحدهما و قد وجدت دلالة الترتيب، فلا تكون الاية منافية، و ما ذكروه عن علي عليه السّلام و ابن مسعود، فإنه معارض بما رووه عن علي عليه السّلام «انه سئل فقيل: أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شي‌ء؟ فقال: لا، حتى يكون كما أمر اللّه تعالى» «6» و لا «ترتيب» بين الرجلين بل يجوز أن يمسحهما دفعة‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 85.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 34 ح 1 ص 315.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 35 ح 2 ص 317.

(6) لم يوجد.

155
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو بدأ بآخر الأعضاء إلى الوجه صح غسل الوجه ؛ ج‌1، ص : 156

و ان يمسح اليسار قبل اليمين و بالعكس، و الأفضل البدأة باليمين لقوله عليه السّلام: «ان اللّه يحب التيامن» و انما قلنا بالجواز، لقوله تعالى: و أَرْجُلَكُمْ «1» فجمع بينهما و لا يلزم مثل ذلك في الذراعين لوجود الدلالة على الترتيب عليهما.

فرع لو بدأ بآخر الأعضاء إلى الوجه صح غسل الوجه

، و لو نكس ثانيا و النداوة باق على وجهه حصل له مع الوجه اليد اليمنى، و لو نكس ثالثا حصل له مع ذلك اليسرى، و هكذا الى آخره ما دامت النية باقية و «الموالاة» حاصلة، و لو غسل أعضاءه دفعة حصل له الوجه حسب، و لو كان في ماء جار و تعاقبت عليه جريات ثلاث حصل له غسل الوجه و اليدين، أما لو نوى الطهارة و نزل الى ماء واقف دفعة حصل له غسل الوجه، و لو أخرج أعضاءه مرتبا صح الوجه و اليدان، و افتقر الى مسح الرأس ثمَّ مسح الرجلين، و لو لم يرتب في الإخراج حصل له غسل الوجه نزولا و اليمنى من اليدين خروجا.

مسئلة: «الموالاة» شرط في صحة الوضوء،

و هو مذهب علمائنا. و قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه: ليست شرطا.

لنا ما رواه «ان النبي صلى اللّه عليه و آله رأى رجلا يصلي و في ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبه الماء، فأمر النبي صلى اللّه عليه و آله أن يعيد الوضوء و الصلاة» «2» و لو لا اشتراط الموالاة لأجزأه غسل اللمعة، و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله تابع وضوءه في ضمن الأمر المجمل فيكون تفسيرا، فيجب كوجوب المفسر. و من طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن عمار قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «ربما توضأت و نفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء‌

______________________________
(1) البقرة: 222.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 83.

156
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«الموالاة» شرط في صحة الوضوء، ؛ ج‌1، ص : 156

و ان يمسح اليسار قبل اليمين و بالعكس، و الأفضل البدأة باليمين لقوله عليه السّلام: «ان اللّه يحب التيامن» و انما قلنا بالجواز، لقوله تعالى: و أَرْجُلَكُمْ «1» فجمع بينهما و لا يلزم مثل ذلك في الذراعين لوجود الدلالة على الترتيب عليهما.

فرع لو بدأ بآخر الأعضاء إلى الوجه صح غسل الوجه

، و لو نكس ثانيا و النداوة باق على وجهه حصل له مع الوجه اليد اليمنى، و لو نكس ثالثا حصل له مع ذلك اليسرى، و هكذا الى آخره ما دامت النية باقية و «الموالاة» حاصلة، و لو غسل أعضاءه دفعة حصل له الوجه حسب، و لو كان في ماء جار و تعاقبت عليه جريات ثلاث حصل له غسل الوجه و اليدين، أما لو نوى الطهارة و نزل الى ماء واقف دفعة حصل له غسل الوجه، و لو أخرج أعضاءه مرتبا صح الوجه و اليدان، و افتقر الى مسح الرأس ثمَّ مسح الرجلين، و لو لم يرتب في الإخراج حصل له غسل الوجه نزولا و اليمنى من اليدين خروجا.

مسئلة: «الموالاة» شرط في صحة الوضوء،

و هو مذهب علمائنا. و قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه: ليست شرطا.

لنا ما رواه «ان النبي صلى اللّه عليه و آله رأى رجلا يصلي و في ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبه الماء، فأمر النبي صلى اللّه عليه و آله أن يعيد الوضوء و الصلاة» «2» و لو لا اشتراط الموالاة لأجزأه غسل اللمعة، و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله تابع وضوءه في ضمن الأمر المجمل فيكون تفسيرا، فيجب كوجوب المفسر. و من طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن عمار قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «ربما توضأت و نفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء‌

______________________________
(1) البقرة: 222.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 83.

156
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«الموالاة» شرط في صحة الوضوء، ؛ ج‌1، ص : 156

فيجف وضوئي، فقال: أعد» «1».

و احتج من لم يشترط التتابع: بأن الأمر بغسل الأعضاء مطلق، و المطلق لا اشعار له بالموالاة، و جوابه: كما لا اشعار له بالموالاة فلا اشعار له بإسقاطها، لكن علم وجوب الموالاة بما ذكرناه من الدلالة السليمة عن المعارض، و الموالاة هي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدمه، و هو اختيار الشيخ و علم الهدى في شرح الرسالة.

و قال الشيخ في مسائل الخلاف: هي أن تتابع بين غسل الأعضاء و لا يفرق الا لعذر. و كذا قال علم الهدى في المصباح. و قال الشيخ في المبسوط: الموالاة واجبة و هي أن تتابع بين الأعضاء فإن خالف لم يجزه، و الوجه وجوب المتابعة مع الاختيار لأن الأوامر المطلقة يقتضي الفور.

و لما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «اتبع وضوءك بعضه بعضا» «2» لكن لو أخل بالمتابعة اختيارا لم يبطل الوضوء الا مع جفاف الأعضاء، لأنه يتحقق الامتثال مع الإخلال بالمتابعة في غسل المغسول و مسح الممسوح، فلا يكون قادحا في الصحة، و ان فرق لعذر فالصواب انه لا يجب اعادة الوضوء الا أن يجف جميع ما تقدم من ماء الأعضاء في الهواء المعتدل، لا العضو السابق على العضو المفرق، خلافا لما فسره علم الهدى في المصباح.

و يدل على ذلك الاتفاق على ان الناسي للمسح يأخذ من شعر لحيته و أجفانه و ان لم يبق في يده نداوة، و يؤيده رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا عرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك فأعد، فإن الوضوء لا يتبعض» «3» و روى‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 33 ح 3 ص 314.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 33 ح 1 ص 314.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 33 ح 2 ص 314.

157
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو جف ماء الوضوء من الحر المفرط أو الهواء المحرق جاز البناء، ؛ ج‌1، ص : 158

زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة قال: ان كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل» «1».

فرع لو جف ماء الوضوء من الحر المفرط أو الهواء المحرق جاز البناء،

و استيناف الماء الجديد و المسح دفعا للحرج.

مسئلة: و «الفرض» في الغسل مرة، و الثانية سنّة، و الثالثة بدعة.

و هو اختيار الشيخ في المبسوط و النهاية. و قال ابن بابويه في كتابه: من توضأ اثنتين لم يؤجر، و من توضأ ثلاثة فقد أبدع. و قال المفيد في المقنعة: الثالثة كلفة، و لم يصرح بالبدعة. و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد: الثالثة سنّة، و لم يستحب مالك ما زاد على الفرض.

لنا ما رواه البخاري، عن ابن عباس قال: «توضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مرة مرة» «2» و من طريق الأصحاب ما رواه عبد الكريم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء فقال: ما كان وضوء علي عليه السّلام الا مرة مرة» «3» و روى يونس بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن الوضوء للصلاة؟ فقال: مرة مرة» «4» و لان معها يحصل امتثال الأمر بالغسل فيكون مجزية، و أما استحباب الثانية، فلما رواه الترمذي، عن أبي هريرة: «من أن النبي صلى اللّه عليه و آله توضأ مرتين مرتين» «5».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 35 ح 4 ص 317.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 31 ح 7 ص 307.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 31 ح 6 ص 307.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 79.

158
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«الفرض» في الغسل مرة، و الثانية سنة، و الثالثة بدعة ؛ ج‌1، ص : 158

زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة قال: ان كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل» «1».

فرع لو جف ماء الوضوء من الحر المفرط أو الهواء المحرق جاز البناء،

و استيناف الماء الجديد و المسح دفعا للحرج.

مسئلة: و «الفرض» في الغسل مرة، و الثانية سنّة، و الثالثة بدعة.

و هو اختيار الشيخ في المبسوط و النهاية. و قال ابن بابويه في كتابه: من توضأ اثنتين لم يؤجر، و من توضأ ثلاثة فقد أبدع. و قال المفيد في المقنعة: الثالثة كلفة، و لم يصرح بالبدعة. و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد: الثالثة سنّة، و لم يستحب مالك ما زاد على الفرض.

لنا ما رواه البخاري، عن ابن عباس قال: «توضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مرة مرة» «2» و من طريق الأصحاب ما رواه عبد الكريم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء فقال: ما كان وضوء علي عليه السّلام الا مرة مرة» «3» و روى يونس بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن الوضوء للصلاة؟ فقال: مرة مرة» «4» و لان معها يحصل امتثال الأمر بالغسل فيكون مجزية، و أما استحباب الثانية، فلما رواه الترمذي، عن أبي هريرة: «من أن النبي صلى اللّه عليه و آله توضأ مرتين مرتين» «5».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 35 ح 4 ص 317.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 31 ح 7 ص 307.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 31 ح 6 ص 307.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 79.

158
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«الفرض» في الغسل مرة، و الثانية سنة، و الثالثة بدعة ؛ ج‌1، ص : 158

و من طريق الأصحاب، ما رواه معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء؟ فقال: مثنى مثنى» «1» و مثله روى صفوان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لا يجوز أن يراد بذلك الوجوب لما سبق من جواز الاقتصار على المرة، فتعين الاستحباب.

و يؤيده رواية زرارة و بكير «أنهما سألا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، قلت: الغرفة الواحدة تجزي الوجه؟ قال: نعم إذا بالغت فيها و الاثنتان تأتيان على ذلك كله» «2» و لأن الغسلة الواحدة ربما تطرق إليها الخلل، فتكون الثانية استظهارا.

و أما كون الثالثة بدعة، فلأنها ليست مشروعة، فإذا اعتقد التشريع أثم، و لأنه يكون إدخالا في الدين ما ليس منه، فيكون مردودا، لقوله عليه السّلام: «من أدخل في ديننا ما ليس فيه فهو رد» «3» و لا نعني «بالبدعة» إلا ذلك.

و استدل الجمهور بما روي عن ابن عمر انه قال: «توضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و قال هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به، ثمَّ توضأ مرتين و قال: هذا وضوء من ضاعف اللّه له الأجر، ثمَّ توضأ ثالثة و قال: هذا وضوئي و وضوء الأنبياء قبلي» «4».

و جوابه: ان الخبر مدني و قد أطرحه مالك و لم يصححه، و هو امارة الضعف، ثمَّ هو معارض بما روي ابن عباس، عنه عليه السّلام «انه توضأ مرة» «5» و بما روى أبو هريرة «أنه توضأ مرتين مرتين» «6» و لو كان وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و هو وضوء الأنبياء قبله، لما أخل به، و أيضا مع تسليمه لا يدل على استحباب الثلاث في حق غيره، لاحتمال اختصاصه بالثلاث دون غيره، كغيره من الخصائص، و لا كذا في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 31 ح 28 ص 310.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 3 ص 272.

(3) لم يوجد.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 79.

159
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: من زاد على الواحدة معتقدا وجوبها لم يؤجر و لا يبطل وضوءه، ؛ ج‌1، ص : 160

الثانية، فإن أخبر أنه وضوء من ضاعف اللّه له الأجر و هو على عمومه.

فروع

الأول: من زاد على الواحدة معتقدا وجوبها لم يؤجر و لا يبطل وضوءه،

لان استحقاق الثواب بالعبادة مشروط بإيقاعها على الوجه المشروع و لم يحصل، نعم لا يخرج ماؤها عن كونه ماء الوضوء، و يجوز المسح به.

الثاني: هل تبطل الطهارة لو غسل يديه ثلاثا؟ قيل: نعم،

لأنه مسح لا بماء الوضوء و الوجه الجواز، لأنه لا ينفك عن ماء الوضوء الأصلي.

الثالث: لو كان في ماء و غسل وجهه و يديه و مسح برأسه و برجله، جاز،

لان يديه لا تنفك من ماء الوضوء و لم يضره ما كان على القدمين من الماء.

مسئلة: و لا تكرار في المسح،

و هو مذهب الأصحاب. و قال الشافعي:

يستحب ثلاثا. لنا قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «1» و الامتثال يحصل بالمرة الواحدة، فالزيادة تكلف لم يثبت لها مستند، و لما رووه من حكاية وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله برواية عبد اللّه بن زيد، و علي عليه السّلام و ابن عمر «انه مسح رأسه مرة» «2» و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة و بكير عن أبي عبد اللّه و أبي جعفر عليهما السّلام من حكاية وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

و احتج الشافعي بما روي عن عثمان «انه مسح برأسه ثلاثا، ثمَّ قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يفعل مثل هذا» «3» و جوابه ان كثيرا من أصحاب الحديث روى عن عثمان «انه غسل وجهه ثلاثا و مسح رأسه» «4» و لم يذكروا التكرار، روى ذلك البخاري و مسلم.

______________________________
(1) البقرة: 222.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 62.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 63.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 62.

160
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يحرك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة وجوبا، ؛ ج‌1، ص : 161

مسئلة: و يحرك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة وجوبا،

و لو لم يمنعه حركة استحبابا، و هو مذهب فقهائنا، لأن الغسل تعلق بموضع الفرض فوجب إيصاله اليه فاذا لم يمكن الا بالتحريك و الإزالة وجب، و اما استحباب التحريك مع وصول الماء الى محل الفرض فطلبا للاستظهار في الطهارة، و روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «عن المرأة عليها السوار و الدملج، قال: تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه، و عن الخاتم الضيق، قال: ان علم ان الماء لا يدخله فليحركه إذا توضأ» «1».

مسئلة: و «الجبائر» تنزع إن أمكن و الا مسح عليها

و لو في موضع الغسل، و هو مذهب الأصحاب، و لو لم توضع على ظهر، يدل على ذلك رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سأل عن الرجل تكون له القرحة فيعصبها بالخرقة، أ يمسح عليها إذا توضأ؟ فقال: ان كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، و ان كان لا يؤذيه فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها، و سألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال اغسل ما حوله» «2».

و مثله روى عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الجروح، و روى كليب الأسدي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟

قال: ان كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصل» «3» و لأن إيجاب نزع الجبائر و اصابة الموضع بالماء حرج على تقدير الضرر فيكون منفيا.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 41 ح 1 ص 329.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 2 ص 326.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 8 ص 327.

161
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 162

فروع

الأول: ان أمكنه وضع موضع الجبائر في الماء حتى يصل الى البشرة

من غير ضرر وجب، و لا يمسح على الجبائر، لأن غسل موضع الفرض ممكن فلا يقتصر على مسح الحائل.

الثاني: إذا كانت الجبائر على بعض الأعضاء غسل ما يمكن غسله و مسح ما لا يمكن،

و لو كان على الجميع جبائر، أو دواء يتضرر بإزالته جاز المسح على الجميع، و لو تضرر تيمم، و لو حلق رأسه و طلاه بالحناء، ففي رواية محمد بن مسلم يجوز المسح على الحناء مطلقا، و الوجه مراعاة الضرر في المسح على البشرة.

الثالث: لو تطهر و مسح ثمَّ زال الحائل ففي إعادة الوضوء تردد

، أشبهه الإعادة.

الرابع: المضطر الى مسح الجبائر لا يعيد ما صلاه بطهارته

، لأنها صلاة مأمور بها فتكون مجزية.

مسئلة: و لا يجوز أن يولي وضوئه غيره اعتبارا

، هذا مذهب الأصحاب، و لا يجزي لو فعل، و مع الضرورة يجزي. لنا قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ «1» و هو خطاب لمريدي الصلاة، و الأمر للوجوب، فلا يسقط بفعل الغير، و مع الضرورة يجوز، لأنه توصل إلى الطهارة بالقدر الممكن، و عليه اتفاق الفقهاء.

فرع يجوز أن يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد،

خلافا لأهل الظاهر، و لو‌

______________________________
(1) المائدة: 6.

162
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و من رام به«السلس» يصلي كذلك، ؛ ج‌1، ص : 163

جدد الوضوء لكل صلاة كان أفضل، لما روي عن أنس «قيل له: كيف كنتم تصنعون؟

قال: يجزي أحدنا الوضوء ما لم يحدث» «1» و روى ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و آله «من توضأ على طهر فله عشر حسنات» «2».

مسئلة: و من رام به «السلس» يصلي كذلك،

و قيل: يتوضأ لكل صلاة، و هو حسن. قال الشيخ (ره) في المبسوط: و من به سلس البول يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلوات كثيرة، لأنه لا دليل على وجوب تجديد الوضوء. و حمله على المستحاضة قياس لا نقول به، و يجب أن يجعله في كيس و يحتاط في ذلك، و قال في مسائل الخلاف: المستحاضة و من به سلس البول يجب عليه تجديد الوضوء عند كل صلاة فريضة، و لا يجوز أن يجمعا بوضوء واحد بين صلوات فرض، و الوجه ما ذكره في مسائل الخلاف، لان البول حدث فيعفى منه عن ما وقع الاتفاق عليه، و هو الصلاة الواحدة.

أما وجوب الاستظهار بالشداد فلما رواه حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا و جعل فيه قطنا و علقه عليه، و أدخل ذكره فيه، ثمَّ يجمع بين الصلاتين الظهر و العصر، يؤخر الظهر و يعجل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء بأذان و إقامتين، و يفعل مثل ذلك في الصبح» «3» و عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سئل عن تقطير البول، قال يجعل خريطة إذا صلى» «4».

مسئلة: و كذا «المبطون» و لو فجئه الحدث في الصلاة توضأ و بنى.

«المبطون» هو الذي به البطن و هو «الذرب» و هو يفعل كمن به السلس من تجديد الوضوء‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 162.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 162.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 1 ص 210.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 5 ص 211.

163
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و سنن الطهارة عشر ؛ ج‌1، ص : 164

لكل صلاة، لأن الغائط حدث فلا يستبيح معه إلا الصلاة الواحدة، لمكان الضرورة، أما لو تلبس بالصلاة متطهرا ثمَّ فجئه الحدث مستمرا تطهر و بنى، لأن التخلص متعذر، و لو استأنف الصلاة مع وجوده لم تظهر فائدة فالاستمرار أولى، و يؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال «صاحب البطن الغالب يتوضأ ثمَّ يرجع في صلاته فيتمم ما بقي» «1».

مسئلة: و سنن الطهارة عشر

، وضع «الإناء» على اليمين و «الاغتراف» باليمين، و هو مذهب الأصحاب، أما وضع الإناء على اليمين، فالمراد به الإناء الذي يغترف منه باليد لا الذي يصب منه، لأنه أمكن في الاستعمال، و هو نوع من تدبير، و روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله «ان اللّه يحب التيامن في كل شي‌ء» «2» و الاغتراف باليمين كذلك.

و يدل عليه من طريق الأصحاب ما رواه زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام انهما سألاه عن وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «فاستدعا بتور فيه ماء فغسل كفيه ثمَّ غمس كفه اليمنى فغسل وجهه بها» «3».

و التسمية أمام الوضوء مستحبة، و هو مذهب العلماء، و أوجبه أهل الظاهر، لقوله عليه السّلام «لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه» «4» لنا قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «5» و «الفاء» للتعقيب فاقتضى نفي الواسطة بين إرادة الصلاة و غسل الوجه، و قوله عليه السّلام «إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله و إذا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 4 ص 210.

(2) لم يوجد.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 3 ص 272.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 43.

(5) المائدة: 6.

164
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل اليدين من«النوم» و«البول» مرة و من«الغائط» مرتين ؛ ج‌1، ص : 165

لم تسم لم يطهر الا ما أصابه الماء» «1» و لو كان شرطا لكان الإخلال به مبطلا، فلم يتحقق طهارة شي‌ء من الأعضاء بها، و لأن الأصل عدم الوجوب، و ما ذكروه من الحديث مطعون فيه، قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذه حديثا له اسناد جيد، ثمَّ نقول: لو صح، لحمل على الاستحباب.

و لو احتج محتج بما رواه ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان رجلا توضأ و صلى فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أعد صلاتك و وضوئك، ثمَّ توضأ و صلى فقال له: أعد وضوئك و صلاتك ثمَّ هكذا ثلاثا، فشكى ذلك الى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: هل سميت حين توضأت؟ فقال لا، قال: فسم على وضوئك فسمى و صلى. ثمَّ أتى النبي صلى اللّه عليه و آله فلم يأمره أن يعيد» «2».

كان الجواب الطعن في السند لمكان الإرسال، و لو قال: مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك، لان في رجاله من طعن الأصحاب فيه، و إذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم، و لأنه مخصص للأخبار المتضمنة لكيفية وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله قد يهتم بالمندوب لما فيه من الفضيلة، فيكون الإعادة على الاستحباب، و لأنه يحتمل أن يراد بالتسمية نية الاستباحة، فإن المسمى غير مذكور في الخبر، و كيفية التسمية ما رواه زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين، فاذا فرغت فقل الحمد للّه رب العالمين» «3» فنقول: هذا قدر، ان اعتمده كان حسنا، و ان اقتصر على ذكر اسم «اللّه» تعالى أتى بالمستحب.

مسئلة: و غسل اليدين من «النوم» و «البول» مرة و من «الغائط» مرتين

قبل الاغتراف و هو مذهب فقهائنا و أكثر أهل العلم. و قال أحمد: يجب غسلهما من‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 26 ح 6 ص 298.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 26 ح 6 ص 298.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 26 ح 2 ص 298.

165
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل اليدين من«النوم» و«البول» مرة و من«الغائط» مرتين ؛ ج‌1، ص : 165

نوم الليل ثلاثا دون نوم النهار.

لنا الأصل عدم الوجوب، و قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ «1» و هو يدل على الاكتفاء بما تضمنته الآية، و روى محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الرجل يبول و لم تمس يده شيئا، أ يغمسها في الماء؟ قال: نعم و ان كان جنبا» «2».

و أما الاستحباب فلما رواه عبد اللّه الحلبي قال: «سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها الإناء؟ قال واحدة من حدث البول، و اثنتين من الغائط، و ثلاث مرات من الجنابة» «3» و في رواية حريز، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «يغسل الرجل يده من النوم مرة، و من الغائط و البول مرتين، و من الجنابة ثلاث مرات» «4» و اختلاف الأحاديث في المستحبات لا يقدح في استحبابها، و يدل على استحباب ذلك لا على الوجوب ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الرجل يبول و لم تمس [و لا تمس] يده اليمنى شيئا أ يغمسها في الماء؟ قال نعم» «5».

و عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الجنب يجعل الركوة و التور فيدخل إصبعه فيه؟ قال: ان كانت يده قذرة فليهرقه، و ان لم يكن أصابها قذر فليغتسل منه» «6» و احتج أحمد بقوله عليه السّلام: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل‌

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 45 ح 3 ص 529.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 27 ح 1 ص 301.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 27 ح 2 ص 301.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 45 ح 3 ص 529.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 11 ص 115.

166
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل اليدين من«النوم» و«البول» مرة و من«الغائط» مرتين ؛ ج‌1، ص : 165

أن يدخلها الإناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» «1» و جوابه: ان التعليل المذكور في الرواية يؤذن بالاستحباب.

و «المضمضة» و «الاستنشاق» و هما مستحبان في الوضوء، و قال إسحاق و أحمد: هما واجبان، لما روت عائشة «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: المضمضة و الاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه» «2».

لنا قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «3» و لم يجعل بين الإرادة و الغسل فاصلا، و ظاهره الاجتزاء بالقدر المذكور، و ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله عشرة من الفطرة و ذكر من جملتها المضمضة و الاستنشاق و الفطرة السنة، و من طريق الأصحاب، ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المضمضة و الاستنشاق مما سن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» «4».

و يدل على أنها مندوبة ما رواه أبو بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ليس عليك استنشاق و لا مضمضة انهما من الجوف» «5» و ان يبدأ بظاهر ذراعيه و المرأة بباطنهما، فاعل «يبدأ» محذوف تقديره «الرجل» و دل على الرجل ذكر المرأة، و يدل على استحباب ذلك ما رواه إسماعيل بن بزيع، عن الرضا عليه السّلام قال:

«فرض اللّه على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن، و في الرجال بظاهر الذراع» «6» و معنى «فرض» قدر و بيّن لا بمعنى أوجب، و على الاستحباب اتفق علماؤنا.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 45.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 52.

(3) المائدة: 6.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 29 ح 1 ص 302.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 29 ح 10 ص 304.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 40 ح 1 ص 328.

167
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل اليدين من«النوم» و«البول» مرة و من«الغائط» مرتين ؛ ج‌1، ص : 165

و «الدعاء» عند غسل الأعضاء. روى عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام قال: «انه تمضمض فقال: اللهم لقني حجتي يوم ألقاك و أطلق لساني بذكرك، ثمَّ استنشق فقال: اللهم لا تحرمني طيبات الجنان و اجعلني ممن يشم ريحها و روحها و طيبها، ثمَّ غسل وجهه فقال اللهم بيّض وجهي يوم تسود فيه الوجوه و لا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.

ثمَّ غسل يده اليمنى فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد في الجنان بيساري و حاسبني حسابا يسيرا، ثمَّ غسل اليسرى فقال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي [و لا من وراء ظهري] و لا تجعلها مغلولة إلى عنقي، و أعوذ بك من مقطعات النيران، ثمَّ مسح رأسه فقال: اللهم غشني رحمتك و بركاتك و عفوك، ثمَّ مسح رجليه فقال:

اللهم ثبتني على الصراط المستقيم يوم تزل فيه الاقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال و الإكرام، ثمَّ قال: لولده محمد توضأ مثل وضوئي هذا فمن فعل هذا خلق اللّه له من كل قطرة ملكا يقدسه و يسبحه و يكبره و يكتب اللّه له ثواب ذلك الى يوم القيامة» «1» و الوضوء بمد مستحب عند أهل البيت عليهم السّلام، و الواجب ما يحصل به مسمى الغسل، و قال أبو حنيفة: لا يجزي في الوضوء أقل من مد.

لنا قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ «2» و مع تحقق الغسل يحصل الامتثال و ان كان دون المد، و من طريق الأصحاب ما رواه إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه «ان عليا عليه السّلام كان يقول: الغسل من الجنابة و الوضوء يجزي فيه ما جزى من الدهن الذي يبل الجسد» «3» و يدل على الاستحباب رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يتوضأ بمد و يغتسل بصاع و «المد» رطل و نصف،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 16 ح 1 ص 282.

(2) المائدة: 6.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 52 ح 5 ص 341.

168
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل اليدين من«النوم» و«البول» مرة و من«الغائط» مرتين ؛ ج‌1، ص : 165

و «الصاع ستة أرطال» «1» يعني: بالمدني.

و «السواك» عند الوضوء مستحب بالإجماع، خلا داود فإنه أوجبه. لنا قوله عليه السّلام «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» «2» و هو دلالة على عدم وجوبه، و يدل على الاستحباب قوله عليه السّلام «ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن أدرد» «3» و روي عن عبد اللّه بن ميمون القداح قال: «ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك» «4».

و في رواية المعلى بن خنيس قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السواك بعد الوضوء، قال: الاستياك قبل أن تتوضأ، قلت ان نسي قبل أن يتوضأ؟ قال: يستاك ثمَّ يتمضمض ثلاث مرات» «5» و «المعلى» ضعيف، و في رواية: أدنى السواك أن تدلكهما بإصبعك.

و روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يكثر السواك و ليس بواجب» «6» و يتأكد استحبابه أمام صلاة الليل، و هو إجماع و تكره الاستعانة في الوضوء لما روى شهاب بن عبد ربه، عن علي عليه السّلام «انه كان لا يدعهم يصبون الماء عليه، و قال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا» «7» و مثل ذلك روى الوشاء، عن الرضا عليه السّلام.

و قال أحمد بن حنبل: أكره أن أستعين على وضوئي أحدا، لأن عمر قال‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 50 ح 1 ص 338.

(2) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 5 ح 3 ص 355.

(3) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 1 ح 1 و 7 ص 346.

(4) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 5 ح 2 ص 355.

(5) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 4 ح 1 ص 354.

(6) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 1 ح 22 ص 349.

(7) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 47 ح 2 ص 335.

169
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع: في الأحكام ؛ ج‌1، ص : 170

ذلك. و يكره التمندل منه، يريد «بالتمندل» مسح أعضاء الطهارة بالمنديل، ذهب الشيخ الى ذلك في الجمل. و قال في الخلاف: لا بأس بالتمندل من نداوة الوضوء و تركه أفضل. و قال الترمذي من الجمهور: لم يصح في هذا الباب شي‌ء. و روي من طريق الأصحاب محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف قال: لا بأس» «1».

الرابع: في الأحكام.

مسئلة: من تيقن «الحدث» و شك في الطهارة أو تيقنهما و جهل السابق تطهر،

أما إذا تيقن «الحدث» و شك في الطهارة فالإجماع على وجوب الإعادة، و يؤكده ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله «و قد سئل عن الرجل يخل له في الصلاة أنه يجد الشي‌ء؟ فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» «2».

و من طريق الأصحاب ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا شككت في شي‌ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي‌ء، إنما الشك إذ كنت في شي‌ء لم تجزه» «3» و لأنه لو وجب الوضوء مع الشك المتجدد لزم الحرج، إذ الأغلب في الناس تطرق الشك إليهم و عدم الضبط للأمور السالفة، و الحرج منفي بالاية.

و لا يقال: ان لم يعمل بالشك فلم لا يعمل بالظن، لأنا نقول: «الظن» ليس بمعتبر ما لم يعتبره الشرع كما لا يحكم الحاكم لغلبة ظنه يصدق أحد المتنازعين، و ليس ذلك الا لكونه رجوعا عن معلوم الى مظنون، و أما إذا تيقنهما و شك في المتأخر، فقد قال الثلاثة و من تبعهم: يعيد الطهارة. و عندي في ذلك تردد.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 45 ح 1 ص 333.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 114.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 42 ح 2 ص 330.

170
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: من تيقن«الحدث» و شك في الطهارة أو تيقنهما و جهل السابق تطهر، ؛ ج‌1، ص : 170

ذلك. و يكره التمندل منه، يريد «بالتمندل» مسح أعضاء الطهارة بالمنديل، ذهب الشيخ الى ذلك في الجمل. و قال في الخلاف: لا بأس بالتمندل من نداوة الوضوء و تركه أفضل. و قال الترمذي من الجمهور: لم يصح في هذا الباب شي‌ء. و روي من طريق الأصحاب محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف قال: لا بأس» «1».

الرابع: في الأحكام.

مسئلة: من تيقن «الحدث» و شك في الطهارة أو تيقنهما و جهل السابق تطهر،

أما إذا تيقن «الحدث» و شك في الطهارة فالإجماع على وجوب الإعادة، و يؤكده ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله «و قد سئل عن الرجل يخل له في الصلاة أنه يجد الشي‌ء؟ فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» «2».

و من طريق الأصحاب ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا شككت في شي‌ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي‌ء، إنما الشك إذ كنت في شي‌ء لم تجزه» «3» و لأنه لو وجب الوضوء مع الشك المتجدد لزم الحرج، إذ الأغلب في الناس تطرق الشك إليهم و عدم الضبط للأمور السالفة، و الحرج منفي بالاية.

و لا يقال: ان لم يعمل بالشك فلم لا يعمل بالظن، لأنا نقول: «الظن» ليس بمعتبر ما لم يعتبره الشرع كما لا يحكم الحاكم لغلبة ظنه يصدق أحد المتنازعين، و ليس ذلك الا لكونه رجوعا عن معلوم الى مظنون، و أما إذا تيقنهما و شك في المتأخر، فقد قال الثلاثة و من تبعهم: يعيد الطهارة. و عندي في ذلك تردد.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 45 ح 1 ص 333.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 114.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 42 ح 2 ص 330.

170
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو تيقن انه تطهر بعد الصبح عن حدث، و تيقن انه أحدث و لم يعلم السابق، ؛ ج‌1، ص : 171

و وجه ما قالوه: ان يقين الطهارة معارض بيقين الحدث و لا رجحان فيجب الطهارة لعدم اليقين بحصولها، لكن يمكن أن يقال: ينظر الى حاله قبل تصادم الاحتمالين فان كان حدثا بنى على الطهارة، لأنه تيقن انتقاله عن تلك الحال إلى الطهارة و لم يعلم تجدد الانتقاض و صار متيقنا للطهارة و شاكا في الحدث، فيبني على الطهارة، و ان كان قبل تصادم الاحتمالين متطهرا بنى على الحدث لعين ما ذكرنا من التنزيل.

فرع لو تيقن انه تطهر بعد الصبح عن حدث، و تيقن انه أحدث و لم يعلم السابق،

بنى على الحال التي كان عليها قبل ذلك، لأنه ان كان قبل ذلك محدثا فقد تيقن الطهارة المزيلة للحدث و الحدث بعدها، و تأخر الطهارة مشكوك فيه، و ان كان قبل ذلك متطهرا فقد تيقن انه نقض الطهارة بالحدث، ثمَّ توضأ، لأن التقدير ان طهارته الثانية عن حدث.

و لو شك في يوم، فلا يدري تطهر و أحدث أم لا؟ بنى على ما قبل ذلك الزمان، فان كان حدثا فهو باق عليه، أو طهارة فكذلك، لأنه متيقن لما كان عليه و شاك في انتقاضه، و قال في النهاية: يعيد الطهارة. و ليس بوجه فإنه لم يبد حجته.

مسئلة: و لو تيقن الطهارة و شك في الحدث أو شك في شي‌ء من أفعال الوضوء

بعد انصرافه عن حاله، بنى على الطهارة، و هذا إجماع، و يؤكده ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا؟

فأعد عليها و على جميع ما شككت فيه، و إذا قمت من الوضوء و فرغت منه و صرت في حالة أخرى في الصلاة أو غيرها، أو شككت في شي‌ء مما سماه اللّه عليك وضوئه فلا شي‌ء عليك فيه» «1» و لان الشك بعد الانصراف لو كان معتبرا للتعذر الانفكاك‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 42 ح 1 ص 330.

171
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لو تيقن الطهارة و شك في الحدث أو شك في شي‌ء من أفعال الوضوء ؛ ج‌1، ص : 171

و وجه ما قالوه: ان يقين الطهارة معارض بيقين الحدث و لا رجحان فيجب الطهارة لعدم اليقين بحصولها، لكن يمكن أن يقال: ينظر الى حاله قبل تصادم الاحتمالين فان كان حدثا بنى على الطهارة، لأنه تيقن انتقاله عن تلك الحال إلى الطهارة و لم يعلم تجدد الانتقاض و صار متيقنا للطهارة و شاكا في الحدث، فيبني على الطهارة، و ان كان قبل تصادم الاحتمالين متطهرا بنى على الحدث لعين ما ذكرنا من التنزيل.

فرع لو تيقن انه تطهر بعد الصبح عن حدث، و تيقن انه أحدث و لم يعلم السابق،

بنى على الحال التي كان عليها قبل ذلك، لأنه ان كان قبل ذلك محدثا فقد تيقن الطهارة المزيلة للحدث و الحدث بعدها، و تأخر الطهارة مشكوك فيه، و ان كان قبل ذلك متطهرا فقد تيقن انه نقض الطهارة بالحدث، ثمَّ توضأ، لأن التقدير ان طهارته الثانية عن حدث.

و لو شك في يوم، فلا يدري تطهر و أحدث أم لا؟ بنى على ما قبل ذلك الزمان، فان كان حدثا فهو باق عليه، أو طهارة فكذلك، لأنه متيقن لما كان عليه و شاك في انتقاضه، و قال في النهاية: يعيد الطهارة. و ليس بوجه فإنه لم يبد حجته.

مسئلة: و لو تيقن الطهارة و شك في الحدث أو شك في شي‌ء من أفعال الوضوء

بعد انصرافه عن حاله، بنى على الطهارة، و هذا إجماع، و يؤكده ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا؟

فأعد عليها و على جميع ما شككت فيه، و إذا قمت من الوضوء و فرغت منه و صرت في حالة أخرى في الصلاة أو غيرها، أو شككت في شي‌ء مما سماه اللّه عليك وضوئه فلا شي‌ء عليك فيه» «1» و لان الشك بعد الانصراف لو كان معتبرا للتعذر الانفكاك‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 42 ح 1 ص 330.

171
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لو شك في شي‌ء من أفعال الوضوء قبل انصرافه عن حال الوضوء أتى به و بما بعده ؛ ج‌1، ص : 172

منه، الا في الأقل فيسقط اعتباره دفعا للحرج.

مسئلة: و لو شك في شي‌ء من أفعال الوضوء قبل انصرافه عن حال الوضوء أتى به و بما بعده

، لأن الأصل عدم الإتيان و الحدث متيقن فيلزم الإتيان بالمشكوك فيه بناء على اليقين و بما بعده تحصيلا للترتيب، و يؤيده رواية زرارة المتقدمة.

مسئلة: و لو تيقن «ترك عضو» أتى به و بما بعده،

سواء تيقن قبل انصرافه أو بعده، أما وجوب الإتيان به فبإجماع فقهاء الإسلام، و أما إعادة ما بعده فتحصيلا للترتيب، و يؤكده ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه و ان كان انما نسي شماله فليعد الشمال و لا يعيد على ما كان توضأ» «1».

مسئلة: و لو كان «مسحا» و لم يبق على أعضائه نداوة أخذ من لحيته و أجفانه،

و لو لم تبق نداوة استأنف الوضوء. أما وجوب أن يأخذ من لحيته و أجفانه فلأن المسح ممكن بنداوة الوضوء فيجب، و أما وجوب الإعادة مع الجفاف فلما سبق من وجوب الموالاة.

و يؤكد الأخذ من شعر الوجه ما روي من طريق الأصحاب، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان ذكرت و أنت في صلاتك انك تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف و أتم الذي نسيته و أعد صلاتك، و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك و من بللها فتمسح به مقدم رأسك» «2».

فروع

الأول: من صلّى صلاتين كل صلاة بوضوء، و تيقن الحدث عقيب إحدى

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 35 ح 9 ص 318.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 21 ح 2 ص 287.

172
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: لو توضأ و صلى ثم جدد من غير حدث ثم صلى و تيقن أنه أخل بعضو من احدى الطهارتين، ؛ ج‌1، ص : 173

الطهارتين، قال في المبسوط: يعيد الصلاتين لأنه لم يؤد واحدة بيقين. و الأقرب انه ان كانتا متساويتين عددا أعاد صلاة واحدة بنية ما في ذمته، و ان اختلفتا عددا أتى بهما، و كذا البحث لو صلاهما بطهارتين بعد حدث عقيب الاولى و تيقن انه ترك عضوا من احدى الطهارتين.

الثاني: لو توضأ و صلى ثمَّ جدد من غير حدث ثمَّ صلى و تيقن أنه أخل بعضو من احدى الطهارتين،

قال في المبسوط: أعاد الأولى دون الثانية. لأنه ان كان الإخلال من الاولى فقد صحت الثانية، و ان كان من الثانية فقد صحت الصلاتان بالطهارة الاولى، و ما ذكره الشيخ (ره) حق ان قصد بالثانية الصلاة لا وضوء مطلقا، و قيل: هو حق ان لم يعتبر في الطهارة نية رفع الحدث أو الاستباحة.

الثالث: لو جدد طهارة على طهارة و لم يحدث،

ثمَّ صلى صلاة أو صلوات بهما، ثمَّ تيقن انه ترك عضوا من احدى الطهارتين، فان اشترطنا نية الاستباحة أعاد الصلاة، لاحتمال أن يكون الترك من الاولى فلا تفيد الثانية الاستباحة، و ان لم يشترط ذلك لم يعد، لان الترك في أيهما فرض صحت الصلاة بالأخرى، و الوجه صحة الصلاة إذا نوى بالثانية الصلاة، لأنها طهارة شرعية قصد بها تحصيل فضيلة لا يحصل الا بها.

الرابع: لو صلى الخمس، كل صلاة بوضوء، و تيقن انه أحدث عقيب احدى الطهارات،

قال في المبسوط: يعيد الخمس. و لو قيل يعيد اثنتين و ثلاثا أو أربعا كان حسنا، لان المتيقن فساد واحدة لا غير، فيكون كمن فاتته صلاة من الخمس لا يدري أيهما هي، فعنده يقضي صبحا أو مغربا و أربعا، لأنه ليس في ذمته إلا صلاة واحدة، و نية التعيين تسقط هنا لعدم العلم، و كذا لو تطهر لكل صلاة من الخمس عن حدث، و تيقن أنه أخل بعضو من احدى الطهارات، قال (ره): يعيد الجميع و البحث فيه كما في الأول.

173
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يعيد«الصلاة» لو ترك غسل أحد المخرجين، و لا يعيد الوضوء، ؛ ج‌1، ص : 174

مسئلة: و يعيد «الصلاة» لو ترك غسل أحد المخرجين، و لا يعيد الوضوء،

و هذا مذهب الثلاثة. و قال ابن بابويه (ره): يعيد الوضوء أيضا.

لنا على إعادة الصلاة: ان طهارة البدن من النجاسة شرط لصحة الصلاة و لم يحصل، و أما انه لا يعيد الوضوء فلعدم المنافاة بين الوضوء و وجود عين النجاسة.

و يؤيده من طريق الأصحاب ما رواه ابن أذينة قال: «ذكر أبو مريم الأنصاري ان الحكم بن عتبة بال و لم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: بئس ما صنع، عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوءه» «1» و عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يبول فلا يغسل ذكره حتى يتوضأ وضوء الصلاة، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد وضوءه» «2».

و في رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «لا يعيد الصلاة» «3» قال الشيخ في التهذيب: يحمل هذا على من لم يجد الماء. و في رواية سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام «يغسل ذكره ثمَّ يعيد الوضوء» «4» قال الشيخ رحمه اللّه تعالى في التهذيب يحمل على الاستحباب، بدلالة الأخبار المتقدمة، و هو حسن.

مسئلة: و لو كان الخارج أحد «الحدثين» غسل مخرجه دون الأخر،

و هو إجماع، و لان وجوب غسل المخرج بسبب الخارج فمع عدم الموجب يسقط الحكم.

و يؤيده من طريق الأصحاب ما رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا بال الرجل و لم يخرج منه غيره فإنما عليه أن يغسل إحليله و لا يغسل مقعدته و ان خرج عن مقعدته شي‌ء و لم يبل فإنما عليه أن يغسل المقعدة و لا يغسل الا حليل،

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 4 ص 208.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 1 ص 208.

(3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 2 ص 224.

(4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 9 ص 209.

174
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في جواز«لمس» كتابة المصحف للمحدث قولان: ؛ ج‌1، ص : 175

و قال: انما عليه أن يغسل ما ظهر منها و ليس عليه أن يغسل باطنها» «1» و هذه الرواية و ان كانت رجالها فطحية فعليها العمل.

مسئلة: و في جواز «لمس» كتابة المصحف للمحدث قولان:

قال الشيخ (ره) في المبسوط: و يكره للمحدث مس كتابة القرآن. و قال في الخلاف: لا يجوز للمحدث و الجنب و الحائض أن يمس المكتوب من القرآن، و عليه إجماع الفرقة.

و كذا اختار في التهذيب. و قال ابن بابويه: لا يمس الجنب و من ليس على وضوء القرآن، و يمس الورق. و قال أبو حنيفة: يجوز للمحدث.

لنا قوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «2» و المراد النهي، لا الخبر، و «المطهر» مفعل من التطهير، لا يقال: المسلم طاهر، لقوله عليه السّلام «المؤمن لا ينجس» «3» لان التطهير هو التنزه عن الأدناس و المسلم كذلك.

و يؤيده قوله تعالى في قصة لوط إِنَّهُمْ أُنٰاسٌ يَتَطَهَّرُونَ «4» أي يتنزهون عن وطي الرجال، و قوله تعالى وَ أَزْوٰاجٌ مُطَهَّرَةٌ «5» أي لا يحضن، و قوله تعالى:

وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ «6» أي ينقطع عنهن الحيض، فأطلق عليهن الطهارة و ان كن محدثات، لأنا نقول: أما المسلم المحدث فيطلق عليه الطاهر لا المتطهر، و لهذا نقول: المحدث إذا توضأ طهر و لو كان متطهرا قبل الوضوء، لما صح هذا الإطلاق لأنه يكون تحصيلا للحاصل، و قوله: أطلق على التي طهرت انها «طاهر» و ان لم تغتسل بقوله: حتى يطهرن، يدل على كونها طاهرة و لا يدل على كونها متطهرة.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 28 ح 1 و باب 29 ح 2 ص 244- 245.

(2) الواقعة: 79.

(3) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 178.

(4) الأعراف: 82.

(5) آل عمران: 15.

(6) البقرة: 222.

175
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 176

و أما قصة لوط عليه السّلام فتدل على أن التطهير أمر زائد على كون الطاهر طاهرا، و يؤكد ما قلناه من منع المحدث مس القرآن من طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عمن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء، فقال: لا بأس و لا يمس الكتابة» «1» و رواية حريز، عن من أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يا بني اقرأ المصحف، فقال: لست على وضوء، فقال: لا تمس الكتابة و مس الورق» «2».

و هذه الاخبار لا تخلو من ضعف، و الاستدلال بالاية فيه احتمالات لكن مضمونها مشهور بين الأصحاب فالعمل بها أحوط، و يجوز للمحدث مس ما عدا الكتابة، مثل مس الهامش و الورق الخالي من الكتابة، و حمل المصحف و تعليقه على كراهية، و هو مذهب فقهائنا خلافا للشافعي و أحمد.

لنا دلالة الأصل و ما تضمنته رواية حريز المذكور.

فروع

الأول: «الصبي» يمنع من مس الكتابة،

أما هو فلا يتوجه اليه التكليف و لا يتحقق النهي في حقه.

الثاني: و في المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو تردد:

أشبهه الكراهية، لئلا تناله أيدي المشركين، و لا بأس بالجنب و المحدث و الحائض أن يمسوا أحاديث النبي صلى اللّه عليه و آله تمسكا بالإباحة الأصلية.

الثالث: «المس» هل يختص بباطن الكف أم هو اسم للملاقاة؟ الأشبه الثاني

مصيرا إلى اللغة.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 12 ح 1 ص 269.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 12 ح 2 ص 269.

176
المعتبر في شرح المختصر1

و أما«الغسل»: ففيه الواجب و الندب، ؛ ج‌1، ص : 177

و أما «الغسل»: ففيه الواجب و الندب،

فالواجب منه ستة:

الأول: «غسل الجنابة»

و النظر في موجبه و كيفيته و حكمه، الغسل بالفتح المصدر، و بالضم الاسم، و قيل: ما يغتسل به، و بالكسر ما غسل به الرأس، ذكره ابن السكيت، و «الجنابة» البعد، قال الشاعر: [أتانا حريث زائرا عن جنابة].

و يقال: أجنب الرجل و جنب و تجنب و اجتنب من الجنابة ذكره الفراء، و انما سمي جنبا لبعده عن أحكام الطاهرين،

و سبب الجنابة أمران:

الانزال و الجماع.

مسئلة: إنزال «المني» موجب للغسل يقظة و نوما،

و عليه إجماع المسلمين و قوله عليه السّلام، الماء من الماء، و غالب أحواله أن يخرج دافقا تقاربه الشهوة و يفتر بعده البدن.

و قال أبو حنيفة: لا يجب الغسل الا أن يلتذ بخروجه، لما روي «أن امرأة سألت النبي صلى اللّه عليه و آله عن المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، فقال صلى اللّه عليه و آله: أ تجد لذة؟ فقالت: نعم، فقال: عليها مثل ما على الرجل» «1».

فروع

الأول: إذا تيقن ان الخارج «مني» وجب الغسل،

سواء خرج دافقا أو متثاقلا بشهوة و غيرها في نوم و يقظة، لأن خروجه سبب لإيجاب الغسل فمع تحققه منيا يجب الغسل للخبر، و يؤكده ما رواه الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال كان علي عليه السّلام يقول: «انما الغسل من الماء الأكبر» «2» و حديث المرأة لا ينفي موضع النزاع، لان اعتباره باللذة استعلام لما يشتبه حاله، لا لما يتيقن انه مني.

الثاني: لو خرج ما يشتبه اعتبر باللذة و الدفق و فتور البدن

، لأنها صفات‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 7 ح 23 ص 476.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 9 ح 1 ص 479.

177
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث:«المريض» إذا وجد اللذة و فتر بدنه كفى ذلك في الحكم بكون الخارج منيا ؛ ج‌1، ص : 178

لازمة في الأغلب فمع الاشتباه يستند إليها، و يؤكدها من طريق الأصحاب ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يلعب مع امرأته و يقبلها فيخرج منه المني، فقال: إذا أصاب الشهوة و دفع و فتر بخروجه يجب عليه الغسل، و ان لم يجد له شهوة و لا فترة فلا بأس» «1».

الثالث: «المريض» إذا وجد اللذة و فتر بدنه كفى ذلك في الحكم بكون الخارج منيا

و ان لم يأت دافقا، لأن قوة المريض ربما عجزت عن دفعة، و يؤكد ذلك ما رواه ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «الرجل يرى في المنام و يجد الشهوة فيستيقظ فلا يجد شيئا، ثمَّ يمكث فيخرج، قال: ان كان مريضا فليغتسل و ان لم يكن مريضا فلا شي‌ء عليه، قلت فما الفرق؟ قال: لان الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفعة قوية، و ان كان مريضا لم يجي‌ء إلا بعد» «2».

الرابع: لو أحس بانتقال المني عن موضعه فأمسك ذكره فلم يخرج فلا غسل،

و لو خرج بعد وجب، لان الحكم يتعلق بخروج المني، و لو أحس بانتقاله فأمسك ذكره، ثمَّ خرج بعد ذلك لا مع لذة و لا فتور، فان تيقنه منيا، وجب الغسل، و ان لم يتقين لم يجب.

الخامس: لو احتمل انه جامع و أمنى ثمَّ استيقظ فلم ير شيئا لم يجب الغسل

لأنه لم يتيقن إنزال المني، و ان رأى المني وجب، لأنه منه، و يؤيد الأول ما رواه جماعة، عن أبي عبد اللّه منهم الحسين بن أبي العلاء قال: «سألته عن الرجل يرى في المنام انه احتلم و يجد الشهوة فإذا استيقظ لم ير في ثوبه الماء و لا في جسده، قال: ليس عليه الغسل» «3».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 8 ح 1 ص 477.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 8 ح 3 ص 478.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 9 ح 1 ص 479.

178
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: لو استيقظ فرأى بللا لم يحققه فلا غسل ؛ ج‌1، ص : 179

و يؤيد الثاني رواية سماعة، عن عبد اللّه عليه السّلام «عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح و لم يكن رأى في منامه انه احتلم، قال: فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته» «1» و سماعة و ان كان واقفيا لكن عمل الأصحاب على مضمون روايته هذه، و النظر يؤيدها.

و روى الجمهور عن عائشة قالت: «سئل النبي صلى اللّه عليه و آله عن الرجل يجد البلل و لا يذكر احتلاما، قال: يغتسل، و عن الرجل يرى انه احتلم و لا يجد بللا قال لا غسل عليه» «2».

السادس: لو استيقظ فرأى بللا لم يحققه فلا غسل

، لأن الطهارة متيقنة و الحدث مشكوك.

السابع: لو رأي في ثوبه «منيا» فان كان يشركه فيه غيره لم يجب الغسل،

لاحتمال كونه من المشارك، لكن يستحب الغسل احتياطا، و يقضي بأن أحدهما جنب و لو ائتم أحدهما بصاحبه لم يصح صلاة المؤتم، و لو كان منفردا به اغتسل واجبا، لأنه تيقن انه منه، و ما الذي يعيد من صلاته الأشبه ما صلاه من حدث نومه، و قال الشيخ في المبسوط: يقضي كل صلاة من عند آخر غسل رفع به الحدث.

الثامن: خروج مني الرجل من المرأة بعد الاغتسال لا يوجب الغسل،

و كذا لو جامعها في غير القبل فدب ماؤه إليه ثمَّ خرج، لأنه ليس منها.

و يؤيده من طريق الأصحاب ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه «عن المرأة تغتسل من الجنابة ثمَّ ترى نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ قال لا» «3».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 10 ج 1 ص 480.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 167.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 13 ح 3 ص 482.

179
المعتبر في شرح المختصر1

و أما الجماع: فاذا كان في«القبل» فالتقى الختانان و(حده غيبوبة الحشفة) وجب الغسل عليهما، ؛ ج‌1، ص : 180

و أما الجماع: فاذا كان في «القبل» فالتقى الختانان و (حده غيبوبة الحشفة) وجب الغسل عليهما،

و ان أكسل و هو أن يجامع من غير إنزال، على ذلك فتوى العلماء الا داود و قوما من الصحابة، لنا ما روي عن عائشة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «إذا جلس بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل» «1» و يعني «بالشعب» شعبتي رجليها و شعبتي فرجها.

و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال على عليه السّلام:

إذا التقى الختانان وجب الغسل، قلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال:

نعم» «2» و معنى «الالتقاء» المحاذاة لا مماسة أحدهما للآخر، لان ختان المرأة فوق مخرج البول منها، و مدخل الذكر أسفل من مخرج البول، و في البول، و في إيجاب الغسل بالوطئ في دبر المرأة قولان:

أحدهما: لا يجب ذكره في النهاية عملا بالأصل، و رواية أحمد بن محمد البرقي رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها و لم ينزل فلا غسل عليهما، و ان أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها» «3» و قال في المبسوط:

لأصحابنا فيه روايتان. و جزم علم الهدى رضي اللّه عنه بإيجاب الغسل و ان لم ينزل و هو أشبه.

لنا قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «4» و التيمم بدل من الغسل أو الوضوء، فلم لم يجب الطهارة باللمس مع وجود الماء لما وجب التيمم مع فقده‌

______________________________
(1) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 234.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 6 ح 5 ص 470.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 12 ح 2 ص 481.

(4) النساء: 43.

180
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 181

و لان الدبر فرج، إذا الفرج موضع الحدث قبلا كان أو دبرا، و الجماع في الفرج يوجب الغسل بالأحاديث المشهورة، و ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «متى يجب الغسل؟ قال: إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» «1».

و يؤيد ذلك ما روي من احتجاج علي عليه السّلام على الأنصار: أ توجبون الجلد و الرجم و لا توجبون صاعا من ماء؟» «2» و في الوطي في دبر الغلام موقبا تردد:

أشبهه انه لا يجب ما لم ينزل. و قال علم الهدى بالوجوب و ان لم ينزل على الواطئ و الموطوء. محتجا بأن كل من قال بإيجاب الغسل في وطئ المرأة دبرا قال به في الغلام، و لم أتحقق إلى الان ما ادعاه، فالأولى التمسك فيه بالأصل، أما وطوء البهيمة فقد قال في المبسوط و الخلاف: لا نص فيه، فينبغي أن لا يعلق به الغسل لعدم الدليل و قوله حسن، و قال في المبسوط و الخلاف بوجوب الغسل لو وطئ ميتة من الناس خلافا لأبي حنيفة. لنا التمسك بإطلاق الأحاديث السابقة.

فروع

الأول: لو أولج في فرج خنثى مشكل أو أولج الخنثى ذكره فلا غسل،

لاحتمال كونه زيادة لا فرجا.

الثاني: لو أولج بعض الحشفة فلا غسل،

لان غيبوبتها شرط الوجوب عملا بالرواية.

الثالث: الصبي إذا وطأ و الصبية إذا وطئت هل يتعلق بأحدهما حكم الجنابة؟ فيه تردد:

و الأشبه نعم، بمعنى انه يمنع من المساجد و مس الكتابة و الصلاة تطوعا الا مع الغسل.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 6 ح 1 ص 469.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 6 ح 5 ص 470.

181
المعتبر في شرح المختصر1

و أما كيفية الغسل: فواجبها خمسة: ؛ ج‌1، ص : 182

و أما كيفية الغسل: فواجبها خمسة:

«النية» و هي شرط في غسل الجنابة، لما سبق من الدليل في الوضوء، و يجوز إيقاعها عند غسل اليدين، لأنه بدؤ أفعال الطهارة، و يتضيق عند غسل الرأس لئلا يتعرى جزء الغسل من النية، و استدامتها عسر فاقتصر على استدامة الحكم دفعا للحرج، و غسل البشرة بما يسمى غسلا و لو كالدهن.

أما وجوب الغسل فلقوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «1» و «الغسل» اسم لإجراء الماء على المحل، ذكر ذلك علم الهدى رضي اللّه عنه في المصباح، فقال: و قيل: انه يجزي في الوضوء ما جرى مجرى الدهن، الا انه لا بد أن يكون مما يتناوله اسم الغسل و المسح، و لا ينتهي في القلة الى ما يسلبه الاسم.

و ما قاله السيد (ره) حسن، لأنه لو قصر عن مسمى الغسل لما تحقق الامتثال.

و يؤيد ما ذكرناه ما رواه يعقوب بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه، ان عليا عليه السّلام كان يقول: «الغسل من الجنابة و الوضوء يجزي منه ما أجزي مثل الدهن الذي يبل الجسد» «2».

و تخليل ما لا يصل اليه الماء الا بالتخليل، لان الواجب غسل البشرة و إيصال الماء إلى أصل كل شعرة، فاذا لم يتحصل الا بالتخليل وجب، و يؤيده من الحديث ما روى حجر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار» «3» و «الترتيب» واجب يبدأ بغسل رأسه ثمَّ ميامنه ثمَّ مياسره، و هو انفراد الأصحاب، و يدل عليه ما روت عائشة قالت: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يخلل شعره،

______________________________
(1) النساء: 43.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 52 ح 5 ص 341.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 38 ح 7 ص 522.

182
المعتبر في شرح المختصر1

و أما كيفية الغسل: فواجبها خمسة: ؛ ج‌1، ص : 182

فاذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ألما ثلاث مرات، ثمَّ غسل سائر جسده» «1» و عن ميمونة قالت: «وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وضوء للجنابة و (ساقت الحديث) حتى أفاض على رأسه، ثمَّ غسل جسده» «2» و فعله عليه السّلام هذا في ضمن الأمر المطلق فيقع تفسيرا.

لا يقال: هذا يدل على تقديم الرأس على الجسد و لا يدل على تقديم اليمين على الشمال، لأنا نستدل على تقديم اليمين على الشمال بوجهين: أحدهما: ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «انه كان إذا اغتسل بدأ بميامنه» «3» و الثاني: ان نقول: بدأ النبي صلى اللّه عليه و آله بميامنه فيجب أما انه بدأ بميامنه فلوجهين: أحدهما: ان الميامن أفضل و هو عليه السّلام لا يخل بالأفضل، و الثاني: لو لم يبدأ بالميامن لكان البدأة بالمياسر أما واجبا أو ندبا، و القسمان منتفيان، فتعين انه بدأ بالميامن و يلزم البدأة بها، لأنه بيان لفعل واجب فيكون كالمبين في الوجوب.

و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت:

كيف يغتسل الجنب؟ قال: ان لم يكن أصاب كفه شيئا غمسها في الماء، ثمَّ بدأ بفرجه فأنقاه، ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف، ثمَّ صب على منكبه الأيمن مرتين، و على منكبه الأيسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد أجزاء» «4».

و اعلم: ان الروايات دلت على وجوب تقديم الرأس على الجسد، أما اليمين على الشمال فغير صريحة بذلك، و رواية زرارة دلت على تقديم الرأس على اليمين و لم تدل على تقديم اليمين على الشمال، لان الواو لا يقتضي ترتيبا، فإنك‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 175.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 177 (مع تفاوت يسير).

(3) سنن البيهقي ج 1 كتب الطهارة ص 172.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 26 ح 2 ص 502.

183
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يسقط«الترتيب» بالارتماس في الماء، ؛ ج‌1، ص : 184

لو قلت: قام زيد ثمَّ عمرو و خالد، دل ذلك على تقديم قيام زيد على عمرو، و أما تقديم عمرو على خالد فلا، لكن فقهائنا اليوم بأجمعهم يفتون بتقديم اليمين على الشمال و يجعلونه شرطا في صحة الغسل، و قد أفتى بذلك الثلاثة و أتباعهم.

مسئلة: و يسقط «الترتيب» بالارتماس في الماء،

و قال بعض الأصحاب:

يرتب حكما، لنا ان إطلاق الأمر بالتطهير لا يستلزم الترتيب، و الأصل عدم وجوبه فيثبت في موضع الدلالة، و يؤيد ذلك: ما رواه حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأ ذلك عن غسله» «1».

فروع

الأول: قال المفيد في المقنعة: لا ينبغي أن يرتمس في الماء الراكد،

فإنه ان كان قليلا أفسده. قال الشيخ (ره) في التهذيب: الجنب حكمه حكم النجس الى أن يغتسل، فمتى لاقى الماء الذي يصح فيه قبول النجاسة فسد. قلت: و قد مر تحرير هذا في كتابنا فيما سلف.

الثاني: لو أخل «بالترتيب» أتى بما أخل به و بما بعده

تحصيلا للترتيب المشترط، و يؤيد ذلك ما رواه حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من اغتسل من جنابة و لم يغسل رأسه ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه يجد بدا من اعادة الغسل» «2».

الثالث: لو وقف تحت الغيث حتى بل جسده طهر،

لما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قلت: «يجزي للجنب أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه و جسده و هو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال: ان كان يغسل اغتسالة بالماء أجزأه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 26 ح 12 ص 504.

(2) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 28 ح 3 ص 506.

184
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«المسنون» سبعة: ؛ ج‌1، ص : 185

ذلك» «1» و هذا الخبر مطلق و ينبغي أن يقيد بالترتيب في الغسل.

مسئلة: و «المسنون» سبعة:

«الاستبراء» و كيفيته ان لم يتيسر البول، أن يمسح أصل القضيب تحت الأنثيين و يعصره الى رأس الحشفة ليخرج ما لعله باق فيه، كذا ذكره المفيد (ره) في المقنعة. و هل هو واجب؟ قال الشيخ (ره) في المبسوط و الجمل: نعم على الرجال. و قال علم الهدى رضي اللّه عنه: هو من سنن غسل الجنابة و آدابها. و هو الأشبه.

لنا قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «2» و لأن الأصل عدم الوجوب، و لا ينافي ذلك وجوب اعادة الغسل مع الإخلال به لو رأى بللا، لأنه لا لزوم بينهما. و غسل «اليدين» ثلاثا و هو إجماع الأصحاب، و قد سلف مستنده في باب الوضوء. و «المضمضة» و «الاستنشاق» عندنا سنتان غير واجبتين خلافا لأبي حنيفة و أحمد.

لنا قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «3» و قول النبي صلى اللّه عليه و آله «المضمضة و الاستنشاق من الفطرة» «4» و هو دلالة الاستحباب. و من طريق الأصحاب، ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: «لا يجنب الأنف و الفم لأنهما سائلان» «5» و روى أبو بكر الحضرمي قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ليس عليك مضمضة و لا استنشاق، انهما من الجوف» «6» و إمرار «اليد» على الجسد مستحب، و هو اختيار فقهاء أهل البيت عليهم السّلام. و قال مالك: و هو واجب، لقوله تعالى حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «7» و لا يقال: غسل الا مع الدلك.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 26 ح 10 ص 504.

(2) النساء: 43.

(3) النساء: 43.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 53.

(5) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 24 ح 5 ص 500.

(6) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 29 ح 10 ص 304.

(7) النساء: 43.

185
المعتبر في شرح المختصر1

أحكام الجنب ؛ ج‌1، ص : 186

لنا قوله صلى اللّه عليه و آله لأم سلمة: «إنما يكفيك أن تحثي على رأسك فتطهرين ثلاث حثيات، ثمَّ تفيضين عليك الماء فتطهرين» «1» و لأن الأصل عدم الوجوب، أما لو لم يصل الماء إلى البشرة إلا بالإمرار وجب، و كذا لو كان على المغتسل بسر أو دملج وجب إيصال الماء الى ما تحته، و ان لم يكن الا بنزعه وجب، و ان كفاه التحريك اقتصر، و كذا يجب تخليل الأذنين ان لم يصبها الماء، و لو وصل من دون التخليل خللها استحبابا.

و الغسل «بصاع» فما زاد، لا خلاف بين فقهائنا في استحبابه. و قال أبو حنيفة: يجب الغسل بالصاع. لنا في الاجزاء قوله تعالى حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «2» و الامتثال يتحقق بما يمسي غسلا، لأنها حقيقة لغوية لم ينقل عن موضوعها، و أما اغتسال النبي صلى اللّه عليه و آله بالصاع فعلى الاتفاق، لا انه تشريع و تحتيم، و يدل على الاجزاء، و ان نقص عن الصاع ما روي عن أهل البيت عليهم السّلام بطرق:

منها: رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزاء» «3» و يدل على أن الصاع على الاستحباب ما رواه معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يغتسل بصاع، و إذا كان معه بعض اغتسل بصاع و مد» «4».

أحكام الجنب

مسئلة: يجوز للجنب و الحائض أن تقرأ ما شاء من القرآن إلا سور العزائم

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 181 (مع تفاوت).

(2) النساء: 43.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 31 ح 3 ص 511.

(4) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 31 ح 3 ص 512.

186
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجوز للجنب و الحائض أن تقرأ ما شاء من القرآن إلا سور العزائم ؛ ج‌1، ص : 186

لنا قوله صلى اللّه عليه و آله لأم سلمة: «إنما يكفيك أن تحثي على رأسك فتطهرين ثلاث حثيات، ثمَّ تفيضين عليك الماء فتطهرين» «1» و لأن الأصل عدم الوجوب، أما لو لم يصل الماء إلى البشرة إلا بالإمرار وجب، و كذا لو كان على المغتسل بسر أو دملج وجب إيصال الماء الى ما تحته، و ان لم يكن الا بنزعه وجب، و ان كفاه التحريك اقتصر، و كذا يجب تخليل الأذنين ان لم يصبها الماء، و لو وصل من دون التخليل خللها استحبابا.

و الغسل «بصاع» فما زاد، لا خلاف بين فقهائنا في استحبابه. و قال أبو حنيفة: يجب الغسل بالصاع. لنا في الاجزاء قوله تعالى حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «2» و الامتثال يتحقق بما يمسي غسلا، لأنها حقيقة لغوية لم ينقل عن موضوعها، و أما اغتسال النبي صلى اللّه عليه و آله بالصاع فعلى الاتفاق، لا انه تشريع و تحتيم، و يدل على الاجزاء، و ان نقص عن الصاع ما روي عن أهل البيت عليهم السّلام بطرق:

منها: رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزاء» «3» و يدل على أن الصاع على الاستحباب ما رواه معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يغتسل بصاع، و إذا كان معه بعض اغتسل بصاع و مد» «4».

أحكام الجنب

مسئلة: يجوز للجنب و الحائض أن تقرأ ما شاء من القرآن إلا سور العزائم

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 181 (مع تفاوت).

(2) النساء: 43.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 31 ح 3 ص 511.

(4) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 31 ح 3 ص 512.

186
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يحرم عليه مس كتابة القرآن، ؛ ج‌1، ص : 187

الأربع، و هي: اقرء باسم ربك الذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة. روى ذلك البزنطي في جامعه، عن المثنى، عن الحسن الصقيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و هو مذهب فقهائنا أجمع.

و قال داود: يقرأ الجنب ما شاء، و أجاز أبو حنيفة دون الآية، و قال الشافعي لا يقرأ الجنب و لا الحائض منه شيئا، لقوله عليه السّلام «لا يقرأ الجنب و لا الحائض شيئا من القرآن» «1».

لنا قوله تعالى فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ «2» و لأن الأصل الإباحة، و من طريق الأصحاب ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته أ تقرأ النفساء و الجنب و الحائض شيئا من القرآن؟ فقال: يقرؤن ما شاءوا» «3».

و خبر الشافعي، رواه إسماعيل بن عباس، و قد ضعف البخاري روايته عن أهل الحجاز، فأما تحريم «العزائم» فمستنده ما نقل عن أهل البيت عليهم السّلام و قبله الأصحاب، من ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال: «قال أبو جعفر عليه السّلام الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرؤن من القرآن ما شاءوا إلا السجدة، و يدخلان المسجد مجتازين، و لا يقعدان فيه، و لا يقربان المجسدين الحرمين» «4».

مسئلة: و يحرم عليه مس كتابة القرآن،

و هو إجماع فقهاء الإسلام، و يدل عليه قوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «5» و في كتاب النبي صلى اللّه عليه و آله لعمرو بن جرم «لا يمس القرآن الا طاهر» «6» و يحرم عليه مس اسم اللّه سبحانه و لو كان على‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 309.

(2) المزمل: 20.

(3) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 19 ح 6 ص 494.

(4) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 19 ح 7 ص 494.

(5) الواقعة: 79.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة الحيض ص 309.

187
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و دخول المساجد إلا اجتيازا أو لتناول ماله فيها، عدا المسجدين، ؛ ج‌1، ص : 188

درهم أو دينار أو غيرهما، روى عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يمس الجنب درهما و لا دينار عليه اسم اللّه» «1» و الرواية ضعيفة السند لكن مضمونها مطابق لما يجب من تعظيم اللّه سبحانه.

و في جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام «سألته هل يمس الرجل الدرهم الأبيض و هو جنب؟ فقال: و اللّه اني لأوتى بالدرهم فأخذه و اني لجنب» «2» و ما سمعت أحدا يكره من ذلك شيئا الا ان عبد اللّه بن محمد كان يعيبهم عيبا شديدا يقول: جعلوا سورة من القرآن في الدرهم فيعطى الزانية، و في الخمر و يوضع على لحم الخنزير.

و في كتاب الحسن بن محبوب، عن خالد عن أبي الربيع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الجنب يمس الدراهم و فيها اسم اللّه و اسم رسوله؟ فقال: لا بأس به ربما فعلت ذلك» «3» و قال الشيخان: و لا أسماء أنبياء اللّه، و لا الأئمة. و لا أعرف المستند، و لعل الوجه رفع أسمائهم عن ملاقاة ما ليس بطاهر، و ليس حجة موجبة للتحريم، و القول بالكراهية أنسب.

مسئلة: و دخول المساجد إلا اجتيازا أو لتناول ماله فيها، عدا المسجدين،

و قال أبو حنيفة: لا يجوز العبور فيها و لو كان لغرض الا مع الضرورة. و قال أحمد:

إذا توضأ جاز أن يقيم فيها كيف شاء. و قال سلار من أصحابنا: يكره.

لنا قوله تعالى لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «4» و المراد مواضع الصلاة ليتحقق العبور‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 18 ح 1 ص 491.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 18 ح 3 ص 492.

(3) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 18 ح 3 ص 492.

(4) النساء: 43.

188
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لو احتلم في أحد المسجدين يتيمم لخروجه، ؛ ج‌1، ص : 189

و القربان، و قوله «لا أحل المسجد لحائض و لا جنب» «1».

و من طريق الأصحاب، روايات، منها: ما رواه جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الجنب أ يجلس في المسجد؟ قال لا، و لكن يمر فيها كلها الا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلى اللّه عليه و آله «2» و في رواية محمد بن القسم عن الرضا عليه السّلام «الجنب ينام في المسجد؟ فقال: يتوضأ و لا بأس أن ينام في المسجد و يمر فيه» «3» و هذا مثل مذهب أحمد، لكن الرواية متروكة بين الأصحاب، لأنها منافية لظاهر التنزيل.

مسئلة: لو احتلم في أحد المسجدين يتيمم لخروجه،

هذه مذهب فقهائنا، و مستنده الإجماع منا على تحريم المرور في المسجدين للجنب، روى ذلك جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام «فاذا تعذرت الطهارة المائية وجب التيمم لأنه يدل عن الماء».

و يؤيد ذلك ما رواه محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة قال: «قال أبو جعفر عليه السّلام: إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى اللّه عليه و آله فاحتلم و أصابه جنابة فليتيمم و لا يمر في المسجد الا متيمما، و لا بأس أن يمر في سائر المساجد، و لا يجلس في شي‌ء من المساجد» «4».

مسئلة: و وضع شي‌ء فيها،

هذا مذهب الخمسة و أتباعهم عدا سلار، فإنه عده في المكروه. لنا قوله تعالى «وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا» «5» و رواية‌

______________________________
(1) سنن ابي داود كتاب الطهارة ص 92.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الطهارة الجنابة باب 15 ح 2 ص 485.

(3) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 15 ح 18 ص 488.

(4) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 15 ح 6 ص 485.

(5) النساء: 43.

189
المعتبر في شرح المختصر1

ما يكره للجنب: ؛ ج‌1، ص : 190

عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال نعم، و لكن لا يضعان في المسجد شيئا» «1».

ما يكره للجنب:

مسئلة: يكره له قراءة ما زاد على سبع آيات،

قاله الشيخ (ره) في النهاية.

و قال في المبسوط: الأحوط أن لا يزيد على سبع أو سبعين.

لنا ما روي سماعة قال: «سألته عن الجنب يقرأ القرآن، قال ما بينه و بين سبع آيات» «2» و في رواية زرعة، عن سماعة «سبعين آية» «3» و زرعة، و سماعة واقفيان مع إرسال الرواية، و روايتهما هذه منافية لعموم الروايات المشهورة الدالة على إطلاق الإذن عدا السجدة، و انما اخترنا ما ذهب اليه الشيخ (ره) تقصيا من ارتكاب المختلف فيه.

مسئلة: قال علم الهدى (ره) في المصباح: و لا يجوز للجنب مس المصحف.

و قال الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، بالكراهة. و كذا قال ابنا بابويه، و قال الشافعي و أبي حنيفة: لا يجوز.

لنا الأصل الإباحة، و ما رووه «ان النبي صلى اللّه عليه و آله كتب في كتابه آية إلى قيصر» «4» و هو كافر مجنب في الظاهر، لان الاغتسال لا يصح منه و هو بالعادة يلاقي الكتاب بيده و لأنه يجوز للجنب مس كتب التفسير و ان كان فيها آيات من القرآن، و يدل على الكراهية من طريق الأصحاب ما رواه ابن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 17 ح 1 ص 490.

(2) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 19 ح 9 ص 494.

(3) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 19 ح 10 ص 494.

(4) صحيح البخاري ج 6 سورة آل عمران ص 45.

190
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«النوم» ما لم يتوضأ، ؛ ج‌1، ص : 191

قال: «المصحف لا تسمه على غير طهر و لا جنبا و لا تعلقه ان اللّه تعالى يقول لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» «1».

مسئلة: و «النوم» ما لم يتوضأ،

و عليه علماؤنا، خلافا لابن المسيب و أصحاب الرأي محتجين بما رواه أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يجنب ثمَّ ينام و لا يمس الماء» «2» و هذا الحديث ضعيف طعن فيه ابن حنبل، و قال: روى أبو إسحاق عن الأسود حديثا خالف فيه الناس، و العمدة عندنا ما رواه عبيد اللّه بن على، عن الحلبي «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ قال يكره ذلك حتى يتوضأ» «3».

و ذكره ذلك ابن بابويه (ره) فيمن لا يحضره الفقيه ثمَّ قال: و في حديث آخر أنا أنام على ذلك حتى أصبح، و ذلك انى أريد أن أعود، و روى الجمهور، عن عمر «انه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أ يرقد أحدنا و هو جنب؟ قال نعم إذا توضأ» «4» و رووا ذلك عن علي عليه السّلام و ابن عمر، و دليل استحبابه ما روي عن عائشة انه كان يجنب ثمَّ ينام و لا يمس ماء. فيحمل الأول على الاستحباب توفيقا بينهما.

مسئلة: و «الأكل» و «الشرب» ما لم يتمضمض و يستنشق،

و هو مذهب الخمسة و أتباعهم. و به قال أبو حنيفة. و الذي أقوله أنه يكفيه غسل يده و المضمضة، لما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الجنب إذا أراد أن يأكل و يشرب غسل يده و تمضمض و غسل وجهه و أكل» «5» و في رواية أخرى إذا كان الرجل جنبا لم‌

______________________________
(1) الواقعة: 79.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 201.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 25 ح 1 ص 501.

(4) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 193.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 20 ح 1 ص 495.

191
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«الخضاب» ؛ ج‌1، ص : 192

يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ، ذكرها ابن بابويه في كتابه، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام.

و روى الجمهور عن ابن المسيب «انه كان إذا أراد أن يأكل يغسل يديه و يتمضمض».

مسئلة: و «الخضاب»

و هو اختيار الثلاثة، و قال ابن بابويه (ره) في كتابه:

و لا بأس أن يختضب الجنب و يجنب مختضبا، و يحتجم و يتنور و يذبح، و ينام جنبا الى آخر الليل. لنا الأحاديث المشهورة عن أهل البيت عليهم السّلام منها:

رواية كرد بن المسمعي قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يختضب الرجل و هو جنب» «1» قال المفيد (ره): و لان ذلك يمنع وصول الماء الى ظاهر الجوارح التي عليها الخضاب. و لعله (ره) نظر الى أن اللون عرض و هو لا ينتقل، فيلزم حصول أجزاء من الحناء في محل اللون ليكون وجود اللون بوجودها، لكنها حقيقة لا تمنع الماء منعا تاما، فكرهت لذلك، و لو قيل: الرواية دالة على النهي و إطلاقه يقتضي التحريم، قلنا: هي معارضة برواية دالة الإباحة، سيأتي، فيكون الحاصل بينهما الكراهية.

فرع

قال المفيد (ره) في المقنعة: فإن أجنب بعد الخضاب لم يخرج. و هو محمول على اتفاق الجنابة لا على فعلها اختيارا، لان تعليله الأول يقتضي المنع هنا، و يدل على كراهية القصد إلى الجنابة بعد الخضاب ما رواه الحسن بن سعيد، عن القسم بن محمد، عن أبي سعيد، عن أبي إبراهيم «سأل أ يختضب الرجل و هو جنب؟ قال: لا، قلت: فيجنب و هو مختضب؟ قال لا» «2».

و مثله روى محمد بن يونس «ان أباه كتب الى أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 22 ح 5 ص 497.

(2) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 4 ح 4 ص 497.

192
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 192

يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ، ذكرها ابن بابويه في كتابه، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام.

و روى الجمهور عن ابن المسيب «انه كان إذا أراد أن يأكل يغسل يديه و يتمضمض».

مسئلة: و «الخضاب»

و هو اختيار الثلاثة، و قال ابن بابويه (ره) في كتابه:

و لا بأس أن يختضب الجنب و يجنب مختضبا، و يحتجم و يتنور و يذبح، و ينام جنبا الى آخر الليل. لنا الأحاديث المشهورة عن أهل البيت عليهم السّلام منها:

رواية كرد بن المسمعي قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يختضب الرجل و هو جنب» «1» قال المفيد (ره): و لان ذلك يمنع وصول الماء الى ظاهر الجوارح التي عليها الخضاب. و لعله (ره) نظر الى أن اللون عرض و هو لا ينتقل، فيلزم حصول أجزاء من الحناء في محل اللون ليكون وجود اللون بوجودها، لكنها حقيقة لا تمنع الماء منعا تاما، فكرهت لذلك، و لو قيل: الرواية دالة على النهي و إطلاقه يقتضي التحريم، قلنا: هي معارضة برواية دالة الإباحة، سيأتي، فيكون الحاصل بينهما الكراهية.

فرع

قال المفيد (ره) في المقنعة: فإن أجنب بعد الخضاب لم يخرج. و هو محمول على اتفاق الجنابة لا على فعلها اختيارا، لان تعليله الأول يقتضي المنع هنا، و يدل على كراهية القصد إلى الجنابة بعد الخضاب ما رواه الحسن بن سعيد، عن القسم بن محمد، عن أبي سعيد، عن أبي إبراهيم «سأل أ يختضب الرجل و هو جنب؟ قال: لا، قلت: فيجنب و هو مختضب؟ قال لا» «2».

و مثله روى محمد بن يونس «ان أباه كتب الى أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 22 ح 5 ص 497.

(2) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 4 ح 4 ص 497.

192
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا اغتسل الجنب و صلى ثم رأي بللا فان تيقن انه مني أعاد الغسل ؛ ج‌1، ص : 193

الجنب يخضب أو يختضب و هو جنب، فكتب لا» «1» و مثله روى علي بن أسباط، عن عامر بن جذاعة، و ربما يكون المفيد (ره) أطرح هذه الروايات لضعف سندها، و نحن فلا نراها تقتصر عن إفادة الكراهية لاشتهارها في النقل.

و في رواية عن سماعة و عن أبي المعزاء جميعا عن العبد الصحاح عليه السّلام «سأل عن الجنب و الحائض يختضبان؟ قال لا بأس» «2» فتحمل هذه على رفع الحظر، و الروايات المانعة على الكراهية صيانة لها عن التناقض، و يكره لمن احتلم أن يجامع حتى يغتسل، و لا يكره تكرار الجماع من غير اغتسال، ذكره جماعة من الأصحاب، و يدل عليه ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله «انه كان يطوف على نسائه بغسل واحد» «3».

مسئلة: إذا اغتسل الجنب و صلى ثمَّ رأي بللا فان تيقن انه مني أعاد الغسل

و لو كان بال و اجتهد، لقوله عليه السّلام «انما الماء من الماء» «4» و قال أبو حنيفة: لو خرج مني بعد البول لم يغتسل و لو كان قبله اغتسل. و قال مالك لا يغتسل على التقديرين.

لنا قوله صلى اللّه عليه و آله «انما الماء من الماء» «5» و إذا كان التقدير انه منى فقد حصل سبب الغسل فيجب، أما الصلاة فلا تعاد، لأنها وقعت مستكملة الشرائط فتكون مجزية، و تجدد الناقض لا يبطل ما تقدمه من الصلاة،

و لو لم يتيقن ان ذلك البلل مني ففيه ثلاث مسائل:

الاولى: ان لم يكن بال و لا استبرأ أعاد الغسل

، لأن المني من شأنه اعتياق أجزاء منه في المجرى، فلا يدفعها الا البول غالبا أو الاجتهاد بالاختراط، فيغلب ان الخارج بقيته قضاء لغالب العادة، و يؤيد هذا الاعتبار ما رواه الأصحاب بطريق:

______________________________
(1) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 22 ح 8 ص 497.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 22 ح 7 ص 497.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 204.

(4) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 199.

(5) سنن أبي داود كتاب الطهارة ص 92.

193
المعتبر في شرح المختصر1

و لو لم يتيقن ان ذلك البلل مني ففيه ثلاث مسائل: ؛ ج‌1، ص : 193

الجنب يخضب أو يختضب و هو جنب، فكتب لا» «1» و مثله روى علي بن أسباط، عن عامر بن جذاعة، و ربما يكون المفيد (ره) أطرح هذه الروايات لضعف سندها، و نحن فلا نراها تقتصر عن إفادة الكراهية لاشتهارها في النقل.

و في رواية عن سماعة و عن أبي المعزاء جميعا عن العبد الصحاح عليه السّلام «سأل عن الجنب و الحائض يختضبان؟ قال لا بأس» «2» فتحمل هذه على رفع الحظر، و الروايات المانعة على الكراهية صيانة لها عن التناقض، و يكره لمن احتلم أن يجامع حتى يغتسل، و لا يكره تكرار الجماع من غير اغتسال، ذكره جماعة من الأصحاب، و يدل عليه ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله «انه كان يطوف على نسائه بغسل واحد» «3».

مسئلة: إذا اغتسل الجنب و صلى ثمَّ رأي بللا فان تيقن انه مني أعاد الغسل

و لو كان بال و اجتهد، لقوله عليه السّلام «انما الماء من الماء» «4» و قال أبو حنيفة: لو خرج مني بعد البول لم يغتسل و لو كان قبله اغتسل. و قال مالك لا يغتسل على التقديرين.

لنا قوله صلى اللّه عليه و آله «انما الماء من الماء» «5» و إذا كان التقدير انه منى فقد حصل سبب الغسل فيجب، أما الصلاة فلا تعاد، لأنها وقعت مستكملة الشرائط فتكون مجزية، و تجدد الناقض لا يبطل ما تقدمه من الصلاة،

و لو لم يتيقن ان ذلك البلل مني ففيه ثلاث مسائل:

الاولى: ان لم يكن بال و لا استبرأ أعاد الغسل

، لأن المني من شأنه اعتياق أجزاء منه في المجرى، فلا يدفعها الا البول غالبا أو الاجتهاد بالاختراط، فيغلب ان الخارج بقيته قضاء لغالب العادة، و يؤيد هذا الاعتبار ما رواه الأصحاب بطريق:

______________________________
(1) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 22 ح 8 ص 497.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 22 ح 7 ص 497.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 204.

(4) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 199.

(5) سنن أبي داود كتاب الطهارة ص 92.

193
المعتبر في شرح المختصر1

الاولى: ان لم يكن بال و لا استبرأ أعاد الغسل ؛ ج‌1، ص : 193

الجنب يخضب أو يختضب و هو جنب، فكتب لا» «1» و مثله روى علي بن أسباط، عن عامر بن جذاعة، و ربما يكون المفيد (ره) أطرح هذه الروايات لضعف سندها، و نحن فلا نراها تقتصر عن إفادة الكراهية لاشتهارها في النقل.

و في رواية عن سماعة و عن أبي المعزاء جميعا عن العبد الصحاح عليه السّلام «سأل عن الجنب و الحائض يختضبان؟ قال لا بأس» «2» فتحمل هذه على رفع الحظر، و الروايات المانعة على الكراهية صيانة لها عن التناقض، و يكره لمن احتلم أن يجامع حتى يغتسل، و لا يكره تكرار الجماع من غير اغتسال، ذكره جماعة من الأصحاب، و يدل عليه ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله «انه كان يطوف على نسائه بغسل واحد» «3».

مسئلة: إذا اغتسل الجنب و صلى ثمَّ رأي بللا فان تيقن انه مني أعاد الغسل

و لو كان بال و اجتهد، لقوله عليه السّلام «انما الماء من الماء» «4» و قال أبو حنيفة: لو خرج مني بعد البول لم يغتسل و لو كان قبله اغتسل. و قال مالك لا يغتسل على التقديرين.

لنا قوله صلى اللّه عليه و آله «انما الماء من الماء» «5» و إذا كان التقدير انه منى فقد حصل سبب الغسل فيجب، أما الصلاة فلا تعاد، لأنها وقعت مستكملة الشرائط فتكون مجزية، و تجدد الناقض لا يبطل ما تقدمه من الصلاة،

و لو لم يتيقن ان ذلك البلل مني ففيه ثلاث مسائل:

الاولى: ان لم يكن بال و لا استبرأ أعاد الغسل

، لأن المني من شأنه اعتياق أجزاء منه في المجرى، فلا يدفعها الا البول غالبا أو الاجتهاد بالاختراط، فيغلب ان الخارج بقيته قضاء لغالب العادة، و يؤيد هذا الاعتبار ما رواه الأصحاب بطريق:

______________________________
(1) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 22 ح 8 ص 497.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 22 ح 7 ص 497.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 204.

(4) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 199.

(5) سنن أبي داود كتاب الطهارة ص 92.

193
المعتبر في شرح المختصر1

الثانية: لو بال ثم اغتسل لم يجتهد ثم رأى البلل لم يعد الغسل، ؛ ج‌1، ص : 194

منها رواية سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء، قال: يعيد الغسل، قلت: المرأة يخرج منها بعد الغسل، قال: لا تعيد، قلت: فما الفرق؟ قال: لان ما يخرج من المرأة انما هو من ماء الرجل» «1».

الثانية: لو بال ثمَّ اغتسل لم يجتهد ثمَّ رأى البلل لم يعد الغسل،

و يعيد الوضوء، لان البول أزال ما تخلّف في المجرى من المني و لم يحصل ما يزيل المتخلف من البول، و يؤيده رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يغتسل ثمَّ يجد بللا و قد كان بال قبل أن يغتسل، قال: لا يعيد الغسل» «2» و عن معاوية بن ميسرة قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: في رجل رأى بعد الغسل شيئا، قال: ان كان بال بعد جماعة قبل الغسل فليتوضأ، و ان لم يبل حتى يغتسل ثمَّ وجد البلل فليعد الغسل» «3».

الثالثة: لو بال و اجتهد ثمَّ اغتسل ثمَّ رأى البلل لم يعد غسلا و لا وضوء،

لان البول أزال ما يتوهم بقاؤه في المجرى من المني، و الاستبراء أزال ما يخشى بقاؤه من البول، فلا يكون الا من أبرده الجسد و رطوباته، و يدل على ذلك من الأحاديث ما سبق هنا و في أبواب الوضوء، مما دل على أن مع البول لا يعيد الغسل، و مع الاستبراء لا يعيد الوضوء.

مسئلة: و لا تنفض المرأة شعرها إذا بل الماء أصوله،

و هو مذهب الأصحاب، و قال المفيد (ره) في المقنعة: فإن كان الشعر مشدودا أحلته. قال الشيخ (ره) في التهذيب: يريد إذا لم يصل الماء اليه الا بعد حلّه.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 36 ح 10 ص 519.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 36 ح 5 ص 518.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 36 ح 9 ص 519.

194
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجزي غسل الجنابة عن الوضوء، و في غيره تردد: ؛ ج‌1، ص : 195

لنا الواجب غسل البشرة و الشعر ليس منها و مع غسل البشرة فالاعتبار بالشعر، و يؤكد ذلك ما رواه الحلبي، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «لا تنفض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» «1».

مسئلة: يجزي غسل الجنابة عن الوضوء، و في غيره تردد:

أظهره انه لا يجزي، أما اجزاء غسل الجنابة فعليه اتفاق الأصحاب، و للشافعي أقوال: أحدها كما قلناه. و الثاني لا يجزي عن الوضوء. و الثالث يجزي عن الاجزاء المغسولة دون الممسوحة. لنا قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «2» يعني اغتسلوا باتفاق أهل التفسير، و قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «3» فجعله غاية للمنع فيجب زوال المنع به.

و روت عائشة قالت: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة» «4» و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام ان أهل الكوفة يروون عن علي عليه السّلام انه كان يأتي بالوضوء قبل الغسل من الجنابة، قال كذبوا على علي عليه السّلام، ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه السّلام قال اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» «5».

و روى الحسين بن سعيد، عن يعقوب بن يقطين، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء؟ فقال: الجنب يغتسل و يصب على رأسه و على وجهه و على جسده كله ثمَّ قد قضى الغسل و لا وضوء عليه» «6».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 38 ح 4 ص 521.

(2) المائدة: 6.

(3) النساء: 43.

(4) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الطهارة ص 191.

(5) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 34 ح 5 ص 516.

(6) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 34 ح 1 ص 515.

195
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا غسل المجنب رأسه للطهارة ثم أحدث ما يوجب الوضوء، قال ابنا بابويه و الشيخ(ره) في النهاية: يعيد الغسل ؛ ج‌1، ص : 196

و أما غسل غير الجنابة فالذي عليه الأكثر انه لا بد معه من الوضوء قبله أو بعده، و هو اختيار الشيخين رحمهما اللّه. و قال آخرون: يكفي الغسل و لو كان مندوبا، و هو اختيار المرتضى رضي اللّه عنه. لنا ان كل واحد من الحدثين لو انفرد لا وجب حكمه و لا منافاة، فيجب ظهور حكمهما، لكن ترك العمل بذلك في غسل الجنابة، فيبقى معمولا به هنا.

و يؤكد ذلك رواية محمد بن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة» «1» و رواه ابن أبي عمير أيضا، عن حماد ابن عثمان أو غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل غسل فيه وضوء الا غسل الجنابة» «2» فإن احتج المرتضى رضي اللّه تعالى عنه بما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الغسل يجزي عن الوضوء و أي وضوء أطهر من الغسل» «3» و ما روي من طرق عن الصادق عليه السّلام انه قال: «الوضوء بعد الغسل بدعة» «4» فجوابه ان خبرنا يتضمن التفصيل، و العمل بالمفصل أولى.

مسئلة: إذا غسل المجنب رأسه للطهارة ثمَّ أحدث ما يوجب الوضوء، قال ابنا بابويه و الشيخ (ره) في النهاية: يعيد الغسل.

و تردد في المبسوط، و قال ابن البراج: يتم غسله و لا وضوء عليه. و قال علم الهدى: يتم غسله و يتوضأ لحدثه، و هو الأشبه.

لنا ان الحدث الأصغر يوجب الوضوء و ليس موجبا للغسل و لا لبعضه، فيسقط وجوب الإعادة و لا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل، و قول من قال: لا حكم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 1 ص 516.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 ص 516.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 33 ح 1 ص 513.

(4) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 33 ح 10 ص 515.

196
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: في غسل الحيض، و النظر في الحيض و أحكامه: ؛ ج‌1، ص : 197

للحدث مع الجنابة و قبل إتمام الغسل هو جنب ليس بشي‌ء، لأنا نقول: هذا اللفظ نطالب به، فإن أردت أن غسل الجنابة يجزي عن الوضوء فهو مسلّم بتقدير أن يأتي بغسل الجنابة كاملا، و ان قلت: لا حكم للحدث و ان اغتسل بعض الغسل، فهو موضع النزاع، و يلزمه لو بقي من الغسل قدر الدرهم من جانبه الأيسر ثمَّ تغوط، أن يكتفي من وضوئه بغسل موضع الدرهم، و هو باطل.

الثاني: في غسل الحيض، و النظر في الحيض و أحكامه:

سمي «حيضا» من قولهم (حاض السيل) إذا اندفع، فكأنه لمكان قوته و شدة خروجه، و في غالب أحواله اختص بهذا الاسم، قال الشاعر:

أجالت حصاهن الذواري و حيضت

عليهن حيضات السيول الطواحم

و يجوز أن يكون من رؤية الدم، كما يقال: حاضت الأرنب، إذا رأت الدم.

و حاضت الشجرة، إذا خرج منها الصمغ الأحمر.

مسئلة: «الحيض» في الأغلب أسود أو أحمر غليظ حار، له دفع،

و انما اقتصر على هذا التعريف، لأنه تميز به من غيره من الدماء عند الاشتباه. و قد روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «دم الحيض حار عبيط أسود» «1» و عن أبي جعفر عليه السّلام «إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة» «2» و العبيط هو الطري، قال الشاعر:

تقحم الإني العبيط كما

تقحم دلو المحالة الجمل

و «البحراني» الأحمر الشديد الحمرة و السواد، يقال: ماء جرى، و بحراني.

و عرفه الشيخ في المبسوط بأن قال: هو الدم الذي له تعلّق بانقضاء العدة، أما بظهوره أو بانقطاعه و الترديد: لاستصحاب المذهبين، فهو يريد «بظهوره» على مذهب من يرى الاعتداد بالاطهار، لان انقضاء الطهر الثالث برؤية الحيضة الثالثة و «بانقطاعه»‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الحيض باب 3 ح 2 ص 537.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الحيض باب 11 ح 4 ص 554.

197
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«الحيض» في الأغلب أسود أو أحمر غليظ حار، له دفع، ؛ ج‌1، ص : 197

للحدث مع الجنابة و قبل إتمام الغسل هو جنب ليس بشي‌ء، لأنا نقول: هذا اللفظ نطالب به، فإن أردت أن غسل الجنابة يجزي عن الوضوء فهو مسلّم بتقدير أن يأتي بغسل الجنابة كاملا، و ان قلت: لا حكم للحدث و ان اغتسل بعض الغسل، فهو موضع النزاع، و يلزمه لو بقي من الغسل قدر الدرهم من جانبه الأيسر ثمَّ تغوط، أن يكتفي من وضوئه بغسل موضع الدرهم، و هو باطل.

الثاني: في غسل الحيض، و النظر في الحيض و أحكامه:

سمي «حيضا» من قولهم (حاض السيل) إذا اندفع، فكأنه لمكان قوته و شدة خروجه، و في غالب أحواله اختص بهذا الاسم، قال الشاعر:

أجالت حصاهن الذواري و حيضت

عليهن حيضات السيول الطواحم

و يجوز أن يكون من رؤية الدم، كما يقال: حاضت الأرنب، إذا رأت الدم.

و حاضت الشجرة، إذا خرج منها الصمغ الأحمر.

مسئلة: «الحيض» في الأغلب أسود أو أحمر غليظ حار، له دفع،

و انما اقتصر على هذا التعريف، لأنه تميز به من غيره من الدماء عند الاشتباه. و قد روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «دم الحيض حار عبيط أسود» «1» و عن أبي جعفر عليه السّلام «إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة» «2» و العبيط هو الطري، قال الشاعر:

تقحم الإني العبيط كما

تقحم دلو المحالة الجمل

و «البحراني» الأحمر الشديد الحمرة و السواد، يقال: ماء جرى، و بحراني.

و عرفه الشيخ في المبسوط بأن قال: هو الدم الذي له تعلّق بانقضاء العدة، أما بظهوره أو بانقطاعه و الترديد: لاستصحاب المذهبين، فهو يريد «بظهوره» على مذهب من يرى الاعتداد بالاطهار، لان انقضاء الطهر الثالث برؤية الحيضة الثالثة و «بانقطاعه»‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الحيض باب 3 ح 2 ص 537.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الحيض باب 11 ح 4 ص 554.

197
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«الحيض» في الأغلب أسود أو أحمر غليظ حار، له دفع، ؛ ج‌1، ص : 197

على مذهب من يرى الاعتداد بالحيض، فإن المطلقة لا تبين عنده الا بانقضاء الحيضة الثالثة، و لو جاء بصفة دم الحيض و اشتبه بدم العذرة، حكم أنه للعذرة ان خرجت القطنة مطوقة بالدم.

روى ذلك زياد بن سوقة، عن أبي جعفر عليه السّلام، و خلف بن حماد، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: «قلت: رجل تزوج جارية و اشترى، فلما افترعها مكثت أياما ترى الدم، فبعض قال من الحيضة، و بعض قال من العذرة، كيف لها أن تعلم من الحيض أو من العذرة؟ قال تستدخل قطنة ثمَّ تخرجها، فان خرجت مطوقة فهو من العذرة، و ان خرجت منتقعة بالدم فهو من الطمث» «1» و لا ريب انها إذا خرجت مطوقة كانت من العذرة، أما إذا خرجت منتقعة فهو محتمل، فإذا يقضي بأنه من العذرة مع التطوق قطعا، فلهذا اقتصر في الكتاب على الطرف المتيقن.

و ذكر ابن بابويه (ره) في كتابه: إذا اشتبه دم الحيض بدم القرح تستلقي على قفائها و تدخل إصبعها، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة، و ان خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض.

و كذا ذكره الشيخ في النهاية، و رواه في التهذيب عن محمد بن يحيى رفعه عن أبان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت «فتاة منّا بها قرحة في جوفها و الدم سائل، لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة، فقال مرها فلتستلق على ظهرها و تستدخل إصبعها، فإن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و ان خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة» «2».

و قال محمد بن يعقوب الكليني (ره) في كتابه: محمد بن يحيى رفعه عن أبان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و ساق الحديث حتى قال: فان خرج من الجانب الأيمن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 2 ح 3 ص 536.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 16 ح 1 ص 560.

198
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا حيض مع سن«اليأس» و لا مع«الصغر» ؛ ج‌1، ص : 199

فهو من الحيض، و ان خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة. فعكس ما ذكره ابن بابويه و الشيخان، و لعله وهم من الناسخ.

و قد قال أبو علي بن الجنيد من فقهائنا: دم الحيض أسود غليظ تعلوه حمرة حار يخرج من الجانب الأيمن، و دم الاستحاضة بارد رقيق تعلوه صفرة يخرج من الجانب الأيسر، فاذا الأقوال في هذا مضطربة و لا محصل لها، و قول ابن الجنيد (ره) يشاكل ما تضمنته رواية الكليني (ره)، و الرواية مقطوعة مضطربة فلا عمل بها.

مسئلة: و لا حيض مع سن «اليأس» و لا مع «الصغر»

و هي التي تقصر عن تسع سنين، و هذا متفق عليه، و هو مذهب أهل العلم، و لو رأت دما لما كان حيضا بمعنى انها لا تمنع ما يمنع منه الحائض.

أما سن اليأس ففيه روايتان: أحدهما خمسون سنة روى ذلك عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «حد التي تيأس من الحيض خمسون سنة» «1» و رواه أيضا أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرأة التي تيأس من الحيض حدها خمسون سنة» «2» و الى هذا ذهب الشيخ (ره) في النهاية.

و الأخرى رواية ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة الا أن تكون امرأة من قريش» «3» و الى ذلك ذهب ابن بابويه (ره) في كتابه. و قال الشيخ (ره) في المبسوط: «و تيأس المرأة من الحيض إذا بلغت خمسون، الا أن تكون امرأة من قريش فإنه روى انها ترى دم الحيض الى ستين سنة» «4».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 1 ص 580.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 3 ص 580.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 2 ص 580.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 5 ص 581.

199
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و هل يجتمع الحيض مع الحبل؟ فيه روايات: ؛ ج‌1، ص : 200

و روى الكليني (ره) في حد اليأس خمسين سنة، قال: و روي ستين سنة أيضا. و روى الشيخ (ره) في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «متى تكون التي تيأس من المحيض و مثلها لا تحيض؟ قال: إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض» «1» و في سند هذه الرواية الى عبد الرحمن ضعف، و ما ذكره ابن بابويه (ره): جيد.

مسئلة: و هل يجتمع الحيض مع الحبل؟ فيه روايات:

أحدها: نعم، روى ذلك عدة من أصحابنا منهم محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الحلبي ترى الدم كما كانت ترى في أيام حيضها مستقيما في كل شهر، قال: تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في أيام حيضها، فاذا طهرت صلّت» «2».

و عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «انه سأل عن الحبلى ترى الدم أ تترك الصلاة؟ قال نعم، ان الحلبي ربما قذفت بالدم» «3» و في معناه رواية عبد الرحمن ابن الحجاج، عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: «سألته عن الحلبي ترى الدم كما كانت ترى قبل ذلك، قال: تترك الصلاة إذا دام» «4» و هو اختيار ابني بابويه و علم الهدى (ره) و الشافعي.

و الثانية: لا تحيض، روى ذلك السكوني، عن جعفر عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام قال:

«قال النبي صلى اللّه عليه و آله: ما جمع اللّه بين حيض و حبل» «5» و هو اختيار المفيد (ره) في المقنعة و أبي علي بن الجنيد (ره) و أبي حنيفة و أحمد.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 8 ص 581.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 7 ص 578.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 1 ص 576.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 2 ص 577.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 12 ص 579.

200
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و أقل الحيض«ثلاثة» أيام و أكثره«عشرة» أيام ؛ ج‌1، ص : 201

الثالثة: ان رأته في زمان عادتها فهو حيض، و ان تأخر عن العادة بعشرين يوما فليس بحيض، و هو اختيار الشيخ (ره) في النهاية. و روى ذلك الحسين بن نعيم الصحاف قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أم ولدي ترى الدم و هي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ قال: إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى الدم فيه من الشهر الذي كانت تقعد فيه فان ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث، فلتتوضأ و تحتشي بكرسف و تصلي، و ان رأته قبل الوقت الذي كانت ترى فيه بقليل أو فيه، فهو من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها، و ان لم ينقطع الا بعد مضي الأيام التي كانت ترى فيها الدم بيوم أو يومين، فلتغتسل و تحتشي و تستثفر و تصلي» «1» و هذه الرواية حسنة، و فيها تفصيل يشهد له النظر.

و قال الشيخ (ره) في الخلاف: إجماع الفرقة على أن الحامل المستبين حملها لا تحيض، و انما اختلفوا في حيضها قبل أن يستبين حملها، و كذا قال في المبسوط، فلهذا قال: في الأصل أشهرهما انها لا تحيض أي مع استبانة الحمل.

مسئلة: و أقل الحيض «ثلاثة» أيام و أكثره «عشرة» أيام

، هذا مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السّلام، و هو قول أبي حنيفة. و قال الشافعي في أحد قوليه: أقله يوم و ليلة و أكثره خمسة عشر يوما. و به قال أحمد، قال: لأنه لم يثبت له حد شرعا و لا لغة، فيرجع في إلى الوجود و قد وجد من تحيض هذا القدر.

لنا ما رووه عن وائلة بن الاسفع و أبي أمامة الباهلي «ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: أقل الحيض ثلاثة أيام و أكثره عشرة أيام» و من طريق الأصحاب روايات منها: رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام» «2» و ما‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 3 ص 577.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 11 ص 552.

201
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لو رأت الدم يوما أو يومين و انقطع، فليس حيضا، ؛ ج‌1، ص : 202

رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر و صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «الحيض أدناه ثلاثة أيام و أبعده عشرة» «1».

أما رواية عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «أكثر ما يكون الحيض ثمانية» «2» فقد رده الشيخ (ره) في التهذيب، و قال: هو شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل به، و لو صح حمل على من يكون ذلك عادتها و تستمر رؤيتها له.

مسئلة: لو رأت الدم يوما أو يومين و انقطع، فليس حيضا،

و لو كمل ثلاثة في جملة العشرة فقولان: المروي انه حيض، و قد سلف ان أقل الحيض ثلاثة أيام و يلزمه من ذلك ان ما نقص ليس حيضا، لكن اختلف الأصحاب في اشتراط التوالي فقال: أبو علي بن الجنيد (ره) في المختصر: أقله ثلاثة أيام بلياليها.

قال الشيخ في الجمل و المبسوط: أقله ثلاثة أيام متواليات. و هو اختيار علم الهدى (ره) و ابني بابويه (ره). و قال في النهاية: ان رأت يوما أو يومين ثمَّ رأت قبل انقضاء العشرة ما يتم به ثلاثة فهو حيض، و ان لم تر حتى تمضي عشرة فليس بحيض.

و روى ذلك إسماعيل بن مرار، عن يونس، بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام في حائض، و ان انقطع بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت و استنظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة من يوم رأت الدم حتى يتم لها ثلاثة أيام، فذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض، و ان مر بها من يوم رأت عشرة أيام و لم تر الدم، فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن حيضا» «3» انما كان من علة فعليها‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 2 ص 551.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 14 ص 553.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 12 ح 2 ص 555.

202
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ما تراه«المرأة» بين الثلاثة إلى العشرة حيض إذا انقطع، ؛ ج‌1، ص : 203

أن تعيد الصلاة اليومين اللذين تركتهما، لأنها لم تكن حائضا.

و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الاولى، و ان كان بعد العشرة، فهو من الحيضة المستقبلة» «1» و رواية يونس مرسلة منافية لما دل على لزوم العبادة، و رواية محمد بن مسلم غير دالة على موضع النزاع، إذ مضمونها ان ما تراه في العشرة فهو من الحيضة الاولى و نحن لا نسمي حيضا الا ما كان ثلاثا فصاعدا: فمن رأت ثلاثا ثمَّ انقطع ثمَّ جاء في العشرة و لم يتجاوز فهو من الحيضة الاولى، لا انه حيض مستأنف، لأنه لا يكون بين الحيضتين أقل من عشرة على ما سيأتي.

مسئلة: و ما تراه «المرأة» بين الثلاثة إلى العشرة حيض إذا انقطع،

و لا عبرة بلونه ما لم يعلم انه لقرح أو لعذرة، و هو إجماع، و لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا، فيجب أن يكون الدم فيه حيضا.

و لما روي عن عائشة «كان تبعث إليها النساء بالدرجة الكرسف، فتقول:

لا تعجلن حتى ترين الفضة البيضاء» «2» و يؤيد خبر محمد بن مسلم الذي قدمناه، و ما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «المرأة ترى الصفرة أو الشي‌ء فلا تدري أ طهرت أم لا؟ قال تستدخل الكرسف فان خرج الدم لم تطهر، و ان لم يخرج فقد طهرت» «3».

مسئلة: و إذا تجاوز الدم أكثر أيامه رجعت ذات العادة إليها،

و هو إجماع العلماء عدا مالكا، فإنه قال: لا اعتبار بالعادة. لنا ما روته أم سلمة قالت: «كانت امرأة تهراق الدماء على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: لتنظر عدة الأيام و الليالي التي‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 12 ح 1 ص 554.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 335.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 17 ج 4 ص 562.

203
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: فان لم تكن لها عادة و كانت مبتدأة أو مضطربة، رجعت الى التمييز ؛ ج‌1، ص : 204

كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فاذا أخلفت ذلك فلتغتسل ثمَّ لتستثفر ثمَّ لتصل» «1» رواه ابن ماجه و النسائي و أبو داود.

و ما رواه الأصحاب عن أهل البيت عليهم السّلام بطرق منها: رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المستحاضة تنتظر أيامها أو لا فلا تصلي فيها» «2» و عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المستحاضة تقعد أيام قرئها ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين» «3».

مسئلة: فان لم تكن لها عادة و كانت مبتدأة أو مضطربة، رجعت الى التمييز

و «المبتدأة» هي التي تبتدئ رؤية الدم، و «المضطربة» هي التي تستقر لها عادة، و هما ترجعان الى التمييز، فما شابه دم الحيض فهو حيض إذا جمع الشرائط، و ما شابه دم الاستحاضة فليس حيضا، و هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السّلام، و قال أبو حنيفة لا اعتبار بالتمييز.

لنا ما روته عائشة قال: «جاءت فاطمة بنت أبي خبيش فقالت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله اني أستحاض فلا أطهر فأترك الصلاة؟ فقال انما ذلك عرق و ليس بالحيضة، فإذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فامسكي عن الصلاة، فإذا كان الأخر فتوضئي فإنما هو عرق» «4» و من طريق الأصحاب روايات منها: رواية إسحاق بن جرير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان دم الحيض ليس به خفاء، و هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة فاسد بارد» «5».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 333 و 334.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 7 ص 557.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 323 و 325.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 3 ص 537.

204
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 205

فروع

الأول: لا يشترط في التمييز التكرار

، لأنه علامة الحيض، فيكفي امتيازه، بخلاف العادة مثل أن تراه في شهر ثلاثة أسود، و في آخر خمسة، و في آخر سبعة و الباقي منهما كان ما تراه بصفة الحيض في كل شهر حيضا، و الباقي طهر.

الثاني: يشترط في العمل بالتمييز أن لا يقصر ما شابه دم الحيض عن أقل الحيض و لا يتجاوز أكثره،

و أن يكون في أوله ثلاثة أيام متوالية على مذهب من يشترط التوالي، لما دللنا عليه من أن ما نقص عن ثلاثة فليس بحيض و ما تجاوز العشرة فليس حيضا.

الثالث: إذا رأت الأسود و الأحمر فتجاوز، فالأسود حيض و الأحمر طهر،

و لو رأت الأحمر و الأصفر فالأحمر حيض و الأصفر طهر، سواء كان ما شابه الحيض أو لا أو وسطا أو أخيرا، و لو رأت ثلاثا ثمَّ انقطع ثمَّ رأت يوم العاشر أو ما دونه كان الدمان و ما بينهما من النقاء حيضا، كالدم الجاري، لما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا رأته قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى، واذا رأته بعد عشرة أيام فهو من الحيضة المستقبلة، و كذا لو انقطع مرارا و لم يتجاوز العشرة» «1» و لو لم تر الا بعد العاشر فليس من الاولى لكنه استحاضة حتى تمضي عشرة أيام بعد الحيضة الأولى، فما يحصل بعد ذلك فهي حيضة مستأنفة، لأنه لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام.

الرابع: لو رأت ثلاثة أسود و ثلاثة أحمر ثمَّ أصفر و تجاوز فالحيض هو الأسود

لان الأحمر مع الأسود طهر، فكذا لو انضم إلى الأصفر، و لو رأت ثلاثة أصفر تركت الصلاة و الصوم الى العاشر، فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 11 ص 552.

205
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس: لو مر بها شهران رأت فيهما سواء، ثم اختلف الدم في باقي الأشهر رجعت الى عادتها في الشهرين ؛ ج‌1، ص : 206

حتى تأخذ في الأسود عشرا، فان انقطع فالأسود، حيض و ما تقدمه طهر، و ان تجاوز فلا تمييز لها.

و لو قيل هنا: تحتاط إذا تجاوزته من أول الدم عشرا للصلاة و الصوم، فان انقطع الأسود على عشرة فما دون فهو حيض و قضت الصوم كان حسنا.

الخامس: لو مر بها شهران رأت فيهما سواء، ثمَّ اختلف الدم في باقي الأشهر رجعت الى عادتها في الشهرين

و لا تنظر الى اختلاف الدم، لأن الأول صار عادة.

السادس: قال في المبسوط: لو رأت المبتدئة أولا دم الاستحاضة خمسا ثمَّ أطبق الأسود

بقية الشهر حكم بحيضها من بدأة الأسود إلى تمام عشرة، و الباقي استحاضة. و ما ذكره الشيخ يشكل: بأن شرط التمييز أن لا يتجاوز عن أكثر الحيض فالأشبه انه لا تمييز لها.

و قال (ره) في المبسوط: لو رأت ثلاثة عشر بصفة الاستحاضة و الباقي بصفة الحيض و استمر، فثلاثة من أوله حيض، و عشرة طهر، و ما رأته بعد ذلك من الحيضة الثانية. و في هذا أيضا إشكال، لأنه لم يتحقق لها تمييز، لكن ان قصد انه لا تمييز لها و انه يقتصر على ثلاثة لأنه اليقين كان وجها.

قال في المبسوط: و لو رأت ثلاثة دم الحيض و ثلاثة دم الاستحاضة ثمَّ رأت بصفة الحيض تمام العشرة فالكل حيض، و ان تجاوز الأسود إلى تمام الستة عشر يوما كانت العشرة حيضا، و الستة السابقة استحاضة تقضي فيها الصلاة و الصوم. و كأنه (ره) نظر الى دم الاستحاضة لما خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله، و لو قيل لا تمييز لها كان حسنا.

مسئلة: روى يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «المرأة ترى أيام الدم

ثلاثة أو أربعة، قال: تدع الصلاة قلت: فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة،

206
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«المبتدأة» و هي التي رأت الدم أول مرة، ؛ ج‌1، ص : 207

قال تصلي مع ذلك ما بينها و بين شهر فان انقطع عنها و الا فهي بمنزلة المستحاضة» «1».

و روى يونس بن يعقوب أيضا، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن المرأة ترى الدم خمسة أيام، و الطهر خمسة أيام، و ترى أربعة أيام و ترى الطهر ستة أيام، فقال: ان رأت الدم لم تصل، و ان رأت الطهر صلت ما بينها و بين ثلاثين يوما، فاذا تمت ثلاثين يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت و استثفرت و احتشت بالكرسف في وقت كل صلاة» «2».

قال الشيخ (ره) في الاستبصار: الوجه أن نحملها على امرأة اختلطت عادتها و أيام أقرائها، أو مستحاضة استمر بها الدم و اشتبهت عليها العادة ثمَّ رأت ما يشبه دم الحيض ثلاثة أو أربعة و ما يشبه الاستحاضة ثلاثة أو أربعة هكذا، ففرضها أن تجعل ما يشبه دم الحيض حيضا و الأخر طهرا صفرة كان أو نقاء لتستبين حالها و هذا تأويل لا بأس به. و لا يقال: الطهر لا يكون أقل من عشرة، لأنا نقول: هذا حق لكن ليس طهرا على اليقين و لا حيضا بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط.

مسئلة: «المبتدأة» و هي التي رأت الدم أول مرة،

إذا تجاوز دمها العشرة و لم يتميز رجعت الى عادة نسائها كالأم، و الأخت، و العمة، و الخالة، و تحيضت عدة حيضهن، فان لم تكن أو كن مختلفات رجعت الى الروايات، و به قال الشيخ في الخلاف و قال علم الهدى: ترجع في معرفة أيامها إلى نسائها، فإن كن مختلفات تركت الصلاة في كل شهر ثلاثة أيام إلى عشرة.

و قال ابن بابويه (ره) في كتابه: فإذا حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر فأقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كن مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام.

و قال الشيخ (ره) في المبسوط: ترجع إلى عادة نسائها فان لم يكن لها‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 6 ح 2 ص 544

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 6 ح 3 ص 545.

207
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«المبتدأة» و هي التي رأت الدم أول مرة، ؛ ج‌1، ص : 207

نساء أو كن مختلفات رجعت الى أقرانها من أهل بلدها. و هي الحالة الثالثة، و بمعناه قال في الجمل. أما رجوعها إلى نسائها فهو فتوى الخمسة و أتباعهم، و بمثله قال العطا و الثوري و الأوزاعي، و منع الشافعي أبو حنيفة.

لنا أن الحيض يعمل فيه بالعادة و بالأمارة كما يرجع الى صفة الدمع و مع اتفاقهن يتغلب انه كاحديهن، إذ من النادر أن تشذ واحدة عن جميع الأهل.

و يؤيد ذلك ما رواه محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد رفعه عن زرعة، عن سماعة قال: «سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر، قال:

أقرائها مثل أقراء نسائها، فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقلّه ثلاثة أيام» «1».

و استدل الشيخ (ره) في الخلاف على صحة الرواية بإجماع الفرقة. و في رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثمَّ تستظهر على ذلك بيوم» «2».

و اعلم: ان الروايتين ضعيفتان، أما الأولى: فمقطوعة السند، و المسئول فيها مجهول. و أما الثانية: ففي طريقها «علي بن فضال» و هو فطحي، و مع ذلك تتضمن الرجوع الى بعض نسائها و هو خلاف الفتوى، و لان الاقتراح في الرجوع الى واحدة من النساء مع إمكان مخالفة الباقيات معارضة للرواية الأولى، لكن أوجه في ذلك اتفاق الأعيان من فضلائنا على الفتوى بذلك، و قوة الظن بأنها كاحديهن مع اتفاقهن كلهن، فهي على تردد عندي.

و أما الرجوع إلا الأقران في المرتبة الثالثة فشي‌ء اختص به الشيخ (ره) ذكر ذلك في المبسوط و الجمل، و نحن نطالب بدليله فإنه لم يثبت، و لو قال: إذا تغلب‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 2 ص 547.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 1 ص 547.

208
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة«المبتدأة» إذا لم يكن لها نساء أو كن مختلفات، ؛ ج‌1، ص : 209

في الظن انها كنسائها مع اتفاقهن تغلب في الأقران، منعنا ذلك، فان ذوات القرابة بينها و بينهن مشاكلة في الطباع و الجنسية، و الأصل تقوى الظن مع اتفاقهن بمساواتها لهن، و لا كذا الأقران إذ لا مناسبة يقتضيه، لأنا نرى النسب يعطي شبها و لا نرى المقارنة لها أثرا فيه.

مسئلة «المبتدأة» إذا لم يكن لها نساء أو كن مختلفات،

و «المضطربة» و هي التي لم تستقر لها العادة عددا و لا وقتا، إذا استمر بها الدم و لم يتميز تترك الصلاة و الصوم في كل شهر سبعة أيام و تغتسل. و قال الشيخ (ره) في المبتدأة: تترك ثلاثة من شهر و عشرة من آخر، و في الناسية لايامها تترك الصلاة و الصوم في كل شهر سبعة أيام و تصوم فيما بعد و لا قضاء عليها في صوم و لا في صلاة.

و استدل بإجماع الفرقة، و قال في المبسوط: إذا كانت ناسية للعدد و الوقت فعلت ما فعلته المستحاضة، ثلاثة أيام من أول الشهر و تغتسل فيما بعد لكل صلاة، و صلت و صامت شهر رمضان، و لا تطلق هذه على مذهبنا الا على ما روي «انها تترك الصلاة و الصوم في كل شهر سبعة أيام و تصوم فيما بعد و تكون مخيرة في وضع هذه السبعة الأيام في أول الشهر و أوسطه و آخره» «1».

و قال بعض فقهائنا تجلس عشرا و هو أكثر الحيض، لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا، و للشافعي فيه قولان، أحدهما: لا حيض لها بيقين و زمانها مشكوك فيه و تغتسل لكل صلاة و تصلي و تصوم. و الأخر: تقعد اليقين. و قال أبو حنيفة: تجلس أكثر الحيض. و قال أحمد في المبتدأة: تقعد أقل الحيض و لو استمر قعدت في كل شهر ستة أو سبعة، و لان الغالب في عوائد النساء ذلك.

لنا ما رواه أبو داود، و الترمذي عن حمنة بنت جحش قالت: «كنت أستحاض‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 3 ص 547 الا انه رواه بتغير بعض الألفاظ و بما يفهم من الجملة قال (ع): تحيض في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام.

209
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة«المبتدأة» إذا لم يكن لها نساء أو كن مختلفات، ؛ ج‌1، ص : 209

فقلت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله اني أستحاض حيضة شديدة فما ذا تأمرني؟ فقال: ابعث لك الكرسف فإنه يذهب الكرسف الدم، قلت اني أجثه فقال انما هي ركضة من الشيطان تحيضي ستة أو سبعة أيام ثمَّ اغتسلي، فإذا رأيت انك قد استنقأت فصلي أربعا و عشرين ليلة أو ثلاثا و عشرين ليلة، و أيامها و صومي فإن ذلك يجزيك» «1».

و من طريق الأصحاب ما رواه علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن غير واحد من أصحابنا «سألوا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحيض و السنة فيه (فساق الحديث) حتى قال: و سنة التي رأت أول ما أدركت و استمر بها، ان امرأة يقال لها حمنة بنت جحش سألت النبي صلى اللّه عليه و آله فقالت: إني أستحاض حيضة شديدة، فقال: تلجمي و تحيضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام، ثمَّ اغتسلي و صومي ثلاثا و عشرين أو أربعا و عشرين» «2».

و في رواية عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها و استمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثمَّ تصلي عشرين يوما، و ان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة و عشرين يوما» «3».

و اعلم: ان الروايتين ضعيفتان، أما الأولى: فلما ذكره ابن بابويه رحمه اللّه تعالى عن ابن الوليد انه لا يعمل بما تفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس، و أما الثانية: فرواية عبد اللّه بن بكير و هو فطحي لا أعمل بما ينفرد به، لكن لما كان الغالب في عادة النساء الستة و السبعة قضينا بالغالب، و الوجه عندي أن تتحيض كل واحدة منهما ثلاثة أيام، لأنه اليقين في الحيض و تصلي و تصوم بقية الشهر استظهارا و عملا بالأصل في لزوم العبادة.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 338.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 3 ص 547.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 6 ص 549.

210
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 211

فرع

هل المراد بقوله عليه السّلام: ستة أو سبعة أيام التخيير، أو العمل بما يؤدي اجتهادها اليه و يتغلب انه حيضها؟ قيل بالثاني، لأنه لو لا ذلك لزم التخيير بين فعل الواجب و تركه. و الأول عندي أشبه لأنه تمسك بظاهر اللفظ و قد يقع التخيير في الواجب كما يتخير المسافر بين الإتمام و التقصير في بعض المواضع.

مسئلة: و تثبت «العادة» باستواء شهرين في أيام رؤية الدم و لا تثبت بالشهر الواحد،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم. و قال الشافعي: يثبت بالمرة الواحدة «لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رد المرأة التي سألت لها أم سلمة إلى الحيضة التي تلي شهر الاستحاضة» «1».

لنا النقل و الاشتقاق، أما النقل: فرواية محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فان انقطع لوقته من الشهر الأول حتى توالت عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم ان ذلك صار لها وقتا و خلفا معروفا، لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للتي تعرف أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك و أدناه حيضتان فصاعدا» «2».

و روى سماعة بن مهران قال: «سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض يختلف عليها ألا يكون طمثها في الشهر عشرة أيام سواء، قال: تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة، فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء، فتلك عادتها» «3» و الخبران ضعيفان فلا حجة فيهما.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 332- 333.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 7 ح 2 ص 546.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 14 ح 1 ص 545.

211
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و تثبت«العادة» باستواء شهرين في أيام رؤية الدم و لا تثبت بالشهر الواحد، ؛ ج‌1، ص : 211

فرع

هل المراد بقوله عليه السّلام: ستة أو سبعة أيام التخيير، أو العمل بما يؤدي اجتهادها اليه و يتغلب انه حيضها؟ قيل بالثاني، لأنه لو لا ذلك لزم التخيير بين فعل الواجب و تركه. و الأول عندي أشبه لأنه تمسك بظاهر اللفظ و قد يقع التخيير في الواجب كما يتخير المسافر بين الإتمام و التقصير في بعض المواضع.

مسئلة: و تثبت «العادة» باستواء شهرين في أيام رؤية الدم و لا تثبت بالشهر الواحد،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم. و قال الشافعي: يثبت بالمرة الواحدة «لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رد المرأة التي سألت لها أم سلمة إلى الحيضة التي تلي شهر الاستحاضة» «1».

لنا النقل و الاشتقاق، أما النقل: فرواية محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فان انقطع لوقته من الشهر الأول حتى توالت عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم ان ذلك صار لها وقتا و خلفا معروفا، لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للتي تعرف أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك و أدناه حيضتان فصاعدا» «2».

و روى سماعة بن مهران قال: «سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض يختلف عليها ألا يكون طمثها في الشهر عشرة أيام سواء، قال: تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة، فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء، فتلك عادتها» «3» و الخبران ضعيفان فلا حجة فيهما.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 332- 333.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 7 ح 2 ص 546.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 14 ح 1 ص 545.

211
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لو اجتمع لامرأة عادة و تمييز فان كان الزمان واحدا فلا بحث، ؛ ج‌1، ص : 212

و أما الاشتقاق: فلان «العادة» مأخوذة من المعاودة و لا تحصل بالمرة الواحدة، و لا تطلق العادة إلا مع التكرار، و الوجه قوله عليه السّلام: تحيّضي أيام أقرائك، و أقل ما يراد بهذه اللفظة اثنان، أو ثلاثة.

و أما خبر الشافعي، فلأنه ليس بصريح في الاقتصار على المرة، فلا يكون مقدما على موضع التصريح، و لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر، بل لو رأت في شهر خمسة ثمَّ رأت طهرا بقية الشهر، في شهر آخر مرتين بينهما عشرون يوما، و في آخر حيضتين بينهما خمسة عشر يوما، فقد استقرت عادتها في الحيض لقوله عليه السّلام «تنظر أيامها أولا فلا تصلي فيها» «1» و لا يشترط التساوي في الوقت بل لو رأت خمسا في شهر من أوله و في شهر آخر من أوسطه استقرت عادتها عددا، فان اتفق الوقت مع العدد استقر عادة عملا بظاهر الرواية.

مسئلة: و لو اجتمع لامرأة عادة و تمييز فان كان الزمان واحدا فلا بحث،

و ان اختلف مثل ان رأت عادتها في الأصفر و فيما بعدها أو قبلها الأسود، فان لم يتجاوز فالجميع حيض، و ان تجاوز ففيه قولان: قال في الجمل و المبسوط: يرجع الى العادة. و هو الأصح و هو مذهب علم الهدى و المفيد و أتباعهم، و قال النهاية:

ترجع الى التمييز. و هو مذهب الشافعي، و تردد (ره) في مسائل الخلاف.

لنا ما روي أن أم سلمة «سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لفاطمة بنت أبي جيش انها استحاضت، فقال: تدع الصلاة قدر أقرائها» «2» قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و هذه السنّة التي تعرف أيام أقرائها، و لأن العادة كالمتيقن فيجب المصير إليها، و لا يقال: الصفة علامة فيصار إليها كالصفة في المني عند الاشتباه، لأنا نقول: صفة الدم يسقط اعتبارها في العادة لأن العادة أقوى في الدلالة، و لرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض ص 334- 335 (مع تفاوت).

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض ص 334.

212
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«العادة» قسمان: ؛ ج‌1، ص : 213

«عن المرأة ترى الصفرة في أيامها، قال: لا تصلي حتى تنقضي أيامها: فإن: رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت» «1».

مسئلة: «العادة» قسمان:

متفقة، و هي التي ترى أياما متساوية في شهرين.

و «المختلفة» ما يترتب أدوارا و ان اختلفت بعض الاختلاف، مثال الأول: ان ترى في هذا الشهر خمسة و ينقطع باقية، و في الثاني خمسة أيضا و ينقطع. و مثال الثاني:

ان ترى في شهر ثلاثة، و في الثاني أربعة، و في الثالث خمسة مثلا، ثمَّ تعود إلى ثلاثة ثمَّ أربعة ثمَّ إلى خمسة، لازمة ترتيبها الأول فتستقر عادتها كذلك، فاذا استمر بها في شهر تحيضت نوبته، و لو نسيت نوبته حيضناها أقل الحيض لأنه اليقين، أو عملت فيه على الروايات على القول بها.

مسئلة: و تترك ذات العادة الصلاة و الصوم برؤية الدم في أيامها

، و هو مذهب أهل العلم، لان المعتاد كالمتيقن، و لما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن المرأة ترى الصفرة في أيامها، قال: لا تصلي حتى تنقضي أيامها» «2» و لما رواه يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة» «3».

أما «المضطربة» و «المبتدأة» ففيها قولان: قال في المبسوط: أول ما ترى المرأة ينبغي أن تترك الصلاة و الصوم، فان استمر ثلاثة قطعت على أنه حيض، و ان انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض و قضت الصلاة و الصوم.

و قال علم الهدى في المصباح: و الجارية التي يبتدئ بها الحيض و لا عادة لها لا تترك الصلاة حتى تستمر لها ثلاثة أيام. و عندي هذا أشبه، لان، مقتضى الدليل لزوم العبادة حتى يتيقن المسقط و لا يقين قبل استمراره ثلاثة، و لو قيل: لو لزم ما ذكرته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 4 ح 1 ص 540.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 4 ح 1 ص 540.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 4 ص 551.

213
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا رأت الدم في عادتها ففي قدر الاستظهار بترك العبادة مع مجي‌ء الدم قولان: ؛ ج‌1، ص : 214

قبل الثلاثة لزم بعدها، لجواز أن ترى ما هو أسود و يتجاوز فيكون هو حيضها لا الثلاثة. قلنا: الفرق ان اليوم و اليومين ليس حيضا حتى تستكمل ثلاثة، و الأصل عدم التتمة و أما إذا استمر ثلاثا فقد كمل ما يصلح أن يكون حيضا و لا يبطل هذا الا مع التجاور، و الأصل عدمه حتى يتحقق.

و لو احتج الشيخ بما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام «في المرأة ترى الدم أول النهار في شهر رمضان أ تفطر أم تصوم؟ قال: تفطر انما فطرها من الدم» «1».

قال الشيخ في التهذيب: معناه انها لو لم تفطر بالطعام و الشراب فإنها بحكم المفطر. و كذا ما روي من طرق ان المرأة إذا طمثت في رمضان قبل أن تغيب الشمس تفطر.

و عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر» «2» قلنا: الحكم بالإفطار عند الدم مطلقا غير مراد فيصرف الى المعهود و هو دم الحيض، و لا يحكم بأنه حيض إلا إذا كان في العادة فيحمل على ذلك، و أما الاخبار التي تضمنت ذكر الطمث فلا تتناول موضع النزاع، لأنا لا نحكم بأنه طمثت إلا إذا كان في زمان العادة أو باستمرار ثلاثة بلياليها.

مسئلة: إذا رأت الدم في عادتها ففي قدر الاستظهار بترك العبادة مع مجي‌ء الدم قولان:

قال في النهاية: تستظهر بعد العادة بيوم أو يومين، و هو قول ابن بابويه و المفيد.

و قال علم الهدى في المصباح: تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة. و قال في الجمل: ان خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض تصبر حتى تنقى. و الأحوط ما ذكره في النهاية، و ان كان ما ذكره‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 50 ح 7 ص 602.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 50 ح 3 ص 601.

214
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا رأت الدم في عادتها ففي قدر الاستظهار بترك العبادة مع مجي‌ء الدم قولان: ؛ ج‌1، ص : 214

علم الهدى جائزا.

لنا مقتضى الدليل لزوم العبادة، فيسقط موضع الاتفاق و هو قدر العادة، و ما حصل الإجماع عليه من جواز الاستظهار في الحيض، و يؤيد ما ذكرناه ما رواه الحسن بن محبوب، في كتاب المشيخة عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام «في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها، فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين، ثمَّ تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل، و يصيب منها زوجها ان أحب، و حلت لها الصلاة» «1».

و مثله روى ابن أبي نصر البزنطي، عن الرضا عليه السّلام قال: «الحائض تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة» «2» و مثله عن عمرو بن سعيد، عن الرضا عليه السّلام، و عن سعيد ابن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فان احتج علم الهدى برواية عبد اللّه بن المغيرة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه قال: «ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة» «3» فجوابنا: الطعن في السند، فان في طريق هذه الرواية «أحمد بن هلال» و هو ضعيف و هي مرسلة.

و لو احتج بما رواه عمرو بن سعيد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تنتظر عدتها ثمَّ تستظهر بعشرة أيام» «4» قلنا: الترجيح لروايتنا كثرة و قوة و شبها بالأصل و تمسكا بالعبادة، و لو قال: «العشرة» أيام الحيض فيكون دمها حيضا.

قلنا: لا نسلم أن العشرة حيض على تقدير العلم بالعادة المستقرة، نعم لو انقطع على العشرة كان حيضا، أما مع الاستمرار فلا تتيقنه لجواز أن يستمر، و الاستظهار المذكور‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 15 ص 558.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 9 ص 557.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 11 ص 558.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 12 ص 558.

215
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام، و لأحد لأكثره، ؛ ج‌1، ص : 216

هل هو على الوجوب أو الاستحباب؟ ظاهر كلام الشيخ في الجمل و علم الهدى الوجوب. و الأقرب عندي انه على الجواز أو على ما تغلب عند المرأة في حيضها.

لنا قوله عليه السّلام «تحيّضي أيام أقرائك» «1» و ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلى فيها و لا يقربها بعلها، فاذا جازت أيامها و رأت دمها يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر» «2» و عن منصور ابن حازم، عن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المستحاضة إذا مضى أيام أقرائها اغتسلت و احتشت و توضأت و صلت» «3».

مسئلة: أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام، و لأحد لأكثره،

و به قال الشيخ في الخلاف و المبسوط، و علم الهدى في المصباح و الخلاف، و لا أعلم فيه خلافا لأصحابنا، و قال بعض فقهائنا: أكثر الطهر ثلاثة أشهر. و قال الشافعي و أبو حنيفة:

أقل الطهر خمسة عشر يوما.

لنا ما روي عن علي عليه السّلام «ان امرأة طلقت فزعمت انها حاضت في شهر ثلاث حيض، طهرت عند كل قرء و صلّت، فقال لشريح: قل فيها فقال: ان جاءت ببينة من بطانة أهلها، و الا فهي كاذبة» «4» فقال عليه السّلام: «قالون» و هو بالرومية «جيد» و لا يتقدر ذلك على أن يكون الطهر خمسة عشر يوما، و يتقدر على ما قلناه.

و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا يكون القراء في أقل من عشرة أيام، فما زاد أقل ما يكون عشرة من حين تطهر الى‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 3 ص 547.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 5 ح 2 ص 542.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 13 ص 608.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 47 ح 3 ص 596 (مع تفاوت).

216
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لا يشترط في استقرار العادة أن ترى الدم في شهرين ؛ ج‌1، ص : 217

أن ترى الدم» «1» و مثله روى يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام» «2».

احتج الجمهور بما روي عن إبراهيم، و عطاء بن يسار، انها قالا: أقل الطهر خمسة عشر يوما، و ليس لأكثره حد. و لا يقولون الا توفيقا أو اتفاقا. و الجواب انما لا نسلم الحصر، بل لم يكون قولهما اجتهادا، فإنهما توهما أكثر الحيض خمسة عشر يوما، و عندهما الشهر يقسم الحيض و الطهر، فيلزم أن يكون الطهر مثل أكثر الحيض، ثمَّ قولهما معارض بفتوى شريح و موافقة علي عليه السّلام، و قوله الحق.

فرع لا يشترط في استقرار العادة أن ترى الدم في شهرين

، بل يكفي مرور حيضتين عددا سواء و لا كانتا في شهر واحد لأنها مشتقة من العود.

قال في المبسوط: لو رأت المبتدأة دم الحيض خمسة أيام و عشرة طهرا، ثمَّ بعد ذلك خمسة أيام و عشرة طهرا، فقد حصل لها عادة في الحيض و الطهر، و لو رأت خمسة أيام دم الحيض و خمسة و خمسين طهرا، ثمَّ رأت خمسة أيام بصفة دم الحيض و خمسة و خمسين طهرا، ثمَّ استحاضت جعلت في كل شهرين خمسة أيام حيضا، لان ذلك صار عادة. و قال في الخلاف: لا تثبت عادة المرأة إلا أن يمضي لها شهران أو حيضتان على حد واحد.

فرع الذاكرة لوقت عادتها إذا رأت الدم بخمسة و لم تر فيها كان حيضا متقدما.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 11 ح 1 ص 553.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 11 ح 2 ص 554.

217
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 218

و كذا لو تأخر عنها و لم تر فيها، و لو رأت فيها و قبلها و بعدها فان لم يتجاوز فالكل حيض، و ان تجاور فحيضها عادتها، و لو رأت قبلها و فيها و بعدها و تجاوز العشرة فالحيض عادتها، و ما عداه استحاضة، لأن العادة اختلطت و قد تجاوز فترجع إلى العادة تمسكا بإطلاق الخبر.

فروع

«المتحيرة» ان ذكرت العدد و نسيت الوقت فلا يقين لها

فالزمان كله حيض مشكوك فيه، مثل أن تقول: حيضي في كل شهر عشرة و لا أعلم أيها هي، و لو قالت:

حيضي إحدى العشرات و لا أعلمها، قال في المبسوط: تعمل ما تعلمه المستحاضة في الجميع و تغتسل للحيض عند آخر كل عشرة، قال: و لو قالت: حيضي ثلاثة من العشرة الأولى، فالعشرة مشكوك فيها تفعل فيها ما تفعله المستحاضة، و تغتسل للحيض في آخر الثالث، ثمَّ تغتسل لكل صلاة إلى تمام العشرة إذا لم تعلم وقت الانقطاع، لجواز انقطاع الدم عند كل صلاة.

أما لو قالت: كان حيضي ستة أيام في العشرة الأولى فأربعة من أول الشهر مشكوك فيها تعمل ما تعمله المستحاضة، و الخامس و السادس حيض بيقين، و ما بقي من العشرة مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة، و تغتسل للحيض عند كل صلاة الا أن تعرف وقت انقطاعه و تغتسل عند ذلك الوقت الى تمام العشرة.

و لو قالت: كان حيضي عشرة من الشهر و كنت في العاشر حائضا، فهذا يحتمل أن يكون ابتداء و انتهاء، فلا يتحقق لها حيض سواه، و تغتسل آخر العاشر للحيض و بعد ذلك تغتسل للحيض لكل صلاة إلى آخر التاسع عشر، و تفعله ما تفعله المستحاضة في الشهر كله عدا العاشر، و في كل هذا المواطن يقضى صوم العدة التي تعلمها بعد الزمان الذي تفرض عادتها في جملته.

218
المعتبر في شرح المختصر1

«المتحيرة» ان ذكرت العدد و نسيت الوقت فلا يقين لها ؛ ج‌1، ص : 218

و كذا لو تأخر عنها و لم تر فيها، و لو رأت فيها و قبلها و بعدها فان لم يتجاوز فالكل حيض، و ان تجاور فحيضها عادتها، و لو رأت قبلها و فيها و بعدها و تجاوز العشرة فالحيض عادتها، و ما عداه استحاضة، لأن العادة اختلطت و قد تجاوز فترجع إلى العادة تمسكا بإطلاق الخبر.

فروع

«المتحيرة» ان ذكرت العدد و نسيت الوقت فلا يقين لها

فالزمان كله حيض مشكوك فيه، مثل أن تقول: حيضي في كل شهر عشرة و لا أعلم أيها هي، و لو قالت:

حيضي إحدى العشرات و لا أعلمها، قال في المبسوط: تعمل ما تعلمه المستحاضة في الجميع و تغتسل للحيض عند آخر كل عشرة، قال: و لو قالت: حيضي ثلاثة من العشرة الأولى، فالعشرة مشكوك فيها تفعل فيها ما تفعله المستحاضة، و تغتسل للحيض في آخر الثالث، ثمَّ تغتسل لكل صلاة إلى تمام العشرة إذا لم تعلم وقت الانقطاع، لجواز انقطاع الدم عند كل صلاة.

أما لو قالت: كان حيضي ستة أيام في العشرة الأولى فأربعة من أول الشهر مشكوك فيها تعمل ما تعمله المستحاضة، و الخامس و السادس حيض بيقين، و ما بقي من العشرة مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة، و تغتسل للحيض عند كل صلاة الا أن تعرف وقت انقطاعه و تغتسل عند ذلك الوقت الى تمام العشرة.

و لو قالت: كان حيضي عشرة من الشهر و كنت في العاشر حائضا، فهذا يحتمل أن يكون ابتداء و انتهاء، فلا يتحقق لها حيض سواه، و تغتسل آخر العاشر للحيض و بعد ذلك تغتسل للحيض لكل صلاة إلى آخر التاسع عشر، و تفعله ما تفعله المستحاضة في الشهر كله عدا العاشر، و في كل هذا المواطن يقضى صوم العدة التي تعلمها بعد الزمان الذي تفرض عادتها في جملته.

218
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 219

فروع

في التشريك مع ذكر العدد:

لو قالت: حيضي عشرة و كنت أشرك من كل عشرين من الشهر بيوم، فإنه يحتمل أن يكون أول حيضها ثاني الشهر و آخره الحادي عشر، و أن يكون أوله العاشر و آخره التاسع عشر، ثمَّ يحتمل أن يكون أوله الثاني عشر و آخره الحادي و العشرين، و أن يكون أوله العشرين و آخره التاسع و العشرين.

فالطهر إذا يوم في أول الشهر و يوم في آخره، و الثاني مشكوك فيه، تعمل في الجميع ما تعمله المستحاضة، لكنها تغتسل يوم الحادي عشر للحيض و يوم التاسع عشر و الحادي و العشرين و التاسع و العشرين كل يوم و عند آخره، و تقضي صوم عشرة أيام، و لا تقضي الصلاة لأنها أتت بالصلاة بنية الفرض.

و الصوم يجزي فيه نية القربة إذا كانت متعينا كرمضان، و لو كان حيضها عشرة من كل شهر و تشرك بين نصفي الشهر بيوم، احتمل ابتداء حيضها من السابع و نهايته السادس عشر، و من الخامس عشر و نهايته الرابع و العشرون، فيحصل بها اثنى عشر يوما طهرا بيقين من أوله و من آخره، و يومان حيض بيقين و هما الخامس عشر و و السادس عشر، و ما عدا ذلك طهر مشكوك فيه.

و قال في المبسوط: تعمل من اليوم الخامس عشر الى آخر اليوم الرابع و العشرين ما تعمله المستحاضة، ثمَّ تغتسل في آخره و تفعل بعد ذلك ما تفعله المستحاضة إلى آخر الشهر، و تقضي الصوم.

و لعله و هم من الناسخ، و لو كان تسعة و نصفا و تشرك بين العشرين بيوم و الكسر في الأول فيوم و نصف من أول الشهر طهر بيقين تعمل فيه ما تعمله المستحاضة إلى آخر الحادي عشر، ثمَّ تغتسل، و نصف يوم بعده طهر تعمل فيه ما تعمله المستحاضة إلى آخر الحادي و العشرين، ثمَّ تغتسل للحيض و تصلي و تصوم، و تقتضي بعد ذلك‌

219
المعتبر في شرح المختصر1

في التشريك مع ذكر العدد: ؛ ج‌1، ص : 219

فروع

في التشريك مع ذكر العدد:

لو قالت: حيضي عشرة و كنت أشرك من كل عشرين من الشهر بيوم، فإنه يحتمل أن يكون أول حيضها ثاني الشهر و آخره الحادي عشر، و أن يكون أوله العاشر و آخره التاسع عشر، ثمَّ يحتمل أن يكون أوله الثاني عشر و آخره الحادي و العشرين، و أن يكون أوله العشرين و آخره التاسع و العشرين.

فالطهر إذا يوم في أول الشهر و يوم في آخره، و الثاني مشكوك فيه، تعمل في الجميع ما تعمله المستحاضة، لكنها تغتسل يوم الحادي عشر للحيض و يوم التاسع عشر و الحادي و العشرين و التاسع و العشرين كل يوم و عند آخره، و تقضي صوم عشرة أيام، و لا تقضي الصلاة لأنها أتت بالصلاة بنية الفرض.

و الصوم يجزي فيه نية القربة إذا كانت متعينا كرمضان، و لو كان حيضها عشرة من كل شهر و تشرك بين نصفي الشهر بيوم، احتمل ابتداء حيضها من السابع و نهايته السادس عشر، و من الخامس عشر و نهايته الرابع و العشرون، فيحصل بها اثنى عشر يوما طهرا بيقين من أوله و من آخره، و يومان حيض بيقين و هما الخامس عشر و و السادس عشر، و ما عدا ذلك طهر مشكوك فيه.

و قال في المبسوط: تعمل من اليوم الخامس عشر الى آخر اليوم الرابع و العشرين ما تعمله المستحاضة، ثمَّ تغتسل في آخره و تفعل بعد ذلك ما تفعله المستحاضة إلى آخر الشهر، و تقضي الصوم.

و لعله و هم من الناسخ، و لو كان تسعة و نصفا و تشرك بين العشرين بيوم و الكسر في الأول فيوم و نصف من أول الشهر طهر بيقين تعمل فيه ما تعمله المستحاضة إلى آخر الحادي عشر، ثمَّ تغتسل، و نصف يوم بعده طهر تعمل فيه ما تعمله المستحاضة إلى آخر الحادي و العشرين، ثمَّ تغتسل للحيض و تصلي و تصوم، و تقتضي بعد ذلك‌

219
المعتبر في شرح المختصر1

في التشريك مع ذكر العدد: ؛ ج‌1، ص : 219

صوم أكثر الحيض احتياطا.

و لو قالت: كان حيضي تسعة و نصفا و الشركة بين العشرين بيوم و النصف فيهما كان غلطا، لان الكسر في العشرين لا يختلط بيوم، و ان ذكرت الوقت و نسيت العدد، فان ذكرت أو حيضها أتمته ثلاثة، لأنه اليقين، ثمَّ تغتسل بعد ذلك للحيض و تصلي فيما بعد، إذا عملت ما تعمله المستحاضة احتياطا، فان ذكرت آخره جعلته و ما قبله حيضا ثلاثة، و اغتسلت للحيض في آخره، و عملت ما تعمله المستحاضة فيما عداه، و ان لم تكن ذاكرة أول حيضها و لا آخره، فذلك الوقت الذي عرفت حيضها فيه ان لم يزد عن أقل الحيض، فحيضها معلوم، و ان تزاد من غير تداخل، فالزمان مشكوك فيه و تعمل ما تعمله المستحاضة، و ان تداخل فالمتداخل حيض بيقين و ما عداه فمشكوك فيه.

و ان نسيت الوقت و العدد، فان قالت: كنت أحيض في الشهر مرة، فلها في الجملة طهر بيقين و حيض مشكوك فيه، لأن أبلغه أن يكون حيضها عشرة و طهرها عشرة، و حيضها عشرة، فيحصل لها عشرة طهرا بيقين لكنه غير معيّن الزمان، فتعمل في الشهر كله ما تعمله المستحاضة، و تغتسل للحيض آخر الثالث، و بعده لكل صلاة إلى آخر الشهر ما لم تعلم وقت الانقطاع، و تقضي صوم عشرة أيام لأنه أقصى الحيض و لا تقضي الصلاة لأنها وقعت مشروعة، و الشك لا يقدح فيها لحصول الأمر بها في ظاهر الحكم.

قال الشيخ في المبسوط: و قد روى في هذه انها تترك الصلاة و الصوم في كل شهر سبعة أيام و تفعل في الباقي ما تفعل المستحاضة و تصوم و تصلي، قال: و الأول أحوط للعبادة.

220
المعتبر في شرح المختصر1

و أما الأحكام ؛ ج‌1، ص : 221

و أما الأحكام

فمسائل:

الاولى: لا تنعقد للحائض «صلاة» و لا «صوم» و عليه الإجماع

، روى البخاري، عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «أ ليست أحديكن إذا حاضت لا تصوم و لا تصلي» «1» و قوله لفاطمة بنت أبي حبيش: «إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة» «2».

و من طريق الأصحاب ما رواه حفص البختري قال: «إذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة» «3» و ما رواه عيص بن القسم البجلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس، قال تفطر» «4» و لأن الصلاة مشروطة بالطهارة و لا تصح الطهارة مع الحيض.

مسئلة: و لا يصح منها «الطواف»

لان الطواف الواجب من شرطه الطهارة و سيأتي تحقيق ذلك في موضعه، و لا يرتفع لها حدث، و عليه الإجماع، و لأن الطهارة ضد الحيض، فلا يتحقق مع وجوده، لكن يجوز لها أن تتوضأ لتذكر اللّه سبحانه و تعالى و أن تغتسل لا لرفع الحدث كغسل الإحرام و دخول مكة.

مسئلة: و يحرم عليها دخول المساجد الا اجتيازا، و التناول حاجة،

أما اللبث و القعود فلا، و هو إجماع و لما روي أن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «لا أحل المسجد لحائض و لا جنب» «5».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 308 (مع تفاوت).

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 4 ص 538.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 2 ص 537.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 50 ح 1 ص 601.

(5) سنن ابى داود ج 1 كتاب الطهارة ص 60.

221
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو حاضت في أحد المسجدين هل تفتقر الى التيمم في خروجها كالجنب؟ ؛ ج‌1، ص : 222

و لما رواه الكليني، عن محمد بن يحيي، رفعه عن أبي حمزة، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فأصابه جنابة فليتيمم، و لا يمر في المسجد الا متيمما حتى خرج منه و يغتسل، و كذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك، و لا بأس أن تمر في سائر المساجد و لا تجلسان فيها» «1».

و هذه الرواية و ان كانت مقطوعة لكن مضمونها حسن، و لأن الحائض مشاركة للجنب في الحديث و تختص بزيادة حمل الخبث، فحكم حدثها أغلظ فيكون أولى بالمنع، و أما تحريم المسجدين اجتيازا فقد جرى في كلام الثلاثة و أتباعهم، و لعله لزيادة حرمتها على غيرهما من المساجد، و تشبيها للحائض بالجنب فليس حالها بأخف من حاله.

و أما «الاجتياز» في غيرهما من المساجد فقد ذكر الشيخ في مسائل الخلاف:

انه مكروه، و مع اتفاقهم انه ليس بمحرم بمجرد ذكر اباحة الشيخ في المبسوط و الجمل، و المفيد و علم الهدى في المصباح، و روى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد و لا تضع فيه؟ فقال: ان الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره و لا تستطيع أن تأخذ ما فيه الا منه» «2» و خبر محمد بن يحيى الذي ذكرناه يدل عليه.

فرع لو حاضت في أحد المسجدين هل تفتقر الى التيمم في خروجها كالجنب؟

قيل نعم، عملا برواية الكليني، عن محمد بن يحيى التي سلفت، لكنها مقطوعة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 15 ح 3 ص 485.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 35 ح 1 ص 583.

222
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا تضع الحائض في المسجد شيئا، و لها أن تأخذ ما فيه ؛ ج‌1، ص : 223

و لا يمنع الاستحباب، أما الوجوب فالأقرب لا، وقوفا على موضع الدلالة في الجنب، و لان التيمم طهارة شرعية ممكنة في حق الجنب، عند تعذر الماء، و لا كذلك الحائض، فإنه لا سبيل لها إلى الطهارة، و قال ابن الجنيد منا: ان اضطر الجنب أو الحائض إلى دخول المسجد تيمما.

مسئلة: و لا تضع الحائض في المسجد شيئا، و لها أن تأخذ ما فيه

، قاله الأصحاب، و يدل على ذلك رواية عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال: نعم، و لكن لا يضعان في المسجد شيئا» «1» و لأن الإجماع على تحريم دخولها إلا عابرة سبيل، فيكون دخولها لغيره محرما.

مسئلة: و تحرم عليها قراءة «العزائم»

هذا مذهب علمائنا كافة، و زاد الجمهور تحريم قراءة القرآن كله، لما روى ابن عمر «ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: لا يقرأ القرآن جنب و لا حائض» «2» و يعني بالعزائم: السور الأربع التي تتضمن السجود الواجب.

و انما سميت ذلك؟ لوجوب السجود و العزيمة الواجبة، و العزم الواجب.

لنا إجماع العلماء، و ما روي من النقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السّلام، منه:

رواية زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قلت: «الحائض و الجنب يقرءان شيئا، قال: نعم ما شاء الا السجدة، و يذكران اللّه على كل حال» «3» و لأنه إذا ثبت التحريم في طرف الجنب فثبوته في طرف الحائض أولى، لأن حدثها أغلظ، و أما جواز ما عدا الأربع فمستنده التمسك بالأصل، و قوله تعالى فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ «4» و رواية ابن عمر محمولة على الكراهية توفيقا بين الاخبار.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الجنابة باب 17 ح 1 ص 490.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 309.

(3) الوسائل ج 1 كتاب الجنابة باب 19 ح 4 ص 493.

(4) المزمل: 20.

223
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يحرم على زوجها منها موضع الدم، ؛ ج‌1، ص : 224

مسئلة: و يحرم على زوجها منها موضع الدم،

و هو إجماع فقهاء الإسلام، و اتفقوا على جواز الاستمتاع بما فوق السرة و دون الركبة، و اختلفوا في جواز الاستمتاع بما بينهما، و الذي عليه جمهور الأصحاب، الإباحة، و تركه أفضل، ذهب اليه الشيخان، و قال علم الهدى في شرح الرسالة: عندنا لا يحل الاستمتاع منها الا بما فوق الميزر، و هو مذهب أبي حنيفة و الشافعي.

لنا قوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ «1» و «المحيض» موضع الحيض كالمقيل و المبيت، فيحل ما عداه بالأصل، و لا يقال: «المحيض» هو الحيض لقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً «2» و قوله وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسٰائِكُمْ «3».

لأنا نقول: لا تنازع في تسمية الحيض محيضا، بل كما يسمى الحيض بذلك يسمى به موضع الحيض، لكن يجب تنزيل آية التحريم على ما قلناه، أما أولا:

فلأنه قياس اللفظ، و أما ثانيا: فلأنه لو نزل على الحيض لزم اعتزال النساء في زمان الحيض و هو منفي بالإجماع. و لأنه يلزم من تنزيله على الحيض الإضمار، إذ لا يتعذر اعتزال النساء في نفس الأمر فيفتقر إلى الإضمار و هو الزمان، و لو نزلنا على الموضع لم يفتقر إلى الإضمار، و لما ذكر في سبب نزول هذه الآية من كون اليهود يعتزلون النساء في زمان الحيض فسأل أصحاب النبي صلى اللّه عليه و آله عن ذلك، فنزلت هذه الاية فقال النبي صلى اللّه عليه و آله «اصنعوا كل شي‌ء إلا النكاح» «4» رواه مسلم.

و يؤيد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه عبد الملك بن عمرو قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عما لصاحب المرأة الحائض منها، قال: كل شي‌ء عدا القبل بعينه» «5»

______________________________
(1) البقرة: 222.

(2) البقرة: 222.

(3) الطلاق: 4.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 313.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 1 ص 570.

224
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يحرم على زوجها منها موضع الدم، ؛ ج‌1، ص : 224

و عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يأتي المرأة دون الفرج و يجتنب ذلك الموضع» «1».

و احتج الخصم بما رواه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «سئل النبي صلى اللّه عليه و آله عما يحرم على الرجل من امرأته الحائض، فقال: ما تحت الإزار» و روى ابن عمر قال:

«سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عما يحل للرجل، من امرأته، قال: ما فوق الإزار».

و احتج علم الهدى مضافا الى ذلك بما رواه عبيد اللّه الحلبي «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض ما يحل لزوجها منها، قال: تأتزر بإزار إلى الركبتين، و تخرج سرتها، ثمَّ له ما فوق الإزار» «2».

و الجواب: أما المروي عن علي عليه السّلام فجائز أن يكون كنّى عن موضع الوطي بما تحت الإزار، و انما ساغ هذا التأويل لما روي عنه عليه السّلام انه قال: «اجتنب منها شعار الدم» «3» و ما روي عن بعض نساء النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا» «4» و خبر ابن عمر فيه دلالة على التحليل، و لا يلزم منه تحريم ما عداه الا من دلالة الخطاب و هي متروكة، و كذا خبر عبيد اللّه الحلبي، ثمَّ هو معارض بالأخبار التي تلوناها منضمة إلى غيرها بما روي من الجواز، فإنها أكثر و الكثرة أمارة الرجحان.

و يؤيد ذلك أيضا ما رواه عمر بن حنظلة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين الفخذين» «5» و عن عمر بن يزيد قال: «قلت لأبي‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 6 ص 571.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 26 ح 1 ص 571.

(3) سنن الدارمي ج 1 ص 263 (مع تفاوت).

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 314.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 7 ص 571.

225
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا يصح«طلاق» الحائض مع دخول المطلق بها و حضوره و كونها حائلا لا حائل بينه و بينها، ؛ ج‌1، ص : 226

عبد اللّه عليه السّلام: ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين أليتيها و لا يوقب» «1».

و ما رواه ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم» «2» واذا تعارضت الأحاديث جمعنا بينها بالإباحة و الكراهية، فان المكروه إذا تأكدت كراهيته أطلق عليها لفظ التحريم مجازا، و المجاز يصار اليه مع الدلالة، و لان مقتضى الدليل الحل، فيخرج منه موضع الإجماع.

مسئلة: و لا يصح «طلاق» الحائض مع دخول المطلق بها و حضوره و كونها حائلا لا حائل بينه و بينها،

و قد أجمع فقهاء الإسلام على تحريمه، لكن اختلفوا في وقوعه: عندنا لا يقع، و قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد: يقع، و سيأتي تحريره في باب الطلاق إنشاء اللّه.

مسئلة: و يجب عليها «الغسل» عند النقاء الطهارة،

يجب عند وجوب ما لا يتم الا بها، كالصلاة و الطواف، لكن لما كان الحدث سبب الوجوب أطلق الوجوب عند حصوله و ان كان وجود المسبب موقوفا على الشرط، كما يقول: يجب على الحائض القضاء و ان كان لا يتحقق الا مع الطهر، فاذا تحقّق هذا فنحن نريد بالوجوب هذا الوجوب الموقوف على وجوب ما لا صيح الا بالغسل، و على وجوب غسل الحائض عند النقاء و ارادة الصلاة أو غيرها مما الطهارة شرط، فيه إجماع المسلمين، و لا ريب انه شرط في صحة الصلاة، و في الطواف عندنا، خلافا لأبي حنيفة، و هل هو شرط في صحة الصوم بحيث لو أخلت به ليلا حتى أصبحت بطل الصوم؟ فيه تردد.

روى علي بن الحسن، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب الأحمر، عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 8 ص 571.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 5 ص 570.

226
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة، ؛ ج‌1، ص : 227

أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان طهرت بليل من حيضها ثمَّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها، قضى ذلك اليوم» «1» لكن «علي بن الحسن» فطحي و «ابن أسباط» واقفي.

و يؤيد وجوب الغسل عند النقاء ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثمَّ اغتسلي و صلي» «2» و عن ابن عباس ما رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، و إذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل. و من طريق الأصحاب ما رواه إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر قال: «المستحاضة تقعد أيام قرؤها ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهرا اغتسلت» «3».

مسئلة: و يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة،

و هو مذهب فقهاء الإسلام، و يؤيده ما رووه «ان معاذة سألت عائشة ما بال الحائض تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة؟ فقال: أ حرورية أنت؟ فقالت: لا، و لكني أسأل فقالت: كنا نحيض على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فنؤمر بقضاء الصوم و لا نؤمر بقضاء الصلاة «4».

و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الحائض، فقال: ليس عليها أن تقضي الصلاة، و عليها أن تقضي صوم شهر رمضان، ثمَّ أقيل علي فقال: ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يأمر بذلك فاطمة عليها السّلام و المؤمنات» «5».

مسئلة: و إذا سمعت سجدة القرآن جاز أن تسجد السجدات الواجبة،

و يجب على القارئ و المستمع السجود عندها للطاهر و الحائض و الجنب، لأنه واجب‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 1 ح 1 ص 534.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 330.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 7 ص 557.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 308.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 41 ح 2 ص 589.

227
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و إذا سمعت سجدة القرآن جاز أن تسجد السجدات الواجبة، ؛ ج‌1، ص : 227

و ليس من شرطه الطهارة فيجب، أما السامع، فان السجود في حقه مستحب، و كذا ما عدا الأربع، و هل يجوز للحائض سجودها؟ قال في النهاية: لا، و هو اختيار الشافعي و أبي حنيفة و أحمد.

و حكي عن عثمان و سعيد بن المسيب في الحائض تسمع السجدة، قال: تومئ برأسها و تقول: اللهم لك سجدت. و عن الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه. لنا: الأمر بالسجود مطلق و اشتراط الطهارة ينافي الإطلاق فيسقط اعتبارها.

احتج المخالف بقوله عليه السّلام: «لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور» «1» فيدخل السجود ضمنا، و لأنه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو. و الجواب: لا نسلم أنه صلاة، فإن العرف بين أهل الشرع يأباه، و لا نسلم اشتراط الطهارة في سجود السهو، و لو سلمناه لم يلزم وجود الحكم هنا، لأنه كما يحتمل أن يكون اشتراط الطهارة هناك لكونه سجودا، يحتمل أن يكون جبرا للصلاة المفتقرة إلى الطهارة، فصار حينئذ كجزء من الصلاة، و ليس كذلك سجود التلاوة.

و يؤيد ما ذكرناه: ما رواه أبو بصير قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا قرء شي‌ء من العزائم الأربع و سمعتها فاسجد، و ان كنت على غير وضوء، و ان كنت جنبا، و ان كانت المرأة لا تصلي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت و ان شئت لم تسجد» «2» أما السامع و ليس بمستمع، فان السجود مستحب في ظرفه سواء كان من العزائم الأربع أو من غيرها، و هل يمنع من منه الحائض و الجنب؟ فيه روايتان:

أحدهما: المنع، روى ذلك الحسن بن سعيد، عن فضالة، عن أبان بن عثمان‌

______________________________
(1) سنن أبي داود ج 1 ص 16.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 36 ح 2 ص 584.

228
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و إذا سمعت سجدة القرآن جاز أن تسجد السجدات الواجبة، ؛ ج‌1، ص : 227

عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عليه السّلام «سألته عن الحائض تقرء القرآن و تسجد السجدة إذا سمعت السجدة؟ فقال: تقرأ و لا تسجد» «1» و ذكر ذلك في النهاية.

و الأخرى: الجواز، ذكره في المبسوط، و رواه السحين بن سعيد، عن القسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا قرء شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و ان كنت على غير وضوء و ان كنت جنبا و ان كانت المرأة لا تصلي، و سائر القرآن أنت بالخيار فيه، ان شئت سجدت و ان شئت لم تسجد» «2» و الحق التفصيل: فان كانت من العزائم وجبت على القارئ و المستمع و لا اعتبار بالطهارة، و ان كان سامعا لم يجب عليه لكنه يجوز ذلك.

يؤيد ذلك ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن رجل سمع السجدة، قال: لا يسجد الا أن يكون منصتا لقراءة مستمعا لها أو يصلي بصلاته، فاما أن يكون في ناحية و أنت في أخرى فلا تسجد لما سمعت» «3» و مراده عليه السّلام الدلالة على إسقاط الوجوب، و الا فالسجود للسجدات حسن على كل حال.

مسئلة: و في وجوب «الكفارة» على الزوج بوطء الحائض روايتان، أحوطهما: الوجوب، و هو مذهب الشيخ (ره) في الجمل و المبسوط و به قال المفيد (ره) في المقنعة، و علم الهدى في المصباح و ابنا بابويه، و كذا قال أحمد في إحدى الروايتين. و قال الشيخ في الخلاف: ان كان جاهلا بالحيض أو بالتحريم لم يجب عليه و يجب على العالم بهما، و استدل بإجماع الفرقة، و كذا استدل علم الهدى.

و قال الشيخ (ره) في النهاية: يتصدق بدينار في أوله، و بنصف دينار في وسطه، و بربع دينار في آخره، كل ذلك ندبا و استحبابا. و يدل على الأول ما رووه عن ابن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 36 ح 4 ص 584.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 36 ح 2 ص 584.

(3) الوسائل ج 2 أبواب قراءة القرآن باب 43 ح 1 ص 882.

229
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و إذا سمعت سجدة القرآن جاز أن تسجد السجدات الواجبة، ؛ ج‌1، ص : 227

عباس «ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: الذي يأتي امرأة و هي حائض يتصدق بدينار أو نصف دينار» «1» و التخيير في الواجب لا يتحقق، فيلزم التفصيل.

و من طريق الأصحاب ما رواه داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في كفارة الطمث: انه يتصدق إذا ان في أوله بدينار، و في أوسطه بنصف دينار، و في آخره بربع دينار، قلت: فان لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال: فليتصدق على مسكين واحد و الا استغفر اللّه و لا يعود، فان الاستغفار توبة و كفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شي‌ء من الكفارة» «2».

أما احتجاج الشيخ و علم الهدى بالإجماع فلا نعلمه فكيف يتحقق الإجماع فيما يتحقق فيه الخلاف، و لو قال: المخالف معلوم، قلنا: لا نعلم انه لا مخالف غيره و مع الاحتمال لا يبقى وثوق بأن الحق في خلافه.

و قد قال ابن بابويه في المقنع: يتصدق على مسكين، و جعل ما رواه المفيد و علم الهدى رواية، و أما خبر ابن عباس فقد رده الشافعي، و أبو حنيفة، و مالك، و لو ثبت أصله لم يطرحوه. و أما خبر داود بن فرقد فمطعون في سنده، لان الراوي محمد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن الطيالسي، عن أحمد بن محمد، عن داود.

و قد ذكر النجاشي: أن «محمد بن أحمد» هذا كان ثقة في الحديث الا ان أصحابنا قالوا كان يروي عن بعض الضعفاء، و يعتمد المراسيل، و لا يبالي عمن أخذ و ليس عليه في نفسه طعن، و روايته مقطوعة، و «الطيالسي» ضعيف، ثمَّ هو معارض بأحاديث عدة نحن نذكرها.

و يدل على ما ذكره الشيخ في النهاية ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى، عن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 315.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 28 ح 1 ص 574.

230
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«الكفارة» دينار في أوله، و نصف دينار في أوسطه، و ربع دينار في آخره، ؛ ج‌1، ص : 231

صفوان، عن عيص بن القسم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل واقع امرأته و هي طامث، قال لا يلتمس بعد ذلك قد نهى اللّه عنه، قلت: ان فعل فعليه كفارة؟

قال: لا أعلم فيه شيئا، يستغفر اللّه» «1».

و روي أيضا عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الحائض يأتيها زوجها، فقال: ليس عليه شي‌ء، يستغفر اللّه و لا يعود» «2».

و يؤيد ما ذكره الشيخ في النهاية أيضا انه مقتضى البراءة الأصلية، و لأنه إبقاء المال المعصوم على صاحبه مع عدم اليقين بما يوجب انتزاعه، و لو قال: ما رويته عن أحمد بن الحسن لا يعمل به لأنه فطحي، قلنا: نحن نقابل به ما رويته من الخبر المرسل، و ما ذكرناه أرجح، لأن أحمد بن الحسن و ان كان فطحيا فهو ثقة، و الخبر المرسل مجهول الراوي فلا يعلم عدالته، و يبقى خبرنا الأخر سليما عن المعارض.

ثمَّ يؤيد ما ذكرناه ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يقع على امرأته و هي حائض، قال: يتصدق على مسكين بقدر شبعه» «3» قلت: و الاقدام على تأويل هذه الاخبار تكلف غير سائغ فالأولى الجميع بينها بالاستحباب و عدم الوجوب و هذا أولى مما تأوله الشيخ، فإنه تأولها بتأويلات بعيدة لا يشهد لها ظاهر النقل، و الى هذا المعنى أشرنا بقولنا: أحوطهما الوجوب لأنه يتيقن معه براءة الذمة.

مسئلة: و «الكفارة» دينار في أوله، و نصف دينار في أوسطه، و ربع دينار في آخره،

و هو اختيار الثلاثة و أتباعهم. و كذا قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه، و قال في المقنع، يتصدق على مسكين بقدر شبعه، و جعل ما ذكره الثلاثة رواية.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 29 ح 1 ص 576.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 9 ح 2 ص 576.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 28 ح 5 ص 575.

231
المعتبر في شرح المختصر1

فرع إذا تكرر منه«الجماع» تردد الشيخ في المبسوط، و رجح عدم تكرار الكفارة ؛ ج‌1، ص : 232

و قال أحمد: كفارته دينار أو نصف دينار. و عنه روايتان: إحديهما: ان ذلك على التخيير. و الأخرى: ان كان الدم أحمر فدينار، و ان كان أصفر فنصف دينار. و روى ذلك عن ابن عباس، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و قال النخعي: الدينار لنا رواية ابن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و لا يمنعنا ضعف طريقها عن تنزيلها على الاستحباب، لاتفاق الأصحاب على اختصاصها بالمصلحة الراجحة أما وجوبا و أما استحبابا، فنحن بالتحقيق عاملون بالإجماع لا بالرواية، لأنه لو لا أحد الأمرين يلزم خروجها عن الإرادة و هو منفي بالاتفاق، قال ابن بابويه: من جامع أمته و هي حائض تصدق بثلاثة أمداد من طعام. و كذا قال الشيخ (ره)، و الوجه الاستحباب:

تمسكا بالبراءة الأصلية.

فرع إذا تكرر منه «الجماع» تردد الشيخ في المبسوط، و رجح عدم تكرار الكفارة

تمسكا بالأصل، و الوجه انه ان كانت الحال واحدة فلا تكرار، و ان كانت الحال مما يختلف فيه الكفارة تكررت، و لا يتكرر بتكراره في الحالة التي لا يختلف فيها الكفارة، كالوطء مثلا في أوله مرارا.

فرع الأول و الأوسط و الأخر يختلف بحسب حيض المرأة،

فمن كان حيضها ستا فاليومان الأولان أوله، و الثالث و الرابع أوسطه، و الخامس و السادس آخره، و هكذا كل عدد يفرض فإنه ينقسم أثلاثا.

مسئلة: و يتسحب لها «الوضوء» عند وقت كل صلاة و ذكر اللّه في مصلاها

232
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يكره«الخضاب» ؛ ج‌1، ص : 233

بقدر صلاتها، هذا اللفظ للشيخ في النهاية و المبسوط. و قال المفيد في المقنعة:

و تجلس ناحية عن مصلاها. و أطلق اللفظ بقية الأصحاب و هو المعتمد.

لنا ما رواه زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، ثمَّ تستقبل القبلة و تذكر اللّه سبحانه، بقدر ما كانت تصلي» «1» و لأن إهمال التشبيه بالمصلين سبب لاعتياد البدن بالترك، فيشق تكلفه عند الوجوب، فليشرع التمرين بقدر الإمكان، لقوله عليه السّلام الخير عادة.

مسئلة: و يكره «الخضاب»

هذا مذهب علمائنا، للنقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السّلام، من ذلك رواية علي بن الحسن، عن ابن أسباط، عن عامر بن جذاعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: لا تخضب الحائض و لا الجنب» «2» و مثله روي عن أبي بصير، و الروايات، في ذلك و ان ضعف سندها، فان عمل الأصحاب مطابق لها، و يدل على أنها على الاستحباب وجود أحاديث دالة على الإباحة، منها:

ما روى الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد و محمد بن أبي حمزة «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: تختضب المرأة و هي طامث؟ فقال نعم» «3» فالتوفيق: تنزيل هذه على الجواز، و تلك على الكراهية.

مسئلة: و يكره لها «قراءة» ما عدا العزائم، و حمل المصحف و لمس هامشه،

أما كراهية ما عدا العزائم فهو مذهب علمائنا لا يختلون فيه، و قال الجمهور بالتحريم.

لنا قوله تعالى فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ «4» و الأمر مطلق فلا تقيد بالطهارة، و ما روى زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قلت: الحائض‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 40 ح 3 ص 587.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 42 ح 7 ص 593.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 42 ح 2 ص 592.

(4) المزمل: 20.

233
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا بأس بالاستمتاع، منها بما فوق السرة و ما تحت الركبة، ؛ ج‌1، ص : 234

و الجنب يقرءان شيئا؟ قال: نعم ما شاءا إلا السجدة، و يذكر ان اللّه تعالى على كل حال» «1» و أما حمل المصحف: فان كان بعلاقته فإجماع الأصحاب على الكراهية، و أما مس المصحف و مس الهامش: فقد أجرى علم الهدى حكمها في ذلك كالجانب، و قال في الجنب بتحريم مس الكتاب، و قال الباقون بالكراهية، و حرم الشافعي ذلك كله.

لنا ان مقتضى الأصل الحل، فيخرج عنه موضع الإجماع، و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله كتب الى قيصر آية في كتابه اليه، و نجاسة الكافر أغلظ من نجاسة الحائض، و يدل على الكراهية ما روي عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «المصحف لا تسمه على غير طهر و لا جنبا، و لا تمس خطيه [خطه] و لا تعلقه ان اللّه يقول: لا يمسه الا المطهرون» «2» و انما نزلنا هذا على الكراهية، نظرا الى عمل الأصحاب.

مسئلة: و لا بأس بالاستمتاع، منها بما فوق السرة و ما تحت الركبة،

و يكره الاستمتاع منها بما بين السرة و الركبة، خلا موضع الدم فإنه محرم، و هو مذهب الشيخين و أتباعهما. و قال الشافعي و أبو حنيفة: حرم الاستمتاع منها بما بين السرة و الركبة. و قال علم الهدى في الخلاف: يحرم الاستمتاع منها بما تحت الميزر.

لنا قوله وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ+ «3» و هو صريح في رفع اللوم عن الاستمتاع كيف كان، ترك العمل به في موضع الحيض بالإجماع، فيبقى ما عداه على الجواز، و ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «اجتنب منها شعار الدم» «4» و قد روي عن بعض نساء النبي‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 19 ح 4 ص 493.

(2) الواقعة: 79.

(3) المؤمنون: 5- 6.

(4) سنن الدارمي ج 1 ص 243 (مع تفاوت).

234
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: واذا انقطع دمها حل وطؤها، ؛ ج‌1، ص : 235

صلى اللّه عليه و آله انه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا، و أما حجتهم فقد سلف بيانها و الجواب عنها، و إذا سقط التحريم ثبتت الكراهية باتفاق الباقين.

مسئلة: واذا انقطع دمها حل وطؤها،

لكن يكره قبل الغسل، و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه: و لا يجوز مجامعة المرأة في حيضها لقوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ «1» يعنى بذلك: الغسل من الحيض، و قال أبو حنيفة: ان انقطع لعشر حل الوطي، و ان انقطع قبل العشر لم يحل الا بعد أن تفعل ما بنافي الحيض من غسل أو تيمم، و أطلق الشافعي التحريم ما لم تغتسل.

لنا مقتضي الدليل الحل فيجب التمسك به، أما ان مقتضى الدليل الحل فلوجهين، أحدهما: قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ «2» و أما ثانيا: فلقوله تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ «3» و المنع متعلق به فمع زواله يثبت الحل.

و قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ «4» على قراءة التخفيف و هو يدل على أن الغاية انقطاع الدم، يقال: طهرت المرأة إذا انقطع حيضها، و لو قيل:

و قد قرء بالتضعيف في يطهرن، قلنا: فيجب أن يحتمل على الاستحباب توفيقا بين القراءتين و دفعا للثاني، و لا يقال: و يلزم من قوله تعالى فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ اشتراط التطهير و هو الغسل فيكون اباحة الوطي حينئذ مشروطة بالشرطين: انقطاع الدم، و الغسل، لأنا نمنع أن يكون المراد بالتطهر الغسل، بل ما المانع أن يراد بيطهرن طهرن، كما يقال قطعت الحبل فتقطع، و كسرت الكوز فتكسر.

______________________________
(1) البقرة: 222.

(2) المؤمنون: 5- 6.

(3) البقرة: 222.

(4) البقرة: 222.

235
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لو غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها استحبابا ثم وطئها ؛ ج‌1، ص : 236

و لو قيل: المرأة يصح أن تغتسل فيحمل على ارادة فعلها بخلاف الحبل و الكوز، قلنا: قد يستعمل فيمن يصح ذلك منه و يكون المراد ما قلناه، كما يقال في أسماء اللّه سبحانه: المتكبر، و لو قيل: المراد فعل الطهارة لدلالة آخر الآية و هو قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «1» قلنا: هو كلام مستأنف فلا تعلق له بالأول.

و يحتمل أن يكون المراد بالمتطهرين المتنزهين عن الذنوب، فإن الطهارة هي النزاهة فتنزيله على النزه من الذنوب أشبه من الغسل، لان ذلك أنسب بالتوبة، و من طريق الأصحاب ما رواه علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الحائض ترى الطهر أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ فقال: لا بأس و بعد الغسل أحب الي» «2» و هذا الحديث دال على الكراهية.

و ما رواه سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: له: «المرأة تحرم عليها الصلاة فتتوضأ من غير أن تغتسل لزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: لا، حتى تغتسل» «3» فيحمل هذا النهي على الكراهية توفيقا بين الروايتين.

مسئلة: و لو غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها استحبابا ثمَّ وطئها

، و من الأصحاب من أورد ذلك بلفظ الوجوب، و الوجه الاستحباب و به روايات، منها: رواية علي بن يقطين التي تقدمت، و رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها، قال: ان أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثمَّ يمسها ان شاء» «4» و التوفيق بينهما بالكراهية.

______________________________
(1) البقرة: 222.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 27 ح 5 ص 573.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 27 ح 7 ص 574.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 27 ح 1 ص 572.

236
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: واذا حاضت بعد دخول الوقت فلم تصل، مع الإمكان قضت، ؛ ج‌1، ص : 237

مسئلة: واذا حاضت بعد دخول الوقت فلم تصل، مع الإمكان قضت،

و كذا لو أدركت من آخر الوقت قدر الطهارة و الصلاة وجبت أداء، و بالإهمال قضاء، و ضابط هذا انها إذا أدركت من أول وقت الظهر أربع ركعات وجبت الظهر، و لو أهملت وجب قضاؤها، و لو أدركت دون أربع ركعات لم يلزمها الظهر، فإذا أدركت من آخر النهار ما تصلي ففيه ثماني ركعات وجبت الصلاتان، و لو أدركت قدر أربع ركعات وجبت العصر و لم يجب الظهر، و يستحب الصلاتان لو طهرت قبل الغروب، و كذا يستحب المغرب و العشاء لو طهرت قبل الفجر.

و قال في الخلاف: إذا أدركت من آخر الوقت خمس ركعات وجبت الصلاتان، و كذا البحث في المغرب و العشاء. و لو أدركت قبل طلوع الشمس ركعة لزمها الصبح، و قال في المبسوط: يستحب لها قضاء الظهر و العصر إذا طهرت قبل الغروب بمقدار ما تصلي خمس ركعات، و لو لحقت ركعة لزمها العصر.

و قال علم الهدى في المصباح: إذا رأت الطهر في وقت العصر فليس عليها صلاة الظهر الماضية، و متى رأت طهرا في وقت صلاة ففرطت حتى يدخل وقت أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة الماضية، اللهم الا أن يكون دخول الثاني و مضي وقت الاولى لم يكن عن تفريط منها، بل متشاغلة بالتأهب للغسل على وجه لا بد منه فلا قضاء عليها للصلاة الماضية، بل تصلي الصلاة الحاضر وقتها. و ضابط ما نقول انه لا يجب القضاء إلا إذا تمكنت من الغسل و أهملت.

و قال الشافعي و أحمد و مالك: إذا طهرت قبل الغروب لزمها الفريضتان، و لو طهرت قبل الفجر لزمها المغرب و العشاء، لما رواه الأثرم و ابن المنذر بإسنادهما.

عن عبد الرحمن بن عوف، و عبد اللّه بن عباس «انهما قالا في الحائض: تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب و العشاء، و إذا ظهرت قبل غروب الشمس صلت‌

237
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: واذا حاضت بعد دخول الوقت فلم تصل، مع الإمكان قضت، ؛ ج‌1، ص : 237

الظهر و العصر جميعا» «1».

و عن أحمد ان القدر الذي يتلعق به الوجوب ادراك تكبيرة الإحرام، و عن الشافعي قدر ركعة، لأنه القدر الذي روي عن عبد الرحمن و ابن عباس. لنا ان التكليف بالفعل يستدعي وقتا يتسع له فمع قصوره يجب السقوط، و الا لزم التكليف بما لا يطاق، و مع سقوط الوجوب أداء يسقط قضاء.

و يؤيده من طريق الأصحاب ما رواه علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا رأت المرأة الطهر و هي في وقت الصلاة ثمَّ أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، و إذا طهرت في وقت الصلاة فأخرت الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى ثمَّ رأت دما كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها» «2».

و عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أيما امرأة رأت الطهر و هي قادرة على أن تغتسل وقت الصلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة و دخل وقت أخرى فليس عليها قضاء، و تصلي الصلاة التي دخل وقتها» «3».

و روى معمر بن يحيى قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلي الاولى؟ قال لا انما تصلي الصلاة التي تطهر عندها» «4» و روى منصور‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 387 (مع تفاوت).

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 4 ص 599.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 1 ص 598.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 3 ص 599.

238
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: واذا حاضت بعد دخول الوقت فلم تصل، مع الإمكان قضت، ؛ ج‌1، ص : 237

ابن حازم عن أبي عبد اللّه قال: «إذا طهرت قبل العصر صلت الظهر و العصر، و ان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر» «1».

و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المرأة تقوم في وقت و لا تقضي ظهرها حتى تفوتها الصلاة و يخرج الوقت أ تقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال: ان كانت توانت قضتها و ان كانت دائبة في غسلها فلا تقضي» «2» و عن أبيه قال: «كانت المرأة من أهله تطهر من حيضها فتغتسل حتى يقول القائل: قد كادت الشمس تصفر بقدر ما انك لو رأيت إنسانا يصلي العصر تلك الساعة، قلت: قد فرط، فكان يأمرها أن تصلي العصر» «3».

و ما ذكره الجمهور، من قصة عبد الرحمن و ابن عباس لا حجة فيه، لجواز أن يكونا قالاه اجتهادا على انا نحمل ذلك على الاستحباب. و قد روي في أخبار أهل البيت عليهم السّلام ما يماثله، روى علي بن الحسن بن فضال، بإسناده، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب و العشاء، و ان طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر و العصر» «4».

و في رواية أخرى عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثل ذلك، و مثله عن عمر بن حنظلة. قال الشيخ في التهذيب: الذي أعول عليه ان المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس قبل أن تمضي منه أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء الظهر و العصر و ان طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام يجب عليها قضاء العصر لا غير، و يستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها الى مغيب الشمس.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 6 ص 599.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 8 ص 599.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 9 ص 600.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 7 ص 599.

239
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و تغتسل«الحائض» كاغتسال الجنب، ؛ ج‌1، ص : 240

و تعويل الشيخ (ره) في الاقدام على رواية «الفضل بن يونس» و هو واقفي، لكن هذا القول يدلك على ان وقت المختار عنده إلى أربعة أقدام، ثمَّ يخرج وقت الظهر لمن لا عذر له، و قد يتضح من هذا انه لا يوجب على الحائض قضاء صلاة إلا مما طهرت في وقتها و فرطت في الإتيان بها، ثمَّ الذي تبيّن من هذه الأحاديث ان المرأة إذا أدركت من وقت الصلاة قدر الغسل و الشروع في الصلاة فأخرته حتى دخل وقت أخرى لزمها القضاء و لو قيل بذلك، كان مطابقا لمدلولها، نعم لا تقضي من الصلوات إذا رأت، إلا ما تمكنت من أدائها في حال طهرها و أهملته.

مسئلة: و تغتسل «الحائض» كاغتسال الجنب،

أما وجوب غسلها فعليه إجماع المسلمين، و قد سلف بيانه، و يدل عليه أيضا قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ «1» على من قرء بالتضعيف، و أما كونه مثل غسل الجنابة فقد روى ذلك الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة؟

قال نعم» «2».

و مثله روى أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. و عن الحسن الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تغتسل بتسعة أرطال من ماء» «3» و قد بينا انه يجب عليها الاستبراء إذا انقطع دمها دون العاشر، و لا يجب لو انقطع على العاشر لما ثبت ان الحيض لا يكون أكثر من عشرة أيام، روى ذلك محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام.

و مثله روى سماعة عنه عليه السّلام قال: «فان خرج الدم لم تطهر، و ان لم يخرج فقد طهرت» «4» لا يقال: هذا يدل على وجوب الاستظهار إلى عشرة أيام و ان كانت‌

______________________________
(1) البقرة: 222.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 23 ح 5 ص 567.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 20 ح 1 ص 564.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 17 ح 4 ص 562.

240
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث:«غسل الاستحاضة» و دمها في الأغلب أصفر بارد رقيق ؛ ج‌1، ص : 241

عادتها أقل بدلالة إطلاق الرواية، لأنا نقول: هذا ليس بمناف لما قلناه من الاستظهار بيوم أو يومين، لأنه يمكن أن يكون ذلك إشارة إلى المبتدأة أو المتحيرة بدلالة الأحاديث الدلالة على جواز الاغتسال عند انقضاء قرؤها، و قد سلف.

و تجب فيه «النية» لأنه عبادة و تفتقر إلى النية و استدامة حكمها، و قد سلف تقرير ذلك في غسل الجنابة. و يجب أن تستوعب جسدها بما يسمى غسلا، لما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها» «1» و ان ترتبه على ما ذكرناه في غسل الجنابة.

و «المضمضة» و «الاستنشاق» فيه مستحبان، و في وجوب «الوضوء» فيه غسل الجنابة» «2» و عليه الأكثر، و عرق الحائض طاهر إذا لم يلاق النجاسة، و كذا لا ينجس ما تباشره من المائع، لما روي معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الحائض تناول الرجل الماء، فقال: كان نساء النبي صلى اللّه عليه و آله تسكب عليه الماء و هي حائض» «3» و لأن الأصل عدم النجاسة بالملاقاة.

و يؤيدها أيضا ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن الحائض تعرق في ثيابها أ تصلي فيها أن تغسلها؟ قال: نعم لا بأس به» «4».

الثالث: «غسل الاستحاضة» و دمها في الأغلب أصفر بارد رقيق

يدل على ذلك رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان دم الحيض حار عبيط أسود، له دفع، و دم الاستحاضة أصفر بارد» «5» و «الرقة» ذكره الشيخان، و انما‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 20 ح 2 ص 564.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الحيض باب 35 ح 2 ص 516.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 45 ح 1 ص 595.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 28 ح 4 ص 1041.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 2 ص 537.

241
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يعتبر دم المستحاضة: فإن لطخ باطن القطنة و لم يظهر عليها لزمها إبدالها، و الوضوء لكل صلاة، ؛ ج‌1، ص : 242

قلنا في الأغلب، لأنه قد يتفق الأصفر حيضا كما إذا رأته في العادة.

و انما قلنا: لكن ما تراه بعد عادتها مستمرا، أو بعد غاية النفاس، و عبد اليأس و قبل البلوغ، و مع الحمل، فهو استحاضة و لو كان عبيطا، لأنا لما قررنا وصف الاستحاضة و كانت في هذه المواطن مستحاضة، و ان كان دمها فيها أسود عبيطا افتقرنا الى استدراك الإطلاق، و انما اشترطنا في ذات العادة الاستمرار؟ لان دمها لو انقطع على العاشر كانت العادة و ما بعدها الى العاشر حيضا، و قد سلف تقرير ذلك كله، و إتمام يكون ما زاد على العادة حيضا إذا تجاوز أكثر الحيض.

و أما ان الدم في هذه المواطن استحاضة، فقد سلف تقريره. و انما قلنا عقيب قولنا و مع الحمل على الأشهر، لما بيّنا أو لا من أن الحامل المستبين حملها لا تحيض و ان فيه قولا آخر لجماعة من فقهائنا، لكن ما ذكرناه أشهر الروايتين لان الحيض يعول فيه على العادة، و رؤية الحامل الدم مع سلامة الولد نادرة فلا اعتبار به، نعم قد ترى الاستحاضة لأنه مرض لا اختصاص له بموضع الولد.

مسئلة: يعتبر دم المستحاضة: فإن لطخ باطن القطنة و لم يظهر عليها لزمها إبدالها، و الوضوء لكل صلاة،

أما إبدالها: فلأنها نجاسة يمكن الاحتراز منها فيجب و أما الوضوء لكل صلاة: فهو مذهب الخمسة. و قال ابن أبي عقيل: لا يجب في هذه الحالة وضوء و لا غسل، و مثله مذهب مالك. و قال أبو حنيفة: تتوضأ لوقت كل صلاة.

لنا ما رواه أبو داود الترمذي عن النبي صلى اللّه عليه و آله في المستحاضة «تدع الصلاة أيام أقرائها ثمَّ تغتسل و تصوم و تصلي و تتوضأ عند كل صلاة» «1» و من طريق الأصحاب روايات، منها: ما رواه حماد بن عيسى و محمد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المستحاضة إذا جاوزت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف‌

______________________________
(1) سنن الترمذي ج 1 ص 220.

242
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ان غمس القطنة و لم يسل لزمها مع الوضوء، ؛ ج‌1، ص : 243

اغتسلت للظهر و العصر، تؤخر هذه و تعجل هذه، و للمغرب و العشاء غسلا، تؤخر هذه و تعجل هذه، و تغتسل للفجر و تحتشي و تستثفر، و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلت كل صلاة بوضوء» «1».

و عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «فان لم يجز الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة و الوضوء لكل صلاة، هذا إذا كان دمها عبيطا، و ان كان صفرة فعليها الوضوء» «2» و لان دمها حدث فيستبيح بالوضوء ما لا بد منه من الصلاة الواحدة.

و احتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله «انه قال: المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» «3» و جوابه: المعارضة بما رويناه و الترجيح لروايتنا، لأنها مفسرة لا إجمال فيها.

و لو قيل: روي في بعض أخبار أهل البيت مثل اختيار أبو حنيفة، روى ذلك الحسين بن نعيم الصحاف، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا لم ينقطع الدم عنها فقد مضى الأيام التي كانت ترى فيها بيوم أو يومين فلتغتسل و لتحتشي و لتستثفر و لتصلي الظهر و العصر و لتنظر، و ان كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة» «4» قلنا: هذا ليس بمناف لما اخترناه لان الوقت الذي ذكره ظرف للصلاة لا ظرف للوضوء.

مسئلة: و ان غمس القطنة و لم يسل لزمها مع الوضوء،

و تغيير الحشوة تغيير الخرقة و الغسل للغداء و الوضوء للصلاة الأربع، و هو مذهب شيخنا المفيد (ره) في المقنعة.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 6 ص 606.

(3) رواه الترمذي في سننه (عند كل صلاة) ج 1 ص 220.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 7 ص 606.

243
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ان غمس القطنة و لم يسل لزمها مع الوضوء، ؛ ج‌1، ص : 243

و قال الشيخ (ره) في النهاية: و ان رأت الدم و قد رشح على القطنة الا انه لم يسل، وجب عليها الغسل لصلاة الغداة و الوضوء لكل صلاة مما عداها و تغيير القطن و الخرقة. و بمعناه قال في المبسوط و الخلاف. و كذا قال علم الهدى (ره) في المصباح و ابنا بابويه، و قال ابن الجنيد في المختصر: ان ثقب دمها تغتسل ثلاثة أغسال، و التي لا يثقب دمها الكرسف تغتسل في اليوم و الليلة مرة واحدة.

و قال ابن أبي عقيل: ان لم يظهر على الكرسف فلا وضوء عليها و لا غسل، و ان ظهر فعليها لكل صلاتين غسل يجمع بين الظهر و العصر بغسل و بين المغرب و العشاء بغسل، و تفرد الفجر بغسل. و الكلام معه إذا في فعلين أحدهما: إذا لم يظهر على القطنة لأنها عندنا يجب الوضوء و عنده لا يجب، و الثاني: إذا ظهر، عنده يجب ثلاثة أغسال، و عندنا غسل واحد للصبح، و الثلاثة تجب لو ظهر و سال، أما الأول فقد سلف. و أما الثاني فلما رواه الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قلت له: «النفساء متى تصلي؟ قال: تقعد قدر حيضها و تستظهر بيومين، فان انقطع الدم و الا اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلت، فان جاز الدم تعصبت و اغتسلت ثمَّ صلت الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و المغرب و العشاء بغسل، و ان لم يجز الكرسف صلت الغداة بغسل واحد» «1».

و ما رواه سماعة قال: «المستحاضة إذا ثقبت دمها الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا، فان لم يجز الدم فعليها الغسل كل يوم مرة و الوضوء لكل صلاة» «2».

فإن احتج بما رواه الحسين بن سعيد، عن القسم، عن أبان، عن إسماعيل الجعفي قال: «المستحاضة تقعد أيام قرئها ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين، فان لم تر الطهر‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 5 ص 605.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 6 ص 606.

244
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ان سال لزمها ثلاثة أغسال، ؛ ج‌1، ص : 245

اغتسلت و احتشت و لا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف، فاذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف» «1» و الجواب: الطعن في السند، فان القسم ابن محمد واقفي، و أبان بن عثمان ضعيف، ذكر ذلك الكشي.

و اعلم: ان الطعن كما يتطرق الى هذه فالروايتان الأوليان أيضا كذلك، فإن رواية زرارة المفتي فيها مجهول فلعله ممن لا يجب اتباع قوله، و لو قيل: هذا تقدير لا يساعد عليه النظر، و زرارة على صفة العدالة فلا يقول الا توفيقا.

قلنا: هو لم يفت و انما أخبر و لا عهدة على المخبر إذا حكى القول و ان لم يعلم صدقه، و الأخرى عن عثمان بن عيسى و هو واقفي، و سماعة كذلك، و مع ذلك فالرواية مرسلة لا نعلم القائل فيها، فاذن يتعين التوقف، و الذي ظهر لي أنه ان ظهر الدم على الكرسف وجب ثلاثة أغسال، و ان لم يظهر لم يكن عليها غسل و كان عليها الوضوء لكل صلاة، و ستأتي الأخبار الدالة على ذلك، منها:

ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضيل بن شاذان، عن حماد بن عيسى و ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المستحاضة إذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر تؤخر هذه و تعجل هذه، و للمغرب و العشاء غسلا، و تغتسل للفجر و تحتشي و تستثفر و لا تحتشي و تضم فخذيها في المسجد، و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلت كل صلاة بوضوء» «2».

مسئلة: و ان سال لزمها ثلاثة أغسال،

هذا متفق عليه عند علمائنا، و اختلف الجمهور: فالشاذ قال: بالغسل و منهم من اقتصر على الوضوء، و منهم من لم يعده ناقضا.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 10 ص 607.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.

245
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ان سال لزمها ثلاثة أغسال، ؛ ج‌1، ص : 245

لنا ما علي إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «انه قال لحمنة بنت جحش: تحيضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام، ثمَّ اغتسلي غسلا و صومي ثلاثا و عشرين أو أربعا و عشرين ليلة، و اغتسلي للفجر غسلا، و اخرى الظهر و عجلي العصر، و اغتسلي غسلا، و اخرى المغرب و عجلي العشاء و اغتسلي غسلا» «1» و روى الجمهور أيضا:

انه عليه السّلام أمر بذلك حمنة، و سهلة بنت سهيل.

و روى الحسين بن نعيم الصحاف، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الحامل قال:

إذا لم ينقطع الدم الا بعد الأيام التي كانت ترى فيها الدم بيوم أو يومين فتغتسل و تحتشي و تستثفر و تصلي الظهر و العصر، ثمَّ لتنظر فان كان الدم ما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصلي عند وقت كل صلاة، و ان كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فان عليها أن تغتسل في كل يوم و ليلة ثلاث مرات و تحتشي و تصلي، تغتسل للفجر و تغتسل للظهر و العصر، و تغتسل للمغرب و العشاء» «2».

و روى فضيل و زرارة عن أحدهما قال: «المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها و تحتاط بيوم أو يومين ثمَّ تغتسل كل يوم و ليلة ثلاث مرات، و تحتشي لصلاة الغداة، و تغتسل و تجمع بين الظهر و العصر بغسل، و تجمع بين المغرب و العشاء بغسل، فاذا حلت لها الصلاة حل لزوجها أن يغشاها» «3».

ثمَّ اختلف الأصحاب: فقال المفيد (ره) في المقنعة: يصلي بوضوئها و غسلها الظهر و العصر معا على الاجتماع، و تفعل مثل ذلك في المغرب و العشاء، و تفعل مثل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 3 ص 547.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 7 ص 606.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 12 ص 608.

246
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ان سال لزمها ثلاثة أغسال، ؛ ج‌1، ص : 245

ذلك لصلاة الليل و الغداة. و اقتصر الشيخ (ره) في النهاية و المبسوط على الأغسال.

و كذا علم الهدى، و ابنا بابويه، و ظن غالط من المتأخرين: انه يجب على هذه مع الأغسال وضوء، مع كل صلاة، و لم يذهب الى ذلك أحد من طائفتنا، و ربما يكون غلطه لما ذكره الشيخ (ره) في المبسوط و الخلاف: «ان المستحاضة، لا تجمع بين فرضين بوضوء. فظن انسحابه على مواضعها، و ليس على ما ظن، بل ذلك مختص بالموضع الذي يقتصر فيه على الوضوء.

و الذي اختاره المفيد (ره) هو الوجه، و هو لازم للشيخ أبي جعفر، لان عنده:

كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة، و إذا كان المراد بغسل الاستحاضة الطهارة، لم يحصل المراد به الا مع الوضوء.

أما علم الهدى فلا يلزمه ذلك، لان الغسل عنده يكفي عن الوضوء فلا يلزمه اضافة الوضوء الى الغسل هنا، و يحتج بما رواه معاوية، و قد قدمنا خبره، و بما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الطامث تقعد بعدد أيامها، كيف تصنع؟ قال:

تستظهر بيوم أو يومين، ثمَّ هي مستحاضة فلتغتسل و لتستوثق من نسفها و تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفد الدم، فاذا نفد اغتسلت، و صلت» «1» و هذا التفصيل دليل قطع الشركة.

و جوابنا: ان إيجاب الأغسال ليس بمانع من إيجاب الوضوء مع كل غسل و بتقدير أن لا يكون مانعا يسلم قوله عليه السّلام «كل يغسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة» «2» و مع سلامته، تناول موضع لنزاع.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 9 ص 607.

(2) و هذه العبارة عبارة الشيخ المتقدم فانظر فذكره لما فيه من معنى الرواية.

247
المعتبر في شرح المختصر1

فرع قال بعض المتأخرين: إذا اجتمع عليها الوضوء و الغسل توضأت للاستباحة و اغتسلت لرفع الحدث ؛ ج‌1، ص : 248

فرع قال بعض المتأخرين: إذا اجتمع عليها الوضوء و الغسل توضأت للاستباحة و اغتسلت لرفع الحدث

، تقدم الوضوء، أو تأخر، لان على تقدير التقديم يكون حدثها باقيا فلا يصح وضوءها لرفع الحدث، لان حدثها باق ببقاء الغسل، و على تقدير تأخر الوضوء يكون الحدث مرتفعا بالغسل، و هو فرق ضعيف، لان الوضوء و الغسل ان كانا شريكين في رفع حدث الاستحاضة فهما سواء في النية، و ان كان كل واحد منهما يجب بسبب غير الأخر، فلكل واحد أثر في رفع الحدث المختص به.

مسئلة: و إذا فعلت صارت طاهرا

، مذهب علمائنا أجمع: إن الاستحاضة حدث، تبطل الطهارة بوجوده، فمع الإتيان بما ذكره من الوضوء ان كان قليلا، أو الاغتسال ان كان كثيرا، يخرج عن حكم الحدث لا محالة، و يجوز لها استباحة كل ما تستبيحه الطاهر من الصلاة، و الطواف، و دخول المساجد، و حل وطؤها، و لو لم تفعل ذلك كان حدثها باقيا، و لم يجز أن تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة.

و لو صامت، و الحال هذه قال في المبسوط: روى أصحابنا ان عليها القضاء، و هل يحرم على زوجها وطؤها؟ أومأ الأصحاب الى ذلك و لم يصرحوا، و معنى ما قالوه:

و يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. قاله ابن الجنيد، و بمعناه قال المفيد في المقنعة، و علم الهدى في المصباح، و الشيخ في النهاية و المبسوط و الجمل، و لا ريب أنها إذا فعلت ما يجب عليه، حل للزوج وطؤها، أما لو أخلت فهل تحرم؟ فيه تردد: و المفيد (ره) يقول: و لا يجوز لزوجها وطؤها، إلا بعد فعل ما ذكرناه من نزع الخرق، و غسل الفرج بالماء.

و الظاهر انه لا يشترط في زوال التحريم غير ذلك، و الأقرب ان المنع على الكراهية المغلظة، لأنه دم مرض و أذى، فالامتناع فيه عن الزوجة أولى، و يدل على‌

248
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و إذا فعلت صارت طاهرا ؛ ج‌1، ص : 248

فرع قال بعض المتأخرين: إذا اجتمع عليها الوضوء و الغسل توضأت للاستباحة و اغتسلت لرفع الحدث

، تقدم الوضوء، أو تأخر، لان على تقدير التقديم يكون حدثها باقيا فلا يصح وضوءها لرفع الحدث، لان حدثها باق ببقاء الغسل، و على تقدير تأخر الوضوء يكون الحدث مرتفعا بالغسل، و هو فرق ضعيف، لان الوضوء و الغسل ان كانا شريكين في رفع حدث الاستحاضة فهما سواء في النية، و ان كان كل واحد منهما يجب بسبب غير الأخر، فلكل واحد أثر في رفع الحدث المختص به.

مسئلة: و إذا فعلت صارت طاهرا

، مذهب علمائنا أجمع: إن الاستحاضة حدث، تبطل الطهارة بوجوده، فمع الإتيان بما ذكره من الوضوء ان كان قليلا، أو الاغتسال ان كان كثيرا، يخرج عن حكم الحدث لا محالة، و يجوز لها استباحة كل ما تستبيحه الطاهر من الصلاة، و الطواف، و دخول المساجد، و حل وطؤها، و لو لم تفعل ذلك كان حدثها باقيا، و لم يجز أن تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة.

و لو صامت، و الحال هذه قال في المبسوط: روى أصحابنا ان عليها القضاء، و هل يحرم على زوجها وطؤها؟ أومأ الأصحاب الى ذلك و لم يصرحوا، و معنى ما قالوه:

و يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. قاله ابن الجنيد، و بمعناه قال المفيد في المقنعة، و علم الهدى في المصباح، و الشيخ في النهاية و المبسوط و الجمل، و لا ريب أنها إذا فعلت ما يجب عليه، حل للزوج وطؤها، أما لو أخلت فهل تحرم؟ فيه تردد: و المفيد (ره) يقول: و لا يجوز لزوجها وطؤها، إلا بعد فعل ما ذكرناه من نزع الخرق، و غسل الفرج بالماء.

و الظاهر انه لا يشترط في زوال التحريم غير ذلك، و الأقرب ان المنع على الكراهية المغلظة، لأنه دم مرض و أذى، فالامتناع فيه عن الزوجة أولى، و يدل على‌

248
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و إذا فعلت صارت طاهرا ؛ ج‌1، ص : 248

رفع الخطر، قوله وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ (يعني من المحيض) فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ «1» يريد اغتسلن من الحيض، و قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ «2».

و يؤيد ما ذكرناه من الحديث، ما رواه الجمهور: «ان حمنة بنت جحش كانت مستحاضة، و كان زوجها يجامعها، و كانت أم حبيبة، تستحاض و كان زوجها يجامعها» «3».

و من طريق الأصحاب ما رواه عبد اللّه بن سنان: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سمعته يقول: المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها إلا أيام قرئها» «4» و لان الوطي لا يشترط فيه خلو الموطوءة من الحدث، كالحائض إذا انقطع دمها، و المرأة الجنب، و لأن الأصل الحل، و هو سليم عن المعارض الشرعي فيعمل به.

و لو قيل: ما ذكرتموه من الأحاديث دال على جواز وطئ المستحاضة، و نحن نقول به، لكن مع فعل ما يجب عليها فما المانع أن يكون ما تضمنته من جواز الوطي مشروطا بذلك؟ قلنا: الألفاظ مطلقا، و الأصل عدم الاشتراط.

فان احتج بما رواه زرارة قال: «المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها و تستظهر بيوم أو يومين، و إذا حلت لها الصلاة حل لزوجها وطؤها» «5» و في «إذا» معنى الشرط، فينتفي حل الوطي عند انتفاء حل الصلاة، و بما رواه عبد الملك ابن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟

______________________________
(1) البقرة: 222.

(2) المؤمنون: 5- 6.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 329 (مع تفاوت).

(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 24 ح 2 ص 567.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 12 ص 608.

249
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء، ؛ ج‌1، ص : 250

فقال: ينظر للأيام التي كانت تحيض فيها فلا يقربها، و يغشاها فيما سوى ذلك، و لا يغاشها حتى يأمرها فتغتسل ثمَّ يغشاها ان أراد» «1» و لأن الاستحاضة أذى و مرض، فيحرم الوطي فيها، لان المنع في زوال الحيض لكونه أذى كما قال تعالى قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ «2».

فالجواب: قوله: و إذا حلت لها الصلاة حل لزوجها وطئها، الظاهر ان الحيض لما كان مانعا من الصلاة، كان حل الصلاة بالخروج من الحيض، كما يقال: لا يحل الصلاة في الدار المغصوبة، فإذا خرجت حل، معناه زال المنع الغصبي، و ان كان بعد الخروج يفتقر إلى الطهارة، و هذا و ان لم يكن معلوما فإنه محتمل، و مع الاحتمال لا يكون دليلا، و الرواية الثانية يحتمل أن يكون الأمر بالاغتسال إشارة إلى غسل الحيض، و هو الظاهر، لأنه اقتصر على مجرد الغسل.

مسئلة: و لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء،

و هكذا ذكره الشيخ (ره) في المبسوط، و هو اختيار الشافعي، و أجازه أبو حنيفة. لأن وضؤها لوقت الصلاة، فإذا توضأت في وقت الظهر جاز أن تصلي في ذلك الوقت ما شاءت، و على ما قاله المفيد يجوز أن تصلي بكل وضوء صلاتين، كما تغتسل لهما غسلا واحدا ما ذكره الشيخ يريد إذا كانت الاستحاضة قليلة، توجب الوضوء أو متوسطة، أما إذا كانت كثيرة فإنه لا يوجب مع الاغتسال وضوءا، فلا يكون مثل ذلك مرادا من لفظه.

مسئلة: و عليها «الاستظهار» في منع الدم من التعدي بقدر الإمكان

، و كذا يلزم من به السلس، و البطن، أما وجوب منع الدم: فيما سلف من الأحاديث الدالة على وجوب الاحتشاء، من ذلك: رواية معاوية بن عمار قال: «تحتشي و تستثفر» «3».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 3 ح 1 ص 609.

(2) البقرة: 222.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.

250
المعتبر في شرح المختصر1

فرع و لا يجب على من به السلس أو جرح لا يرقى، أن يغير الشداد عند كل صلاة ؛ ج‌1، ص : 251

و في رواية زرارة قال: «تستظهر بعد عادتها، ثمَّ هي مستحاضة فلتغسل و تستوثق من نفسها» «1» و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سئل عن تقطير البول قال: يجعل خريطة إذا صلى» «2» و لان كل واحد مما ذكر نجاسة، فيجب الاحتراز منها بقدر الإمكان.

و في رواية حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم، إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثمَّ علقه عليه و أدخل ذكره فيه ثمَّ صلى، يجمع بين صلاتي الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء بأذان و إقامتين، و يفعل ذلك في الصبح» «3».

فرع و لا يجب على من به السلس أو جرح لا يرقى، أن يغير الشداد عند كل صلاة

، و ان وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل، و التعدي قياس.

الرابع: «غسل النفاس»:

«النفاس» هو الدم الخارج من الرحم عقيب الولادة، و هو مأخوذ من تنفس الرحم بالدم، يقال: نفست المرأة، و نفست بضم النون و فتحها، و في الحيض بفتح النون لا غير، و الولد منفوس، و من الحديث «لا يرث المنفوس حتى يستهل صالحا» «4» و لا يكون نفاس الا مع الدم و لو ولدت تاما، و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و للشافعي قولان.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 9 ص 607.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 5 ص 211.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 1 ص 210.

(4) الوسائل ج 17 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه باب 7 ح 1 و 2 و 5 (مع تفاوت).

251
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع:«غسل النفاس»: ؛ ج‌1، ص : 251

و في رواية زرارة قال: «تستظهر بعد عادتها، ثمَّ هي مستحاضة فلتغسل و تستوثق من نفسها» «1» و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سئل عن تقطير البول قال: يجعل خريطة إذا صلى» «2» و لان كل واحد مما ذكر نجاسة، فيجب الاحتراز منها بقدر الإمكان.

و في رواية حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم، إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثمَّ علقه عليه و أدخل ذكره فيه ثمَّ صلى، يجمع بين صلاتي الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء بأذان و إقامتين، و يفعل ذلك في الصبح» «3».

فرع و لا يجب على من به السلس أو جرح لا يرقى، أن يغير الشداد عند كل صلاة

، و ان وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل، و التعدي قياس.

الرابع: «غسل النفاس»:

«النفاس» هو الدم الخارج من الرحم عقيب الولادة، و هو مأخوذ من تنفس الرحم بالدم، يقال: نفست المرأة، و نفست بضم النون و فتحها، و في الحيض بفتح النون لا غير، و الولد منفوس، و من الحديث «لا يرث المنفوس حتى يستهل صالحا» «4» و لا يكون نفاس الا مع الدم و لو ولدت تاما، و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و للشافعي قولان.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 9 ص 607.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 5 ص 211.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 1 ص 210.

(4) الوسائل ج 17 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه باب 7 ح 1 و 2 و 5 (مع تفاوت).

251
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: ثم لا يكون الدم نفاسا حتى تراه بعد الولادة أو معها ؛ ج‌1، ص : 252

لنا ان النفاس هو الدم المخصوص و لم يوجد، و لأن الأحكام المتعلقة بالنفاس كتحريم الوطي، و إيجاب الغسل، منفية بالبراءة الأصلية فيثبت في موضع الدليل.

مسئلة: ثمَّ لا يكون الدم نفاسا حتى تراه بعد الولادة أو معها

، هذا مذهب الشيخين، قال في الخلاف: و ما يخرج مع الولادة عندنا نفاس، و كذا قال في المبسوط، و قال علم الهدى في المصباح: النفاس هو الدم الذي تراه المرأة عقيب الولادة و هو اختيار أبي حنيفة. و التحقيق ان ما تراه مع الطلق ليس بنفاس، و كذا ما تراه عند الولادة قبل خروج الولد، أما ما يخرج بعد ظهور شي‌ء من الولد فهو نفاس، لان ما قبل ذلك هي حامل، و دم الحامل استحاضة على ما بيناه.

و يؤيد ذلك ما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في المرأة يصبها الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما، قال: تصلي ما لم تلد، فان غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصلي [تصليها]، فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر» «1» و هذه و ان كان سندها فطحية، لكنهم ثقات في النقل، و لا معارض لها.

و يؤيدها الأصل، و روى السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: «ما جعل اللّه حيضا مع حبل» «2» يعني إذا رأت الدم و هي حامل، لا تدع الصلاة، الا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق، و رأت الدم تركت الصلاة و «السكوني» عامي، لكنه ثقة، و لا معارض لروايته هذه، و لو وضعت مضغة كان كما لو وضعت جنينا، لأنه دم جاء عقيب وضع حمل، أما العلقة و النطفة فلا يتعين معهما الحمل، فيكون حكمه حكم دم الحائض.

مسئلة: و لا حد لأقله، و في أكثره روايات: أشهرها انه لا يزيد عن أكثر الحيض،

أما ان الأقل لا حد له، فهو مذهب أهل العلم، خلا محمد بن الحسن،

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 4 ح 1 ص 618.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 4 ح 2 ص 618.

252
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا حد لأقله، و في أكثره روايات: أشهرها انه لا يزيد عن أكثر الحيض، ؛ ج‌1، ص : 252

فقد حكي انه حده بساعة، و عن أحمد: أقله يوم، و ليس شيئا، لأن الشرع لم يقدره فيرجع الى الوجود و قد حكي: ان امرأة ولدت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فلم تر دما فسميت الجفوف. و أما ان أكثره لا يزيد عن أكثر الحيض، هو مذهب الشيخ في المبسوط و النهاية و الجمل، و علي بن بابويه، و للمفيد قولان:

أحدهما كما قلناه، و الأخر: ثمانية عشر يوما، و هو اختيار علم الهدى، و ابن الجنيد، و أبي جعفر بن بابويه في كتابه، و قال ابن أبي عقيل في كتاب المستمسك:

أيامها عند آل الرسول صلى اللّه عليه و آله أيام حيضها، و أكثره أحد و عشرون يوما، فان انقطع دمها في أيام حيضها صلت و صامت، و ان لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما، ثمَّ استظهرت بيوم أو يومين، فان كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام ثمَّ اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلت.

و قد روى ذلك البزنطي في كتابه، عن جميل، عن زرارة، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، و قال الشافعي و مالك: «ستون يوما» و قال أبو حنيفة و أحمد:

«أربعون يوما».

لنا مقتضى الدليل لزوم العبادة ترك العمل به في العشرة إجماعا، فيعمل به فيما زاد، و لان النفاس حيضة حبسها الاحتياج الى غذاء الولد فانطلاقها باستغنائه عنها، و أقصى الحيضة عشرة. و يؤيد ذلك النقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السّلام منه ما رواه الفضيل و زرارة، عن أحدهما قال: «النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها، التي كانت تمكث فيها، ثمَّ تغتسل و تعمل ما تعمله المستحاضة» «1».

و مثله روى يونس بن يعقوب، و روى مالك بن أعين قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها؟ قال: نعم إذا مضى لها منذ وضعت بقدر عدة أيام حيضها، ثمَّ تستظهر بيوم، و لا بأس أن يغشاها زوجها بعد أن يأمرها‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 1 ص 611.

253
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا حد لأقله، و في أكثره روايات: أشهرها انه لا يزيد عن أكثر الحيض، ؛ ج‌1، ص : 252

فتغتسل ثمَّ يغشاها ان أراد» «1».

احتج المرتضى برواية محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النفساء كم تقعد؟ فقال: ان أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن تغتسل لثماني عشرة ليلة» «2» و عن محمد أيضا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام كم تقعد النفساء حتى تصلي؟ قال: ثمانية عشر يوما، و سبعة عشر ثمَّ تغتسل و تحتشي و تصلي» «3».

و الجواب: انما ذكرناه أرجح، لأن النقل به أكثر، و الكثرة أمارة الرجحان، و لأنه أحوط للعبادة و أشبه بمقتضى الدليل، و لان الخبر الأول لا يدل على تقدير المدة، و غاية اتفاق السؤال و الجواب عند انقضاء ثمانية عشر، و الاتفاق لا يدل على التحديد.

و قد روي ما يدل على أن ذلك اتفاق لا تقدير، زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«ان أسماء نفست بمحمد بن أبي بكر، فأهلت بالحج، فلما قدموا و نسكوا المناسك، كان لها ثمانية عشر، فأمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن تطوف بالبيت و تصلي و لم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك» «4».

و أما ما ذكره ابن أبي عقيل فإنه متروك، و الرواية به نادرة، و كذا ما تضمنه بعض الأحاديث، من ثلاثين يوما، و أربعين، و خمسين، فإنه متروك لا عمل عليه، و قال أبو جعفر بن بابويه: الأخبار التي وردت في قعودها أربعين، و ما زاد الى أن تطهر معلولة كلها، و لا يفتي بها إلا أهل الخلاف.

و احتج أبو حنيفة بما روته أم سلمة قالت: «كانت النساء تجلسن على عهد النبي صلى اللّه عليه و آله أربعين يوما أو أربعين ليلة» «5» و في حديث أنس «وقت النفساء أربعون‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 7 ح 4 ص 612.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 15 ص 615.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 12 ص 614.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 19 ص 616.

(5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 341.

254
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يعتبر حالها عند انقطاعه قبل العشرة، فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت، ؛ ج‌1، ص : 255

ليلة» «1».

و الجواب عن الأول: ما ذكره أصحاب الحديث، من أنه لا يعرف الا من طريق «أبي سهل» فاذا كان كذا فانفراده به مطرق للتهمة، لأنه من الأمور العامة فاختصاصه به موهم، خصوصا و قد خفي عن مالك مع قرب عهده و عنايته بالنقل، و إنكاره له حجة قوية على ضعفه، و الحديث الثاني موقوف على «أنس» و نقل الفتوى منه، و لا يقال: ليس اليه التقدير فيكون قوله توفيقا.

لأنا نقول: بل يمكن أن يقوله اجتهادا فقد قال بعض الفقهاء: ان النفاس دم الحيض، و مدة احتباسه لأقل الحمل ستة أشهر، و غالب أحوال النساء في الحيض ستة أو سبعة، فإذا جعلنا شهرين ستة، كان اثني عشر، و أربعة أشهر سبعة، كان ثمانية و عشرون، و جملة ذلك أربعون.

فقد تبين ان ذلك مما يصح الاجتهاد فيه فلا يوثق بأنه قاله توفيقا، و ما ذكر من هذا التخريج ضعيف أيضا، لأن الدم لا يحتبس بل يغتذي به الولد ما دام حملا، و عند انفصاله يخرج ما كان يندفع اليه للتغذية، فيكون حيضة واحدة، و أما الشافعي:

فإنه تعلق بأقيسة ضعيفة، و القياس عندنا باطل، فلا نتشاغل بجوابه.

مسئلة: و يعتبر حالها عند انقطاعه قبل العشرة، فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت،

و الا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة، يدل على ذلك ان هذه المدة هي أكثر الحيض فيكون أكثر النفاس، لان النفاس حيضة.

و يؤيد ذلك ما رواه يونس بن يعقوب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر ما كانت ترى، قال: فلتقعد أيام قرئها، ثمَّ تستظهر بعشرة أيام، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند كل صلاة، و ان رأت صفرة فلتتوضأ ثمَّ لتصل» «2»

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 343.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 3 ص 612.

255
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 256

و لو قيل: قد رويتم انها تستظهر بيوم أو يومين، قلنا: هذا تختلف بحسب عوائد النساء، فمن عادتها تسع تستظهر في النفاس بيوم، و من عادتها ثمان تستظهر بيومين، و ضابطه: البقاء على حكم النفاس ما دام الدم مستمرا حتى يمضي لها العشرة ثمَّ تصبر مستحاضة.

فروع

أ: ما تراه بعد أكثر النفاس بحكم الطهر و لو أطبق صبيبا

، لان الحيض لا يتعقب النفاس ما لم يفصل بينهما طهر، و أقله عشرة.

ب: إذا رأته عقيب الولادة و لو لحظة فهو نفاس،

فان انقطع اغتسلت و صلت و صامت، و لو عاد قبل العاشر أو فيه كان العائد نفاسا و ما بينهما من النقاء نفاسا أيضا، و تقضي صومها ان كان واجبا، لأنه لا يكون الطهر أقل من عشرة، و لو لم تر إلا العاشرة مثلا كان ذلك هو النفاس دون ما قبله من النقاء، لان النفاس مشتق من تنفس الرحم بالدم و لم يحصل.

ج: لو لم تر دما حتى انقضى العاشر لم يكن لها نفاس

، لأنه لا دم، ثمَّ ان استمر ما رأته بعد العاشر ثلاثا فهو حيض، و ان رأته أقل فهو استحاضة، و لو عاد قبل العشرة الثانية ما يتم به ثلاثة فإن قلنا برواية يونس، كان الدم حيضا و ما بينهما أيضا، و ان اشترطنا توالي الثلاثة فهو استحاضة لفوات الشرط، و كذا لو رأت بعد العاشر ساعة دم و ساعة طهرا و اجتمع ثلاثة أيام في عشرة كان الدم حيضا على الرواية و ما يتخلله، و على القول الأخر هو استحاضة.

د: لو كانت عادتها في الحيض خمسة من كل شهر، و نفست عشرا

ثمَّ طهرت شهرا مرتين أو مرارا، ثمَّ استحيضت رجعت الى عادتها في الحيض و لم تغتسل بغير الطهر.

256
المعتبر في شرح المختصر1

ه: لو ولدت توأمين، فما بعد الثاني ابتدأ نفاس ؛ ج‌1، ص : 257

ه: لو ولدت توأمين، فما بعد الثاني ابتدأ نفاس

يستوفي العدة منه، لأنه دم تعقب ولادة، و فيما رأته بعد ولادة الأول تردد: منشأه انها حامل و لا حيض و لا نفاس مع حمل، و الأشبه أنه نفاس أيضا، لحصول مسمى النفاس فيه و هو ينفس الرحم به بعد الولادة فيكون لها نفاسان، فان استمر الثاني قعدت عشرة و لو كان ما بين الولادتين عشرة أو أكثر.

و: لا يرجع النفساء مع تجاوز الدم الى عادتها في النفاس،

و لا الى عادتها في الحيض، و لا إلى عادة نسائها، بل تجعل عشرة نفاسا و ما زاد استحاضة حتى يستوفي عشرة، و هو أقل الطهر، و في رواية: تجلس مثل أيام أمها و أختها و خالتها و تستظهر بثلثي ذلك، و الرواية ضعيفة، و السند شاذة.

مسئلة: و «النفساء» «كالحائض» فيما يحرم عليها و يكره،

كذا ذكره في المبسوط. و بمعناه قال في النهاية و الجمل، و هو مذهب أهل العلم لا أعلم فيه خلافا.

مسئلة: و غسلها واجب كغسل الحائض،

و هو مذهب العلماء كافة، و يؤيده الأحاديث التي سلفت في أكثر النفاس، و لا تستبيح النفساء الصلاة بمجرد الغسل بل لا بد معه من الوضوء، و الخلاف فيه كما مر في الحائض، و هي مخيرة في تقديم الوضوء على الغسل و تأخيره، و التقديم أفضل، و به قال الشيخ في المبسوط، و قال في الجمل بوجوب تقديم الوضوء في غسل الحائض و النفساء على الغسل. و كذا قال الراوندي في الرابع.

لنا رواية محمد بن أبي عمير، عن حماد أو غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في كل غسل وضوء الا غسل الجنابة» «1» و لا يمكن حمل لفظة «في» على ظاهرها، فتحمل على أقرب حروف الصفات احتمالا هنا، و هو «مع» و المعية يحتمل القبل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 ص 516.

257
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس:«في غسل الأموات» ؛ ج‌1، ص : 258

و البعد، و لان القدر المتفق عليه حصول الطهارة بهما، و مع تساويهما في التعبد و عدم النص على وجوب تقديم أحدهما يتحقق التخيير، و أما استحباب التقديم فبرواية ابن أبي عمير أيضا، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة» «1» و لا تقوى الرواية أن تكون حجة في الوجوب، فاقتصر على الاستحباب.

الخامس: «في غسل الأموات»

و النظر في أمور أربعة:

الأول: «الاحتضار»:

مسئلة: استقبال القبلة بالميت واجب على أحوط القولين

، هذا مذهب المفيد (ره) في المقنعة و سلار، لما روي عن علي عليه السّلام قال: «دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على رجل من ولد عبد المطلب و هو في السوق و قد وجه الى غير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة» «2» و روى معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الميت، قال: استقبل بباطن قدميه القبلة» «3».

و عن سليم بن خالد، عنه عليه السّلام قال: «إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل» «4» و لأنه مسنونة للمسلمين مستمرة بين الصحابة و التابعين و ظاهرها الوجوب. و قال الشيخ في الخلاف يستحب أن يستقبل بها القبلة. و هو مذهب الجمهور، خلا سعيد بن المسيب فإنه أنكره.

و اعلم: ان ما استدللنا به على الوجوب ضعيف، لان التعليل في الرواية كالقرينة الدالة على الفضيلة، مع انه أمر في واقعة معينة فلا يدل على العموم، و الاخبار‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 1 ص 516.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 6 ص 662.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 4 ص 662.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 2 ص 661.

258
المعتبر في شرح المختصر1

الأول:«الاحتضار»: ؛ ج‌1، ص : 258

و البعد، و لان القدر المتفق عليه حصول الطهارة بهما، و مع تساويهما في التعبد و عدم النص على وجوب تقديم أحدهما يتحقق التخيير، و أما استحباب التقديم فبرواية ابن أبي عمير أيضا، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة» «1» و لا تقوى الرواية أن تكون حجة في الوجوب، فاقتصر على الاستحباب.

الخامس: «في غسل الأموات»

و النظر في أمور أربعة:

الأول: «الاحتضار»:

مسئلة: استقبال القبلة بالميت واجب على أحوط القولين

، هذا مذهب المفيد (ره) في المقنعة و سلار، لما روي عن علي عليه السّلام قال: «دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على رجل من ولد عبد المطلب و هو في السوق و قد وجه الى غير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة» «2» و روى معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الميت، قال: استقبل بباطن قدميه القبلة» «3».

و عن سليم بن خالد، عنه عليه السّلام قال: «إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل» «4» و لأنه مسنونة للمسلمين مستمرة بين الصحابة و التابعين و ظاهرها الوجوب. و قال الشيخ في الخلاف يستحب أن يستقبل بها القبلة. و هو مذهب الجمهور، خلا سعيد بن المسيب فإنه أنكره.

و اعلم: ان ما استدللنا به على الوجوب ضعيف، لان التعليل في الرواية كالقرينة الدالة على الفضيلة، مع انه أمر في واقعة معينة فلا يدل على العموم، و الاخبار‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 1 ص 516.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 6 ص 662.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 4 ص 662.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 2 ص 661.

258
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: استقبال القبلة بالميت واجب على أحوط القولين ؛ ج‌1، ص : 258

و البعد، و لان القدر المتفق عليه حصول الطهارة بهما، و مع تساويهما في التعبد و عدم النص على وجوب تقديم أحدهما يتحقق التخيير، و أما استحباب التقديم فبرواية ابن أبي عمير أيضا، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة» «1» و لا تقوى الرواية أن تكون حجة في الوجوب، فاقتصر على الاستحباب.

الخامس: «في غسل الأموات»

و النظر في أمور أربعة:

الأول: «الاحتضار»:

مسئلة: استقبال القبلة بالميت واجب على أحوط القولين

، هذا مذهب المفيد (ره) في المقنعة و سلار، لما روي عن علي عليه السّلام قال: «دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على رجل من ولد عبد المطلب و هو في السوق و قد وجه الى غير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة» «2» و روى معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الميت، قال: استقبل بباطن قدميه القبلة» «3».

و عن سليم بن خالد، عنه عليه السّلام قال: «إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل» «4» و لأنه مسنونة للمسلمين مستمرة بين الصحابة و التابعين و ظاهرها الوجوب. و قال الشيخ في الخلاف يستحب أن يستقبل بها القبلة. و هو مذهب الجمهور، خلا سعيد بن المسيب فإنه أنكره.

و اعلم: ان ما استدللنا به على الوجوب ضعيف، لان التعليل في الرواية كالقرينة الدالة على الفضيلة، مع انه أمر في واقعة معينة فلا يدل على العموم، و الاخبار‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 1 ص 516.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 6 ص 662.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 4 ص 662.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 2 ص 661.

258
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و كيفية الاستقبال: أن يجعل باطن قدميه إلى القبلة و يلقى على ظهره، ؛ ج‌1، ص : 259

الأخر المنقولة عن أهل البيت ضعيفة السند لا يبلغ أن تكون حجة في الوجوب، فاذن ما ذكره الشيخ أولى، لأن استقبال القبلة في مواطن الأدعية و الاسترحام حسن على كل حال، و انما قلنا: أحوطهما الوجوب، لان معه يحصل احتياط في التعبد و استظهار في البراءة.

مسئلة: و كيفية الاستقبال: أن يجعل باطن قدميه إلى القبلة و يلقى على ظهره،

و هو مذهب علمائنا أجمع. و قال الشافعي: ان كان الموضع ضيقا كما قلناه، و ان كان واسعا أضجع على جنبه الأيمن و وجهه إلى القبلة كما يفعل به في الدفن. لنا ما رواه إبراهيم الشعيري، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يستقبل بوجهه القبلة و يجعل باطن قدميه مما يلي القبلة» «1».

مسئلة: و المسنون: نقله الى مصلاه، و تلقينه الشهادتين،

و الإقرار بالنبي صلى اللّه عليه و آله و بالأئمة عليهم السّلام و كلمات الفرج تلقينا لسهولة، روى عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا عسر على الميت موته و نزعه قرب الى المصلى الذي كان يصلي فيه» «2» و لان مواطن الصلاة مظنة الرحمة، و هو مقام استرحام.

روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا حضرت الميت قبل أن يموت، فلقنه شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله» «3» و روى أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لو أدركت عكرمة عند الموت لعلمته كلمات ينتفع بها، قلت:

جعلت فداك و ما تلك الكلمات؟ قال: هو ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة ألا إله إلا اللّه، و الولاية» «4» و روى زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كلام أبي جعفر مثل ذلك.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 3 ص 662.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 40 ح 1 ص 669.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 36 ح 1 ص 662.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 37 ح 2 ص 665.

259
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و أن يغمض«عيناه» و يطبق«فوه» إذا مات، و يغطى بثوب، ؛ ج‌1، ص : 260

و روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج، و هي: لا إله إلا اللّه الحكيم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السموات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما تحتهن و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين» «1».

و كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا حضر أحدا من أهل بيته الموت قال: «قل:

لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السموات السبع و رب الأرضين السبع و ما بينهما و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين فاذا قالها قال: اذهب فليس عليك بأس» «2» و لا تحرك و لا تقبض على شي‌ء من أعضائه إن حركها، و لا تظهر له الجزع عليه لئلا تضعف نفسه، فتكون اعانة على موته.

و تقرأ عنده القرآن، روى سليمان الجعفري قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام يقول لابنه القسم: قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك و الصافات صفا حتى تستتمها، فقرأ فلما بلغ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنٰا قضى الفتى فلما سجي و خرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت تقرء عنده (يس) فصيرت تأمر بالصافات، فقال: يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط الا عجل اللّه راحته» «3».

و قال أحمد بن حنبل: يستحب أن يقرأ عنده القرآن ليخفف عنه بقراءته، تقرأ (يس و فاتحة الكتاب) و كل ذلك حسن عندنا، و اعلم أن تلاوة القرآن مستحبة قبل خروج روحه ليسهل اللّه عليه الموت، و بعد خروجها استدفاعا عنه.

مسئلة: و أن يغمض «عيناه» و يطبق «فوه» إذا مات، و يغطى بثوب،

روى‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 38 ح 1 ص 666.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 38 ح 3 ص 666.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 41 ح 1 ص 670.

260
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و تمد يداه الى جنبيه و ساقاه ؛ ج‌1، ص : 261

أحمد مسندا عن سداد بن أوس قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إذا حضرتم موتاكم فاغمضوا البصر، فان البصر يتبع الروح، و قولوا خيرا، فإنه يؤمن على ما قاله أهل البيت عليهم السّلام» «1».

و روي انّ عمر قال لولده: إذا رأيت روحي قد بلغت لهاتي، فضع كفك اليمنى على جبهتي و اليسرى تحت ذقني و اغمضني. و لأنه لو لم يغمض و لم يطبق فوه و يرد على حاله قبح منظره، و من طريق الأصحاب ما رواه أبو كهمس قال:

«حضرت موت إسماعيل بن جعفر عليه السّلام و أبوه جالس عنده، فلما حضره الموت شد لحيته، و غمضه و غطى عليه الملحفة» «2» و مثله روى زرارة.

مسئلة: و تمد يداه الى جنبيه و ساقاه

ان كانتا منقبضين و لم يمتنعا، ذكر ذلك الشيخان و ابن الجنيد. و لم أعلم في ذلك نقلا عن أهل البيت عليهم السّلام، و لعل ذلك ليكون أطوع للغاسل و أسهل للدرج.

مسئلة: و يسرج عنده ان مات ليلا،

ذكر ذلك الشيخان في المبسوط و المقنعة و قد روى سهل بن زياد، عن عثمان بن عيسى، عن عدة من أصحابنا قال: «لما قبض أبو جعفر عليه السّلام أمر أبو عبد اللّه عليه السّلام بالسراج في البيت الذي يسكنه حتى قبض أبو عبد اللّه عليه السّلام ثمَّ أمر أبو الحسن عليه السّلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه عليه السّلام» «3» و «سهل» ضعيف و «عثمان بن عيسى» واقفي، و الرواية حكاية حال فهي ساقطة لكنه فعل حسن، قال الشيخان: يسرج عنده الى الصباح و هو حسن أيضا، لأن علة الإسراج غايتها الصباح.

مسئلة: و يكون عنده من يذكر اللّه سبحانه، و لا يترك وحده،

روى ذلك‌

______________________________
(1) سنن ابن ماجه ج 1 كتاب الجنائز ص 468.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 44 ح 3 ص 672.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 45 ح 1 ص 673.

261
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يعلم المؤمنون بموته، ؛ ج‌1، ص : 262

أبو خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس من ميت يموت و يترك وحده الا لعب الشيطان في جوفه» «1».

مسئلة: و يعلم المؤمنون بموته،

و هو اختيار الشيخ في المبسوط. و به قال أحمد. و قال الشيخ في الخلاف: فأما النداء فلا أعرف فيه نصا، و قال الشافعي يكره النداء، و قال أبو حنيفة لا بأس.

لنا ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «لا يموت منكم أحد إلا آذنتموني» «2» و عن ابن عمر، انه قال: لمانعي اليه رافع بن خديج قال: ما تريدون أن تصنعوا؟

قالوا: نحبسه حتى يرسل الى قبا و الى قريات بالمدينة ليشهدوا جنازته، قال: نعم.

و من طريق الأصحاب: ما رواه الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد، و عبد اللّه ابن سنان، جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته و يصلون عليه و يستغفرون له، فيكتب لهم الأجر و للميت الاستغفار و يكتسب هو الأجر بما اكتسب لهم» «3» و أقول: انه لا بأس بالنداء لما يتضمن من الفوائد المشارة إليها و خلوه من منع شرعي.

مسئلة: و يعجل تجهيزه الا مع الاشتباه

، المستحب: مع تحقق موته، تعجيله لأنه أحفظ له أن يتغير، و هو إجماع أهل العلم، لقوله عليه السّلام «لا ينبغي لجيفة المسلم أن تحبس بين ظهراني أهله» «4» و من طريق الأصحاب: ما روى السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلا في قبره» «5».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 42 ح 1 ص 671.

(2) رواه البيهقي في سننه مع تفاوت يسير ج 4 ص 48.

(3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 1 ح 1 ص 762.

(4) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 386.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 47 ح 5 ص 676.

262
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يكره أن يحضر الميت جنب أو حائض، ؛ ج‌1، ص : 263

و من طريق آخر عنه عليه السّلام، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس و لا غروبها عجلوا بهم الى مضاجعهم رحمكم اللّه» «1» و يجب التربص بهم مع الاشتباه حتى تظهر علامات الموت، وحده العلم، و هو إجماع لئلا يعاون على قتل المسلم، روى إسماعيل بن عبد الخالق قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: خمسة ينتظر بهم الا أن يتغيروا الغريق و المصعوق و المبطون و المهدوم و المدخن» «2».

و في رواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كيف يستبرأ الغريق؟ قال:

يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن الا أن يتغير، فيغسل و يدفن، و كذلك صاحب الصاعقة فربما ظن انه مات و لم يمت» «3» و كذا رواية هشام بن الحكم. و في رواية محمد ابن علي بن أبي حمزة «يتربص بالغريق و المصعوق ثلاثا الا أن يجي‌ء منه ريح تدل على موته، قلت: كأنك تخبرني بأنه دفن ناس كثير أحياء؟ فقال نعم دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلا في قبورهم» «4».

مسئلة: و المصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، هذا مذهب الأصحاب و رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل و يدفن» «5».

مسئلة: و يكره أن يحضر الميت جنب أو حائض،

انما أخرنا هذا الحكم و هو متقدم في الترتيب؟ لما وضعنا عليه قاعدة الكتاب من البدأة في كل قسم بالواجب و اتباعه بالندب و تأخير المكروه، فاقتضى ذلك تأخير هذا الحكم، و بكراهة ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 47 ح 1 ص 674.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 48 ح 2 ص 676.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 48 ح 3 ص 677.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 48 ح 5 ص 677.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 49 ح 1 ص 678.

263
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني الغسل ؛ ج‌1، ص : 264

قال أهل العلم. روى يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحضر الحائض الميت و لا الجنب عند التلقين، و لا بأس ان يليا غسله» «1».

و روى الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة قلت لأبي الحسن:

«المرأة تقعد عند رأس المريض و هي حائض في حد الموت؟ فقال لا بأس أن يمرضه، و إذا خافوا عليه و قرب ذلك فلتنح عنه و عن قربه، فإن الملائكة تتأذى بذلك» «2» و الحديثان و ان ضعف سندهما فان فتوى الفضلاء بكراهية ذلك، و قيل:

لا يترك على بطنه حديد، انما قلنا: قيل لأنه لم يثبت عن أهل البيت به نقل، بل ذكر ذلك الشيخان و جماعة من الأصحاب، و قال الشيخ في التهذيب: سمعنا ذلك مذاكرة. و قال ابن الجنيد: يضع على بطنه شيئا يمنع من ربوها.

[الثاني الغسل]

مسئلة: غسل الميت و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه فرض على الكفاية

، و هو مذهب العلماء كافة، و أولى الناس به أولاهم بذلك، لرواية غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام قال: «يغسل الميت أولى الناس به» «3» و «غياث» بتري لكنه ثقة، و الزوج أحق من غيره لرواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها» «4» و مضمون الرواية متفق عليه، و سيأتي له تفصيل في باب الصلاة إنشاء اللّه تعالى.

مسئلة: و الواجب أمامه إزالة النجاسة عن بدنه،

لان المراد تطهيره و إذا وجب إزالة الحكمية عنه فوجوب ازالة العينية عنه أولى، و لئلا ينجس ماء الغسل بملاقاتها، و لما روى يونس، عنهم عليهم السّلام «امسح بطنه مسحا رفيقا فان خرج منه شي‌ء‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 43 ح 2 ص 671.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 46 ح 1 ص 595.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 26 ح 1 ص 718.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 26 ح 2 ص 853.

264
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يجب تغسيله ثلاث مرات، أولا بماء السدر، ثم بماء الكافور، ثم بالماء القراح، ؛ ج‌1، ص : 265

فأنقه» «1» و في وجوب النية على الغاسل عندي تردد: و قد قال الشيخ في الخلاف:

بوجوبها و استدل بإجماع الفرقة، و منشأ التردد انه تطهير للميت من نجاسة الموت فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب النجس، و الأحوط ما ذكره الشيخ.

مسئلة: و يجب تغسيله ثلاث مرات، أولا بماء السدر، ثمَّ بماء الكافور، ثمَّ بالماء القراح،

و لا يجوز الاقتصار على الواحدة إلا عند عوز الماء، و هو مذهب الأصحاب خلا سلار فإنه اقتصر على الوجوب على المرة بالماء القراح و ما زاد على الاستحباب، و هو مذهب الشافعي و أحمد و أبي حنيفة، غير ان أبا حنيفة لا يستحب الكافور للماء، و للشافعي و أحمد يجعلانه أخيرا.

لنا حديث أم عطية «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حين توفت ابنته قال: اغسلها ثلاثا أو خمسا أو أكثر» «2» و التخيير فيما زاد على الثالث فيثبت الثلاث وجوبا و في حديث ابن عباس «ان النبي صلى اللّه عليه و آله غسلوه بماء و سدر» «3» و من طريق أهل البيت عليهم السّلام ما رواه الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يغسل الميت ثلاث غسلات، مرة بالسدر، و مرة بالماء يطرح فيه الكافور، و مرة أخرى بالماء القراح» «4».

و عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اغسله بماء و سدر ثمَّ اغسله على أثر ذلك أخرى بماء كافور، و ذريرة ان كانت، و اغسله الثالثة بماء قراح ثلاث غسلات لجسده، قلت: يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال: ان استطعت يكون عليه قميص تغسله من تحته، و قال: أحب لمن غسل ميتا أن يلف على يديه الخرقة حتى يغسله» «5».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 680.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 389.

(3) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 391.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 4 ص 681.

(5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 1 ص 680.

265
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة:«الترتيب» في الغسل واجب عندنا، ؛ ج‌1، ص : 266

مسئلة: «الترتيب» في الغسل واجب عندنا،

يبدأ بالرأس ثمَّ بالجسد، و هو اتفاق فقهاء أهل البيت عليهم السّلام. و قال الباقون بالاستحباب. لنا ما رووه عنه عليه السّلام «لما توفت ابنته قال: للنساء أبدان بميامنها» «1».

و من طريق أهل البيت عليهم السّلام ما رواه حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر عورته أما قميصا و اما غيره، ثمَّ يبدأ بكفيه و يغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر، ثمَّ سائر جسده، و ابدأ بشقه الأيمن ثمَّ اجعل يدك من تحت الثوب الذي على فرجه و اغسله من غير أن ترى عورته، فاذا فرغت من غسله فاغسله مرة أخرى بماء و كافور و شي‌ء من حنوطه، ثمَّ اغسله بماء غسلة أخرى، فإذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف ثمَّ جففته» «2» و لان ذلك سنة لسلف و كيفيته أمر مطلق فيكون واجبا، و لأنا بينا وجوب الترتيب في غسل الجنابة فثبت هنا، لما روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «غسل الميت مثل غسل الجنب» «3» و لان من أوجب الترتيب في غسل الجنابة أوجب هنا، و الفرق منفي بالإجماع.

فرع و لا يزاد على الغسلات الثلاث،

و قال الشافعي ان لم ينق بثلاث فخمسا، و لم يقدره مالك. لنا هو عبادة شرعية فيقف تقديرها على النقل.

مسئلة: لو تعذر السدر كفت المرة بالقراح

تمسكا بالأصل، و لان المراد بالسدر الاستعانة على ازالة الدرن، و بالكافور تطيب الميت و حفظه بخاصية الكافور‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 388.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 2 ص 680.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 3 ح 1 ص 685.

266
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في وجوب الوضوء قولان، و الاستحباب أشبه ؛ ج‌1، ص : 267

من إسراع التغيير و تعرض الهوام، و مع عدمها فلا فائدة في تكرار الماء مع حصول النقاء.

مسئلة: و في وجوب الوضوء قولان، و الاستحباب أشبه

، قال الشيخ في المبسوط: و قد قيل: انه يوضأ الميت، فمن عمل به كان جائزا غير أن عمل الطائفة على ترك العمل بذلك، لان غسل الميت كغسل الجنابة، و لا وضوء في غسل الجنابة.

و قال في الخلاف: غسل الميت كغسل الجنابة ليس فيه وضوء. و قال بعض أصحابنا:

يستحب فيه الوضوء، و قال المفيد (ره) في المقنعة: ثمَّ يوضأ الميت فيغسل وجهه و ذراعيه و يمسح برأسه و ظاهر قدميه. و قال الشيخ في الاستبصار باستحبابه.

لنا ما رواه حريز قال: «أخبرني أبو عبد اللّه عليه السّلام قال: الميت يبدأ بفرجه ثمَّ يوضأ وضوء الصلاة» «1» و ما رواه الوشاء، عن أبي خثيمة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان أبي أمرني أن أغسله (و ساق الحديث) الى أن قال: ثمَّ يوضه وضوء الصلاة» «2».

و انما حملنا ذلك على الاستحباب، لما روي من النقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السّلام في كيفية غسل الميت و انتقالهم من تليين أصابعه و غسل يديه الى غسل رأسه و جسده من غير ذكر الوضوء، روى ذلك عدة من الأصحاب منهم الحلبي عليه الرحمة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و عبد اللّه الكاهلي عنه أيضا، و يعقوب بن عبد الصالح.

و لا يقال: رواية ابن أبي عمير، عن حماد أو غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في كل غسل وضوء الا غسل الجنابة» «3» يدل على الوجوب، لأنا نقول: لا يلزم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 6 ح 1 ص 689.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 6 ح 4 ص 689.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 ص 516.

267
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: ان قلنا باستحباب الوضوء فلا يمضمض الميت و لا يستنشق، ؛ ج‌1، ص : 268

من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجبا، بل من الجائز أن يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه، و غيره يجوز، و لا يلزم من الجواز الوجوب فاذا الاستحباب أشبه.

مسئلة: ان قلنا باستحباب الوضوء فلا يمضمض الميت و لا يستنشق،

و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي: يمضمض [الميت] و يستنشق. لنا ان ذلك لا يتيسر الا بقلب الميت على وجهه ليخرج الماء فيه و أنفه و ذلك اهانة لم يعتبرها الشرع، و ربما و صل الى جوفه فخرج في أكفانه و هو أذى فاجتنابه أولى.

مسئلة: و لو خيف من تغسيله تناثر جلده يتيمم،

و يستحب إمراره يد الغاسل على جسد الميت، فان خيف من ذلك لكونه مجدورا أو محترقا اقتصر الغاسل على صب الماء من غير إمرار، و لو خيف من الصب لم يغسل و يتيمم، ذكر ذلك الشيخان في المبسوط و المقنعة و النهاية، و ابن الجنيد.

و أما الاولى: فلان الإمرار مستحب و تقطيع جلد الميت محظور فيتعين العدول الى ما يؤمن معه تناثر الجسد.

و يؤيد هذا الاعتبار ما رواه محمد بن سنان، عن أبي خالد القماط، عن ضريس عن علي بن الحسين عليه السّلام أو عن أبي جعفر قال: «المجدور و الكسير و الذي به القروح يصب عليه الماء صبا» «1».

و أما الثانية: فلان التيمم طهارة لمن تعذر عليه استعمال الماء، و يؤيد ذلك ما رواه عمرو بن خالد، عن زيد بن علي عن آبائه، عن علي عليه السّلام «قال: ان قوما أتوا النبي صلى اللّه عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مات صاحب لنا و هو مجدور، فان غسلناه انسلخ، قال: تيمموه» «2» و هذه الرواية و ان كان اسنادها ضعيفا الا ان الأصول‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 16 ح 1 ص 702.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 16 ح 3 ص 702.

268
المعتبر في شرح المختصر1

فرع قال المفيد رحمه الله في المقنعة: و إذا لم يوجد للميت ماء ؛ ج‌1، ص : 269

تؤيدها، قال الشيخ: و به قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي، و على قول الشيخ يكون المسئلة اجماعية، لان خلاف الأوزاعي منقرض.

فرع قال المفيد رحمه اللّه في المقنعة: و إذا لم يوجد للميت ماء

أما لعدمه، أو لعدم ما يتوصل به اليه، أو لنجاسة الماء، أو لكونه مضافا يتيمم بالتراب، و كذا ان منع من استعماله ضرورة الحي إلى شربه تيمم الميت، فهذا حسن، لأنه حالة ضرورة و التيمم بدل من الماء فيجتزء به.

مسئلة: و سنن الغسل

يشتمل مسائل:

الاولى: أن يوضع الميت على مرتفع موجها إلى القبلة. (في هذا الكلام حذف) تقديره: على شي‌ء مرتفع، و حذف الموصوف كثير في كلام العرب، و انما استحب المرتفع لئلا يرجع اليه ماء الغسل. قال في المبسوط: يجعل على ساحة أو سرير، و ما ذكره حسن، لأنه أحفظ لجسد الميت من التلطخ، و أما الاستقبال في التغسيل فهو اتفاق أهل العلم، لكن عندنا يستقبل بباطن قدميه ليكون وجهه إلى القبلة، و يدل عليه من طريق أهل البيت عليهم السّلام روايات، منها: رواية الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سئل عن غسل الميت، قال: استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة» «1».

مسئلة: و يفتق جيبه و ينزع ثوبه من تحته

، ذكر ذلك الشيخان في المبسوط و النهاية و المقنعة. و لعل ذلك لئلا يخرج ما يفسد به، و كذا استحباب جذبه من أسفله لئلا يكون فيه ما يلطخ أعالي بدنه، و لا يقال: يلزم لو خلا من النجاسة الا أن لا يكون هذه الكيفية.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 5 ص 681.

269
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يستر عورته، ؛ ج‌1، ص : 270

لأنا نقول: العلم بخلوه من النجاسة متعذر و غلبة الظن بالنجاسة موجودة، إذ المريض من شأنه ذلك خصوصا عند خروج الروح، و لما كان ذلك غالبا استحبه الشيخان استظهارا، ثمَّ بالغ الشيخ المفيد رحمه اللّه في المقنعة بأن قال: يفتق جيبه أو يخرق ليتسع عليه. و لعل ذلك إذا لم يكن ما يستر به عورته، و الأقرب ان نزعه كذلك إذا أريد ستر عورته في حال الغسل ثمَّ ينزع بعد الغسل من أسفله، و تبيّن ذلك رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثمَّ يخرق القميص إذا فرغ من غسله و ينزع من رجليه» «1».

مسئلة: و يستر عورته،

هذا مذهب الجميع، لان النظر إلى العورة حرام، نعم لو كان الغاسل ممن لا يبصر أو مبصرا يتيقن من نفسه كف بصره عن العورة بحيث يثق السلامة من الورطة و الغطلة لم يجب، لان الستر انما هو لمنع الابصار، فإذا أمكن من دون السترة لم يجب، لكن الأحوط الستر ليحصل الأمن من ذلل الطبع و الغفلة. قال الشيخ في المبسوط: ينزع قميصه و يترك على عورته ما يسترها، و كذا في النهاية.

و قال في الخلاف: يستحب غسله عريانا مستور العورة، إما بقميصه، أو ينزع القميص و يترك على عورته خرقة، و معنى قوله رحمه اللّه: «بقميصه» أن يخرج يديه من القميص و يجذبه منحدرا الى سرته و يجمعه على عورته و يجرد ساقيه فيصير كالعاري عدا العورة.

روى يونس عنهم قال: «و ان كان عليه قميص فاخرج يديه منه و أجمعه على عورته و ارفعه من رجليه الى فوق الركبة» «2» و قال الشافعي: يغسل في قميص كما غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. و قال أبو حنيفة: يغسل عريانا مستور العورة، و الوجه جواز‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 8 ص 737.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 680.

270
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

لأنا نقول: العلم بخلوه من النجاسة متعذر و غلبة الظن بالنجاسة موجودة، إذ المريض من شأنه ذلك خصوصا عند خروج الروح، و لما كان ذلك غالبا استحبه الشيخان استظهارا، ثمَّ بالغ الشيخ المفيد رحمه اللّه في المقنعة بأن قال: يفتق جيبه أو يخرق ليتسع عليه. و لعل ذلك إذا لم يكن ما يستر به عورته، و الأقرب ان نزعه كذلك إذا أريد ستر عورته في حال الغسل ثمَّ ينزع بعد الغسل من أسفله، و تبيّن ذلك رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثمَّ يخرق القميص إذا فرغ من غسله و ينزع من رجليه» «1».

مسئلة: و يستر عورته،

هذا مذهب الجميع، لان النظر إلى العورة حرام، نعم لو كان الغاسل ممن لا يبصر أو مبصرا يتيقن من نفسه كف بصره عن العورة بحيث يثق السلامة من الورطة و الغطلة لم يجب، لان الستر انما هو لمنع الابصار، فإذا أمكن من دون السترة لم يجب، لكن الأحوط الستر ليحصل الأمن من ذلل الطبع و الغفلة. قال الشيخ في المبسوط: ينزع قميصه و يترك على عورته ما يسترها، و كذا في النهاية.

و قال في الخلاف: يستحب غسله عريانا مستور العورة، إما بقميصه، أو ينزع القميص و يترك على عورته خرقة، و معنى قوله رحمه اللّه: «بقميصه» أن يخرج يديه من القميص و يجذبه منحدرا الى سرته و يجمعه على عورته و يجرد ساقيه فيصير كالعاري عدا العورة.

روى يونس عنهم قال: «و ان كان عليه قميص فاخرج يديه منه و أجمعه على عورته و ارفعه من رجليه الى فوق الركبة» «2» و قال الشافعي: يغسل في قميص كما غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. و قال أبو حنيفة: يغسل عريانا مستور العورة، و الوجه جواز‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 8 ص 737.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 680.

270
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

الأمرين، لكن تغسيله عريانا مستور العورة بخرقة أفضل.

أما الجواز: فلما رواه النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان ابن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميت، قال: يغسل بماء و سدر و اغسل جسده كله و اغسله أخرى بماء و كافور ثمَّ اغسله اخرى بماء، قلت: فما يكون عليه حين تغسيله؟ قال: ان استطعت أن يكون عليه قميص تغسل من تحت القميص» «1».

و ما رواه يعقوب بن يقطين، عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «و لا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده و يصب عليه من فوقه و يجعل في الماء شي‌ء من سدر و شي‌ء من كافور و لا يعصر بطنه الا أن يخاف شيئا فيمسح مسحا رفيقا من غير أن يعصر، ثمَّ يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه الى المنكبين ثلاث مرات» «2» و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك و بينه ما يستر عورته أما قميصا أو غيره» «3».

و أما ان تجريده أفضل، فلأنه أمكن للتطهير و لان الثوب قد ينجس بما يخرج من الميت و لا يطهر بصب الماء فينجس الميت و الغاسل، و احتج الشافعي: بأن النبي صلى اللّه عليه و آله غسل في قميص، و الجواب: يمكن أن يكون ذلك للأمن في طرفه من تلطخ الثوب و تعذر ذلك في غيره.

فرع و في وجوب ستر عورة الصبي تردد، أقربه أنه لا يجب

، وحده ما يجوز للنساء تغسيله مجردا، لان جواز نظر المرأة يدل على جواز نظر الرجل.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 6 ص 682.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 7 ص 683.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 2 ص 680.

271
المعتبر في شرح المختصر1

فرع و في وجوب ستر عورة الصبي تردد، أقربه أنه لا يجب ؛ ج‌1، ص : 271

الأمرين، لكن تغسيله عريانا مستور العورة بخرقة أفضل.

أما الجواز: فلما رواه النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان ابن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميت، قال: يغسل بماء و سدر و اغسل جسده كله و اغسله أخرى بماء و كافور ثمَّ اغسله اخرى بماء، قلت: فما يكون عليه حين تغسيله؟ قال: ان استطعت أن يكون عليه قميص تغسل من تحت القميص» «1».

و ما رواه يعقوب بن يقطين، عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «و لا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده و يصب عليه من فوقه و يجعل في الماء شي‌ء من سدر و شي‌ء من كافور و لا يعصر بطنه الا أن يخاف شيئا فيمسح مسحا رفيقا من غير أن يعصر، ثمَّ يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه الى المنكبين ثلاث مرات» «2» و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك و بينه ما يستر عورته أما قميصا أو غيره» «3».

و أما ان تجريده أفضل، فلأنه أمكن للتطهير و لان الثوب قد ينجس بما يخرج من الميت و لا يطهر بصب الماء فينجس الميت و الغاسل، و احتج الشافعي: بأن النبي صلى اللّه عليه و آله غسل في قميص، و الجواب: يمكن أن يكون ذلك للأمن في طرفه من تلطخ الثوب و تعذر ذلك في غيره.

فرع و في وجوب ستر عورة الصبي تردد، أقربه أنه لا يجب

، وحده ما يجوز للنساء تغسيله مجردا، لان جواز نظر المرأة يدل على جواز نظر الرجل.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 6 ص 682.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 7 ص 683.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 2 ص 680.

271
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: ثم تلين أصابعه برفق، فان تعسر ذلك تركها، ؛ ج‌1، ص : 272

مسئلة: ثمَّ تليّن أصابعه برفق، فان تعسر ذلك تركها،

و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام، و في بعض أحاديثهم تليّن مفاصله، و به قال أحمد. و قال أصحاب الشافعي:

إنما تليّن عند الموت. لنا ان انقباض كفه يمنع التمكن من تطهرها فيلينها مع التمكن لينبسط لتحصيل التطهير.

فرع و لا تلين أصابعه و لا مفاصله بعد الغسل،

لأن وظائف الميت مستفادة عن صاحب الشرع، و مع عدم الدلالة فلا توظيف، قال في المبسوط: و هو مذهب الأصحاب، ذكر ذلك في الخلاف.

مسئلة: ثمَّ يجعل الغاسل على يده خرقة و يدخل يده تحت السرة و ينقي عورتيه،

و هو إجماع، و يؤيده ما رواه يونس، عنهم قال: «يغسل يده ثلاث مرات كما يغتسل الإنسان من الجنابة الى نصف الذراع، و اغسل فرجه و أنقه» «1» و في رواية الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ثمَّ ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض فاغسله ثلاث غسلات» «2».

مسئلة: و يغسل رأسه و جسده برغوة السدر

، و هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السّلام، و ممن روى ذلك معاوية بن عمار قال: «أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أوضيه ثمَّ أغسله بالأشنان و أغسل رأسه بالسدر و لحيته، ثمَّ أفيض على جسده منه، ثمَّ أدلك به جسده» «3».

مسئلة: و يبدأ بغسل يديه قبل رأسه

، ثمَّ يغسل رأسه، يبدأ بشقه الأيمن، ثمَّ‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 680.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 5 ص 681.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 8 ص 683.

272
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ان خرج من الميت شي‌ء بعد إكمال الثلاث، فان لم يكن ناقضا غسل ؛ ج‌1، ص : 273

الأيسر، و يغسل كل عضو ثلاثا في كل غسل، و هو مذهب فقهائنا أجمع.

و يؤيده رواية الكاهلي [الكابلي]، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثمَّ تحول الى رأسه و لحيته، ثمَّ تثني بشقه الأيسر» «1» و أما تكرار الغسلات على كل في كل غسلة فعليه إجماع الأصحاب، و يؤيده رواية الكاهلي و رواية يونس، و في الطريق إلى الكاهلي «محمد بن سنان» و هو ضعيف، و رواية يونس مرسلة فضعفها إذا مستحق لكن عمل الأصحاب على مضمونها ظاهر، و يمسح بطنه أمام الغسلتين الأوليين إلا الحامل، المقصود بالمسح خروج ما لعله بقي من الميت، فان مسح بطنه يخرج ذلك لاسترخاء أعضائه و خلوها عن القوة الماسكة، و انما قصد ذلك لئلا يخرج بعد الغسل ما يؤذي الكفن، و لا يمسح في الثالثة و هو إجماع فقهائنا، و قال الشافعي: يمسح في الثالثة أيضا. لنا ان المسحتين يأتيان على المطلوب، فالثالثة كلفة، و لان المسحتين متفق عليهما فيقتصر على المتفق.

و يؤيده رواية يونس عنهم، فإنها تضمنت المسح في الثانية و لم يذكر الثالثة و قولنا: الا أن يكون حبلى، لأنه لا يؤمن معه الإجهاض و هو غير جائز، كما لا يجوز التعرض لاجهاض الحية.

و يؤيد ذلك ما روته أم أنس بن مالك، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «إذا توفت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدأ ببطنها فليمسح مسحا رفيقا ان لم تكن حبلى، فان كانت حبلى فلا تحركها» «2».

فرع ان خرج من الميت شي‌ء بعد إكمال الثلاث، فان لم يكن ناقضا غسل

، و ان‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 5 ص 681.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 4.

273
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

الأيسر، و يغسل كل عضو ثلاثا في كل غسل، و هو مذهب فقهائنا أجمع.

و يؤيده رواية الكاهلي [الكابلي]، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثمَّ تحول الى رأسه و لحيته، ثمَّ تثني بشقه الأيسر» «1» و أما تكرار الغسلات على كل في كل غسلة فعليه إجماع الأصحاب، و يؤيده رواية الكاهلي و رواية يونس، و في الطريق إلى الكاهلي «محمد بن سنان» و هو ضعيف، و رواية يونس مرسلة فضعفها إذا مستحق لكن عمل الأصحاب على مضمونها ظاهر، و يمسح بطنه أمام الغسلتين الأوليين إلا الحامل، المقصود بالمسح خروج ما لعله بقي من الميت، فان مسح بطنه يخرج ذلك لاسترخاء أعضائه و خلوها عن القوة الماسكة، و انما قصد ذلك لئلا يخرج بعد الغسل ما يؤذي الكفن، و لا يمسح في الثالثة و هو إجماع فقهائنا، و قال الشافعي: يمسح في الثالثة أيضا. لنا ان المسحتين يأتيان على المطلوب، فالثالثة كلفة، و لان المسحتين متفق عليهما فيقتصر على المتفق.

و يؤيده رواية يونس عنهم، فإنها تضمنت المسح في الثانية و لم يذكر الثالثة و قولنا: الا أن يكون حبلى، لأنه لا يؤمن معه الإجهاض و هو غير جائز، كما لا يجوز التعرض لاجهاض الحية.

و يؤيد ذلك ما روته أم أنس بن مالك، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «إذا توفت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدأ ببطنها فليمسح مسحا رفيقا ان لم تكن حبلى، فان كانت حبلى فلا تحركها» «2».

فرع ان خرج من الميت شي‌ء بعد إكمال الثلاث، فان لم يكن ناقضا غسل

، و ان‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 5 ص 681.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 4.

273
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

كان أحد النواقض ففي إعادة الغسل قولان، أحدهما: يعاد، ذهب اليه ابن أبي عقيل ليخرج من الدنيا طاهرا، و الأخر: لا يعاد، و تغسل النجاسة، و هو الذي يظهر من كلام الباقين، و قال الشافعي: يعاد الوضوء كما في الحي.

لنا ان حدث الحي لم يبطل به الطهارة السابقة عليه، فكذا هنا، و لأن الحي أدى ما وجب عليه من الغسل بالموت، فوجوب الإعادة منفي بالأصل. و يؤيده رواية الكاهلي و الحسين بن مختار و عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان بدأ منه شي‌ء بعد غسله فاغسل الذي بدأ منه و لا تعد الغسل» «1» و ذكر ذلك المرتضى رحمه اللّه في شرح الرسالة، و لا يعرف أصحابنا استحباب الدخنة بالعود و لا بغيره عند الغسل، و استحبه الفقهاء.

لنا ان الاستحباب عبادة يتوقف ثبوتها على دلالة الشرع، و التقدير عدمها.

لا يقال: ذلك لدفع الرائحة الكريهة، لأنا نقول: ليس الرائحة دائمة مع كل ميت، و لان ذلك قد يندفع بغيره و كما سقط اعتبار غير العود من الأطياب فكذا التجمير.

و يؤيده رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام «لا تجمروا الأكفان و لا تمسوا موتاكم بالطيب الا بالكافور، فان الميت بمنزلة المحرم» «2» و عن أبي حمزة، عن الباقر عليه السّلام «لا تقربوا موتاكم النار، يعني الدخنة» «3».

مسئلة: إذا مات الجنب و الحائض أو النفساء كفى غسل الميت،

و لا يجب غسلات، بل و لا تستحب، و هو مذهب أكثر أهل العلم، لان الغسل الواحد يجزي الحي و ان تعددت الموجبات، و يؤيد ذلك ما روي من طريق أهل البيت عليهم السّلام، منه:

ما روي عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في النفساء إذا ماتت كيف تغتسل؟ قال: مثل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 32 ح 1 ص 723.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 5 ص 734.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 12 ص 735.

274
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا مات الجنب و الحائض أو النفساء كفى غسل الميت، ؛ ج‌1، ص : 274

كان أحد النواقض ففي إعادة الغسل قولان، أحدهما: يعاد، ذهب اليه ابن أبي عقيل ليخرج من الدنيا طاهرا، و الأخر: لا يعاد، و تغسل النجاسة، و هو الذي يظهر من كلام الباقين، و قال الشافعي: يعاد الوضوء كما في الحي.

لنا ان حدث الحي لم يبطل به الطهارة السابقة عليه، فكذا هنا، و لأن الحي أدى ما وجب عليه من الغسل بالموت، فوجوب الإعادة منفي بالأصل. و يؤيده رواية الكاهلي و الحسين بن مختار و عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان بدأ منه شي‌ء بعد غسله فاغسل الذي بدأ منه و لا تعد الغسل» «1» و ذكر ذلك المرتضى رحمه اللّه في شرح الرسالة، و لا يعرف أصحابنا استحباب الدخنة بالعود و لا بغيره عند الغسل، و استحبه الفقهاء.

لنا ان الاستحباب عبادة يتوقف ثبوتها على دلالة الشرع، و التقدير عدمها.

لا يقال: ذلك لدفع الرائحة الكريهة، لأنا نقول: ليس الرائحة دائمة مع كل ميت، و لان ذلك قد يندفع بغيره و كما سقط اعتبار غير العود من الأطياب فكذا التجمير.

و يؤيده رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام «لا تجمروا الأكفان و لا تمسوا موتاكم بالطيب الا بالكافور، فان الميت بمنزلة المحرم» «2» و عن أبي حمزة، عن الباقر عليه السّلام «لا تقربوا موتاكم النار، يعني الدخنة» «3».

مسئلة: إذا مات الجنب و الحائض أو النفساء كفى غسل الميت،

و لا يجب غسلات، بل و لا تستحب، و هو مذهب أكثر أهل العلم، لان الغسل الواحد يجزي الحي و ان تعددت الموجبات، و يؤيد ذلك ما روي من طريق أهل البيت عليهم السّلام، منه:

ما روي عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في النفساء إذا ماتت كيف تغتسل؟ قال: مثل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 32 ح 1 ص 723.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 5 ص 734.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 12 ص 735.

274
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يستحب أن يغسل تحت سقف، ؛ ج‌1، ص : 275

الطاهر» «1» و كذا الحائض و الجنب انما يغسل غسلا واحدا.

و ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام و أبو بصير عن أحدهما عليهما السّلام «في الجنب إذا مات، قال: ليس عليه إلا غسل واحد» «2» و في رواية العيص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «يغسل غسل الجنابة ثمَّ يغسل غسل الميت» «3» قال الشيخ في الاستبصار: يمكن أن يكون الأمر بالغسل بعد غسل الجنابة للغاسل بمماسة الميت، و قد روي ذلك العيص في رواية أخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا مات الجنب غسل غسلا واحدا، ثمَّ اغتسل بعد ذلك» «4» و قد قيل: لا يموت ميت الا و هو جنب، و معنى ذلك انه يلقى النطفة التي خلق منها، على ما روي.

مسئلة: و يستحب أن يغسل تحت سقف،

و به قال أحمد، و روى أبو داود بإسناده قال: «أوصى الضحاك أخاه سالما إذا غسلتني فاجعل بيني و بين السماء سترا» و عن عائشة قالت: «أتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و نحن نغسل ابنته فجعلنا بينها و بين السقف سترا» و لعل الحكمة كراهية أن يقابل السماء بعورة الميت.

و من طريق أهل البيت عليهم السّلام ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى قال:

«سألته عن الميت يغسل في الفضاء؟ قال: لا بأس، و ان يستر فهو أحب الي» «5» و روى طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت و بين السماء سترا يعني إذا غسل» «6» و «طلحة بن زيد» هذا بتري، لكن تنجبر روايته برواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام، و اتفاق الأصحاب.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 2 ص 721.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 4 ص 721.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 7 ص 722.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 8 ص 722.

(5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 30 ح 1 ص 720.

(6) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 30 ح 2 ص 720.

275
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

الطاهر» «1» و كذا الحائض و الجنب انما يغسل غسلا واحدا.

و ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام و أبو بصير عن أحدهما عليهما السّلام «في الجنب إذا مات، قال: ليس عليه إلا غسل واحد» «2» و في رواية العيص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «يغسل غسل الجنابة ثمَّ يغسل غسل الميت» «3» قال الشيخ في الاستبصار: يمكن أن يكون الأمر بالغسل بعد غسل الجنابة للغاسل بمماسة الميت، و قد روي ذلك العيص في رواية أخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا مات الجنب غسل غسلا واحدا، ثمَّ اغتسل بعد ذلك» «4» و قد قيل: لا يموت ميت الا و هو جنب، و معنى ذلك انه يلقى النطفة التي خلق منها، على ما روي.

مسئلة: و يستحب أن يغسل تحت سقف،

و به قال أحمد، و روى أبو داود بإسناده قال: «أوصى الضحاك أخاه سالما إذا غسلتني فاجعل بيني و بين السماء سترا» و عن عائشة قالت: «أتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و نحن نغسل ابنته فجعلنا بينها و بين السقف سترا» و لعل الحكمة كراهية أن يقابل السماء بعورة الميت.

و من طريق أهل البيت عليهم السّلام ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى قال:

«سألته عن الميت يغسل في الفضاء؟ قال: لا بأس، و ان يستر فهو أحب الي» «5» و روى طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت و بين السماء سترا يعني إذا غسل» «6» و «طلحة بن زيد» هذا بتري، لكن تنجبر روايته برواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام، و اتفاق الأصحاب.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 2 ص 721.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 4 ص 721.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 7 ص 722.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 8 ص 722.

(5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 30 ح 1 ص 720.

(6) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 30 ح 2 ص 720.

275
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قيل يغسل الميت بتسعة أرطال في كل غسلة ؛ ج‌1، ص : 276

مسئلة: قيل يغسل الميت بتسعة أرطال في كل غسلة

كالجنب، لما روي عنهم عليهم السّلام «ان غسل الميت كغسل الجنابة» «1» و الوجه انقاؤه بكل غسلة من غير تقدير.

لنا رواية محمد بن الحسن الصفار قال: «كتبت الى أبي محمد عليه السّلام كم حد الماء الذي يغسل به الميت كما رووا أن الحائض تغتسل بتسعة أرطال فهل للميت حد؟ فوقع حده يغسل حتى يطهر إنشاء اللّه» «2» و لان التقدير ربما قصر عن القصد، إذ القصد الإنقاء.

مسئلة: يستحب للغاسل أن يذكر اللّه سبحانه عند غسله،

و يتأكد بالدعاء المأثور رواه سعد الإسكاف، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلّبه: اللهم هذا بدن عبدك المؤمن و قد أخرجت روحه منه و فرقت بينهما فعفوك عفوك الا غفر اللّه له ذنوب سنة الا الكبائر» «3».

مسئلة: قال الشيخ في الجمل: يستحب أن يقف الغاسل على جانب يمينه.

و قال في النهاية: و لا يركب الميت في حال غسله بل يكون على جانبه الأيمن.

و قال في المبسوط: و لا يركب الميت في حال غسله بل يكون على جانبه. و ما ذكره في المبسوط أولى، و كراهية ركوب الميت اختيار الشيخ رحمه اللّه في كتبه.

و في رواية العلاء بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك و ان يقوم فوقه فتغسله، إذا قلّبته يمينا و شمالا أن يضبطه بين رجليك لئلا يسقط لوجهه» «4» قال في التهذيب: هذا الخبر محمول على الجواز و ان كان الأفضل غيره، و قال في الاستبصار: هذا يدل على رفع الحظر، لان المسنون‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 3 ح 1 ص 685.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 27 ح 2 ص 718.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 7 ح 1 ص 690.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 33 ح 1 ص 724.

276
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يكره إقعاد الميت و عصره قاعدا ؛ ج‌1، ص : 277

و الأفضل أن يقف من جانب الميت و لا يركبه.

قلت: و هذا هو الذي يعتمد لرواية عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و لا يجعله بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه» و ينبغي أن لا يخبر الغاسل بما رأى من مكروه، روى سعد بن طريف، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «من غسل مؤمنا فأدى فيه الامانة غفر له، قلت: كيف يؤدي فيه الامانة؟ قال: لا يخبر بما رأى» «1».

و يستحب أن يستأنف لماء الغسل حفيرة، لأنه ماء مستقذر فيحفر له ليؤمن من تعدي قذرة، و هذا اختيار الشيخين لما رواه سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة» «2» و ينشف بثوب بعد تغسيله و قبل تكفينه، و هو إجماع، و لما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فاذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف ثمَّ جففته» «3» و لان ذلك يحفظ الكفن من البلل لئلا يسرع العفن اليه مع الدفن.

مسئلة: يكره إقعاد الميت و عصره قاعدا

، قال الشيخ في الخلاف: لا يجلس الميت في حال غسله و هو مكروه. و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و استدل بإجماع الفرقة و عملهم، و كذا العصر.

و يؤيده ما رواه حمران بن أعين، و عثمان النواء قال: «إذا غسلت الميت فارفق به و لا تعصره» «4» و في رواية حمران «و لا تغمز له مفصلا» «5» و في رواية أبي العباس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا» «6» قال الشيخ في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 8 ح 1 ص 691.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 2 ص 661.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 2 ص 680.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 9 ح 2 ص 692.

(5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 9 ح 1 ص 692.

(6) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 9 ص 683.

277
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

و الأفضل أن يقف من جانب الميت و لا يركبه.

قلت: و هذا هو الذي يعتمد لرواية عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و لا يجعله بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه» و ينبغي أن لا يخبر الغاسل بما رأى من مكروه، روى سعد بن طريف، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «من غسل مؤمنا فأدى فيه الامانة غفر له، قلت: كيف يؤدي فيه الامانة؟ قال: لا يخبر بما رأى» «1».

و يستحب أن يستأنف لماء الغسل حفيرة، لأنه ماء مستقذر فيحفر له ليؤمن من تعدي قذرة، و هذا اختيار الشيخين لما رواه سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة» «2» و ينشف بثوب بعد تغسيله و قبل تكفينه، و هو إجماع، و لما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فاذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف ثمَّ جففته» «3» و لان ذلك يحفظ الكفن من البلل لئلا يسرع العفن اليه مع الدفن.

مسئلة: يكره إقعاد الميت و عصره قاعدا

، قال الشيخ في الخلاف: لا يجلس الميت في حال غسله و هو مكروه. و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و استدل بإجماع الفرقة و عملهم، و كذا العصر.

و يؤيده ما رواه حمران بن أعين، و عثمان النواء قال: «إذا غسلت الميت فارفق به و لا تعصره» «4» و في رواية حمران «و لا تغمز له مفصلا» «5» و في رواية أبي العباس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا» «6» قال الشيخ في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 8 ح 1 ص 691.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 2 ص 661.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 2 ص 680.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 9 ح 2 ص 692.

(5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 9 ح 1 ص 692.

(6) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 9 ص 683.

277
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يكره قص أظفاره و ترجيل شعره ؛ ج‌1، ص : 278

الاستبصار: هذا موافق للعامة و لسنا نعمل به، و أنا أقول: ليس العمل بهذه الاخبار بعيدا، و لا معنى لتنزيلها على التقية، لكن لا بأس أن يعمل بما ذكره الشيخ، من تجنب ذلك و الاقتصار على ما اتفق على جوازه.

مسئلة: و يكره قص أظفاره و ترجيل شعره

، و هو إجماع فقهائنا، و في أحد قولي الشافعي هو مباح، لنا ان ما يسقط منه يطرح في كفنه، فلا معنى لقص شاربه و أظفاره مع القول بدفنها معه.

و يؤيد ذلك ما رواه ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يمس من الميت شعر و لا ظفر و ان سقط منه شي‌ء فاجعله في كفنه» «1» و كذا حلق رأسه، و قال في الخلاف: هو مكروه و بدعة، و هو قول أهل العلم إلا الشافعي في أحد قوليه، و كذا قال في حلق شعر العانة، و الإبط و حف الشارب.

و استدل على الجميع بإجماع الفرقة، و قال في الخلاف، و لا يجوز تسريح اللحية، و الذي أراه في ذلك كله الكراهية، لأن التكاليف المختصة بالميت موقوفة على الدلالة الشرعية و حيث لا دلالة فلا تكليف، و حيث لا منع فلا تحريم، و لو احتجوا بقوله عليه السّلام «افعلوا بموتاكم ما تفعلون بعرائسكم» دفعنا الرواية فإنا لم نستثبتها من طريق محقق، ثمَّ هي متروكة الظاهر عند الجميع، إذ العروس تطيّب بالممكن من أنواع الطيب، و الميت يقتصر في طيبه، و كذا المرأة يصبغ وجهها بالزينة و تحلى بالحلي، و كل ذلك متروك في الميت، فاذا بعيد أن يشبه النبي صلى اللّه عليه و آله شيئا بشي‌ء و هو لا يساويه بل لا يدانيه.

مسئلة: و يكره إرسال ماء الغسل في الكنيف،

و لا بأس بالبالوعة، هذا مذهب الخمسة و أتباعهم، و يؤيده ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال: «كتبت الى أبي محمد عليه السّلام هل يغسل الميت و ماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع يكون‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 11 ح 1 ص 694.

278
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث:«الكفن» ؛ ج‌1، ص : 279

ذلك في البلاليع» «1».

الثالث: «الكفن».

و الواجب «مئزر» و «قميص» و «إزار»

هذا مذهب فقهائنا أجمع خلا سلار، فإنه اقتصر على ثوب واحد و ما زاد مستحب، و قال الشافعي: الواجب ما يواري به عورته، و استحب الشافعي ثلاثة أزر يدرج فيها إدراجا ليس فيها قميص و لا عمامة، و استحب أبو حنيفة ثلاثة أثواب إزارا و قميصا و لفافة، و أجاز الاقتصار على ثوبين، و قال ابن الجنيد: لا بأس أن يكون الكفن ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا، أو ثوبين و قميصا، و ان أعوز الثلاثة فالثوب الواحد إذا كان يجمع الميت، و ان كان صغيرا استر به العورة.

لنا ما روي «ان النبي صلى اللّه عليه و آله كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية» «2» و ما رواه ابن المغفل «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كفن في قميص» و من طريق الأصحاب ما رواه ابن أبي بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كفن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب:

ثوبين سحولين، و ثوب حبرة يمنية عبرية» «3».

و اختلف الأصحاب في القميص، فأوجبه الشيخان في المبسوط و النهاية و المقنعة، و علم الهدى في المصباح، و الوجه ما ذكره ابن الجنيد: من التخيير بين الأثواب الثلاثة يدرج فيها الميت و القميص مع ثوبين.

لنا اختلاف الروايات من غير ترجيح، فثبت التخيير، روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الكفن المفروض ثلاثة أثواب، أو ثوب تام لا أقل منه يواري به‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 29 ح 1 ص 720.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 399.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 4 ص 726.

279
المعتبر في شرح المختصر1

و الواجب«مئزر» و«قميص» و«إزار» ؛ ج‌1، ص : 279

جسده كله فما زاد فهو سنة حتى تبلغ خمسة فما زاد فمبتدع و «العمامة» سنة» «1» و عن محمد بن سهل، عن أبيه قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الثياب التي يصلي الرجل فيها يكفن بها، قال: أحب ذلك الكفن، يعني قميصا، قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: لا بأس به، و القميص أحب الي» «2».

لا يقال: روت عائشة «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص» «3» لأنا نقول: يعارضه ما رويناه انه عليه السّلام كفن في قميص، و الترجيح لخبرنا لأنه مثبت فيكون أرجح من النافي، و لان الرجل أقرب الى معرفة أكفان الرجال من المرأة، لاشتغال النساء بالمصيبة و مباشرة الرجال جهاز الميت، و مع الضرورة تجزي اللفافة الواحدة، كذا قال ابن الجنيد و علم الهدى في شرح الرسالة، لأنه حال ضرورة فيقتصر على الممكن، و لان مع عدم الكفن تدفن عاريا، فالاقتصار على بعضه أولى.

و قولنا: مما يجوز الصلاة فيه، فقد عرفت أن الثوب لا يطلق بالعرف، الا على المنسوخ، أما الجلود: فلا يفي الوبر و الصوف، قال ابن الجنيد: و لا يكفن في الوبر. و لست أرى من ذلك مانعا، و يحرم من الثياب المغصوب بإجماع العلماء، و لأنه إتلاف لمال الغير فيكون حراما، و الحرير، و هو إجماع الأصحاب، سواء كان الميت رجلا أو امرأة، و كره من عداهم ذلك و لم يحرموه.

لنا اعراض الصحابة و التابعين عن التكفن به، و لأنه إتلاف لمال لم يؤذن فيه.

و يؤيده ما رواه حسين بن راشد قال: «سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز و قطن، هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال: إذا كان القطن أكثر‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 1 ص 726.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 5 ص 727.

(3) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 399.

280
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إمساس«الكافور» مساجد الميت واجب، ؛ ج‌1، ص : 281

من القز فلا بأس» «1».

و وجه الدلالة: انه شرط في رفع البأس أن يكون القطن أكثر، فيعلم منه انه لو كان القز صوفا لم يجز، و الرواية و ان كان المسئول فيها مجهولا فان عمل الأصحاب على مضمونها، و العصب ضرب من برود اليمن، سمي بذلك لأنه يصبغ بالقصب و هو نبت باليمن.

مسئلة: إمساس «الكافور» مساجد الميت واجب،

و هو اختيار الشيخ في الجمل، قال في الخلاف: الحنوط فرض و هو أحد قولي الشافعي، و استدل على ذلك بإجماع الفرقة، و أقل ما يحنط به الميت درهم، ذكره المفيد في الاعلام، و أفضل منه وزن أربعة مثاقيل، و أكمل منه وزن ثلاثة عشر درهما و ثلاث، روى سهل بن زياد، عن أبي نجران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال» «2».

و روى الحسين بن مختار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الفضل من الكافور في أربعة مثاقيل» «3» و في رواية علي بن إبراهيم رفعه في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلاثة أكثر، و في الروايات كلها ضعف، لان سهلا ضعيف، و الحسين بن مختار واقفي، و رواية علي بن إبراهيم مقطوعة، فإذا الواجب الاقتصار على ما يحصل الامتثال، و يحمل ما ذكر على الفضيلة.

مسئلة: و يشترط طهارة «الأكفان»

و هو إجماع، و لأنه لو لحقها نجاسة بعد التكفين وجب إزالتها، فقيل: التكفين أولى، و غسل المرأة و الصبي و تكفينهما كغسل الرجل و تكفينه فهما مستويان في القدر الواجب، و ان وقع الاختلاف في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 23 ح 1 ص 752.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 3 ح 2 ص 730.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 3 ح 3 ص 730.

281
المعتبر في شرح المختصر1

«المسنونات» ؛ ج‌1، ص : 282

شي‌ء من المندوبات على ما سيأتي لأن الأوامر الدالة على ما سلف مطلقة، فكما تتناول الرجل بإطلاقها تتناول المرأة و الطفل.

«المسنونات»

يستحب أن يزاد الرجل «حبرة» يمنية عبرية غير مطرزة بالذهب «الحبرة» من التحبير، و هو التحسين و التزيين، و «يمنية» منسوبة إلى اليمن، و «عبرية» منسوبة إلى العبر و هو جانب الوادي، و هذا مذهب علمائنا، و أنكرها من عداهم.

لنا ما رواه أبو مريم أنصاري قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كفن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب، برد حبرة أحمر، و ثوبين أبيضين صحاريين و قال: ان الحسن بن علي عليه السّلام كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة، و ثوبين، و ان عليا عليه السّلام كفن ابن حنيف في برد أحمر حبرة» «1».

لا يقال: ذكر لعاشية ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كفن في برد فقالت: قد أتى بالبرد و لكنهم لم يكفنوه فيه، لأن رواية الإثبات أولى من النفي، و لعل البرد الذي رد غير البرد الذي كفن فيه، و انما شرطنا أن لا يكون مطرزة بالذهب و لا بالحرير، لأنه تصنيع غير مأذون فيه، و قد ذكر الفتوى بذلك الشيخ في المبسوط و النهاية.

مسئلة: و «خرقة» لشد فخذيه،

قال الشيخ في المبسوط و النهاية: يكون طولها ثلاثة أذرع و نصف في عرض شبر الى شبر و نصف، و هذه تسمى الخامسة تلف فخذيه بها لفا شديدا بعد أن تحشو الدبر قطنا و على المذاكير، ثمَّ يخرج طرفها من تحت رجليه الى الجانب الأيمن و يغمرها في الموضع الذي شدها فيه، و استحب أحمد ذلك في المرأة دون الرجل.

لنا ان الوجه في استعمال ذلك في المرأة موجودة في الرجل، و يؤيده ما روي‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 3 ص 726.

282
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و«عمامة» تثني عليه محنكا، و يخرج طرفا العمامة من الحنك و يلقيان على صدره ؛ ج‌1، ص : 283

عن أهل البيت عليهم السّلام من ذلك رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا تزر عليه، و إزار و خرقة يعصب بها وسطه» «1» و في رواية يونس عنهم «يلف فخذيه من حقويه الى ركبتيه لفا شديدا» «2» و في رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «و يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصف و عرضها شبر و نصف» «3» و هذه الرواية ضعيفة السند، و في متنها اضطراب، و كذا رواية يونس عنهم.

مسئلة: و «عمامة» تثني عليه محنكا، و يخرج طرفا العمامة من الحنك و يلقيان على صدره

، و هو اختيار الثلاثة و أتباعهم. و لم يستحب الشافعي العمامة قال:

و هي مباحة. أما الأصحاب فمتفقون على استحبابها.

لنا ان المراد «بالكفن» ستر الميت، و العمامة ساترة، و لأنها مما يستر بها الحي و يستشنع طرحها في الملاء، و الميت يحب ما يحبه الحي، و يؤيد، ما اخترناه ما رواه عثمان النواء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا غسلت ميتا فارفق به و لا تغمزه و لا تمس مسامعه كافورا و إذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي و قال: خذ العمامة من وسطها و اثنها على رأسه ثمَّ ردها على خلفه و اطرح طرفها على صدره» «4».

و ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أمر النبي صلى اللّه عليه و آله بالعمامة، و عمم النبي صلى اللّه عليه و آله و مات أبو عبيدة الحذاء فبعث أبو عبد اللّه عليه السّلام معنا بدينار و أمرنا أن نشتري به حنوطا و عمامة ففعلنا، و قال: العمامة سنة» «5» و أما التحنك فعليه الأصحاب، و رواه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 13 ص 728.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 3 ص 681.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 4 ص 745.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 2 ص 747.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 1 ص 726.

283
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

عن أهل البيت عليهم السّلام من ذلك رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا تزر عليه، و إزار و خرقة يعصب بها وسطه» «1» و في رواية يونس عنهم «يلف فخذيه من حقويه الى ركبتيه لفا شديدا» «2» و في رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «و يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصف و عرضها شبر و نصف» «3» و هذه الرواية ضعيفة السند، و في متنها اضطراب، و كذا رواية يونس عنهم.

مسئلة: و «عمامة» تثني عليه محنكا، و يخرج طرفا العمامة من الحنك و يلقيان على صدره

، و هو اختيار الثلاثة و أتباعهم. و لم يستحب الشافعي العمامة قال:

و هي مباحة. أما الأصحاب فمتفقون على استحبابها.

لنا ان المراد «بالكفن» ستر الميت، و العمامة ساترة، و لأنها مما يستر بها الحي و يستشنع طرحها في الملاء، و الميت يحب ما يحبه الحي، و يؤيد، ما اخترناه ما رواه عثمان النواء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا غسلت ميتا فارفق به و لا تغمزه و لا تمس مسامعه كافورا و إذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي و قال: خذ العمامة من وسطها و اثنها على رأسه ثمَّ ردها على خلفه و اطرح طرفها على صدره» «4».

و ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أمر النبي صلى اللّه عليه و آله بالعمامة، و عمم النبي صلى اللّه عليه و آله و مات أبو عبيدة الحذاء فبعث أبو عبد اللّه عليه السّلام معنا بدينار و أمرنا أن نشتري به حنوطا و عمامة ففعلنا، و قال: العمامة سنة» «5» و أما التحنك فعليه الأصحاب، و رواه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 13 ص 728.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 3 ص 681.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 4 ص 745.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 2 ص 747.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 1 ص 726.

283
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يستحب أن يكون الكفن قطنا أبيض، ؛ ج‌1، ص : 284

ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في العمامة للميت، قال:

حنكه» «1».

مسئلة: و يستحب أن يكون الكفن قطنا أبيض،

و هو مذهب العلماء، و يكره أن يكون كتانا، لأن النبي صلى اللّه عليه و آله كفن في القطن الأبيض، و كذا استحب الصحابة، و لقوله عليه السّلام «اكتسوا من ثيابكم البياض و كفنوا فيه موتاكم» «2».

و يؤيده من طريق أهل البيت عليهم السّلام ما رواه أبو خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكتان كان لنبي إسرائيل يكفنون به، و القطن لامة محمد صلى اللّه عليه و آله» «3» و في رواية يعقوب بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يكفن الميت في كتان» «4».

مسئلة: و يستحب أن يغتسل الغاسل أمام التكفين أو يتوضأ وضوء الصلاة

، ذكره الشيخ في المبسوط و النهاية. و ان اقتصر على غسل يديه الى ذراعيه جاز، لان الاغتسال و الوضوء على من غسل ميتا واجب أو مستحب؟ و كيف ما كان فإن الأمر به على الفور، فيكون التعجيل به أفضل. و أما غسل اليدين ان لم يتهيأ الوضوء فلانه استظهار في التطهير، و يؤيده الحسين بن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «ثمَّ يغسل الذي غسل يديه قبل أن يكفنه الى المنكبين ثلاث مرات، ثمَّ إذا كفنه اغتسل» «5».

مسئلة: و يستحب أن يطيب الكفن بالذريرة

، و هي الطيب المسحوق، و قال بعض الأصحاب: هي نبات يعرف بالقمحان، و هو خلاف المعروف بين العلماء،

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 2 ص 744.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 402 (مع تفاوت).

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 20 ح 1 ص 751.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 20 ح 2 ص 751.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 35 ح 2 ص 761.

284
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يكتب على الحبرة و القميص و اللفافة و الجريدتين ؛ ج‌1، ص : 285

و قد اتفق العلماء على استحباب تطيب الكفن بها، و يؤيد ذلك ما رواه عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و يبسط اللفافة طولا و يذر عليه من الذريرة» «1» و عن سماعة قال: «ذر على ثوب الميت شيئا من ذريرة» «2».

مسئلة: و يكتب على الحبرة و القميص و اللفافة و الجريدتين

فلان يشهد أن لا إله إلا اللّه، كذا ذكره الشيخان في المبسوط و المقنعة، و ابن بابويه في كتابه، و زاد الشيخ في النهاية أسماء النبي صلى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام.

و الذي رواه أبو كهمس قال: «دعا أبو عبد اللّه عليه السّلام بكفن ولده إسماعيل فكتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا اللّه» «3» و هذا القدر الذي ظهر نقله غير أن ما ذكره الشيخ حسن، و يكتب ذلك بالطين و الماء، و قال الشيخان: بتربة الحسين عليه السّلام فان تعذر فبالإصبع.

مسئلة: و يجعل بين أليتيه قطن،

و قال في الخلاف: يستحب أن يجعل في سفل الميت شي‌ء من القطن لئلا يخرج منه شي‌ء، و قال بعض الشافعية:

هذا غلط و انما يجعل بين أليتيه، و ما ذكره الشيخ هو الأصح، لنا ما رواه يونس عنهم قال: «و احش القطن في دبره لئلا يخرج منه شي‌ء» «4» و ما رواه عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و يدخل في مقعدته من القطن ما دخل» «5».

مسئلة: و تزاد المرأة عن الرجل لفافة أخرى لثدييها، و نمطا أو لفافتين،

ذكره الشيخان في المبسوط و المقنعة. و روى سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا رفعه قال: «سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال: كما يكفن الرجل غير انه يشد على‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 4 ص 745.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 15 ح 1 ص 746.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 29 ح 1 ص 757.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 680.

(5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 10 ص 684.

285
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و تبدل المرأة بالعمامة قناعا ؛ ج‌1، ص : 286

ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر و يشد الى ظهرها» «1» و عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفافتان» «2» و أما النمط: فثوب فيه خطط مأخوذ من الأنماط و هي الطريق.

مسئلة: و تبدل المرأة بالعمامة قناعا

لما رواه أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تكفن المرأة في خمسة أثواب: أحدهما الخمار» «3» و «الخمار» هو القناع لأنه تخمر به الرأس.

مسئلة: و يسحق «الكافور» بيده فان فضل منه جعله على صدره

، و في رواية يونس عنهم عليهم السّلام «ثمَّ اعمد الى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده و امسح بالكافور جميع منابته [مساجده] من اليدين و الرجلين و وسط راحته» «4» أما اختصاص السحق باليد فقد ذكره الشيخان، و لم أتحقق مستنده، و أما وضع ما يفضله من المساجد على صدره فقد ذكره جماعة من الأصحاب، من ذلك: رواية الحلبي قال: «اعمد الى كافور فامسح به آثار السجود و مفاصله و رأسه و لحيته و على صدره من الحنوط، و قال: حنوط الرجل و المرأة سواء» «5».

و اعلم: ان رواية «يونس» هذه ضعيفة، و في متنها اضطراب و منافات لبعض ما ينقله الأصحاب، غير ان القدر الذي علمناه الأمر بمسح المساجد بالكافور، و كان القصد به، و اللّه أعلم تطيب مواضع العبادة و تخصيصها بمزيد التفصيل.

مسئلة: أقل المستحب من «الكافور» للحنوط درهم

، و أفضل منه أربعة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 16 ص 729.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 9 ص 727.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 18 ص 729.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 3 ص 744.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 1 ص 744.

286
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يجعل معه«جريدتين» ؛ ج‌1، ص : 287

دراهم، و أكمل منه ثلاثة عشر درهما و ثلاث، كذا ذكره الخمسة و أتباعهم. ثمَّ لا أعلم للأصحاب فيه خلافا، و قد سلف من الأحاديث ما يتضمن ذلك و الكلام عليها.

مسئلة: و يجعل معه «جريدتين»

و هو مذهب علمائنا أجمع، و لم يستحبه من عداهم، لنا قوله عليه السّلام «خضروا أصحابكم» «1» أي اجعلوا معه جريدة خضراء و ما رواه أحمد في مسنده عن أبي بكر قال: «بينا انا اماشي النبي صلى اللّه عليه و آله فاذا نحن بقبرين، فقال: انهما يعذبان بكثير فأيكم يأتيني بجريد فأتيته فكسرها نصفين فألقى على ذا القبر قطعة و على ذا القبر قطعة، و قال انه مهون عنهما ما كانتا رطبتين و ما يعذبان إلا في البول و الغيبة» «2».

و ما روي عن طريق أهل البيت عليهم السّلام كثير، من ذلك: ما رواه الحسين بن زياد الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يوضع للميت جريدة في اليمين، و الأخرى في اليسار، فإن الجريدة تنفع المؤمن و الكافر» «3» و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له: «لأي شي‌ء يكون مع الميت جريدة؟ قال: تجافي عنه ما دامت رطبة» «4» و روى عنه عليه السّلام «ان الجريدة تنفع المسي‌ء و المحسن» «5».

و روى ابن بابويه في كتابه عن يحيى بن عبادة المكي قال: «سمعت سفيان الثوري يسأل أبا جعفر عليه السّلام عن التحضير، فقال: ان رجلا من الأنصار مات فأوذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بموته فقال صلى اللّه عليه و آله لمن يليه من قرابته: خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيامة، قال: و ما التخضير؟ قال: جريدة خضراء توضع من أصل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 10 ح 1 ص 739.

(2) مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 35.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 6 ص 737.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 4 ص 736.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 11 ص 738.

287
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

دراهم، و أكمل منه ثلاثة عشر درهما و ثلاث، كذا ذكره الخمسة و أتباعهم. ثمَّ لا أعلم للأصحاب فيه خلافا، و قد سلف من الأحاديث ما يتضمن ذلك و الكلام عليها.

مسئلة: و يجعل معه «جريدتين»

و هو مذهب علمائنا أجمع، و لم يستحبه من عداهم، لنا قوله عليه السّلام «خضروا أصحابكم» «1» أي اجعلوا معه جريدة خضراء و ما رواه أحمد في مسنده عن أبي بكر قال: «بينا انا اماشي النبي صلى اللّه عليه و آله فاذا نحن بقبرين، فقال: انهما يعذبان بكثير فأيكم يأتيني بجريد فأتيته فكسرها نصفين فألقى على ذا القبر قطعة و على ذا القبر قطعة، و قال انه مهون عنهما ما كانتا رطبتين و ما يعذبان إلا في البول و الغيبة» «2».

و ما روي عن طريق أهل البيت عليهم السّلام كثير، من ذلك: ما رواه الحسين بن زياد الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يوضع للميت جريدة في اليمين، و الأخرى في اليسار، فإن الجريدة تنفع المؤمن و الكافر» «3» و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له: «لأي شي‌ء يكون مع الميت جريدة؟ قال: تجافي عنه ما دامت رطبة» «4» و روى عنه عليه السّلام «ان الجريدة تنفع المسي‌ء و المحسن» «5».

و روى ابن بابويه في كتابه عن يحيى بن عبادة المكي قال: «سمعت سفيان الثوري يسأل أبا جعفر عليه السّلام عن التحضير، فقال: ان رجلا من الأنصار مات فأوذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بموته فقال صلى اللّه عليه و آله لمن يليه من قرابته: خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيامة، قال: و ما التخضير؟ قال: جريدة خضراء توضع من أصل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 10 ح 1 ص 739.

(2) مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 35.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 6 ص 737.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 4 ص 736.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 11 ص 738.

287
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يجعل إحديهما مع ترقوته من جانبه الأيمن يلصقها بجلده، و الأخرى من الجانب اليسار بين القميص و الإزار ؛ ج‌1، ص : 288

اليدين إلى أصل الترقوة» «1» و قال علي بن بابويه: فان لم يكن من النخل فلا بأس أن تكون من غيره.

مسئلة: و يجعل إحديهما مع ترقوته من جانبه الأيمن يلصقها بجلده، و الأخرى من الجانب اليسار بين القميص و الإزار

، ذكر ذلك الشيخان في المبسوط و النهاية و المقنعة. و قال ابن عقيل: واحدة تحت إبطه الأيمن، و قال علي بن بابويه، يجعل اليمنى مع ترقوته و اليسرى عند وركه بين القميص و الإزار.

و في رواية جميل بن دراج قال: «ان الجريدة قدر شبر توضع من عند الترقوة الى ما بلغت من ما يلي الجانب الأيمن، و الأخرى في الأيسر، من عند الترقوة الى ما بلغت من فوق القميص» «2» و في رواية عبد اللّه بن المغيرة، عن رجل، عن يحيى ابن عبادة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يوضع و أشار بيده من عند ترقوته الى يده تلف مع ثيابه» «3» و الروايتان ضعيفتان، لأن القائل في الأول مجهول، و الثانية مقطوعة السند، و مع اختلاف الروايات و الأقوال يجب الجزم بالقدر المشترك بينها و هو استحباب وضعها مع الميت في كفنه أو في قبره بأي هذه الصور شئت.

مسئلة: و قيل فان تعذر النخل فمن السدر

، و ان تعذر فمن الخلاف، و المفيد (ره) قدم الخلاف على السدر، روى سهل بن زياد عن غير واحد من أصحابنا قلنا له: «جعلنا فداك ان لم نقدر على الجريدة؟ قال: عود السدر، قلنا: فان لم نقدر؟

قال: عود الخلاف» «4» و هذا كما ذكره الشيخ، لكن «سهل» ضعيف و المقول مجهول، فالرواية ساقطة.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 3 ص 736.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 10 ح 2 ص 740.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 10 ح 4 ص 740.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 8 ح 3 ص 739.

288
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 289

و روى علي بن بلال «انه كتب إليه سأله عن الجريدة إذا لم يوجد يجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل؟ قال: يجوز، و الجريدة أفضل» «1» و هذه أيضا لا يعلم من القائل فيها، و في رواية: عود رمان، و في أخرى: عود رطب، و كل ذلك لم يثبت، فلهذا استند الفتوى الى قول الذاهب إليها لعدم العلم بالمستند.

«المكروهات»

مسئلة: يكره بل الخيوط التي يخاط به الكفن بالريق

، ذكره الشيخ في النهاية و المبسوط، و رأيت الأصحاب يجتنبونه و لا بأس بمتابعتهم، لازالة الاحتمال و وقوفا على الاولى، و هذا موضع الوفاق، و يكره أن يعمل لما يبتدئ من الأكفان أكمام، على هذا فتوى الأصحاب.

و روى محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عمن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: «الرجل يكون له القميص يكفن فيه؟ فقال: اقطع أزراره، قلت: و كمه؟

قال لا، انما ذلك إذا قطع له و هو جديد لم يجعل له كما، فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه الا أزراره» «2» و «محمد بن عيسى» ضعيف، و كذا «محمد بن سنان» مع ان الرواية مرسلة، فهي إذا قاصرة عن افادة الحكم لكن العمل بمضمونها لما قلناه أمام هذا الفصل.

مسئلة: يكره أن يكفن في السواد

، و عليه إجماع العلماء، و لأنها ثياب مثلة، و يؤيد الكراهية ما رواه الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه قال: «لا تكفن الميت في السواد» «3» و «حسين بن مختار» هذا واقفي، و عملنا ليس الا لقبول‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 8 ح 2 ص 738.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 28 ح 2 ص 756.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 21 ح 1 ص 751.

289
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا تجمر أكفان الميت، و لا تطيب بغير الكافور و الذريرة، ؛ ج‌1، ص : 290

الأصحاب لها.

مسئلة: لا تجمر أكفان الميت، و لا تطيب بغير الكافور و الذريرة،

و معنى «تجمر» تدخن بالمجمرة، و «المجمرة» ما تدخن به الثياب، قال الشاعر:

لا تصطلى النار الا مجمرا أرجا

قد كسرت من يلنجوج له و قصا

و على كراهية ذلك إجماع علمائنا، و قال الشافعي و أبو حنيفة: يستحب.

لنا انه فعل لم يأمر به الشرع، فيكون فعله تضييعا، و يؤيده ما روي عن أهل البيت عليهم السّلام عن طرق، منها: رواية ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تجمروا الكفن» «1» و ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا تجمروا الأكفان و لا تمسوا موتاكم بالطيب الا بالكافور، فان الميت بمنزلة المحرم» «2» و لا يضاده ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بدخنة كفن الميت» «3» لان الجمع بين الروايتين بالجواز و الكراهية.

مسئلة: يكره أن يكتب على الكفن بالسواد

، ذكر ذلك الشيخ في النهاية و المبسوط. و هو حسن، لأن في ذلك نوع استبشاع، و لأن وظائف الميت متلقاه توقيفا، فيقف على الدلالة.

مسئلة: يكره أن يجعل في سمعه و بصره شي‌ء من الكافور

، و هو اختيار الأكثر منا. لنا ان ذلك يفسدهما فيجتنب لقوله: جنبوا موتاكم ما تجنبون أحياكم.

و لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تجعل في مسامع الميت حنوطا» «4» أما رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تضع‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 2 ص 733.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 5 ص 734.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 13 ص 735.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 4 ص 747.

290
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال في الخلاف: يكره أن يكون في الكافور شي‌ء من المسك و العنبر ؛ ج‌1، ص : 291

الكافور في فمه و مسامعه» «1» يريد بذلك على فمه فمحمولة على الجواز، و تلك على الكراهية.

مسئلة: قال في الخلاف: يكره أن يكون في الكافور شي‌ء من المسك و العنبر.

و كذا قال في النهاية و المبسوط، و المفيد في المقنعة، روى محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تمسوا موتاكم بالطيب الا بالكافور» «2».

مسئلة: قيل: يكره أن يقطع الكفن بالحديد،

ذكر ذلك الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و قال في التهذيب: سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ، و عليه كان عملهم، قلت: و يستحب متابعتهم تخلصا من الوقوع فيما يكره.

الرابع: «الدفن»

مسئلة: و الغرض مواراته في الأرض على جانبه الأيمن مواجها للقبلة،

أما وجوب دفنه فعليه إجماع المسلمين، و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله أمر بذلك و وقف على القبور و فعله، و الكيفية المذكورة ذكرها الشيخ في النهاية و المبسوط، و المفيد في الرسالة العرفية، و ابنا بابويه، و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله دفن كذلك، و هو عمل الصحابة و التابعين.

مسئلة: إذا مات في السفينة في البحر غسل و كفن و صلى عليه، و ثقل ليرسب في الماء،

أو جعل في خابية و شد رأسها و ألقي في البحر، و قال أحمد: يتربص به توقعا للمكنة من دفنه. و قال الشافعي: يجعل بين لوحين. لنا ان المقصود من دفنه ستره، و هو يحصل على هذا التقدير، و إلقائه بين لوحين تعرض لهتكه و هو ضد المقصود بالدفن.

و يؤيد ذلك ما روي من طريق أهل البيت عليهم السّلام، رواه أيوب بن الحر قال:

«سئل أبو عبد اللّه عن رجل مات و هو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 3 ص 747.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 5 ص 734.

291
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لو ماتت ذمية حاملا من مسلم دفنت في مقبرة المسلمين، يستدبر بها القبلة إكراما لولدها ؛ ج‌1، ص : 292

يوضع في خابية و يوكأ رأسها و يطرح في الماء» «1» و أما التثقيل ففيه أحاديث، فيها ضعف لكن العمل بها يتضمن ستر الميت و صيانته عن بقائه بين ظهراني صحبه، و روى أبان، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يغسل و يكفن و يصلى عليه و يثقل و يرسى في البحر» «2».

مسئلة: لو ماتت ذمية حاملا من مسلم دفنت في مقبرة المسلمين، يستدبر بها القبلة إكراما لولدها

، العامل في الإكرام دفنت بمعنى انها تدفن في مقابر المسلمين إكراما لولدها، و الوجه فيه: ان الحمل المشار اليه له حرمة أجنة المسلمين، لأنه لو سقط لم يدفن إلا في مقابر المسلمين، و موته في جوف أمه لم يسقط حرمته، و لما كان الدفن في مقبرة المسلمين له بالقصد الأصلي، روعي كيفية الدفن فيه لا في أمه.

و استدل الشيخ في التهذيب على ذلك برواية أحمد بن أشيم، عن يونس قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يكون له الجارية اليهودية أو النصرانية حملت منه ثمَّ ماتت، و الولد في بطنها و مات الولد، أ يدفن معها على النصرانية أو يخرج منها و يدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب يدفن معها» «3» و لست أرى في هذا حجة، أما أولا: فلان «ابن أشيم» ضعيف جدا على ما ذكره النجاشي في كتاب المصنفين و الشيخ.

و أما ثانيا: فلان دفنه معها لا يتضمن دفنها في مقبرة المسلمين، بل ظاهر اللفظ يدل على دفن الولد معها حيث تدفن هي، و لا إشعار في الرواية بموضع دفنها، و الوجه ان الولد لما كان محكوما له بأحكام المسلمين لم يجز دفنه في مقابر أهل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 40 ح 1 ص 866.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 40 ح 3 ص 867.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 39 ح 2 ص 866.

292
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: مشي المشيع وراء الجنازة أو مع جانبيها أفضل من تقدمها ؛ ج‌1، ص : 293

الذمة و إخراجه مع موتهما غير جائز، فتعين دفنها معه، و كما قلناه نقل عن عمر ابن الخطاب، و قال أحمد بن حنبل: يدفن بين مقبرة المسلمين و النصارى و يستدبر بها كما قلناه في الاستدبار.

مسئلة: مشي المشيع وراء الجنازة أو مع جانبيها أفضل من تقدمها

، و هو مذهب فقهائنا، غير اني لا أكره المشي أمامها بل هو مباح، و به قال الأوزاعي، و أبو حنيفة، و قال الشافعي و مالك و أحمد: المشي أمامها أفضل، لما روى ابن عمر قال: «رأيت النبي صلى اللّه عليه و آله و أبا بكر و عمر يمشون أمام الجنازة» «1» و لأنهم شفعاء و الشافع متقدم.

لنا ما رووه عن علي عليه السّلام قال: «فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع، سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» «2» و لأنها متبوعة و ليست تابعة، و من طريق الأصحاب ما رواه السكوني، عن جعفر عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام قال: «سمعت النبي صلى اللّه عليه و آله يقول اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم خالفوا أهل الكتاب» «3».

و ما رواه الشافعي عن ابن عمر حكاية حال يعارضها القول فيكون الترجيح للقول، و لان فعله عليه السّلام يدل على الجواز، و ليس البحث فيه بل في الفضيلة و نحن نساعد على الجواز، و لكن التبع لها أفضل، و كذا المشي إلى جانبها يدل على ذلك ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها» «4» و لا بأس أن يمشي بين يديها، و عن سدير عن أبي‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 23.

(2) نقل في ذيل السنن للبيهقي ج 4 ص 25.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 4 ح 4 ص 825.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 4 ح 1 ص 824.

293
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يكره أن يركب المشيع دابة في تشييعه، ؛ ج‌1، ص : 294

جعفر عليه السّلام قال: «من أحب أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير» «1».

مسئلة: يكره أن يركب المشيع دابة في تشييعه،

و لا بأس به في عوده، لما رووه عن ثوبان قال: «خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في جنازة فرأى راكبا فقال:

ألا تستحيون فإن ملائكة اللّه على أقدامهم، و أنتم على ظهور الدواب» «2».

و من طريق الأصحاب ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في جنازة يمشي فقال له بعض أصحابه: ألا تركب؟

فقال: اني أكره أن أركب و الملائكة يمشون» «3» و روى غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام «انه كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدأة الا من عذر و قال: يركب إذا رجع» «4» و الراكب يتحتم عليه المضي خلف الجنازة عند أحمد، و عندنا يتأكد لقول النبي صلى اللّه عليه و آله: «الراكب يسير خلف الجنازة و الماشي يمشي خلفها و أمامها و عن يمينها و عن يسارها قريبا منها» «5».

مسئلة: قال علي بن بابويه في الرسالة: و إياك أن تقول: ارفقوا به أو ترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك

. و بذلك رواية عن أهل البيت عليهم السّلام نادرة، لكن لا بأس بمتابعته تقصيا من الوقوع في المكروه.

مسئلة: «تربيع» الجنازة مستحب،

و هو تفعيل، و معناه: حمل الجنازة من جوانبها الأربع، و أفضله أن يبدأ بمقدم السرير الأيمن، ثمَّ يمر عليه إلى مؤخره، ثمَّ يؤخر السرير الأيسر و يمر عليه الى مقدمه دور الرحا، ذكره الشيخ في النهاية و المبسوط. و قال في الخلاف: يحمل بميامنه مقدم السرير الأيسر، ثمَّ يدور حوله‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 4 ح 3 ص 825.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 23.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 6 ح 1 ص 827.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 6 ح 2 ص 827.

(5) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 24.

294
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يستحب حفر القبر قامة أو الى الترقوة، ؛ ج‌1، ص : 295

حتى يرجع الى المقدم، و هو المروي عن أحمد، و قال أبو حنيفة: لا يدور حوله بل يحمل مياسر السرير ثمَّ يعود الى ميامنه. و قال الشافعي: الحمل بين العمودين أفضل من التربيع، و الجمع بينهما أكمل.

لنا ان ما ذكرناه مروي عن أكابر الصحابة، كابن مسعود، و ابن عمر، و سعيد بن جبير، و لأنه أسهل على الحامل، و من طريق الأصحاب ما رواه العلاء ابن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يبدأ في الحمل من الجانب الأيمن ثمَّ يمر عليه من خلفه الى الجانب الأخر حتى يرجع الى المقدم كذلك دور الرحا» «1».

مسئلة: يستحب حفر القبر قامة أو الى الترقوة،

و هو اختيار الشيخين و ابن بابويه في كتابه، و قال أحمد: إلى الصدر، و عن الشافعي: قامة و بسطه لقوله:

احفروا و أوسعوا و اعمقوا.

لنا ان القصد بالدفن ستره و حفظه من الهوام، و هو يحصل بالقدر الذي ذكرناه، فلا حاجة الى الزيادة، و قال ابن بابويه في كتابه، قال الصادق عليه السّلام: حد القبر إلى الترقوة، و قد روى هذا الشيخ في التهذيب عن محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «حد القبر إلى الترقوة و قال بعضهم:

الى الثديين، و قال بعضهم: قامة الرجل حتى تمد الثوب على رأس من في القبر» «2».

و روى السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان النبي صلى اللّه عليه و آله نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع» «3» و أما خبر الشافعي و هو قول النبي صلى اللّه عليه و آله: احفروا و أوسعوا و اعمقوا. فلانه لا يدل على قدر التعميق فيقتصر على حصول مسماه، خصوصا و قد روي بطريق أهل البيت عليهم السّلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله النهي عن الزيادة على ثلاثة أذرع،

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 8 ح 5 ص 830.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 14 ح 2 ص 836.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 14 ح 1 ص 836.

295
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و أن يجعل له«لحد» ؛ ج‌1، ص : 296

فان ذلك يكون بيانا و به تسقط دعوى الشافعي.

مسئلة: و أن يجعل له «لحد»

و معناه ان الحافر إذا انتهى الى أرض القبر حفره مما يلي القبلة حفرا واسعا قدر ما يجلس فيه الجالس، كذا ذكره الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و ابن بابويه في كتابه، لقوله عليه السّلام «اللحد لنا و الشق لغيرنا» «1».

و من طريق الأصحاب ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لحد له أبو طلحة الأنصاري» «2» و في رواية إسماعيل بن همام، عن الرضا عليه السّلام قال: «قال أبو جعفر حين احتضر: إذا أنا مت فاحفروا لي شقا، فان قيل لكم: ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لحد له فصدقوا» «3».

و قال في التهذيب في رواية عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: و أما اللحد فقدر ما يتمكن فيه من الجلوس، و لو كانت الأرض رخوة لا يحتمل يعمل له شبه اللحد من بناء تحصيلا للفضيلة. و قد روى سالم بن مكرم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«يجعل للميت و سادة من تراب، و يجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي» «4».

مسئلة: يستحب لمن دخل قبر الميت أن يحل أزراره و أن يتخفى و يكشف رأسه،

هذا مذهب الأصحاب، و يؤيده ما رواه بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه قال: «لا تنزل القبر و عليك عمامة و لا قلنسوة و لا رداء و لا حذاء، و حل أزرارك قلت: فالخف؟ قال: لا بأس» «5».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 408.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 15 ح 1 ص 836.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 15 ح 2 ص 836.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 19 ح 5 ص 841.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 18 ح 4 ص 840.

296
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يدعو عند نزوله، ؛ ج‌1، ص : 297

مسئلة: و يدعو عند نزوله،

و هو اتفاق العلماء، روى «ان ابن عمر ماتت له بنت فقال حين وضعها في لحدها: بسم اللّه و في سبيل اللّه و على ملة رسول اللّه، فلما أخذ في تسوية اللبن قال: اللهم أجرها من الشيطان و من عذاب القبر، اللهم جاف الأرض عن جنبيها و صعّد روحها و لقّها منك رضوانا، و سأل عن هذا، فقال: سمعته من رسول اللّه» «1».

و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا وضعته في لحده فقل: بسم اللّه و في سبيل اللّه، و على ملة رسول اللّه، اللهم عبدك نزل بك، و أنت خير منزول به، اللهم افسح له في قبره و الحقه بنبيه، اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا و أنت أعلم به منا، فاذا وضعت اللبن فقل: اللهم صل وحدته، و آنس وحشته، و أسكن إليه من رحمتك رحمة تعينه بها عن رحمة من سواك، فاذا خرجت من قبره فقل: إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ اللهم ارفع درجته في أعلى عليين و اخلف على عقبه في الغابرين و عندك نحتسبه يا رب العالمين» «2»

مسئلة: يكره أن ينزل الرحم الى قبر رحمه الا أن تكون امرأة،

أما في الرجل فلان ذلك يقسي القلب، و الرحمة صفة مرادة للّه تعالى، و أما في المرأة فيستحب الرحم لأنها عورة، روى السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام «مضت السنة من رسول اللّه ان المرأة لا يدخل قبرها الا من كان يراها في حيوتها» «3» و يدخل القبر من شاء الولي شفعا أو وترا، روى ذلك زرارة عن أبي عبد اللّه، و لان القصد المساعدة على إدخال الميت قبره فيقدر بقدر الحاجة.

مسئلة: و يجعل الميت عند رجل ان كان رجلا،

و قدامه مما يلي القبلة‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 55.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 21 ح 2 ص 845.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 26 ح 1 ص 853.

297
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: ثم يسل سلا من عند رجل القبر و يلحده، ثم يحل عقد كفنه من قبل رأسه و رجليه ؛ ج‌1، ص : 298

ان كان امرأة، و ينقل مرتين و يصبر عليه بينهما مرتين، ثمَّ ينزل في الثالثة سابقا برأسه، و تؤخذ المرأة عرضا، هذا مذهب الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن بابويه في كتابه. و روى عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه قال: «ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة ثمَّ واره» «1».

و روى محمد بن عطية مرسلا قال: «إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تقدمه ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أهبته، ثمَّ ضعه في لحده و ألصق خده بالأرض، و ليكن أولى الناس به مما يلي رأسه، و ليقرء فاتحة الكتاب، و المعوذتين، و قل هو اللّه أحد، و آية الكرسي، ثمَّ ليقل: ما يعلم حتى ينتهي الى صاحبه» «2» و هذه الكيفية مستندها هذا الحديث و مثلها من الأحاديث التي يمنع ضعفها من التمسك بها، لكن المعول على عمل الأصحاب بها و قبولهم إياها، و على هذا التقدير ينبغي الاقتصار على ما تضمنته الرواية.

مسئلة: ثمَّ يسل سلا من عند رجل القبر و يلحده، ثمَّ يحل عقد كفنه من قبل رأسه و رجليه

، روى الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه، و إذا وضعته في القبر فاقرء آية الكرسي و قل، ثمَّ ذكر الدعاء» «3» و عن النبي صلى اللّه عليه و آله ان لكل بيت بابا، و ان باب القبر من قبل الرجلين» «4».

و روى السكوني، عن جعفر، عن أبيه قال: «من دخل القبر فلا يخرج منه الا من قبل الرجلين» «5» و عن عبد الصمد بن هارون رفع الحديث قال: «قال أبو‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 16 ح 1 ص 837.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 20 ح 7 ص 844.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 21 ح 1 ص 845.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 22 ح 7 ص 849.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 23 ح 1 ص 850.

298
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و إذا طرحه في لحده لقنه الولي أو من نزل اليه التلقين الثاني ؛ ج‌1، ص : 299

عبد اللّه عليه السّلام: إذا أدخل الميت القبر ان كان رجلا يسل سلا، و المرأة تؤخذ عرضا» «1» و قال أبو حنيفة: توضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة، ثمَّ يدخل القبر معترضا، كما نقوله نحن في المرأة.

لنا ما رواه أحمد، عن عبد اللّه بن زياد الأنصاري «ان الحرث أوصى أن يليه عند موته، فصلى عليه، ثمَّ دخل القبر فأدخله من رجل القبر» «2» و عن ابن عباس «ان النبي صلى اللّه عليه و آله سل من قبل رأسه سلا» «3».

مسئلة: و إذا طرحه في لحده لقنه الولي أو من نزل اليه التلقين الثاني

، روى أبو بصير قال: «إذا وضعته في اللحد فضع فمك على اذنه و قل: اللّه ربك، و الإسلام دينك، و محمد نبيك، و القرآن كتابك، و علي امامك» «4» و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «اضرب بيدك على منكبه و قل» «5».

و كره أبو حنيفة أن يؤمر بها، و لا وجه له، و في رواية محمد بن سنان عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر و تحركه تحركا شديدا ثمَّ تقول: يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل: اللّه ربي، و محمد نبيي، و الإسلام ديني، و القرآن كتابي، و علي امامي، حتى تستوفي الأئمة، ثمَّ تعيد القول» «6».

مسئلة: ثمَّ يشرج اللحد باللبن، و ان سواه بالطين كان ندبا،

و هو مذهب فقهائنا، روى محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و تقول عفوك عفوك، و تضع الطين و اللبن تقول: اللهم صل وحدته، و أنس وحشته، و أمن روعته، و اسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك، ثمَّ تخرج من‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 38 ح 1 ص 865.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 54.

(3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 54.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 20 ح 3 ص 843.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 20 ح 6 ص 844.

(6) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 21 ح 6 ص 847.

299
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يهيل الحاضرون بظهور أكفهم مسترجعين، و لا يهيل ذو الرحم على رحمه، ؛ ج‌1، ص : 300

القبر و أنت تقول: إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، اللهم ارفع درجته في عليين و اخلف على أهله في الغابرين، و عندك نحتسبه يا رب العالمين» «1».

مسئلة: و يهيل الحاضرون بظهور أكفهم مسترجعين، و لا يهيل ذو الرحم على رحمه،

ذكره الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و ابنا بابويه، و عليه فتوى الأصحاب، و يؤيده ما رواه عبيد بن زرارة قال: «مات لبعض أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام ولد، فحضر أبو عبد اللّه عليه السّلام فلما ألحد تقدم أبوه ليطرح عليه، فأخذ أبو عبد اللّه بكفه و قال: لا تطرح عليه التراب، فقلنا يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أ تنهانا عن هذا وحده، فقال: أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام، فإن ذلك يورث القسوة في القلب، و من قسى قلبه بعد من ربه» «2».

و عن السكوني قال: «إذا حثوت التراب على الميت فقل: اللهم ايمانا بك و تصديقا بنبيك، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: من حثى على ميت و قال هذا القول، أعطاه اللّه بكل ذرة حسنة» «3» و الاسترجاع قول (إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ) و دلالة استحباب الاية.

مسئلة: و يحل عقد كفنه و يجعل معه تربة،

و عليه اتفاق الأصحاب، روى الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة «قلت لأحدهما: يحل كفن الميت؟ قال: نعم، و يبرز وجهه» «4» و عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن عقد كفن الميت، قال: نعم إذا أدخلته القبر فحلّها» «5».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 21 ح 6 ص 847.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 30 ح 1 ص 855.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 39 ح 4 ص 855.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 19 ح 1 ص 841.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 19 ح 3 ص 841.

300
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: ثم يطم القبر، و لا يطرح فيه من غير ترابه، ؛ ج‌1، ص : 301

و قد روى حفص البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يشق الكفن إذا أدخلت الميت في قبره من عند رأسه» «1» و هذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب، و لان ذلك إفساد للمال على وجه غير مشروع، و مثله رواية ابن عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فلا عبرة بهما، و الصواب الاقتصار على حل عقده، و أما وضع التربة:

ففتوى الشيخين، و اختلف قولهما في موضع جعلها، و الأحسن تحت خده، و قيل:

في كفنه، و قيل تلقاء وجهه.

مسئلة: ثمَّ يطم القبر، و لا يطرح فيه من غير ترابه،

و عليه فتوى الأصحاب، روى الجلال بإسناده عن جابر قال: «نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يزاد في القبر على حفرته» «2» و عن عقبة بن عامر قال:» لا تجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج منه» و من طريق الأصحاب ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان النبي صلى اللّه عليه و آله نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه» «3» و عنه، عن الصادق عليه السّلام قال:

«لا تطينوا القبر من غير طينه» «4».

مسئلة: و يرفع مقدار أربع أصابع مربعا،

هذا فتوى الأصحاب بأجمعهم، و يؤيده رواية محمد بن مسلم قال: «سألت أحدهما عن الميت، فقال يسل سلا من قبل رجليه، و يلزق الأرض بالقبر الا قدر أربع أصابع مفرجات، و يربع قبره» «5».

و من طريق الجمهور ما رواه الساجي بإسناده عن جابر «ان النبي صلى اللّه عليه و آله رفع قبره عن الأرض بقدر شبر» «6» و التربيع مذهبنا و مذهب الشافعي، خلافا لأبي حنيفة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 19 ح 2 ص 841.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 410.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 36 ح 1 ص 864.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 36 ح 2 ص 864.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 22 ح 2 ص 848.

(6) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 410.

301
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يصب الماء عليه من رأسه دورا ؛ ج‌1، ص : 302

و مالك و أحمد. لنا «ان النبي صلى اللّه عليه و آله سطح قبر ابنه إبراهيم، و عن القاسم قال: رأيت قبر النبي صلى اللّه عليه و آله و أبي بكر و عمر مسطحة» «1».

مسئلة: و يصب الماء عليه من رأسه دورا

، فان فضل صبه على وسطه، و هو مذهب الأصحاب، ذكره الخمسة و أتباعهم، و يؤيد ذلك ما رواه موسى بن أكيل النميري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة و يبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل، يدور على القبر من الجانب الأخر، ثمَّ يرش على وسط القبر» «2».

و يستحب أن يتوضأ إذا دخل القبر، روى الحلبي و محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات، و ذكر ان الرش بالماء حسن، و قال: توضأ إذا أدخلت الميت القبر» «3».

مسئلة: و يضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين،

و هو مذهب فقهائنا، و يؤيده رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا حثي عليه التراب و سوي قبره، فضع كفك على قبره عند رأسه، و فرج أصابعك، و اغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء» «4».

و روى إسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: ان أصحابنا يضعون شيئا إذا حضروا الجنازة و دفن الميت، لم يرجعوا حتى يمسحوا بأيديهم على القبر، أ فسنة ذلك أم بدعة؟ فقال: ذلك واجب على كل من يحضر الصلاة عليه» «5» و روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام كيف أضع يدي على‌

______________________________
(1) رواه البيهقي في سننه بغير هذه العبارة ج 4 ص 2 و 3.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 33 ح 1 ص 859.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 31 ح 7 ص 857.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 33 ح 1 ص 860.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 33 ح 2 ص 860.

302
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يلقنه الولي بعد انصراف الناس عنه، ؛ ج‌1، ص : 303

قبور المسلمين؟ فأشار بيده الى الأرض فوضعها عليه و هو مقابل القبلة» «1».

مسئلة: و يلقنه الولي بعد انصراف الناس عنه،

هذا هو التلقين الثالث، و هو مذهب علمائنا أجمع، و أنكر ذلك من سواهم من الفقهاء الأربعة.

لنا ما رووه عن أبي أمامة الباهلي «ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: إذا مات أحدكم و سويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره، ثمَّ ليقل: يا فلان بن فلان، فإنه يسمع و لا يجيب، ثمَّ يقول: يا فلان بن فلانة فيستوي قاعدا، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك اللّه، فيقول: اذكر ما خرجت من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أن محمدا عبده و رسوله، و انك رضيت باللّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد صلى اللّه عليه و آله نبيا، و بالقرآن كتابا، و بعلي عليه السّلام إماما، فإن منكرا و نكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول:

انطلق فما يقعدنا عند هذا و قد لقن حجته، قال: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فان لم يعرف اسم أمه؟ قال: انسبه الى حواء».

و من طريق الأصحاب عن يحيى بن عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعت أبا عبد اللّه يقول: ما على أهل الميت منكم أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر و نكير، قلت: كيف يصنع؟ قال: إذا أفرد الميت فليتخلف عنده أولى الناس به، فليضع فمه عند رأسه ثمَّ ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن فلان أو فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و ان محمدا صلى اللّه عليه و آله عبده و رسوله، و ان عليا عليه السّلام أمير المؤمنين، و ان ما جاء به محمد صلى اللّه عليه و آله حق، و ان الموت حق، و البعث حق، و ان اللّه يبعث من في القبور، قال: فيقول منكر و نكير: انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته» «2».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 33 ح 5 ص 861.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 35 ح 1 ص 862.

303
المعتبر في شرح المختصر1

«المكروهات» ؛ ج‌1، ص : 304

«المكروهات»

يكره فرش القبر بالساج الا مع الحاجة إليه، لأنه إتلاف المال فيقف الجواز على الضرورة، و يؤيده من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن علي القاساني، عن محمد بن محمد قال: «كتب اليه علي بن بلال انه ربما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية، فيفرش القبر بالساج أو تطبق عليه، فهل يجوز؟ فكتب ذلك جائز» «1».

مسئلة: و يكره تجصيص القبور و تجديدها

، لما روي علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام «سألته عن البناء على القبر و الجلوس عليه هل يصلح؟ فقال: لا يصلح البناء عليه، و لا الجلوس، و لا تجصيصه، و لا تطيينه» «2» و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام» «3» و قد اختلف الأصحاب في رواية هذه اللفظة، فقال سعد بن عبد اللّه: هي «بالحاء المهملة» و عني زينتها، و قال المفيد (ره): «بالخاء» و عني شقها، من خددت الأرض أي شققتها، فيكون النهي على هذا للتحريم.

و قال محمد بن الحسن الصفار: «بالجيم» و عني تجديدها أي تجديد بنائها أو تطيينها، و حكي انه لم يكره رمها و قال البرقي: «بالجيم» و «الثاء» و لم يفسره و قال الشيخ (ره): المعنى ان يجعل القبر حدثا دفعة اخرى، قلت: و هذا الخبر رواه محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن الأصبغ، عن علي عليه السّلام.

و «محمد بن سنان» ضعيف، و كذا «أبو الجارود» فاذن الرواية ساقطة، فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق نقلها، و روى محمد بن مسلم في صحيحة قال:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 27 ح 1 ص 853.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 44 ح 1 ص 869.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 43 ح 1 ص 868.

304
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يكره تجصيص القبور و تجديدها ؛ ج‌1، ص : 304

«المكروهات»

يكره فرش القبر بالساج الا مع الحاجة إليه، لأنه إتلاف المال فيقف الجواز على الضرورة، و يؤيده من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن علي القاساني، عن محمد بن محمد قال: «كتب اليه علي بن بلال انه ربما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية، فيفرش القبر بالساج أو تطبق عليه، فهل يجوز؟ فكتب ذلك جائز» «1».

مسئلة: و يكره تجصيص القبور و تجديدها

، لما روي علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام «سألته عن البناء على القبر و الجلوس عليه هل يصلح؟ فقال: لا يصلح البناء عليه، و لا الجلوس، و لا تجصيصه، و لا تطيينه» «2» و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام» «3» و قد اختلف الأصحاب في رواية هذه اللفظة، فقال سعد بن عبد اللّه: هي «بالحاء المهملة» و عني زينتها، و قال المفيد (ره): «بالخاء» و عني شقها، من خددت الأرض أي شققتها، فيكون النهي على هذا للتحريم.

و قال محمد بن الحسن الصفار: «بالجيم» و عني تجديدها أي تجديد بنائها أو تطيينها، و حكي انه لم يكره رمها و قال البرقي: «بالجيم» و «الثاء» و لم يفسره و قال الشيخ (ره): المعنى ان يجعل القبر حدثا دفعة اخرى، قلت: و هذا الخبر رواه محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن الأصبغ، عن علي عليه السّلام.

و «محمد بن سنان» ضعيف، و كذا «أبو الجارود» فاذن الرواية ساقطة، فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق نقلها، و روى محمد بن مسلم في صحيحة قال:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 27 ح 1 ص 853.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 44 ح 1 ص 869.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 43 ح 1 ص 868.

304
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يكره حمل ميتين على جنازة واحدة، ؛ ج‌1، ص : 305

«نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يجصص القبر، و أن يبنى عليه، و أن يقعد عليه» و مذهب الشيخ: انه لا بأس بذلك ابتداء، و ان الكراهية انما هي إعادتها بعد اندراسها.

و روى يونس بن يعقوب «لما رجع أبو الحسن موسى عليه السّلام من بغداد قاصدا إلى المدينة ماتت ابنته بفيد، فدفنها و أمر بعض مواليه أن يجصص قبرها و يكتب اسمها على لوح و يجعله في القبر» «1» و الوجه حمل هذه على الجواز، و الاولى على الكراهية مطلقا، و قال الشيخ في الخلاف: و يكره أن يجلس على قبر، أو يبكي عليه، أو يمشى عليه. و به قال العلماء، و قال مالك: ان فعل ذلك للغائط كره، و لغيره لا يكره.

لنا قوله عليه السّلام «لان يجلس أحدكم على جمر فيخرق ثيابه فتصل النار الى بدنه أحب الي من أن يجلس على قبر» «2» و هذه الرواية عامية، و المروي لنا ما سبق من رواية علي بن جعفر، فينبغي الاقتصار في الكراهية على مضمونها، على انه لو قيل بكراهية ذلك كله كان حسنا، لان القبر موضع العظة فلا يكون موضع الاستهانة.

مسئلة: يكره حمل ميّتين على جنازة واحدة،

ذكره الشيخ في النهاية و المبسوط، لأنه شنيع، و لما رواه محمد بن الحسن الصفار قال: «كتبت الى أبي محمد عليه السّلام أ يجوز أن يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة و قلة الناس و ان كان الميتان رجلا و امرأة يحملان على سرير واحد و يصلى عليهما؟ فوقع عليه السّلام لا يحمل الرجل و المرأة على سرير واحد» «3».

مسئلة: و لو كان مع الجنازة منكر لم يمنع لأجله عن الصلاة عليها

إذا لم يتمكن من إزالته، لأن الإنكار سقط عنه بالعجز، فلا يسقط الواجب، و يؤيده ما رواه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 37 ح 2 ص 864.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 79 (مع تفاوت).

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 42 ح 1 ص 868.

305
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يكره دفن ميتين في قبر واحد ؛ ج‌1، ص : 306

زرارة قال: «حضرت في جنازة فصرخت صارخة فقال عطا: لتسكتن أو لنرجع، فلم تسكت فرجع، فقلت ذلك لأبي جعفر، فقال: امض بنا، فلو انا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم» «1».

مسئلة: يكره دفن ميّتين في قبر واحد

، هذا إذا دفنا ابتداء، أما إذا دفن أحدهما ثمَّ أريد نبشه و دفن آخر فيه قال في المبسوط: يكره، ثمَّ قال في المبسوط: و إذا بادر إنسان و حفر قبرا فان لم يجد فيه شيئا فالحافر أحق به، و ان وجد فيه عظاما أو غيرها رد التراب فيه و لم يدفن فيه شيئا، و هذا يدلك على أنه أراد بالكراهية أولا التحريم، لان القبر صار حقا للأول يدفنه فيه فلم تجز مزاحمته بالثاني.

مسئلة: لا يستحب القيام إذا مرت به الجنازة

، لذمي كانت أو لمسلم، روى مسلم «ان النبي صلى اللّه عليه و آله قام للجنازة ثمَّ ترك» «2».

و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة قال: «مرت جنازة فقام الأنصاري و لم يقم أبو جعفر عليه السّلام فقال له: ما أقامك؟ فقال: رأيت الحسين بن علي عليهما السّلام يفعل ذلك فقال أبو جعفر عليه السّلام: و اللّه ما فعل ذلك الحسين و لا قام لها أحد منا أهل البيت قط، فقال الأنصاري: شككتني أصلحك اللّه و قد كنت أظن اني رأيت» «3».

و روى مثنى الخياط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان الحسين بن علي عليهما السّلام جالسا فمرت به جنازة فقام الناس حين طلعت الجنازة، فقال الحسين عليه السّلام: مرت جنازة يهودي و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله جالسا على طريقها فكره أن يعلو رأسه جنازة يهودي» «4».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 40 ح 1 ص 818.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 27، صحيح مسلم ج 2 ص 661.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 17 ح 1 ص 839.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 17 ح 2 ص 839.

306
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يكره نقل الميت الى غير بلد موته، ؛ ج‌1، ص : 307

مسئلة: يكره نقل الميت الى غير بلد موته،

و عليه العلماء أجمع، و قال علمائنا خاصة يجوز نقله الى مشاهد الأئمة عليهم السّلام، بل يستحب.

أما الأول: فلقول النبي صلى اللّه عليه و آله «عجلوهم الى مضاجعهم» و هو دليل على الاقتصار على المواضع القريبة المعهودة بالدفن.

و أما الثاني: فعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الآن، و هو مشهور بينهم لا يتناكرونه، و لأنه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة، و هو حسن بين الاحياء توصلا إلى فوائد الدنيا، فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى.

«اللواحق»

و هي تشتمل مسائل:

الأول: كفن المرأة على زوجها، سواء كانت موسرة أو معسرة

، و عليه فتوى الأصحاب، و اختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم: من مالها، و به قال أحمد، لانقطاع العصمة و زوال ما يوجب الإنفاق.

لنا ما روى إسماعيل السامري، عن أبي جعفر عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام قال: «على الزوج كفن امرأته إذا ماتت» «1» و لأن الزوجية ثابتة إلى حين الوفاة فيجب الكفن، و مثله العبد، فإنه يجب كفنه على مولاه بالإجماع، لاستمرار حكم رقيته إلى الوفاة، و قولهم: انقطعت العصمة فلا يجب كفنها، قلنا: ان أردتم انقطاع العصمة، بمعنى انه حلت له أختها مثلا فمسلّم، و ان أردتم لم يبق للزوجية أثر، فلا نسلم، و هذا لأنه يجوز له تغسيلها و هو أولى بها من عصبتها، و هو مذهب الشافعي و أحمد و ان منع أبو حنيفة، فالنقل يبطل منعه، لان عليا غسل فاطمة عليها السّلام، و اشتهر في الصحابة فلم ينكره أحد، فصار إجماعا.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 32 ح 2 ص 759.

307
المعتبر في شرح المختصر1

«اللواحق» ؛ ج‌1، ص : 307

مسئلة: يكره نقل الميت الى غير بلد موته،

و عليه العلماء أجمع، و قال علمائنا خاصة يجوز نقله الى مشاهد الأئمة عليهم السّلام، بل يستحب.

أما الأول: فلقول النبي صلى اللّه عليه و آله «عجلوهم الى مضاجعهم» و هو دليل على الاقتصار على المواضع القريبة المعهودة بالدفن.

و أما الثاني: فعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الآن، و هو مشهور بينهم لا يتناكرونه، و لأنه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة، و هو حسن بين الاحياء توصلا إلى فوائد الدنيا، فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى.

«اللواحق»

و هي تشتمل مسائل:

الأول: كفن المرأة على زوجها، سواء كانت موسرة أو معسرة

، و عليه فتوى الأصحاب، و اختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم: من مالها، و به قال أحمد، لانقطاع العصمة و زوال ما يوجب الإنفاق.

لنا ما روى إسماعيل السامري، عن أبي جعفر عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام قال: «على الزوج كفن امرأته إذا ماتت» «1» و لأن الزوجية ثابتة إلى حين الوفاة فيجب الكفن، و مثله العبد، فإنه يجب كفنه على مولاه بالإجماع، لاستمرار حكم رقيته إلى الوفاة، و قولهم: انقطعت العصمة فلا يجب كفنها، قلنا: ان أردتم انقطاع العصمة، بمعنى انه حلت له أختها مثلا فمسلّم، و ان أردتم لم يبق للزوجية أثر، فلا نسلم، و هذا لأنه يجوز له تغسيلها و هو أولى بها من عصبتها، و هو مذهب الشافعي و أحمد و ان منع أبو حنيفة، فالنقل يبطل منعه، لان عليا غسل فاطمة عليها السّلام، و اشتهر في الصحابة فلم ينكره أحد، فصار إجماعا.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 32 ح 2 ص 759.

307
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: كفن المرأة على زوجها، سواء كانت موسرة أو معسرة ؛ ج‌1، ص : 307

مسئلة: يكره نقل الميت الى غير بلد موته،

و عليه العلماء أجمع، و قال علمائنا خاصة يجوز نقله الى مشاهد الأئمة عليهم السّلام، بل يستحب.

أما الأول: فلقول النبي صلى اللّه عليه و آله «عجلوهم الى مضاجعهم» و هو دليل على الاقتصار على المواضع القريبة المعهودة بالدفن.

و أما الثاني: فعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الآن، و هو مشهور بينهم لا يتناكرونه، و لأنه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة، و هو حسن بين الاحياء توصلا إلى فوائد الدنيا، فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى.

«اللواحق»

و هي تشتمل مسائل:

الأول: كفن المرأة على زوجها، سواء كانت موسرة أو معسرة

، و عليه فتوى الأصحاب، و اختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم: من مالها، و به قال أحمد، لانقطاع العصمة و زوال ما يوجب الإنفاق.

لنا ما روى إسماعيل السامري، عن أبي جعفر عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام قال: «على الزوج كفن امرأته إذا ماتت» «1» و لأن الزوجية ثابتة إلى حين الوفاة فيجب الكفن، و مثله العبد، فإنه يجب كفنه على مولاه بالإجماع، لاستمرار حكم رقيته إلى الوفاة، و قولهم: انقطعت العصمة فلا يجب كفنها، قلنا: ان أردتم انقطاع العصمة، بمعنى انه حلت له أختها مثلا فمسلّم، و ان أردتم لم يبق للزوجية أثر، فلا نسلم، و هذا لأنه يجوز له تغسيلها و هو أولى بها من عصبتها، و هو مذهب الشافعي و أحمد و ان منع أبو حنيفة، فالنقل يبطل منعه، لان عليا غسل فاطمة عليها السّلام، و اشتهر في الصحابة فلم ينكره أحد، فصار إجماعا.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 32 ح 2 ص 759.

307
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و كفن الميت من أصل تركته، ؛ ج‌1، ص : 308

و رووا عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال لعائشة: «لو مت قبلي لغسلتك» «1» و لو لا علقته النكاح لما صح ذلك، و لأنه لا يطلع على ما لا يستباح لغيره من الرجال إلا بعلقة الرحم، أو النكاح، أو الملك، و لان الميراث تابع للزوجية و استحقاقه بعد الوفاة لقوله تعالى وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ «2» فسماهن أزواجا بعد الترك، و الترك لا يتحقق الا عند الوفاة، و إذا ثبت تسميتها زوجة لزمه كفنها، لان سقوط أحكام الزوجية انما يتحقق متأخرة عن الوفاة، و الكفن يجب عند الوفاة مقارنا لا متأخرا.

مسئلة: و كفن الميت من أصل تركته،

و هو مذهب أهل العلم الا شذاذا من الجمهور، فإنهم جعلوه من الثلث. لنا ان جماعة من الصحابة لم يكن لهم تركة الا قدر الكفن فكفنوا به، كحمزة و مصعب بن عمير، و لأنه لا ينتقل الى الوارث الا ما فضل عن دينه، و مئونة الرجل مقدمة على قضاء دينه.

و يؤيد ذلك ما رواه الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثمن الكفن من جميع المال» «3» و روى الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل مات و عليه دين، و خلّف قدر ثمن كفنه، قال: يكفن بما ترك الا أن ينجر إنسان بكفنه و يقضي بما ترك دية» «4».

مسئلة: لا يجوز نبش القبور و لا نقل الموتى بعد دفنهم،

أما النبش: فلانه مثلة بالميت و هتك له، و على تحريم نبشه إجماع المسلمين إلا في صور نذكرها:

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 396.

(2) النساء: 12.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 31 ح 1 ص 758.

(4) الوسائل ج 13 أبواب الدين و القراض باب 13 ح 1 ص 98.

308
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل و لا يكفن ؛ ج‌1، ص : 309

الأولى: إذا وقع في القبر ماله قيمة جاز نبشه لأخذه صيانة للمال عن الإضاعة.

الثانية: إذا غصبت أرض دفن فيها، فلمالكها قلعه، لأنه عدوان فيجب ازالته، و كذا لو كفن في الثوب المغصوب.

الثالثة: لو دفن و لم يغسل. قال الشافعي: نبش و غسّل و صلّى عليه إذا لم يخش فساده في نفسه. و قال الشيخ في الخلاف: لا ينبش، و هو الوجه، لان النبش مثلة فلا يستدرك الغسل بالمثلة.

الرابعة: إذا دفن و لم يكفن و لم يصل عليه فالوجه انه لا ينبش، لأن الصلاة تستدرك بالصلاة على قبره، و الدفن أغنى عن الكفن لحصول الستر به.

مسئلة: الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل و لا يكفن

، و هو إجماع أهل العلم خلا سعيد بن المسيب و الحسن البصري، فإنهما أوجبا غسله قالا: لان الميت لا يموت حتى يجنب، و لا عبرة بخلافهما. لنا قوله عليه السّلام «رملوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما» «1».

و يؤيده من طريق الأصحاب ما رواه أبان بن تغلب قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه و لا يغسل، الا أن يدرك المسلمون و به رمق ثمَّ يموت بعد، فإنه يغسل و يكفن و يحنط، ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كفن حمزة في ثيابه و لم يغسله، و لكنه صلى عليه» «2» و تجب الصلاة على الشهيد، قال الشافعي و أحمد لا يصلى عليه.

لنا ما روي عن ابن عباس «ان النبي صلى اللّه عليه و آله صلى على قتلى أحد» «3» و قوله عليه السّلام: «صلوا على من قال لا إله إلا اللّه» و روى أبو داود بإسناده «ان رجلا من‌

______________________________
(1) سنن النسائي ج 4 ص 78، سنن أحمد بن حنبل ج 5 ص 431 (مع تفاوت).

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 9 ص 700.

(3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 13.

309
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 310

أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله طلب رجلا من حي جهينة فأخطأه فأصاب نفسه بسيفه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فكفنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بثيابه و دمائه و صلى عليه، فقالوا يا رسول اللّه أو شهيد هو؟ فقال:

نعم و أنا له شهيد» «1».

و احتج الشافعي بما رواه جابر «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أمر بدفن قتلى أحد بدمائهم و لم يغسلهم و لم يصل عليهم» «2» و بأن الصلاة شفاعة في الميت و الشهيد غني بشهادته عن الشفاعة، و لأنه حي و الحي لا يصلى عليه.

و الجواب: المعارضة بما رويناه عن ابن عباس، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و بما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ثمَّ نقول: خبرنا أرجح، لأنه مثبت، و المثبت أولى بالقبول من النافي، و قوله: «الصلاة شفاعة» ليس بشي‌ء، بل هي عبادة ثمرتها حصول الأجر و تحصيل المصلحة المنوطة بفعلها، ثمَّ ينتقض ما ذكره بمن عرف انه مشهود له بالجنة من أعيان الصحابة، و قوله: «لا يصلى على الحي» قلنا: حق، لكن الشهيد ميت الجسد و ان كان حي النفس، و لأن الصلاة تجب بانقضاء النحب سواء حي بعد ذلك في الآخرة أو لم يحيى، و هذا الحكم يثبت و لو أكل و شرب و تكلم، خلافا لأبي حنيفة لأنه قتيل في سبيل اللّه فيلحقه حكم الشهيد.

فروع

الأول: لو كان الشهيد مجنبا لم يغسل،

ذكره الشيخ في النهاية و المبسوط، و به قال مالك، و قال أبو حنيفة و أحمد: يغسل، و اختاره ابن الجنيد منا و المرتضى في شرح الرسالة، لحديث حنظلة بن الراهب فإن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: ما شأن حنظلة‌

______________________________
(1) سنن ابى داود ج 3 كتاب الجهاد ص 21.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 10.

310
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: لو كان الشهيد مجنبا لم يغسل، ؛ ج‌1، ص : 310

أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله طلب رجلا من حي جهينة فأخطأه فأصاب نفسه بسيفه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فكفنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بثيابه و دمائه و صلى عليه، فقالوا يا رسول اللّه أو شهيد هو؟ فقال:

نعم و أنا له شهيد» «1».

و احتج الشافعي بما رواه جابر «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أمر بدفن قتلى أحد بدمائهم و لم يغسلهم و لم يصل عليهم» «2» و بأن الصلاة شفاعة في الميت و الشهيد غني بشهادته عن الشفاعة، و لأنه حي و الحي لا يصلى عليه.

و الجواب: المعارضة بما رويناه عن ابن عباس، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و بما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ثمَّ نقول: خبرنا أرجح، لأنه مثبت، و المثبت أولى بالقبول من النافي، و قوله: «الصلاة شفاعة» ليس بشي‌ء، بل هي عبادة ثمرتها حصول الأجر و تحصيل المصلحة المنوطة بفعلها، ثمَّ ينتقض ما ذكره بمن عرف انه مشهود له بالجنة من أعيان الصحابة، و قوله: «لا يصلى على الحي» قلنا: حق، لكن الشهيد ميت الجسد و ان كان حي النفس، و لأن الصلاة تجب بانقضاء النحب سواء حي بعد ذلك في الآخرة أو لم يحيى، و هذا الحكم يثبت و لو أكل و شرب و تكلم، خلافا لأبي حنيفة لأنه قتيل في سبيل اللّه فيلحقه حكم الشهيد.

فروع

الأول: لو كان الشهيد مجنبا لم يغسل،

ذكره الشيخ في النهاية و المبسوط، و به قال مالك، و قال أبو حنيفة و أحمد: يغسل، و اختاره ابن الجنيد منا و المرتضى في شرح الرسالة، لحديث حنظلة بن الراهب فإن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: ما شأن حنظلة‌

______________________________
(1) سنن ابى داود ج 3 كتاب الجهاد ص 21.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 10.

310
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: هل يشترط في سقوط غسل الشهيد أن يغتسل بين يدي إمام عادل في نصرته، أو من نصبه؟ ؛ ج‌1، ص : 311

فإني رأيت الملائكة تغسله، قالوا: انه جامع ثمَّ سمع الهيعة فخرج الى القتال.

لنا قوله عليه السّلام «زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كليم يكلم في سبيل اللّه الا يأتي يوم القيامة بدمائه، لونه لون الدم، و ريحه ريح المسك» «1» و كذا لو طهرت الحائض و النفساء ثمَّ استشهدتا لم تغتسلا و قال أحمد: تغسلان، و قال: لو قتلتا في الحيض و النفاس لم تغسلا، لان الطهر من الحيض شرط في الغسل.

الثاني: هل يشترط في سقوط غسل الشهيد أن يغتسل بين يدي إمام عادل في نصرته، أو من نصبه؟

قال الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة: نعم، و الأقرب اشتراط الجهاد السائغ حسب، فقد يجب الجهاد و ان لم يكن الامام موجودا، لقوله عليه السّلام «ادفنوهم بثيابهم» «2» و ما روي عن الأئمة عليهم السّلام من طرق منها:

أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن كما هو في ثيابه، الا أن يدركه المسلمون و به رمق ثمَّ يموت بعد، فإنه يغسل و يكفن و يحنط و يصلى عليه» «3» و عن أبي خالد قال: «اغسل كل الموتى الا من قتل بين الصفين» «4» فاشتراط ما ذكره الشيخان زيادة لم يعلم من النص.

الثالث: كل مقتول في غير المعترك يغسل و يكفن و يحنط و يصلى عليه،

و ان قتل ظلما أو قتل دون ماله، و تسمية النبي صلى اللّه عليه و آله هذا شهيدا مبالغة في صلاح عاقبته، لان العمومات الدالة على وجوب الغسل تتناوله، لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام «اغسل كل الموتى الا من قتل بين الصفين» «5» و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله لم يترك غسل أحد من أموات المسلمين الا الشهداء، فيتبع، و لان عليا عليه السّلام و عمر قتلا و صلى عليهما المسلمون‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 11.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 7 ص 700.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 3 ص 698.

(5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 3 ص 698.

311
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع: حكم الصغير في ذلك حكم الكبير، و المرأة كالرجل، و العبد كالحر ؛ ج‌1، ص : 312

بعد الغسل و التكفين، و كذا من مات بالبطن و الطاعون أو الغرق أو الهدم أو النفاس و على هذا مذهب أهل العلم عدا الحسن البصري فإنه قال: النفساء شهيدة.

لنا التمسك بالأصل في وجوب الغسل، و لان سقوط الغسل بالشهادة، فلا يثبت الحكم مع عدمها.

الرابع: حكم الصغير في ذلك حكم الكبير، و المرأة كالرجل، و العبد كالحر

و قال أبو حنيفة: ليس الصغير كالكبير، بل يغسل و يكفن. لنا ان اسم الشهيد يقع عليه لأنه مسلم قتل في المعترك، و لأنه كان في قتلى بدر و أحد أطفال كحارثة بن النعمان و عمير بن أبي وقاص و لم ينقل ان النبي صلى اللّه عليه و آله غسلهم.

الخامس: من قتل بالحديد و الخشب و الصدم و اللطم باليد أو الرجل سواء

في سقوط الغسل، و الاقتصار على دفنهم بثيابهم، عملا بإطلاق اللفظ.

السادس: لو وجد غريقا في حال القتال أو محترقا أو ميتا لا أثر فيه

، قال الشيخ في المبسوط و الخلاف: حكمه حكم الشهيد، لان القتل لا يستلزم ظهور الأثر، و قال ابن الجنيد منا، يغسل، و ما ذكره الشيخ في النهاية أجود.

السابع: لو عاد سلاحه عليه في حال الحرب فقتله فالأقرب أنه شهيد،

لأنه قتل بين الصفين في سبيل اللّه، و يؤيد ذلك من طريقهم: رواية أبي داود، و قد سلفت و كذا من أصابه سلاح المسلمين، أو وطئه خيل المسلمين فإنه شهيد.

مسئلة: و يدفن مع الشهيد جميع ثيابه، أصابها الدم أو لم يصبها،

و هو إجماع المسلمين، و لقوله عليه السّلام «ادفنوهم بثيابهم» «1» و في دفن السراويل معه قولان عندنا، الأوجه: وجوب دفنه، لأنه من الثياب، و لا يدفن معه الفرو و القلنسوة، قاله المفيد.

و قال الشيخ في المبسوط: يدفن معه جميع ما عليه الا الخفين، و قال في الخلاف:

ينزع عنه الجلود.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.

312
المعتبر في شرح المختصر1

فرع«الخف» لا يدفن معه، و لا الفرو، و ان أصابها الدم ؛ ج‌1، ص : 313

لنا ان دفن ما عدا الثياب تضييع لم يعتبره الشرع، و ما رووه «ان النبي صلى اللّه عليه و آله أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الجلود و الحديد» «1» لا يقال: الجلد يسمى ثوبا، لأنا نقول: المعهود في العرف هي المنسوجة فيصرف الإطلاق إليها.

فرع «الخف» لا يدفن معه، و لا الفرو، و ان أصابها الدم

، و في رواية «إذا أصاب الفرو و الخفين و القلنسوة دم دفنت معه» «2» و الرواية ضعيفة، رواها رجال الزيدية، عن زيد بن علي عليه السّلام عن علي عليه السّلام.

مسئلة: لو نقل من المعترك مرتمثا و هو الجريح الذي به رمق أو انقضى الحرب و به رمق

فعل به ما يفعل بالميت حتف أنفه، «الرمق» بقية الحيوة، و معنى «حتف أنفه» أي من غير ضرب و لا قتل، يغسل و يكفن و يحنط و يصلى عليه، و ان لم يأكل و لم يشرب و لم يتكلم، و هو اختيار الشيخ في المبسوط و الخلاف، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: ان لم يتكلم و لم يأكل و لم يشرب فهو شهيد.

لنا الأصل وجوب الغسل و التكفين، فيترك العمل به في موضع الإجماع، و لأنه لا معنى لاعتبار الكلام، فقد يتكلم و ان لم تكن حيوته مستقرة، و كذا الأكل و الشرب. و من طريق الأصحاب ما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الحديث الذي سلف، و مثله روى أبو مزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الشهيد إذا كان به رمق غسل و كفن و حنط و صلى عليه، و ان لم يكن به رمق دفن في أثوابه» «3».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 10 ص 701 الا انه صرح باسم الجملة الشرطية المستفادة من العبارة السابقة.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 1 ص 698.

313
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لو نقل من المعترك مرتمثا و هو الجريح الذي به رمق أو انقضى الحرب و به رمق ؛ ج‌1، ص : 313

لنا ان دفن ما عدا الثياب تضييع لم يعتبره الشرع، و ما رووه «ان النبي صلى اللّه عليه و آله أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الجلود و الحديد» «1» لا يقال: الجلد يسمى ثوبا، لأنا نقول: المعهود في العرف هي المنسوجة فيصرف الإطلاق إليها.

فرع «الخف» لا يدفن معه، و لا الفرو، و ان أصابها الدم

، و في رواية «إذا أصاب الفرو و الخفين و القلنسوة دم دفنت معه» «2» و الرواية ضعيفة، رواها رجال الزيدية، عن زيد بن علي عليه السّلام عن علي عليه السّلام.

مسئلة: لو نقل من المعترك مرتمثا و هو الجريح الذي به رمق أو انقضى الحرب و به رمق

فعل به ما يفعل بالميت حتف أنفه، «الرمق» بقية الحيوة، و معنى «حتف أنفه» أي من غير ضرب و لا قتل، يغسل و يكفن و يحنط و يصلى عليه، و ان لم يأكل و لم يشرب و لم يتكلم، و هو اختيار الشيخ في المبسوط و الخلاف، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: ان لم يتكلم و لم يأكل و لم يشرب فهو شهيد.

لنا الأصل وجوب الغسل و التكفين، فيترك العمل به في موضع الإجماع، و لأنه لا معنى لاعتبار الكلام، فقد يتكلم و ان لم تكن حيوته مستقرة، و كذا الأكل و الشرب. و من طريق الأصحاب ما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الحديث الذي سلف، و مثله روى أبو مزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الشهيد إذا كان به رمق غسل و كفن و حنط و صلى عليه، و ان لم يكن به رمق دفن في أثوابه» «3».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 10 ص 701 الا انه صرح باسم الجملة الشرطية المستفادة من العبارة السابقة.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 1 ص 698.

313
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجب دفن الشهيد في ثيابه، و لا يجوز نزعها عنه، ؛ ج‌1، ص : 314

مسئلة: يجب دفن الشهيد في ثيابه، و لا يجوز نزعها عنه،

و قال أحمد: ليس ذلك حتما، و يجوز نزعها و تكفينه في غيرها، لما روي «ان صفية أرسلت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ثوبين ليكفن بهما حمزة، فكفنه في أحدهما و كفن آخر في الأخر» «1» و جوابه: ان البحث ليس في أن يزاد على ثيابه، بل في جواز نزعها و ليس في الخبر تصريح بذلك.

و قد روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «دفن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حمزة في ثيابه التي أصيب فيها، و زاده بردا فقصر عن رجليه فدعا له بإذخر و طرحه عليه، و صلى عليه سبعين تكبيرة» «2» و قد روي أن حمزة جرده المشركون فكفن لذلك، يدل عليه ما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كفن حمزة لأنه كان جرّد» «3» و لان ما ذكره حكاية فعل، و هو معارض بقوله عليه السّلام «ادفنوهم بثيابهم» «4» و القول أرجح في الدلالة من الفعل.

مسئلة: من قتله البغاة من أهل العدل لا يغسل و لا يكفن، و يصلى عليه

، و للشافعي قولان، لنا ان عليا عليه السّلام لم يغسل أصحابه، و قال عمار: ادفنوني بثيابي فإني مخاصم و روي عن أحمد بن حنبل انه قال: «أوصى أصحاب الجمل انا مستشهدون غدا فلا تنزعوا عنا ثوبا و لا تغسلوا عنا دما، و من قتله أهل العدل من البغاة».

قال الشيخ في المبسوط و الخلاف: لا يغسل و لا يكفن و لا يصلى عليه سوى مات في المعركة أو نقل و به رمق، قال: لأنه عندنا كافر، و قال أبو حنيفة كذلك، لأنه باين المسلمين دارا و حربا فأشبه الكافر، و قال الشيخ في السير من الخلاف: يغسل‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 401.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 8 ص 700.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 7 ص 700.

(4) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.

314
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قطاع الطريق يغسلون و يكفنون و يصلى عليهم ؛ ج‌1، ص : 315

و يصلى عليه.

مسئلة: قطاع الطريق يغسلون و يكفنون و يصلى عليهم

، لان الفسق لا يمنع هذه الاحكام.

مسئلة: إذا اختلط قتلى المشركين بقتلى المسلمين صلى عليهم جميعا بنية الصلاة على المسلمين خاصة

، و في المواراة وجهان، أحدهما: يوارى من كان كميشا أي صغير الذكر، روى ذلك الشيخ في المبسوط و الخلاف عن علي عليه السّلام، و روى حماد بن يحيى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال النبي صلى اللّه عليه و آله يوم بدر: لا يواروا الا كميشا يعني صغير الذكر، و قال: لا يكون إلا في كرام الناس» «1» و توقف بعض الأصحاب استضعافا للرواية.

و قال بعض المتأخرين منا: يقرع عليهم لأن القرعة في كل مشكل، و هو غلط لأن الأصحاب لم يستعملوا القرعة في العبادات، و لو اطرد العموم لبطلت البحوث الفقهية. و احتج الى القرعة في كل خلاف، و لو قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة المسلم كان صوابا.

فرع إذا وجد ميت فلم يعلم أ مسلم هو أم كافر،

فان كان في دار الإسلام، غسل و كفن و صلى عليه، و ان كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر، لان الظاهر انه من أهلها و لو كان فيه علامات المسلم، لأنه لا علامة الا و يشارك فيها بعض أهل الكفر.

مسئلة: و إذا مات ولد الحامل قطع و اخرج،

و به قال الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و قال في الخلاف: و لم أعرف به للفقهاء نصا، و استدل بإجماع الفرقة، روى وهب بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 39 ح 3 ص 866.

315
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا وجد بعض الميت و فيه صدر فهو كما لو وجد كله، ؛ ج‌1، ص : 316

المرأة تموت في بطنها الولد فيخوف [فيخاف] عليها قال: لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه إذا لم يتفق له النساء» «1».

و «وهب» هذا عامي ضعيف لا يعمل بما ينفرد به، و الوجه انه ان أمكن التوصل إلى إسقاطه صحيحا بشي‌ء من العلاجات، و الا توصل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق، و يتولى ذلك النساء، فان تعذر النساء فالرجال المحارم، فان تعذر جاز أن يتولاه غيرهم دفعا عن نفس الحي، و لو ماتت الام و بقي هو حيا على اليقين، شق جوفها من الجانب الأيسر و أخرج الولد، ذكر ذلك الشيخان في المبسوط و النهاية و المقنعة و أتباعهما و ابن بابويه.

و قال في الخلاف: يشق جوفها، و لم يقيده بالأيسر، و هو الذي دلت عليه الروايات، و قال أحمد بن حنبل: لا يشق جوفها مسلمة كانت أو ذمية، بل تسطو عليها القوابل فيخرجنه، و لو لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليها و تركت حتى يتيقن موته ثمَّ يدفن، لأنه مثلة، و لأن حرمة الميت كحرمة الحي، و هذا الولد لا يعيش عادتا فلا يهتك حرمة متيقنة لأمر موهوم.

لنا انه توصل الى بقاء الحي بجرح في ميت فيكون أولى، و لأنه لو جرح بعضه و نشب بحيث يحتاج إلى السعة وجب الاتساع عليه و الحال واحدة، و يؤيده ذلك من طريق الأصحاب ما رواه علي بن يقطين، عن موسى عليه السّلام «في المرأة تموت و ولدها في بطنها يتحرك، قال: يشق عن الولد» «2» و مثله روى علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و انما قلنا: و «في رواية» و تحاط الموضع، لأنها رواية ابن أبي عمير عن ابن أذينة موقوفة عليه، فلا يكون حجة و لا ضرورة إليه، لأن مصيرها الى البلاء.

مسئلة: إذا وجد بعض الميت و فيه صدر فهو كما لو وجد كله،

و هو مذهب‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 46 ح 3 ص 673.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 46 ح 2 ص 673.

316
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا وجد بعض الميت و فيه صدر فهو كما لو وجد كله، ؛ ج‌1، ص : 316

المفيد في المقنعة، و قال الشيخ في المبسوط و النهاية: ان كان موضع الصدر صلى عليه، و قال في الخلاف من كان صدره و ما فيه قلبه صلى عليه، و قال مالك و أبو حنيفة: أن وجد الأكثر صلى عليه و الا فلا، و لو قطع نصفين عرضا صلى على ما فيه الرأس و لو قطع طولا لم يصل عليه.

و قال الشافعي: ان وجد منه عضو صلى عليه و لو كان العضو من حي أو ممن لا يعلم موته لم يصل عليه، لأنه بعض من جملة لا يصلى عليها فلا يصلى عليه، و إذا كان من ميت صلى عليه لان يد عبد الرحمن بن غياث بن أسيد ألقاها طائر بمكة عقيب وقعة الجمل فعرفت بخاتمة فصلى عليها أهل مكة بمحضر من الصحابة و لم ينكر أحد فصار إجماعا، و الذي يظهر لي انه لا تجب الصلاة الا أن يوجد ما فيه القلب، أو الصدر و اليدان، أو عظام الميت.

لنا ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «في رجل يأكله السبع فتبقى عظامه بغير لحم فلا يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن» «1» و إذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب قال أبو جعفر بن بابويه و ان لم يوجد منه الا الرأس لم يصل عليه.

و روى البزنطي في جامعه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابنا يرفعه قال: «المقتول إذا قطع أعضائه يصلى على العضو الذي فيه القلب» «2» و لأن الصلاة تثبت لحرمة النفس و القلب محل العلم و موضع الاعتقاد الموصل إلى النجاة فله مزية على غيره من الأعضاء.

و روى الفضيل بن عثمان الأعور عن الصادق عليه السّلام عن أبيه في الرجل يقتل فيؤخذ رأسه في قبيلة و وسطه و صدره و يداه في قبيلة و الباقي منه في قبيلة قال: «ديته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 12.

317
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا وجد بعض الميت و فيه صدر فهو كما لو وجد كله، ؛ ج‌1، ص : 316

على من وجد في قبيلته صدره و يداه و الصلاة عليه» «1».

و بعض المتأخرين عاب على الشيخ (ره) حكاية القائد عبد الرحمن بن غياث بمكة و قال: قد ذكر البلاذري أنها وقعت باليمامة و هو الصحيح فإن البلاذري أبصر بهذا الشأن، و هو اقدام على شيخنا أبو جعفر (ره) و جرأة من غير تحقيق، فانا لا نسلم أن البلاذري أبصر منه، بل لا يصل غايته، و الشافعي ذكر أنها ألقيت بمكة.

و احتج لمذهبه بالصلاة عليها بمحضر من الصحابة و لا يقول أحد ان البلاذري أبصر من الشافعي في النقل، و شيخنا أورد منقول الشافعي فلا مأخذ عليه.

نعم يمكن أن يقال للشافعي كما روى انها ألقيت بمكة، فقد روى انها ألقيت باليمامة و لا حجة في فعل أهل اليمامة و مع اختلاف النقل يخرج عن كونه حجة و لو سلمنا بمكة لم يكن الصلاة عليها حجة لأنه لم يبق بها بعد خروج الجيش مع علي عليه السّلام من يعتد بفعله، على انه يحتمل أن يكون الذي صلى عليها ممن يرى الصلاة على الغائب و سنبين ضعفه.

و روى في أخبارنا مثل قول الشافعي رواه البزنطي عن أبي عبد اللّه عن ابن المغيرة قال: «بلغني عن أبي جعفر عليه السّلام انه يصلي على كل عضو رجلا كان أو يدا أو الرأس جزءا فما زاد فاذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه» «2».

و روى أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو من أعضائه تام صلى على ذلك العضو و دفن فان لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه و دفن» «3» و ذكر ذلك ابن بابويه في كتابه و الروايتان مقطوعتا السند و أكثر الأصحاب يطرحهما فيسقط اعتبارهما، و لأن الصلاة على الميت تجب بحسب الدلالة فينتفي مع عدمها.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 13.

(3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 9.

318
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 319

فروع

الأول: قال الشيخ في المبسوط: لو وجد منه قطعة فيها عظم فان كانت في المعركة

قبل انقضاء الحرب لم يغسل و كفنت و دفنت من غير صلاة. و قال الشيخان:

لو كانت في غير المعترك غسلت و حنطت و كفنت و دفنت من غير صلاة.

الثاني: لو كانت القطعة لحما لا عظم فيها دفنت بحالها

من غير غسل و لا صلاة. و قال سلار لفّت في خرقة و دفنت. لنا التمسك بالأصل.

الثالث: لو أبينت القطعة من حي دفنت من غير غسل،

و لو كان فيها عظم و لا يصلى عليها لأنها من جملة لا يغسل و لا يصلى عليها.

مسئلة: و لا يغسل السقط إلا إذا استكمل شهورا أربعة،

و هو مذهب علمائنا.

و قال أبو حنيفة و مالك: يدرج في خرقة و يدفن الا أن يستهل. و للشافعي كالقولين.

لنا انه مات بعد أن كان حيا فيجب غسله لما رووه ان الملائكة غسلت آدم عليه السّلام، و قالوا لولده هذه سنة موتاكم. و من طريق الأصحاب ما رواه أحمد بن محمد عمن ذكره قال: «إذا تمَّ للسقط أربعة أشهر غسل» «1» و روى زراعة، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل و اللحد و الكفن قال: «نعم كل ذلك يجب إذا استوى» «2» و لا مطعن على الروايتين بانقطاع سند الاولى و ضعف سماعة من سند الثانية لأنه لا معارض لهما مع قبول الأصحاب لهما. أما الصلاة عليه فلا، و هو اتفاق علمائنا. و به قال أبو حنيفة. و قال أحمد يصلى عليه. و للشافعي مثل المذهبين. لنا ما رواه الترمذي عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «الطفل لا يصلى عليه و لا يرث و لا يورث حتى يستهل» «3».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 12 ح 2.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 12 ح 1.

(3) سنن الترمذي كتاب الجنائز باب 43.

319
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا يغسل الرجل الا رجل و كذا المرأة ؛ ج‌1، ص : 320

احتج أحمد بما رواه المغيرة ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «السقط يصلى عليه» و الجواب: الطعن في السند فإن المغيرة ضعيف عندنا لما اشتهر انحرافه عن علي عليه السّلام، و قول عمر له حين ولاه الكوفة: أنت القوي الفاجر، مع انه قد روي عنه هذه بلفظ آخر قال: و الطفل يصلى عليه، و بتقدير أن يكون اللفظ كذلك يكون مطلقا، يحتمل من ولد مستهلا و من سقط ميتا، فيكون الترجيح لخبرنا، لأنه مقيد بالاستهلال، و لأن الصلاة تكليف مستفاد من الشرع فتقف على موضع الدلالة.

و لو كان السقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل، و لم يكفن، و لم يصل عليه، بل يلف في خرقة و يدفن، ذكر ذلك الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و هو مذهب العلماء خلا ابن سيرين، و لا عبرة بخلافه، و لان المعنى الموجب للغسل هو الموت و هو مفقود هنا. و يدل عليه من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن الفضل قال: كتبت الى أبي جعفر عليه السّلام أسأله عن السقط كيف يصنع به قال: «السقط يدفن بدمه في موضعه».

مسئلة: و لا يغسل الرجل الا رجل و كذا المرأة

، هذا اختيار الشيخ رحمه اللّه في الاستبصار إلا مع الضرورة فإن المرأة تغسل زوجها و الرجل زوجته من وراء الثياب و كذا المحارم،

و الحق ان هاهنا مسائل:

الأولى: يجوز للمرأة أن تغسل زوجها مجردا مع وجود المحارم و عدمهم

و هو اختيار علم الهدى في شرح الرسالة، و مذهب الشيخ في الخلاف، و قال في النهاية: تغسله أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب، و لا يجردنه.

و أطبق الجمهور على الجواز كما قلناه.

لنا ما رووه عن عائشة انها قالت لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلا نساؤه «1» و رووا ان أبا بكر أوصى أن يغسله أسماء بنت عميس و كانت‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 398.

320
المعتبر في شرح المختصر1

و الحق ان هاهنا مسائل: ؛ ج‌1، ص : 320

احتج أحمد بما رواه المغيرة ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «السقط يصلى عليه» و الجواب: الطعن في السند فإن المغيرة ضعيف عندنا لما اشتهر انحرافه عن علي عليه السّلام، و قول عمر له حين ولاه الكوفة: أنت القوي الفاجر، مع انه قد روي عنه هذه بلفظ آخر قال: و الطفل يصلى عليه، و بتقدير أن يكون اللفظ كذلك يكون مطلقا، يحتمل من ولد مستهلا و من سقط ميتا، فيكون الترجيح لخبرنا، لأنه مقيد بالاستهلال، و لأن الصلاة تكليف مستفاد من الشرع فتقف على موضع الدلالة.

و لو كان السقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل، و لم يكفن، و لم يصل عليه، بل يلف في خرقة و يدفن، ذكر ذلك الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و هو مذهب العلماء خلا ابن سيرين، و لا عبرة بخلافه، و لان المعنى الموجب للغسل هو الموت و هو مفقود هنا. و يدل عليه من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن الفضل قال: كتبت الى أبي جعفر عليه السّلام أسأله عن السقط كيف يصنع به قال: «السقط يدفن بدمه في موضعه».

مسئلة: و لا يغسل الرجل الا رجل و كذا المرأة

، هذا اختيار الشيخ رحمه اللّه في الاستبصار إلا مع الضرورة فإن المرأة تغسل زوجها و الرجل زوجته من وراء الثياب و كذا المحارم،

و الحق ان هاهنا مسائل:

الأولى: يجوز للمرأة أن تغسل زوجها مجردا مع وجود المحارم و عدمهم

و هو اختيار علم الهدى في شرح الرسالة، و مذهب الشيخ في الخلاف، و قال في النهاية: تغسله أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب، و لا يجردنه.

و أطبق الجمهور على الجواز كما قلناه.

لنا ما رووه عن عائشة انها قالت لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلا نساؤه «1» و رووا ان أبا بكر أوصى أن يغسله أسماء بنت عميس و كانت‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 398.

320
المعتبر في شرح المختصر1

الأولى: يجوز للمرأة أن تغسل زوجها مجردا مع وجود المحارم و عدمهم ؛ ج‌1، ص : 320

احتج أحمد بما رواه المغيرة ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «السقط يصلى عليه» و الجواب: الطعن في السند فإن المغيرة ضعيف عندنا لما اشتهر انحرافه عن علي عليه السّلام، و قول عمر له حين ولاه الكوفة: أنت القوي الفاجر، مع انه قد روي عنه هذه بلفظ آخر قال: و الطفل يصلى عليه، و بتقدير أن يكون اللفظ كذلك يكون مطلقا، يحتمل من ولد مستهلا و من سقط ميتا، فيكون الترجيح لخبرنا، لأنه مقيد بالاستهلال، و لأن الصلاة تكليف مستفاد من الشرع فتقف على موضع الدلالة.

و لو كان السقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل، و لم يكفن، و لم يصل عليه، بل يلف في خرقة و يدفن، ذكر ذلك الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة، و هو مذهب العلماء خلا ابن سيرين، و لا عبرة بخلافه، و لان المعنى الموجب للغسل هو الموت و هو مفقود هنا. و يدل عليه من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن الفضل قال: كتبت الى أبي جعفر عليه السّلام أسأله عن السقط كيف يصنع به قال: «السقط يدفن بدمه في موضعه».

مسئلة: و لا يغسل الرجل الا رجل و كذا المرأة

، هذا اختيار الشيخ رحمه اللّه في الاستبصار إلا مع الضرورة فإن المرأة تغسل زوجها و الرجل زوجته من وراء الثياب و كذا المحارم،

و الحق ان هاهنا مسائل:

الأولى: يجوز للمرأة أن تغسل زوجها مجردا مع وجود المحارم و عدمهم

و هو اختيار علم الهدى في شرح الرسالة، و مذهب الشيخ في الخلاف، و قال في النهاية: تغسله أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب، و لا يجردنه.

و أطبق الجمهور على الجواز كما قلناه.

لنا ما رووه عن عائشة انها قالت لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلا نساؤه «1» و رووا ان أبا بكر أوصى أن يغسله أسماء بنت عميس و كانت‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 398.

320
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 321

صائمة فعزم عليها أن تفطر فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه فقالت لا أتبعه اليوم خشا و دعت بماء فشربت و أوصى جابر بن زيد أن تغسله امرأته.

و من طريق الأصحاب ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلح أن ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسلها ان لم يكن عندها من يغسلها و عن المرأة هل لها مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال: «لا بأس إنما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شي‌ء يكرهونه» «1». أما أخبار المانعة فمحمولة على الكراهية، و كذا ما روي من اشتراط تغسيلها إياه من وراء الثياب.

فروع

الأول: حكم أم الولد حكم الزوجة،

و قال أبو حنيفة لا يجوز لأنها عتقت بموته. لنا ان بعض علق الملك باقية و هو وجوب الكفن و المؤنة و العدة.

و يؤيد ذلك ما رواه إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه ان علي بن الحسين عليه السّلام «أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته» «2» و لا يمنع العتق من ذلك لان جواز الاطلاع في زمان الحيوة قد يستصحب بعد الوفاة، كما قال في الزوجة تغسل الزوج و ان انقطعت العصمة.

الثاني: إذا لم تكن المملوكة أم ولد فالأقرب انها لا تغسله

، لان ملكه انتقل عنه الى غيره فحرم عليها النظر اليه.

الثالث: لو كانت الزوجة كافرة ففي التولي وجهان:

أحدهما الجواز لرواية عمار المتضمنة لجواز أن تتولاها الكافرة عند عدم النساء. و الثاني المنع لان الغسل عبادة يفتقر إلى نية القربة و هي متعددة في حقها.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 24 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 25 ح 1.

321
المعتبر في شرح المختصر1

الثانية: في تغسيل الرجل زوجته قولان أحدهما الجواز، ؛ ج‌1، ص : 322

الثانية: في تغسيل الرجل زوجته قولان أحدهما الجواز،

و هو اختيار علم الهدى في شرح الرسالة، و الشيخ رحمه اللّه في الخلاف. و قال في النهاية و الاستبصار لا يجوز الا مع عدم النساء من وراء الثياب. و قال أبو حنيفة: لا يجوز لان الموت فرقة ينقطع معهما عصمة النكاح، و يحل معها نكاح أختها و أربع غيرها فيحرم اللمس و النظر.

لنا ما روي أن عليا عليه السّلام غسل فاطمة عليها الصلاة و السّلام «1». و ما روي ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال لعائشة: «لو مت قبلي لغسلتك و كفنتك» «2» لا يقال لعل معناه أمرت بغسلك و تكفينك، لأنا نقول الظاهر في إضافة الفعل إلى الإنسان إرادة المباشرة لا الاستبانة. و من طريق الأصحاب ما رواه صفوان عن منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج الى السفر و معه امرأته تغسلها قال: «نعم و أخته و نحو هذا و يلقي على عورتها خرقة» «3» و استدلال أبي حنيفة ضعيف، لأنا لا نسلم ان جواز نكاح الأربع و الأخت تستلزم تحريم النظر و اللمس فإن المرأة الحامل يموت زوجها فتضع و مع الوضع يجوز أن تنكح غيره و لا يمنعها ذلك نظر الزوج و لا غسله و لا حجة في العدة، لأنه لو طلقها باينا ثمَّ مات فهي في عدة و لا يجوز لها تغسيله.

فرع لو طلقها ثمَّ مات، فان كانت رجعية فلها تغسيله، و ان كانت باينا لم يجز

لان لمسها و نظرها محرم في حال الحيوة فيستصحب التحريم.

الثالثة: يجوز للمحارم أن يغسلن محارمهن، إذا لم يوجد رجال.

و كذا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 24 ح 17.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 396.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 20 ح 1.

322
المعتبر في شرح المختصر1

الرابعة: لا يغسل الرجل أجنبية و لا المرأة أجنبيا ؛ ج‌1، ص : 323

الرجال. و نعني بالمحارم من لا يجوز للرجل نكاح واحدة منهن، و تستوي ذات النسب و الرضاع و يكون ذلك من وراء الثياب، و هو اختيار الشيخ في كتبه. و قال مالك و محمد يجوز عند الضرورة، و منعه الجمهور.

لنا ان المرأة عورة فيحرم النظر إليها و انما جاز مع الضرورة من وراء الثياب جمعا بين التطهير و الستر. و يؤيده ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله الا النساء هل تغسله النساء قال:

«تغسله امرأته أو ذات محرمة و تصب عليه النساء صبا من فوق الثياب» «1» و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته فان لم تكن امرأته غسلته أولاهن به و تلف على يدها خرقة» «2».

الرابعة: لا يغسل الرجل أجنبية و لا المرأة أجنبيا

و هو إجماع أهل العلم.

و يجوز أن يغسل المرأة ابن ثلاث سنين مجردا اختيارا و اضطرارا. و قولنا في الأصل مع التعذر يريد الاولى لا التحريم، و وجهه ان للمرأة معاناة الصغير و الاطلاع على عورته في حال تربيته فيعلم من ذلك الإباحة.

و قال المفيد في المقنعة و سلار منا: يجوز أن يغسلن ابن خمس مجردا و ان كان ابن أكثر من خمس صببن عليه الماء صبا. و قال أحمد يغسلن ابن سبع. و قال أبو حنيفة يغسلن من لم يجامع مثله و لم يشتبه و كذا الصبية.

لنا ما رواه أبو التمر مولى أبي الحارث النظري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء فقال: «الى ثلاث سنين» «3» و لان ما ذكرناه اقتصارا على موضع الوفاق فيكون أولى.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 20 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 20 ح 6.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 23 ح 1.

323
المعتبر في شرح المختصر1

الخامسة: قال الشيخ: و يغسل الرجل بنت ثلاث سنين مجردة، ؛ ج‌1، ص : 324

الخامسة: قال الشيخ: و يغسل الرجل بنت ثلاث سنين مجردة،

و به قال المفيد في المقنعة. و ان كانت الأكثر غسلوها في ثيابها و صبوا عليها الماء صبا. و قال أبو جعفر بن بابويه: ان كانت بنت خمس لا تغسل و تدفن بثيابها و ان كان سنها أقل من خمس غسلت و دفنت. و عندي في ذلك توقف.

و استدل في التهذيب بما رواه أحمد بن محمد بن يحيى مرسلا قال روي في الجارية تموت مع الرجل فقال: «إذا كانت بنت أقل من خمس أو ست دفنت و لم تغسل» «1» قال يعني انها لا تغسل مجردة من ثيابها، و الرواية مرسلة و متنها مضطرب فلا عبرة بها، ثمَّ لا نعلم القائل. فالأولى المنع. و الفرق بين الصبي و الصبية ان الشرع أذن في اطلاع النساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية و ليس كذلك الصبية، و الأصل حرمة النظر.

السادسة: إذا ماتت امرأة بين رجال أجانب و لا نساء، قال أبو حنيفة يؤممها الرجال

لان الغسل تعذر فصار كعدم الماء. و لأصحابنا فيه روايات احديها «يصبون عليه الماء صبا من وراء الثياب» «2» روى ذلك أبو سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و عمرو ابن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام، و استحبه الشيخ رحمه اللّه في التهذيب و الاستبصار جمعا بين الاخبار. و الثانية «يغسلون ما يجب عليه التيمم الوجه و الكفان» «3» و في رواية «يغسلون مواضع الوضوء» «4» و الروايات ضعيفة.

أما الاولى فلان أبا سعيد و عمروا ضعيفان. و أما الثانية فرواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، و علي بن أبي حمزة واقفي، فلا عمل على روايته مع وجود‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 23 ح 3.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 22 ح 5.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 22 ح 1.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 22 ح 6.

324
المعتبر في شرح المختصر1

السابعة: إذا مات الرجل بين نساء أجانب و رجال كفار لا مسلم فيهم ؛ ج‌1، ص : 325

معارض سليم. و في رواية «يدفنونها من غير غسل» «1» و هي المشهورة و عليها العمل.

لنا ان نظر الأجنبي محرم و الغاسل لا ينفك عن الاطلاع على ما يحرم. و روى أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه الا النساء قال: «يدفن و لا يغسل» «2» و المرأة تكون مع الرجال في تلك المنزلة تدفن و لا تغسل.

و مثله روى داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و قد دلت هذه الرواية على أن الحكم في الرجل يموت بين النساء الأجانب و لا رجل كالمرأة فلا يحتاج إلى أفراد البحث فيه بمسئلة منفردة. و احتجاج أبي حنيفة ضعيف، لان نظر الأجنبي محرم و المانع من الغسل مانع من التيمم، و ان كان الاطلاع مع التيمم أقل لكن النظر محرم قليله و كثيره.

السابعة: إذا مات الرجل بين نساء أجانب و رجال كفار لا مسلم فيهم

أو المرأة بين رجال أجانب و نساء كافرات لا مسلمة فيهن، قال الشيخان في المبسوط و النهاية و المقنعة: يأمر المسلمة أو المسلم الرجال الكفار أو النساء الكافرات بالاغتسال، ثمَّ يغسل المسلم أو المسلمة.

و احتج الشيخ في التهذيب لذلك بما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: ان مات مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته و معه رجال نصارى و نساء مسلمات قال: «يغتسل النصارى ثمَّ يغسلونه فقد اضطر» و عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها و معها نصرانية و رجال مسلمون قال: «تغتسل النصرانية ثمَّ تغسلها» «3».

و في رواية سعد بن عبد اللّه عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 21 ح 3.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 21 ح 4.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 19 ح 1.

325
المعتبر في شرح المختصر1

فرع هل يجوز أن يتولى الطفل المميز بغسل الميت؟ فيه تردد، ؛ ج‌1، ص : 326

ابن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام قال: «أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نفر فقالوا ان امرأة توفت معنا و ليس معها ذو محرم فقال كيف صنعتم فقالوا صببنا عليها الماء صبا فقال: أو ما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها فقالوا: لا، قال: أ فلا يتمموها» «1» و وجه دلالة هذا الحديث انه نية على جواز تغسيل امرأة من أهل الكتاب لها، فكان جائزا.

و عندي في هذا توقف، و الأقرب دفنها من غير غسل لان غسل الميت يفتقر إلى النية و الكافر لا تصح منه نية القربة و أما الحديثان فالأول رواه الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن صدقة عن عمار بن موسى، و السند كله فطحية و هو مناف للأصل. و الحديث الثاني رجاله زيدية و حديثهم مطرح بين الأصحاب.

فرع هل يجوز أن يتولى الطفل المميز بغسل الميت؟ فيه تردد،

و الجواز أشبه، لأنه تصح منه نية القربة كما في الطهارة للصلاة المندوبة.

مسئلة: إذا مات المحرم كان كالمحل لكن لا يقرب الكافور

، هذا مذهب الشيخين في المبسوط و النهاية و المقنعة و أتباعهما. و قال علم الهدى في شرح الرسالة:

الأشبه انه لا يغطى رأسه و لا يقرب الكافور، و كذا قال ابن أبي عقيل. قال الشافعي و أحمد: انه محرم فيجنّب جميع ما يجنب المحرم من المخيط و غيره. و قال أبو حنيفة و مالك: يفعل به ما تفعل بالحلال لان إحرامه يبطل بالموت كالصلاة و الصوم، و لقوله عليه السّلام «خمروا موتاكم و لا تشبهوا باليهود» «2».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 19 ح 2.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 394.

326
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا مات المحرم كان كالمحل لكن لا يقرب الكافور ؛ ج‌1، ص : 326

ابن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام قال: «أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نفر فقالوا ان امرأة توفت معنا و ليس معها ذو محرم فقال كيف صنعتم فقالوا صببنا عليها الماء صبا فقال: أو ما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها فقالوا: لا، قال: أ فلا يتمموها» «1» و وجه دلالة هذا الحديث انه نية على جواز تغسيل امرأة من أهل الكتاب لها، فكان جائزا.

و عندي في هذا توقف، و الأقرب دفنها من غير غسل لان غسل الميت يفتقر إلى النية و الكافر لا تصح منه نية القربة و أما الحديثان فالأول رواه الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن صدقة عن عمار بن موسى، و السند كله فطحية و هو مناف للأصل. و الحديث الثاني رجاله زيدية و حديثهم مطرح بين الأصحاب.

فرع هل يجوز أن يتولى الطفل المميز بغسل الميت؟ فيه تردد،

و الجواز أشبه، لأنه تصح منه نية القربة كما في الطهارة للصلاة المندوبة.

مسئلة: إذا مات المحرم كان كالمحل لكن لا يقرب الكافور

، هذا مذهب الشيخين في المبسوط و النهاية و المقنعة و أتباعهما. و قال علم الهدى في شرح الرسالة:

الأشبه انه لا يغطى رأسه و لا يقرب الكافور، و كذا قال ابن أبي عقيل. قال الشافعي و أحمد: انه محرم فيجنّب جميع ما يجنب المحرم من المخيط و غيره. و قال أبو حنيفة و مالك: يفعل به ما تفعل بالحلال لان إحرامه يبطل بالموت كالصلاة و الصوم، و لقوله عليه السّلام «خمروا موتاكم و لا تشبهوا باليهود» «2».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 19 ح 2.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 394.

326
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا مات المحرم كان كالمحل لكن لا يقرب الكافور ؛ ج‌1، ص : 326

و احتج المرتضى بما روي عن ابن عباس ان محرما و قصت به ناقته فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه و آله فقال: «اغسلوه بماء و سدر و كفنوه و لا تمسوه طيبا و لا تخمروا رأسه فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا» «1».

و الوجه ما ذكره الشيخان لان مقتضى الدليل التسوية بين الموتى في التغسيل و التكفين عملا بالألفاظ المطلقة من أحاديث النبي صلى اللّه عليه و آله، و لان الميت يخرج بالموت عن التكليف فيخرج به عن الإحرام، و لا ينافي ذلك قوله عليه السّلام «يأتي يوم القيامة ملبيا» لان ذلك يدل على حال الآخرة و لا يدل على حال الدنيا، و لو قيل المعنى عليه لا ينقطع إحرامه و كذا المجنون و ان خرج عن التكليف منعنا التسوية، لأن المجنون و المغمى عليه يطاف بهما، و هو دليل بقاء حكم الإحرام، و ليس كذلك الميت.

و يستدل على الشافعي بما روي عن عطا انه قال في المحرم انه إذا مات فليخمر رأسه فإنه بلغنا ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «خمروا وجوهكم و لا تشبهوا باليهود» «2» و رواية ابن عباس يحتمل أن يكون قبل إيجاب تخمير الرأس فقد كان في صدر الإسلام ذلك مشروعا في الموتى تبعا لشرع ما تقدم، ثمَّ نسخ بقوله خمروهم و انما تركنا الطيب لوجهين:

أحدهما: رواية ابن عباس المذكورة فإنها تضمنت المنع من الطيب و تخمير الرأس فإذا بطل العمل بالتخمير لما ذكرناه من الاحتمال بقي الحكم الأخر سليما عن المعارض.

و الثاني: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قال: سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات قال: «يغطى وجهه و يصنع به كما صنع بالحلال‌

______________________________
(1) سنن أبي داود ج 3 كتاب الجنائز ص 219.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 394.

327
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يغسل الكافر و لا يكفن و لا يدفن بين المسلمين، ؛ ج‌1، ص : 328

غير انه لا يقرب طيبا» «1»، و عن أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خرج عبد الرحمن بن الحسن مع الحسين عليه السّلام و عبد اللّه بن جعفر و عبد اللّه بن العباس فمات عبد الرحمن بالأبواء و هو محرم فغسلوه و كفنوه و لم يحنطوه و خمروا وجهه و رأسه و دفنوه» «2».

مسئلة: لا يغسل الكافر و لا يكفن و لا يدفن بين المسلمين،

و به قال الثلاثة هذا إذا كان أجنبيا، و أجازه الشافعي و لو كان ذا قرابة، فعندنا لا يجوز لذي قرابة تغسيله و لا تكفينه و لا دفنه. و قال علم الهدى في شرح الرسالة: فان لم يكن من يواريه جاز مواراته لئلا يضيع، و به قال مالك. و قال أبو حنيفة و الشافعي يغسله و يتبعه و يدفنه و لم يفصلا.

لنا ان الكافر نجس فلا يطهره الغسل. و أما المنع من الصلاة و الدفن فلقوله تعالى وَ لٰا تُصَلِّ عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً وَ لٰا تَقُمْ عَلىٰ قَبْرِهِ «3» و قوله تعالى وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ لا يقال المراد الموالاة في الدين، لأنا نقول يحمل على الجميع عملا بالإطلاق و لان التكفين نوع من إكرام و ليس الكافر موضعا له، و لان الغسل و التكفين مستفادان من الشرع فتقفان على الدلالة.

و يؤيد ما ذكرناه ما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سأل عن النصراني يكون في السفر و هو مع المسلمين فيموت قال: «لا يغسله مسلم و لا كرامة و لا يدفنه و لا يقوم على قبره و لو كان أباه» «4». و أورد علم الهدى في شرح الرسالة عن يحيى بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 13 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 13 ح 5.

(3) سورة مائدة: 51.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 18 ح 1.

328
المعتبر في شرح المختصر1

فرع قال المفيد رحمه الله في المقنعة: لا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا في الولاية و لا يصلي عليه ؛ ج‌1، ص : 329

و المشرك و أن يكفنه و يصلي عليه و يلوذ به «1».

و احتج المخالف بقوله تعالى وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً «2» و بما روي ان عليا عليه السّلام قال للنبي صلى اللّه عليه و آله ان عمك الضال قد مات قال «اذهب فواره» «3» و بأنه يجوز أن يغسل جسده في حياته فكذا بعد وفاته. و الجواب ان الصحبة في الدنيا بالمعروف تتناول ما بعد الموت لان الميت خارج عن الدنيا ثمَّ لا نسلم ان الغسل و الكفن من المعروف فإنه أمر مستفاد من الشرع و تكليف يتناول الحي فيقف على الدلالة.

أما الجواب عن الخبر فبالطعن فيه لان مذهب الأصحاب ان أبا طالب مؤمن و ليس بضال، و لأن في جملة الخبران عليا عليه السّلام قال أواريه و هو كافر فقال عليه السّلام فمن يواريه إذا، و هو دليل على أنه لم يكن له موار و متى كان كذلك جاز مواراته لئلا يبقى ضائعا.

و أما استدلالهم بجواز غسل جسده و تنظيفه في الحيوة و على تغسيله و تكفينه فضعيف، لان التغسيل عبادة يراد بها التطهير فلا يجري مجرى غسل الحي من الوسخ و إماطة الدرن، لأنه ممكن في الحي و ان كان كافرا و ليس التطهير ممكنا في طرف الميت الكافر.

فرع قال المفيد رحمه اللّه في المقنعة: لا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا في الولاية و لا يصلي عليه

الا أن تدعوه ضرورة فتغسله غسل أهل الخلاف.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 18 ح 2.

(2) سورة لقمان: 15.

(3) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 398.

329
المعتبر في شرح المختصر1

فرع قال في الخلاف: ولد الزنا يغسل و يصلى عليه ؛ ج‌1، ص : 330

و احتج الشيخ أبو جعفر رحمه اللّه في التهذيب لذلك، بأنه كافر و إذا كان غسل الكافر غير جائز فغسل المخالف في الولاية غير جائز. و قال في المبسوط و النهاية: و لا ينبغي للمؤمن أن يغسل أهل الخلاف فان اضطر غسله غسلهم، و لا يترك معه الجريدة.

فرع قال في الخلاف: ولد الزنا يغسل و يصلى عليه.

و قال قتادة لا يصلى عليه.

لنا قوله عليه السّلام «صلوا على من قال لا إله إلا اللّه» و يلزم من قال من أصحابنا بكفره المنع من تغسيله و الصلاة عليه.

مسئلة: إذا لقي الكفن نجاسة غسلت

ما لم يطرح في القبر و قرضت بعد جعله فيه، هذا ذكر علي بن بابويه في الرسالة، و أطلق الشيخ قرضه. لنا ان قرضه إتلاف للمال و هو منهي عنه فيقتصر على قرضه في موضع الوفاق.

و يمكن أن يحتج لما ذكره في النهاية برواية عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي‌ء بعد الغسل فأصاب العمامة و الكفن قرض بالمقراض» «1»، و مثله روى ابن أبي عمير و أحمد بن محمد عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خرج من الميت شي‌ء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن زيادات» «2».

مسئلة: عيادة المريض مستحبة

روى البخاري عن البراء قال: أمرنا النبي صلى اللّه عليه و آله باتباع الجنائز و عيادة المريض «3». و روى الترمذي عن علي عليه السّلام ان النبي صلى اللّه عليه و آله قال:

«ما من رجل يعود مريضا ممسيا الا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 24 ح 3.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 24 ح 1.

(3) سنن النسائي ج 4 كتاب الجنائز ص 54.

330
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: النظر في أمر الميت الى أولى الناس بميراثه من الرجال ؛ ج‌1، ص : 331

يصبح و من أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي» «1».

و عن جابر بن أبي جعفر محمد بن علي عليه السّلام قال: «من حق المسلم على المسلم أن يبر قسمه و يجيب دعوته و يعود مريضه و يشهد جنازته» «2» و عن علي بن عقبة عن أبي عبد اللّه قال: «حق المسلم على أخيه أن يسلّم عليه إذا لقيه و يعوده إذا مرض و ينصح له إذا غاب و يتبعه إذا مات».

مسئلة: النظر في أمر الميت الى أولى الناس بميراثه من الرجال

ثمَّ النساء و يستحب أن يلي تمريض المريض أرفق أهله به، و أعلمهم بتدبيره. أما الأول فلقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ «3» و لما روى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام، قال: «يغسل الميت أولى الناس به» «4» و أما الثاني فلأنه أقرب الى رجاء الصلاح.

مسئلة: يستحب إذا فرغ الغاسل أن ينشف الميت بثوب لئلا يبل أكفانه.

و روي عن ابن عباس في غسل النبي صلى اللّه عليه و آله قال: فجففوه بثوب، و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا جففت الميت عمدت الى الكافور فمسحت به آثار السجود و مفاصله» «5».

مسئلة: إذا قصر الكفن عن الميت غطى رأسه و جعل على رجليه حشيش أو ورق يستر به

كما فعل النبي صلى اللّه عليه و آله بحمزة و لو كثر الموتى، و قلّت الأكفان. قيل يجعل الرجلان و الثلاثة في الثوب الواحد لحديث أنس، و لا بأس به.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 381 (مع اختلاف يسير).

(2) الوسائل ج 8 أبواب أحكام العشرة باب 122 ح 7 (الا انه روى عن أبي عبد اللّه «ع»).

(3) سورة أنفال: 75.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 26 ح 2.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 6.

331
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: روى العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:«القتيل في معصية ؛ ج‌1، ص : 332

مسئلة: إذا أحب أهل الميت أن يروه بعد تكفينه جاز، لما روي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قبّل عثمان بن مظعون و هو ميت «1». و لما روي عن جابر قال لما قتل أبي جعلت أكشف عن وجهه و أبكي و رسول اللّه لا ينهاني «2». و روى الأصحاب عن الصادق عليه السّلام انه كشف عن وجه إسماعيل بعد أن كفن فقبّل جبهته «3».

مسئلة: روى العلاء بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «القتيل في معصية

يغسل منه الدم ثمَّ يصب عليه الماء و لا يدلك و يبدأ بيديه و دبره و تربط جراحاته بالقطن و الحنوط و إذا وضع عليه القطن عصب، و كذا موضع الرأس و الرقبة و يجعل له من القطن شي‌ء كثير و يذر عليه الحنوط و ان استطعت أن تعصبه فافعل، و إذا بان الرأس يغسل الرأس إذا غسل اليدين ثمَّ الجسد و يوضع القطن فوق الرقبة و يضم إليه الرأس و يجعل في الكفن كذلك و إذا سرت الى القبر فادخله اللحد و وجّهه القبلة» «4».

مسئلة: ليس من السنة ظفر شعر الميتة،

و به قال أبو حنيفة. و قال يرسل بين يديها من الجانبين. و قال الشافعي: لو كان معقوصا نقض و ظفر ثلاثة قرون لما روت أم عطية قالت: ظفرنا شعرها ثلاثة قرون. و في البخاري جعلن رأس بنت النبي صلى اللّه عليه و آله ثلاثة قرون بعد نقضه و غسله.

لنا ان ظفره يؤدي الى تقطيعه و هو مكروه، و لأن وظائف الميت متلقاة عن الشرع و لم يثبت عنه دلالة على ذلك، و ليس أم عطية حجة. و لو احتجوا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 5 ح 1.

(2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 407.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 5 ح 2.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 15 ح 1.

332
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال الشيخ في الخلاف: يكره الإسراع بالجنازة، ؛ ج‌1، ص : 333

بحديث أم سليم عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «و اظفرن شعرها ثلاثة قرون و لا تشبهها بالرجال» منعناه فإنه حديث لم يثبت.

مسئلة: قال الشيخ في الخلاف: يكره الإسراع بالجنازة،

و مراده رحمه اللّه كراهية ما زاد عن المعتاد. و قال الشافعي: يستحب أن يكون فوق العادة و دون الجنب. لنا ما رووه عن أبي سعيد، عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه مر بجنازة و هي تمحض محضا فقال عليه السّلام: «عليكم بالقصد في جنائزكم» «1» و قال ابن عباس في جنازة ميمونة «لا تزلزلوا و ارفقوا فإنها أمكم».

مسئلة: اتباع الجنائز سنة مؤكدة

لما رواه البراء قال أمرنا النبي صلى اللّه عليه و آله باتباع الجنائز «2». و من طريق الأصحاب ما رواه الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام «من اتبع جنازة كتب اللّه له أربعة قراريط قيراط باتباعه إياها و قيراط بالصلاة عليها و قيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها و قيراط للتعزية» «3».

و في رواية عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام «من مشى مع جنازة حتى يصلى عليها و يرفع كان له قيراط من الأجر و إذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان و القيراط مثل جبل أحد» «4».

مسئلة: يكره اتباع الميت بمجمرة

لما رووه عن أبي موسى قال حين حضره الموت: لا تتبعوني بمجمرة قالوا سمعت فيه شيئا قال: نعم من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و من طريق الأصحاب ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ان النبي صلى اللّه عليه و آله نهى أن تتبع الجنازة بمجمرة» «5» و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و أكره أن‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 22.

(2) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 367.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 3 ح 1.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 3 ح 3.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 3.

333
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يكره أن تتبع النساء الجنائز، ؛ ج‌1، ص : 334

تتبع بمجمرة» «1».

مسئلة: يكره أن تتبع النساء الجنائز،

لما روي ان النبي صلى اللّه عليه و آله خرج فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن ننتظر الجنازة، قال هل تغسلن؟ قلن لا، قال هل تحملن؟ قلن لا، قال هل تدلين؟ قلن لا، قال فارجعن مأزورات غير مأجورات» «2» و لان بروزهن مناف للخفاء المراد في الشرع.

مسئلة: قال الشيخ في الخلاف: يجوز أن يجلس الإنسان قبل أن يفرغ من دفن الميت،

و كذا قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لا يجلس حتى يوضع في اللحد لما روى أبو سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «إذا أتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع» «3». و قال شيخنا رحمه اللّه: دليلنا انه لا مانع من ذلك و الأصل الإباحة.

و روى عبادة بن الصامت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع في اللحد، فاعترض بعض اليهود و قال انا نفعل ذلك فجلس، و قال خالفوهم «4» و الوجه عندي الكراهية، و به قال ابن أبي عقيل لما رواه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ينبغي لمن شيّع جنازة الا يجلس حتى توضع في لحده فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس» «5».

و استدلال الشيخ ضعيف، لوجود الدلالة. و أما الحديث الذي ذكره، فهو حكاية فعل، فلا يعارض القول، و لعل ذلك وقع من النبي صلى اللّه عليه و آله مرة إذ لا عموم للفعل.

مسئلة: إذا أنزل الميت القبر هل يستحب أن يجلل القبر بثوب حال الدفن؟

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 10 ح 3.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 77.

(3) سنن أبى داود ج 3 كتاب الجنائز ص 203.

(4) سنن أبى داود ج 3 كتاب الجنائز ص 204.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 45 ح 1.

334
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا بأس بتعليم القبر بلوح يكتب عليه أو غيره ؛ ج‌1، ص : 335

قال الشيخ في الخلاف: نعم. و قال أبو حنيفة: ان كانت امرأة غطى و لا يغطى قبر الرجل. و كذا قال المفيد في أحكام النساء. و قال بعض المتأخرين: ما وقفت لأحد من أصحابنا في هذه على مسطور فأحكيه، و الأصل براءة الذمة من واجب و ندب، و هذا مذهب الشافعي فلا حاجة الى موافقته، و هذا القول من هذا المتأخر دال على قلة تأمل، و اقدام على الشيخ، و نسبة له إلى متابعة الشافعي من غير دلالة، و ليس الأمر كما ذكره بل هذا منقول عن أهل البيت عليهم السّلام ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، و الشيخ رحمه اللّه في تهذيب الاحكام.

و قال سعيد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «حد القبر إلى الترقوة. و قال بعضهم: إلى الثدي. و قال بعضهم: قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر» «1». فهذا اللفظ يدل مطلقا. و في رواية جعفر بن كلاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و قد مد على قبر سعد ابن معاذ ثوب و النبي صلى اللّه عليه و آله شاهد فلم ينكر ذلك» «2».

و أما التفصيل الذي ذكره المفيد رحمه اللّه فقد ذكره ابن الجنيد. و روى به رواية ذكرها الشيخ رحمه اللّه في التهذيب عن جعفر بن كلاب قال سمعت جعفر بن محمد يقول: «يغشى قبر المرأة بالثوب و لا يغشى قبر الرجل» «3». و روى علي عليه السّلام انه مر بقوم دفنوا ميتا و بسطوا على قبره الثوب فجذبه و قال: «انما يصنع هذا بالنساء» و الذي أراه التفصيل كما ذكره ابن الجنيد في المختصر و المفيد في أحكام النساء.

مسئلة: لا بأس بتعليم القبر بلوح يكتب عليه أو غيره

لما روي ان النبي عليه الصلاة و السّلام، حمل حجرا فجعله عند رأس قبر عثمان بن مظعون و قال: «أعلم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 14 ح 2.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 50 ح 1.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 50 ح 1.

335
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الدفن في مقبرة المسلمين أفضل من الدفن في البيت، ؛ ج‌1، ص : 336

به قبر أخي» «1». و من طريق الأصحاب ما رواه يونس بن يعقوب قال لما رجع أبو الحسن موسى عليه السّلام من بغداد و مضى إلى المدينة ماتت بنت له بفيد فدفنها و أمر بعض مواليه أن يجصص قبرها و يكتب على لوح اسمها و يجعله في القبر» «2».

مسئلة: الدفن في مقبرة المسلمين أفضل من الدفن في البيت،

ذكره الشيخ في المبسوط، لأن النبي صلى اللّه عليه و آله اختار ذلك للصحابة، و لأنه أقل ضررا على الورثة و أشبه بمساكن الآخرة، و لأنه فعل الصحابة و التابعين. و لا يعترض ذلك بالنبي صلى اللّه عليه و آله فإن الصحابة اختاروا دفنه في موضعه، أما لما قيل انه قبض في أشرف البقاع فيدفن فيها، أو لما كان يقال ان الأنبياء يدفنون حيث يموتون، أو تميزا له عن غيره.

و يستحب أن يدفن الميت في أشرف البقاع بمكة في مقبرتها، و كذا بالمدينة ذكره الشيخ رحمه اللّه في المبسوط. و قال يستحب أن يكون للإنسان مقبرة ملك يدفن فيها أهله و أقاربه و من سبق إلى مقبرة مسبّلة فهو أحق بها لأنه يملكها بالحيازة و لو جاءا دفعة و تشاحا أقرع بينهما، إذ لا رجحان. و لو كان فيها كفاية لهما فالوجه الشركة.

و لو اختلف الأولياء بين دفنه في المسبّلة و في ملكه دفن في المسبّلة، لأنه أقل ضررا على الوارث و لو تشاحا في الكفن اقتصر على عادة مثله، لأنه لا تقدير للشرع فيرجع الى العادة مع الاقتصار على الواجب.

و قال الخرقي من أصحاب أحمد جعل بثلاثين درهما، و للموسر بخمسين.

و لا وجه له و لو تشاحا في التكفين فقال أحدهما: أكفنه من مالي و قال الأخر: من ماله فالأقرب تكفينه من ماله دفعا للمنة الولي عن الأخر.

مسئلة: من استعار من إنسان أرضا فدفن فيها المستعير لم يكن للمعير الرجوع

______________________________
(1) السنن البيهقي ص 215 بهذا المعنى.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 37 ح 2.

336
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا مات الرجل في بئر فإن أمكن إخراجه وجب ؛ ج‌1، ص : 337

لان نبش الميت محرم و لان الدفن مؤبد الى أن يبلى الميت ثمَّ يعود الى مالكها.

و قال في المبسوط: إذا دفن الميت ثمَّ بيعت الأرض جاز للمشتري نقل الميت عنها.

و الأفضل أن يتركه. و الأقرب عندي انه ليس له ذلك، لان إزالة الميت و نبشه محرم.

مسئلة: إذا دفن قتيل ثمَّ وجد جزء منه لم ينبش و دفن الى جانبه،

أو نبش من القبر و دفن فيه لان نبشه مثلة و هتك لحرمته و ليس في تفرقة أجزائه ذلك.

مسئلة: إذا مات الرجل في بئر فإن أمكن إخراجه وجب

ليتمكن المكلف من تغسيله و تكفينه، فان تعذر ذلك الا بالتمثيل به لم يجز، فان اضطر أهل البئر بأن خافوا التلف، جاز إخراجه و لو بالكلاليب، و ان تقطع إذا لم يمكن الا بذلك، فان لم يكن كذلك لم يجز إخراجه إذا لم يمكن الا بالتمثيل به أو للخوف على من يدفنه من ريح البئر.

روى علي بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في بئر مخرج وقع فيه رجل فمات فيه و لم يمكن إخراجه أتوضأ في تلك البئر قال: «لا تتوضأ منه تعطل و يجعل قبرا» «1» فإن أمكن إخراجه أخرج و غسل و دفن، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «حرمة المرء المسلم ميتا كحرمته و هو حي سواء» «2».

مسئلة: إذا مات أغلف لم يختن غسل و كفن و دفن بحاله

، لأن الختان ابانة جزء من أعضاء الميت و هو غير جائز. و عليه فتوى العلماء، و لان الختان تكليف في حال الحيوة فلا يلزم عند الوفاة، و لو جبر عظمه بطاهر لم ينزع و لو كان نجسا كعظم الكلب و الخنزير نزع ان لم يكن مضرا و كان حيا، و يترك لو كان مضرا و مع الموت.

مسئلة: قال في الخلاف: إذا بلع الحي جوهرا أو مالا و مات ليس لنا فيه نص و الاولى انه لا يشق جوفه

سواء كان له أو لغيره. و فصّل الشافعي. احتج الشيخ بقوله عليه السّلام «حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا» «3» و لو كان حيا لم يشق جوفه فكذا الميت.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 51 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 51 ح 1.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 51 ح 1.

337
المعتبر في شرح المختصر1

فرع و يؤخذ ذلك المال من تركته، لأنه حال بين صاحبه و بينه ؛ ج‌1، ص : 338

فرع و يؤخذ ذلك المال من تركته، لأنه حال بين صاحبه و بينه

و لو لم يأخذ صاحب المال عوضه أو لم يكن للميت مال و تطاولت المدة حتى بلى جسده، جاز نبشه و إخراج ذلك المال، لان مع فناء الميت لم يبق مثلة و لا هتك، فلا يجوز تضييع المال. و لو كان في اذن الميت حلقة أو في يده خاتم أخذ، فإن تصعّب توصل إلى إخراجه ببردة أو كسره، لأن في تركه تضييعا للمال و هو منهي عنه.

مسئلة: إذا أخذ السيل الميت، أو أكله سبع كان الكفن ملكا للورثة،

لأنه مال متروك فيرثه الوارث، و لو كان مما تطوع به متطوع عاد اليه ان شاء، و ان تركه على الورثة كان عطية مستأنفة، لأن تطوعه مشروط ببقائه كفنا و قد زال الشرط.

مسئلة: يجوز الدفن ليلا

و هو مذهب العلماء عدا الحسن، لما روي ان النبي صلى اللّه عليه و آله زجر أن يقبر الرجل ليلا «1».

لنا الإجماع فإن خلاف الحسن منقرض، و لان عليا عليه السّلام دفن ليلا، و كذا فاطمة، و كذا رووا ان أبا بكر دفن ليلا، و عثمان، و عائشة. و أما حديث الحسن فمحمول على الكراهية، لأن النهار أجمع للمصلين، و أمكن في اتباع الجنازة، و أسهل لدفنه و الحادة.

مسئلة: إذا دفن جماعة في قبر فالأفضل تقديم الأفضل إلى القبلة

، فلو كانا رجلا و صبيا، فالرجل إلى القبلة و الصبي بعده، لأن جهة القبلة أفضل فيختص بها الفاضل. و يستحب أن يجعل بين كل اثنين حاجز ليكون كالمنفرد. و لو خدّ لهم أخدود و جعل رأس كل واحد عند رجلي الأخر جاز، لان مع ذلك يحصل القدر الواجب، و هو الدفن، و ان كان اللحد أفضل على ما مر.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 32.

338
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يستحب خلع النعال لمن دخل المقبرة ؛ ج‌1، ص : 339

مسئلة: لا يستحب خلع النعال لمن دخل المقبرة.

و قال جماعة من الجمهور باستحبابه، لما روي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رأى رجلا يمشي في القبور و عليه نعلان فقال: «يا صاحب السبتين الق سبتيك» فلما عرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خلعهما و رمى بهما «1».

لنا ان كراهية ذلك منفية بالأصل، لعدم الدلالة و ما ذكروه لا حجة فيه، لاحتمال أن يكون النهي لا لأجل اللبس، لأنه حكاية حال لا عموم لها، و يمكن أن يكون لما في السبتين من الخيلاء، و لأنها من لباس أهل التنعم، كما قال عنترة [يحذى نعال السبت ليس بتوأم] فيكون الكراهية مختصة بهذا النوع لهذا المعنى دون غيره.

مسئلة: زيارة قبور الأئمة و المؤمنين مستحبة مؤكدة للرجال

، و يكره للنساء و لا يحرم، و هو مذهب أهل العلم.

لنا قوله عليه السّلام «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الموت» «2» و روى محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن بلال قال: قال صاحب هذا القبر يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام «من أتى قبر أخيه المؤمن من أي ناحية يضع يده، و قرء إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن الفزع الأكبر» «3» و عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: مررت مع أبي جعفر عليه السّلام بالبقيع فقلت جعلت فداك هذا قبر رجل من الشيعة فوقف عليه ثمَّ قال: «اللهم ارحم غربته و صل وحدته و آنس وحشته و اسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك و الحقه بمن كان يتولاه ثمَّ قرء إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات» «4».

______________________________
(1) سنن ابى داود ج 3 كتاب الجنائز ص 217.

(2) سنن ابى داود ج 3 كتاب الجنائز ص 218 (مع اختلاف يسير).

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 57 ح 1.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 34 ح 2. (من دون نقل ذيله).

339
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: كل ما يفعله الحي من القرب يجوز أن يجعل ثوابها للميت ؛ ج‌1، ص : 340

و عن جراح المدائني سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام كيف التسليم على أهل القبور قال: «تقول السّلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين رحم اللّه المستقدمين منا و المستأخرين و انا إنشاء اللّه بكم لاحقون» «1». و أما جواز الزيارة للنساء فلما رواه يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة و تترحم عليه و تستغفر له» «2».

و روى الجمهور عن ابن أبي فليكه انه قال لعائشة من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن قلت قد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن زيارة القبور قالت نعم نهى ثمَّ أمرنا بزيارتها «3»، و ان النساء داخلات في الرخصة. و أما الكراهية لهن فلان الستر و الصيانة أولى بهن.

مسئلة: كل ما يفعله الحي من القرب يجوز أن يجعل ثوابها للميت

، لما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال لعمر بن العاص: «لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك» «4». و من طريق الأصحاب ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام يصلى عن الميت فقال: «نعم حتى انه يكون في ضيق فتوسع عليه و يقال له خفف بصلاة أخيك عنك» «5».

و قال عليه السّلام «من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره و نفع اللّه به الميت» «6». ذكره ابن بابويه. احتج المانع بقوله تعالى‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 56 ح 3.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 55 ح 2.

(3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 78.

(4) السنن البيهقي ج 6 ص 279.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 28 ح 1.

(6) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 28 ح 4.

340
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و التعزية مستحبة، ؛ ج‌1، ص : 341

وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ «1». و بقوله عليه السّلام «إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له».

و الجواب عن الآية ان سعيه في تحصيل الإسلام يصيّره بحال ينفعه ما يهدى له من أفعال البر و كأنه فعله. و أما الخبر فدال على انقطاع عمله و لا يدل على انقطاع ما يتجدد من عمل غيره و يهدى اليه.

مسئلة: و التعزية مستحبة،

و أقلها أن يراه صاحب التعزية. و باستحبابها قال أهل العلم مطلقا، خلا الثوري، فإنه كرهها بعد الدفن، قال: لان الدفن خاتمة أمره روى عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه اللّه من جلل الكرامة يوم القيامة» «2» و هو على عمومه، و من طريق الأصحاب قال ابن بابويه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها» «3».

و قال عليه السّلام: «التعزية تورث الجنة» «4». و قال الصادق عليه السّلام: «كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة» «5». و روى هشام بن الحكم قال رأيت موسى بن جعفر عليه السّلام يعزى قبل الدفن و بعده «6». فأما رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس التعزية إلا عند القبر ثمَّ ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت» «7» فليس بمناف لما ذكرناه لاحتمال انه يريد عند القبر بعد‌

______________________________
(1) سورة النجم: 39.

(2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 59.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 46 ح 1.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 46 ح 8.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 48 ح 4.

(6) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 47 ح 1.

(7) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 48 ح 2.

341
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: يجوز أن يتميز صاحب المصيبة من غيره بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها ؛ ج‌1، ص : 342

الدفن أو قبله.

و قال الشيخ بعد الدفن أفضل، و هو حق لما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن» «1». قال ابن بابويه أتى أبو عبد اللّه عليه السّلام قوما قد أصيبوا فقال: «جبر اللّه وهنكم و أحسن عزاكم و رحم متوفاكم» «2»، ثمَّ انصرف.

مسئلة: قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: يجوز أن يتميز صاحب المصيبة من غيره بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها

على الأب و الأخ، فأما غيرهما فلا يجوز على حال. قال بعض المتأخرين الذي يقتضيه أصول مذهبنا، انه لا يجوز اعتقاد ذلك و فعله، لان ذلك حكم شرعي يحتاج الى دليل شرعي.

و ما ذكره المتأخر غلط، لان الشيخ لم يدع استحبابه بل ادعى جوازه، و كلما لم يوجبه العقل و الشرع و لم يحرمه، فإنه جائز فلا يجوز أن يعتقد الا ذلك.

نعم لو أوخذ على تحريمه على غير الأب و الأخ، أو على الفرق بين الأب و الأخ و غيرهما كان مأخذا. و الذي أراه استحباب الامتياز يطرح الرد لصاحب المصيبة، من غير فرق بين الأب و غيره.

يدل على ذلك ما ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه قال وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رداه في جنازة سعد بن معاذ و قال: «رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها فوضعت رداي» «3». و ما روي ان جعفرا عليه السّلام لما مات إسماعيل تقدم السرير بغير حذاء و لا رداء «4». و عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 48 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 49 ح 3.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 4.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 7.

342
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال في المبسوط: و يستحب تعزية الرجال، و النساء، و الصبيان، ؛ ج‌1، ص : 343

«ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداه حتى يعلم الناس انه صاحب المصيبة» «1».

روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس رداه و أن يكون في قميص حتى يعرف» «2». نعم لا يطرح رداه في مصيبة غيره لقوله عليه السّلام «ملعون ملعون من وضع رداه في مصيبة غيره» «3». ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه.

مسئلة: قال في المبسوط: و يستحب تعزية الرجال، و النساء، و الصبيان،

و يكره للرجل تعزية الشابات من النساء الأجانب. و هذا حق لقوله عليه السّلام «من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة» «4». رواه الترمذي، و لأنه يتضمن تسلية و جبرا لقلوبهم و ألفه.

و أما الكراهية في طرف الشابات الأجانب فتفصيا من الفتنة.

فرع تعزية أهل الذمة ليس بمسنون

، لأنه يتضمن ودا و حنوا و هو منهي عنه. لا يقال قد روي ان النبي صلى اللّه عليه و آله أتى غلاما من اليهود و هو مريض و عيادته في معنى تعزية أهله لأنا نقول يحتمل أن يكون انما جاءه لعلمه انه يسلم، فقد روي انه قعد عند رأسه و قال له: أسلم فنظر الى أبيه فقال: أطع أبا القاسم، فقال النبي صلى اللّه عليه و آله: «الحمد للّه الذي أنقذه به من النار».

مسئلة: و البكاء جائز قبل الموت و بعده

إذا لم ينضم اليه محرم، كاللطم و الخدش و لا قول سيئ. و قال الشافعي: و هو مباح حتى يخرج الروح و يكره‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 8.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 1.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 2.

(4) بحار الأنوار ج 79 ص 94.

343
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال في المبسوط: الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة مكروه إجماعا، ؛ ج‌1، ص : 344

بعد ذلك. لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «ألا تسمعون ان اللّه تعالى لا يعذب بدمع العين و لا بحزن القلب و لكن يعذب بهذا» «1» و أشار الى لسانه أو يرحم.

و من طريق الأصحاب ما رواه الحارث بن يعلى عن أبيه عن جده قال: «قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فستر بثوب و علي عند طرف الثوب قد وضع خديه على أخيه و الناس في المسجد ينتحبون و يبكون» «2». و ما رواه محمد بن الحسن الواسطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته» «3».

و لأن في البكاء تخفيفا من الحزن و تسكينا من اللوعة و الأصل جوازه.

مسئلة: قال في المبسوط: الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة مكروه إجماعا،

و أنكر هذا القول بعض المتأخرين و استدل بأنه اجتماع و تزاور فيكون مستحبا، و الجواب ان الاجتماع و التزاور من حيث هو مستحب اما إذا جعل لهذا الوجه و اعتقد شرعيته، فإنه يفتقر إلى الدلالة. و الشيخ استدل بالإجماع على كراهية إذ لم ينقل من أحد من الصحابة و الأئمة الجلوس لذلك، فاتخاذه مخالفة لسنة السلف، لكن لا يبلغ أن يكون حراما.

و يجوز النياحة على الميت بتعداد فضائله من غير تخط الى كذب، و لا تظلم و لا تسخط. و ذهب كثير من أصحاب الحديث من الجمهور الى تحريمه، و احتجوا بما روت أم عطية قالت أخذ علينا النبي صلى اللّه عليه و آله عند البيعة ألا ننوح و لأنه يشبه التظلم و الاستعابة و التسخط بقضاء اللّه.

لنا ما روي أن فاطمة عليها السّلام كانت تنوح على النبي صلى اللّه عليه و آله. روي انها أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى اللّه عليه و آله فوضعتها على عينيها و قالت:

______________________________
(1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 346.

(2) بحار الأنوار ج 22 ص 541 ح 53.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 70 ح 1.

344
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال في المبسوط: الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة مكروه إجماعا، ؛ ج‌1، ص : 344

ما ذا على المشتم تربة أحمد

إلا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها

صبت على الأيام صرن لياليا «1»

و رووا أن وائلة بن الاسفع و أبا وائل كانا يستمعان النوح، و يبكيان و لم ينقل إنكار أحد من الصحابة عليهم. و من طريق الأصحاب ما روى أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبي صلى اللّه عليه و آله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها فندبت ابن عمها بين يدي النبي صلى اللّه عليه و آله و قالت:

أنعى الوليد بن الوليد أخا الوليد

فتى العشيرة حامي الحقيقة ماجدا

يسموا الى طلب الوتيرة قد كان

غيثا للسنين و جعفرا غدقا و ميرة

فما عاب النبي صلى اللّه عليه و آله ذلك و لا قال لها شيئا، و قال النبي صلى اللّه عليه و آله لفاطمة حين قتل جعفر بن أبي طالب «لا تدعين بذل و لا نكل و لا حرب و ما قلت فيه فقد صدقت» «2» و أمر النبي صلى اللّه عليه و آله بالندب على حمزة «3». و عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: «أوقف لي من مالي كذا و كذا للنوادب يندبني عشر سنين بمنى أيام منى» «4».

و الجواب: عما ذكروه من الحديث انه يمكن أن يكون إشارة إلى النوح الذي يتضمن جزعا و سخطا، أو قولا باطلا و أما قولهم يشبه التسخط و الاستعابة فنحن نحرم ذلك، لكن ليس كل النوح كذلك و انما نبيح منه ما يتضمن ذكر خصائصه و فضائله و فواضله و حكاية التألم بفقده، و هذا لا يتضمن ما ذكروه و قد روينا عن‌

______________________________
(1) بحار الأنوار ج 79 ص 106.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 83 ح 4.

(3) بحار الأنوار ج 79 ص 84 كتاب الطهارة ح 26 [الا ان فيه: أمر النبي بالنوح على حمزة].

(4) الوسائل ج 12 أبواب ما يكتسب به باب 17 ح 1.

345
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال في المبسوط يستحب لقرابة الميت و جيرانه ان يعملوا طعاما لأصحاب المصيبة ثلاثة أيام ؛ ج‌1، ص : 346

الصادق عليه السّلام انه قال: «لا بأس بأجر النائحة إذا قالت صدقا» «1». ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه.

مسئلة: قال في المبسوط يستحب لقرابة الميت و جيرانه ان يعملوا طعاما لأصحاب المصيبة ثلاثة أيام

، و هذا حق لما رواه عبد اللّه بن جعفر قال لما جاء نعي جعفر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم» «2».

و أما التقدير بثلاثة أيام فقد ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه فقال: و ينبغي لجيرانه أن يطعموا عنه ثلاثة أيام و قال أحمد يكره أن يصنع أهل الميت طعاما للناس.

و احتج بما روي ان جريرا وفد على عمر فقال له هل يناح على ميتكم قال لا قال فهل تجتمعون عند أهل الميت و تجعلون الطعام؟ قال: نعم قال ذلك النوح.

و الجواب: انا لا نسلّم ان عمر أنكر اتخاذ الطعام بل ما انضم اليه من الاجتماع عند أهل الميت، لان النوح التقابل و به سمت النوائح و النساء المتقابلات نوائح و ان لم يقلن شيئا، فشبّه عمر ذلك الاجتماع باجتماع النساء أما لو دعت الحاجة الى اتخاذهم الطعام جاز إجماعا كما لو جاءهم من أهل القرى من يحضر الميت.

مسئلة: قال في المبسوط و يكره التابوت إجماعا

و يعني بذلك دفن الميت به، لأن النبي صلى اللّه عليه و آله لم يفعله و لا الصحابة، و لو نقل عن بعضهم لم يكن حجة.

مسئلة: إذا اجتمع أموات بدئ بمن يخشى فساده،

و ان لم يكن كذلك.

قال في المبسوط: فالأولى بالتقديم الأب ثمَّ الابن و ابن الابن ثمَّ الجد، و لو كان أخوان في درجة قدم أسنهما و ان تساويا أقرع بينها و يقدم أسن الزوجتين و لو تساويا أقرع بينهما. و لست أعرف وجه ما ذكره الشيخ مع التساوي، إذ ليس هناك اشكال فيخرج بالقرعة و الأقرب تخير الولي في البدأة.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 71 ح 2 (مع اختلاف يسير).

(2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 68 ح 1.

346
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال الشيخان في المبسوط و المقنعة و النهاية: من وجب عليه القود ؛ ج‌1، ص : 347

مسئلة: قال الشيخان في المبسوط و المقنعة و النهاية: من وجب عليه القود

أو الرجم، أمر أولا بالاغتسال و التحنط، ثمَّ يقام عليه الحد و يدفن. و وافقهما ابنا بابويه في ذلك، و زاد تقديم الكفن على القتل أيضا.

و استدل الشيخ في التهذيب بما رواه سهل بن زياد عن الحسن بن محمد بن شمون عن عبد اللّه بن عبد الرحمن عن مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«المرجوم و المرجومة يغتسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك و يصلى عليهما و المقتص منه بمنزلة ذلك يغتسل و يحنط و يلبس الكفن و يصلى عليه» «1» قال الشيخ و روى هذا الحديث محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن الريان عن الحسن بن الوليد عن بعض أصحابنا عن مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. و هذا كما ذكره ابنا بابويه.

و الروايتان ضعيفتان، أما الأولى فرواية سهل و هو ضعيف عن الحسن بن شمون، و هو غال ضعيف، و كذا عبد الرحمن المسمعي غال ضعيف. قال النجاشي ليس بشي‌ء، و أما الثانية فرويها عن مسمع بعض أصحابنا، و هو مجهول غير ان الخمسة أفتوا بذلك و أتباعهم و لم أعلم لأصحابنا فيه خلافا و لا طعنا بالإرسال مع العمل، كما لا حجة في الإسناد المنفرد و ان اتصل، فإنه كما لا يفيد العلم لا يفيد العمل.

قال الشيخ في المبسوط: و لا يجب غسله بعد موته و لكن يصلى عليه إذا كان مسلما، و لا ريب انه إذا وجب تقديم الغسل فإنه لا يجب ثانيا. و أما الصلاة عليه فهو فتوى علمائنا و لقوله عليه السّلام «صلوا على من قال لا إله إلا اللّه».

فرع إذا قلنا بوجوب الغسل من مس الميت، فهل يجب الغسل بالمس هنا؟

فيه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 17 ح 1.

347
المعتبر في شرح المختصر1

فرع إذا قلنا بوجوب الغسل من مس الميت، فهل يجب الغسل بالمس هنا؟ ؛ ج‌1، ص : 347

مسئلة: قال الشيخان في المبسوط و المقنعة و النهاية: من وجب عليه القود

أو الرجم، أمر أولا بالاغتسال و التحنط، ثمَّ يقام عليه الحد و يدفن. و وافقهما ابنا بابويه في ذلك، و زاد تقديم الكفن على القتل أيضا.

و استدل الشيخ في التهذيب بما رواه سهل بن زياد عن الحسن بن محمد بن شمون عن عبد اللّه بن عبد الرحمن عن مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«المرجوم و المرجومة يغتسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك و يصلى عليهما و المقتص منه بمنزلة ذلك يغتسل و يحنط و يلبس الكفن و يصلى عليه» «1» قال الشيخ و روى هذا الحديث محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن الريان عن الحسن بن الوليد عن بعض أصحابنا عن مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. و هذا كما ذكره ابنا بابويه.

و الروايتان ضعيفتان، أما الأولى فرواية سهل و هو ضعيف عن الحسن بن شمون، و هو غال ضعيف، و كذا عبد الرحمن المسمعي غال ضعيف. قال النجاشي ليس بشي‌ء، و أما الثانية فرويها عن مسمع بعض أصحابنا، و هو مجهول غير ان الخمسة أفتوا بذلك و أتباعهم و لم أعلم لأصحابنا فيه خلافا و لا طعنا بالإرسال مع العمل، كما لا حجة في الإسناد المنفرد و ان اتصل، فإنه كما لا يفيد العلم لا يفيد العمل.

قال الشيخ في المبسوط: و لا يجب غسله بعد موته و لكن يصلى عليه إذا كان مسلما، و لا ريب انه إذا وجب تقديم الغسل فإنه لا يجب ثانيا. و أما الصلاة عليه فهو فتوى علمائنا و لقوله عليه السّلام «صلوا على من قال لا إله إلا اللّه».

فرع إذا قلنا بوجوب الغسل من مس الميت، فهل يجب الغسل بالمس هنا؟

فيه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 17 ح 1.

347
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال في الخلاف: الميت نجس، ؛ ج‌1، ص : 348

تردد، أقربه انه لا غسل لأنه مغتسل، و وجوب الغسل بالمس مشروط بعدم الغسل.

يدل على ذلك ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال كتب اليه رجل أصاب بدنه أو يده ثوب الميت الذي يلي جسده؟ فوقّع: «إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل» «1» و ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «مس الميت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس به بأس» «2».

و لا يقال الغسل يكون بعد الموت، فيكون هذا المراد. لأنا نقول لما كان الغسل في مسئلتنا مقدما صدق عليها ان المس بعد الموت و الغسل و لأنه لو لم يكن الغسل مطهرا له لم يكن لإيجابه فائدة معقولة، فإذا لا معنى له الا التطهير.

و لا يقال لا يكون التطهير سابقا على النجاسة. لأنا نقول و لا يكون الغسل مطهرا للنجاسة العينية كما لا يطهر الميتات و لا الأعيان النجسة، لكن كما استند في طهارته بالغسل الى الشرع كذا في موضع النزاع، ثمَّ نقول موت الآدمي سبب لوجوب الغسل إذا لم يوجب الشرع تقديمه، فاذا قدم منع ذلك الغسل من تجدد النجاسة بالموت ليتحقق الطهارة به، و كذا القول في الشهيد لا يجب بمسّه الغسل لطهارته.

مسئلة: قال في الخلاف: الميت نجس،

و به قال أبو حنيفة، و للشافعي قولان و استدل الشيخ بإجماع الفرقة. و قال علم الهدى في شرح الرسالة: الميت من الناس نجس العين و يطهره الغسل.

لنا انه حيوان له نفس سائلة فينجس بالموت، و يؤيد ذلك ما روي أن زنجيا مات في زمزم فأمر عبد اللّه بن عباس أن ينزح جميع مائها، و لان هذا في خلافة ابن الزبير و لم ينكر ذلك أحد.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 1 ح 5.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 3 ح 1.

348
المعتبر في شرح المختصر1

فرع إذا وقعت يد الميت بعد برده و قبل تطهيره في مائع فإن ذلك المائع ينجس ؛ ج‌1، ص : 349

و من طريق الأصحاب ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل يصيب ثوبه جسد الميت؟ فقال: «يغسل ما أصاب الثوب» «1». و ما رواه الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يضع ثوبه على جسد الميت قال: «ان كان الميت غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه» «2».

لا يقال لو نجس لما طهر بالغسل؟ لأنا نمنع الملازمة فإن قال بالقياس على الميتات و العذرة النجسة طالبناه بوجه التسوية فإن أحكام النجاسات مختلفة و التطهير و التنجيس لا يستمران على القياس ثمَّ يفرق بين المسلم و غيره من الميتات باختصاصه بالانتقال الى جوار ربه فيشرع في حقه التطيهر بالغسل إكراما و رفعا عن بقائه على النجاسة، و نجاسة الميت نجاسة عينية لكنها تزول بالغسل. اما انها عينية فلكونها تتعدى الى ما يلاقيها، و قد دل على ذلك رواية إبراهيم بن ميمون التي سلفت. و أما زوالها بالغسل فعليه إجماع أهل العلم.

فرع إذا وقعت يد الميت بعد برده و قبل تطهيره في مائع فإن ذلك المائع ينجس

، و لو وقع ذلك المائع في مائع آخر وجب الحكم بنجاسة الثاني و خبطه بعض المتأخرين فقال: إذا لاقى جسد الميت إناء وجب غسله فلو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجس المائع لأنه لم يلاق جسد الميت و حمله على ذلك قياس و الأصل في الأشياء الطهارة الى أن يقوم دليل، لان هذه نجاسات حكميات و ليست عينيات.

قال: و لا خلاف بين الأمة كافة ان المساجد يجب أن تجنب النجاسات العينية.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 34 ح 2.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 34 ح 1.

349
المعتبر في شرح المختصر1

فرع إذا وقعت يد الميت بعد برده و قبل تطهيره في مائع فإن ذلك المائع ينجس ؛ ج‌1، ص : 349

و قد أجمعنا بغير خلاف بيننا ان من غسل ميتا له أن يدخل المسجد و يجلس فيه، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك، و لان الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بلا خلاف. و من جملة الأغسال غسل من مس ميتا و لو كان ما لاقى الميت نجسا لما كان الماء الذي يغسل به طاهرا.

و الجواب: عمن ذكره ان نقول لا نسلم أن الإناء النجس بملاقاة الميت أو اليد الملامسة للميت بعد برده لو لاقت مائعا لم ينجس. قوله لان الحكم بنجاسة المائع قياس على نجاسة ما لاقى الميت.

قلنا هذا الكلام ركيك لا يصلح دليلا على دعواه، بل يصلح جوابا لمن يستدل على نجاسة المائع الملاقي لليد بالقياس على نجاسة اليد الملاقية للمائع، لكن أحدا لم يستدل بذلك، بل نقول لما اجتمعت الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميت، و أجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة، لزم من مجموع القولين، نجاسة ذلك المائع لا بالقياس على نجاسة اليد، فاذا ما ذكره لا يصلح دليلا و لا جوابا.

قوله لا خلاف ان المساجد يجب أن تجنب النجاسات و لا خلاف ان لمن مس ميتا أن يجلس في المسجد و يستوطنه. قلنا هذا دعوى عرية عن برهان و نحن نطالبك بتحقيق الإجماع على هذه الدعوى و نطالبك أين وجدتها، فانا لا نوافقك على ذلك، بل نمنع الاستيطان، كما نمنع من على جسده نجاسة و يقبح إثبات الدعوى بالمجازفات.

قوله الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر. قلنا هذا حق. قوله فيكون ماء المغتسل من ملامسة الميت طاهرا. قلنا هذا الإطلاق ممنوع، و تحقيق هذا ان ملامس الميت ينجس يده نجاسة عينية و يجب عليه الغسل و هو طهارة حكمية، فإن اغتسل قبل غسل يده نجس ذلك الماء بملاقاة يده التي لامس بها الميت، أما لو غسل يده‌

350
المعتبر في شرح المختصر1

السادس:«غسل من مس ميتا» ؛ ج‌1، ص : 351

ثمَّ اغتسل لم يحكم بنجاسة ذلك الماء، و كذا نقول في جميع أغسال الحكمية، فإن ماء الغسل من الجنابة طاهر و ان كان الغسل يجب لخروج المني و ينجس موضع خروجه، و لو اغتسل قبل غسل موضع الجنابة كان ماء الغسل نجسا لملاقاته مخرج النجاسة إجماعا، و كذلك غسل الحيض يجب عند انقطاع دم الحيض و يكون المخرج نجسا فلو اغتسلت و لما تغسل المخرج كان ماء الغسل نجسا و لو أزالته ثمَّ اغتسلت كان ماء الغسل طاهرا. و كذا جميع الأغسال.

فقد بان ضعف ما ذكره المتأخر، اللهم الا أن يقول ان الميت ليس بنجس و انما يجب الغسل تعبدا، كما هو مذهب الشافعي. لكن هذا مخالف لما ذكره الشيخ أبو جعفر رحمه اللّه، فإنه ذكر انه نجس بإجماع الفرقة و قد سلم هذا المتأخر نجاسته و نجاسة ما يلاقي بدنه.

و لو قال أنا أوجب غسل ما يلاقي بدنه و لا أحكم بنجاسة ذلك الملاقي. قلنا فحينئذ يجوز استصحابه في الصلاة و الطهارة به و لو كان ماء ثمَّ يلزم أن يكون الماء الذي يغسل به الميت طاهرا مطهرا و حينئذ يلزمك أن يكون ملاقاته مؤثرة في الثوب منعا و غسلا و غيره مؤثرة في الماء القليل و هو باطل.

السادس: «غسل من مس ميتا».

مسئلة: يجب الغسل على من غسل ميتا من الناس، و كذا يجب بمسه بعد برده

و قبل تطهيره بالغسل على الأظهر. و بالوجوب قال الشيخان في المقنعة و النهاية و المبسوط و ابنا بابويه و ابن أبي عقيل. و بالاستحباب قال علم الهدى في شرح الرسالة و المصباح. و قال مالك و أبو حنيفة باستحباب الغسل لمن مس ميتا. و للشافعي مثل القولين، أما الغسل بمسه فقد ذكره الشيخ في الخلاف انه لم يذهب إليه أحد من الفقهاء يعني الجمهور.

لنا ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «من غسل ميتا اغتسل و من حمله‌

351
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يجب الغسل على من غسل ميتا من الناس، و كذا يجب بمسه بعد برده ؛ ج‌1، ص : 351

ثمَّ اغتسل لم يحكم بنجاسة ذلك الماء، و كذا نقول في جميع أغسال الحكمية، فإن ماء الغسل من الجنابة طاهر و ان كان الغسل يجب لخروج المني و ينجس موضع خروجه، و لو اغتسل قبل غسل موضع الجنابة كان ماء الغسل نجسا لملاقاته مخرج النجاسة إجماعا، و كذلك غسل الحيض يجب عند انقطاع دم الحيض و يكون المخرج نجسا فلو اغتسلت و لما تغسل المخرج كان ماء الغسل نجسا و لو أزالته ثمَّ اغتسلت كان ماء الغسل طاهرا. و كذا جميع الأغسال.

فقد بان ضعف ما ذكره المتأخر، اللهم الا أن يقول ان الميت ليس بنجس و انما يجب الغسل تعبدا، كما هو مذهب الشافعي. لكن هذا مخالف لما ذكره الشيخ أبو جعفر رحمه اللّه، فإنه ذكر انه نجس بإجماع الفرقة و قد سلم هذا المتأخر نجاسته و نجاسة ما يلاقي بدنه.

و لو قال أنا أوجب غسل ما يلاقي بدنه و لا أحكم بنجاسة ذلك الملاقي. قلنا فحينئذ يجوز استصحابه في الصلاة و الطهارة به و لو كان ماء ثمَّ يلزم أن يكون الماء الذي يغسل به الميت طاهرا مطهرا و حينئذ يلزمك أن يكون ملاقاته مؤثرة في الثوب منعا و غسلا و غيره مؤثرة في الماء القليل و هو باطل.

السادس: «غسل من مس ميتا».

مسئلة: يجب الغسل على من غسل ميتا من الناس، و كذا يجب بمسه بعد برده

و قبل تطهيره بالغسل على الأظهر. و بالوجوب قال الشيخان في المقنعة و النهاية و المبسوط و ابنا بابويه و ابن أبي عقيل. و بالاستحباب قال علم الهدى في شرح الرسالة و المصباح. و قال مالك و أبو حنيفة باستحباب الغسل لمن مس ميتا. و للشافعي مثل القولين، أما الغسل بمسه فقد ذكره الشيخ في الخلاف انه لم يذهب إليه أحد من الفقهاء يعني الجمهور.

لنا ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: «من غسل ميتا اغتسل و من حمله‌

351
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و كذا يجب الغسل بمس قطعة فيها عظم، ؛ ج‌1، ص : 352

توضأ» «1». و من طريق الأصحاب ما رواه حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من غسل ميتا فليغتسل قلت فان مسه قال فليغتسل قلت فمن أدخله القبر قال لا غسل عليه انما مس الثياب» «2».

و عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا مسه و هو سخن فلا غسل عليه فاذا برد فعليه الغسل قلت البهائم و الطير إذا مسها عليه غسل قال لا ليس هذا كالإنسان» «3» و عن محمد بن مسلم عن أحدهما في رجل مس ميتا عليه غسل قال:

«لا انما ذلك من الإنسان» «4». و مثله روى الحلبي «5» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و ظاهر هذه الألفاظ الوجوب.

مسئلة: و كذا يجب الغسل بمس قطعة فيها عظم،

سواء أبينت من حي أو ميت. هذا مذهب الشيخ في الخلاف و النهاية و المبسوط. و استدل في الخلاف بإجماع الفرقة قال في الخلاف: و خالف في ذلك جميع الفقهاء يعني من الجمهور.

و ذكر في التهذيب رواية عن سعد بن عبد اللّه عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسه إنسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» «6».

و الذي أراه التوقف في ذلك فإن الرواية مقطوعة و العمل بها قليل. و دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع لم يثبت، على انا قد بينّا ان علم الهدى رحمه اللّه أنكر وجوب الغسل على من مس الميت في كتاب المصباح و الشرح، و ذكر انه سنة‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 300.

(2) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 1 ح 14.

(3) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 1 ح 4.

(4) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 6 ح 1.

(5) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 6 ح 2.

(6) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 2 ح 1.

352
المعتبر في شرح المختصر1

«الأغسال المندوبة» ؛ ج‌1، ص : 353

فكيف يدعي الإجماع في هذه. فإذا الأصل عدم الوجوب، و ان قلنا بالاستحباب كان تفصيا من اطراح قول الشيخ رحمه اللّه و الرواية.

مسئلة: كيفية هذا الغسل مثل كيفية غسل الاستحاضة،

بمعنى انه يجب عليه الغسل و الوضوء، و به قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه. و يؤيده ما ذكرناه من الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كل غسل لا بد فيه من الوضوء الا غسل الجنابة» «1».

«الأغسال المندوبة»

مسئلة: غسل الجمعة مندوب مؤكد للرجال و النساء سفرا و حضرا

، و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم. و قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه غسل يوم الجمعة واجب على الرجال و النساء في السفر و الحضر، الا انه رخص للنساء في السفر لقلة الماء، و بالوجوب قال الحسن البصري و داود الظاهري.

لنا ما رووه عن ابن عباس و ابن مسعود انهما قالا غسل الجمعة مسنون. و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن غسل يوم الجمعة قال: «سنّة في السفر و الحضر الا أن يخاف المسافر على نفسه الضر» «2». و لا يعارض ذلك ما رواه ابن المغيرة و محمد بن عبد اللّه عن الرضا عليه السّلام قال سألته عن غسل الجمعة فقال: «واجب على كل ذكر و أنثى من حر و عبد» «3» لأنا نقول المراد بذلك تأكيد الاستحباب و يدل على ذلك ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر سنّة و ليس بفريضة» «4».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 (مع اختلاف يسير جدا).

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 10.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 3.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 9.

353
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: غسل الجمعة مندوب مؤكد للرجال و النساء سفرا و حضرا ؛ ج‌1، ص : 353

فكيف يدعي الإجماع في هذه. فإذا الأصل عدم الوجوب، و ان قلنا بالاستحباب كان تفصيا من اطراح قول الشيخ رحمه اللّه و الرواية.

مسئلة: كيفية هذا الغسل مثل كيفية غسل الاستحاضة،

بمعنى انه يجب عليه الغسل و الوضوء، و به قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه. و يؤيده ما ذكرناه من الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كل غسل لا بد فيه من الوضوء الا غسل الجنابة» «1».

«الأغسال المندوبة»

مسئلة: غسل الجمعة مندوب مؤكد للرجال و النساء سفرا و حضرا

، و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم. و قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه غسل يوم الجمعة واجب على الرجال و النساء في السفر و الحضر، الا انه رخص للنساء في السفر لقلة الماء، و بالوجوب قال الحسن البصري و داود الظاهري.

لنا ما رووه عن ابن عباس و ابن مسعود انهما قالا غسل الجمعة مسنون. و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن غسل يوم الجمعة قال: «سنّة في السفر و الحضر الا أن يخاف المسافر على نفسه الضر» «2». و لا يعارض ذلك ما رواه ابن المغيرة و محمد بن عبد اللّه عن الرضا عليه السّلام قال سألته عن غسل الجمعة فقال: «واجب على كل ذكر و أنثى من حر و عبد» «3» لأنا نقول المراد بذلك تأكيد الاستحباب و يدل على ذلك ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر سنّة و ليس بفريضة» «4».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 (مع اختلاف يسير جدا).

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 10.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 3.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 9.

353
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و وقته ما بين الفجر الى الزوال و كلما قرب من الزوال كان أفضل ؛ ج‌1، ص : 354

مسئلة: و وقته ما بين الفجر الى الزوال و كلما قرب من الزوال كان أفضل.

و قال في الخلاف الى أن تصلي الجمعة. و المستحب عند الشافعي وقت الرواح.

و شرط مالك أن يروح عقيبه و الا لم يجزيه.

لنا قول النبي صلى اللّه عليه و آله «غسل يوم الجمعة واجب» «1»، فإضافة إلى اليوم و هو يتحقق بطلوع الفجر و لم يشترط الرواح عقيبه. و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أحدهما قال: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك للجنابة و الجمعة» «2».

و أما اختصاص الاستحباب بما قبل الزوال فعليه إجماع الناس. و يؤيده ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أول النهار قال: «يقضيه من آخر النهار» «3».

و قال الشيخ في النهاية: و يستحب قضائه بعد الزوال فان لم يمكنه قضاه يوم السبت. و قال ابن بابويه في كتابه و من نسي الغسل أو فاته لعلّة، فليغتسل بعد العصر فشرط العذر، و الشيخ أطلق الاستحباب، و بما ذكره الشيخ روايتان إحديهما عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار قال:

«يقضيه من آخر النهار فان لم يجد فليقضه يوم السبت» «4». و في معناه رواية عن عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و سماعة واقفي و عبد اللّه بن بكير فطحي، لكنها تنجبر بأن الغسل طهور فيكون حسنا. و قال ابن بابويه من وجد الماء يوم الخميس و خشي عدمه يوم الجمعة، اغتسل يوم الخميس. و زاد الشيخ أو لا يتمكن من استعماله.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 294.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 10 ح 3.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 10 ح 3.

354
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل أول ليلة من شهر رمضان، ؛ ج‌1، ص : 355

و ما ذكره ابن بابويه يقارب رواية أحمد بن محمد عن الحسين بن موسى بن جعفر عن أمه و أم أحمد بن موسى بن جعفر قالتا: كنا مع أبي الحسن عليه السّلام بالبادية و نحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس: «اغتسلا اليوم لغد فان الماء غدا قليل» «1».

و لا يجوز تقديمه على طلوع فجر الجمعة اختيارا، قال في الخلاف: و لو قدمه لم يجزه إلا إذا يئس من الماء، و استدل بالإجماع، و بأن النبي صلى اللّه عليه و آله أضاف الغسل الى اليوم.

مسئلة: و غسل أول ليلة من شهر رمضان،

و هو مذهب الأصحاب و رواه عثمان ابن عيسى عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «غسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب» «2». و عثمان و سماعة واقفيان لكن عمل الأصحاب يؤيدها.

و غسل ليلة النصف من شهر رمضان، و هو مذهب الثلاثة في الجمل و المصباح و المقنعة، و لعله لشرف تلك الليلة فاقترانها بالطهر حسن. و قال الشيخ في المصباح الكبير: و ان اغتسل ليالي الافراد كلها خاصة ليلة النصف، كان فيه فضل كثير.

و غسل ليلة سبع عشرة و تسع عشرة و احدى و عشرين و ثلاث و عشرين، و هو مذهب الأصحاب، و روى محمد بن مسلم عن أحدهما قال: «الغسل في سبعة عشر موطنا ليلة سبع عشرة و هي ليلة التقى الجمعان و تسع عشرة فيها يكتب وفد السنة، و ليلة احدى و عشرين و هي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء و فيها رفع عيسى بن مريم و قبض موسى عليه السّلام، و ثلاث و عشرين يرجى فيها ليلة القدر» «3».

و غسل ليلة الفطر، و هو مذهب الشيخين في المقنعة و الجمل. روى ذلك الحسن بن راشد قال: «إذا غربت الشمس ليلة العيد فاغتسل فاذا صليت المغرب‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 9 ح 2.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 14 ح 1.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 11.

355
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل أول ليلة من شهر رمضان، ؛ ج‌1، ص : 355

فارفع يديك و قل» «1» ثمَّ ذكر الدعاء. و الحسن بن راشد يعرف بالطفاوي ضعيف ذكر ذلك النجاشي.

و غسل يوم العيدين، و هو مذهب الأصحاب، و مذهب الجمهور أجمع و حكي الوجوب عن أهل الظاهر. و الوجوب منفي بالأصل. و يدل على الاستحباب الاتفاق على اختصاصه بالمصلحة الراجحة. و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«اغتسل يوم الأضحى و يوم الفطر» «2». و انما نزلناه على الاستحباب لرواية علي ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر سنة و ليس بفريضة» «3».

و غسل ليلة النصف من رجب و يوم المبعث و هو السابع و العشرون منه، ذكر هما الشيخ في الجمل و المصباح. و ربما كان ذلك لشرف الوقتين، و الغسل مستحب مطلقا فلا بأس بالمتابعة فيه.

و غسل ليلة النصف من شعبان، قاله الثلاثة في الجمل و المقنعة و النهاية، و رواه الشيخ عن هارون بن موسى لسنده الى أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «صوموا شعبان و اغتسلوا ليلة النصف منه» «4». و في سند هذه الرواية أحمد بن هلال العبرتاني و هو ضعيف. و ذكر الشيخ في المصباح رواية عن سالم مولى حذيفة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «من تطهر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر- و ساق الحديث الى قوله- قضى اللّه له ثلاث حوائج ثمَّ ان سأل أن يراني في ليلة رآني». و هذه الرواية أيضا ضعيفة فالمعول على الاستحباب المطلق.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 15 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 9.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 9.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 23 ح 1.

356
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل أول ليلة من شهر رمضان، ؛ ج‌1، ص : 355

و غسل يوم الغدير، و هو مذهب الثلاثة، قال الشيخ في التهذيب: و الغسل في هذا اليوم مستحب مندوب اليه، و عليه إجماع الفرقة. و في رواية علي بن الحسين العبدي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «من صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة- و ساق الحديث الى قوله- ما يسأل اللّه حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة الا قضيت له كائنا ما كانت» «1».

و غسل يوم المباهلة، و هو الخامس و العشرون من ذي الحجة. ذكر ذلك الأربعة و العمل به مشهور. و يؤيده رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «غسل يوم المباهلة واجب» «2». و المراد تأكيد الاستحباب.

و غسل الإحرام، و الزيارة، و دخول الحرم، و المسجد الحرام، و الكعبة.

ذكر ذلك الثلاثة و رواه جماعة منهم محمد بن مسلم عن أحدهما قال: «الغسل إذا دخلت الحرم و يوم تحرم و يوم الزيارة و يوم تدخل البيت و يوم التروية و يوم عرفة» «3».

و ذكر البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«غسل الميت، و غسل الجنب، و الجمعة، و العيدين، و يوم عرفة، و الإحرام، و دخول الكعبة، و دخول الحرم، و في الزيارة» «4».

و أما غسل دخول المدينة و مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله، فقد روي الحسين بن سعيد في كتابه عن النصر عن أبي سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «الغسل عند دخول مكة و المدينة و دخول الكعبة» «5».

و في رواية أخرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الغسل إذا أردت دخول البيت و إذا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 28 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 3.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 7.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 10.

357
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل أول ليلة من شهر رمضان، ؛ ج‌1، ص : 355

أردت دخول مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله» «1». و لان هذه الأماكن شريفة، فتلقيها بالطهارة حسن. و قال شاذ منا: غسل الإحرام واجب. و لعله استناد الى ما رواه محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الغسل في سبعة عشر موطنا» «2» الفرض ثلاثة: غسل الجنابة و من غسل ميتا و الغسل للإحرام.

و محمد بن عيسى ضعيف. و ما يرويه يونس عن بعض رجاله لا يعمل به ابن الوليد، كما ذكره ابن بابويه، مع انه مرسل فسقط الاحتجاج به. قال الشيخ في التهذيب: غسل الإحرام عندنا ليس بفرض، و قال يحمل هذا الحديث على أن ثوابه ثواب غسل الفريضة. و اختلف الأصحاب في غسل قاضي الكسوف. فقال الشيخ في الجمل باستحبابه إذا احترق القرص كله، و ترك الصلاة متعمدا. و اقتصر المفيد في المقنعة، و علم الهدى في المصباح على تركها متعمدا. و قال سلار بوجوبه.

و ما ذكره الشيخ في الجمل أولى، لأن الاستحباب متحقق مع الشرطين فيكون منفيا مع عدم أحدهما عملا بمقتضى البراءة الأصلية. و يؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال: «و غسل الكسوف إذا احترق القرص كله» «3».

و ما رواه الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يغتسل فليغتسل من الغد و ليقض و ان لم يعلم فليس عليه الا القضاء بغير غسل» «4».

أما الوجوب الذي ادعاه سلار منفي بالأصل، و كذا استحباب الغسل الا مع الشرطين. و غسل المولود. و قال شاذ منا بوجوبه، لما رواه عثمان بن عيسى عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 12.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 7.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 25 ح 1.

358
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و غسل أول ليلة من شهر رمضان، ؛ ج‌1، ص : 355

سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «غسل النفساء واجب و غسل المولود» «1». و الوجه الاستحباب تمسكا بالبراءة الأصلية و استضعافا لهذه الرواية، فإن عثمان بن عيسى و سماعة واقفيان فتعيّن الاستحباب، لاتفاق الأصحاب على اختصاصه بالمصلحة الراجحة.

و غسل التوبة مستحب، و هو مذهب الخمسة. و استدل الشيخ في التهذيب بأن قال: روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال لمن ذكر انه يستمع الغناء من جوار يغنين:

«قم فاغتسل و صل ما بدا لك و استغفر اللّه و اسأله التوبة» «2». و هذه مرسلة، و هي متناولة لصورة معينة، فلا يتناول غيرها. و العمدة فتوى الأصحاب، منضما الى ان الغسل خير فيكون مرادا، و لأنه يقال بغسل الذنب، و الخروج من دنسه.

و غسل صلاة الحاجة، و الاستخارة، و هو مذهب الأصحاب. و استدل الشيخ في التهذيب بما رواه زياد القندي عن عبد الرحمن القصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إذا نزل بك أمر فافزع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قلت كيف أصنع قال تغتسل و تصلي ركعتين و ذكر الحديث» «3». و بما رواه علي بن دئل عن مقاتل بن مقاتل عن الرضا عليه السّلام قال: «إذا كان لك حاجة مهمة فاغتسل و ذكر الحديث» «4». و الروايتان ضعيفتان فلا حجة فيهما.

و استدل على الاستخارة بما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الأمر يطلبه الطالب: قال: «يتصدق في يومه على ستين مسكينا كل مسكين صاعا بصاع النبي صلى اللّه عليه و آله ثمَّ يغسل في ثلث الليل الثاني و يلبس أدنى ما يلبس ثمَّ قال فاذا رفع رأسه من‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 5.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 18 ح 1.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 20 ح 1، (و في الوسائل عن عبد الرحيم القصير.)

(4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 20 ح 2.

359
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الكافر إذا أسلم لم يجب عليه الغسل بل يستحب، ؛ ج‌1، ص : 360

السجدة الثانية استخار اللّه مائة مرة» «1»، و ذكر الدعاء. و استدل برواية سماعة أيضا.

و غسل الاستسقاء ذكره جماعة من الأصحاب منهم علم الهدى و ابنا بابويه في كتابهما و رواه عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و غسل الاستسقاء واجب» «2». و المراد تأكيد الاستحباب باتفاق الأصحاب، مع ان الرواية ضعيفة.

و قال ابن بابويه في كتابه روي ان «من قتل وزعة فعليه الغسل» «3».

و قال بعض مشايخنا العلة انه يخرج من ذنوبه فيغتسل. و عندي ان ما ذكره ابن بابويه ليس حجة، و ما ذكره المعلل ليس طائلا، لأنه لو صحت علته لما اختص الوزغة. قال أيضا و روي ان «من قصد الى مصلوب لينظر اليه وجب عليه الغسل و لم يثبت عندي ما ذكره رحمه اللّه. و قال أيضا «و إذا غسلت ميتا أو كفنته» «4».

و ربما احتج برواية محمد بن مسلم عن أحدهما قال «الغسل في سبعة عشر موطنا» «5»، و ساق الحديث حتى قال «و إذا غسلت ميتا أو كفنته» «6». و الرواية صحيحة السند و قد ذكرها الحسين بن سعيد و غيره، غير ان إيجاب الغسل بتكفينه نادر، و العامل به قليل.

مسئلة: الكافر إذا أسلم لم يجب عليه الغسل بل يستحب،

كما يستحب الغسل للتائب. و هو مذهب الأصحاب و أكثر علماء الجمهور. و قال مالك يجب.

لنا ان جماعة أسلموا على عهد النبي صلى اللّه عليه و آله و لم ينقل أنه أمرهم بالغسل، و لو أمرهم لنقل، لأنه مما قضت العادة بظهوره لو وقع. و روى الجمهور عن علي عليه السّلام انه قال: «أمره بذلك لأنه مستحب»، و لان وجوب الغسل مستفاد من الشرع و حيث‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 21 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 3.

(3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 19 ح 2.

(4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.

(5) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.

(6) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.

360
المعتبر في شرح المختصر1

و من لواحق هذا الباب مسائل: ؛ ج‌1، ص : 361

لا شرع فلا وجوب. نعم لو أجنب كافرا و حاضت الكافرة ثمَّ أسلما وجب عليهما الغسل، لحصول السبب الموجب و لو اغتسلا للجنابة أو الحيض كافرين ثمَّ أسلما لم يجزهما لأن نية القربة شرط، و هي من الكافر متعذرة.

و من لواحق هذا الباب مسائل:

الاولى: لا بد في الأغسال المندوبة من ذكر السبب،

فلو اغتسل و لم ينوه لم يجزه. و لا يفتقر في الواجبة إلى ذكر السبب بل يكفي نية رفع الحدث و استباحة الصلاة، لأن المراد بها رفع المنع عما الطهارة شرط فيه.

الثانية: إذا اجتمعت أسباب متساوية في إيجاب الطهارة كفت نية رفع الحدث أو الاستباحة

، و لا يشترط نية الأسباب، كما لو بال و تغوط و نام أو أجنبت المرأة و نفست أو حاضت.

الثالثة: لو اجتمع غسل الجنابة و غيره من الواجبات،

فان لم نشترط الوضوء مع غير الجنابة كفى الغسل الواحد بنية أيها اتفق، و ان قلنا باشتراط الوضوء في غير الجنابة، فلو نوى الجنابة أجزء عنهما لارتفاع الحدث به، و لو نوت الحيض خاصة فعلى تردد، أشبهه الاجزاء لأنه غسل صحيح نوت به الاستباحة فيجزي و في إيجاب الوضوء معه تردد أشبهه انه لا يجب.

الرابعة: لو اجتمع مع غسل الجنابة أو غيره من الواجبات أغسال مندوبة، فإن نوى الجميع أجزء غسل واحد،

و كذا لو نوى الجنابة دون الجمعة، قاله الشيخ في الخلاف و المبسوط. و فيه إشكال ينشأ من اشتراط نية السبب. أما لو نوى الجمعة دون الواجب، قال في الخلاف و المبسوط لم يجزه لأنه لم ينو الجنابة، فيكون حدثه باقيا، و لا يجزيه عن الجمعة لأن المراد به التنظيف.

و فيه أيضا إشكال لأنه ان نوى الطهارة أجزء عنهما، و ان نوى التنظيف دون الطهارة فقد أجزء عن الجمعة إذ ليس المراد من المندوبة رفع الحدث، بل يصح أن‌

361
المعتبر في شرح المختصر1

الخامسة: إذا اجتمعت أغسال مندوبة، كالجمعة و العيدين مثلا، فان نوى الجميع أجزءه غسل واحد ؛ ج‌1، ص : 362

يجامع الحدث كما يصح غسل الإحرام من الحائض، و لو اغتسل و لم ينو شيئا أصلا لم يجزه عن شي‌ء.

الخامسة: إذا اجتمعت أغسال مندوبة، كالجمعة و العيدين مثلا، فان نوى الجميع أجزءه غسل واحد

، لما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام «إذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد» «1» قال «و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها».

أما لو نوى البعض فالوجه اختصاصه بما نواه لأنا بيّنا ان نية السبب في المندوب مطلوبة، إذ لا يراد به رفع الحدث بخلاف الأغسال الواجبة لأن المراد بها الطهارة فيكفي نيتها و ان لم ينو السبب.

مسئلة: و لو حاضت المجنبة لم تغتسل،

لأنه لا طهارة مع الحيض و لو اغتسلت للجنابة لم ترتفع جنابتها. و قال أحمد بن حنبل ترتفع، و قال و لا أعلم أحدا قال لا تغسل الا عطا.

لنا ان غسل الجنابة للطهارة و لا طهارة مع الحيض. و يؤيد ذلك ما رواه عبد اللّه ابن يحيى الكاهلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض تغتسل أم لا؟ فقال: «قد جاءها ما يفسد صلاتها فلا تغتسل» «2».

الركن الثالث [في الطهارة الترابية] و هو التيمم

. و هو في اللغة القصد، قال رؤبة «تيمم البيت كريم الشيخ»، و قال امرء القيس:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.

362
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لو حاضت المجنبة لم تغتسل، ؛ ج‌1، ص : 362

يجامع الحدث كما يصح غسل الإحرام من الحائض، و لو اغتسل و لم ينو شيئا أصلا لم يجزه عن شي‌ء.

الخامسة: إذا اجتمعت أغسال مندوبة، كالجمعة و العيدين مثلا، فان نوى الجميع أجزءه غسل واحد

، لما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام «إذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد» «1» قال «و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها».

أما لو نوى البعض فالوجه اختصاصه بما نواه لأنا بيّنا ان نية السبب في المندوب مطلوبة، إذ لا يراد به رفع الحدث بخلاف الأغسال الواجبة لأن المراد بها الطهارة فيكفي نيتها و ان لم ينو السبب.

مسئلة: و لو حاضت المجنبة لم تغتسل،

لأنه لا طهارة مع الحيض و لو اغتسلت للجنابة لم ترتفع جنابتها. و قال أحمد بن حنبل ترتفع، و قال و لا أعلم أحدا قال لا تغسل الا عطا.

لنا ان غسل الجنابة للطهارة و لا طهارة مع الحيض. و يؤيد ذلك ما رواه عبد اللّه ابن يحيى الكاهلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض تغتسل أم لا؟ فقال: «قد جاءها ما يفسد صلاتها فلا تغتسل» «2».

الركن الثالث [في الطهارة الترابية] و هو التيمم

. و هو في اللغة القصد، قال رؤبة «تيمم البيت كريم الشيخ»، و قال امرء القيس:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.

362
المعتبر في شرح المختصر1

الركن الثالث‌[في الطهارة الترابية] و هو التيمم ؛ ج‌1، ص : 362

يجامع الحدث كما يصح غسل الإحرام من الحائض، و لو اغتسل و لم ينو شيئا أصلا لم يجزه عن شي‌ء.

الخامسة: إذا اجتمعت أغسال مندوبة، كالجمعة و العيدين مثلا، فان نوى الجميع أجزءه غسل واحد

، لما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام «إذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد» «1» قال «و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها».

أما لو نوى البعض فالوجه اختصاصه بما نواه لأنا بيّنا ان نية السبب في المندوب مطلوبة، إذ لا يراد به رفع الحدث بخلاف الأغسال الواجبة لأن المراد بها الطهارة فيكفي نيتها و ان لم ينو السبب.

مسئلة: و لو حاضت المجنبة لم تغتسل،

لأنه لا طهارة مع الحيض و لو اغتسلت للجنابة لم ترتفع جنابتها. و قال أحمد بن حنبل ترتفع، و قال و لا أعلم أحدا قال لا تغسل الا عطا.

لنا ان غسل الجنابة للطهارة و لا طهارة مع الحيض. و يؤيد ذلك ما رواه عبد اللّه ابن يحيى الكاهلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض تغتسل أم لا؟ فقال: «قد جاءها ما يفسد صلاتها فلا تغتسل» «2».

الركن الثالث [في الطهارة الترابية] و هو التيمم

. و هو في اللغة القصد، قال رؤبة «تيمم البيت كريم الشيخ»، و قال امرء القيس:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.

362
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الأول: في الشرائط ؛ ج‌1، ص : 363

تيممت العين التي دون ضارج

يفي‌ء عليها الظل عرمضها طامي

و منه تيممته برمحي إذا قصدته دون غيره، قال تيممته الرمح شزرا، ثمَّ قلت له هذي المروة لا لعب الزحاليق. و اختص في الشرع بمسح الوجه و اليدين بالصعيد بدلا عن احدى الطهارتين و النظر فيه يستدعي أمورا أربعة:

الفصل الأول: في الشرائط.

مسئلة: شرط التيمم عدم الماء، أو عدم الوصلة اليه، أو حصول مانع، كالبرد، و المرض.

أما عدم الماء فعليه إجماع أهل العلم و لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً «1»، و لقوله عليه السّلام «التراب كافيك ما لم تجد الماء» «2». و كذا لو عدم الوصلة، و لو وجد بئرا توصل إلى مائها و لو بإرسال ثوب و اعتصاره، و لو خشي فوت الوقت باشتغاله بإخراجه لم يجز التيمم، لأنه كالواجد. و لو لم يمكنه الوصول الا بالنزول نزل ما لم يخش فساد الماء، أو مشقة أو تعزيرا.

و يجوز التيمم لو منعه من استعماله مرض، و هو قول أهل العلم الا طاوس و مالكا. لنا ان في إيجاب الغسل هنا حرجا و عسرا و ضررا، و الكل منفي، و قوله تعالى وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «3».

و روى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجنب يكون به القروح قال: «لا بأس أن لا يغتسل و يتيمم» «4». و عدم الوصلة كعدم الماء و هو إجماع، و لو خشي البرد الشديد و لم يتمكن من إسخان الماء، تيمم و صلى و لا اعادة، و مثله قال أبو حنيفة. و قال الشافعي ان أمكنه استعمال جزء من الماء وجب عليه، و ان لم يمكنه‌

______________________________
(1) سورة النساء: 43.

(2) سنن البيهقي ج 1 ص 114.

(3) سورة النساء: 29.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 5 ح 11.

363
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: شرط التيمم عدم الماء، أو عدم الوصلة اليه، أو حصول مانع، كالبرد، و المرض ؛ ج‌1، ص : 363

تيممت العين التي دون ضارج

يفي‌ء عليها الظل عرمضها طامي

و منه تيممته برمحي إذا قصدته دون غيره، قال تيممته الرمح شزرا، ثمَّ قلت له هذي المروة لا لعب الزحاليق. و اختص في الشرع بمسح الوجه و اليدين بالصعيد بدلا عن احدى الطهارتين و النظر فيه يستدعي أمورا أربعة:

الفصل الأول: في الشرائط.

مسئلة: شرط التيمم عدم الماء، أو عدم الوصلة اليه، أو حصول مانع، كالبرد، و المرض.

أما عدم الماء فعليه إجماع أهل العلم و لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً «1»، و لقوله عليه السّلام «التراب كافيك ما لم تجد الماء» «2». و كذا لو عدم الوصلة، و لو وجد بئرا توصل إلى مائها و لو بإرسال ثوب و اعتصاره، و لو خشي فوت الوقت باشتغاله بإخراجه لم يجز التيمم، لأنه كالواجد. و لو لم يمكنه الوصول الا بالنزول نزل ما لم يخش فساد الماء، أو مشقة أو تعزيرا.

و يجوز التيمم لو منعه من استعماله مرض، و هو قول أهل العلم الا طاوس و مالكا. لنا ان في إيجاب الغسل هنا حرجا و عسرا و ضررا، و الكل منفي، و قوله تعالى وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «3».

و روى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجنب يكون به القروح قال: «لا بأس أن لا يغتسل و يتيمم» «4». و عدم الوصلة كعدم الماء و هو إجماع، و لو خشي البرد الشديد و لم يتمكن من إسخان الماء، تيمم و صلى و لا اعادة، و مثله قال أبو حنيفة. و قال الشافعي ان أمكنه استعمال جزء من الماء وجب عليه، و ان لم يمكنه‌

______________________________
(1) سورة النساء: 43.

(2) سنن البيهقي ج 1 ص 114.

(3) سورة النساء: 29.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 5 ح 11.

363
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 364

تيمم و صلى ثمَّ أعاد ان كان حاضرا، و ان كان مسافرا فعلى قولين.

لنا قوله تعالى وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «1» و قوله تعالى وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «2». و قصة عمرو بن العاص «3». و روى داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح أو قروح أو يخاف على نفسه البرد قال: «لا يغتسل و يتيمم» «4».

فروع

الأول: يجوز التيمم في السفر القصير مع عدم الماء،

كما يجوز في الطويل و هو إجماع فضلاء الإسلام. و حكي عن سداد اختصاصه بالطويل، و هو ما يقصر فيه الصلاة. لنا قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا «5» و هو على إطلاقه، و يستوي سفر الطاعة و المعصية في جواز التيمم عملا بمطلق الآية، و لأنه سفر لا يسقط معه الفرض و لا يسقط به التيمم.

الثاني: الصحيح الحاضر إذا عدم الماء كالمحبوس و من انقطع عنه الماء يتيمم و يصلي

، و كذا قال الشافعي، و مالك، و أحمد. و عن أبي حنيفة روايتان إحديهما يترك التيمم و الصلاة، لأن التيمم مشروط بالسفر. لنا قوله عليه السّلام الصعيد الطيب طهور المسلم ان لم يجد الماء الى عشر سنين فاذا وجد الماء فليمسه بشرته» «6» و قوله عليه السّلام «التراب‌

______________________________
(1) سورة النساء: 29.

(2) سورة البقرة: 195.

(3) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 128.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 5 ح 8.

(5) سورة النساء: 43.

(6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212 (مع اختلاف يسير).

364
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: من يتكرر خروجه عن مصره كالحطاب و الحراث لو حضرته الصلاة و لا ماء، فإن أمكنه العود و لما يفت مطلوبه عاد ؛ ج‌1، ص : 365

كافيك ما لم تجد الماء» «1».

و استدلال الحنفي ضعيف، لأنا لا نسلم اشتراط السفر بل كما يجوز التيمم مع السفر لا بشرط المرض فكذا يجوز مع الحدث لا بشرط المرض و لا السفر، لان العطف مناف للشرط على أن ذكر السفر في الآية انما خرج مخرج الغالب لان عدم الماء في الحضر نادر و في السفر غالب، فذكر معه لا شرطا على أنها تدل بدليل الخطاب و هو متروك. و هل يعيد إذا وجد الماء قال الشيخان لا، و به قال مالك.

و قال علم الهدى في شرح الرسالة يعيد، و به قال الشافعي، و عن أحمد روايتان.

لنا انه صلى بتيمم مشروع صلاة مأمورا بها فتكون مجزية. و يؤيده ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض و ليصل فاذا وجد الماء فليغتسل و قد أجزأته صلاته التي صلاها» «2» و اللفظ على عمومه.

الثالث: من يتكرر خروجه عن مصره كالحطّاب و الحراث لو حضرته الصلاة و لا ماء، فإن أمكنه العود و لما يفت مطلوبه عاد

و لو تيمم لم يجزه، و ان لم يمكنه الا بفوات مطلوبه ففي التيمم تردد أشبهه الجواز دفعا للضرر و لا إعادة لأن طهارته مشروعة و صلاته مأمور بها.

الرابع: يستبيح المريض التيمم مع خوف التلف إجماعا

، و لا يستبيحه مع خوف المرض اليسير كوجع الرأس و الضرس. و قيل تستبيحه لخوف الزيادة في العلة أو بطؤها أو الشين، مذهبنا نعم، و كذا قال مالك، و أبو حنيفة، و للشافعي قولان.

لنا قوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «3» و قوله تعالى‌

______________________________
(1) السنن البيهقي ص 215 بهذا المعنى.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 7.

(3) سورة الحج: 78.

365
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس: إذا لم يجد المريض من يناوله الماء فهو كالعادم ؛ ج‌1، ص : 366

وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ «1» و لان التيمم جائز مع توجه الضرر على المال. و عند الشافعي لو زاد ثمنه عن ثمن المثل فهنا أولى فلو كان المريض لا يتضرر باستعمال الماء الحار، وجب عليه إسخانه و لم يتيمم مع القدرة على الإسخان. و قال داود يتيمم لظاهر الآية.

لنا شرط التيمم عدم الماء، و لم يحصل، و لو زال المرض في أثناء الصلاة استصحب كما لو وجد الماء، و سيأتي تحقيقه.

الخامس: إذا لم يجد المريض من يناوله الماء فهو كالعادم

، و لو أمّل مناولا و خشي فوت الصلاة ففي التيمم تردد، أقربه الجواز.

السادس: من كان الماء قريبا منه و تحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت أو كان عنده و باستعماله يفوت، لم يجز له التيمم

و سعى إليه لأنه واجد.

السابع: لو خشي على نفسه لصا أو سبعا تيمم

و لا إعادة لأنه كالعادم، و كذا لو خشي على أهله أو ماله، و هو إجماع. و لو كان خوفه جبنا فكذلك لوجود سبب الخوف في حقه، و لو ظن مخوفا فتيمم و صلى، ثمَّ بان فساد ظنه، فلا اعادة.

و عن أحمد روايتان إحديهما يعيد، لأنه تيمم من غير سبب يبيح التيمم فأشبه من نسي الماء في رحله. لنا انه تيمم تيمما مشروعا، و صلى صلاة مأمورا بها، فتكون مجزية. و حجة أحمد ضعيفة، لأن السبب الخوف و هو موجود، و قياسه على الناسي باطل، لأنا نمنع الأصل و الفرع.

الثامن: إذا كان معه ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء فلم يتطهر و دخل الوقت و لا ماء، تيمم و صلى

و لا اعادة، و لو كان ذلك بعد دخول الوقت، فكذلك. و للشافعي و أحمد هنا روايتان، إحديهما يعيد، لأنه فرط في الصلاة مع القدرة على طهارة كاملة. لنا انه صلى صلاة مستكملة الشرائط، فتكون مجزية و الإراقة للماء سائغة،

______________________________
(1) سورة النساء: 43.

366
المعتبر في شرح المختصر1

التاسع: و لو نسي الماء في رحله و صلى بالتيمم أجزأه ؛ ج‌1، ص : 367

فلا يترتب عليها لواحق التفريط.

التاسع: و لو نسي الماء في رحله و صلى بالتيمم أجزأه

، و هو اختيار علم الهدى، و كذا قال أبو حنيفة. و قال الشافعي يعيد. و عن أحمد و مالك روايتان. و قال الشيخ: ان اجتهد و طلب لم يعد و الا أعاد.

لنا انه صلى بتيمم مشروع فلم يلزمه الإعادة و لان النسيان لا طريق إلى إزالته فصار كعدم الوصلة. و احتج الشافعي بأنها طهارة تجب مع الذكر فلم يسقط بالنسيان و لأنه مفرط فيلزم الإعادة.

و جوابه منع الملازمة فإن الذاكر متمكن من الاستعمال، و الناسي ممنوع منه، فلم تجب الطهارة مع المنع، و لا نسلم التفريط، لأنا نتكلم على تقدير الاجتهاد في الطلب، و ينتقض قياسه بمن ضل عن رحله و فيه ماء، أو كان يعرف بئرا فضلت عنه، فإن الأصح التيمم و الاجتزاء بالصلاة و لو ذكر، و قوله هو مفرط في موضع المنع لان النسيان لا طريق إلى إزالته.

و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يتوضأ و يعيد» «1» و في سندها عثمان بن عيسى و هو ضعيف، فهي إذن ساقطة. و لو كان بقربه بئر لم يرها فمع الاجتهاد تيمم و لا اعادة و مع التفريط يعيد.

مسئلة: و لو خشي العطش تيمم إن لم يكن في الماء سعة عن قدر الضرورة

و هو مذهب أهل العلم كافة، لأن التقدير الخوف على النفس، و معه يتعين التيمم.

و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمم قال: «بل يتيمم» «2» و كذلك إذا أراد الوضوء.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 5.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 25 ح 2.

367
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لو خشي العطش تيمم إن لم يكن في الماء سعة عن قدر الضرورة ؛ ج‌1، ص : 367

فلا يترتب عليها لواحق التفريط.

التاسع: و لو نسي الماء في رحله و صلى بالتيمم أجزأه

، و هو اختيار علم الهدى، و كذا قال أبو حنيفة. و قال الشافعي يعيد. و عن أحمد و مالك روايتان. و قال الشيخ: ان اجتهد و طلب لم يعد و الا أعاد.

لنا انه صلى بتيمم مشروع فلم يلزمه الإعادة و لان النسيان لا طريق إلى إزالته فصار كعدم الوصلة. و احتج الشافعي بأنها طهارة تجب مع الذكر فلم يسقط بالنسيان و لأنه مفرط فيلزم الإعادة.

و جوابه منع الملازمة فإن الذاكر متمكن من الاستعمال، و الناسي ممنوع منه، فلم تجب الطهارة مع المنع، و لا نسلم التفريط، لأنا نتكلم على تقدير الاجتهاد في الطلب، و ينتقض قياسه بمن ضل عن رحله و فيه ماء، أو كان يعرف بئرا فضلت عنه، فإن الأصح التيمم و الاجتزاء بالصلاة و لو ذكر، و قوله هو مفرط في موضع المنع لان النسيان لا طريق إلى إزالته.

و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يتوضأ و يعيد» «1» و في سندها عثمان بن عيسى و هو ضعيف، فهي إذن ساقطة. و لو كان بقربه بئر لم يرها فمع الاجتهاد تيمم و لا اعادة و مع التفريط يعيد.

مسئلة: و لو خشي العطش تيمم إن لم يكن في الماء سعة عن قدر الضرورة

و هو مذهب أهل العلم كافة، لأن التقدير الخوف على النفس، و معه يتعين التيمم.

و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمم قال: «بل يتيمم» «2» و كذلك إذا أراد الوضوء.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 5.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 25 ح 2.

367
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 368

فروع

الأول: و يستوي في ذلك خوفه للعجل و المتطاول

، لوجود العلة. و لو خشي العطش على رفقته أو دوابه، استقى الماء و تيمم، لأن حرمة أخيه المسلم كحرمته، و لأن حرمة المسلم آكد من حرمة الصلاة، و الخوف على الدواب خوف على المال و معه يجوز التيمم.

الثاني: لو وجد عطشان يخاف تلفه بذل الماء له و تيمم

، لان حفظ الإنسان أرجح في نظر الشرع من الصلاة بدليل أنها تقطع لحفظ الإنسان من الغرق و الحرق و ان ضاق وقتها خصوصا، و الطهارة لها بدل و النفس لا استدراك لغايتها.

الثالث: لو كان معه ماءان طاهر و نجس، و خشي العطش استبقى لشربه الطاهر و تيمم

، لأنه قادر على شرب الطاهر فلا يستبيح النجس فجرى وجوده مجرى عدمه و يستوي الحكم بذلك في الوقت و قبله لما ذكرناه. لا يقال بعد دخول وقت الصلاة يصير استعمال الماء مستحقا للطهارة، لأنا نمنع الاستحقاق، و انما نسلّمه لو استغنى عن شربه و ليس مستغنيا بالنجس لتحقق التحريم في شربه مع وجود الطاهر.

مسئلة: و إذا وجد الجنب ماء لا يكفي لطهارته ترك الماء و تيمم

، و كذا قال أبو حنيفة، و مالك. و للشافعي قولان، أحدهما يستعمل الماء و يتيمم، و كقوله قال أحمد.

لنا انه ماء لا يطهره فجرى مجرى عدمه، و لأنه ماء لا يسقط معه التيمم فلا يكون عدمه شرطا. احتج الشافعي: بأنه واجد للماء فلم يجزه التيمم. و الجواب منع الوجود، لان المراد وجود ما يطهره، لقوله تعالى في كفارة اليمين فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ «1» يريد فمن لم يجد إطعام عشرة مساكين و لو وجد للبعض لما‌

______________________________
(1) سورة المائدة: 89.

368
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا لم يوجد الا ابتياعا وجب مع القدرة ؛ ج‌1، ص : 369

وجب، و لأنه لو وجب استعمال الماء لزم اجتماع البدل و المبدل، و كذا لو كان مع الجنب ماء يكفيه لوضوئه يتيمم و لا يلزمه استعمال الماء و التيمم لما ذكرناه.

و يؤيده ما رواه الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المجنب معه من الماء ما يكفيه لوضوئه أ يتوضأ بالماء أو يتيمم فقال: «يتيمم» «1». و كذا البحث في المحدث حدثا أصغرا لو وجد ماء لبعض طهارته، بل أولى مراعاة للموالاة.

و كذا لو تضرر بعض أعضائه بالماء لمرض تيمم و لم يغسل الصحيح.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف: لو غسلها و تيمم كان أحوط. و كذا لو كان بعض أعضائه نجسا و لا يقدر على طهارته بالماء تيمم و صلى و لا اعادة في شي‌ء من ذلك لعين ما ذكرناه.

مسئلة: إذا لم يوجد الا ابتياعا وجب مع القدرة

و ان كثر الثمن، كذا قال علم الهدى. و قيل ما لم يضر به في الحال و هو أشبه.

أما الأول فيدل عليه أنه واجد للماء ضرورة قدرته عليه بالثمن الموجود كما في خصال الكفارة المرتبة. و روى صفوان عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل احتاج الى وضوء الصلاة، و هو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به بماءة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها يشتري و يتوضأ أو يتيمم؟ قال: «بل يشتري قد أصابني مثل هذا فاشتريت و ما يشتري بذلك مال كثير» «2».

و أما الثاني و هو اشتراط عدم الضرر الحالي، فهو اختيار الشيخ رحمه اللّه في الخلاف و المبسوط. و قال ابن الجنيد منا: إذا كان الثمن غاليا تيمم و صلى و أعاد إذا وجد الماء. و قال الشافعي لا يلزمه لو زاد عن ثمن مثله لأنه إضرار و الطهارة لا تلزم مع الضرر كما لا يقص الثوب من النجاسة عند عدم الماء.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 24 ح 3.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 26 ح 1.

369
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 370

و قال أبو حنيفة ان كانت الزيادة قليلة، لزمه ابتياعه، لأنها زيادة لا يعتد بها و لا يتيقن دخولها بين تقويم المقومين، فجرى وجودها مجرى عدمها. و جواب الشافعي منع دعواه فإنه أوجب التيمم مع المرض إذا لم يخف على نفسه، و ان خاف الزيادة و هو أعظم الضرر، و لان الضرر ليس معتبرا مع معارضة النص.

و قال الشيخ في كتبه كلها لا يجب شرائه إذا كان مضرا في الحال. و هو فتوى فضلائنا، و فتوى فقهاء الجمهور. و انما قلنا انه أشبه لان من خشي من لص أخذ ما يجحف به، لم يجب عليه السعي و تعريض المال للتلف، و إذا ساغ التيمم هناك دفعا لهذا الضرر ساغ هنا.

و ينبه على ذلك ما رواه يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال: «لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له اللص أو سبع» «1».

فروع

الأول: لو بذل له بثمن غير مجحف إلى أجل و كان قادرا عليه، وجب قبوله

و ان اشتغلت ذمته، لان له سبيلا الى تحصيل الماء من غير إجحاف به، فلم يجز التيمم فان لم يكن قادرا عليه لم يجب و تيمم. و قال الشافعي يجب قبوله مطلقا.

و بعض الحنابلة منع مطلقا. لنا انه غير واجد للماء و لا لثمنه فيلزمه التيمم.

الثاني: لو امتنع صاحبه من بذله، لم يجز مقاهرته

و لو كان فاضلا عن حاجته لأنه لا ضرورة إليه لإمكان الصلاة بالتيمم.

الثالث: لو بذل بغير عوض وجب قبوله

، لأنه كالواجد و لا منّة و لا غضاضة في طلب الماء عادة و لو بذل له بثمن ليس معه فبذل له الثمن. قال الشيخ في المبسوط‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 2 ح 2.

370
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع: عادم الإله الموصلة كعادم الماء ؛ ج‌1، ص : 371

يجب قبوله، لأنه متمكن منه. و فيه إشكال، لأن فيه منّة بالعادة و لا يجب تحمّل المنة.

و مثله خصال الكفارة المرتبة.

الرابع: عادم الإله الموصلة كعادم الماء

و يستوي راكب البر و راكب البحر في جواز التيمم مع عدم الوصلة.

مسئلة: و لو كان على جسده نجاسة و معه ماء يكفيه لإزالتها أو للوضوء أزالها به و تيمم بدلا من الوضوء.

و لا أعلم في هذه خلافا بين أهل العلم، لأن للطهارة بدلا هو التيمم و لا كذلك إزالة النجاسة، و كذا لو كان عليه غسل و على جسده نجاسة و الماء يكفي أحدهما، أزال النجاسة و تيمم للغسل، و كذا لو كانت النجاسة في ثوبه و عليه حدث غسل ثوبه بالماء و تيمم.

و حكي عن أحمد بن حنبل بأنه يتطهر بالماء و لا يغسل الثوب لان رفع الحدث آكد في الصلاة من ازالة الخبث عن الثوب، و هو ضعيف لأن إزالة النجاسة مع القدرة واجب و لا بدل للماء في إزالتها فتعيّن لها و لو كان متطهرا و على جسده نجاسة و لا ماء أو خاف من استعماله صلى على حاله. و عن أحمد هو كالجنب يتيمم.

و ما ذهب إليه أحمد خلاف الإجماع لأن التيمم مختص برفع الحدث، أما رفع الخبث فلا، لان المراد من طهارة الخبث ازالة عينه عن محله، و هو لا يحصل بالتيمم.

و احتج بعض أصحابه بقوله عليه السّلام «الصعيد الطيب طهور المسلم» «1» و قوله «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» «2» و لأنها طهارة في البدن للصلاة فجاز التيمم لها عند عدم الماء، و خوف الضرر كالحدث، و الجواب لا نسلّم ان الظواهر‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212، و لفظه كذا (الصعيد الطيب وضوء المسلم).

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 2.

371
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لو كان على جسده نجاسة و معه ماء يكفيه لإزالتها أو للوضوء أزالها به و تيمم بدلا من الوضوء ؛ ج‌1، ص : 371

يجب قبوله، لأنه متمكن منه. و فيه إشكال، لأن فيه منّة بالعادة و لا يجب تحمّل المنة.

و مثله خصال الكفارة المرتبة.

الرابع: عادم الإله الموصلة كعادم الماء

و يستوي راكب البر و راكب البحر في جواز التيمم مع عدم الوصلة.

مسئلة: و لو كان على جسده نجاسة و معه ماء يكفيه لإزالتها أو للوضوء أزالها به و تيمم بدلا من الوضوء.

و لا أعلم في هذه خلافا بين أهل العلم، لأن للطهارة بدلا هو التيمم و لا كذلك إزالة النجاسة، و كذا لو كان عليه غسل و على جسده نجاسة و الماء يكفي أحدهما، أزال النجاسة و تيمم للغسل، و كذا لو كانت النجاسة في ثوبه و عليه حدث غسل ثوبه بالماء و تيمم.

و حكي عن أحمد بن حنبل بأنه يتطهر بالماء و لا يغسل الثوب لان رفع الحدث آكد في الصلاة من ازالة الخبث عن الثوب، و هو ضعيف لأن إزالة النجاسة مع القدرة واجب و لا بدل للماء في إزالتها فتعيّن لها و لو كان متطهرا و على جسده نجاسة و لا ماء أو خاف من استعماله صلى على حاله. و عن أحمد هو كالجنب يتيمم.

و ما ذهب إليه أحمد خلاف الإجماع لأن التيمم مختص برفع الحدث، أما رفع الخبث فلا، لان المراد من طهارة الخبث ازالة عينه عن محله، و هو لا يحصل بالتيمم.

و احتج بعض أصحابه بقوله عليه السّلام «الصعيد الطيب طهور المسلم» «1» و قوله «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» «2» و لأنها طهارة في البدن للصلاة فجاز التيمم لها عند عدم الماء، و خوف الضرر كالحدث، و الجواب لا نسلّم ان الظواهر‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212، و لفظه كذا (الصعيد الطيب وضوء المسلم).

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 2.

371
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الثاني: ما يتيمم به ؛ ج‌1، ص : 372

المذكورة متناولة لموضع النزاع، لان طهورا ليس من ألفاظ العموم بل هو مطلق يصدق بالجزء و الكل، و مع الاحتمال لا يتعيّن لإرادة الكل فلعل المراد به طهور المسلم من الحدث.

و كذا قوله مسجدا و طهورا و المطلق لا يدل على موارده و لان المعول في جواز التيمم على الآية، و هي دالة على استعماله في رفع الحدث فيقتصر عليه. و أما قياسه على طهارة الحدث فباطل لأن طهارة الحدث متعلقة بالبدن و العينية متعلقة بمحلها فلا يلزم من زوال الحكمية بالتيمم زوال حكم العينية به لما بينهما من الفرق.

الفصل الثاني: ما يتيمم به

مسئلة: لا يجزي في التيمم الا التراب الخالص

أي الصافي من مخالطة ما لا يقع عليه اسم الأرض كالزرنيخ و الكحل و أنواع المعادن، و هذا قول علم الهدى في شرح الرسالة، و أبي الصلاح، و ظاهر كلام المفيد، و هو اختيار الشافعي.

و قال الشيخ في المبسوط: لا يجوز الا بما يقع عليه اسم الأرض إطلاقا سواء كان عليه تراب أو كان حجرا أو جصا أو غير ذلك، و بمعناه قال في جمله و الخلاف و كذا قال ابن الجنيد منا، و علم الهدى في المصباح، و هو الوجه.

و قال أبو حنيفة يجوز بالأرض و بكل ما كان من جنسها كالكحل و الزرنيخ، و به قال ابن أبي عقيل منا، لقوله عليه السّلام «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» «1» و كل ما جاز أن يسجد عليه مما يكون منها يجوز الطهور به و لأنه جزء من الأرض فصار كالتراب و لان الصعيد ما تصاعد على الأرض منها. و قال مالك كقوله و زاد التيمم بما يخرج من الأرض كالشجر و غيره.

و احتج علم الهدى بقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2». و الصعيد هو‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 2.

(2) سورة المائدة: 6.

372
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يجزي في التيمم الا التراب الخالص ؛ ج‌1، ص : 372

المذكورة متناولة لموضع النزاع، لان طهورا ليس من ألفاظ العموم بل هو مطلق يصدق بالجزء و الكل، و مع الاحتمال لا يتعيّن لإرادة الكل فلعل المراد به طهور المسلم من الحدث.

و كذا قوله مسجدا و طهورا و المطلق لا يدل على موارده و لان المعول في جواز التيمم على الآية، و هي دالة على استعماله في رفع الحدث فيقتصر عليه. و أما قياسه على طهارة الحدث فباطل لأن طهارة الحدث متعلقة بالبدن و العينية متعلقة بمحلها فلا يلزم من زوال الحكمية بالتيمم زوال حكم العينية به لما بينهما من الفرق.

الفصل الثاني: ما يتيمم به

مسئلة: لا يجزي في التيمم الا التراب الخالص

أي الصافي من مخالطة ما لا يقع عليه اسم الأرض كالزرنيخ و الكحل و أنواع المعادن، و هذا قول علم الهدى في شرح الرسالة، و أبي الصلاح، و ظاهر كلام المفيد، و هو اختيار الشافعي.

و قال الشيخ في المبسوط: لا يجوز الا بما يقع عليه اسم الأرض إطلاقا سواء كان عليه تراب أو كان حجرا أو جصا أو غير ذلك، و بمعناه قال في جمله و الخلاف و كذا قال ابن الجنيد منا، و علم الهدى في المصباح، و هو الوجه.

و قال أبو حنيفة يجوز بالأرض و بكل ما كان من جنسها كالكحل و الزرنيخ، و به قال ابن أبي عقيل منا، لقوله عليه السّلام «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» «1» و كل ما جاز أن يسجد عليه مما يكون منها يجوز الطهور به و لأنه جزء من الأرض فصار كالتراب و لان الصعيد ما تصاعد على الأرض منها. و قال مالك كقوله و زاد التيمم بما يخرج من الأرض كالشجر و غيره.

و احتج علم الهدى بقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2». و الصعيد هو‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 2.

(2) سورة المائدة: 6.

372
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يجزي في التيمم الا التراب الخالص ؛ ج‌1، ص : 372

التراب بالنقل عن أهل اللغة حكاه ابن دريد عن أبي عبيدة و بقوله عليه السّلام «جعلت لي الأرض مسجدا طهورا» «1» و لو كانت الأرض طهورا و ان لم يكن ترابا ذكره لغوا و بقوله عليه السّلام «التراب طهور المسلم».

لنا قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» و الصعيد هو وجه الأرض بالنقل عن فضلاء اللغة، ذكر ذلك الخليل، و ثعلب عن ابن الأعرابي، و يدل عليه قوله تعالى فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً «3» أي أرضا ملسا مزلقة و مثله قوله عليه السّلام «يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة على صعيد واحد» أي أرض واحدة. و يدل على جواز التيمم بالأرض قوله عليه السّلام «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» «4» و قوله عليه السّلام «للسائلين عليكم بالأرض».

و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في التيمم قال:

«تضرب بكفيك الأرض» «5» و الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «لا ينزل إلى الركية ان رب الماء هو رب الأرض فتيمم» «6».

و جواب علم الهدى انه لا يلزم من تسمية التراب صعيدا ان لا يسمى به الأرض بل جعله اسما للأرض أولى، لأنه يستعمل فيهما فيجعل حقيقة في القدر المشترك بينهما و هو الأرضية دفعا للاشتراك و المجاز فيكون التراب صعيدا باعتبار كونه أرضا لا باعتبار كونه ترابا.

و أما الخبران فالتمسك بهما تمسك بدلالة خطابهما، و هو متروكة في معرض‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 2.

(2) سورة المائدة: 6.

(3) سورة الكهف: 40.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 4.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 11 ح 7.

(6) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 3 ح 4.

373
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 374

النص إجماعا. و جواب أبي حنيفة لا نسلّم انه يلزم من جعل الأرض مسجدا و طهورا أن يجتمع الأمران فيما يخرج من الأرض مما لا يسمى أرضا، و حينئذ لا يتناول الكحل و الزرنيخ لعدم تسميتها أرضا و صعيدا.

و قوله هو جزء من الأرض فصار كالتراب. قلنا ان عنيت بكونه جزءا انه يسمى أرضا فهو ممنوع و ان عنيت انه يخرج منها، فهو ينتقض بالشجر و بالذهب و الفضة فإنه نمنع من التيمم بذلك، و ان كان خارجا من الأرض. و بالجملة فلا نسلم أن جواز التيمم متعلق بما يخرج من الأرض بل بما يسمى أرضا.

فروع

الأول: يجوز التيمم بالرمل و السبخة على كراهية فيهما

، و هو مذهب فقهائنا أجمع، عدا ابن الجنيد فإنه منع من السبخ.

لنا ان السبخ أرض و خشونتها و لونها لا يخرجها عن الأرضية، كالأرض الحمراء و الصفراء. أما المعادن فلا يجوز التيمم بها كالزاج و الزرنيخ و الكحل، و كذا ما ماثلها من الأشياء المنسحقة كالدقيق و السويق، و كذا المستحيلة كالرماد لان جميع ذلك لا يسمى أرضا، و لو مزج التراب بأحدها، قال الشيخ في الخلاف: لم يجز التيمم به و ان غلب عليه الصعيد لقوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً «1» و هذا خرج عن الصعيد بالممازجة.

الثاني: يجوز التيمم بالأرض الندية كما يجوز بالتراب،

لما ذكرناه من الحجة، و لما رواه رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه فان ذلك توسيع من اللّه عز و جل» «2».

______________________________
(1) سورة المائدة: 6.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 4.

374
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: في التيمم بالخزف تردد أشبهه المنع ؛ ج‌1، ص : 375

الثالث: في التيمم بالخزف تردد أشبهه المنع

، و هو اختيار ابن الجنيد منا، لأنه خرج بالطبخ عن اسم الأرض و لا يعارض بجواز السجود لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ، و كذا لو دق حتى صار كالتراب أما لو دق الحجر جاز كما يجوز التيمم به غير مدقوق.

الرابع: ليس من شرط التيمم نقل التراب إلى أعضاء المتيمم

، قاله علم الهدى في شرح الرسالة و قال: لا أعرف لأصحابنا في هذا نصا، فالأولى أن لا يكون به اعتبار و اعتبره الشافعي.

لنا قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» و قد بينا ان الصعيد وجه الأرض و لم يشترط النقل، و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله نفض يديه من التراب و لو كان بقاؤه معتبرا لما نفض يده، و لأنه تعريض لإزالته.

احتج الشافعي بقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «2» و من هنا للتبعيض، و لأنه ممسوح في الطهارة، فافتقر الى ممسوح به كمسح الرأس في الوضوء. و الجواب كما يحتمل أن يكون من هنا للتبعيض، يحتمل للابتداء كأنه أمر أن يكون مسح الوجه موصولا بتيمم الصعيد من غير تحلل، و جواب قياسه الفرق بين طهارة الماء و التيمم، لان المراد بالمائية إزالة الحدث و ليس كذلك التيمم.

مسئلة: يستحب التيمم من ربا الأرض و عواليها و يكره من مهابطها

، و عليه اتفاق فقهائنا، و لم يفرق بين الموضعين أحد ممن خالفنا. و الوجه ان العوالي يغسلها السيول فهي أبعد عن ملاقاة النجاسات. و يؤيده النقل عن أهل البيت و ان ضعف سنده.

مسئلة: قال علم الهدى في المصباح: يجوز التيمم بالجص و النورة.

و قال الشيخان في المقنعة و المبسوط و النهاية: يجوز بأرض الجص و النورة، و هو حسن.

______________________________
(1) سورة المائدة: 6.

(2) سورة المائدة: 6.

375
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الحجر الصلد كالرخام و الصفا و البرام، يجوز التيمم به ؛ ج‌1، ص : 376

و منع الشافعي ذلك.

لنا قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» و الصعيد وجه الأرض. و ما ذكره علم الهدى في المصباح هو رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام انه سأل عن التيمم بالجص فقال «نعم» فقيل بالنورة فقال «نعم» فقيل بالرماد فقال «لا انه لا يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر» «2». و هذا السكوني ضعيف لكن روايته حسنة، لأنه أرض فلا يخرج باللون و الخاصية عن اسم الأرض كما لا يخرج الأرض الصفراء و الحمراء.

مسئلة: الحجر الصلد كالرخام و الصفا و البرام، يجوز التيمم به

و ان لم يكن عليه غبار، قاله الشيخ في المبسوط و النهاية، و علم الهدى في المصباح و قال المفيد في المقنعة يجوز مع الاضطرار، و منعه الشافعي أصلا.

لنا قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «3» و الصعيد وجه الأرض و الحجر أرض إجماعا. لا يقال الصعيد تراب الحرث، كذا حكي عن ابن عباس و قوله حجة.

لأنا نقول هذا يبطل بالرمل و السبخة فإن التيمم بهما جائز و ان لم يكونا من تراب الحرث. و لو قيل المراد حمل التراب الى الوجه و اليدين، انتقض ذلك بمقابلة العواصف و انما قال في الأصل فيه تردد، لان علم الهدى قال في المصباح: لم أقف لأصحابنا فيه على نص. و المفيد أجازه عند الاضطرار فنشأ التردد من ذلك.

مسئلة: إذا فقد الصعيد تيمم بغبار الثوب أو عرف الدابة أو لبد السرج أو غير ذلك مما فيه غبار

، و هو مذهب علمائنا، و مذهب أبي حنيفة، و الشافعي، و منعه أبو يوسف.

لنا ان هذا هو القدر الذي يستعمل من الصعيد فيجتزأ به. و يؤيده رواية زرارة‌

______________________________
(1) سورة المائدة: 6.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 8 ح 1.

(3) سورة المائدة: 6.

376
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا فقد الصعيد تيمم بغبار الثوب أو عرف الدابة أو لبد السرج أو غير ذلك مما فيه غبار ؛ ج‌1، ص : 376

قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام كيف أصنع و عليّ وضوء و لا أقدر على النزول فقال:

«تيمم من لبد سرجه أو عرف دابته فان فيهما غبارا» «1». و في رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «لينظر لبد سرجه فيتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر» «2».

مسئلة: إذا فقد الصعيد و الغبار و وجد وحلا أطبق فقهائنا على جواز التيمم به

. لنا انه لا يخرج بممازجة الماء عن كونه أرضا و صعيدا، لما روي عن ابن عباس انه قال: خلق آدم من أديم الأرض خشنها، و لينها، و أحمرها، و أصفرها، و طينها، و سبخها، و لذلك اختلف ألوان الناس و ألسنتهم.

و لما رواه زرارة عن أحدهما قلت: رجل في الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع قال: «يتيمم فإنه الصعيد» «3». و أما الفتوى به فرواها رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان كنت في حال لا تجد الا الطين فلا بأس أن تتيمم منه» «4».

و مثله روى زرارة.

و في كيفية التيمم بالوحل قولان، قال الشيخ: يضع يديه على الوحل ثمَّ يفركهما و يتيمم به، و قال آخر: يضع يديه على الوحل و يتربص فاذا يبس تيمم به، و حكي عن ابن عباس انه قال يطلى بالطين فاذا جفف تيمم به. و الوجه ما ذكره الشيخ رحمه اللّه عملا بظاهر الروايات، و لا يجوز التيمم بالوحل مع القدرة على الغبار، و لا بالغبار مع القدرة على الأرض.

مسئلة: قال علم الهدى في المصباح: من كان في أرض و حل أو ثلج لا يتمكن من غيره جاز أن يضرب يديه و يتيمم بنداوته

و ظاهر هذا يعطى التيمم بالثلج،

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 4.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 5.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 3.

377
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال علم الهدى في المصباح: من كان في أرض و حل أو ثلج لا يتمكن من غيره جاز أن يضرب يديه و يتيمم بنداوته ؛ ج‌1، ص : 377

و اليه أومأ ابن الجنيد في المختصر، و قال المفيد رحمه اللّه في المقنعة: و من كان في أرض قد غطاها الثلج و لا سبيل له الى التراب فليكسره و ليتوضأ به مثل الدهن، و هذا مصير الى الوضوء لا الى التيمم.

و فيه مع منافات الأصل، الاقتصار على الدهن، و فيه أيضا تقديم التراب على استعمال الماء. و قال الشيخ في المبسوط و التهذيب ما يقاربه. و التحقيق عندي انه ان أمكن الطهارة بالثلج بحيث يكون به غاسلا فإنه يكون مقدما على التراب بل مساويا للماء في التخيير عند الاستعمال و ان قصر عن ذلك لم يكف في حصول الطهارة و كان التراب معتبرا دونه بحيث لو تيمم به مع فقد التراب أو مع وجوده لم يحصل به طهارة، لأن الثلج ليس أرضا فلا يجوز التيمم به.

و ان كان يمكن غسل الأعضاء به فقد أمكنت الطهارة المائية، فلم يجز استعمال التراب معها و لا عبرة بالدهن، لأنه لا يسمى غسلا فلا يحصل به الطهارة الشرعية الا أن يراد بالدهن ما يجري على العضو و ان كان قليلا من قولهم دهن الغيث الأرض إذا بلّها بللا يسيرا، و لا يلزم من تسميته دهنا أن يكون مسحا، لأنه محتمل و لا يصار الى المحتمل مع عدم الدلالة عليه.

و يؤيد ما ذكرناه ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء و لا يكون معه ماء و يصيب ثلجا و صعيدا أيهما أفضل تيمم أفضل أو تمسّح بالثلج قال: «الثلج إذا بل رأسه و جسده أفضل فان لم يقدر أن يغتسل به تيمم» «1». و بالجملة فإنا نطالب علم الهدى و الشيخ المفيد رحمهم اللّه بدليل ما ادعياه.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 3.

378
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 379

فروع

الأول: الصعيد النجس لا تيمم به

لقوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» أو الطيب الطاهر.

الثاني: التراب المستعمل يتيمم به

لأنه لم يخرج بالاستعمال عن اسم الصعيد.

الثالث: تراب القبر يتيمم به

ما لم يعلم فيه نجاسة و لو تكرر نبشه لأنه عندنا طاهر.

الرابع: ظن قوما منا ان دهن الأعضاء في الطهارة يقصر عن الغسل

و منعوا الاجتزاء به الا في حال الضرورة، و هو خطأ فإنه لو لم يسم غسلا لما جاز الاجتزاء به، لأنه لا يكون ممتثلا و ان كان غسلا لم يشترط فيه الضرورة. و يدل على أنه مجز روايات، منها رواية زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «انما الوضوء من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه ان المؤمن لا ينجسه شي‌ء إنما يكفيه مثل الدهن» «2».

مسئلة: فاقد الطهارتين يؤخر الصلاة،

و هو مذهب الشيخين في المقنعة و الخلاف، و أبي حنيفة، و مالك. و قال في المبسوط أما أن يؤخر أو يصلي و يعيد، لأنه صلى بغير طهارة و لا تيمم. و قال الشافعي و أحمد يصلي على حاله. لنا قوله عليه السّلام «لا صلاة الا بطهور» «3» و حقيقته نفي الصلاة فلا يتحقق من دونه.

و احتج الشافعي بما روي ان النبي صلى اللّه عليه و آله بعث قوما لطلب قلادة عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء و أتوا النبي صلى اللّه عليه و آله فذكروا ذلك له فلم ينكره عليهم و نزلت‌

______________________________
(1) سورة المائدة: 6.

(2) الوسائل ج 2 أبواب الوضوء باب 31 ح 12.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 42 (مع اختلاف يسير جدا).

379
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: فاقد الطهارتين يؤخر الصلاة، ؛ ج‌1، ص : 379

آية التيمم «1». و لأن الطهارة شرط من شروط الصلاة فلم يسقط بفواتها كستر العورة، و استقبال القبلة.

و الجواب لا نسلّم انه لم ينكر، و عدم النقل لا يدل على عدمه في نفس الأمر لأن الواقعة كانت مع نفر قليل يمكن أن يستر النقل أو لم يتوفر دواعيهم اليه، سلمنا انه لم ينكر، و لكن عدم النكير لا يدل على عدم الحظر، و لا يدل على وجوب الفعل، و لا استحبابه.

ثمَّ ما المانع أن يكون عدم النكير لعدم علمهم بالمنع من الصلاة من دون الطهارة. ثمَّ ما ذكروه تمسك بترك النكير و لا عبرة به في معرض النص. و أما قياسه فهو قياس من غير جامع. ثمَّ ان الفرق ان الصلاة مناجاة للرب و قرب منه، لقوله عليه السّلام «أقرب ما يكون العبد من ربه إذا صلى» و القرب منه سبحانه يستدعي الطهارة ليكون المناجي على حال يصح منه القرب من قدس اللّه، و ليس كذا السترة لأنها إكمال في الأدب و اللّه سبحانه لا يستر عن إدراكه شي‌ء، و كذا القبلة فإن اللّه مستقبلك كيف كنت.

و مع ثبوت هذا الفارق أمكن إسناد الحكم اليه، ثمَّ لو سلّمنا المساواة لكان استدلالا بالقياس في معرض النص و هو متروك على ما بيّن في الأصول، و إذا ثبت ذلك فهل تقضى هذه الصلاة. قال المفيد في المقنعة: نعم، و بمعناه قال الشيخ في المبسوط، و به قال أبو حنيفة و الشافعي. و للمفيد قول آخر انها لا تقضى، و هو اختيار مالك.

احتج أبو حنيفة بأنها أخرت لعدم الطهارة فيجب أن تقضى عند إمكانها كصوم الحائض.

لنا انها سقطت لحدث لا يمكنه ازالته فلا يجب عند زواله و خروج وقتها‌

______________________________
(1) سورة النساء: 43.

380
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 381

كصلاة الحائض، و لان القضاء فرض مستأنف يتوقف على الدلالة و لا دلالة.

و الجواب عما ذكره أبو حنيفة، انه قياس من غير جامع. ثمَّ الفرق ان الصوم يدخله التأخر كصوم المسافر و لا كذلك الصلاة، و لو سلمنا المساواة لكان استعمالا للقياس في معارضة النص و هو متروك.

فروع

الأول: الممنوع عن الركوع و السجود برباط في الموضع النجس فإنه يصلي على حاله يومئ لركوعه و سجوده

و لا يعيد لعين ما ذكرناه.

الثاني: المسافر إذا جامع زوجته و معه ماء يغسل به فرجه غسل بما معه و تيمم لصلاته

و لا اعادة، و هو إجماع أهل العلم. و لو لم يكن معه ماء أو كان ماء لا يكفي لغسل فرجه تيمم و صلى على حاله و كذا المرأة، و هل يعيدان، تردد في المبسوط.

و قال في الخلاف الذي يقتضيه مذهبنا انه لا اعادة، و هو أشبه القولين، لأنه صلى صلاة مأمورا بها فتكون مجزية.

الثالث: قال في المبسوط: و كذا من على بعض بدنه نجاسة لا يقدر على إزالتها تيمم

و صلى ثمَّ يعيد إذا غسل الموضع. و الوجه عندي ان هذه كالأولى في الاجزاء.

الفصل الثالث: في كيفية التيمم

مسئلة: لا يصح التيمم قبل وقت الصلاة،

و هو مذهب علمائنا، و كذا قال الشافعي. و قال أبو حنيفة يصح. لنا ان الأمر بالتيمم مشروط بإرادة القيام إلى الصلاة، و ذلك لا يتحقق الا بعد الوقت فالتيمم كذلك. و لو قيل هي جملة منفردة فلا يلحقها الشرط، قلنا ظاهر العطف بالواو يقتضي ذلك.

و لو قيل لو كان شرطا في التيمم لكان شرطا في المائية، قلنا نحن نلتزم الاشتراط‌

381
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يصح التيمم قبل وقت الصلاة، ؛ ج‌1، ص : 381

فيهما، و لهذا لا تجب الطهارة قبل الوقت و الجواز في المائية معلوم بدلالة لم يوجد في الترابية.

و يدل على ما قلناه أيضا قوله عليه السّلام «أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت» «1» و هو تعليق التيمم على إدراك الصلاة فينتفي مع عدمه، و لان التيمم قائم مقام الطهارة المائية عند العجز، و العجز لا يتحقق الا عند الحاجة اليه، و لا حاجة قبل الوقت، و هل يجوز بعد دخول الوقت قبل تضييقه؟ أطبق الجمهور على نعم، لقوله عليه السّلام «أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت» «2» و لأنه وقت الحاجة الى الطهارة، فمع تعذرها يعدل الى البدل، و هو اختيار أبي جعفر بن بابويه في كتابه المقنع قال: لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً «3» و لم يذكر التأخير.

و قال الثلاثة و أتباعهم: لا يصح الا في آخر الوقت و لا يستباح به الصلاة.

و الوجه في وجوب التأخير ما رواه الجمهور عن علي عليه السّلام «في الجنب يتلوم ما بينه و بين آخر الوقت فان وجد الماء و الا تيمم» «4» و المراد به الأمر و ظاهر الأمر الوجوب و التلوم الانتظار و المكث. و لان الصعيد بدل عن الماء عند العجز و لا يتحقق العجز الا عند خوف الفوت لان توقع الظفر مع سعة الوقت يرفع العجز.

و يؤيد ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فاذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت فاذا وجد الماء فلا قضاء عليه» «5».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222 (مع اختلاف يسير).

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222 (مع اختلاف يسير).

(3) سورة النساء: 43.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 233 (مع اختلاف يسير).

(5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 1.

382
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 383

فروع

الأول: يتيمم للفائتة و ان لم يكن وقت فريضة حاضرة و للنافلة بعد دخول وقتها

دون الأوقات المنهي عنها، و يدخل به في الفرائض، لتحقق الاستباحة، و لقوله عليه السّلام «الصعيد الطيب طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين» «1» و هل يتيمم لنافلة مبتدأة؟ فيه تردد، و الجواز أشبه، لعدم التوقيت و المراد بها تعجيل الأجر في كل وقت و فواته بالتأخر متحقق.

الثاني: لو تيمم في آخر وقت الحاضرة و صلى ثمَّ دخلت الثانية صلاها في أول الوقت.

و فيه تردد لقوله عليه السّلام «يتلوم ما بينه و بين آخر الوقت» «2».

الثالث: قال ابن الجنيد: ان وقع اليقين بفوات الماء آخر الوقت أو بأغلب الظن فالتيمم في أول الوقت أحب اليّ

، و قال ابن أبي عقيل و لا يجوز لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت رجاء أن يصيب الماء قبل خروج الوقت، و قوله هذا يؤذن ان التأخير لتوقع الإصابة.

و قال الشيخ في الخلاف لا يجوز قبل آخر الوقت طمع في الماء أو يئس.

و قال أبو حنيفة يستحب تأخيره ان طمع في الإصابة. و شيخنا رحمه اللّه تمسك بمطلق الأمر بالتأخير، قال في التهذيب: و قد دلت رواية البزنطي و محمد بن مسلم و زرارة على المنع من التيمم إلا في آخر الوقت. و في ما استدل به إشكال.

أما رواية البزنطي عن رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فليست صريحة في المنع لأنه قال «و ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت» و هذا اللفظ كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهية، بل استعماله في الكراهية أكثر.

______________________________
(1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 127 (مع اختلاف يسير).

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 233.

383
المعتبر في شرح المختصر1

الرابع: لو كان العذر غير عدم الماء كالمرض الذي يعلم من حاله الاستمرار، فان قلنا التأخير لرجاء الإصابة سقط التأخير هنا، ؛ ج‌1، ص : 384

و أما رواية محمد بن مسلم فمرسلة، لأنه قال سمعته و المسموع منه مجهول.

و أما رواية زرارة فمضمونها انه يطلب الماء ما دام في الوقت فاذا خاف أن يفوته الوقت تيمم و الطلب يؤذن بإمكان الظفر لأنه لو لا إمكان الظفر لكان عبثا، فاذن ما قاله ابن الجنيد جيد.

الرابع: لو كان العذر غير عدم الماء كالمرض الذي يعلم من حاله الاستمرار، فان قلنا التأخير لرجاء الإصابة سقط التأخير هنا،

و ان قلنا هو شرط غير معلل برجاء الإصابة لم يقسط.

الخامس: لو ظن ضيق الوقت لامارة فتيمم و صلى ثمَّ بان غلطه، ففي الإعادة تردد

ظاهر كلام الشيخ في كتبه الاخبارية، وجوب الإعادة. و يقوى عندي انه لا إعادة، لأنه تطهّر طهارة شرعية و صلى صلاة مأمورا بها فتكون مجزية. لا يقال شرط التيمم التضييق، لأنا نقول لا نسلم بل لا يكون شرطه ظن التضييق، و ظاهر انه كذلك لان الشرع لما لم يجعل على التضييق دلالة دل على احالته على الظن.

و يمكن أن يستدل على ذلك برواية زرارة و معاوية بن ميسرة و يعقوب بن سالم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في رجل تيمم و صلى ثمَّ بلغ الماء قبل خروج الوقت فقال: «ليس عليه اعادة ان رب الماء و رب التراب واحد» «1» و لا وجه لها على القول بالتضييق الا ما ذكرناه. و ما تأولها الشيخ به رحمه اللّه في التهذيب، بعيد عن الظاهر.

مسئلة: و هل يجب استيعاب الوجه و اليدين فيه روايتان:

إحديهما: يجب، اختاره ابن بابويه، و مثله قال الشافعي. و قال أحمد بن حنبل:

يستوعب الوجه و الكفين حسب. و قال أبو حنيفة: يجوز الإخلال برفع الوجه.

و الأخرى لا يجب، بل يمسح الجبهة و ظاهر الكفين، و هو اختيار الثلاثة و أتباعهم، و ابن الجنيد. و قال أبو جعفر بن بابويه: يمسح جبينه و حاجبيه. و في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 13.

384
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و هل يجب استيعاب الوجه و اليدين فيه روايتان: ؛ ج‌1، ص : 384

رواية عمرو بن أبي المقدام و زرارة «يمسح جبينه و كفيه» «1». لنا قوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «2» و الباء إذا دخلت على المتعدي ببعضه لوجهين:

أحدهما: انه لو لا ذلك لبطلت فائدتها، إذ لا وجه إلا الزيادة أو التبعيض و لو كانت زائدة لكانت لغوا و إلغائها خلاف الأصل فتعينت للتبعيض. و لو قيل أنكر جماعة وجود التبعيض في اللغة قلنا عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، ثمَّ نقول ما ذكرناه منقول عن جماعة من الفضلاء مع انه مروي عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر عليه السّلام و في قوله كفاية.

الثاني: انها استعملت مع الفعل المتعدي للتبعيض فيكون حقيقة فيه دفعا للمجاز.

أما الاستعمال فلما رواه أنس ان النبي صلى اللّه عليه و آله توضأ و رفع مقدم عمامته و أدخل يده تحتها فمسح مقدم رأسه و لم ينقض العمامة «3».

و عن سلمة بن الأكوع انه كان يمسح ببعض رأسه. و كان ابن عمر يمسح اليافوخ. و عن أحمد بن حنبل كانت عائشة تمسح مقدم رأسها. و روي أن عثمان مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة، و لم يستأنف ماء جديدا.

حين حكي وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أفعالهم وقعت امتثالا لمدلول الآية، فيكون ذلك هو المراد، إذ لو كان المراد بالاية مسح الرأس كله لبطل فعل هؤلاء و إذا أريد بالباء هناك التبعيض وجب أن يكون هنا كذلك دفعا للاشتراك، ثمَّ نقول قال سيبويه باء الجر انما هي للإلصاق تقول ضربته بالسوط، معناه ألزقت ضربك إياه بالسوط فما اتسع في هذا الكلام فهذا أصله، و بتقدير أن يكون معناها منحصر في الإلصاق‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 11 ح 3.

(2) سورة المائدة: 6.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 61.

385
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و هل يجب استيعاب الوجه و اليدين فيه روايتان: ؛ ج‌1، ص : 384

لا يجب الاستيعاب، لأنك تقول جذبت بالزمام و ضربت بالسوط و كتبت بالقلم.

و ليس المراد بكله و حينئذ لا يكون قوله وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «1» كقوله امسحوا رءوسكم بل يكون دخول الباء مفيدا إلصاق المسح بالرأس و لو ببعضه كما مثلناه فيقتصر على المتقين. و يؤيد ذلك ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثمَّ رفعهما فنفضهما و مسح بهما جبهته و كفيه مرة واحدة «2».

فإن احتج علي بن بابويه برواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«تضرب بكفيك على الأرض مرتين و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «3». فالجواب الطعن في السند فإن الراوي حسين بن سعيد عن محمد بن سنان، و محمد ضعيف جدا، و ليس كذلك روايتنا، فإنها سليمة السند، فيكون أرجح.

و أجاب علم الهدى بأن قال: المراد الحكم كأنه إذا مسح كفيه كان كمن غسل ذراعيه في الطهارة. و بمثل ذلك أجاب الشيخ رحمه اللّه في التهذيب، و هو تأويل بعيد.

ثمَّ الجواب الحق العمل بالخبرين فيكون مخيّرا بين مسح الوجه أو بعضه لكن لا يقتصر على أقل من الجبهة، و قد أومأ الى هذا ابن أبي عقيل فقال: و لو أن رجلا تيمم فمسح ببعض وجهه أجزأه لأن اللّه تعالى يقول فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ «4».

و أما مسح اليد فقد قال الأكثرون منا المراد بها ظاهر الكفين. و قال علي بن بابويه امسح يديك من المرفقين إلى الأصابع. و قال أبو حنيفة و الشافعي: يمسح الكفين و الذراعين باطنا و ظاهرا. و قال أحمد: يقتصر على ظاهر الكفين.

______________________________
(1) سورة النساء: 43.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 11 ح 3.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 12 ح 2.

(4) سورة المائدة: 6.

386
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و هل يجب استيعاب الوجه و اليدين فيه روايتان: ؛ ج‌1، ص : 384

لنا قوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ «1». و اليد هي الكف الى الرسغ يدل عليه قوله تعالى وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا «2» و الإجماع منهم على قطعهما من الرسغ. و ما رواه عمار عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «انما يكفيك أن تقول بيدك هكذا ثمَّ ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثمَّ مسح وجهه و ظاهر كفيه» «3» فان احتج الشافعي بما رووه عن جابر و ابن عمر و ابن الصمة عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «التيمم ضربتان ضربة للوجه و ضربة لليدين الى المرفقين» «4». أجبنا من وجهين:

أحدهما: الطعن في الرواية، قال الحلال من أصحاب أحمد: الأحاديث في ذلك ضعاف جدا، لم يروها صاحب السنن خلا رواية عن ابن عمر. و قال أحمد ابن حنبل الحديث عن ابن عمر لم يثبت عن النبي صلى اللّه عليه و آله، بل هو عن ابن عمر نفسه و قال ابن عبد البر لم يروه غير محمد بن ثابت، و به ضعف، و هو عندهم حديث منكر. و أما حديث ابن الصمة فليس فيه الى المرفقين بل المحفوظ، انه مسح وجهه و يديه.

الوجه الثاني: المعارضة بأحاديث، منها حديث عمار المقدم، و هو أثبت حديث في هذا المعنى. و لو قيل فقد روي عن عمار أيضا الى المرفقين، قلنا هو ضعيف عند أصحاب الحديث منهم قالوا رواه عنه سلمة ثمَّ شك حين قيل له لم يرو الذراعين غيرك فقال لا أدري أذكر الذراعين أم لا.

ثمَّ الحق عندي أن مسح ظاهر الكفّين لازم و لو مسح الذراعين جاز أيضا‌

______________________________
(1) سورة المائدة: 6.

(2) سورة المائدة: 38.

(3) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 129 (مع اختلاف يسير).

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 207.

387
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و في عدد الضربات أقوال ؛ ج‌1، ص : 388

عملا بالأخبار كلها لكن الكفّين على الوجوب، و ما زاد على الجواز لأنه أخذ بالمتيقن.

مسئلة: و في عدد الضربات أقوال

قال الشيخان في المبسوط و النهاية و المقنعة:

ضربة للوضوء و ضربتان للغسل، و هو أجودها. و قال علي بن بابويه: ضربتان فيهما، و هو اختيار الشافعي و أبي حنيفة. و قال علم الهدى: ضربة واحدة فيهما، و هو اختيار أحمد بن حنبل.

و قال قوم منا: ثلاث ضربات، لرواية ابن أذينة عن ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثمَّ مسح بهما وجهه ثمَّ ضرب بشماله الأرض فمسح مرفقيه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظاهرها [ظهرها]، و واحدة على بطنها ثمَّ ضرب بيمينه الأرض ثمَّ صنع بشماله كما صنع بيمينه، و هذه نادرة على انا لا نمنعها جوازا.

لنا ان الأحاديث مختلفة بالضربة و الاثنتين، و اطراحها غير جائز و العمل بالجميع متناقض فيقضى عليها بالتفصيل الذي اخترناه، لوجهين:

أحدهما: ان اختلاف الأحاديث يقتضي اختلاف الحكم صونا لها عن التناقض و الوضوء مخفف الحكم، و الغسل مثقلة، فيكون الضربة للوضوء، لأنه أخف.

الوجه الثاني: روي في بعض أخبار الأئمة التفصيل فيصار إليه، لأنه وجه من الترجيح من ذلك رواية حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قلت: كيف التيمم قال: «ضربة واحدة للوضوء و للغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما مرة للوجه و مرة لليدين» «1».

و قال علم الهدى في شرح الرسالة: القول بالمرة أولى، لأنه يمكن معه العمل بخبرهم بأن يفعل ما زاد على المرة على الاستحباب، و من قال بوجوب المرتين لا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 12 ح 4.

388
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 389

يمكنه استعمال خبرنا فيكون القول بوجوب المرة أولى. قال رحمه اللّه: و ليس لهم أن يقولوا أن التيمم دعت إليه الضرورة فلا استحباب فيه، لأنا نخالفهم في هذا الأصل و نجيز دخول الاستحباب فيما دعت إليه الضرورة و كلام علم الهدى هذا حسن أيضا.

فروع

الأول: وضع اليدين على الأرض شرط

، فلو استقبل العواصف حتى لصق صعيدها بوجهه أو يديه، أو كان على وجهه غبار و أمرّه عليه لم يجز له لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» أي اقصدوه و لأنها كيفية منقولة عن صاحب الشرع في مقابل الأمر المطلق فيكون بيانا.

الثاني: نفض اليدين و نفخهما من التراب ليس بواجب بل هو مستحب

لقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «2». و النفض و النفخ مسكوت عنه فيسقط اشتراطه. و أما الاستحباب فلان النبي صلى اللّه عليه و آله فعله.

الثالث: يستحب تفريح الأصابع عند الضرب

و لا يجب لغير ما ذكرناه.

الرابع: لا يشترط أن يعلق على يده شي‌ء من الغبار

لأن النبي صلى اللّه عليه و آله نفض يديه، و في رواية عمار عن النبي صلى اللّه عليه و آله «انه نفخ فيهما» «3» و لو كان شرطا لما عرضه للزوال، و لأنا بينا ان الصعيد هو وجه الأرض لا التراب، فسقط اعتباره جملة.

الخامس: لو أغفل لمعة من محل المسح لم يجزه

و لو قلّت، عمدا كان أو سهوا. و فرق الشافعي. و أجاز أبو حنيفة ما دون الدرهم. لنا ان الإخلال بالبعض إخلال بالكيفية المنقولة، فلا يكون الاتي بذلك آتيا بالتيمم المشروع.

______________________________
(1) سورة المائدة: 6.

(2) سورة المائدة: 6.

(3) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 129.

389
المعتبر في شرح المختصر1

السادس: لو مسح بغير يده مثل الإله لم يصح ؛ ج‌1، ص : 390

السادس: لو مسح بغير يده مثل الإله لم يصح

تبعا للكيفية المنقولة.

السابع: لو تيممه غيره مع القدرة لم يجزه

و يجزي مع العجز و ينوي العاجز لا المتيمم.

الثامن: إذا قطع كفه فإن بقي منها شي‌ء وجب مسحه و ان استوصل سقط مسحه

و اقتصر على مسح الوجه، و لا يجب مسح الرسغ لأنه ليس من أعضاء التيمم‌

مسئلة: النية شرط في صحة التيمم.

و قال الأوزاعي، و الحسن بن حي ليست شرطا. لنا إجماع علماء الإسلام فإن خلاف المذكورين منقرض. و ما روي عن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إنما الأعمال بالنيات و لكل امرء ما نوى» «1» و عن الرضا عليه السّلام «لا قول الا بعمل و لا عمل إلا بنيّة و لا نية إلا بإصابة السنة» «2» و النية هي القصد بالقلب الى التيمم لاستباحة الصلاة لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً «3» أي اقصدوا، و القصد النية بالقلب، و كما ان الطهارة بالماء يقصد بها الصلاة فكذا التيمم، لأنه معطوف عليه بالواو المقتضية للتشريك.

و يجب أن ينويه للّه أي طاعة و امتثالا لقوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ «4» و لا يتحقق الإخلاص من دون نية التقرب و الامتثال. و يجب استدامة حكمها حتى يفرغ من التيمم، لان الدليل دل على وجوبها، فلو وجب استصحابها لشق أو تعذر فاقتصر على استدامة الحكم دفعا للحرج، ليست التسمية شرطا فيه خلافا لأهل الظاهر و البحث فيه كما قلنا في الطهارة المائية.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 215.

(2) الوسائل ج 1 أبواب مقدمة العبادات باب 5 ح 2 (نقل صاحب الوسائل عن تهذيب الشيخ).

(3) سورة المائدة: 6.

(4) سورة البينة: 5.

390
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 391

فروع

الأول: إذا نوى استباحة فريضة مطلقة أو معينة صلى به ما شاء فرضا و نفلا،

و كذا لو نوى صلاة مطلقة، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي لا يصلي به الا نافلة لقوله عليه السّلام «إنما الأعمال بالنيات [و لكل امرء] و انما لامرء ما نوى» «1» و هذا لم ينو الفرض فلا يكون عمل له.

لنا انه يكفي فيه نية استباحة الصلاة فلا يشترط ما زاد لقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ «2» ثمَّ عطف آية التيمم فيجزي الدخول في كل صلاة كالطهارة بالماء، و لأنه نوى الجنس الذي يشتمل الفرض و النفل، و كذا لو نوى النافلة لأنها صلاة يشترط في استباحتها التيمم و الواجبة مشاركة في هذا المعنى فالمقتضي لاستباحة النافلة مقتض لاستباحة الفريضة، و بهذا يتخرج جواب ما احتجوا به.

الثاني: إذا صح تيممه استباح كل ما يستبيحه المتطهر

مما الطهارة شرط فيه. و قال الشافعي ان نوى النافلة استباح قراءة القرآن، و مس المصحف، و الطواف، لأن النافلة آكد من ذلك كله فيدخل الأدنى في الأعلى. و لو نوى شيئا من ذلك لم يستبيح النافلة، و بما قلناه قال الشيخ في المبسوط و الخلاف.

الثالث: الصبي إذا تيمم للنافلة ثمَّ بلغ جاز أن يستبيح الفريضة

، لأن النافلة مشروط بالطهارة الرافعة للمنع و هو متحقق مع نية النفل فجرى ذلك مجرى التيمم للبول و الغائط.

الرابع: لو نسي الجنابة فتيمم للحدث، فان قلنا بالضربة الواحدة فيهما أجزأه

لان الطهارتين واحدة، و ان قلنا بالتفصيل لم يجزه. و قال الشيخ في الخلاف: الذي‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 215.

(2) سورة المائدة: 6.

391
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: من كان عذره عدم الماء لم يتيمم الا بعد الطلب ؛ ج‌1، ص : 392

يقتضيه المذهب انه لا يجوز، لأنه يشترط أن ينويه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة و لم ينو ذلك.

مسئلة: من كان عذره عدم الماء لم يتيمم الا بعد الطلب

مع سعة الوقت و رجاء الإصابة و الأمن، و هو مذهب فقهائنا، و اختار الشافعي. و قال أبو حنيفة لا يجب الا مع العلم بالإصابة، أو ظن الإصابة لأمارة. و في رواية علي بن أسباط عن علي بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «لا يطلب الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر» «1» و حملها الشيخ على الخوف، و هو تأويل بعيد، لكن الراوي علي بن أسباط و هو ضعيف فتكون الرواية ساقطة.

لنا قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا «2» و عدم الوجود لا يتحقق مع إمكانه إذ من الممكن أن يكون الماء قريبا فيكون الطلب وسيلة اليه.

و يؤيده ما روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة غلوة و ان كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك» «3».

و رواية زرارة عن أحدهما قال: «فليطلب ما دام في الوقت فإذا خشي أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت» «4».

فروع

الأول: قال المفيد في المقنعة: يطلب أمامه و يمينه و شماله في كل جهة غلوة سهم في الحزنة أو غلوتين في السهلة

لا يطلب أكثر من ذلك. و قال الشيخ في المبسوط:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 2 ح 3.

(2) سورة النساء: 43.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 2.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 1.

392
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 392

يقتضيه المذهب انه لا يجوز، لأنه يشترط أن ينويه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة و لم ينو ذلك.

مسئلة: من كان عذره عدم الماء لم يتيمم الا بعد الطلب

مع سعة الوقت و رجاء الإصابة و الأمن، و هو مذهب فقهائنا، و اختار الشافعي. و قال أبو حنيفة لا يجب الا مع العلم بالإصابة، أو ظن الإصابة لأمارة. و في رواية علي بن أسباط عن علي بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «لا يطلب الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر» «1» و حملها الشيخ على الخوف، و هو تأويل بعيد، لكن الراوي علي بن أسباط و هو ضعيف فتكون الرواية ساقطة.

لنا قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا «2» و عدم الوجود لا يتحقق مع إمكانه إذ من الممكن أن يكون الماء قريبا فيكون الطلب وسيلة اليه.

و يؤيده ما روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة غلوة و ان كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك» «3».

و رواية زرارة عن أحدهما قال: «فليطلب ما دام في الوقت فإذا خشي أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت» «4».

فروع

الأول: قال المفيد في المقنعة: يطلب أمامه و يمينه و شماله في كل جهة غلوة سهم في الحزنة أو غلوتين في السهلة

لا يطلب أكثر من ذلك. و قال الشيخ في المبسوط:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 2 ح 3.

(2) سورة النساء: 43.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 2.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 1.

392
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: قال المفيد في المقنعة: يطلب أمامه و يمينه و شماله في كل جهة غلوة سهم في الحزنة أو غلوتين في السهلة ؛ ج‌1، ص : 392

يقتضيه المذهب انه لا يجوز، لأنه يشترط أن ينويه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة و لم ينو ذلك.

مسئلة: من كان عذره عدم الماء لم يتيمم الا بعد الطلب

مع سعة الوقت و رجاء الإصابة و الأمن، و هو مذهب فقهائنا، و اختار الشافعي. و قال أبو حنيفة لا يجب الا مع العلم بالإصابة، أو ظن الإصابة لأمارة. و في رواية علي بن أسباط عن علي بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «لا يطلب الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر» «1» و حملها الشيخ على الخوف، و هو تأويل بعيد، لكن الراوي علي بن أسباط و هو ضعيف فتكون الرواية ساقطة.

لنا قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا «2» و عدم الوجود لا يتحقق مع إمكانه إذ من الممكن أن يكون الماء قريبا فيكون الطلب وسيلة اليه.

و يؤيده ما روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة غلوة و ان كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك» «3».

و رواية زرارة عن أحدهما قال: «فليطلب ما دام في الوقت فإذا خشي أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت» «4».

فروع

الأول: قال المفيد في المقنعة: يطلب أمامه و يمينه و شماله في كل جهة غلوة سهم في الحزنة أو غلوتين في السهلة

لا يطلب أكثر من ذلك. و قال الشيخ في المبسوط:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 2 ح 3.

(2) سورة النساء: 43.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 2.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 1.

392
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: لو طلب قبل الوقت لم يعتد بطلبه و أعاده ؛ ج‌1، ص : 393

يطلب في رحله و يمينه و سائر جوانبه برمية سهم أو سهمين إذا لم يكن خوف و التقدير بالغلوة و الغلوتين، رواية السكوني، و هو ضعيف، غير ان الجماعة عملوا بها.

و الوجه انه يطلب من كل جهة يرجى فيها الإصابة و لا يكلف التباعد بما يشق.

و رواية زرارة تدل على انه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات و هو حسن، و الرواية به واضحة السند و المعنى.

الثاني: لو طلب قبل الوقت لم يعتد بطلبه و أعاده

و لو طلب بعد دخول الوقت اجتزأ به، و هذا الفرع يصح لو قلنا الطلب مقدر المسافة كما هي رواية السكوني، و على ظاهر الرواية الثانية يطلب دائما ما أمّل الإصابة في الوقت.

الثالث: لو تيقن عدم الإصابة سقط الطلب

لعدم ثمرته.

الرابع: قال الشيخ في المبسوط و الخلاف: لو أخل بالطلب لم يصح تيممه

و يلزم على قوله لو تيمم و صلى أن يعيد، و فيه إشكال لأن مع ضيق الوقت يسقط الطلب و يتحتم التيمم فيكون مجزيا و ان أخل بالطلب وقت السعة، لأنه يكون مؤديا فرضه بطهارة صحيحة و صلاة مأمور بها و أبلغ منه من كان معه ماء فوهبه أو أراقه.

الخامس: إذا تيمم ثمَّ طلع عليه ركب لم يجب عليه السؤال

و لا استدلالهم على الماء، و قال الشافعي يجب. لنا انه وقت تضيّق فيه الصلاة فيسقط الطلب.

مسئلة: الترتيب شرط في التيمم

قاله الشيخان في المبسوط و النهاية و الخلاف و المقنعة، و علم الهدى، و صورته أن يبدأ بوجهه ثمَّ بيمناه ثمَّ بيسراه. و قال الشافعي و أحمد يجب ترتيب الوجه على اليدين، و أسقط اشتراطه أبو حنيفة.

لنا ان النبي صلى اللّه عليه و آله مسح مرتبا في مقابلة الأمر المطلق فيكون واجبا. و قال علم الهدى: كل من أوجب الترتيب في المائية أوجبه هنا، فالتفرقة منفية بالإجماع، و قد ثبت وجوبه هناك فيثبت هنا.

393
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو أخل بلمعة و كانت من وجهه مسح عليها ؛ ج‌1، ص : 394

فرع لو أخل بلمعة و كانت من وجهه مسح عليها

، ثمَّ على اليدين تحصيلا للترتيب و كذا لو كانت على يده اليمنى مسح عليها ثمَّ على اليسرى.

مسئلة: الموالاة واجبة في التيمم

، قاله الشيخ. و خالف منه الشافعي، و أبو حنيفة، و مالك. و عن أصحاب أحمد روايتان، لان الواو لا يقتضي ترتيبا. لنا انا بيّنا اختصاصه بآخر الوقت فتكون الموالاة من ضروريات صحته لتقع الصلاة في الوقت و على القول بالسعة يحتج بفعل النبي صلى اللّه عليه و آله، فإنه تابع بين أعضائه مبنيا عند السؤال فيكون تلك الكيفية لازمة، و يرجع في قدر الموالاة إلى العادة.

فرع لو كان على يده نجاسة فتيمم قبل إزالتها. قال في الخلاف: يصح.

و الوجه المنع كما قال في النهاية، لأن التيمم لا يصح قبل التضييق فلو تيمم قبل الإزالة فات شرطه.

مسئلة: التيمم لا يرفع الحدث،

و هو مذهب العلماء كافة. و قيل يرفع.

و اختلف في نسبة هذا القول، فقوم يسندونه الى أبي حنيفة، و آخرون الى مالك.

لنا الإجماع، فإن الحكاية المذكورة لا يقدح فيه. و قال ابن عبد البر من أصحاب الحديث منهم: أجمع العلماء على أن طهارة التيمم لا ترفع الحدث، و لان المتيمم يجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق، فلو لم يكن الحدث السابق باقيا لكان وجوب الطهارة بوجود الماء إذ لا وجه غيره، و وجود الماء ليس حدثا بالإجماع، و لأنه لو كان حدثا لوجب استواء المتيممين في موجبه ضرورة استوائهم فيه، لكن هذا باطل لان المحدث لا يغتسل و المجنب لا يتوضأ، و لأن النبي‌

394
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو تيمم و نوى رفع الحدث لم يستبيح به الصلاة ؛ ج‌1، ص : 395

صلى اللّه عليه و آله قال لعمرو بن العاص: «صليت بأصحابك و أنت جنب» فقال «خشيت أن أهلك» «1» فلو ارتفع بالتيمم لما سماه جنبا كما لا يسمى بذلك بعد الغسل.

فرع لو تيمم و نوى رفع الحدث لم يستبيح به الصلاة

، لأن النية تابعة للمشروع و حيث لا مشروعية فلا نية. قال الشيخ في الخلاف: لو تيمم المجنب ثمَّ أحدث و وجد ماء لوضوءه تيمم بدلا من الغسل، و به قال مالك، و الثوري. و قال علم الهدى في شرح الرسالة: يتوضأ بالماء لأنه متمكن من الماء فلا يصح التيمم، و مثله قال أبو حنيفة.

لنا ان التيمم لا يرفع الحدث فتكون الجنابة باقية و الاستباحة زالت بالحدث الأصغر فيجب التيمم للجنابة السابقة، و كذا لو تيمم الجنب ثمَّ أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل لا من الوضوء، لان حدثه باق و الاستباحة زالت بالحدث.

الفصل الرابع: في أحكامه

. مسئلة: كل موضع حكمنا فيه بصحة التيمم و الصلاة لا يوجب قضائها

مع وجود الماء. قال الشيخ في الخلاف: و هو مذهب جميع الفقهاء الا طاوس.

لنا الإجماع، فإن خلاف طاوس منقرض، و لأنه صلى صلاة مأمورا بها، و الأمر يقتضي الاجزاء. و قول النبي صلى اللّه عليه و آله «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت» «2». و قوله عليه السّلام «التراب طهور المسلم» «3».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 225 (مع تفاوت يسير).

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222 و مسند أحمد ج 2 ص 222.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212 بهذا المعنى.

395
المعتبر في شرح المختصر1

الفصل الرابع: في أحكامه ؛ ج‌1، ص : 395

صلى اللّه عليه و آله قال لعمرو بن العاص: «صليت بأصحابك و أنت جنب» فقال «خشيت أن أهلك» «1» فلو ارتفع بالتيمم لما سماه جنبا كما لا يسمى بذلك بعد الغسل.

فرع لو تيمم و نوى رفع الحدث لم يستبيح به الصلاة

، لأن النية تابعة للمشروع و حيث لا مشروعية فلا نية. قال الشيخ في الخلاف: لو تيمم المجنب ثمَّ أحدث و وجد ماء لوضوءه تيمم بدلا من الغسل، و به قال مالك، و الثوري. و قال علم الهدى في شرح الرسالة: يتوضأ بالماء لأنه متمكن من الماء فلا يصح التيمم، و مثله قال أبو حنيفة.

لنا ان التيمم لا يرفع الحدث فتكون الجنابة باقية و الاستباحة زالت بالحدث الأصغر فيجب التيمم للجنابة السابقة، و كذا لو تيمم الجنب ثمَّ أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل لا من الوضوء، لان حدثه باق و الاستباحة زالت بالحدث.

الفصل الرابع: في أحكامه

. مسئلة: كل موضع حكمنا فيه بصحة التيمم و الصلاة لا يوجب قضائها

مع وجود الماء. قال الشيخ في الخلاف: و هو مذهب جميع الفقهاء الا طاوس.

لنا الإجماع، فإن خلاف طاوس منقرض، و لأنه صلى صلاة مأمورا بها، و الأمر يقتضي الاجزاء. و قول النبي صلى اللّه عليه و آله «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت» «2». و قوله عليه السّلام «التراب طهور المسلم» «3».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 225 (مع تفاوت يسير).

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222 و مسند أحمد ج 2 ص 222.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212 بهذا المعنى.

395
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: كل موضع حكمنا فيه بصحة التيمم و الصلاة لا يوجب قضائها ؛ ج‌1، ص : 395

صلى اللّه عليه و آله قال لعمرو بن العاص: «صليت بأصحابك و أنت جنب» فقال «خشيت أن أهلك» «1» فلو ارتفع بالتيمم لما سماه جنبا كما لا يسمى بذلك بعد الغسل.

فرع لو تيمم و نوى رفع الحدث لم يستبيح به الصلاة

، لأن النية تابعة للمشروع و حيث لا مشروعية فلا نية. قال الشيخ في الخلاف: لو تيمم المجنب ثمَّ أحدث و وجد ماء لوضوءه تيمم بدلا من الغسل، و به قال مالك، و الثوري. و قال علم الهدى في شرح الرسالة: يتوضأ بالماء لأنه متمكن من الماء فلا يصح التيمم، و مثله قال أبو حنيفة.

لنا ان التيمم لا يرفع الحدث فتكون الجنابة باقية و الاستباحة زالت بالحدث الأصغر فيجب التيمم للجنابة السابقة، و كذا لو تيمم الجنب ثمَّ أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل لا من الوضوء، لان حدثه باق و الاستباحة زالت بالحدث.

الفصل الرابع: في أحكامه

. مسئلة: كل موضع حكمنا فيه بصحة التيمم و الصلاة لا يوجب قضائها

مع وجود الماء. قال الشيخ في الخلاف: و هو مذهب جميع الفقهاء الا طاوس.

لنا الإجماع، فإن خلاف طاوس منقرض، و لأنه صلى صلاة مأمورا بها، و الأمر يقتضي الاجزاء. و قول النبي صلى اللّه عليه و آله «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت» «2». و قوله عليه السّلام «التراب طهور المسلم» «3».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 225 (مع تفاوت يسير).

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222 و مسند أحمد ج 2 ص 222.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212 بهذا المعنى.

395
المعتبر في شرح المختصر1

و هنا مسئلتان: ؛ ج‌1، ص : 396

و روى عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول «إذا لم يجد الرجل طهورا أو كان جنبا فليمسح من الأرض، و ليصل فاذا وجد الماء فليغتسل فقد أجزأته صلوته التي صلى» «1». و لو قلنا بالتوسعة فتيمم و صلى ثمَّ وجد الماء و الوقت باق ففي الإعادة روايتان: إحديهما: الاجزاء، و هو مذهب الشافعي، و أبي حنيفة، و مالك و أحمد. و هو الأقوى. و الثانية: يعيد، و هو مذهب عطاء، و زهري، و ربيعة.

لنا ما روي عن أبي سعيد ان رجلين تيمما فوجدا الماء و صليا في الوقت فأعاد أحدهما و سألا النبي صلى اللّه عليه و آله قال لمن لم يعد: «أصبت السنة و أجزأك صلاتك و للآخر لك الأجر مرتين» «2». و روى يعقوب بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء قال: «ان وجده قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد و ان مضى الوقت فلا اعادة» «3».

و الأخرى رواية معاوية بن ميسرة و غيره في الرجل يصلي ثمَّ يأتي الماء و عليه شي‌ء من الوقت أ يمضي على صلاته أو يعيد فقال: «يمضي على صلاته فان رب الماء رب التراب» «4».

و هنا مسئلتان:

الاولى: من أجنب نفسه مختارا، قال الشيخان في الخلاف و المقنعة: لم يجز له التيمم

و ان خاف التلف أو الزيادة في المرض. و قال في المبسوط: إذا خاف تيمم و صلى، و كذا قال في التهذيب، و هو أولى لقوله تعالى‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 7.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 231.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 8.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 13.

396
المعتبر في شرح المختصر1

الاولى: من أجنب نفسه مختارا، قال الشيخان في الخلاف و المقنعة: لم يجز له التيمم ؛ ج‌1، ص : 396

و روى عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول «إذا لم يجد الرجل طهورا أو كان جنبا فليمسح من الأرض، و ليصل فاذا وجد الماء فليغتسل فقد أجزأته صلوته التي صلى» «1». و لو قلنا بالتوسعة فتيمم و صلى ثمَّ وجد الماء و الوقت باق ففي الإعادة روايتان: إحديهما: الاجزاء، و هو مذهب الشافعي، و أبي حنيفة، و مالك و أحمد. و هو الأقوى. و الثانية: يعيد، و هو مذهب عطاء، و زهري، و ربيعة.

لنا ما روي عن أبي سعيد ان رجلين تيمما فوجدا الماء و صليا في الوقت فأعاد أحدهما و سألا النبي صلى اللّه عليه و آله قال لمن لم يعد: «أصبت السنة و أجزأك صلاتك و للآخر لك الأجر مرتين» «2». و روى يعقوب بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء قال: «ان وجده قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد و ان مضى الوقت فلا اعادة» «3».

و الأخرى رواية معاوية بن ميسرة و غيره في الرجل يصلي ثمَّ يأتي الماء و عليه شي‌ء من الوقت أ يمضي على صلاته أو يعيد فقال: «يمضي على صلاته فان رب الماء رب التراب» «4».

و هنا مسئلتان:

الاولى: من أجنب نفسه مختارا، قال الشيخان في الخلاف و المقنعة: لم يجز له التيمم

و ان خاف التلف أو الزيادة في المرض. و قال في المبسوط: إذا خاف تيمم و صلى، و كذا قال في التهذيب، و هو أولى لقوله تعالى‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 7.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 231.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 8.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 13.

396
المعتبر في شرح المختصر1

الاولى: من أجنب نفسه مختارا، قال الشيخان في الخلاف و المقنعة: لم يجز له التيمم ؛ ج‌1، ص : 396

وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «1» و قوله تعالى وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «2» و قوله تعالى وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «3».

و لما روي ان أبا ذر قال هلكت يا رسول اللّه جامعت على غير ماء فأمر النبي صلى اللّه عليه و آله بماء فاغتسل ثمَّ قال «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين» «4». و هذا نص بالجواز، و ذلك يشعر بالكراهية لأن النبي صلى اللّه عليه و آله لم ينكر، و لان الجماع على هذا التقدير غير محرم إجماعا، فلا يترتب على فاعله عقوبة.

و استدل الشيخ في الخلاف برواية عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل تخوف ان اغتسل فيصيبه عنت. قال: «يغتسل و ان أصابه ما أصابه» «5» و برواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل تصيبه الجنابة في ليلة باردة قال:

«اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل» «6».

فالجواب انهما ليستا صريحتان في الدلالة لأن العنت المشقة و ليس كل مشقة تلفا. و قوله (على ما كان) ليس حجة في موضع النزاع، و ان دل بإطلاقه، فدفع الضرر المظنون واجب عقلا لا يرتفع بإطلاق الرواية، و لا يخص بها عموم نفي الجرح ثمَّ هاتان الروايتان معارضتان بروايات منها رواية داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال:

«لا يغتسل و يتيمم» «7». و عن البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام مثله و هاتان أرجح لوجوه:

______________________________
(1) سورة البقرة: 195.

(2) سورة النساء: 29.

(3) سورة الحج: 78.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 12.

(5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 17 ح 3.

(6) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 17 ح 4.

(7) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 5 ح 8.

397
المعتبر في شرح المختصر1

الاولى: من أجنب نفسه مختارا، قال الشيخان في الخلاف و المقنعة: لم يجز له التيمم ؛ ج‌1، ص : 396

أحدهما: أنهما أيسر و اليسر مراد اللّه.

الثانية: أنهما ناصّتان على موضع النزاع، و الأولتان مطلقتان، لان قوله (لا بد من الغسل) أو (اغتسل على ما كان) يحتمل أن يكون لا مع الخوف على النفس، و هاتان متناولتان لموضع النزاع و كانتا أولى.

الثالثة: ان مع العمل بهاتين يمكن العمل بالأوليين على الاستحباب كما ذهب اليه الشيخ في التهذيب، فان احتج برواية محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم رفعه قال: «ان أجنب نفسه مختارا فعليه أن يغتسل على ما كان و أن احتلم تيمم» «1» و برواية أحمد بن محمد عن علي بن أحمد رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان أجنب هو فليغتسل و ان كان احتلم فليتمم» «2» فالجواب من وجهين:

الأول: أنهما مقطوعتان فلا يترك بهما المسند.

الثاني: انهما لم يتضمنا موضع النزاع، لجواز أن يكون لا مع الخوف على النفس و روايتنا تتناول الجواز عند الخوف على النفس فيكون أخص دلالة، و العمل بها أولى، و إذا ثبت ذلك فهل يقضي هذه الصلاة قال الشيخ في المبسوط و النهاية:

نعم.

و لعله استناد إلى رواية جعفر بن بشير عمن رواه عن أبي عبد اللّه و قد رواها جعفر بن بشير بطريق آخر عن عبد اللّه بن سنان أو غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف ان اغتسل قال: «تيمم فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة» «3».

و طعن الشيخ في هاتين الروايتين بأن الأصل فيهما جعفر بن بشير تارة يقول‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 17 ح 2.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 17 ح 1.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 16 ح 1.

398
المعتبر في شرح المختصر1

الثانية: من أحدث في الجامع يوم الجمعة و منعه الزحام عن الخروج، تيمم و صلى ؛ ج‌1، ص : 399

عمن رواه و تارة يقول عن عبد اللّه بن سنان و غيره، و هو شاك و ما يجري هذا المجرى لا يعمل به. و الوجه عندي انه لا إعادة لأن التيمم عند الخوف على النفس أما أن يكون مبيحا للصلاة، و أما أن لا يكون. فان كان مبيحا سقط القضاء، لأنه أتى بصلاة مستكملة الشرائط، و ان لم يكن مبيحا لم يجب الأداء. فالقول بوجوب الأداء مع وجوب القضاء مما لا يجتمعان لكن الأداء واجب فالقضاء غير واجب.

الثانية: من أحدث في الجامع يوم الجمعة و منعه الزحام عن الخروج، تيمم و صلى

، لان وقت الجمعة ضيق و التقدير عدم التمكن من الخروج و من الماء فيجزيه التيمم، لقوله عليه السّلام «التراب كافيك ما لم تجد الماء» «1». و هل يعيد، الوجه لا لقوله عليه السّلام «أينما أدركتني الصلاة صليت» «2»، و لأنه صلى صلاة مأمورا بها مستجمعة الشرائط حال أدائها فتكون مجزية.

و قال الشيخ في الخلاف و المبسوط: يعيد، و كذا قال ابن الجنيد. و ربما يكون تعويله على رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام سئل عن رجل يكون في الزحام يوم الجمعة، أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد لكثرة الناس قال: «يتيمم و يصلي معهم و يعيد إذا انصرف» «3». و الرواية ضعيفة، قال أبو جعفر بن بابويه: لا أعمل بما يتفرد به السكوني.

مسئلة: المتيمم إذا وجد الماء قبل شروعه في الصلاة تطهر

، و هو إجماع أهل العلم لقوله عليه السّلام: «إذا وجدت الماء فأمسه جسدك» «4». و لو كان بعد فراغه من الصلاة لم يعد و قد سلف تحريره و هو وفاق أيضا. و لو كان في أثناء الصلاة فللشيخ قولان:

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 114- في الهامش.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222، و مسند أحمد ج 2 ص 222.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 15 ح 1.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 220.

399
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: المتيمم إذا وجد الماء قبل شروعه في الصلاة تطهر ؛ ج‌1، ص : 399

عمن رواه و تارة يقول عن عبد اللّه بن سنان و غيره، و هو شاك و ما يجري هذا المجرى لا يعمل به. و الوجه عندي انه لا إعادة لأن التيمم عند الخوف على النفس أما أن يكون مبيحا للصلاة، و أما أن لا يكون. فان كان مبيحا سقط القضاء، لأنه أتى بصلاة مستكملة الشرائط، و ان لم يكن مبيحا لم يجب الأداء. فالقول بوجوب الأداء مع وجوب القضاء مما لا يجتمعان لكن الأداء واجب فالقضاء غير واجب.

الثانية: من أحدث في الجامع يوم الجمعة و منعه الزحام عن الخروج، تيمم و صلى

، لان وقت الجمعة ضيق و التقدير عدم التمكن من الخروج و من الماء فيجزيه التيمم، لقوله عليه السّلام «التراب كافيك ما لم تجد الماء» «1». و هل يعيد، الوجه لا لقوله عليه السّلام «أينما أدركتني الصلاة صليت» «2»، و لأنه صلى صلاة مأمورا بها مستجمعة الشرائط حال أدائها فتكون مجزية.

و قال الشيخ في الخلاف و المبسوط: يعيد، و كذا قال ابن الجنيد. و ربما يكون تعويله على رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام سئل عن رجل يكون في الزحام يوم الجمعة، أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد لكثرة الناس قال: «يتيمم و يصلي معهم و يعيد إذا انصرف» «3». و الرواية ضعيفة، قال أبو جعفر بن بابويه: لا أعمل بما يتفرد به السكوني.

مسئلة: المتيمم إذا وجد الماء قبل شروعه في الصلاة تطهر

، و هو إجماع أهل العلم لقوله عليه السّلام: «إذا وجدت الماء فأمسه جسدك» «4». و لو كان بعد فراغه من الصلاة لم يعد و قد سلف تحريره و هو وفاق أيضا. و لو كان في أثناء الصلاة فللشيخ قولان:

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 114- في الهامش.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222، و مسند أحمد ج 2 ص 222.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 15 ح 1.

(4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 220.

399
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: المتيمم إذا وجد الماء قبل شروعه في الصلاة تطهر ؛ ج‌1، ص : 399

أحدهما: يرجع ما لم يركع، و كذا قال ابن الجنيد، و علم الهدى. و قال سلار ما لم يدخل في صلاة و قراءة.

و القول الأخر: يمضي في صلاته و لو تلبّس بتكبيرة الإحرام و هو قول علم الهدى في شرح الرسالة، و المفيد في المقنعة، و قول الشافعي، و قال أبو حنيفة يبطل صلاته مطلقا الا في صلاة العيدين أو الجنازة أو وجد سؤر الحمار.

لنا قوله عليه السّلام «ان الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف أحدكم من الصلاة حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» «1» و لان التيمم بدل من الماء عند الإعواز و قد تحقق متصلا بالمقصود فيسقط اعتبار المبدل كما لا عبرة بوجود الطول بعد نكاح الأمة لا يقال لو صح ما ذكرتموه لما بطل قبل الشروع لأنا نقول قبل الشروع لم يتصل بالمقصود و هي الصلاة و ليس كذلك بعده.

و يؤيد ذلك قوله تعالى وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ «2». لا يقال الصلاة تبطل بوجود الماء، لأنا نمنع ذلك هاهنا لما يلزم من ابطال العبادة المقصودة بالقصد الأول، و تحتج أيضا بما رواه محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: رجل تيمم ثمَّ دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال: «يمضي في الصلاة» «3».

فإن احتج الشيخ بالروايات الدالة على الرجوع ما لم يركع. فالجواب عنه ان أصلها عبد اللّه بن عاصم، فهي في التحقيق رواية واحدة، و تعارضها روايتنا، و هي أرجح من وجوه:

أحدها: ان محمد بن حمران أشهر في العدالة و العلم من عبد اللّه بن عاصم،

______________________________
(1) بمعناه يوجد في مسند أحمد ج 2 ص 330.

(2) سورة محمد: 33.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 21 ح 3.

400
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 401

و الأعدل مقدم.

الثاني: انها أخف و أيسر و اليسر مراد اللّه تعالى.

الثالث: ان مع العمل بروايتنا يمكن العمل بروايته أيضا بأن تنزلها على الاستحباب، و مع العمل بروايته لا يمكن العمل بروايتنا. فتكون روايتنا أرجح.

فروع

الأول: لو رأى الماء و هو في الصلاة ثمَّ فقده قبل فراغه. قال الشيخ: ينتقض تيممه

في حق الصلاة المستأنفة. و لو قيل لا يبطل تيممه لكان قويا، لان وجدان الماء لا يبطل التيمم ما لم يتمكن من استعماله، و الاستعمال هنا ممنوع منه شرعا ضرورة وجوب المضي في صلاته، لأنا نتكلم على هذا التقدير فلا يكون الاستعمال ممكنا فلا ينتقض التيمم.

الثاني: إذا تيمم فرأى سرابا فظنه ماء. قال الشافعي بطل تيممه

لان الطلب واجب و قد أمكن. و يقوى انه لا يبطل، أما على القول بالتضييق فظاهر لأنه وقت يتحتم فيه الأخذ في الصلاة فلا يتسع للطلب، و أما على القول بالسعة فلأن التيمم لا يبطل الا بحدث أو التمكن من استعمال الماء و الكل منتف.

الثالث: إذا تيمم الميت ثمَّ وجد الماء انتقض تيممه

، و يغسل و المصلي على ذلك الميت هل يقطع صلاته؟ الوجه لا، لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعا فلم يجز ابطالها و ان بطل غسل الميت و فيه احتمال آخر لان الغسل مرتب على الصلاة و إذا بطل الغسل كان كمن لم يغسل فتعيّن استيناف الصلاة بعد الغسل.

مسئلة: لا ينقض التيمم الا ما ينقض الطهارة المائية

، و وجود الماء مع التمكن من استعماله، و هو مذهب أهل العلم. و قال أحمد: ينقضه خروج وقت الصلاة لأنها طهارة ضرورية فتقيد بالوقت كطهارة المستحاضة.

401
المعتبر في شرح المختصر1

فرع يجوز أن يستبيح بالتيمم ما زاد على الصلاة الواحدة من الفرائض و النوافل أداء و قضاء ؛ ج‌1، ص : 402

لنا قوله عليه السّلام «يا أبا ذر الصعيد كافيك الى عشر سنين» «1». و من طريق الأصحاب ما رواه حريز قلت لأبي جعفر عليه السّلام: يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلها؟ قال: «نعم ما لم يحدث أو يصيب ماء» «2».

و الجواب عما ذكرناه انا نسلّم أنها طهارة ضرورية، لكن لا نسلّم انه يلزم من ذلك تقديرها بالوقت. و قياسه على المستحاضة ضعيف، لان دم الاستحاضة حدث يتجدد حالا و من شأن الحدث النقض، و لا كذا الاستباحة بالتيمم لأنه لم يتعقبها ناقض.

فرع يجوز أن يستبيح بالتيمم ما زاد على الصلاة الواحدة من الفرائض و النوافل أداء و قضاء

، و هو مذهب علمائنا أجمع، و قول أبي حنيفة. و قال الشافعي لا يستبيح أكثر من فريضة واحدة، و يستبيح معها من النوافل ما شاء، قال: لأنها طهارة ضرورية و لا يستباح بها إلا صلاة واحدة كالمستحاضة، و بما روي عن ابن عمرو عن علي قالا: «تيمم لكل صلاة» «3».

لنا ان مع الإتيان بالفريضة الواحدة، أما أن نبقي الاستباحة، و اما أن تزول.

و يلزم من الأول جواز الإتيان بثانية. و من الثاني المنع من صلاة النافلة لكن الثاني باطل إجماعا، فتعيّن الأول. و يؤيد ما ذكرناه رواية أبي ذر و هي نص في موضع الخلاف.

و من طريق الأصحاب ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و رواية‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 12.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 20 ح 1.

(3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 221.

402
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يشترط الطهارة في صلاة الجنازة ؛ ج‌1، ص : 403

السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه قال: «لا بأس أن يصلي صلاة الليل و النهار بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصيب الماء» «1». و في رواية أبي همام عن الرضا عليه السّلام تارة و عن محمد بن سعيد بن غزوان عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام تارة قال:

«لا يستبيح المتيمم إلا صلاة واحدة» «2». و قد ضعف هذه الرواية الشيخ في التهذيب على أنها لو صحت أمكن حملها على الاستحباب.

و الجواب عما ذكره الشافعي عن علي عليه السّلام و عن ابن عمر انه يحمل قولهما على الاستحباب توفيقا بين الروايات، هذا على تقدير صحة النقل. و أما قياسه، فضعيف، لأن المستحاضة حدثها متجدد فجاز أن يمنع عما زاد على الصلاة الواجدة و لا كذلك المتيمم لأنه لم يتعقبه حدث.

مسئلة: لا يشترط الطهارة في صلاة الجنازة

، و هو مذهب فقهائنا، و به قال ابن جرير الطبري و الشعبي، و اشترط ذلك الباقون لقوله عليه السّلام لا صلاة إلا بطهور.

لنا ان دعاء و تحميد و تكبير فلا يشترط فيها الطهارة كسائر الأدعية و إطلاق الصلاة عليها انما هو بحسب الوضع اللغوي و سنبيّن انها لا يتضمن قراءة و لا تسليما و يؤيد ذلك ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء فقال: «نعم انما هو تسبيح و تحميد و تهليل كما تكبّر في بيتك بغير وضوء» «3».

و جواب ما استدلوا، انا لا نسلّم تناوله لموضع النزاع، و هذا لأن الصلاة لفظ مشترك، بين ذات الركوع، و السجود، و الدعاء المحض، ضرورة قوله تعالى وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ «4» و قوله:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 20 ح 5.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 20 ح 6.

(3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 21 ح 3.

(4) سورة التوبة: 103.

403
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يشترط الطهارة في صلاة الجنازة ؛ ج‌1، ص : 403

«إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلٰائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ» «1».

و لم يرد في هذه المواطن الا الدعاء، و اللفظ المشترك لا يحمل على معنييه فتعيّن إرادة أحدهما، و ذات الركوع مرادة من هذا اللفظ فلا يراد الدعاء، و لأن الإجماع على أن الدعاء المحض لا يشترط فيه الطهارة، لكن يستحب، فاستحال إرادة الأمرين، لا يقال: لم لا يكون اللفظ واقعا عليهما بالتواطؤ، لأنا نقول:

المتواطئ هو في الواقع على شي‌ء مشترك في مسماه، و الصلاة ليست واقعة على ذات الركوع، باعتبار الدعاء، بل هو اسم بجملتها، حتى لو خلت من دعاء أصلا لكانت صلاة، لكن الأفضل عندنا الطهارة.

قال الشيخ في الخلاف: «يجوز أن يتيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء» و أطلق و قال ابن الجنيد: «و لا بأس بالتيمم في المصير للجنازة إذا خاف فوتها» و قال ابن بابويه: «و في خبر تيمم لها ان أحب» «2» و قال أبو حنيفة: «مع اشتراط الطهارة لها، يجوز التيمم، مع وجود الماء، إذا خشي فوات الصلاة، كما لو اشتغل بالطهارة المائية، و كذا صلاة العيد» و منع ذلك الشافعي، و لم يجز التيمم مع وجود الماء، لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا «3» فلا يكون التيمم طهارة، مع وجوده.

و احتج أبو حنيفة: «بأن صلاة الجنازة، و العيد، لا يقضيان، و الطهارة لا يراد لنفسها، بل للصلاة، و بتقدير الفوات يسقط اعتبار الطهارة، لأنه لا ثمرة لها، فيستدرك الصلاة بالتيمم، و لا كذلك صلاة الجمعة، لو خشي الفوات بالطهارة لها، و صلاة الفريضة، لأن الجمعة تقضى ظهرا، و الفريضة يؤدي ما يدرك منها في الوقت، و يقضي‌

______________________________
(1) سورة الأحزاب: 56.

(2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 21 ح 4.

(3) سورة النساء: 43 [فلم تجدوا ماء فتيمموا].

404
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا اجتمع ميت، و محدث، و جنب، و معهم ما يكفي أحدهم، فالأشهر من الروايتين، اختصاص الجنب بالماء ؛ ج‌1، ص : 405

الباقي، فيحصل للطهارة ثمرة، على هذا التقدير».

احتج الشيخ: بإجماع الفرقة، و بما رواه زرعة عن سماعة، قال: «سألته عن رجل مرت به الجنازة، و هو على غير طهر، قال «يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم» «1» و فيما ذكره الشيخ إشكال.

أما الإجماع: فلا نعلمه، كما علمه، و أما الرواية: فضعيفة، من وجهين:

أحدهما: ان زرعة، و سماعة، واقفيان، و الثاني ان المسئول في الرواية مجهول، فاذا التمسك باشتراط عدم الماء في جواز التيمم أصل، و لأن الرواية ليست صريحة في الجواز مع وجود الماء، لكن لو قيل: إذا فاجأته الجنازة، و خشي فوتها مع الطهارة، تيمم لها كان حسنا، لأن الطهارة لما لم يكن شرطا، و كان التيمم أحد الطهورين، فمع خوف الفوت، لا بأس بالتيمم، لان حال المتيمم أقرب الى شبه المتطهرين من المتخلي منه.

مسئلة: إذا اجتمع ميت، و محدث، و جنب، و معهم ما يكفي أحدهم، فالأشهر من الروايتين، اختصاص الجنب بالماء

. و قال الشيخ في الخلاف: «و ان كان الماء لأحدهم فهو أحق به، و ان لم يكن لواحد بعينه تخيّروا في التخصيص، و كذا قال في الجنب، و ميت، و حائض، و في جنب و محدث».

و استدل الشيخ: بأنها فروض اجتمعت، و ليس بعضها أولى من بعض فتعيّن التخيير، و أيضا الروايات اختلفت على وجه لا ترجيح، فيحمل على التخيير، روى الحسن التفليسي و يقال (الأرمني) قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن القوم، يكونون في السفر، فيموت منهم ميت، و بعضهم جنب، و معهم ما يكفي أحدهم، أيهم يبدأ به؟ قال: يغتسل الجنب، و يترك الميت» «2».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 21 ح 5.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 18 ح 4.

405
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 406

و في رواية محمد بن علي عليه السّلام عن بعض أصحابنا قلت: «الجنب و الميت يتفقان، و لا يكون الماء الا بقدر كفاية أحدهما، أيهما أولى؟ قال: يتيمم الجنب و يغسل الميت» «1».

و عندي: ان رواية التفليسي، أرجح بتقدير، الا يكون الماء لأحدهم، لأنها متصلة، و العامل بها من الأصحاب كثير، و الأخرى مقطوعة، و الذي ذكر الشيخ رحمه اللّه، ليس موضع البحث، فانا لا نخالف ان لهم الخيرة، لكن البحث في الأولى أولوية لا يبلغ اللزوم، و لا ينافي التخيير، و لو قيل: المحدث لم يجز له ذكر، قلنا: تخصيص الجنب بالماء، يدل على أن المحدث يتيمم.

فروع

الأول: هل يجوز لمالك الماء، أن يبذله لغيره، مع وجوب الصلاة؟ الوجه لا،

لأن الطهارة تعينت عليه، و هو متمكن من الماء، و العدول الى التيمم مشروط بالتعذر، و التقدير عدمه، و يؤيد ذلك، رواية وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في قوم كانوا في سفر، و أصاب أحدهم جنابة، و ليس معهم الا ما يكفي الجنب، أ يتوضؤن أم يعطونه الجنب؟ فقال: يتوضئون هم و يتيمم الجنب» «2» و ذكر النجاشي: ان وهيب بن حفص كان واقفيا، لكنه ثقة.

الثاني: لو كان مع غيرهم، و التمس الأولى، أو أوصى موص بتسليمه الى الأولى، فقد قلنا: الجنب أولى

، لأنه يريد استباحة الصلاة، و طهارة بدنه، و للميت أحد القسمين، و لأنه متعبد بالغسل، و الميت سقط تعبده.

و يؤيد ذلك: رواية الحسن التفليسي المذكورة، و على قول الشيخ لا أولوية‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 18 ح 5.

(2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 18 ح 2.

406
المعتبر في شرح المختصر1

الثالث: ان كان إذا استعمله أحدهما، أمكن للآخر جمعه و استعماله، فالمحدث أولى ؛ ج‌1، ص : 407

و لو قيل: الجنب تستدرك طهارته، و الميت لا استدراك لطهارته، قلنا: المراد بطهارة الميت تنظيفه، لا غير، و التيمم مطهر مع العدم.

الثالث: ان كان إذا استعمله أحدهما، أمكن للآخر جمعه و استعماله، فالمحدث أولى

لجواز استعمال ما في رفع الحدث، و لا كذا غسل الجنب، بل هو أما غير مطهر، و مكروه، فيبدأ بالمحدث، ثمَّ يغتسل به الجنب.

الرابعة: إذا كان الماء مباحا، فالسابق أحق به،

و ان توافوا دفعة، فهم شركاء و قد مر بحث الشركة، و لو تمانعوا فالمانع اثم، و يملكه القاهر لأنه سابق عليه.

مسئلة: من صلى بتيمم، فأحدث في أثناء الصلاة، و وجد الماء،

روى محمد ابن مسلم: عن أحدهما «انه يخرج ثمَّ يتوضأ، و يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم» «1». و هذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة، و أصلها محمد ابن مسلم، و فيها اشكال، من حيث ان الحدث يبطل الطهارة، و يبطل ببطلانها الصلاة و اضطر الشيخان بعد تسليمها، الى تنزيلها على المحدث سهوا.

و الذي قالاه حسن لأن الإجماع على أن الحدث عمدا، يبطل الصلاة فيخرج من إطلاق الرواية، و يتعيّن حمله على غير صورة العمد، لأن الإجماع لا يصادمه الرواية، و لا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان، فإنها رواية مشهورة و يؤيدها ان الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث فلا يبطل بزوال الاستباحة، كصلاة المبطون إذا فجئه الحدث، و لا يلزم مثل ذلك في المصلي بطهارة مائية، لأن الحدث مرتفع، فالحدث المتجدد رافع لطهارته فيبطل لزوال الطهارة.

زيادات

مسئلة: يجوز التيمم لكل من وجب عليه الغسل، إذا عدم الماء

، و كذا كل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 21 ح 4 بهذا المعنى.

407
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: المرتد لا يبطل تيممه بردته ؛ ج‌1، ص : 408

من وجب عليه الوضوء، و هو إجماع علماء الإسلام، إلا ما حكي عن عمرو بن مسعود: انهما منعا الجنب من التيمم.

لنا إجماع علماء الإسلام، فإن خلاف المذكورين قد انقرض، و ما روى عمران ابن حصين: «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رأى رجلا لم يصل مع القوم، فقال: ما منعك؟

قال أصابتني جنابة و لا ماء قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك» «1». و ما روي ان رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه و آله فقال: «يا رسول اللّه انا نكون بالرمل الأشهر، فتصيبنا الجنابة، و الحيض، و النفاس، و لا نجد الماء فقال: عليكم بالأرض» «2».

و من طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تيمم الجنب، و الحائض، قال: «سواء، إذا لم يجد ماء» «3» و من وجب عليه الغسل، و الوضوء، لا يجزيه تيمم واحد ان شرطنا الضربتين في الغسل، فان اجتزينا بالضربة ففيه تردد وجه الاجتزاء، ان الغسل كالوضوء، في صورة التيمم فصار كما لو بال و تغوط، فإنه يجزى بالمرة، و وجه الافتقار الى تيممين اختلاف النية، فإنه يفتقر إلى نية انه بدل عن الوضوء، و الأخر انه يدل عن الغسل، و لا يجتمع النيتان.

مسئلة: المرتد لا يبطل تيممه بردته

، و لو رجع الى الإسلام صلى بتيممه الأول، ما لم يحدث ناقضا، أو يتمكن من استعمال الماء، كما قلناه في الطهارة المائية، لأن نقض الطهارة موقوف على الدلالة، و حيث لا دلالة فلا نقض.

مسئلة: الجراح، و الدماميل، و موضع الكسر، ينزع ما عليها من الجبائر،

و يتطهر ان لم يخف تلفا، و لا زيادة في العلة، و لو خشي مسح عليها، و لا يعيد ما صلاة بتلك الطهارة، و به قال أبو حنيفة، و للشافعي في الإعادة قولان: أحدهما يعيد، لأنه‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 216.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 217.

(3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 12 ح 7.

408
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 409

لم يأت بالغسل و هو شرط.

لنا ان الغسل سقط بتضمنه الجرح، و مع سقوطه لا يكون شرطا، و ما روي عن علي عليه السّلام قال: «انكسرت إحدى زندي، فأمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن أمسح على الجبائر» «1».

و ما رواه الأصحاب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الرجل يكون به القرحة في ذراعيه، أو غير ذلك، من أعضاء الوضوء فيعصبها بالخرقة، فقال: ان كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة» «2» و عن سورة ابن كليب عنه عليه السّلام في الكسير «ان كان يتخوف على نفسه، فليمسح على جبائره» «3». و أما الإعادة فمنفية بالأصل، و بأنه أدى وظيفة وقته على الوجه المشروع فكان مجزيا.

فروع

الأول: لو وضعت الجبيرة، زائدة عن الكسر، لم يجز المسح على السليم

نعم لو اتفق و خشي من إزالتها تلفا أو زيادة في المرض، جاز المساواة الزائد موضع الكسر، في ضرر الإزالة.

الثاني: يجب استيعاب الجبيرة بالمسح،

و لا يقتصر على البعض، لان المسح بدل عن الغسل فكما ان الغسل يجب به الاستيعاب فكذا البدل.

الثالث: لا يشترط وضع الجبيرة على طهر

، خلافا للشافعي لأن النبي صلى اللّه عليه و آله أمر عليا عليه السّلام بالمسح، و لم ينقل الشرط، و لأن شرعية المسح لدفع الضرر بالنزع، فيستوي الحالان لتساوي السبب.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 228.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 2.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 8.

409
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس: لا عبرة باختلاف أصناف الجبيرة ؛ ج‌1، ص : 410

الرابع: لا توقيت للمسح،

لان شرعيته للضرورة فيستدام مع فرضها.

الخامس: لا عبرة باختلاف أصناف الجبيرة

، فلو جعل على جراحة، أو قرحة أو موضع الكسر، مرارة، أو دواءا، أو قيرا، أو مصطكيا، أو حناء، و تضرر بالإزالة مسح عليه، لأنه مشروع تبعا للضرورة، فيوجد معها. و روى الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسين عليه السّلام قال: «سألته عن الدواء، إذا كان على يد الرجل، أ يجزيه أن يمسح على طلاء الدواء؟ فقال: نعم» «1».

السادس: لو كان به جرح و لا جبيرة، غسل جسده و ترك الجرح،

و قال الشافعي: «يغسل الصحيح و يتيمم للجرح» و في رواية عن أحمد بن حنبل «يمسح الجرح و يغسل ما حوله».

لنا: ان غسل الجرح سقط لمكان الضرر، و سقط التيمم، لئلا يجمع بين البدل و المبدل، و ما ذكره أحمد جيد، على تقدير الأمن على الجرح مع المسح، أما لو خشي مع المسح فإنه يسقط، دفعا للضرر، و يؤيد ما ذكرناه، ما رواه عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه، قال: يغسل ما حوله» «2» و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا يغسله إن خشي على نفسه».

الركن الرابع [في النجاسات]

مسئلة: البول، و الغائط، مما لا يؤكل لحمه نجس

، و هو إجماع علماء أهل الإسلام، سواء كان ذلك من الإنسان، أو غيره إذا كان ذا نفس سائلة. و في قول‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 10.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 3.

410
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: البول، و الغائط، مما لا يؤكل لحمه نجس ؛ ج‌1، ص : 410

الشافعي إلا البول من الرسول صلى اللّه عليه و آله فإن أم أيمن شربته فلم ينكر و أما رجيع ما لا نفس له، كالذباب و الخنافس، ففيه تردد، أشبهه انه طاهر لان ميتته و دمه و لعابه طاهر فصارت فضلاته كعصارة النبات.

و في رجيع الطير للشيخ في المبسوط قولان: أحدهما هو طاهر، و به قال أبو حنيفة، و لعل الشيخ استند إلى رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرءه و بوله» «1». و الأخر في الخلاف: فما أكل فذرقه طاهر و ما لا يؤكل فذرقه نجس، و به قال أكثر الأصحاب و محمد بن الحسن الشيباني.

لنا ما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه يتناول موضع النزاع، لان الخرء و العذرة مترادفان و رواية أبي بصير و ان كانت حسنة لكن العامل بها من الأصحاب قليل، و لان الوجه المقتضي لنجاسة خرء ما لا يؤكل لحمه من الحيوان، مقتض لنجاسة خرء ما لا يؤكل لحمه من الطير.

و في نجاسة ذرق الخفاش و بوله روايتان، أشهرهما رواية داود الرقي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن بول الخفاش يصيب الثوب أطلبه فلا أجده قال: «اغسل ثوبك» «2». و هذا مطابقة لما قررناه من نجاسة ذرق ما لا يؤكل لحمه و بوله.

و لو قيل داود بن كثير الرقي مطعون فيه بالغلو، قلنا هذا صحيح، لكن العمل على الأصل الذي قررناه على أن الرواية المعارضة لها رواية غياث، و هو بتري، فالروايتان ساقطتان، و العمل على ما قدمناه.

أما رجيع ما يؤكل لحمه و بوله، فطاهر باتفاق علمائنا، و هو مذهب أحمد، و مالك. و قال أبو حنيفة، و الشافعي: هو نجس لقوله عليه السّلام «تنزهوا عن البول» «3»

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 10 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 10 ح 4.

(3) بمعناه يوجد في مسند أحمد ج 1 ص 225 و 226.

411
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: البول، و الغائط، مما لا يؤكل لحمه نجس ؛ ج‌1، ص : 410

و قال عليه السّلام «ويل للأعقاب من البول و أتى بحجرين و روثة للاستنجاء فرمى الروثة و قال رجس» «1».

لنا ما رواه البراء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «ما أكل لحمه فلا بأس ببوله» «2».

و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله أمر العرينين «بشرب ألبان إبل الصدقة و أبوالها» و النجس لا يحل شربه، و لأنه عليه السّلام طاف على راحلته و هي لا تنفك من التلطخ بالبول، فلو كان نجسا لما عرض المسجد للنجاسة.

و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ألبان الغنم و البقر و الإبل و أبوالها قال: «ان أصابك شي‌ء منه أو ثوبا لك فلا تغسله» «3». و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أما الشاة و كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» «4».

و قد روى الناس ان النبي صلى اللّه عليه و آله كان يصلي في مرابض الغنم و قال «صلوا في مرابض الغنم» «5» و لو كانت أبعارها نجسة لما باشرها في الصلاة، و لان المسلمين من عهد النبي صلى اللّه عليه و آله يستعملون البقر في دياس الغلات، و لو كان رجيعها نجسا لكانت الحبوب كلها نجسة لاختلاط النجس بالطاهر.

و جواب حججهم ان ما ذكروه عام و ما ذكرناه خاص، و الترجيح للخبر الخاص.

و خبر الروثة حكاية عن واقعة لا يدل على العموم فلعلها روثة ما لا يؤكل لحمه، و لان الرجس ما يكره و يجتنب و الروث يجتنب في الاستنجاء و قد نهى عنه فلا يكون امتناعه عنه دليلا على موضع الخلاف. و في ذرق الدجاج روايتان:

______________________________
(1) السنن البيهقي ج 1 ص 108.

(2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 413.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 5.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 9.

(5) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 448.

412
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: البول، و الغائط، مما لا يؤكل لحمه نجس ؛ ج‌1، ص : 410

إحديهما: التنجيس، و هو مذهب الشيخين في المقنعة و الخلاف و النهاية و به قال أبو حنيفة.

و الثانية: الطهارة، ما لم يكن جلالا، و هو مذهب الشيخ في التهذيب، و هو الحق.

أما الروايتان فضعيفتان، إحديهما عن فارس قال: كتبت اليه، قال الشيخ في كتاب الرجال: فارس بن حاتم غال ملعون و بتقدير ذلك تكون الرواية ساقطة، و لو سلم من الطعن لم تكن المكاتبة مفيدة لليقين، و بتقدير الإفادة فالمسؤل عنه غير معلوم. و الأخرى عن وهب بن وهب، و هو ضعيف جدا مطعون فيه بالكذب، و بتقدير سقوط الروايتين يكون المرجع الى الأصل و هو الطهارة ما لم يكن جلالا.

و لو قيل الدجاج لا يتوقى النجاسة فرجيعه مستحيل عنها فيكون نجسا، قلنا بتقدير أن يكون ذلك محضا يكون التنجيس ثابتا، أما إذا كان يمزج علفه فإنه يستحيل، أما عنهما أو عن أحدهما فلا يتحقق الاستحالة عن النجاسة إذ لو حكم بغلبة النجاسة لسرى التحريم الى لحمها، و لما حصل الإجماع على حلّها مع الإرسال بطل الحكم فغلبة النجاسة على رجيعها.

و في أرواث الخيل و البغال و الحمير و أبوالها، قولان: أحدهما: النجاسة، و هو اختيار الشيخ في النهاية و ابن الجنيد. و الأخر: الكراهة، و هو اختياره في تهذيب الاحكام، و عليه عامة الأصحاب.

لنا ما رواه علي بن الحكم عن ابن أبي الأعز النحاس قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فيضرب إحديهن برجلها أو يدها فينتضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فقال عليه السّلام: «ليس عليك شي‌ء» «1».

و لان لحومها حلال على كراهية فيكون رجيعها و بولها كذلك لقول أبي جعفر و أبي‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 2.

413
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: البول، و الغائط، مما لا يؤكل لحمه نجس ؛ ج‌1، ص : 410

عبد اللّه «لا تغسل ثوبك من بول كل شي‌ء يؤكل لحمه» «1». و لان الاضطرار إليها عام و التفصي من فضلاتها عسر فتكون طاهرة دفعا للحرج.

و قد أيد هذا الوجه قول أبي عبد اللّه و قد سأل عن إزالة أرواثها فقال: «هي أكثر من ذلك» «2» يعني ان كثرتها يمنع التكليف بإزالتها. و في رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «لا بأس بروث الحمير و اغسل أبوالها» «3».

و قد عارض ما ذكرناه رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن أبوال الدواب و البغال و الحمير فقال: «اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسله كله» «4» فخلص من هذا تطابق أخبارنا على طهارة الروث و تصادمهما على البول فيقضى بالكراهية عملا بالروايتين، و لان تعارض النقل يثمر الطهارة لوجهين:

أحدهما: ان الأصل الطهارة فيكون طرفها أرجح.

الثاني: ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر» «5».

و بول الجلال و ذرقه نجس لان لحمه حرام حتى يزول الجلل فيكون رجيعه نجسا.

أما تحريم لحمه فسيأتي. و أما انه إذا كان حراما كان رجيعه نجسا، فقد سلف قال الشيخان في النهاية و المقنعة عرق الإبل الجلالة نجس يغسل منه الثوب. و قال سلار غسله ندب، و هو مذهب من خالفنا.

و ربما يحتج الشيخ برواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل لحوم الإبل الجلالة و ان أصابك من عرقها فاغسله» «6» و استناد سلار الى الأصل و انه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 8.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 1.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 6.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 37 ح 4.

(6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 15 ح 1.

414
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: المني نجس من الآدمي و غيره ؛ ج‌1، ص : 415

يجري مجرى عرق الحيوانات الطاهرة، و ان لم يؤكل لحمها كعرق السنور، و النمر، و الفهد. و تحمل الرواية على الاستحباب.

قال الشيخ: عرق الجنب من الحرام حرام نجس لا يجوز الصلاة فيه، و استدل بإجماع الفرقة و أخبارهم، و بمعناه قال المفيد في المقنعة و قال في المبسوط: يجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض أصحابنا، فالشيخ على ما تراه متردد في دلالته، فالقول بالطهارة أولى، و به قال سلار. أما الحائض، و النفساء، و المستحاضة، و الجنب من الحلال فاذا خلا الثوب من عين النجاسة فلا بأس بعرقهم إجماعا.

مسئلة: المني نجس من الآدمي و غيره

الذكر و الأنثى، و به قال أبو حنيفة.

و في مني ما لا نفس له تردد أشبهه الطهارة. و قال الشافعي مني الآدمي خاصة طاهر، و فيما عداه من الحيوانات الطاهرة قولان، و عن أحمد روايتان:

لنا ما رواه عمار عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «انما يغسل الثوب من المني و الدم و البول». و عن عائشة انه صلى اللّه عليه و آله قال: «ان كان رطبا فاغسليه و ان كان يابسا فافركيه» و الأمر للوجوب.

و من طريق الأصحاب ما رواه ابن أبي يعفور و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المني يصيب الثوب فقال: «ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي مكانه فاغسله كله» «1». و مثل هذا رواه الجمهور عن عمر و أنس و أبي هريرة و روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه «ذكر المني فشدده و جعله أشد من البول» «2». و لأنه مستحيل عن الدم، و الاستحالة عند الشافعي لا تطهر.

و احتج الشافعي برواية عن عائشة كنت أفرك المني من ثوب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 2.

415
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: المني نجس من الآدمي و غيره ؛ ج‌1، ص : 415

فيصلي فيه «1». و عن ابن عباس امسحه عنك بإذخرة أو خرقة و لا تغسله انما هو كالبراق [كالبصاق] «2»، و لأنه لو كان نجسا لما أجزأه الفرك، و لأنه بدء خلق آدمي فيكون طاهرا.

و الجواب: لا نسلم ان الاجتزاء بالفرك ينافي التنجيس، لجواز اختصاصه في الإزالة بهذه الكيفية، ثمَّ يمكن أن يفركه و يغسله و ليس في لفظها تصريح بعدم غسله، ثمَّ يمكن أن يكون ذلك اخبارا عن فعلها و فعلها ليس حجة لجواز أن لا يعلمه النبي صلى اللّه عليه و آله و خبر ابن عباس يدل على النجاسة لإيجابه اماطته و يبقى الخلاف في هذه الكيفية، فلعلها رأي رآه فلا يجب متابعته و تشبيهه بالبراق لا يدل على الطهارة، بل لعله أراد التنبيه على خفة حكمه و لا يلزم من التشبيه عموم التشبيه. و قوله لو كان نجسا لما أجزء الفرك. قلنا لو نسلم لا بد لهذا من دليلا، فان استراح الى استقراء النجاسات لم يعتد الاستقراء اليقين، و ان قال الماء مطهر و الفرك غير مطهر، منعناه فان طالب بالدليل أحلناه على خبره الذي احتج به على انا نلتزم انه لا يجزي الفرك و نوجب مع الفرك الغسل أو الغسل المغني عن الفرك.

أما قولهم بدو خلق آدمي فكلام حق، لكن لا يكفي حتى يقول و بدو خلق آدمي يجب أن يكون طاهرا، فان قاله و قاس على الطين، قلنا لم يكن الطين طاهرا لكونه بدء خلق بل ما المانع أن يكون طهارته لا لذلك، و الاتفاقيات لا تقتضي العلية و أيضا فإن النطفة تنتقل علقة و هي عنده نجسة، و يتكون منه الآدمي، و طهارة ما يكون أقرب الى تصوير الآدمي أولى مما بعد، و لأن الإنسان بعد بلوغه درجة الكمال يتم نشوه باغتذاء الدم النجس، و بالجملة فإن العلقة تزيل متعلقهم، مع إقراره بنجاستها فما تعلقوا به ضعيف جدا.

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 416.

(2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 418.

416
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: المذي و هو الذي يخرج عقيب الملاعبة و الملامسة، و الودي بالدال المهملة الساكنة و هو الذي يخرج عقيب البول طاهران ؛ ج‌1، ص : 417

مسئلة: المذي و هو الذي يخرج عقيب الملاعبة و الملامسة، و الودي بالدال المهملة الساكنة و هو الذي يخرج عقيب البول طاهران

، سواء خرجا مع شهوة أو بغير شهوة، إذا كان رأس الإحليل طاهرا، و هو مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد، فإنه قال بنجاسة ما ينقض الوضوء، و فسره بما يخرج جاريا عقيب شهوة.

و قال الشافعي و أبو حنيفة: بنجاستهما. و عن أحمد روايتان. و قال ابن بابويه المذي ما يخرج قبل المني، و الوذي ما يخرج بعده، و الودي ما يخرج بعد البول و لا يغسل الثوب من شي‌ء من ذلك، و لا الجسد، الا المني. و في رواية ابن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «المني هو الذي تسترخي له العظام و يفتر منه الجسد و فيه الغسل، و أما المذي يخرج من الشهوة، و الودي من بعد البول، و الوذي من الأدواء و لا شي‌ء فيه» «1».

و بالجملة كيف كان ذلك فهو عندنا طاهر كالبصاق. لنا ما رواه أحمد عن ابن عباس قال هو عندي بمنزلة البصاق. و ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال «انما يغسل الثوب من البول و الدم و المني»، و انما للحصر.

و من طريق الأصحاب ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان عليا عليه السّلام أمر المقداد أن يسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن المذي فقال «ليس بشي‌ء» «2».

و ما رواه زرارة و زيد الشحام و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا ينتقض به الوضوء انما ذلك بمنزلة النخامة» «3».

و ما رواه محمد بن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 6.

(2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 7.

(3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 2.

417
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 418

قال: «ليس في المذي من الشهوة و لا من الإنعاظ و لا من القبلة و لا من مس الفرج و لا من المضاجعة وضوء و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد» «1» و لأن الأصل في الأشياء الطهارة، و النجاسة موقوف على الدليل.

و احتج الخصم بأن النبي صلى اللّه عليه و آله أمر بغسل الذكر منه «2»، و لأنه عليه السّلام قال لسهل ابن حنيف «يجزيك منه الوضوء». قلت فكيف بما أصاب ثوبي منه فقال: «يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى انه أصاب منه» «3». و الجواب ان الغسل المأمور به على الاستحباب:

أما أولا، فلأنه لو كان نجسا لاشتهر لأنه مما يعم به البلوى فلم يكن يخفى عن مثل ابن عباس و غيره من الصحابة و لا ينعكس علينا لأن الطهارة تستفاد من الأصل فلا تتوقف على الدلالة فيصح نقل مخالفها لأنها معارضة الأصل.

و أما ثانيا، فلما رويتم عن سهل بن حنيف أنه اجتزأ برشه بالماء و رش الماء يؤدي الى تكثير النجاسة، فلو كان نجسا يوجب غسل الذكر لما اجتزأ بالرش، و نحن فلا نمنع استحباب غسل الثوب منه تنزها و تنظيفا. و يدل على استحباب رشه ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن المذي يصيب الثوب قال: «ينضحه بالماء ان شاء» «4».

فروع

رطوبة فرج المرأة و رطوبة الدبر طاهرتان

إذا خلتا من استصحاب نجاسة، و كذا كل ما يخرج منهما عدا الجنابة و البول، و الغائط، و الدم عملا بمقتضى الأصل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 2.

(2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 410.

(3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 410.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 17 ح 1.

418
المعتبر في شرح المختصر1

رطوبة فرج المرأة و رطوبة الدبر طاهرتان ؛ ج‌1، ص : 418

قال: «ليس في المذي من الشهوة و لا من الإنعاظ و لا من القبلة و لا من مس الفرج و لا من المضاجعة وضوء و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد» «1» و لأن الأصل في الأشياء الطهارة، و النجاسة موقوف على الدليل.

و احتج الخصم بأن النبي صلى اللّه عليه و آله أمر بغسل الذكر منه «2»، و لأنه عليه السّلام قال لسهل ابن حنيف «يجزيك منه الوضوء». قلت فكيف بما أصاب ثوبي منه فقال: «يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى انه أصاب منه» «3». و الجواب ان الغسل المأمور به على الاستحباب:

أما أولا، فلأنه لو كان نجسا لاشتهر لأنه مما يعم به البلوى فلم يكن يخفى عن مثل ابن عباس و غيره من الصحابة و لا ينعكس علينا لأن الطهارة تستفاد من الأصل فلا تتوقف على الدلالة فيصح نقل مخالفها لأنها معارضة الأصل.

و أما ثانيا، فلما رويتم عن سهل بن حنيف أنه اجتزأ برشه بالماء و رش الماء يؤدي الى تكثير النجاسة، فلو كان نجسا يوجب غسل الذكر لما اجتزأ بالرش، و نحن فلا نمنع استحباب غسل الثوب منه تنزها و تنظيفا. و يدل على استحباب رشه ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن المذي يصيب الثوب قال: «ينضحه بالماء ان شاء» «4».

فروع

رطوبة فرج المرأة و رطوبة الدبر طاهرتان

إذا خلتا من استصحاب نجاسة، و كذا كل ما يخرج منهما عدا الجنابة و البول، و الغائط، و الدم عملا بمقتضى الأصل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 2.

(2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 410.

(3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 410.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 17 ح 1.

418
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: القي‌ء، و القلس، و النخامة، و كل ما يخرج من المعدة إلى الفم، أو ينزل من الرأس، طاهر ؛ ج‌1، ص : 419

في الطهارة. و قال أبو حنيفة بنجاسة الجميع، و كذا الشافعي، و تردد في رطوبة الفرج. و قد أسفلنا حجتنا.

و قولهم خرج من مجرى النجاسة، ليس بشي‌ء، لأن النجاسة لا يظهر حكمها الا بعد خروجها عن المجرى، أما المجرى فلا ينجس بها.

و قولهم خارج له مقر يستحيل فيه فيكون نجسا، قياس ضعيف لأنا لا نسلم أن له مقرا يستحيل فيه بل لم لا يكون كالدمع و العرق، سلمنا ان له مقرا يستحيل فيه، لكن لم قلتم ان ذلك علة النجاسة، و المناسبة و غلبة الظن لا تفيد اليقين بثبوت العلية، فان قاسوه على الغائط، قلنا الغائط يختص بمزية استقذار، و كما يجوز أن يكون الحكم مستندا الى المشترك يجوز أن يستند الى الفارق أو الى مجموعهما أو إليهما مع ثالث.

الثاني: القي‌ء، و القلس، و النخامة، و كل ما يخرج من المعدة إلى الفم، أو ينزل من الرأس، طاهر

عدا الدم. و قال في المبسوط: القي‌ء طاهر. و قال بعض أصحابنا: نجس. قال و الصديد، و القيح حكمهما حكم القي‌ء.

و عندي في الصديد تردد، أشبهه النجاسة، لأنه ماء الجرح يخالطه يسير دم، و لو خلا من ذلك لم يكن نجسا، و خلافنا مع الشيخ يئول إلى العبارة، لأنه يوافق على هذا التفصيل، أما القبح فان مازجه دم نجس بالممازج، و ان خلا من الدم كان طاهرا.

و لا يقال هو مستحيل من الدم، لأنا نقول لا نسلم ان كل مستحيل من الدم لا يكون طاهرا كاللحم و اللبن، و حجتنا في الطهارة و جوابنا كما تقدم اما ما عدا ذلك، كالعرق، و البصاق، و الدموع فقد اتفق الجميع على طهارته من الإنسان.

الثالث: كلما قلنا هو طاهر من الإنسان أو نجس فهو من الحيوان الطاهر المأكول اللحم كذلك

، و من الحيوان النجس كله نجس، و من الحيوان الطاهر‌

419
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الميتات مما له نفس سائلة نجسة ؛ ج‌1، ص : 420

الذي ليس بمأكول بوله، و روثه، و دمه، و منيّه نجس. أما ما عدا ذلك من فضلاته، فالذي يقتضيه المذهب طهارتها لأنها مترشحة من بدن طاهر، و لأنا قد بينا طهارة سؤرها فيكون لعابها طاهرا و قد سلف ذلك في أبواب المياه.

مسئلة: الميتات مما له نفس سائلة نجسة

و هو إجماع الناس، و الخلاف في الآدمي و علماؤنا مطبقون على نجاسته نجاسة عينية، كغيره من ذوات الأنفس السائلة. و قال الشافعي في الأصح عندهم، هو طاهر تكرمة له، و لأنه لو كان نجس العين لما طهر بالغسل.

و نحن فلا نسلّم ان كرامته توجب طهارته بعد الموت بل لم لا يكفي في كرامته طهارته بالغسل، أو مجازاته بالإحسان في الآخرة و لا استبعاد في طهارة عينه بالغسل كما لا استبعاد في طهارة عين الخمر النجسة بالانقلاب، لان التطهر من النجاسة يختلف بحسب دلالة الشرع كما طهرنا الجنابة بالفرك و لم يطهر العذرة و لا الدم.

مسئلة: الدم كله نجس، عدا دم ما لا نفس له سائلة

قليله و كثيره، و هو مذهب علمائنا، عدا ابن الجنيد، فإنه قال: إذا كانت سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الإبهام الا على لم ينجس الثوب.

لنا قوله عليه السّلام: «انما يغسل الثوب من البول و الغائط و المني و الدم». و انما للحصر و لم ترد حصر الجواز، و لا الاستحباب، فتعين انه أراد حصر الوجوب، و كأنه قال لا يجب غسل الثوب الا من هذه.

و من طريق الأصحاب ما روى حبيب الأسدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول في الرجل يرعف و هو على وضوء قال: «يغسل آثار الدم و يصلي» «1».

و عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم فينسى‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 7 ح 7.

420
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: دم السمك طاهر لا يجب ازالته عن الثوب و البدن ؛ ج‌1، ص : 421

أن يغسله و يصلي قال: «يغسله و لا يعيد الصلاة» «1». و ما ذهب اليه ابن الجنيد ضعيف، لان كثير الدم نجس و ما نجس كثيره فقليله نجس.

و يؤيد ما روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كل الطيور يتوضأ مما تشرب منه فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «2» و الذي على منقاره يقصر عن الدرهم.

فان احتج بما روي عن عائشة انها قالت: كان لاحدانا الدرع نرى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها، و في رواية نبلّه بريقها ثمَّ نقصعه بظفرها و لو كان نجسا لكان بلّه بالريق تكثيرا له لان الريق ليس بمطهر.

و من طريق الأصحاب ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: حككت جلدي فخرج منه دم فقال: «ان اجتمع قدر حمصة فاغسله و الا فلا» «3».

و الجواب لا نسلّم دلالة ما ذكرته على موضع النزاع لأن قصعة بالظفر لا يقتضي الاقتصار عليه، فلعلها بعد ذلك تغسله، و خلو الرواية عن ذكر الغسل لا يدل على عدمه، و كذا قوله بلّته بريقها، لان ذلك توصل إلى إزالة ما تلجج بالثوب من عين الدم، و كذا القول في الخبر الأخر فإن الاذن في ترك غسله، لا يدل على طهارته، و ان جاز استصحابه في الصلاة. و أما ذكر الحمصة، فتأكيد في الأمر بالغسل و الوجوب يتعلق بالدرهم سعة على أنه مخالف لما قدره، و سيأتي تحقيق ذلك.

مسئلة: دم السمك طاهر لا يجب ازالته عن الثوب و البدن

تفاحش أو لم يتفاحش، و هو مذهب علمائنا أجمع، و كذا كل دم ليس لحيوانه نفس سائلة كالبق و البراغيث، و به قال أبو حنيفة و قال الشافعي في الكل بالنجاسة.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 1.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 5.

421
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: العلقة التي يستحيل إليها نطفة الآدمي نجسة ؛ ج‌1، ص : 422

لنا لو كان نجسا لنجس بموته الماء القليل لأنه يتفسخ فيه لكن لا ينجس الماء فيكون طاهرا، و لان دم السمك لو كان نجسا لوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح كحيوان البر، لكن الإجماع على خلاف ذلك فإنه يجوز أكله بدمه.

و يؤيده من طريق الأصحاب ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في دم البراغيث قال: «ليس به بأس» قلت: انه يكثر و يتفاحش قال «و ان كثر» «1». و عن محمد بن الريان كتبت الى الرجل هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث و هل يقاس على نحو هذا فوقع عليه السّلام «يجوز الصلاة و الطهر منه أفضل» «2».

و عن السكوني عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب يصلي فيه الرجل «3» يعني دم السمك، و لان التحرز من دم البق و البراغيث متعذر فيسقط اعتبار الطهارة منه رفعا للحرج، و لان عمل المسلمين كلهم على الصلاة فيه و استقراء أحوال الناس تحقق ذلك إذ التخلص منه غير ممكن.

مسئلة: العلقة التي يستحيل إليها نطفة الآدمي نجسة

، قاله الشيخ في الخلاف و استدل بإجماع الفرقة. لنا انها دم حيوان له نفس فتكون نجسة، و كذا العلقة التي توجد في بيضة الدجاج و شبهه.

مسئلة: الخمر نجسة العين،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم، و الشافعي و أبي حنيفة و أكثر أهل العلم. و قال محمد بن بابويه و ابن أبي عقيل منا: ليست نجسة، و تصح الصلاة مع حصولها في الثوب و ان كانت محرمة.

لنا قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «4». و الآية دالة من وجهين:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 23 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 23 ح 3.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 23 ح 2.

(4) سورة المائدة: 90.

422
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الخمر نجسة العين، ؛ ج‌1، ص : 422

أحدهما: ان الوصف بالرجاسة وصف بالنجاسة لترادفهما في الدلالة.

و الثاني: انه أمر بالاجتناب، و هو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب لجميع الأنواع لأن معنى اجتنابها، كونه في جانب غير جانبها.

و يؤيد ما قلناه ما رواه الأصحاب عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و لا يصلى في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل» «1». و روى محمد بن عيسى عن يونس عن بعض ما رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فأعد صلاتك» «2». و روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قدح يشرب فيه الخمر قال:

«يغسل ثلاث مرات» «3» و قال «لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات».

و قد استدل من قال بطهارتها، بما رواه الحسن بن أبي سارة قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان أصاب ثوبي شي‌ء من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله قال: «لا بأس ان الثوب لا يسكر» «4». و ما رواه الحسين بن موسى الخياط قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشرب الخمر ثمَّ يمسحه من فيه فيصيب ثوبي قال: «لا بأس» «5».

و الجواب عما احتجوا به ان مع التعارض يكون الترجيح لما طابق القرآن أما لان شرط العمل بالحديث مطابقة القرآن، و اما لان اطراح ما طابقه يلزم منه مخالفة دليلين.

ثمَّ الوجه ان الاخبار المشار إليها من الطرفين ضعيفة، أما الأول فعن عمار بن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 7.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 3.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 53 ح 1.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 10.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 39 ح 2.

423
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الخمر نجسة العين، ؛ ج‌1، ص : 422

موسى الساباطي و هو فطحي، و الثاني عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله و هذا السند طعن فيه ابن الوليد، و ابن أبي سارة لا يقوى بانفراده حجة، و الخبر الرابع ليس بصريح في موضع النزاع، و ما عدا هذه الاخبار مثلها في الضعف.

و ما صح منها غير دال على موضع النزاع، لان الخبر الدال على المنع مما يقع فيه الخمر من طبيخ أو عجين يحتمل أن يكون المنع منه لا لنجاسته بل لتحريمه فاذا مازج المحلل حرمه، كما لو وقع في القدر دهن من حيوان محرم، فانا نمنع منه لتحريمه لا لنجاسته. و الاستدلال بالاية عليه، فيه إشكالات لكن مع اختلاف الأصحاب و الأحاديث يؤخذ بالأحوط في الدين.

و الأنبذة المسكرة عندنا في التنجيس كالخمر، لان المسكر خمر فيتناوله حكم الخمر. أما انه خمر لان الخمر انما سمي بذلك لكونه يخمر العقل و يستره فما ساواه في المسمى يساويه في الاسم، و لما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: «ان اللّه سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها» «1»، و ما كان عاقبته الخمر فهو خمر.

و روى عطاء بن يسار عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

«كل مسكر حرام و كل مسكر خمر» «2». و مثله روى نافع عن ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. و في نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردد. أما التحريم فعليه إجماع فقهائنا ثمَّ منهم من اتبع التحريم النجاسة.

و الوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب الثلثان، و وقوف النجاسة على الاشتداد، أما الفقاع فقد قال الشيخ في المبسوط، و ألحق أصحابنا الفقاع بالخمر يعني في التنجيس، و هذا انفراد للطائفة.

______________________________
(1) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 19 ح 1.

(2) بحار الأنوار ج 63 كتاب السماء و العالم ص 487 ح 18 مع تفاوت في الراوي

424
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: اضطرب قول الأصحاب في الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة ؛ ج‌1، ص : 425

و يمكن أن يقال الفقاع خمر فيلحقه أحكامه، أما انه خمر فلما ذكره علم الهدى قال: قال أحمد: حدثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي عن ضمرة قال: «الغبيراء التي نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عنها هي الفقاع»، قال و عن أبي هاشم الواسطي «الفقاع نبيذ الشعير فاذا نش فهو خمر»، قال و عن يزيد بن أسلم «الغبيراء التي نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عنها هي الاسكركة». و عن أبي موسى انه قال «الاسكركة خمر الحبشة».

و من طريق الأصحاب ما رواه سليم بن جعفر قلت للرضا عليه السّلام ما تقول في شرب الفقاع فقال: «هو خمر مجهول» «1» و عن الوشاء قال: كتبت إليه يعني الرضا عليه السّلام أسأله عن الفقاع فقال: «حرام و هو خمر» «2». و عنه عن علي عليه السّلام قال: «هي خمرة استصغرها الناس» «3».

قال ابن الجنيد و تحريمه من جهة نشيشه و من ضراوة إنائه إذا كرر فيه العمل.

لا يقال الخمر من الستر، و هو ستر العقل و لا ستر في الفقاع، لأنا نقول التسمية ثابتة شرعا و التجوز على خلاف الأصل فيكون حقيقة في المشترك، و هو مائع حرم لنشيشه و غليانه، و إذا أثبت أن الفقاع خمر و قد بينا حكم الخمر فاطلب حكم الفقاع هناك.

مسئلة: اضطرب قول الأصحاب في الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة.

فقال علم الهدى: لا بأس بأسآر جميع حشرات الأرض و سباع ذوات الأربع الا أن يكون كلبا أو خنزيرا. و هذا يدل على طهارة ما عدا هذين و يدخل فيه الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة.

و مثله قال الشيخ في المبسوط في باب المياه. و طهارة السؤر دليل طهارة العين. و قال في موضع من النهاية بنجاسة هذه الحيوانات. و قال في المبسوط في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 5.

(2) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 28 ح 1.

(3) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 28 ح 1.

425
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: اضطرب قول الأصحاب في الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة ؛ ج‌1، ص : 425

لباس المصلي: و لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون فوق وبر الأرانب و الثعالب و لا في الذي تحته قال: و هو عندي على الكراهية، الا أن يكون أحدهما رطبا، لان ما يكون يابسا لا تتعدى نجاسته الى غيره. و هذا يدل على حكمه بالنجاسة.

و قال علم الهدى في المصباح: و لا يجوز الصلاة في جلود ما خص بالنجاسة كالكلب و الخنزير و الأرنب، فقد تحقق ما قلنا من الاضطراب و الكراهية أظهر.

لنا ان الطهارة هي مقتضى الأصل و النجاسة موقوفة على الدليل، و مع عدمه تكون الطهارة ثابتة، و لأن طهارة السؤر دليل طهارة العين و قد بيّنا طهارة سؤر ما عدا الكلب و الخنزير في باب المياه، و لان وقوع الزكاة عليها دليل على طهارتها لأن نجاسة العين تمنع ظهور أثر الذكاة إجماعا. و يدل على وقوع الذكاة عليها ما رواه علي بن راشد قلت لأبي جعفر عليه السّلام الثعالب يصلى فيها فقال: «لا، و لكن يلبس بعد الصلاة» «1» و جواز لبسها دليل على وقوع الذكاة، إذ الميتة لا يجوز استعمال شي‌ء منها.

فان استدلوا على الفأرة بما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب يصلي فيها قال:

«اغسل ما رأيت من أثرها و ما لم تره فانضحه بالماء» «2». و على الثعلب بما رواه محمد ابن عيسى عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته: هل يجوز أن يمس الثعلب و الأرنب أو شي‌ء من السباع حيا و ميتا قال: «لا يضره و لكن يغسل يده» «3».

و الجواب: أما خبر الفأرة فيعارضه ما رواه الحسين بن سعيد عن علي بن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلى باب 7 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 33 ح 2.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 34 ح 3.

426
المعتبر في شرح المختصر1

«أحكام النجاسات» ؛ ج‌1، ص : 427

النعمان عن سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت ثمَّ يخرج منه حيا فقال: «لا بأس بأكله» «1» و من البيّن استحالة أن ينجس الجامد و لا ينجس المائع و لو ارتكب هذا مرتكب لم يكن له في الفهم نصيب.

و أما خبر الثعلب فضعيف السند، كذا ذكر ابن بابويه عن ابن الوليد قال ما يرويه محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله لا يعمل به و ما هذا حاله لا يكون حجة.

و أما الوزغة فقد أجمع فقهاؤنا و أكثر علماء الجمهور ان ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء بموته، و ما لا ينجس بموته لا ينجس بملاقاته فاذا الأمر بالغسل هنا أو النضح محمول على التنزه لا على الوجوب.

«أحكام النجاسات»

مسئلة: كل النجاسات يجب ازالة قليلها و كثيرها عدا الدم، فان فيه تفصيلا سيأتي.

و قال أبو حنيفة في المغلظة كالبول، و الغائط، و الخمر يجب ازالة ما زاد على الدرهم، و يعفى عما دونه و في المخففة يعفى عما لم يتفاحش، و يجب ازالة ما تفاحش.

و قال الشافعي يجب ازالة قليل النجاسة و كثيرها عدا دم البق و البراغيث، فإنه يراعى فيه التفاحش. و قال ابن الجنيد يجب ازالة ما كان درهما فصاعدا في النجاسات كلها عدا المني و دم الحيض فإنه يجب إزالة قليله و كثيره.

لنا قوله تعالى وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ «2» و الأمر للوجوب و قوله عليه السّلام «تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه». و لأن طهارة البدن و الثوب شرط في صحة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 16 كتاب الأطعمة و الأشربة باب 45 ح 1.

(2) سورة المدثر: 4.

427
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: كل النجاسات يجب ازالة قليلها و كثيرها عدا الدم، فان فيه تفصيلا سيأتي ؛ ج‌1، ص : 427

النعمان عن سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت ثمَّ يخرج منه حيا فقال: «لا بأس بأكله» «1» و من البيّن استحالة أن ينجس الجامد و لا ينجس المائع و لو ارتكب هذا مرتكب لم يكن له في الفهم نصيب.

و أما خبر الثعلب فضعيف السند، كذا ذكر ابن بابويه عن ابن الوليد قال ما يرويه محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله لا يعمل به و ما هذا حاله لا يكون حجة.

و أما الوزغة فقد أجمع فقهاؤنا و أكثر علماء الجمهور ان ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء بموته، و ما لا ينجس بموته لا ينجس بملاقاته فاذا الأمر بالغسل هنا أو النضح محمول على التنزه لا على الوجوب.

«أحكام النجاسات»

مسئلة: كل النجاسات يجب ازالة قليلها و كثيرها عدا الدم، فان فيه تفصيلا سيأتي.

و قال أبو حنيفة في المغلظة كالبول، و الغائط، و الخمر يجب ازالة ما زاد على الدرهم، و يعفى عما دونه و في المخففة يعفى عما لم يتفاحش، و يجب ازالة ما تفاحش.

و قال الشافعي يجب ازالة قليل النجاسة و كثيرها عدا دم البق و البراغيث، فإنه يراعى فيه التفاحش. و قال ابن الجنيد يجب ازالة ما كان درهما فصاعدا في النجاسات كلها عدا المني و دم الحيض فإنه يجب إزالة قليله و كثيره.

لنا قوله تعالى وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ «2» و الأمر للوجوب و قوله عليه السّلام «تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه». و لأن طهارة البدن و الثوب شرط في صحة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 16 كتاب الأطعمة و الأشربة باب 45 ح 1.

(2) سورة المدثر: 4.

427
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الدماء النجسة أقسام ثلاثة: ؛ ج‌1، ص : 428

الصلاة و القليل منجس فيجب ازالته كالكثير و لان العفو عن النجاسة مستفاد من الدلالة، و حيث لا دلالة له فلا عفو.

و يؤيد ذلك الأحاديث الدالة على وجوب ازالة النجاسات على الإطلاق.

و أبو حنيفة قاس النجاسات تارة على الدم، و تارة على العفو عن موضع النجو و الوجهان ضعيفان.

أما الدم فقد يمكن أن يكون العفو عنه لعموم البلوى به فإن الإنسان لا يكاد يخلو منه أما بسبب حكمه أو بثرة أو غير ذلك، و لا كذا غيره من النجاسات فلا يلزم عن العفو فيه عما دون الدرهم العفو عن غيره، و كذا موضع النجاسة أمر يتكرر على الإنسان، و التمكن من الماء قد لا يتفق فاقتصر فيه على الاستنجاء و عفى عن أثر النجو تخفيفا، و لا يلزم من التخفيف هنا التخفيف في غيره لجواز أن يكون التخفيف لما يختص به موضع النجو من التكرار و عموم الابتلاء.

مسئلة: الدماء النجسة أقسام ثلاثة:

الأول: دم الحيض، قال الأصحاب يجب إزالته قليله و كثيره

، و روي ذلك عن أبي بصير قال «لا تعاد الصلاة من دم لا يبصره الا دم الحيض فإن قليله و كثيره في الثوب ان رآه و ان لم يره سواء» «1».

لا يقال الراوي له عن أبي بصير أبو سعيد، و هو ضعيف و الفتوى موقوفة على أبي بصير، و ليس قوله حجة، لأنا نقول الحجة عمل الأصحاب بمضمونه و قبولهم له، فإن أبا جعفر بن بابويه قاله و المرتضى و الشيخان و أتباعهما.

و يؤيد ذلك ان مقتضى الدليل وجوب ازالة قليل الدم و كثيره عملا بالأحاديث الدالة على ازالة الدم لقوله عليه السّلام لأسماء «حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء» «2»

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 21 ح 1.

(2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 406.

428
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: دم الحيض، قال الأصحاب يجب إزالته قليله و كثيره ؛ ج‌1، ص : 428

الصلاة و القليل منجس فيجب ازالته كالكثير و لان العفو عن النجاسة مستفاد من الدلالة، و حيث لا دلالة له فلا عفو.

و يؤيد ذلك الأحاديث الدالة على وجوب ازالة النجاسات على الإطلاق.

و أبو حنيفة قاس النجاسات تارة على الدم، و تارة على العفو عن موضع النجو و الوجهان ضعيفان.

أما الدم فقد يمكن أن يكون العفو عنه لعموم البلوى به فإن الإنسان لا يكاد يخلو منه أما بسبب حكمه أو بثرة أو غير ذلك، و لا كذا غيره من النجاسات فلا يلزم عن العفو فيه عما دون الدرهم العفو عن غيره، و كذا موضع النجاسة أمر يتكرر على الإنسان، و التمكن من الماء قد لا يتفق فاقتصر فيه على الاستنجاء و عفى عن أثر النجو تخفيفا، و لا يلزم من التخفيف هنا التخفيف في غيره لجواز أن يكون التخفيف لما يختص به موضع النجو من التكرار و عموم الابتلاء.

مسئلة: الدماء النجسة أقسام ثلاثة:

الأول: دم الحيض، قال الأصحاب يجب إزالته قليله و كثيره

، و روي ذلك عن أبي بصير قال «لا تعاد الصلاة من دم لا يبصره الا دم الحيض فإن قليله و كثيره في الثوب ان رآه و ان لم يره سواء» «1».

لا يقال الراوي له عن أبي بصير أبو سعيد، و هو ضعيف و الفتوى موقوفة على أبي بصير، و ليس قوله حجة، لأنا نقول الحجة عمل الأصحاب بمضمونه و قبولهم له، فإن أبا جعفر بن بابويه قاله و المرتضى و الشيخان و أتباعهما.

و يؤيد ذلك ان مقتضى الدليل وجوب ازالة قليل الدم و كثيره عملا بالأحاديث الدالة على ازالة الدم لقوله عليه السّلام لأسماء «حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء» «2»

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 21 ح 1.

(2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 406.

428
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: دم القروح اللازمة و الجروح الدامية فإنهما لا يجب ازالته ؛ ج‌1، ص : 429

و ما رواه سورة بن كليب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض قال: «يغسل ما أصاب ثيابها من الدم» «1». لكن ترك العمل بذلك في بعض الدماء لوجود المعارض فلا يجب العمل به في الباقي.

و ألحق الشيخ رحمه اللّه به دم الاستحاضة، و النفاس، و لعله نظر الى تغليظ نجاسته، لأنه يوجب الغسل و اختصاصه بهذه المزية يدل على قوة نجاسته على باقي الدماء فغلظ حكمه في الإزالة. و ألحق بعض فقهاء قم منا دم الكلب و الخنزير و لم يعطنا العلة و لعله نظر الى ملاقاته جسدهما و نجاسة جسدهما غير معفو عنه.

الثاني: دم القروح اللازمة و الجروح الدامية فإنهما لا يجب ازالته

و ان كثر و يصلى فيه حتى يرقى، فان انقطع اعتبر فيه سعة الدرهم لزوال الجرح في إزالته.

و الوجه في ذلك انه لو وجب ازالته جاريا لما انفك المكلف متشاغلا به، لان التقدير استمراره فيعفى عنه دفعا للحرج.

و يؤيد ذلك روايات، منها رواية محمد بن مسلم عن أحدهما سألته عن الرجل يخرج به القروح، فلا تزال تدمى كيف يصلي فقال: «يصلي و ان كانت الدماء تسيل» «2» و ما روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قلت: ان قائدي أخبرني أنك تصلي و في ثوبك دم فقال: «بي دماميل و لست أغسل ثوبي حتى يبرئ» «3» و كذا لو تعاقب جريانها بحيث لا يتسع فتراتها لأداء الفريضة.

الثالث: ما عدا هذين من الدماء المسفوحة مثل دم الفصاد و الذبيحة فإنه لا يجب ازالة ما نقص منه عن سعة الدرهم

اتفاقا منا، و يجب ازالة ما زاد عن الدرهم.

و في وجوب ازالة ما كان درهما روايتان، و الدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 28 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 22 ح 4.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 22 ح 1.

429
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و ان كان هذا الدم مفترقا و لو جمع كان درهما فصاعدا هل يجب ازالته، قال الشيخ في النهاية لا يجب ازالته ؛ ج‌1، ص : 430

و ثلث، و سمي البغلي نسبته إلى قرية بالجامعين.

و قال ابن أبي عقيل: ما كان بسعة الدينار. و قال ابن الجنيد: ما كان سعته سعة العقد الأعلى من الإبهام. و الكل متقارب، و التفسير الأول أشهر.

أما الرواية الموجبة للإزالة فرواية جميل عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا بأس أن يصلي في الثوب و فيه الدم متفرقا و ان كان رآه ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» «1».

و الرواية الأخرى عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام في الدم يكون في الثوب قال: «ان كان أقل من الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان أكثر من قدر الدرهم و رآه فلم يغسله و صلى فليعد صلاته» «2». و الوجه وجوب ازالة ما بلغ درهما.

أما أولا: فلأن مقتضى الدليل وجوب ازالة قليل النجاسة و كثيرها لقوله عليه السّلام «انما يغسل الثوب من البول و الغائط و المني و الدم». و هذا اللفظ بإطلاقه يقتضي وجوب ازالة الدم كيف كان فيترك منه ما وقع الاتفاق على العفو عنه، و هو ما دون الدرهم.

و أما ثانيا: فقد روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم» «3». و لا يعارض ذلك ما روي عن عمر و أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «من صلى و على ثوبه أكثر من قدر الدرهم أعاد». لأنا نساعد على ذلك إذ ليس بمناف لخبرنا فنحن نقول بموجبهما.

مسئلة: و ان كان هذا الدم مفترقا و لو جمع كان درهما فصاعدا هل يجب ازالته، قال الشيخ في النهاية لا يجب ازالته

ما لم يتفاحش. و قال سلار يجب إزالته‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 2.

(3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 404.

430
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ليس للمتفاحش تقدير شرعي ؛ ج‌1، ص : 431

و تردد في المبسوط، ثمَّ أوجب ازالته احتياطا.

لنا ما رواه زياد بن أبي الجلال عن عبد اللّه بن أبي يعفور قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يصلي و في ثوبه نقط الدم ينسى أن يغسله فيصلي ثمَّ يذكر قال: «يغسله و لا يعيد صلاته الا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد صلاته» «1». و الرواية صحيحة سليمة عن المعارض، و لان الوجه المقتضي للعفو عن يسير الدم مقتض للعفو عنه هاهنا.

فرع ليس للمتفاحش تقدير شرعي

و قد اختلف قول الفقهاء فيه، فبعض قدره بالشبر و بعض بما تفحش في القلب، و قدره أبو حنيفة بربع الثوب، و الوجه ان المرجع فيه الى العادة لأنها كالأمارة الدالة على المراد باللفظ إذا لم يكن له تقدير شرعا و لا وضعا.

مسئلة: قال الشيخان في النهاية و الخلاف و المقنعة و المبسوط: طهارة ثياب المصلي و جسده و موضع سجوده شرطا لصحة الصلاة

، و زاد أبو الصلاح موضع المساجد السبعة، و زاد علم الهدى مصلاه أجمع و هو مذهب الشافعي. و حكي عن ابن عباس، و ابن مسعود، و ابن أبي مخلد، و ابن جبير ان ذلك ليس شرطا. و قال ابن عباس: ليس على ثوب جنابة و نحر ابن مسعود جزورا فأصابه فرثه و دمه فصلى و لم يزله و سأل ابن جبير عمن صلى و في ثوبه أذى فقال: «اقرء عليّ الآية التي فيها غسل الثياب».

لنا على وجوب طهارة الثياب إجماع العلماء فان خلاف المذكورين منقرض و ما روي عن أسماء قالت سمعت امرأة تسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كيف تصنع إحدانا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 1.

431
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال الشيخان في النهاية و الخلاف و المقنعة و المبسوط: طهارة ثياب المصلي و جسده و موضع سجوده شرطا لصحة الصلاة ؛ ج‌1، ص : 431

و تردد في المبسوط، ثمَّ أوجب ازالته احتياطا.

لنا ما رواه زياد بن أبي الجلال عن عبد اللّه بن أبي يعفور قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يصلي و في ثوبه نقط الدم ينسى أن يغسله فيصلي ثمَّ يذكر قال: «يغسله و لا يعيد صلاته الا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد صلاته» «1». و الرواية صحيحة سليمة عن المعارض، و لان الوجه المقتضي للعفو عن يسير الدم مقتض للعفو عنه هاهنا.

فرع ليس للمتفاحش تقدير شرعي

و قد اختلف قول الفقهاء فيه، فبعض قدره بالشبر و بعض بما تفحش في القلب، و قدره أبو حنيفة بربع الثوب، و الوجه ان المرجع فيه الى العادة لأنها كالأمارة الدالة على المراد باللفظ إذا لم يكن له تقدير شرعا و لا وضعا.

مسئلة: قال الشيخان في النهاية و الخلاف و المقنعة و المبسوط: طهارة ثياب المصلي و جسده و موضع سجوده شرطا لصحة الصلاة

، و زاد أبو الصلاح موضع المساجد السبعة، و زاد علم الهدى مصلاه أجمع و هو مذهب الشافعي. و حكي عن ابن عباس، و ابن مسعود، و ابن أبي مخلد، و ابن جبير ان ذلك ليس شرطا. و قال ابن عباس: ليس على ثوب جنابة و نحر ابن مسعود جزورا فأصابه فرثه و دمه فصلى و لم يزله و سأل ابن جبير عمن صلى و في ثوبه أذى فقال: «اقرء عليّ الآية التي فيها غسل الثياب».

لنا على وجوب طهارة الثياب إجماع العلماء فان خلاف المذكورين منقرض و ما روي عن أسماء قالت سمعت امرأة تسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كيف تصنع إحدانا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 1.

431
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو كان طرف ثوبه متصلا بنجاسة لم يمنع ذلك من الصلاة ؛ ج‌1، ص : 432

بثوبها إذا رأت الطهر أ تصلي فيه؟ قال: «ان رأت فيه دما فلتقرضه بشي‌ء من ماء و لتنضح ما لم تره و لتصل فيه» «1». و قال عليه السّلام «تنزهوا من البول». و قال عليه السّلام «انما يغسل الثوب من البول و الدم و المني».

و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ذكر المني فشدده» و قال «ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة و ان نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صليت فيه ثمَّ رأيته بعد فلا اعادة عليك و كذلك البول» «2». و عن أبي بصير عنه عليه السّلام قال: «ان أصاب ثوب الرجل الدم و علم قبل أن يصلي فيه و نسي و صلى فيه فعليه الإعادة» «3».

فرع لو كان طرف ثوبه متصلا بنجاسة لم يمنع ذلك من الصلاة

الا أن يكون لو قام أقلها من الأرض و لا عبرة بحركتها لحركته، و هي على الأرض متصلة بثوبه، و لا تبطل صلاته باتصال ما هو حامل له بالنجاسة إذا لم يكن حاملا لها، سواء كانت النجاسة خفيفة أو ثقيلة، لأنه لا عبرة بما خرج عن جسد المصلي و ثوبه الذي عليه.

و يدل على اعتبار طهارة الجسد إجماع العلماء أيضا. و قوله عليه السّلام للمستحاضة «اغسلي عنك الدم و صلي» «4».

و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن الكلب يصيب جسد الرجل قال: «يغسل الموضع الذي أصابه» «5». و عنه‌

______________________________
(1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 85 (مع اختلاف يسير).

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 2.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 40 ح 7.

(4) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 402.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 12 ح 8.

432
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو كان طرف ثوبه متصلا بنجاسة لم يمنع ذلك من الصلاة ؛ ج‌1، ص : 432

عليه السّلام قال: «إذا أصاب البول الجسد يصب عليه مرتين» «1».

و يدل على اعتبار طهارة موضع السجود اتفاق العلماء، فان كل من اعتبر الطهارة في الصلاة، اعتبر طهارة موضع السجود و ان اختلفوا فيما عداه. و أما مسقط الجسد فالأظهر انه ليس بشرط بتقدير ألا يتعدى نجاسته الى ثوب المصلي، و لا بدنه و ان كان مستحبا، لأن الأصل عدم الاشتراط.

و يدل عليه قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «2» الاية، فاشترط الوضوء و لم يشترط الزيادة فيكون منفيا لعدم ما يدل عليه. و قوله عليه السّلام «جعلت لي الأرض مسجدا أينما أدركتك الصلاة فصل» «3» و يؤيد ما قلناه ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد سأل عن الشاذكونة يصلى عليها و قد أصابتها الجنابة فقال:

«لا بأس» «4».

و قد استدلوا على اعتبار طهارة المكان بنهيه عليه السّلام «عن الصلاة في المجزرة و المزبلة و الحمامات و هي مواطن النجاسات» «5» فالنهي عن الصلاة فيها دلالة اعتبار طهارة موضع الصلاة و بأنه عليه السّلام «خلع نعليه في الصلاة حين أخبره جبرئيل ان فيهما قذرا» «6».

و جوابه لم لا يجوز اختصاص النهي بهذه الأمكنة لا لعلة، سلمنا انه معلل لكن لم لا يكون العلة ما يختص به مما ليس موجودا في غيرها، و ظاهر انه كذلك لأن الصلاة تعظيم للّه سبحانه و اقتراب منه، و هذه المواطن مستخبثة مستقذرة دالة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 3.

(2) سورة المائدة: 6.

(3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 433.

(4) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلى باب 38 ح 4.

(5) سنن ابن ماجه ج 1 ص 246.

(6) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 404.

433
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ان قلنا طهارة المكان شرط فلو وضع عليه شيئا طاهرا جاز ؛ ج‌1، ص : 434

على مهانة نفس من يستقر بها، و إذا اختصت بمزية الاستقذار و الاستهانة لم يلزم من المنع من الصلاة بها المنع من غيرها مما لا ينتهي في الاستقذار الى حدها، و لان الحمام لا يحرم الصلاة فيه بل يكره فلا يلزم من كراهية لما يتضمن من بدو العورات كراهية غيرها مما يتخلى من ذلك.

ثمَّ لم لا يكون النهي لكون هذه المواضع لا تخلو من نجاسة تتعدى الى المصلي أو لاحتمال ذلك فلا يتعدى النهي الى ما يؤمن تعديه. و أما خلعه عليه السّلام نعله فإنه حكاية فعل و لا يجب المتابعة إلا مع العلم بوجه الفعل و نحن لا نعلم فلعله فعل ذلك تنزها.

فرع ان قلنا طهارة المكان شرط فلو وضع عليه شيئا طاهرا جاز

و قد رواه عامر بن نعيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: المنازل التي ينزلها الناس في أبوال الدواب و السرجين و يدخلها اليهود و النصارى كيف يصنع بالصلاة فيها قال: «صلي على ثوبك» «1».

فرع آخر و لو كان طرف مصلاه نجسا خارجا عن مسقط جسده جاز

و كان كما لو اتصلت الأرض بموضع نجس.

مسئلة: كل ما لا يتم الصلاة فيه منفردا أ يجوز الصلاة فيه،

و ان كان نجسا كالتكة و الجورب و القلنسوة، ذكر ذلك الخمسة و أتباعهم و خالف الفقهاء في ذلك.

لنا ان الطهارة شرط في الصلاة فيكون مختصة بماله أثر فيها فلا يشترط في غيره عملا بالأصل السليم عن المعارض.

______________________________
(1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلى باب 22 ح 2.

434
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يغسل الثياب و البدن من البول مرتين ؛ ج‌1، ص : 435

و يؤيد ذلك ما رواه عبد اللّه بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه فلا بأس أن يصلي فيه و ان كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك» «1» و بمعناه روى زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. و ألحق ابن بابويه العمامة قال الراوندي منا يحمل على عمامة صغيرة كالعصابة لأنه لا يمكن ستر العورة بها.

مسئلة: يغسل الثياب و البدن من البول مرتين

الغسل يتضمن العصر و مع عدم العصر يكون صبا و البدن يجتزئ فيه بالصب مرتين و انما قيل في الأصل يغسل الثوب و البدن، لأنه جمع بينهما فاجتزء في إزالتهما بصفة ازالة أحدهما لأنه الا بلغ و يجري ذلك مجرى قول الشاعر: [علفتها تبنا و ماء باردا].

و هذا مذهب علمائنا رواه جماعة منهم الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السّلام قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: «يصب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء و عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين الأول الإزالة [للإزالة] و الثاني للإنقاء» «2».

و أما الفرق بين الثوب و البدن فلان البول يلاقي ظاهر البدن و لا يرسب فيه فيكفي صب الماء لأنه يزيل ما على ظاهره، و ليس كذلك الثوب لأن النجاسة ترسخ فيه فلا تزول الا بالعصر.

و قال الشيخ في الخلاف إذا أصاب الثوب نجاسة ففي طهارته بصب الماء روايتان: إحديهما يكفي الصب. و الأخرى لا بد من غسله و أظنه و هما بل الروايتان في اصابة البول الجسد. أما الثوب فلا بد من غسله و هل يراعى العدد في غير البول فيه تردد، أشبهه يكفي المرة بعد ازالة العين لقوله عليه السّلام «في دم الحيض حتيه ثمَّ اغسليه» «3» و الأمر المطلق يتناول المرة.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 31 ح 5.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 4.

(3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 406.

435
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: بول الصبي لا يجب غسله و يكفي صب الماء عليه مرة ؛ ج‌1، ص : 436

مسئلة: بول الصبي لا يجب غسله و يكفي صب الماء عليه مرة

في الثوب و غيره و نعني به الذي لم يأكل الطعام، و به قال الشافعي، و أحمد. و قال أبو حنيفة يغسل كغيره لعموم قوله عليه السّلام «انما يغسل الثوب من البول و الدم و المني».

لنا ما روي عن عائشة قال أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه بوله و لم يغسله «1». و روى أبو داود بإسناده عن لبابة بنت الحارث قالت كان الحسن بن علي عليه السّلام في حجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فبال عليه فقلت أعطني إزارك لأغسله فقال: «انما تغسل من بول الأنثى» «2». و عن علي عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «بول الغلام ينضح و بول الجارية يغسل» «3».

و من طريق الأصحاب ما رواه الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بول الصبي قال: «يصب عليه الماء فان كان قد أكل فاغسله غسلا» «4».

فرع المعتبر أن يطعم ما يكون غذاء له

و لا عبرة بما يلعق دواءا و من الغذاء في الندرة و لا تصغ الى من يعلق الحكم بالحولين فإنه مجازف، بل لو استقل بالغذاء قبل الحولين يتعلق ببوله وجوب الغسل.

مسئلة: و يكفي في طهارة محل النجاسة زوال عينها

و ان بقي لونها أو ريحها لأنهما عرضان لا يحملان النجاسة، و عليه إجماع العلماء، و لأن إزالة الرائحة و الأثر قد يتعذر أو يشق فيسقط اعتباره دفعا للحرج. و يؤيده قول النبي صلى اللّه عليه و آله في «الدم لا يضرك أثره» «5».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 414.

(2) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 87.

(3) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 87.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 3 ح 2.

(5) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 408.

436
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لبن الآدميات طاهر لبن ابن كان أو لبن بنت ؛ ج‌1، ص : 437

و من طريق الأصحاب ما رواه علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السّلام قال سألته أم ولد لأبيه فقالت أصاب ثوبي دم الحيض و غسلته فلم يذهب أثره فقال:

«اصبغيه بمشق» «1» و لو كان الأثر نجسا لما اجتزء بالصبغ.

و مثله روى عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ابن بابويه: «إذا أصاب الثوب بول فاغسله في الماء الجاري مرة و في الراكد مرتين» «2» و روى هذه الرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الثوب يصيبه البول قال: «ان غسلته في المركن فاغسله مرتين و ان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» «3» و يمكن أن يكون الوجه فيه ان الجاري يتغاير المياه به على الثوب فكأنه غسل أكثر من مرة.

مسئلة: لبن الآدميات طاهر لبن ابن كان أو لبن بنت.

و قال بعض فقهائنا لبن البنت نجس، لأنه يخرج من مثانة أمها، و مستنده حديث السكوني عن جعفر، و السكوني ضعيف و الطهارة هي الأصل. و في بولها خلاف. قال علي بن بابويه:

بول الصبي و الصبية سواء. و في رواية الحلبي «و الغلام و الجارية شرع سواء» «4».

و الأشبه اختصاص التخفيف ببول الصبي، و الرواية محمولة على التسوية في التنجيس لا في حكم الإزالة مصيرا الى ما أفتى به أكثر الأصحاب.

مسئلة: إذا علم موضع النجاسة من الثوب غسل ذلك الموضع و لو جهل الموضع غسل كل موضع يحتمل أن يكون فيه

، و الا غسل الثوب كله، و هو مذهب علمائنا، و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد. و قال ابن شبرمة: إذا خفيت بتحري مكان النجاسة فيغسله. و قال عطا و حماد ينضح الثوب كله.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 25 ح 1.

(2) بحار الأنوار ج 77 كتاب الطهارة ص 132 ح 3 (مع اختلاف يسير جدا).

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 2 ح 1.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 3 ح 2.

437
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لو نجس أحد الثوبين و لم يعلمه بعينه، قال الشيخ في النهاية و الخلاف: يصلي في كل واحد منهما فرضه، ؛ ج‌1، ص : 438

لنا ان المانع من الصلاة موجود على اليقين و لا يحصل اليقين بزواله الا بما قلناه. و يؤيد ذلك ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أصاب ثوب الرجل مني فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه و لم يتيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء، و ان استيقن أنه أصابه و لم يعلم مكانه فليغسل ثوبه كله» «1».

و مثله عن عنبسة بن مصعب و عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«في الثوب يصيبه المني اغسله ان عرفت مكانه و ان لم تعرف مكانه فاغسله كله» «2».

و كذا لو كانت النجاسة في أحد الكمين لم يتحر و غسلهما و كذا لو قطع أحد الكمين تعيّن غسل الباقي ليكون على يقين من زوال النجاسة كما هو على يقين من حصولها.

مسئلة: لو نجس أحد الثوبين و لم يعلمه بعينه، قال الشيخ في النهاية و الخلاف: يصلي في كل واحد منهما فرضه،

و قال في المبسوط و قد روى انه يتركهما و يصلي عريانا، و الأول أحوط. قال في الخلاف، و قال المزني: يصلي عريانا و اليه ذهب بعض أصحابنا ان ستر العورة شرط في صحة الصلاة، و لا يتحصل الصلاة مع الشرط على اليقين إلا بالصلاة في كل واحد منهما فيجب تحصيلا للواجب و شرطه.

و يؤيد ذلك رواية صفوان بن يحيى قال: كتبت الى أبي الحسن عليه السّلام في رجل معه ثوبان أصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو و خاف فوتهما و ليس عنده غيرهما كيف يصنع قال: «يصلي فيهما جميعا» «3» و قال أبو جعفر بن بابويه يعني على الانفراد.

و قال بعض المتأخرين يصلي عريانا، ثمَّ خبط في استدلاله بما لا ثمرة له لكنا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 6.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 64 ح 1.

438
المعتبر في شرح المختصر1

فرع ؛ ج‌1، ص : 439

نشير إلى زبدة و نبيّن وهمه قال شرع شاكا في صلاته فلا يصح أو شاكا في طهارة ثوبه و اليقين بالطهارة مشترط، و قال الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه فلا يكون متأخرا عن الواجب.

و الواجب لا نسلّم انه شرع شاكا، و بيان ذلك ان ستر العورة شرط بالإجماع و لا يسقط مع التمكن و التمكن هاهنا حاصل فيجب الصلاتان تحصيلا للستر المشترط في الصلاة، فحينئذ يكون كل واحدة من الصلاتين واجبة لأن ما لا يتم الواجب الا به واجب.

و قوله هو شاك في طهارة ثوبه و اليقين بطهارته مشترط، قلنا لا نسلّم ان اليقين بطهارة الثوب شرط بل يكفي عدم العلم بالنجاسة و في كل واحد منها هو غير متيقن للنجاسة.

قوله الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه، قلنا لو سلّمنا هذا الأصل فإن الوجه المقتضي وجوب الصلاتين مقارن لكل واحد منهما، و ذلك لان الوجه المقتضي وجوبهما تحصيل ما يتحقق وجوبه و هو ستر العورة و ذلك وجه مقارن لفعل الصلاة كما ان المأمور بصعود السطح لما لم يمكنه ذلك الا بنصب السلّم وجب عليه نصبه و ان كان الصعود متأخرا، لأنه ليس وجه وجوب نصب السلّم الصعود بل كون الصعود لا يتم الا به و كذلك الصلاة هاهنا لما وجب معها ستر العورة بالساتر الطاهر و كان تحصيله موقوفا على الإتيان بهما كان ذلك وجها متقاربا للإتيان بهما.

فرع

لو كان معه ثياب نجسة و طاهرة صلى الفريضة بعدد النجسة و زاد صلاة.

مسئلة: إذا لاقى الكلب و الخنزير أو الكافر المحكوم بنجاسة عينه ثوبا أو جسدا و هو رطب، غسل موضع الملاقاة وجوبا

، و ان كان يابسا رش الثوب بالماء‌

439
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا لاقى الكلب و الخنزير أو الكافر المحكوم بنجاسة عينه ثوبا أو جسدا و هو رطب، غسل موضع الملاقاة وجوبا ؛ ج‌1، ص : 439

نشير إلى زبدة و نبيّن وهمه قال شرع شاكا في صلاته فلا يصح أو شاكا في طهارة ثوبه و اليقين بالطهارة مشترط، و قال الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه فلا يكون متأخرا عن الواجب.

و الواجب لا نسلّم انه شرع شاكا، و بيان ذلك ان ستر العورة شرط بالإجماع و لا يسقط مع التمكن و التمكن هاهنا حاصل فيجب الصلاتان تحصيلا للستر المشترط في الصلاة، فحينئذ يكون كل واحدة من الصلاتين واجبة لأن ما لا يتم الواجب الا به واجب.

و قوله هو شاك في طهارة ثوبه و اليقين بطهارته مشترط، قلنا لا نسلّم ان اليقين بطهارة الثوب شرط بل يكفي عدم العلم بالنجاسة و في كل واحد منها هو غير متيقن للنجاسة.

قوله الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه، قلنا لو سلّمنا هذا الأصل فإن الوجه المقتضي وجوب الصلاتين مقارن لكل واحد منهما، و ذلك لان الوجه المقتضي وجوبهما تحصيل ما يتحقق وجوبه و هو ستر العورة و ذلك وجه مقارن لفعل الصلاة كما ان المأمور بصعود السطح لما لم يمكنه ذلك الا بنصب السلّم وجب عليه نصبه و ان كان الصعود متأخرا، لأنه ليس وجه وجوب نصب السلّم الصعود بل كون الصعود لا يتم الا به و كذلك الصلاة هاهنا لما وجب معها ستر العورة بالساتر الطاهر و كان تحصيله موقوفا على الإتيان بهما كان ذلك وجها متقاربا للإتيان بهما.

فرع

لو كان معه ثياب نجسة و طاهرة صلى الفريضة بعدد النجسة و زاد صلاة.

مسئلة: إذا لاقى الكلب و الخنزير أو الكافر المحكوم بنجاسة عينه ثوبا أو جسدا و هو رطب، غسل موضع الملاقاة وجوبا

، و ان كان يابسا رش الثوب بالماء‌

439
المعتبر في شرح المختصر1

فرع قال الشيخ في المبسوط: كل نجاسة أصابت الثوب أو البدن فكانت يابسة لا يجب غسلها ؛ ج‌1، ص : 440

استحبابا، و هو مذهب علمائنا أجمع لأن ملاقاة النجاسة الرطبة أو الموضع الرطب موجب نجاسته فيكون الرطوبة منجسة لمحلها و مع تحقق النجاسة يجب إزالتها، أما البدن فيصب عليه الماء كما سلف.

و يؤيد ذلك ما رواه جماعة منهم علي بن أبي حمزة و حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الكلب يصيب الثوب قال: «انضحه و ان كان رطبا فاغسله» «1» و في رواية محمد بن مسلم إذا أصاب الكلب جسد الرجل يغسل الموضع الذي أصابه، و عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير قال: «ينضح ما أصاب من ثوبه الا أن يكون فيه أثر فيغسله» «2».

و روى علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام في مصافحة اليهودي قال: «من وراء الثياب فان صافحك بيده فاغسلها» «3». و عن محمد بن مسلم عن أحدهما في رجل صافح مجوسيا قال «يغسل يده» «4».

قال في المبسوط: سواء كان الكافر أصليا أو كافر ملة أو كافر رده. و على هذا كل ثوب قصره كافر، أو صبغه، أو غسل غزله، أو سقاه، أو بلّه عند العمل، فإنه لا يجوز الصلاة فيه الا بعد غسله و تطهيره.

فرع قال الشيخ في المبسوط: كل نجاسة أصابت الثوب أو البدن فكانت يابسة لا يجب غسلها

، و انما يستحب مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 26 ح 3.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 13 ح 1.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 5.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 3.

440
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: من صلى ثم رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه لم تجب الإعادة ؛ ج‌1، ص : 441

مسئلة: من صلى ثمَّ رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه لم تجب الإعادة

لاحتمال تجددها و الأصل عدمها في الصلاة. و هو إجماع، أما لو تيقن انها كانت حاصلة في ثوبه أو على جسده ففيه ثلاث مسائل:

الأولى: سبق علمه بالنجاسة و صلى ذاكرا لها، لم تصح صلاته و عليه في الوقت الإعادة و مع خروجه القضاء، و هو إجماع من جعل طهارة البدن و الثوب طاهرا.

الثاني: علم النجاسة ثمَّ نسيها و صلى ثمَّ ذكر فروايتان:

إحديهما: هي كالأولى يعيدها لو كان الوقت باقيا و يقضيها لو كان خارجا، و هو اختيار الشيخ في المبسوط و الخلاف و النهاية، و المفيد في المقنعة، و علم الهدى في المصباح، لأنه أخل بالشرط مفرطا فلزمه القضاء.

و يؤيدها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه و ان علم قبل أن يصلي فنسي و صلى فعليه الإعادة» «1». و في رواية سماعة عنه عليه السّلام «إذا نسي أن يغسله حتى صلى يعيد كي يهتم عقوبة لنسيانه» «2».

و الرواية الأخرى لا يعيد، روى ذلك الحسن بن محبوب عن العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء فينجسه فنسي أن يغسله و يصلي فيه ثمَّ تذكر انه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة قال: «لا يعيد قد مضت صلاته و كتبت له» «3».

قال الشيخ هذا خبر شاذ لا يعارض به الاخبار التي ذكرناه و يجوز أن يكون مخصوصا بنجاسة معفو عنها. و عندي ان هذه الرواية حسنة و الأصول يطابقها لأنه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 40 ح 7.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 42 ح 5.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 42 ح 3.

441
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: من صلى ثم رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه لم تجب الإعادة ؛ ج‌1، ص : 441

صلى صلاة مشروعة مأمور بها فيسقط بها الفرض. و يؤيد ذلك قوله عليه السّلام «عفى لأمتي عن الخطأ و النسيان» «1». لكن القول الأول أكثر و الرواية به أشهر.

و قال الشيخ في الاستبصار: يعيد في الوقت و لا يعيد خارجه، و هو تعويل على مكاتبة و المكاتب مجهول، فالرواية إذن ساقطة فلذلك لم يشير إليها في الأصل.

الثالث: لو لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته و تيقن انها كانت في ثوبه و بدنه، فقولان، أحدهما لا اعادة، ذكره الشيخ في تطهير الثياب من كتاب النهاية، و هو اختيار المفيد و علم الهدى و الشافعي. و الثاني يعيد في الوقت لا خارجه، ذكره الشيخ في باب المياه من كتاب النهاية، و هو اختيار ربيعة و مالك.

لنا ما روى أبو داود بإسناده ان النبي صلى اللّه عليه و آله خلع نعليه في صلاته فخلعوا نعالهم فقال: ما حملكم على إلقاء نعالكم قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا قال: «ان جبرئيل أخبرني ان فيهما قذرا» «2». و لو لم يكن عدم العلم عذرا، لوجب عليه الاستيناف، و هذا و ان كان غير لازم على رأينا فهو لازم لهم.

و من طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل يصلي و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم قال: «قد مضت صلاته و لا شي‌ء عليه» «3». و لأنه مأمور بالصلاة على هذه الحال و الا يقتضي الاجزاء.

و يؤيد ذلك رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صليت فيه ثمَّ رأيته بعد فلا اعادة عليك و كذلك البول» «4».

______________________________
(1) بمعناه يوجد في سنن ابن ماجه ج 1 ص 659.

(2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 404.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 40 ح 2.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 2.

442
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 443

فروع

الأول: لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة طرحها إن أمكن و أتم صلاته

و ان لم يتمكن الا بما يبطل الصلاة مثل الفعل الكثير أو استدبار القبلة، بطلت صلاته و استقبلها بعد طرح النجاسة أو إزالتها، و به قال في المبسوط، و على قول الشيخ الثاني يستأنف ان كان الوقت باقيا كيف كان.

الثاني: لو وقعت عليه نجاسة و هو في الصلاة ثمَّ زالت و هو لا يعلم ثمَّ علم استمر على حاله

على ما قلناه، و على القول الثاني يستقبل الصلاة.

الثالث: لو حمل حيوانا طاهرا غير مأكول أو صبيا، لم يبطل صلاته

لأن النبي صلى اللّه عليه و آله حمل أمامة و هو يصلي و ركب الحسين عليه السّلام على ظهره و هو ساجد، و كذا لو حمل قارورة فيها نجاسة مشدودة الرأس. و تردد الشيخ في الخلاف فقال:

لا تبطل صلاته، و به قال ابن أبي هريرة، و قاسه على حمل حيوان طاهر في جوفه نجاسة. و قال جميع الفقهاء تبطل. قال الشيخ: و ان قلنا تبطل كان قويا لان على المسئلة الإجماع. فإن خلاف بن أبي هريرة لا يعتد به. و جزم في المبسوط بالبطلان.

و الوجه عندي الجواز، و ما استدل به الشيخ، ضعيف لأنه سلم انه ليس على المسئلة نص لأصحابه و على هذا التقدير يكون ما استدل به من الإجماع، هو قول جماعة من فقهاء الجمهور و ليس في ذلك حجة عندنا و لا عندهم أيضا.

و الدليل على الجواز انه محمول لا يتم الصلاة فيه منفردا فيجوز استصحابه في الصلاة بما قدمناه من الخبر، ثمَّ نقول الجمهور عولوا على أنه حامل نجاسة فيبطل صلاته كما لو كانت على ثوبه و نحن نقول النجاسة على الثوب منجسة له فتبطل لنجاسة الثوب لا لكونه حاملا نجاسة و نطالبهم بالدلالة على أن حمل النجاسة مبطل للصلاة إذا لم يتصل بالثوب و البدن.

443
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: المربية للصبي إذا لم يكن لها الا ثوب واحد اجتزأت بغسله في اليوم مرة ؛ ج‌1، ص : 444

مسئلة: المربية للصبي إذا لم يكن لها الا ثوب واحد اجتزأت بغسله في اليوم مرة

، ذكر ذلك الشيخ في المبسوط و النهاية.

و رواه سيف بن عميرة عن أبي حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سأل عن امرأة ليس لها الا قميص و لها مولود يبول كيف تصنع قال: «تغسل القميص في اليوم مرة» «1»، و لان تكرار بول الصبي يمنع التمكن من ازالته فجرى مجرى دم القروح أو السلس الذي لا يمنع من استصحاب الثوب في الصلاة، فكما يجب اتباع الرواية هناك دفعا للحرج، فكذا هنا لتحقق الحرج في الإزالة، و انما قلناه في اليوم و الليلة و ان لم يتضمنه الخبر نطقا، لأنه إذا اجتزأت في اليوم مرة فقد دخلت الليلة في الجملة.

روى عبد الرحيم القصير قال: كتبت الى أبي الحسن الأول أسأله عن خصي يبول فيلقى من ذلك شدة و يرى البلل بعد البلل فقال. «يتوضأ و ينضح ثوبه في النهار مرة واحدة» «2» و الراوي المذكور ضعيف، فلا عمل على روايته و ربما صير إليها دفعا للحرج.

مسئلة: من ليس معه الا ثوب نجس و تعذر تطهيره ففي جواز الصلاة فيه روايتان:

إحديهما: المنع و يصلي عاريا موميا، روى ذلك سماعة و محمد الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أصابته جنابة و هو في الفلاة و ليس عليه الا ثوب واحد و أصابه مني قال: «تيمم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعا يصلي و يومي إيماء» «3».

و اختار ذلك الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 4 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب نواقض الوضوء باب 13 ح 8.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 46 ح 4.

444
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الشمس إذا جففت البول من الأرض و البواري و الحصير جازت ؛ ج‌1، ص : 445

و الأخرى: يصلي فيه، روى ذلك عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته عن الرجل يجنب في ثوبه و ليس معه غيره و لا يقدر على غسله قال: «يصلي فيه» «1». و في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام في رجل أصاب ثوبه دم نصفه أو كله و حضرت الصلاة يصلي فيه أو يصلي عريانا قال: «ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصل عريانا» «2». و جمع الشيخ بين الروايتين بان قال: يجب نزعه الا أن يخشى من نزعه بردا أو غيره، فيصلي فيه.

و عندي في هذا التأويل إشكال لأن نزعه يستلزم فوات ستر العورة، و هو شرط في الصلاة و الصلاة فيه يستلزم فوات طهارة الثوب و هو شرط و كلاهما متساويان فلا ترجيح إذا و الاولى القبول بالتخيير.

و لو قيل الدليل على ما فصله الشيخ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه غيره قال «يصلي فيه إذا اضطر اليه» «3»، قلنا الاضطرار يكفي فيه عدم التمكن من غيره و إذا تقرر هذا فلو صلى عاريا لم يعد و لو صلى فيه هل يعيد إذا أمكن غسله؟ فيه قولان:

أحدهما: يعيد، ذكره الشيخ في المبسوط و النهاية و الخلاف و هو رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سأل عن رجل ليس معه الا ثوب لا تحل الصلاة فيه و لا يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: «يتيمم و يصلي فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة» «4» و الرواية ضعيفة السند، لان رجالها فطحية، و الأشبه أنه لا إعادة لأنه صلى صلاة مأمورا بها و الأمر يقتضي الإجزاء.

مسئلة: الشمس إذا جففت البول من الأرض و البواري و الحصير جازت

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 45 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 45 ح 5.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 45 ح 7.

(4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 30 ح 1.

445
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: الشمس إذا جففت البول من الأرض و البواري و الحصير جازت ؛ ج‌1، ص : 445

الصلاة عليه و طهر و هو اختيار الشيخين في المقنعة و المبسوط و الخلاف. و قال ابن الجنيد الأحوط تجنبها الا أن يكون ما يلاقيها من الأعضاء يابسا و قيل لا يطهر و يجوز الصلاة عليها، و به قال الراوندي منا، و صاحب الوسيلة، و هو جيد.

و استدل الشيخ لما ذكره بإجماع الفرقة، و رواية عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان في الموضع قذرا من البول أو غيره فأصابته الشمس ثمَّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة» «1». و بما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جففت من غير أن يغسل قال: «نعم» «2».

و يمكن أن يحتج بقوله عليه السّلام «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا أينما أدركتني الصلاة صليت» «3». و في استدلال الشيخ بالروايات إشكال لأن غايتها الدلالة على جواز الصلاة عليها و نحن فلا نشترط طهارة موضع الصلاة بل نكتفي باشتراط طهارة موضع الجبهة.

و يمكن أن يقال الاذن في الصلاة عليها مطلقا دليل جواز السجود عليها و السجود يشترط طهارة محله.

و يمكن أن يستدل بما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر» «4» و لان الشمس من شأنها الإسخان، و السخونة تلطف الأجزاء الرطبة و تصعدها، فاذا ذهب أثر النجاسة دل على مفارقتها المحل و الباقي يسير تحيله الأرض إلى الأرضية فيطهر لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام «التراب طهور» «5».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 29 ح 4.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 29 ح 3.

(3) السنن للنسائى ج 1 ص 210 مع اختلاف في ذيله.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 29 ح 5.

(5) سنن أبى داود ج 1 كتاب الطهارة ص 105 (مع اختلاف يسير).

446
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 447

قال في المبسوط: و يتيمم منها. و في قوله عندي تردد.

ثمَّ قال في المبسوط: و لو وقع مائع غير البول كالخمر لم تطهره الشمس لان حمله على البول قياس، و فيه إشكال لأن معوله على رواية عمار و هي تتضمن البول أو غيره.

فروع

الأول: لا يطهر الثياب، و الأواني، و ما ينقل، و يحول بالشمس، عدا البواري، و الحصير.

و فيما عدا الأرض مما لا ينقل تردد.

الثاني: قال ابن الجنيد: لا يطهر المجزرة و لا الكنيف بالشمس

، و هو حسن لمخالطة أعيان النجاسة أتربتها و قصور الشمس عن إزالتها.

الثالث: قال الشيخ في موضع الخلاف: إذا طلعت على الأرض الشمس و هبّت عليها الرياح طهرت

، و فيه إشكال، لأنه ان اشترط الأمرين طولب بالدلالة و ان جعل الرياح مطهرا بانفراده كان أشد إشكالا.

مسئلة: و تطهر الأرض باطن الخف، و النعل، و القدم مع زوال النجاسة بها

. قال ابن الجنيد: لو وطئ برجله أو ما هو وقاء لها نجاسة ثمَّ وطئ بعدها على الأرض طاهرة يابسة طهر ما ماس النجاسة من رجله و الوقاء و لو مسحها حتى يذهب عين النجاسة، و أثرها بغير ماء أجزأه إذا كان ما مسحها به طاهرا.

و قال المفيد في المقنعة: و إذا داس الإنسان بخفه أو نعله نجاسة ثمَّ مسحهما بالتراب طهرا بذلك. و قال أبو حنيفة إذا أصاب الخف نجاسة لها جرم فجفت و دلكه بالأرض جاز. و قال الشافعي في الحديد: لا يطهر الا النعل.

لنا ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا جاء أحدكم الى المسجد‌

447
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لا يشترط جفاف النجاسة و لا أن يكون لها جرم ؛ ج‌1، ص : 448

فان رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحهما و ليصل فيهما» «1». و عن أبي هريرة عنه عليه السّلام «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فان التراب له طهور» «2». و مثله عن عائشة عنه صلى اللّه عليه و آله.

و من طريق الأصحاب ما رواه فضالة بن أيوب و حفص بن أبي عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له: وطئت عذرة بخفي و مسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه قال: «لا بأس» «3».

و عن زرارة بن أعين قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل وطئ عذرة فساخت رجله فيها ينقض ذلك وضوءه و هل يجب عليه غسلها فقال: «لا يغسلها الا أن يقذرها و لكن يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلي» «4». و لان كل واحد من الخف و القدم معرض لملاقاة النجاسة، فلو اقتصر على تطهيره بالماء لشق و لم ينفك الإنسان متشاغلا بتطهيره و التراب من شأنه أحاله ما يلاقيه فاذا زالت العين بدعكه بالتراب فقد زالت النجاسة.

فرع لا يشترط جفاف النجاسة و لا أن يكون لها جرم

، خلافا لأبي حنيفة. لنا ظاهر الروايات، و لان ما ليس له جرم كالبول إذا ذهب و ان بقي منه شي‌ء يسير من قوامه كان احالته أسرع فإذا طهر ماله جرم فما لا جرم له أولى.

مسئلة: قال الشيخ في الخلاف: إذا بال على الأرض فتطهيرها بصب الماء

______________________________
(1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 90.

(2) سنن ابى داود ج 1 كتاب الطهارة ص 105.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 6.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 7.

448
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: قال الشيخ في الخلاف: إذا بال على الأرض فتطهيرها بصب الماء ؛ ج‌1، ص : 448

فان رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحهما و ليصل فيهما» «1». و عن أبي هريرة عنه عليه السّلام «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فان التراب له طهور» «2». و مثله عن عائشة عنه صلى اللّه عليه و آله.

و من طريق الأصحاب ما رواه فضالة بن أيوب و حفص بن أبي عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له: وطئت عذرة بخفي و مسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه قال: «لا بأس» «3».

و عن زرارة بن أعين قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل وطئ عذرة فساخت رجله فيها ينقض ذلك وضوءه و هل يجب عليه غسلها فقال: «لا يغسلها الا أن يقذرها و لكن يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلي» «4». و لان كل واحد من الخف و القدم معرض لملاقاة النجاسة، فلو اقتصر على تطهيره بالماء لشق و لم ينفك الإنسان متشاغلا بتطهيره و التراب من شأنه أحاله ما يلاقيه فاذا زالت العين بدعكه بالتراب فقد زالت النجاسة.

فرع لا يشترط جفاف النجاسة و لا أن يكون لها جرم

، خلافا لأبي حنيفة. لنا ظاهر الروايات، و لان ما ليس له جرم كالبول إذا ذهب و ان بقي منه شي‌ء يسير من قوامه كان احالته أسرع فإذا طهر ماله جرم فما لا جرم له أولى.

مسئلة: قال الشيخ في الخلاف: إذا بال على الأرض فتطهيرها بصب الماء

______________________________
(1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 90.

(2) سنن ابى داود ج 1 كتاب الطهارة ص 105.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 6.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 7.

448
المعتبر في شرح المختصر1

زيادات ؛ ج‌1، ص : 449

حتى يطهره و يزيل لونه و ريحه، و يبقى الماء الوارد عليه على طهارته و لا يحتاج الى قلع المكان الذي انتهى اليه ذلك الماء، خلافا لأبي حنيفة.

و استدل الشيخ برواية أبي هريرة في قصة الأعرابي قال: و النبي صلى اللّه عليه و آله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده تنجيسا «1» فيلزم أن يكون الماء أيضا على طهارته.

و ما ذكره الشيخ يشكل، لأن الرواية المذكورة عندنا ضعيفة الطريق، و منافية الأصل، لأنا بيّنا ان الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغيّر أو لم يتغيّر لأنه ماء قليل لاقى نجاسة، و يعارضها رواية ابن معقل عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «خذوا ما بال عليه من التراب و أهريقوا على مكانه» «2».

و لو قال هذا مرسل، قلنا مع إرساله لا يعلم بطلانه و مع الاحتمال لا نسلم روايته عن احتمال المعارضة، فالأولى اطراح هذه الرواية فلهذا قلنا في الأصل. و قيل أحاله على قول الشيخ رحمه اللّه، و إذا تقرر هذا فيماذا تطهر الوجه ان طهارتها بجريان الماء عليها أو المطر حتى يستهلك النجاسة أو يزال التراب النجس على اليقين أو تطلع عليه الشمس حتى يجف بها أو يغسل بماء يغمرها، ثمَّ يجري إلى موضع آخر فيكون ما انتهى اليه نجسا.

و لو كان مائعا غير البول طهر بجميع ذلك عدا الشمس على ما مر و لو كانت جامدة أزيلت عينها فان كانت رطوبتها باقية على الأرض فهي كالمائع و ان استهلكت النجاسة العينية في التراب لم يطهر إلا بإزالته.

زيادات

مسئلة: إذا جبر بعظم نجس كعظم الكلب و الخنزير، و الكافر، أزاله

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 7.

(2) سنن أبى داود ج 1 كتاب الطهارة ص 104.

449
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: إذا جبر بعظم نجس كعظم الكلب و الخنزير، و الكافر، أزاله ؛ ج‌1، ص : 449

حتى يطهره و يزيل لونه و ريحه، و يبقى الماء الوارد عليه على طهارته و لا يحتاج الى قلع المكان الذي انتهى اليه ذلك الماء، خلافا لأبي حنيفة.

و استدل الشيخ برواية أبي هريرة في قصة الأعرابي قال: و النبي صلى اللّه عليه و آله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده تنجيسا «1» فيلزم أن يكون الماء أيضا على طهارته.

و ما ذكره الشيخ يشكل، لأن الرواية المذكورة عندنا ضعيفة الطريق، و منافية الأصل، لأنا بيّنا ان الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغيّر أو لم يتغيّر لأنه ماء قليل لاقى نجاسة، و يعارضها رواية ابن معقل عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال: «خذوا ما بال عليه من التراب و أهريقوا على مكانه» «2».

و لو قال هذا مرسل، قلنا مع إرساله لا يعلم بطلانه و مع الاحتمال لا نسلم روايته عن احتمال المعارضة، فالأولى اطراح هذه الرواية فلهذا قلنا في الأصل. و قيل أحاله على قول الشيخ رحمه اللّه، و إذا تقرر هذا فيماذا تطهر الوجه ان طهارتها بجريان الماء عليها أو المطر حتى يستهلك النجاسة أو يزال التراب النجس على اليقين أو تطلع عليه الشمس حتى يجف بها أو يغسل بماء يغمرها، ثمَّ يجري إلى موضع آخر فيكون ما انتهى اليه نجسا.

و لو كان مائعا غير البول طهر بجميع ذلك عدا الشمس على ما مر و لو كانت جامدة أزيلت عينها فان كانت رطوبتها باقية على الأرض فهي كالمائع و ان استهلكت النجاسة العينية في التراب لم يطهر إلا بإزالته.

زيادات

مسئلة: إذا جبر بعظم نجس كعظم الكلب و الخنزير، و الكافر، أزاله

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 7.

(2) سنن أبى داود ج 1 كتاب الطهارة ص 104.

449
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و الصيقل لا يطهر بالمسح و ان أزال العين ؛ ج‌1، ص : 450

ان لم يخف الضرر، و أبقاه إن خاف و أجزأته صلاته. و قال الشافعي: يلزمه قلعه ما لم يظن التلف.

لنا ان في ذلك حرج فيكون منفيا و لأنها نجاسة متصلة كاتصال دمه فيكون معفوا عنها. و لو جبره بعظم ميت طاهر العين في حال الحيوة جاز لان الموت لا ينجس به عظم و لا شعر. و في جبره بعظم الآدمي تردد منشأه وجوب دفن عظمه لما رواه الحسن بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسقط سنّه فيأخذ من سن ميت مكانه قال: «لا بأس» «1».

مسئلة: و الصيقل لا يطهر بالمسح و ان أزال العين

. و قال المرتضى يطهر. قال الشيخ: و لست أعرف به أثرا.

لنا ان حصول النجاسة به معلوم، و زوال حكمها يفتقر الى مستند و مع عدمه فالحكم باق و لان المسح يزيل عين النجاسة الظاهرة و تبقى أجزاء لاصقة لا يزيلها الا الماء، و لأن النجاسة الرطبة يتعدى حكمها إلى الملاقي فلا يزول بزوال عين النجاسة.

مسئلة: لا يكفي صب الماء على الثوب بل لا بد من عصره مرتين

، و في البدن روايتان أشهرهما، الاكتفاء بالصب مرتين. و يستحب دلكه و لو لم يزل عين النجاسة إلا بالدلك وجب. و في بول الصبي روايتان، إحديهما يغسل مرة. و الأخرى يصب عليه مرة. و ان صب على الثوب و جمع ذلك الماء نجس على التقديرات، أما الثوب فيطهر لو كانت النجاسة بول صبي لم يأكل، و لا يطهر لو كان لبالغ. و قال ابن سيرين:

لو صب على الثوب، طهر هو و الماء المنفصل.

لنا انه أخل بالعصر فلم يطهر الثوب و الماء المنفصل لاقته نجاسة مع قلته، فيكون نجسا و لو عصر نصف الثوب النجس لم تسر نجاسة النصف الأخر إليه، خلافا لابن القاضي من الشافعية قال: لان مجاور الاجزاء نجسة فتسري إليه لما فيه من الرطوبة.

______________________________
(1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلى باب 31 ح 4.

450
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: روى أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه السلام قال:«طين المطر لا بأس به أن يصيب الثوب إلى ثلاثة أيام ؛ ج‌1، ص : 451

لنا ان المغسول يطهر لان الماء من شأنه التطهير و هو قابل له فيحقق الطهارة.

و ما ذكره ابن القاضي ليس بحجة، لان الملاقي له أجزاء جافة لا يؤثر فيها نجاسة المجاور لأنه لو أثرت لزم نجاسة كل مجاور حتى يلزم نجاسة العالم بنجاسة واحدة لأن بينهم أجزاء أرضية متصلة.

مسئلة: روى أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «طين المطر لا بأس به أن يصيب الثوب إلى ثلاثة أيام

حتى يعلم ان شيئا نجسه بعد المطر و ان أصابه بعد ثلاثة أيام غسله و ان كان الطريق نظيفا لم يغسله» «1» و وجه هذا ان الغيث لا ينجس بملاقاة النجاسة ما لم يغلب على أحد أوصافه فإذا مضى ثلاثة أيام، استحب ازالته لما يمازجه من الأشياء المستقذرة طبعا و ان لم يمازجه شي‌ء فهو على الإباحة فإن تيقن ملاقاة نجاسة بعد المطر أي بعد انقطاع المطر، وجب ازالته.

مسئلة: الأعيان النجسة لا تطهر بالاستحالة

. و قال أبو حنيفة: يطهر بالقياس على الخمر و جلود الميتة إذا دبغت و حكى عنه، انه لو وقع خنزير في ملاحة فاستحال ملحا طهر.

لنا ان النجاسة قائمة بالأجزاء النجسة لا بأوصاف الاجزاء فلا تزول بتغيّر أوصاف محلها، و تلك الأجزاء باقية فتكون النجاسة باقية لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها.

و هنا بحث في مواطن:

الأول: إذا أحالت النار الأعيان النجسة رمادا قال الشيخ في الخلاف: يطهر

و استدل بإجماع الفرقة، و بما رواه الحسن بن محبوب قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجص توقد عليه العذرة و عظام الموتى و يجصص به المسجد و يسجد عليه فكتب‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 75 ح 1.

451
المعتبر في شرح المختصر1

الثاني: إذا استحالت الأشياء النجسة ترابا كالعذرة اليابسة و الميتات ففي طهارتها تردد ؛ ج‌1، ص : 452

الي بخطه «ان الماء و النار قد طهراه» «1».

و في استدلال الشيخ إشكال. أما الإجماع فهو أعرف به و نحن فلا نعلمه هنا.

و أما الرواية فمن المعلوم ان الماء الذي يمازج الجص هو ما يحيل به، و ذلك لا يطهر إجماعا، و النار لم تصيّره رمادا، و قد اشترط صيرورة النجاسة رمادا و صيرورة العظام و العذرة رمادا بعد الحكم بنجاسة الجص غير مؤثر طهارته.

و يمكن أن يستدل بإجماع الناس على عدم التوقي من دواخن السراجين النجسة و لو لم يكن طاهرا بالاستحالة لتورعوا منه. و من هذا الباب ما ذكره الشيخ في الخلاف، قال: إذا طبخ الطين حتى صار خزفا أو آجرا طهر نظرا الى كونه محترقا فجرى مجرى الرماد عنده.

الثاني: إذا استحالت الأشياء النجسة ترابا كالعذرة اليابسة و الميتات ففي طهارتها تردد

، قال الشيخ في باب التيمم: يجوز التيمم بتراب القبر منبوشا كان أو غير منبوش، و هذا الإطلاق منه يقتضي الطهارة.

و قال في موضع آخر: إذا نبش قبر و أخرج ترابه و قد صار الميت رميما و أخلط بالتراب، فلا يجوز السجود على ذلك التراب لأنه نجس، و يمكن أن يكون قوله بالطهارة أرجح بتقدير أن يصير النجاسة ترابا لقوله عليه السّلام «جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا أينما أدركتني الصلاة صليت» «2» و قوله عليه السّلام «التراب طهور» «3».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 81 ح 1.

(2) السنن للنسائى ج 1 ص 210 مع اختلاف في ذيله.

(3) سنن أبى داود ج 1 كتاب الطهارة ص 105 (مع اختلاف يسير).

452
المعتبر في شرح المختصر1

فرع لو كانت النجاسة رطبة و مازجت التراب فقد نجس ؛ ج‌1، ص : 453

فرع لو كانت النجاسة رطبة و مازجت التراب فقد نجس

، فلو استحالت النجاسة بعد ذلك و امتزجت بقيت الأجزاء الترابية على النجاسة المستحيلة أيضا لاشتباهها بها.

الثالث: إذا عجن العجين بالماء النجس لم يطهر إذا خبز

. و قال الشيخ في موضع من النهاية يطهر، لرواية عبد اللّه بن الزبير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في البئر تموت فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فيعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز قال: «إذا أصابته النار فلا بأس بأكله» «1». و رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في عجين عجن و خبز ثمَّ علم ان الماء كانت فيه ميتة قال: «لا بأس أكلت النار ما فيه» «2».

لنا ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يدفن و لا يباع» «3». و قال الشيخ في التهذيب: بهذا الخبر نأخذ دون الأول.

و في رواية أخرى يباع ممن يستحيل الميتة، و هي ضعيفة لأن ابن أبي عمير في هذه الرواية قال عن بعض أصحابنا، و ما أحسبه إلا حفص بن غياث و حفص هذا ضعيف، و لان العجين ينجس بالماء النجس و النار لم تحلّه بل جففته و أزالت بعض رطوبته و مع بقاء الرطوبة و أبعاضها تمتنع الطهارة. و جواب ما ذكروه الطعن في الرواية فإن من جملة رجالها أحمد بن الحسن الميثمي و هو واقفي مع ان ما ذكرناه أرجح لأنه أنسب بالأصل.

الرابع: قال الشيخ في التهذيب و الاستبصار إذا مضى على عظم الميتة سنة

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 17.

(2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 18.

(3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 11 ح 2.

453
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يجوز استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل و الشرب و غيرهما، ؛ ج‌1، ص : 454

لم يجب غسل الثوب منه.

و احتج برواية إسماعيل الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن مس عظم الميت قال: «إذا جاز سنة فليس به بأس» «1»، و آكد ذلك برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن ثوب الرجل يقع على حمار ميت هل يصح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: «ليس عليه غسله [غسل] و يصلي فيه [عليه] و لا بأس» «2».

و ليس فيما ذكره الشيخ رحمه اللّه دلالة، لأن الخبر الأول يحتمل أن يكون امساسه بغير رطوبة، فلا تتعدى نجاسته.

لا يقال لو كان كذلك لما كان لاشتراط السنة فائدة، لأنا نقول قبل السنة لا تنفك من بقايا أجزاء ميتة لا حجة فيه و ملاقاة أجزاء الميتة منجسة و ان لم تكن رطبة، و لا كذلك إذا مر عليه سنة، لان أجزاء الميتة تكون قد زالت و لم يبق الا العظم و نجاسته ليست منه إذا العظم ليس ينجس إذا لم يكن الميت نجس العين.

فأما الخبر الثاني فمن الجائز أن يكون ثوبه وقع على شعر الحمار و شعر الحمار ليس بنجس و ان مات. لا يقال إطلاق اللفظ يقتضي الطهارة و ان لاقى جسده، لأنا نقول لما احتمل ما ذكرناه لم تبق دلالته متناولة لموضع النزاع على اليقين فيكون ما دل عليه الأصل من النجاسة باقيا.

و يلحق بذلك النظر في أحكام الأواني جمع آنية و واحد الانية إناء.

مسئلة: لا يجوز استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل و الشرب و غيرهما،

و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة يحرم الأكل و الشرب و التطيب.

و قال الشيخ في الخلاف: يكره استعمال أواني الذهب و الفضة و مراده التحريم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 2 ح 2.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 26 ح 5.

454
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: لا يجوز استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل و الشرب و غيرهما، ؛ ج‌1، ص : 454

و يدل على ما قلناه، ما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال «لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة و لا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة» «1». و هذا يدل بالبينة على تحريم الاستعمال مطلقا. و قال عليه السّلام «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» «2».

و من طريق الأصحاب ما رواه ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل في آنية الذهب و الفضة» «3». و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام انه «نهى عن آنية الذهب و الفضة» «4». و أما المفضض ففيه قولان: قال في الخلاف:

ما يدل على مساواته لآنية الذهب و الفضة. و قال في المبسوط: بالجواز، و به قال أبو حنيفة و الوجه الكراهية.

لنا ان في استعماله فخرا و بطرا و تعطيلا للمال مع إمكان تحصيل الغرض من دونه، و لما رواه بريد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كره الشرب في الفضة و في القداح المفضضة «5». و كذلك أن يدهن في مدهن مفضض، و المشط، كذلك.

و يدل على أن المراد بالكراهية هنا التنزه ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض و اعزل فمك عن موضع الفضة» «6». و هل عزل الفم عن موضع الفضة واجب أم مستحب؟ قال في المبسوط واجب و الأشبه الاستحباب عملا بالاستصحاب.

و يؤيده ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سأل عن القدح فيه ضبة‌

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 28.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 27.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 65 ح 2.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 65 ح 3.

(5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 66 ح 2.

(6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 66 ح 5.

455
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 456

فضة فقال: «لا بأس الا أن يكره الفضة فينزعها عنه» «1».

فروع

الأول: لا يحرم المأكول و المشروب فيهما

و ان كان الاستعمال محرما، لأن النهي عن الاستعمال لا يتناول المستعمل. و لو استدل بقوله عليه السّلام انما يجرجر في بطنه نار جهنم، قلنا الحقيقة غير مراده فيكون المجاز مرادا و هو كونه سببا في دخول النار بطنه و على التقدير لا يلزم أن يكون نفس المشروب حراما.

الثاني: لو تطهر من آنية الذهب و الفضة لم يبطل وضوءه و لا غسله

خلافا لبعض الحنابلة قال: لأنه استعمال في العبادة فيحرم كالصلاة في الدار المغصوبة.

لنا ان انتزاع الماء ليس جزء من الطهارة بل لا يحصل الشروع فيها الا بعده فلا يكون له أثر في بطلان الطهارة. و قوله هو استعمال في العبادة، قلنا اما انتزاع الماء فهو استعمال لكنه ليس جزء من الطهارة بل لا تقع الطهارة إلا بعد انقضاء ذلك الاستعمال فيكون كما لو قهر غيره على تسليم ثوب نفسه لتستر به في الصلاة و تمثله بالصلاة في الدار المغصوبة باطل لان البطلان في الدار المغصوبة تشاء من كون التصرف جزءا من الصلاة لأنها قيام و قعود و ركوع و سجود و هو منهي عنه في المكان المغصوب بخلاف الطهارة من الإناء.

الثالث: تحريم الاستعمال تعبّد غير معلوم العلة

. و قال الجمهور: العلة ما يتضمنه من الفخر و الخيلاء و كسر قلوب الفقراء و هو باطل باستعمال أواني الزبرجد و البلور و غيرهما من الجواهر الغالية. و قيل لما يتضمن من السرف و تعطيل المال و القول فيه كالأول. و بالجملة فإن ما ذكروه يمكن أن يكون علة أما انه هو العلة قطعا فلا.

الرابع: اتخاذ أواني الذهب و الفضة حرام

. قال الشيخ في المبسوط. و حكي‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 66 ح 4.

456
المعتبر في شرح المختصر1

الخامسة: اتخاذ اليسير من فضة كالحلقة للسيف، و القصعة، و كالضبة، و السلسلة التي تشعب بها الإناء جائز ؛ ج‌1، ص : 457

عن الشافعي جوازه لاختصاص النهي بالاستعمال، فلا يلحق الاتخاذ كما لا يحرم اتخاذ الحرير للرجل.

لنا ان ذلك تعطيل للمال فتكون سرفا لعدم الانتفاع، و لما روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام انه «نهى عن آنية الذهب و الفضة» «1» و هو على إطلاقه، و ما روي عن موسى عليه السّلام «آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون» «2».

و قول الشافعي اختص التحريم بالاستعمال، قلنا حق، لكن تحريم الاستعمال يستلزم تحريم الاتخاذ، لأنه لا فائدة في الإناء إلا الاستعمال فاذا حرم تعطيل المال، و كان تضييعا له و ليس كاتخاذ الحرير لان يتخذ للتجارة و للنساء و غير ذلك من المنافع التي لا توجد في الأواني.

الخامسة: اتخاذ اليسير من فضة كالحلقة للسيف، و القصعة، و كالضبة، و السلسلة التي تشعب بها الإناء جائز

، فإنه روي انه كان للنبي صلى اللّه عليه و آله «قصعة لها حلقة من فضة» «3». و لموسى بن جعفر عليه السّلام مرآة كذلك و فيما عدا ذلك مما ليس بإناء تردد، أشبهه الكراهية إذا كان فيه غرض صحيح، كالصفائح في قائم السيف، و الميل لما يختص به من الانتفاع.

و ما روي أن العياشي غدر فعمل له قضيب ملبّس بفضة نحو ما يعمل للصبيان تكون فضته عشرة دراهم، و أمر به أبو الحسن فكسر محمول على الكراهية لأنه حكاية حال في واقعة.

السادسة: لا يحرم غير الذهب و الفضة من المعادن

غلت أثمانها أو رخصت، لأن الأصل الإباحة.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 65 ح 7.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 65 ح 4.

(3) لم نجده.

457
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا ؛ ج‌1، ص : 458

مسئلة: يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا

أولاهن بالتراب، و هو مذهب أكثر الأصحاب و السبع أفضل. و قال المفيد في المقنعة ثلاثا وسطاهن بالتراب ثمَّ يجفف و يستعمل. و قال ابن الجنيد يغسل سبعا، و به قال الشافعي، و أحمد لما رواه مسلم عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب» «1».

و من طريق الأصحاب رواية عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يغسل من الخمر سبعا و كذا الكلب» «2». و اقتصر أبو حنيفة على غلبة الظن بالنقاء و لو بالمرة قياسا على نجاسة الأرض.

لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه قال في الكلب يلغ في الإناء «يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا» «3». و التخيير مسقط تحتيم الزيادة عن الأقل.

و من طريق الأصحاب ما رواه أبو العباس الفضل عن الصادق عليه السّلام سألته عن الكلب فقال: «رجس نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء مرتين» «4».

و الجواب عن رواية مسلم انا مع تعارض الروايات ننزل الزائد على الاستحباب ليتحقق العمل بهما. و يؤيده ان أبا هريرة راوي حديثهم قال «إذا ولغ الكلب في إنائك فاغسله بها ثلاثا». و قياس أبو حنيفة ضعيف، لجواز أن يكون التجفيف في الأرض لزيادة المشقة في تكرار غسلها، و لعموم البلوى بخلاف الإناء، و ما اشترطه المفيد من التجفيف منفي بالأصل، و بالأخبار التي تلوناها فان ظاهرها الاكتفاء بمضمونها.

______________________________
(1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 85.

(2) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 30 ح 2 (مع اختلاف يسير).

(3) سنن البيهقي ج 1 باب غسل الإناء من ولوغ الكلب ص 240.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 70 ح 1.

458
المعتبر في شرح المختصر1

فروع ؛ ج‌1، ص : 459

فروع

الأول: قال الشيخ في المبسوط: إذا لم يوجد التراب اقتصر على الماء

و ان وجد غيره كالأشنان، و ما يجري مجراه أجزء، و به قال ابن الجنيد، و وجه ما ذكراه ان الأشنان أبلغ في الإنقاء فإذا طهر بالتراب، فبالأشنان أولى، و فيه تردد منشأه اختصاص التعبد بالتراب و عدم العلم بحصول المصلحة المرادة منه في غيره على أنه لو صح ذلك لجاز مع وجود التراب.

الثاني: إذا تكرر الولوغ كفت الثلاث

، و كذا لو ولغ ما زاد على الواحد، لأن النجاسة واحدة فقليلها ككثيرها لأنها لا تتضمن زيادة عن حكم الأواني.

الثالث: هذا الحكم يختص الولوغ فلو أصاب بيده مثلا كان كغيره من النجاسات،

و هو قول الشيخ في الخلاف و سوى ابن بابويه بين وقوعه و ولوغه.

و قال الشافعي: حكم ملاقاة أجزاءه حكم ولوغه لان حكم أجزاء الحيوان واحد.

لنا اختصاص النص بالولوغ يفيد اختصاص الحكم و لا نسلم ان حكم أجزاء الحيوان واحد، و لو سلمناه لعرفنا اختصاص الولوغ بمزيد استقذار ينشأ من ملاقاة رطوبة لزجة تلجج بالإناء و تلك الرطوبة لا ينفك من لسانه عند الولوغ بخلاف بقية الأعضاء.

الرابع: ليس الخنزير كالكلب في الولوغ.

و قال الشيخ في الخلاف: الحكم واحد، و هو مذهب الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد قالوا: لأنه شر من الكلب للإجماع على نجاسته و تحريم اقتنائه. و استدل الشيخ في الخلاف بوجهين: أحدهما انه يسمى كلبا. و الثاني ان النجاسات يجب غسل الإناء منها ثلاثا و بأنه لا فارق.

و استدلال الجميع ضعيف أما انه شر من الكلب فمسلم و لكن لا نسلم ان تلك الأشربة موجبة لما اختص الولوغ به من الحكم، ثمَّ ينتقض ما ذكره بغيره من‌

459
المعتبر في شرح المختصر1

الخامس: لو غسل من الولوغ مرتين، ثم وقعت فيه نجاسة كفى الإتيان بموجبها ؛ ج‌1، ص : 460

النجاسات المتفق عليها فإنه يجتزى بالإزالة كالخمر و الحيض، و استدلال شيخنا ضعيف أيضا، لأنا لا نسلم ان الخنزير يسمى كلبا و لو سمي كان مجازا، و لا نسلم انه يجب غسل النجاسات ثلاثا و لو سلمناه، لم نشرط التراب.

و أما عدم الفارق فلا نسلّمه لان الفارق موجود و هو ابن القاضي و ممكن، لان عدم الوجدان لا يدل على العدم، و في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام عن خنزير شرب من إناء قال: «يغسله سبع مرات» «1»، و نحن نحمله على الاستحباب.

الخامس: لو غسل من الولوغ مرتين، ثمَّ وقعت فيه نجاسة كفى الإتيان بموجبها

، و يجي‌ء على هذا لو انضم الى الولوغ نجاسات مختلفة لم تزد على حكم الولوغ.

السادس: لو وقع إناء الولوغ في ماء قليل نجس الماء

و لم يتحصل من الغسلات شي‌ء و لو وقع في كثير لم ينجس و يحصل له غسلة واحدة ان لم يشترط تقديم التراب، و لو وقع في جار و مر عليه جريات قال في المبسوط: لم يحكم له بالثلاث، و في قوله اشكال، و ربما كان ما ذكره حقا ان لم يتقدم غسله بالتراب، لكن لو غسل مرة بالتراب و تعاقب عليه جريات كانت الطهارة أشبه.

السابع: لو أصاب الثوب أو الجسد أو الإناء ماء الولوغ لم يعتبر فيه العدد،

اقتصارا بالحكم على موضع النص.

مسئلة: يغسل الإناء من الخمر ثلاثا، و السبع أفضل

، و هذا مذهب الشيخ في التهذيب و النهاية و قال في المبسوط و الجمل: يغسل سبعا، و كذا المفيد في المقنعة.

لنا ان مع الثلاث يحصل الإنقاء فلا يشترط ما زاد، و يؤيده رواية عمار عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 2.

460
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و يغسل لموت الجرذ ثلاثا و السبع أفضل، و كذا الفأرة ؛ ج‌1، ص : 461

أبي عبد اللّه عليه السّلام في الإناء يشرب فيه الخمر هل يجزيه أن يصب فيه الماء قال: «لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات» «1»، و ان احتج برواية عمار أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الإناء يشرب فيه النبيذ قال: «يغسله سبع مرات» «2» فالجواب انا ننزله على الاستحباب صونا لهما عن التنافي.

مسئلة: و يغسل لموت الجرذ ثلاثا و السبع أفضل، و كذا الفأرة

، و قال الشيخ في النهاية: يغسل لموت الفأرة سبعا، و رواه في المبسوط و الجمل رواية، و حجته رواية عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اغسل الإناء الذي يصيب فيه الجرذ سبعا» «3».

و الرواية ضعيفة لانفراد الفطحية بها، و وجود الخلاف في مضمونها، فان الشيخ في الخلاف يقتصر على الثلاث في جميع النجاسات عدا الولوغ، و لأن ميتة الفأرة و الجرذ لا يكون أعظم نجاسة من ميتة الكلب و الخنزير، و لان الامتثال بالغسل يحصل بالثلاث فلا يجب ما زاد، و لأنه يحتمل أن يكون هذا الحكم مختصا بالجرذ فلا يتناول الفأرة.

مسئلة: و يغسل الإناء من سائر النجاسات مرة و الثلاث أحوط

، و قال الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن الجنيد: يجب غسله ثلاثا، و روى المرة رواية، و استدل الشيخ على الثلاث بإجماع الفرقة، و برواية أحمد بن الحسن بن علي عن عمر بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ قال: «ثلاث مرات يصب فيها ماء و يحرك و يفرغ» «4».

لنا الأمر بالغسل مطلق، فيكفي المرة لما عرفت، و روى الجمهور عن ابن عمر كان الغسل من الجنابة و البول سبع مرات فلم يزل النبي صلى اللّه عليه و آله حتى جعل الغسل من‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 51 ح 1.

(2) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 30 ح 2.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 53 ح 1.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 53 ح 1.

461
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم نجاستها ؛ ج‌1، ص : 462

الجنابة و البول مرة.

و احتجاج الشيخ بالإجماع بعيد من روايته المرة، ثمَّ انا نطالبه بتحقيق الإجماع، و لا يكفي روايتهم ما رواه عمار، لأنهم كلهم لم يرووه، و لا من يعلم ان الامام في جملتهم، و رواية عمار سندها فطحية فلا تنهض حجة، ثمَّ هي معارضة برواية المرة على ما ذكره، و هو أولى لأنها مطابقة للبراءة الأصلية.

و الذي يقوى عندي الاقتصار في اعتبار العدد على الولوغ و فيما عداه على ذلك النجاسة و غسل الإناء بعد ذلك المرة واحدة، لحصول الغرض من الإزالة و يضعّف ما ينفرد به عمار و أشباهه و انما اعتبرنا في الخمر و الفأرة الثلاث ملاحظة لاختيار الشيخ، و التحقيق منه ما ذكرناه.

مسئلة: أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم نجاستها

بمباشرتهم أو ملاقاة نجاسة، و الضابط ان الانية في الأصل على الطهارة، فلا يحكم بالنجاسة إلا مع اليقين بورود المنجس، و حينئذ أما أن يكون ذلك معلوم الحصول فتكون نجسة، أو معلوم الانتفاء فتكون طاهرة، أو مشكوكا فيه فيكون استعمالها مكروها.

و يستوي في ذلك المجوسي، و من ليس من أهل الكتاب، و في الذمي روايتان أشهرهما النجاسة نجاسة عينية، و نجاسة ما يلاقيه بالمائع، و خالف الشافعي و أبو حنيفة و لم ينجساها الا مع اليقين بملاقاة نجاسة غير المباشرة، لما رووا ان النبي صلى اللّه عليه و آله توضأ من مرادة مشركة و توضأ عمر من جرة نصرانية «1».

لنا ما دللنا عليه من نجاستهم و مع تسليمها يزول الخلاف، و لما رووه عن أبي ثعلبة الخشني قلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله انا بأرض أهل الكتاب أ فنأكل في أبنيتهم فقال: «ان وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها و ان لم تجدوا غيرها فاغسلوها و كلوا فيها» «2».

______________________________
(1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 32.

(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 33.

462
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: و لا يستعمل من الجلود الا ما كان طاهرا في حال الحيوة ذكيا ؛ ج‌1، ص : 463

و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمة و المجوس فقال: «لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» «1»، و أما الكراهية مع الجهالة فلاحتمال النجاسة و ما يقتضيه الاحتياط للطهارة.

و الجواب عما ذكروه من وجوه:

أحدها: الطعن في الرواية و المطالبة بتصحيحها.

و الثاني: معارضتها برواية ابن أبي ثعلبة و هي من مشاهير الروايات فيكون أرجح.

و الثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تنجيسهم، ثمَّ ما ذكروه فعل و القول أرجح منه، و أما خبر عمر فيجوز أن يكون رأيا رآه، فلا يعارض المنقول عن النبي صلى اللّه عليه و آله‌

مسئلة: و لا يستعمل من الجلود الا ما كان طاهرا في حال الحيوة ذكيا

، و يكره مما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ على الأشبه،

و هنا بحوث:

الأول: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ،

و لو كان طاهرا في حال الحيوة، و هو مذهب الستة و أتباعهم، و به قال أحمد بن حنبل و مالك في إحدى الروايتين عنهما و مثله روي عن عائشة، و عمر و ابنه، و أطبق الباقون على طهارة جلد ما يؤكل و اختلفوا فيما عداه و الشافعي يطهر كل جلد عدا الكلب و الخنزير، و به قال ابن الجنيد و أبو حنيفة يطهر جلد الكلب أيضا.

و استدلوا بقوله عليه السّلام «أيما إهاب دبغ فقد طهر» «2» و بخبر شاة ميمونة و لأن نجاسة الجلد انما هو لاتصال الرطوبات به، فاذا زالت الرطوبة بالدبغ كان طاهرا.

و احتج الشاذ منا بما رواه الحسين بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في جلد‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 72 ح 2.

(2) سنن أبى داود ج 4 كتاب اللباس ص 66.

463
المعتبر في شرح المختصر1

و هنا بحوث: ؛ ج‌1، ص : 463

و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمة و المجوس فقال: «لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» «1»، و أما الكراهية مع الجهالة فلاحتمال النجاسة و ما يقتضيه الاحتياط للطهارة.

و الجواب عما ذكروه من وجوه:

أحدها: الطعن في الرواية و المطالبة بتصحيحها.

و الثاني: معارضتها برواية ابن أبي ثعلبة و هي من مشاهير الروايات فيكون أرجح.

و الثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تنجيسهم، ثمَّ ما ذكروه فعل و القول أرجح منه، و أما خبر عمر فيجوز أن يكون رأيا رآه، فلا يعارض المنقول عن النبي صلى اللّه عليه و آله‌

مسئلة: و لا يستعمل من الجلود الا ما كان طاهرا في حال الحيوة ذكيا

، و يكره مما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ على الأشبه،

و هنا بحوث:

الأول: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ،

و لو كان طاهرا في حال الحيوة، و هو مذهب الستة و أتباعهم، و به قال أحمد بن حنبل و مالك في إحدى الروايتين عنهما و مثله روي عن عائشة، و عمر و ابنه، و أطبق الباقون على طهارة جلد ما يؤكل و اختلفوا فيما عداه و الشافعي يطهر كل جلد عدا الكلب و الخنزير، و به قال ابن الجنيد و أبو حنيفة يطهر جلد الكلب أيضا.

و استدلوا بقوله عليه السّلام «أيما إهاب دبغ فقد طهر» «2» و بخبر شاة ميمونة و لأن نجاسة الجلد انما هو لاتصال الرطوبات به، فاذا زالت الرطوبة بالدبغ كان طاهرا.

و احتج الشاذ منا بما رواه الحسين بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في جلد‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 72 ح 2.

(2) سنن أبى داود ج 4 كتاب اللباس ص 66.

463
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، ؛ ج‌1، ص : 463

و من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمة و المجوس فقال: «لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» «1»، و أما الكراهية مع الجهالة فلاحتمال النجاسة و ما يقتضيه الاحتياط للطهارة.

و الجواب عما ذكروه من وجوه:

أحدها: الطعن في الرواية و المطالبة بتصحيحها.

و الثاني: معارضتها برواية ابن أبي ثعلبة و هي من مشاهير الروايات فيكون أرجح.

و الثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تنجيسهم، ثمَّ ما ذكروه فعل و القول أرجح منه، و أما خبر عمر فيجوز أن يكون رأيا رآه، فلا يعارض المنقول عن النبي صلى اللّه عليه و آله‌

مسئلة: و لا يستعمل من الجلود الا ما كان طاهرا في حال الحيوة ذكيا

، و يكره مما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ على الأشبه،

و هنا بحوث:

الأول: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ،

و لو كان طاهرا في حال الحيوة، و هو مذهب الستة و أتباعهم، و به قال أحمد بن حنبل و مالك في إحدى الروايتين عنهما و مثله روي عن عائشة، و عمر و ابنه، و أطبق الباقون على طهارة جلد ما يؤكل و اختلفوا فيما عداه و الشافعي يطهر كل جلد عدا الكلب و الخنزير، و به قال ابن الجنيد و أبو حنيفة يطهر جلد الكلب أيضا.

و استدلوا بقوله عليه السّلام «أيما إهاب دبغ فقد طهر» «2» و بخبر شاة ميمونة و لأن نجاسة الجلد انما هو لاتصال الرطوبات به، فاذا زالت الرطوبة بالدبغ كان طاهرا.

و احتج الشاذ منا بما رواه الحسين بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في جلد‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 72 ح 2.

(2) سنن أبى داود ج 4 كتاب اللباس ص 66.

463
المعتبر في شرح المختصر1

الأول: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، ؛ ج‌1، ص : 463

شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن و يشرب منه أو يتوضأ قال: «نعم و قال يدبغ و ينقع به و لا يصلى فيه» «1».

لنا قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ «2» و لم يخص بالتحريم فينصرف الى الانتفاع مطلقا، و ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله انه كتب الى جهينة «كنت رخصت لكم في جلود الميتة فاذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب» «3»، و هو من الصحيح عندهم و هنا نفي الانتفاع يستلزم نفي الطهارة بالإجماع.

و عن جابر عنه عليه السّلام «لا تنتفعوا من الميتة بشي‌ء». و من طريق الأصحاب ما رواه علي بن المغيرة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الميتة ينتفع بشي‌ء منها فقال: «لا» «4» و ما روي عن موسى عليه السّلام انه كتب «لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب» «5» و لأن المقتضي للنجاسة موجود، و دليل الطهارة مفقود، فتكون النجاسة باقية. و الجواب عن خبرهم من وجهين:

أحدهما: المعارضة بخبرنا فان كل واحد منهما عام من وجه، و مع التعارض يكون المقتضي لبقاء النجاسة سليما عن المعارض.

الثاني: ان خبرنا متأخر عن خبرهم، فيكون ناسخا لوجهين:

أحدهما ما رووه ان كتابه عليه السّلام الى جهينة قبل موته بشهر أو شهرين.

و الثاني قوله صلى اللّه عليه و آله «كنت رخصت لكم في جلود الميتة فاذا جاءكم كتابي فلا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 16 أبواب الأطعمة و الأشربة باب 34 ح 7.

(2) سورة المائدة: 3.

(3) مسند أحمد ج 4 ص 310 و لم نجد صدرها في كتبهم و لكن يوجد ذيلها في سنن البيهقي و المسند و غيرهما.

(4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 61 ح 2.

(5) الوسائل ج 16 كتاب الأطعمة و الأشربة باب 34 ح 2.

464
المعتبر في شرح المختصر1

فرع و هل يجوز الانتفاع بها في اليابس فيه تردد ؛ ج‌1، ص : 465

تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب» «1» و هو صريح في التأخير فيكون ناسخا على أن ما ذكروه لو كان مشروعا لما خفي عن عائشة و عمرو بن عمر، لان الموت في الدواب كثير و الاحتياج الى جلودها مطرد، فلو طهر بالدباغ لما أخل به مخل الا نادرا، و كانت مشروعيته ظاهرة بين الأصحاب، لأنه من باب ما لو كان لظهر.

و بهذا الجواب يخرج خبر شاة ميمونة على انه قد روى عبد الرحمن بن الحجاج عن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قلت: أشتري الفراء من سوق المسلمين فيقول صاحبها هي ذكية هل يصلح أن أبيعها على أنها ذكية فقال: لا، قلت: و ما أفسد ذلك قال «استحلال أهل العراق للميتة و زعموا أن دباغ جلد الميتة ذكوته ثمَّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك الا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» «2».

و في رواية علي بن مغيرة قلت لأبي عبد اللّه: الميتة ينتفع بشي‌ء منها فقال: لا فقلت قوله ما كان على أهل هذه الشاة أن ينتفعوا بإهابها قال: «كانت لسودة بنت زمعة و كانت مهزولة فتركوها حتى ماتت فقال: ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي بالذكاة» «3»، و لم يذكر الضميمة التي أوردناها من قولهم عنه عليه السّلام انما يحرم لحمها، و جعفر الصادق عليه السّلام أعرف بالنقل على ان الانتفاع المطلق لا يستلزم الطهارة لأنه يصدق بالجز.

فرع و هل يجوز الانتفاع بها في اليابس فيه تردد

، أشبهه انه لا يجوز لعموم النهي‌

______________________________
(1) مسند أحمد ج 4 ص 310 و لم نجد صدرها في كتبهم و لكن يوجد ذيلها في سنن البيهقي و المسند و غيرهما.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 61 ح 4.

(3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 61 ح 2.

465
المعتبر في شرح المختصر1

البحث الثاني: ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الطاهر في الحيوة كالسباع يقع عليه الذكاة، ؛ ج‌1، ص : 466

عن الانتفاع، و في رواية عن أحمد بن حنبل بالجواز للقياس على الانتفاع بالكلب مع نجاسته، و لقوله عليه السّلام «لا تنتفعوا بإهابها» «1» و القياس عندنا باطل، و خبر الشاة قد بيّنا ضعفه.

البحث الثاني: ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الطاهر في الحيوة كالسباع يقع عليه الذكاة،

و قال الشافعي لا تطهر بالذكاة ما لا يؤكل لحمه، و انما يطهر بالدباغ.

لنا قوله تعالى إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «2» و التذكية هي الذباحة، فيكون مطهرة باعتبار وقوع صورتها إذا كان المذبوح طاهرا، و لأنها تخلي الحيوان عن العفن المقتضي للتحريم، و عن الصادق عليه السّلام «لا تصل فيما لا يؤكل لحمه ذكاه الذبح أو لم يذكه» «3»، و هذا دال على أن الذبح مطهر، و سيأتي له مزيد بيان في باب الذبائح إنشاء اللّه.

البحث الثالث: ما لا يؤكل لحمه من السباع إذا ذبح جاز استعماله

، و ان لم يدبغ لكن لا يصلى في شي‌ء منه، و لو دبغ الا ما نستثنيه و قال الشيخ في الخلاف و المبسوط و النهاية و علم الهدى في المصباح: لا يستعمل حتى يدبغ.

لنا ان الذكاة يقع عليه فيستغنى بها عن الدباغ، لأنها لو لم تقع عليه لكان ميتة و الميتة لا يطهر بالدباغ لكن يكره استعماله قبل الدباغ تفصيا من الخلاف، فلهذا كان الأشبه كراهية استعماله قبل الدباغ لا تحريمه و لا بأس بما يدبغ بالقرظ و الشب و الأشياء الطاهرة و لا يجوز بالأشياء النجسة، فهل يطهره؟ قال ابن الجنيد: لا، و الأشبه انها ان كانت مذبوحة يطهر بالغسل و لو دبغت بالنجاسة.

و ما رواه السياري عن أبي يزيد القسمي، عن أبي الحسن علي الرضا عليه السّلام انه‌

______________________________
(1) مسند احمد ج 4 ص 310.

(2) سورة المائدة: 3.

(3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلى باب 2 ح 1 (مع اختلاف يسير).

466
المعتبر في شرح المختصر1

مسئلة: ما كان من آنية الخمر صلبا لا يشتف الخمر كالصفر، و الرصاص، و الحجر و المغضور، يطهر بالغسل إجماعا ؛ ج‌1، ص : 467

سأله عن جلود الدارش فقال: «لا تصلي فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب» «1» فانّا نحملها على الصلاة فيها قبل غسلها، و بالجملة فالرواية ضعيفة السند فتنزيلها على التأويل أولى.

مسئلة: ما كان من آنية الخمر صلبا لا يشتف الخمر كالصفر، و الرصاص، و الحجر و المغضور، يطهر بالغسل إجماعا

، و ما ليس بصلب كالقرع و الخشب و الخزف غير المغضور فيه قولان:

أحدهما: لا يطهر، اختاره ابن الجنيد، لما روى محمد بن مسلم عن أحدهما قال: «نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الخشب و المرقب قال و سألته عن الجرار الخضر و الرصاص قال لا بأس بها» «2»، و لان للخمر حدة و نفوذا فتستقر أجزاؤه في باطن الإناء، فلا ينالها الماء.

و الأخر: يكره، و هو الأشبه و به قال الشيخ في المبسوط.

لنا الواجب إزالة النجاسة المعلومة و الاستظهار بالغسل، و قد حصل فلا يلزم تتبع ما لا يعلم، و لان ما يشتف الخمر يشتف الماء، فيتغلب وصول الماء كما يتغلب نفوذه الخمر و اللّه أعلم.

[تمَّ كتاب الطهارة بعون اللّه الوهاب]

______________________________
(1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 71 ح 1.

(2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 52 ح 1 (ع اختلاف يسير).

467